|
الإرادة ..السواء المطلق!!
اسعد الاماره
الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 10:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حينما نتحدث عن السواء المطلق نعني به بالتأكيد الصحة النفسية رغم وجود سواء نسبي أيضا ولكن قبل أن نغور في موضوع الإرادة من حيث قوتها أو ترددها" ضعفها" أو تقهقرها أو زيفها، كما هو الحال لدى البعض من مرضى العقل أو النفس. نسمح لأنفسنا أن نمر على محور السواء ومدى علاقته بالإرادة لدى الفرد أو لدى الجماعة أو لدى الشعوب أو لنقل لدى الجيوش أيضا. نعني بالإرادة هنا ليست قدرة خاصة وإنما ترتبط بالعديد من العوامل والمتغيرات النفسية والجسمية والموقفية، تظهر وتختفي وتتبدل وتتغير حسب تقلبات أمزجتنا وشخصياتنا في المواقف التي نحن نحركها باتجاه هدف ما نحن اخترناه. ولا نفغل أيضا الإرادة الزائفة التي تجعل البعض يتهور وربما يتشنج ويمر بمواقف أكثر ميلا للعصبية والهياج والعناد والاندفاع فتكون الإرادة الزائفة أو بمعنى أدق نقص الإرادة. يقول علماء النفس أن الإرادة عنوان الصحة قبل كل شيء، الصحة بكل معانيها الجسدية والنفسية والعقلية وامتداداتها في التعامل السلوكي اليومي الذي يعبر بالفعل عن هشاشة الشخصية أو تدهورها أو قوتها.. وهو ما نلمسه من الآخر الذي نرى أنفسنا به، وهو مرآة وجودنا. يقول"داكو" الإنسان الذي يتصرف هو الإنسان الذي يملك القوة الهائلة، فهو يتصرف آليا لأن العمل هو خاصة الإنسان، فإذا كان واضحاً ومتحرراً من تمزقانه الداخلية، فإنه يملك الإرادة فما عليه بالتأكيد أن يبحث عنها وهو يجمع كل قواه، لأن الإرادة تستجيب إلى ندائه مباشرة ودون عناء والسبب هو أن إرادة الفرد تتم في نفسه من تلقاء نفسها. نحن بحاجة إلى تربية الإرادة لدى الأفراد والجماعات في المجتمع والشعوب، لا بل حتى في الجيوش والمؤسسات ذات الصلة بحماية المجتمع!! لأنها تبنى وتتربى وتنمو وتنشأ كما هي التنشئة الاجتماعية، كأي قدرة عامة عند الإنسان بشكل فردي والمجتمع بشكل جمعي، وليست قدرة خاصة يتميز بها أفراد عن باقي الناس الآخرين، تقوم في أساسها بتنظيم الحواس واستخدام الطاقات النفسية أمثل استخدام بدون انهيار نفسي أو عصبي لكل مواجهة حياتية، لا سيما أن الحياة جهاد دائم ومستمر لا يتوقف أبدا. بتربية الإرادة نصل إلى بلوغ القوة النفسية التي تحرك القوة الجسمية"النفسجسمي" والتوازن والوضوح، فهي ليست مسألة إرادة متناثرة أو جهد مبعثر بقدر ما هو قوة معنوية مطلقة ترتكز على أساس نفسي – ذهني هادئ مغلف بصحة نفسية مطلقة. في هذه الحياة اليومية المعاصرة ، عالم التبدل السريع والتغيير ألقسري ، حال عالم اليوم، عالم يتجاوز فيه الإنسان ولا يدري مستوى النجاح لأنه غاب عنه منذ زمن طويل واختلط مع الفشل في كل شيء، ولعل الفاشلون هم أكثر الجميع حاجة إلى مسائلة أنفسهم ، ما سر الفشل؟ وما سر غياب النجاح؟ وما سر التخلف والتراجع عندنا قياسا بالمجتمعات والشعوب الأخرى ؟ وتتزايد الاجتهادات وتكثر التبريرات وتضعف العوامل المؤدية إلى النجاح لأننا انشغلنا في التبرير والتأويل ونسينا التشخيص وهو بداية أية محاولة للعلاج. هذه هي الحقيقة التي يجب علينا أن نعرفها ونواجهها في صدق وأمانة ودون خداع للذات.. حقيقة العاجزين عن الوصول للهدف..هل يحق لنا أن نقول أنه تدهور في الصحة النفسية الفردية والجمعية في المجتمع لا بل عند الشعوب؟ وهنا تتدهور الإرادة وتنتهي بصاحبها لا بل لدى المجتمع، فيكون العلاج الشافي هو الهروب من المواجهة، أما بإدمان المخدرات أو العزلة أو الانهيار النفسي ، أو الوحدة مع الهلوسة أو التفكير الميتافيزيقي غير الواقعي الذي يقود الفرد أو الجماعة إلى الاعتقاد بوجود قوة ستأتي لتخلص الناس من هذا الكابوس أو أن الآجل قريب..إلى ما لا نهاية من التأويلات والتبريرات التي ترسخ أكثر الاستسلام والضعف، بل أطلاق رصاصة الرحمة على بقايا الإرادة في النفس .. وهو الجنون. كثيرا ما يتردد عند عامة الناس ونحن منهم حينما يحقق فرد ما أهدافه ويصل إلى ما يريد نقول "أن المسألة مسألة إرادة" وحينما تحقق جماعة ما أهدافها حتى وإن كانت تلك الأهداف غير نبيلة أو عدوانية أو عنصرية أو متطرفة وتحقق الانتصارات تلو الانتصارات، رغم أنها غير ذات حق وتسحق الضعفاء وتمزق نسيج الشعوب وتغير خرائط الجغرافية وتمحي الأقليات وتحرق القيم وتغير العقائد بالقوة المفرطة ولكنها عرفت كيف توظف الإرادة أسمى توظيف لان الإرادة مكتسبة ومتعلمة، وليست غريزية ولا موهبة وهبها الله أو الآلهة عند بعض المشركين، وإنما هي تنظيم للعقل مع قوة وعمق للفكر. لا نستغرب حينما تنهزم جيوش ولا تصمد أمام قلة من الغزاة لا يملكون غير إرادة حقيقية حديدية فهزموا ذلك الجيش أو تلك القوة المهزوزة الإرادة. يقول "بودوان Boudoin" الإرادة حزمة متراصة من الميول القوية. ونؤكد بهذا الصدد إن الإرادة الحقة الفاعلة ناجمة عن تحرر الإنسان من ذاته الضيقة أولا ثم إنها سيادة كاملة على الذات وهيمنة على العالم الخارجي تنطلق من الداخل ثانيا، وخلاصة القول أنها استبعاد لكل ما يعرض الذات إلى التوزع أو التشظي، ونتفق مع ماسون أورسيل Masson Oursel بقوله الإنسان لا يولد إراديا، بل يصير إراديا بالممارسة، وبالتدريب وتربية قواه العقلية والنفسية إن هو أراد فعلا.
#اسعد_الاماره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانسان والحياة..جدل دائم؟
-
الصحة النفسية ..الجمع بين الأضداد في إطار واحد
-
الاكتئاب ..هل الحياة ليس لها معنى!!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|