|
وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 14:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2
تعرضت ُ في الجزئين السابقين لخطورة الفكر السلفي التكفيري من حيث تأثيره المدمر على تنشئة أجيال تستعدي الفرح و السعادة و الحياة، و تلجأ للعنف لفرض إرادتها و إخضاع خصومها بالتطهير الديني و المذهبي، ثم مضيت ُ لتبيان ِ بعض خصائص شخصيات المقاتلين في المجاميع التكفيرية حيث عرضت ُ منها أربعا ً هي: الاندفاع العاطفي، الغضب و السخط على المجتمع، الإحساس بالمظلومية و إسقاطها على الأيدولوجية، و النرجسية الفائقة. أستكمل ُ اليوم إحدى الصفات البارزة و المهمة في تشكيل البنية النفسية للتكفيرين بُغية َ تسليط الضوء و إجلاء الفهم لإدراك ما يستعصي علينا إجابته و هو السؤال: كيف يستطيع ُ هؤلاء أن يأتوا بهذا الإجرام و هذه البشاعات؟
صفة: الفشل في الاندماج مع العائلة و المجتمع --------------------------------------- يُحس التكفيري أنه لا ينتمي إلى هذا المجتمع، فهو جزء ٌ من فرقة صفتُها أنها "الفرقة الناجية" من النار، أما الباقون فلا، و لذلك فهو "غريب"، و "الغرباء" وصف ٌ يتخذونه لأنفسهم لكي يبرأوا إلى الله من الضلال و الشرك في هذا المجتمع الذي هم "غرباءُ" عنه، غير قريبين منه، ينكرون ما فيه، و يدعون إلى ضده و نقيضِه ِ التوحيدي.
و نتيجة ً لذلك يجدون صعوبات ٍ متفاوتة في الاندماج أو في ممارسة حياتهم بطريقة طبيعية، و هو ما يمكن تبيان أثره عند زيارة مواقعهم و تصفُّح طلبات الفتاوى و الاستشارات الدينية التي يطلبونها من شيوخهم.
كمثال ٍ أول: تشتكي إحدى السيدات من أتباع المنهج السلفي من زوجها الذي تصفه بأنه يسب الذات الإلهية و يحتسي الخمر و لا يخشى الله و يشتمها و يطلقها و هو سكران. و تسأل هل يحق لها طلب الطلاق من المحكمة "الطاغوتية"؟ و هذا اللفظ تقصد به المحكمة الشرعية الإسلامية في بلدها.
ملخص جواب الشيخ المُفتي لها هو أنها مُطلقة من زوجها و لا تحل له، و عليها أن لا تساكنه، كما أن عليها أن تجد "قاضيا ً شرعياً" يطلقها، و القصد هنا أن تجد قاضيا ً من السلفين لا أن تتجه للمحكمة الإسلامية الشرعية في بلدها فالشيخ لا يعترف بشريعة هذه المحكمة و لا بقضاتها. ثم يقول لها الشيخ أمرا ً عجيبا ً أن: إن لم تجد "قاضيا ً شرعياً" فعليها أن تُشهد "جماعة المسلمين" على الطلاق و تذيعه، و لها الحق أن تتزوج من رجل ٍ آخر عندها. و لا يحدد الشيخ من هم جماعة المسلمين أو كيف ستذيع الخبر.
هكذا و بكل بساطة يلغي الشيخ السلطة القانونية و الدستورية، و يُلغي السلطة الشرعية للمحكمة الإسلامية و قضاتها، و يلغي المجتمع و الناس، و يتعامل مع المسألة كأن الزوجة تعيش في جماعة صغيرة معزولة في الصحراء و ليس في مدينة حديثة و دولة و مجتمع له قوانينه و أعرافه و تعقديات علاقاته.
و حتى يُضفي مسحة واقعية على كلامه يقول لها أن عليها أن تمارس حياتها بطريقة طبيعية حتى يقوم زوجها بطلب الطلاق منها في المحكمة الطاغوتية و عندها يمكنها أن تذهب لأنها عندئذ ٍ مطلوبة لا طالبة، و لكم أن تتدبروا هذا التفكير الذي يريد أن يحتال على حتمية اللجوء للمحكة الشرعية بخدعة "شرعية" و التفاف حلزوني على الدين و الله و الشريعة، ناهيك أن المرأة تبقى معلقة في ذمة هذا الرجل حتى "يحن" عليها!
