|
حول خطاب الأسد في جذور الأزمة السورية : دور المدرسة تثقيف أم تربية ؟
وائل زمو
الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 12:28
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أعلن بشار الأسد في خطاب تجديد ورثة لاشرعية في امتلاك سورية لولاية جديدة عن مرحلة تصحيح أخطاء سلفه في مجال التربية. لم يكن ذلك الكلام تغييرا في الخطاب الإعلامي للنظام واعترافا بتقصيره بعد أن كان يتغنى بعقائدية جيشه الذي أصبح موضع دراسة من الجيوش ونموذجا يحتذى في الاقتداء. أحال بشار الأسد جذور "الازمة" السورية الى معضلة أخلاقية عزاها الى أزمة تربوية ناشئة عن قصور في دور الاسرة السورية في تحمل واجباتها. لا يرى النظام اذاً أن هناك قصورا في دوره في هذا المجال رغم أن ايدولوجية النظام الفكرية والعقائدية هي المحور الأساسي لمناهج التربية في سورية وهو المتحكم بكل معلومة ليس فقط في المدارس وغيرها من أماكن التنشئة الاجتماعية بل حتى في تلك المعلومات التي يفترض انها تخترق تحصينات الرقابة في وسائل الاعلام والاتصال. تتحمل الاسرة تلك "اللا اخلاقيات" التي برزت في شباب "متامرين" على الرئيس و "كفار" لسياسة احتكار مقدرات البلد من قبل اسرة اعتبرت سورية مزرعة لخدمتها. لقد ذهب الى اكثر من ذلك حين ميز بين هؤلاء و بين الاخرين "الوطنيين" الذين أظهروا "أخلاقا حميدة" استطاعوا ان يحافظوا عليها ويصمدوا في دوامة الانحلال الأخلاقي الذي اعترى المجتمع السوري بسبب ثورة الحرية المزعومة على حد وصفه. تلك الاخلاق الحميدة التي برزت في تضحيات الجنود في إلقاء البراميل على العدو ضمن احياء سورية ومنازلها وسكانها الامنين او في حز الرقاب في القرى المتداخلة لتعبر عن تجاوز مرحلة الوحدة الوطنية الى مرحلة "الاندماج" بين المكونات السورية! لن ندخل كثيرا في تلك المنظومة التي عكست القيم وتبلورت في تحويل حامل صراخ الشعب السوري " واحد واحد " الى مختل أخلاقي مقابل ذلك "البطل" الشجاع الذي صرخ " الأسد او نحرق البلد ".... فالمهم هنا هو الوقوف على ذلك السؤال الذي اخترته عنوانا في محاولة للاستفادة من الإجابة عليه كأساس لبناء نظام تعليمي لسورية المستقبل, سورية الحرة. ملخص الطرح المقدم في خطاب الأسد هو حصر مهمة التربية في الاسرة واقتصار دور المدرسة على التعليم او التثقيف. يبدو أن كاتب الخطاب لم يأخذ برأي أصحاب التربية حتى وقع في خطأ كبير. خطأ التمييز بين دور المدرسة التربوي والتثقيفي او التأكيد على دور وإلغاء الاخر.عموما ذلك التمييز بين التثقيف والتربية كدور للمدرسة شغل الأبحاث التربوية والاجتماعية-التربوية كثيرا على مدى زمني ليس بالقليل. هذا وقد اختصر السوريون دور المدرسة في التربية في مسمى الوزارة المسؤولة عنها. بعد أن كانت الوزارة تحمل مسمى وزارة المعارف تحول الاسم الى التربية والتعليم ليقتصر أخيرا على التربية. لكن لا يمكن لنظام ان يتحمل مسؤولياته ويحمل سياساته في مجال التربية جذور هذه الازمة. بل نسبها الى الاسرة. من الناحية العلمية نرى ان على المدرسة ان تحقق ثلاث وظائف رئيسية : - نشر المعرفة (التثقيف) – تلبية احتياجات سوق العمل وهنا لا بد ان ترتكز على المساواة والعدالة في خلق الظروف المناسبة لجميع الافراد. – اعداد الافراد للحياة الاجتماعية والسياسية. حول هذا الهدف الاخير تكمن دور المرحلة المسماة المرحلة الإلزامية والمجانية فهي تمثل القاعدة الأساسية التي يجب على جميع أفراد المجتمع ان يكتسبوها قبل التفرع باتجاه مايريده الاقتصاد أي في دخول الفروع المتعددة والتي تبدا عموما بعد الشهادة الإعدادية. مجموعة