|
في الحاجة إلى حركة سياسية، فكرية ، مدنية، قوية.
احمد الطالبي
الحوار المتمدن-العدد: 4534 - 2014 / 8 / 5 - 18:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في ضل سياق إفليمي متشعب ، ومضطرب ، وفي ضل المتغيرات الجيوسياسية التي تلوح في الأفق ، و التي هي بطبيعة الحال إستمرار لدينامية ، تمتد إلى منتصف القرن الماضي ، حيث تطلبت الحرب الباردة اصطفافات هنا وهناك ، مما تطلب خلق حركات سياسية و أيديولوجية تخدم أجندات معينة ، فما كان من الغرب و حلفائه الرجعيين من العالم الإسلامي إلا أن بادروا إلى تشكيل حركات إسلامية متطرفة من قبيل ما كان يسمى ، مجاهدي افغانستان ، مستفيدين من تنامي الشعور بالدونية لدى مختلف شباب الدول الإسلامية بعد العديد من النكسات و الهزائم :48/67 . ولم يكن هدف الغرب و عملاؤه آنذاك رد الإعتبار للشعوب الإسلامية ، و إنما خلق حركة إسلامية مناهضة لليسار التقدمي ، نقيض الرأسمالية المتوحشة ، والمدافع عن قيم العدالة الإجتماعية و حرية الشعوب في تقرير مصيرها السياسي و الإقتصادي ، وفي هذا السياق وعلى مستوى المغرب مثلا ثم التقليص من شعب تدريس الفلسفة بالجامعات كفكر حر ،وإغلاق معهد السيولوجيا ، مخافة تكوين جيل من السوسيولوجيين ، الذين سيضطلعون بمهام تفكيك بعض الأوهام التي تحكم مقاربتنا للواقع ، مما سيعجل بثورة فكرية تنويرية ، قد تكون لها امتدادات هنا و هناك ، بالمقابل ، تم فتح العديد من شعب الدراسات الإسلامية ، مما جعل الشباب يتبنى رؤى تختزل التاريخ و الهوية ، في بعد جد ضيق ، وتم تعميم وجدان و مخيال جماعي ، يغلب عليه طابع الأسطورة و الخيال في تقدير الماضي و رموزه ، وكذلك في انفصام الشخصية الوطنية المغربية عن واقعها ، وثقافتها و قيمها المتعددة المشارب و الأصول ، وهذا ما حصل كذلك ، في مختلف مناطق شمال إفريقيا و الشرق الأوسط..
كانت العقلية الغربية ، المتسلطة ، المعبرة بدورها عن جموح أقلية إستعمارية سيطرت على مقدرات العالم ، تتعامل ببراكماتية و انتهازية مقيتة ، وشنت حروبا ، ودمرت دولا ، وساندت الإستبداد و الديكتاتورية ،بل وتدعم مخطط الجهل و التجهيل الذي باث قاب قوسين أو أدنى ، بالمال و السلاح عن طريق مقدرات الدولة الوهابية السعودية ، و إعلاميا بالحليف القطري: قناة الجزيرة ..
في ظل هذا السياق ، تشكل وعي جديد و رؤية جديدة للذات و الآخر ، لكنه وعي يغلب عليه الطابع الإنفعالي العاطفي و النرجسي أحيانا ، ولم تكتمل لديه ألأدوات الفكرية و النقدية ليؤسس رؤاه و مشاريعه على أرضية صلبة ، وبمنهجية علمية سليمة ..
لذلك ، وبعد بضع سنوات ، على حرب الخليج الثانية ، والتي هزت وجدان شعوب المنطقة لما شاهدته من صور عنيفة ، دموية حركت شيئا ما الوجدان الشعبي العام ، وذكرته ربما بما يعتبره بطولات و أمجاد مضت ، فتحرك وازع البطولة ،والمروءة الذي انتفض ضد الظلم و الإستبداد، لكنه تحول بقدرة قادر إلى مشروع جهادي ، دموي ، عنيف ،متخلف و غير إنساني ، مما يفقده الشرعية ، بل ويهدد الإستقرار و المستقبل ......
إن هذا الطابع ، الرجعي المتخلف الذي سيطر و بسرعة مفرطة على مجمل الإنتفاضات الشعبية في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط ، لا يمكن فصله عن سياقات تشكيل وعي الجيل الجديد من الشباب و التي اشرت إليها في الفقرتين السابقتين ، هذا الوعي المخدوم ببرمجة إعلامية ، وتثقيفية و تربوية ، تعادي كل ما هو نقدي و عقلاني ، مما فسح المجال للفكر التكفيري و العنصري المتطرف، ذي الطابع الطائفي الفارغ من كل مضمون إنساني . كما لا يمكن فصل سياقات تشكيل هذا الوعي عن تاريخ من إضطهاد العقل و العقلانية ، من طرف سلاطين الإستبداد ووعاضهم ، الذين كرسوا كل سلطتهم في سبيل تعميم ، إسلام أشعري رجعي متزمت يكفر العقل و يرفضه ...