كمثال ثانٍ: شاب تونسي يعمل في الجيش، يسأل في شقين: هل يحل له إنشاء مشروع من رواتبه التي يتقاضاها من الجيش؟ و يسأل عن حكم ضرب رتبة من رتب الجيش حتى يسرحوه منه، أو أن يستمر في الجيش لمدة أربع سنوات يستطيع ان يدخر فيها مبلغا ً يدفعه للجيش مقابل فسخ عقده معهم.
ملخص جواب الشيخ جاء بوجوب أن يسعى جاهدا ً للخروج من الجيش (أو اي وظيفة أخرى محرمة)، و أن المال الذي يحصل عليه من راتبه يجب إنفاقه في وجه من وجوه الخير، أو في المعيشة لكن يُمنع الإدخار. أما عن طريقة الخلاص من الجيش فلم يجب الشيخ عن موضوع ضرب الرتبة العسكرية لكنه أفتى له بجواز التظاهر بالمرض أو الإستعانة بتقرير طبي مزور و أورد له كدليل شرعي تظاهر النبي إبراهيم بالمرض أمام قومه.
و لنا أن نلاحظ أن السائل شاب يعاني لأنه لا يستطيع أن يحيا حياة ً طبيعية، فهو يشعر أن وظيفته حرام، و ماله الذي يأتيه منها حرام، و أن الله غاضب منه، و أنه يجب أن يتوب، و لذلك لا مانع لديه من كسر القانون و ضرب رتبة عسكرية و السجن و التسريح، و لا مانع لديه من أن يدخر مالا ً من عمله بالجيش لمدة اربع سنوات ثم يدفعها للجيش مقابل فسخ العقد. لا مانع لديه من إهراق سنوات حياته و تعريض مستقبله للخطر، و الشيخ يؤيده و يفتي له بما يزيده بعدا ً عن المجتمع و اختلافا ً عنه، إنه يحرضه على الصدام مع المجتمع و مع عائلته و أبيه بالخصوص الذي أدخله إلى الجيش. إن الشاب غريب عن المجتمع و الشيخ يدعوه لمزيد من الاغتراب.
كمثال ٍ ثالث: يسأل شاب ٌ عن جواز استكمال تعلُّم الطب في دول "الكفر" لأن "التعليم عندهم بشكل عام أفضل"، مع اعترافه بوجود مراكز جيده في بلده لكن "القبول فيها أصعب من الخارج". و هو يريد هذا لكي ينفع "إخوانه المجاهدين في الثغور".
نحن هنا أمام شاب يدرك تفوق الغرب علميا ً، و حاجته إليهم، و لا مشكلة لديه في الدراسة عندهم إذا كان الشرع يبيح هذه الدراسة، فالمشكلة ليست التعامل مع الكفار الذين يبدو من كلامه أنه يميل إليهم و يشعر بالذنب لهذا الميل فيكون الحل أن يستفتي الله عن طريق شيخه حتى يُبرأ نفسه مما قد يكون حراما ً و لو على المستوى الشعوري. كما أننا أمام حالة غريبة من انعدام الوفاء أو الأخلاق، فهذا الشاب يريد أن يستفيد من علوم الغرب حتى يحارب الغرب و يقتل أبناءه بدون أن يشكل هذا الأمر أي مشكلة ٍ لديه. لكنه في معضلة حقيقية فهو يواجه حاجة مشروعة لاستكمال دراسته، مع كونه غير قادر على التفاعل مع الحياة بطريقة طبيعية لتلبية هذه الحاجة فهو يتبع منهجا ً صارما ً يجعل منه "غريباً" عن العالم و المجتمع و الناس، و يحدد له المسموح و الممنوع.
جاء ملخص فتوى الشيخ له أنه من الأفضل أن يستكمل دراسته في بلده لكن يمكنه أن يدرس في بلاد الكفر إن لم يخشى الفتنة على نفسه، و من الأفضل أن لا يتوسع في حضور اجتماعات الأطباء المختلطة لكن مع مراعاة وجوب عدم السماح للمنكرات المتفشية في دول الغرب أن تكون مانعاً له "من تحصيل الفوائد التي تترتب عليها مصالح شرعية محمودة".