المعارف في هذه المرحلة ضرورية لكل فرد لتامين حياته وهي أيضا تمثل مرحلة زرع القيم الواجب ان يتشارك بها جميع الافراد مهما كان وضعهم ومهنهم المستقبلية. هذه القيم والمبادئ هي المسماة بالاخلاق. هذه المرحلة (الإلزامية الاجبارية) هي المرحلة الأساسية في اعداد الناشئة للحياة المستقبلية أي اعدادهم للمواطنة. والاعداد للمواطنة هي من مسؤولية وزارة التربية كما هي معلنة كهدف أساسي للوزارة وللسياسة التربوية في سورية. أود ألفت الانتباه الى ان التركيز على مرحلة التعليم الالزامي الاجباري ليس فقط لانها الأساس في كل نظام تربوي عالمي في الاعداد للمواطنة وانما أيضا من منطلق تذكر ذلك الخطاب الإعلامي الذي كان يتهكم على المتظاهرين بانهم مجموعة من الفاشلين دراسيا وعلميا. هم من باعوا ضميرهم للمتامرين على البلد وسقف البلد والماجورين ب 500 ليرة. أي ان النظام من حيث لا يدري سوق في التهكم على معارضيه فشل سياسته الأخلاقية والتي من المفترض ان يمتلكها كل انسان حتى لو كان فاشلاً دراسيا. فالفشل الدراسي هو فشل تثقيفي للنظام يضاف له فشل في خلق وظائف تتناسب مع امكاناتهم لا تركهم يموتون اجتماعيا واقتصاديا لتكون النتيجة كما كانت عليه . أما الفشل الأخلاقي فهو فشل تربوي للنظام. عمليا, النظام يحدد من خلال الأهداف المرسومة للتربية بانه المسؤول عن التربية في مدارسه وهو حال جميع البلدان ولكن يحمل فشل ذلك الى الاسرة. حقيقة الوقوف على هذه المعضلة ( مسؤولية التربية والاعداد للمواطنة هل هي للاسرة ام للدولة ؟) معضلة كبيرة لان عملية التربية متداخلة وتلعب جميع مؤسسات التربية دورا فيها. لكن يمكن تحديدها نسبياً-جزئياً بان دور الاسرة هو الاعداد للحياة الاجتماعية اما الدولة فدورها الاعداد للحياة السياسية رغم تداخل الهدفين وتشابكهما. ولكي لا نوحي بان هناك تناقضاً فمرة نقول ان الاخلاق هي من وظائف الاسرة ومرة من مسؤولية الدولة هذا يقودنا لطرح مصطلحين لهما نفس الجذر اللاتيني لكلمة المواطنة (سيفيس) وعلى اساسهما يمكن فهم الدور المناط بكل من الاسرة والمدرسة في الاعداد للمواطنة. الكلمة الأولى هي (سيفيليتي ) الادب وهو مجمل العيب والحلال والحرام حسب ثقافتنا أما الثانية فهي (سيفيسم) التضحية او حب العمل من اجل العام, من اجل الدولة, من اجل الشعب, من اجل الاخرين. الأول عائد الى مجال التعامل مع الاخر والثاني الى التضحية والاخذ بالمسؤولية تجاه الاخر. رغم ان كلا الكلمتين مشتقتان من نفس الجذر اللاتيني الا ان كلمة سيفيسم تقترب من المواطنة (سيتويينيتي ) اكثر باعتبار أن المواطنة تحمل بعدا سياسيا وقضائيا واجتماعيا في حين ان الأولى تقتصر على مجال التعامل الاجتماعي. في رأيي أن دور الاسرة أكثر في الاعداد للأدب مقابل دور أكثر للدولة في مجال الاعداد للتضحية وللعمل العام ورغم ان كلاً منهما له تاثير على كلا الجانبين لان الاخلاق منظومة لا تتجزأ فالسيفسيم يغلب عليه أحيانا التفسير الأيديولوجي بينما المفترض ان السيفيليتي هي عامة وثابتة. إن ذكر الفرق بين السيفيسم والسيفيليتي هو للتذكير بما كان يحدث أيام بعض المظاهرات من التعدي على أشياء ترمز الى الدولة او الى النظام كالتماثيل او الانشقاق عن بعض المؤسسات كالجيش أساسا والشرطة والامن او حتى حزب البعث القائد العام للدولة والمجتمع وهي عموما ترمز الى التذمر من الدولة كنظام. فكلمة سيفيسم ترمز الى الاحترام والالتصاق والدفاع عن الدولة وعما يمثلها من مؤسسات. فلم نلاحظ أي تعدي على أملاك خاصة الا على سيرياتيل وغيرها من ممتلكات مخلوف عموما وهو رمز للنظام أيضا. او ربما أيضا