في ضل هذه السياقات ، مالمطلوب و كيف السبيل إلى تحصين الذات و الوطن من الإختراقات؟ فقد بات الجميع مهددا بحرب تبقي و لا تذر ، حرب تقودها الغوغاء، ووقودها الغوغاء ، ومع أنه يتطلب الأمر مشروعا بامتداد مجالي شاسع ، إلا أني ساقتصر على المغرب فحسب ، وبإختصار:
على المستوى الرسمي :
- إقرار ديمقراطية حقيقية ، بمضمون حقوقي و سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي هوياتي ... - إقرار الطابع المدني للدولة ، حتى يتسنى ضمان الحريات الجماعية و الفردية لمختلف التعبيرات الفكرية و العقيدية ، التي يتم إقصاؤها و حرمانها من ممارسة حقها في الوجود بتوظيف سياسي انتهازي و مشبوه للإسلام ، مع مواكبة ذلك بآليات تربوية و إعلامية ، تؤسس لضرورة الإيماان بالإختلاف والتعددية ونسبية الحقيقة ..
على المستوى غير الرسمي :
بلورة حركة يسارية غير أرتودوكسية ، متعددة المشارب و التوجهات ، يغلب على ممارستها السياسية الطابع الإنساني المنفتح بدل الإنغلاق على الذات ، يكون من مهامها تسليح الجماهير خاصة الشباب بوعي سياسي سليم يؤسس للديمقراطية بمعناها القيمي و الفكري ،مع حركة ثقافية تعيد الإعتبار للعقل و التفكير النقدي ..
كما يجب تسطير الحاجة الملحة إلى حركة إسلامية ، قادرة على مراجعة أسسها الفكرية و منطلقاتها ، والتخلص من أوهام الماضي ، وذلك بمحاورة منجزات العقل الحداثي و الإستفادة من فكر رواد النهضة : محمد عبده ،والأفغاني و الكواكبي ، وطه حسين وعلي عبد الرزاق و غيرهم ،و يكون من مهامها تحديث العقل الإسلامي و تحرير الإسلام من التوظيف الساسي المشبوه ..
و يجب عليها أيضا الإستفادة من رواد الفكر الإسلامي الأوائل ، الذين انفتحوا على تراث اليونان الفلسفي ، فنهلوا منه ، وأسسوا بذلك لعقلانية إسلامية متميزة ، منذ القرون الهجرية الأولى ، هذه العقلانية التي لو لم يتم محاصرتها و قمعها ، لكانت جسرا من جسور استيعابنا للحداثة ، مع التذكير بمساهمتها في الفكر الحداثي الأوروبي ، عبر ترجمة التراث الرشدي ، الذي تعرض للحصار من قبل سلطة التزمت الرجعية ..
وهذا المشروع المختصر في النقطين أعلاه ، ليس من السهل تحقيقه ، إذ يتطلب القبول ، كما يتطلب مراجعات نقدية يجب أن يقوم بها الجميع ، والتخلص من الدوغمائية ونرجسية امتلاك الحقيقة ، لكنه ليس بعسير على ذوي الإرادات الطموحة ، فمسيرةالألف ميل تبدأ بخطوة، وأول الغيث قطرة .....
#احمد_الطالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الراهن المغربي ، ومسؤولية القوى التقدمية ..
-
دفاعا عن العقل
-
شيء ما يستعصي على الفهم
-
يجب إرجاعهم إلى زمن ما قبل الصناعة..
-
مرافعة تحت التراب
-
شبح داعش
-
في الحاجة إلى حراك جديد
-
الفعل الكنفيدرالي بتيزنيت بين ضرورتي النقد و التحصين
-
في حقد حزب العدالة و التنمية على الأمازيغ وتهديد تماسك المجت
...
-
.الويسكي و الشمبانيا بين الدين و السياسة...
-
في نقض النقد السوقي/ ليس دفاعا عن الأموي- الحلقة 2
-
في نقض النقد السوقي/ ليس دفاعا عن الأموي
-
السيد عيوش يجرب الشعبوية
-
الوزيرة الحقاوي تتحرش بالمجتمع المغربي
-
بدعة الوزيرة بسيمة الحقاوي
-
إسلامية إسلامية أو محاولة فهم.
-
ما العمل ؟
-
خواطر شيخ علماني
-
أصوات على ركح مصر
-
رسالة إلى معالي و زير الخفافيش
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|