و كأن الشيخ أجابه و لم يجبه، و كأنه قال له اذهب و لا تذهب، و كأنه قال له احضر الاجتماعات المختلطة و لا تحضر، و كأني أراه زاد من حيرة ذلك الشاب المُحتار الضائع القلق المُضطرب، و لا بدَّ لهكذا منهج أن يُنتج شبابا ً مشوَّه الإدراك و الوعي، و لقد سمعنا مؤخرا ً عن الطبيب السعودي الشاب الذي مزَّق قلب والديه حين فجر نفسه في سوريا، فأورث الوالدين حسرة، و المجتمع السعودي ذهولا ً، و قتل السورين الأبرياء و ساهم في تدمير بلدهم و تيتيم أطفالهم و نسائهم و أنهى مستقبله و حياته و أي حلم ٍ لوالديه و عائلته، فأي ُ جنون ٍ هذا!
كمثال ٍ أخير: سأورد هذا المثال كما هو بنصه نقلا ً، لكي يتبين لكم عقلية السائل و مدى استهتاره بزوجه و طفلته المولودة حديثا ً و والده المريض ووالدته، و مدى اندفاعه و سوء تدبره للأمور و ضحالة نظرته للحياة و انفصاله التام عن المجتمع. و لقد أتى رد الشيخ عليه الذي سأورده أيضا ً كما جاء أكثر حكمة ً من كلام ِ السائل و إن كان ما زال تحريضيا ً يحمل في بذوره أسباب الموت .
نص السائل: ----------------------------------------------------------------- بسم الله الرّحمـن الرّحيم والصلاة و السّلام على أشرف النّبيين محمّد الأمين بتحيّة الإسلام أحيّيكم فالسّلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أمّا بعد : شيخنا الفاضل أنا ... من تونس أبلغ من العمر ... متزوّج ... توكلّت على الله للجهاد في سبيله بسوريا و قطعت تذكرة الطائرة قبل يومين من ولادة إبنتي .. و كلّ ذالك بدون علم عائلتي و أهلي و حلقت لحيتي و شددت رحالي و لكن قدّر الله أن نسيت النقود في البيت و لمّا عدت لأخذها علم أبي و كل العائلة بأمري لمّا رأو لحيتي و قد حلقتها مع معرفتهم لطريقة تفكيري فحاولوا منعي و شرعت كلّ العائلة بالبكاء و العويل بما فيهم أبي وأهلي و أمّها ولكنّي تركتهم مع دعاء والداي عليّ و سخطهم و إعلامي بعدم رضاهم و إعلام والدتي أنّها سحبت رأيها بمسامحتي على إرجاع ديني لها إذ أنّها أقرضتني مالا و لكن قدّر الله أن فاتني ميعاد الطائرة و ليس معي مال كفاية لأجّل موعد السفر إضافة إلى تدهور صحّة والدي الذي أوشك على دخول المشفى فعدت لعائلتي و أهلي ، و الأن أبي يحقد على أصدقائي و كلّ الملتحين و يرفض أن يصلّي في المسجد القريب من بيتنا لأنّهم ينعتونه بجامع الإرهابيين و يطلب منّي أن لا أطيل لحيتي وأن أنزع من رأسي فكرة الجهاد و أنّ الجهاد يكون في أهلي و أبنائي وأنّه وجب عليّ البحث عن عمل و الإكتفاء بنفسي وأن أصلّي و أعبد ربّي دون نهي عن منكر فكلّ سيحاسب وحده وأنّي لست مسؤولا عن الخلائق أو خليفة الله في الأرض ولا يجب أن أقدح في الحكومة الكافرة هاته التي تدّعي الإسلام و تحتكن للديموقراطيّة و أنّه لا يجب أن أقف في وجه باعة الخمور في جييّنا إذ أنّهم يستطيعون أذيّتي أو أذيّة عائلتي و أنّني إذا واصلت على هذا المنوال ستكون نهايتى السجن و أنّ ما أقوم به ليس من الدّين حسب رأيه.
وقد تأذّى أصدقائي بحديثه عنهم في المقاهي و نعتهم بالإرهابيين و هو يكثر من إهانتي أمام النّاس مع العلم أنّه يوفّر لي و لأهلي و أبنائي سكنا من دون مقابل و أنا إبنه الوحيد إذ لا إخوة لديّ سوى أخت تصغرني...