من مفيد التذكير ببعض اعمال الشغب التي كانت تحدث أيام المباريات والأندية قبل الثورة من التهجم على الممتلكات العامة وعدم المساس باي ممتلكات خاصة في إشارة الى ان الحنق والاخلال في الجانب الأخلاقي هو في مجال السيفيسم وليس الادب السيفيليتي. لم يقرأ النظام ان تلك الاعمال كانت عنيفة بشكل كبير عندما تحمل الفرق لون طائفي معين بل حتى الاصطفاف الجماهيري الذي يكاد يكون طائفيا خالصا في تشجيع فريق خاص. الحرية والاتحاد, الكرامة والوثبة, الجهاد والفتوة, وبشكل خاص تشرين وحطين. هل يمكن نسيان سبب انتفاضة 2004 الكردية في كونها مؤشر حقيقي على ذلك الاندماج الذي يتحدث عنه النظام. ولفهم اكثر لما تمثله هذه التصرفات يمكننا مقارنة ذلك بما يحدث في فرنسا في كل راس سنة او ما حدث تحديدا في عام 2005من اعمال الشغب في الضواحي. فقد كانت موجة العنف موجهة الى الممتلكات والسيارات الخاصة بشكل أساسي وليس الى الممتلكات العامة أي بعكس الحالة السوري. او لنقارن أيضا مطالب السوريين الموجهة للدولة تحديدا مع مطالب حركة احتلو وول ستريت . رغم ان هذه الحركة لا تعلم ضد من تظاهرت... ضد منظومة راسمالية ؟ بمن تتمثل ؟ لا يوجد أي اسم او تحديد.... لكنها لم تكن موجهة ضد الدولة او الحكومة الامريكية او حكومة او دولة معينة. عودة الى ما نناقشه لكي لا نستفيض في الشرح عن ان الاحتجاج كان ضد الدولة (النظام). المدرسة هي المسؤولة عن غرس تلك الثقافة المشتركة بين افراد المجتمع. في المدرسة يبدأ الطفل بالتعرف الى الاخر الذي قد لا يشترك معه طائفيا او قوميا ولكنه يشترك معه بحمل صفة مواطن ينتمي الى هذا البلد الذي يجب على الجميع ان يتشارك في خيراته ليدافعوا عنه ويتحملوا واجباتهم تجاهه عند المصاعب. المدرسة هي المسؤولة عن غرس ماذا يعني وطن ومواطن. لا تقوم المدرسة بذلك من خلال نشر المعارف فقط (التثقيف) وانما تلعب دورا كبيرا من خلال الاختلاط والتفاعل بين مجمل المكونات المدرسية, حتى ان الشكل المدرسي يلعب دورا في ذلك... فمدارسنا اشبه بمراكز اعتقال, سجون, او كما يشبهها كثيرون بانها ثكنة عسكرية. ان كان هؤلاء يطلقون هذا اللقب على المدرسة التقليدية أي تلك المدرسة التي تقوم على سلطة المدرس وقمع رغبات الطالب الذي لايقوم بأي دور, بل فقط التلقي والاستقبال ومعيار الطالب الجيد هو الطاعة وهو ما يتناسب جيدا مع ما سينتجه لاحقا من مواطنة الطاعة وهو هدف النظام, الا ان النظام السوري كان يعتبر المدرسة ثكنات عسكرية فعلا. حول النظام المدارس الى ثكنات عسكرية بما يترافق ذلك من تدريس التربية العسكرية والانضباط في الصفوف والصفارة و بل حتى السجن لبعض الطلاب وتوزيع الطلاب على "كتائب" و خلق لجنة انضباط "شرطة عسكرية" مع عريف وعريف عام ولا يخلو الامر من بعض الجواسيس "امن عسكري" دون ان ننسى أيضا صورة "الاب القائد ". ان مجمل هذه الشروط او ما يسمى بالحياة المدرسية (شكل البناء المدرسي, علاقات الطلاب فيما بينهم وهي كما نرى علاقة عسكرية, رئيس ومرؤوس, علاقة الطلاب مع المدرسين, طاعة عمياء...الخ. و ما يرافق ذلك من طرائق التدريس هو باختصار بيداغوجية النظام في مجال التربية او ترجمة السياسة والفلسفة التربوية للنظام في واقع ملموس. هذه الشروط والجوانب الحياتية حظيت باهتمام الباحثين سواء تحت مصطلح المنهاج المخبأ او الخفي من قبل علماء المناهج وعلماء الاجتماع التربوي او تحت مصطلح المناخ الاجتماعي او المدرسي من قبل علماء النفس الاجتماعيين. علميا اثبتت الدراسات ان هذا الجانب هو الأساس في تشكيل الوعي المدني والاتجاهات نحو احترام الاخر والمشاركة الحياتية