شيخنا الفاضل عذرا على الإطالة لكنّي والله في حيرة كبيرة من أمري و إنّي كثيرا ما أغلظ القول مع والديّ و أؤذيهما بلساني في خصوص هاته المسائل لأنّهما ستفزّانني و يقعني في المحظور بسبّ اللحية و الملتحين و الجهاد بقولهم الإرهاب ، فأفيدونا بارك الله فيكم مالحلّ مالحلّ مالحـلّ ؟
ملاحظة : أهلي و عائلة أهلي و كلّ عائلتي من بعيد أو قريب يفكّرون بنفس الطريقة . والسّلام عليكم و رحمة الله و بركاته " -----------------------------------------------------------------
نص جواب الشيخ: ----------------------------------------------------------------- بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه اجمعين .
أخي الكريم بالنسبة لمعارضة والديك لمنهجك و رفضهم لخروجك للجهاد فهذا أمر متوقع والكثير من شباب التوحيد يواجه هذه المشكلة .
وهذا الابتلاء مما يزيد في اجر المؤمنين في غربتهم وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : "فطوبى للغرباء" .
وهناك عدة ضوابط شرعية إذا التزمت بها فنرجو إن شاء الله تعالى أن يكون فيها علاج لخلافك مع اهلك :
أولا : نوصيك بالثبات على دينك إذ لا يجوز لك ترك الواجبات أو الوقوع في المحرمات حتى وإن أمرك والداك بذالك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وقد قال تعالى في شان الوالدين: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 8].
ثانيا : التعامل مع والديك يجب أن يكون تعاملا شرعيا بحيث لا يخرجك الخلاف معهما عن الإحسان إليهما والأدب معهما فلا يجوز رفع الصوت عليهما لقوله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23، 24] ولا يجوز الخروج على طاعتمها فيما هو مشروع .
ثالثا : يجب أن يكون تعاملك مع الناس وخاصة الأهل محكوما بأسلوب دعوي يتسم بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. ولقوله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] . قال سفيان الثّوريّ- رحمه اللّه-: «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.
رابعا : الدعوة والتمسك بالحق لابد لهما من الصبر على الأذى , ومن لا يستطيع الصبر على أذى الناس لن ينجح في دعوتهم وهدايتهم إلى الحق .
ولهذا فالأمر بالدعوة كثيرا ما يقترن بالأمر بالصبر كما قال تعالى في ذكر موعظة لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]
وأوصى بعض السلف بنيه فقال : إن إراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى فإن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر.
وقد روى البخاري في صحيحه عن الأعمش قال : حدثنى شقيق قال عبد الله كأنى أنظر إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - : " يحكى نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "
وسئل الإمام أحمد بن حنبل- رحمه اللّه- عن الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: «يأمر بالرّفق والخضوع، ثمّ قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد ينتصر لنفسه .
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية :
(قال الشيخ تقي الدين الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين إما تعطيل الأمر والنهي .
وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد قال تعالى : {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } .
فمن أمر ولم يصبر أو صبر ولم يأمر أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر) الآداب الشرعية (1/ 201).
فادع الناس إلى الحق واصبر على أذاهم واحتسب الأجر عند الله عز وجل .
واهلك هم اولى الناس بالصفح والمغفرة وتحمل الأذى .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين . بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه اجمعين .
أخي الكريم بالنسبة لمعارضة والديك لمنهجك و رفضهم لخروجك للجهاد فهذا أمر متوقع والكثير من شباب التوحيد يواجه هذه المشكلة .
وهذا الابتلاء مما يزيد في اجر المؤمنين في غربتهم وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : "فطوبى للغرباء" .
وهناك عدة ضوابط شرعية إذا التزمت بها فنرجو إن شاء الله تعالى أن يكون فيها علاج لخلافك مع اهلك :
أولا : نوصيك بالثبات على دينك إذ لا يجوز لك ترك الواجبات أو الوقوع في المحرمات حتى وإن أمرك والداك بذالك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وقد قال تعالى في شان الوالدين: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 8].
ثانيا : التعامل مع والديك يجب أن يكون تعاملا شرعيا بحيث لا يخرجك الخلاف معهما عن الإحسان إليهما والأدب معهما فلا يجوز رفع الصوت عليهما لقوله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23، 24] ولا يجوز الخروج على طاعتمها فيما هو مشروع .