والاستعداد للتضحية من اجل الصالح العام وتحمل المسؤولية أي الاخلاق (سيفيليتي وسيفيسم). للتعبير عن ذلك بعبارة بسيطة, اثبتت المدرسة ان لها دورا كبيرا في مجال التربية اكثر منه في مجال التثقيف و نشر المعرفة وهذا الامر في ارقى البلدان الديمقراطية. مدارسنا التقليدية القائمة على التربية العسكرية وعقوباتها وعدم مشاركة الطالب في الأنشطة المدرسية وعلى عزل الطالب عن محيطه ليبقى حبيس الجدران العازلة للمدرسة عن محيطها كثكنة عسكرية يمارس فيها الطاعة العمياء تحت "سقف المدرسة" تخلق نوعا من القيم والمبادئ هي ما نراها في تفاصيل الثورة السورية. يقول ابن خلدون في مقدمته : “من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر، وضيّق على النفس فى انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحُمِلَ على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما فى ضميره خوفـًا من انبساط الأيدى بالقهر عليه، وعلّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادةً وخُلُقـًا، وفسدت معانى الإنسانية التى له من حيث الاجتماع والتمرن، وهى الحَمِية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالاً على غيره فى ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخُلُق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد فى أسفل السافلين اكثر من ذلك من منا يستطيع ان ينسى تلك المقولة العسكرية التي كانت تتردد على السنة مدرسي التربية العسكرية "نفذ ثم اعترض". أي محاولة تلك التي يتربى عليها الانسان في سحل حريته وحرية النقاش والتعود على ان هناك حقوق في المجتمع واشخاص لا يحق لك ان تعترض عليهم. عليك طاعتهم فقط. مدرسة تمتهن كرامة الانسان وحريته وتربيه عليها نرى صداها بذبح أبناء الوطن دون ان ترف لهم جفن لان من يمتلك حريتهم غرس وسلب تلك القدرة على التفكير في أعمالهم حين كانوا صغارا. نرى جيش يستبيح الوطن, يتلذذ برمي البراميل على المدنيين الامنين, نرى مفتي يسمع هدير الطائرات و صفير البراميل وهي تهوي فوق احياء مدينته ومدن سورية ثم يخرج ليقول ان العصابات المسلحة هي من دمرت البلد... هذه عينة من "الاخلاق" التي تربت عليها النفوس وأصحاب هذه الاخلاق يريدون لاولئك الذين صرخوا "الشعب السوري واحد" و"هدول اخوتنا" ان يتعلموا "الاخلاق". اذا كانت المدرسة تلعب دورا كبيرا من خلال البداغوجية التربوية والحياة المدرسية والذي يبدو بوضوح حجم الخلل فيه وفي السياسة التربوية للنظام فان المناهج الرسمية نفسها أي الدور التثقيفي او المعرفي لم تخل من الخلل ايضا. ان المتابع للمناهج الرسمية السورية في مجال الاعداد للمواطنة - اذا علمنا ان المواد الأساسية في نشر الوعي المدني المواطني تشمل على : التاريخ ؛ الجغرافية ؛ بشكل أساسي التربية الدينية والتربية العسكرية قبل ان يتم حذفها في عام 2004 حذف المادة وإلغاء اللباس العسكري لكن عمليا بقت البداغوجية التربوية ثابتة ؛ التربية الوطنية في المرحلة الابتدائية والقومية الاشتراكية في المراحل اللاحقة - يكتشف أيضا التلاعب بها دون مراعاة للاثر الهدام على الهوية الوطنية. حقيقة, حتى على هذا المستوى لم تسلم المناهج من التجاذبات والخلافات السياسية فمرة لواء اسكندرون سوريا في كتب الجغرافية والتاريخ ومرة يمسح تماما بعد الصلح السياسي مع تركيا. مرة قدم الجيش السوري البطل اروع ملاحم البطولة جنبا الى جنب مع الجيش الامريكي في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي ومرة تسمية الغزو الأمريكي بالاحتلال هذا ان لم نقف عند تسمية الانقلاب بالثورة