ثالثا : يجب أن يكون تعاملك مع الناس وخاصة الأهل محكوما بأسلوب دعوي يتسم بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. ولقوله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] . قال سفيان الثّوريّ- رحمه اللّه-: «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.
رابعا : الدعوة والتمسك بالحق لابد لهما من الصبر على الأذى , ومن لا يستطيع الصبر على أذى الناس لن ينجح في دعوتهم وهدايتهم إلى الحق .
ولهذا فالأمر بالدعوة كثيرا ما يقترن بالأمر بالصبر كما قال تعالى في ذكر موعظة لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]
وأوصى بعض السلف بنيه فقال : إن إراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى فإن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر.
وقد روى البخاري في صحيحه عن الأعمش قال : حدثنى شقيق قال عبد الله كأنى أنظر إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - : " يحكى نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "
وسئل الإمام أحمد بن حنبل- رحمه اللّه- عن الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: «يأمر بالرّفق والخضوع، ثمّ قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد ينتصر لنفسه .
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية :
(قال الشيخ تقي الدين الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين إما تعطيل الأمر والنهي .
وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد قال تعالى : {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } .
فمن أمر ولم يصبر أو صبر ولم يأمر أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر) الآداب الشرعية (1/ 201).
فادع الناس إلى الحق واصبر على أذاهم واحتسب الأجر عند الله عز وجل .
واهلك هم اولى الناس بالصفح والمغفرة وتحمل الأذى .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------------------------------
و الأمثلة ُ لا تنتهي حيث تزخر ُ منابرهم بهذه الفتاوى التي يبرز ُ جليا ً فيها هذا الإنفصال عن الواقع و معاداته و الغربة عن الناس و الاستعداء ُ المقصود لأنظمة الحياة و شرائعها و الأنماط السلوكية المجتمعية.
إذا ً أيها القارئ(ة) الكريم(ة) لا عجب َ أن يتلو هذه "الغربة" اصطدام و صدام و قتل ٌ و قتال و أشلاء متناثرة تتهدَّم ُ على أثرها دول و تعود المجاميع البشرية إلى الوراء على طريقة "إلى الخلف در" إلى ما قبل الدولة، إلى مجتمع الصيد و الإلتقاط و الرعي و الإغارة و بدايات الزراعة، إلى وعي ٍ سابق ٍ بوهيمي تجازته الشعوب منذ آلاف السنين.
يتبع في المقال القادم.
-------------------------------------------------------------------------- الأجزاء السابقة من هذه السلسلة:
وباء السلفية التكفيرية و ضرورة الاستئصال. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=425063
وباء السلفية التكفيرية – 2- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 1 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=426975
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وباء السلفية التكفيرية – 2- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 1
-
بوح ٌ في جدليات – 5 – جارنا و الأفعى.
-
في الموت – قراءة ثالثة، من العبثية حتى الحتمية.
-
من وحي قصة حقيقية - يا سادن الحبِّ.
-
في الموت – قراءة ثانية من حيث الموقف الإنساني الواعي.
-
غزة - 4 - بقلم الملكة رانيا
-
وباء السلفية التكفيرية و ضرورة الاستئصال.
-
غزة - 3 – أربعة أطفال و قذيفة.
-
في الموت – قراءة أولى كأحد وجهي الوجود.
-
غزة – 2 – إستمرار جرائم الحرب الإسرائيلية و ردود الفعل الشعب
...
-
غزة – وضاعة استباحة الحياة و ازدواجية الاعتراف بالحق الإنسان
...
-
قراءة في اللادينية – الإلحاد كحركة دينية مُجدِّدة.
-
من سفر الدين الجديد – الفصل الأول - آمر لي مارهو
-
قراءة في جدلية ما بين المنظومة الدينية و الواقع– المعجزات و
...
-
في نفي دونية المرأة – 4 – الانسجام الجيني الأنثوي مع حاجة حف
...
-
من سفر الله – 3 – في جدلية تنافر الطبيعة البشرية مع التكليف
...
-
قراءة في مشهد– من وحي محاضرة في علم الفلك و الفضاء – الممارس
...
-
من سفر الله – 2 – في الدين و الإلحاد – تمظهرات العداء و الاج
...
-
بوح ٌ في جدليات – 4 – امتداد الوعي الكوني، فرضية.
-
قراءة في الوحشية – 2 – منهج الذبح عند السلفية الجهادية نموذج
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|