والانقلاب على الانقلاب بالتصحيح وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي تكاد تكون ميزة النظام هي بيع الهوية حسب سوق بورصة الضغوط الدولية. هكذا تقوم المدرسة سواء من خلال المناهج او من خلال البيداغوجية وهي الأهم بهدم القيم الأخلاقية مع الاضافة لها (للمدرسة) عوامل كثيرة لا مجال لذكرها أهمها فساد الجيش او المؤسسة العسكرية (العامل الثاني في الاعداد للسيفيسم او للتضحية من اجل البلد). مجمل هذه العوامل مرتبطة بالفساد الإداري والمحسوبيات هي التي أدت الى هدم الرابط الاجتماعي من خلال تهميش فئات اجتماعية كبيرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا دفعتها للثورة على تلك المواطنة المزعومة. كل ذلك يساعدنا على نفهم جزءا يسيرا من ذلك الانحلال الأخلاقي رغم اختلاف المنظار الذي ينظر به الى ذلك الامر هل هو من جانب الثورة او من جانب النظام. من الناحية العملية لا يمكن ان نقول ان هناك مواطنة في سورية. فكلمة المواطنة الحديثة نسبيا, 250 عام تقريبا, هي مشتقة كما قلنا من الجذر اللاتيني سيفيس ومنها أيضا كانت كلمة مواطن سيتوين . كلمة مواطن قديمة جدا تعود الى أثينا القديمة وفيما بعد روما. اما لماذا لا يمكن ان نقول ان هناك مواطنة لان كلمة المواطن تاريخيا تشير الى الشخص الحر حسب تقسيم المجتمع الاثيني مصدر هذه الكلمة. كلمة مواطن جاءت من مدينة لان الحر يحق له التدخل ومناقشة أمور المدينة اما العبيد فلا. واقعيا كلمة رعايا اكثر ملاءمة للحالة في ظل النظام لأننا لا نملك تلك الحرية التي تسمح لنا بالتدخل ونقد الشأن العام أي التدخل بالسياسة والكلام فيها. نحن اشبه بالعبيد. نحن أبناء مدرسة خلقت كاداة للنظام على تعليم الطاعة والانقياد دون أي تفكير, خلقنا لنمارس اعمال وادوار و ليقرر عنا "مواطنون بيض" مالكون لنا ومتحكمون بشؤوننا. لذلك ليس غريبا ان يتم الهجوم على تلك الاخلاقيات ممن رفض الذل وامتهان الكرامة ورفع من الحرية شعارا له. اما لماذا هذا الاختلاف بين الاخلاقيات او وجود اخلاق و "لا اخلاق" فلها تفسير اخر يرتبط أساسا بفكرة المواطنة نفسها في ظل النظام الحاكم وماهية الرابط الاجتماعي الذي يربط مكونات المجتمع السوري بعضها بعضا. لكن يمكن التأكيد على ان "اللا عدالة" هي العامل الحاسم في ذلك الانحلال الذي أصاب المجتمع وهو يحتاج الى تفصيل اكثر لا يتسع المقال لذكره الان. عامل الانحلال الأخلاقي يعود الى فشل النظام تربويا وليس الى الاسرة. لا بل يمكن التأكيد على انه فيما لو كانت الاسرة هي المسؤولة عن هذا الفشل فهو أيضا فشل للنظام. يقول فوكو ان النظام السياسي يجد صداه في جميع مؤسساته وترتسم صورة النظام في ادق تفاصيل الحياة الاجتماعية واصغر هذه المؤسسات هي الاسرة. لاحظوا علاقة المدير مع مرؤوسيه... علاقة المدرس مع طلابه.... علاقة رب الاسرة مع أبنائه... عموما سوق النظام كثيرا لفكرة الاب القائد وهو فعلا كان "المثل" لكثير من الاسر. ان لم تكن المناهج الرسمية (المعارف) واضحة في تدمير الانتماء الوطني و تدمير مفهوم المواطنة للنظام فان المنهاج الخفي لعب دورا كبيرا حتى لو لم يقر النظام بذلك. فهو يعلم جيدا ان فكرة وحيدة خطت على جدران احدى المدارس من قبل أطفال تلعب دورا كبيرا في النفوس تماما مثل صورة الاب القائد الملصقة على جدران المدارس وكراسات الطلاب وساحات المدن و شوارعها. ما يسمى منهج خفي لم يكن يوما خفيا على النظام.
#وائل_زمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الجنسية والمواطنة وروح القطيع
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|