جمال عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4533 - 2014 / 8 / 5 - 06:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثر الحديث فى الآونة الاخيرة , حول ضرورة تقديم القيادة الصهيونية بما فيها القادة العسكريون لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم بتهم , جرائم الحرب , والابادة الجماعية , وجرائم ضد الانسانية , وقتل الاطفال والنساء , وتدمير المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمياة والصرف الصحى بالمخالفة لاتفاقيات جنيف الاربعة والقانون الدولى . وان يكون ذلك , بان توقع سلطة عباس ـ اوسلو على اتفاقية روما لانشاء محكمة الجنايات الدولية , بعد احرازها لاسم فلسطين دولة بصفة مراقب فى الامم المتحدة ! , او عن طريق مجلس الامن المخول لة حق تقديم الدول والافراد لمحكمة الجنايات الدولية حال اقتناعة بموضوع التهم المعروضة امامة , ومدى جديتها . وفى حال "اسرائيل" مهما كانت جرائمها من قتل وتدمير , فالفيتو الامريكى جاهز لوقف هذا الامر , برغم اتساع حجم وعدد التظاهرات الشعبية بملايين اليشر , لوقف الحرب العدوانية على غزة , فى العديد من العواصم ومدن العالم من شيكاغو وواشنطون ولندن وباريس وروما والمانيا ومدريد وكل عواصم بلدان امريكا اللاتينية وغيرها الكثير فى اسيا وافريقيا , غير تسع دول من امريكا اللاتينية قد سحبت سفرائها لدى الكيان الصهيونى , وقاطعت التجارة معها , وقبلها ثلاث دول كوبا وفنزويلا وبوليفيا قد قطعت علاقاتها بالكامل مع الكيان العنصرى منذ حربة العدوانية على غزة عام 2008 . فما المعنى الحقيقى اذا , للقانون الدولى والشرعية الدولية التى لاتسطيع ان تقترب من كيان استعمارى عنصرى يمارس كل هذة الجرائم والفظاعات ضد الشعب الفلسطينى والشعوب العربية لاكثر من سبعة عقود دون رادع اوعقوبة ؟ .
وحقائق التاريخ والواقع الذى نعيشة يقول بان الشرعية والقانون بالنسبة للافراد والاسر والعائلات والطوائف والمجتمعات , بيد رب الاسرة او العائلة , او رئيس الطائقة , والسلطة السياسية والدولة فى المجتمعات الحديثة , ايا كان شكلها ملكيا او جمهوريا , ديموقراطيا او ديكتاتوريا . اي ان الشرعيية والقانون بنية تعبر عن تنظيم العلاقات بين اعضاء الاسرة ورب الاسرة , وبين افراد العائلة او القبيلة ورب او رئيس القبيلةاو العائلة , وكذلك فى الطائفة , وفى المجتمع الحديث بين الافراد بما هم افراد وليس اسر , بينهم وبين بعضهم البعض , وبين الطوائف والطبقات العليا والدنيا وبعضها البعض , وينظم كل هذة العلاقات , ويضبط الصراع بين الطبقات العليا والدنيا عن طريق السلطة السياسية عبر اجهزة الدولة واولها اجهزة الارغام والعنف الرسمى المقنن من قبل سادة المجتمع , الطبقات المسيطرة اقتصادياواجتماعيا , اى اليد العليا فى التشكيلات الاجتماعية المختلفة عرفا وقانونا لمالك الحياة الاقتصادية , من المشاعة البدائية حتى النظام الراسمالى العالمى . وبتعبير اخر البنية القانونية والشرعية فى اى مجتمع نتيجة لتناقض المصالح بين الطبقات وموازين القوى بين الطبقات المختلفة فى المجتمع المحدد , وتضمن اولا واخيرا ,مصالح الطبقات المالكة والسائدة اجتماعيا . وتتغير تلك البنية القانونية والشرعية فى الحكم طبقا لتغير موازين القوى الطبقية نتبجة للصراع الطبقى , سواء فى اللحظات العادية بالتراكم البطيئ , او بالتغيرات العاصفة مع الثورات السياسية والاجتماعية الكبرى , حيث تحل الطبقات الاجتماعية المنتصرة فى السلطة والدولة محل الطبقات المهزومة .
وانطلاقا من هذا الفهم نرى ان القانون الدولى والشرعية الدولية تعبيرا عن موازين قوى بين الدول والقوى الراسمالية المتصارعة عالميا بالاساس وليس الشعوب ,وتعبيرا عن مصالح الشركات الاحتكارية الكبرى والدول الاستعمارية الكبرى وعلى راْسها الامبريالية الامريكية التى تصر ان يكون القرن الحالى قرنا امريكيا , على حساب حريات وثروات واستغلال شعوب العالم . وقد تشكت هذة الشرعية الدولية المزعومة تعبيرا عن نتائج الحرب العالمية الثانية , من انتصار الحلفاء الغربيين بزعامة الولايات المتحدة , بما يعنية من تراجع دور الامبراطوريات الاستعمارية القديمة , بريطانيا وفرنسا وتدمير المانيا النازية والفاشية الايطالية واليابانية لصالح الامبراطورية الاستعمارية الجديدة , الولايات المتحدة بدون منازع , وكوريث لكل مخلفات ومصالح الاستعمار القديم . وعلى الجانب الاخر برز الاتحاد السوفيتى كقوى عظمى , حولة دول اوربا الشرقية بعد دورة الاكبر فى التضحيات والانتصار على النازية, وكقطب منافس على المستوى الدولى للقوى العظمى الامركية . وجاءت الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى واتفاقيات جنيف الاربعة والقوانين والقرارات الدولية تعبيرا عن التناقضات العالمية بين القوى العظمى , وبروز حركة التحرر الوطنى فى تلك الاثناء وفى مقدمتها الثورة الصينية الكبرى , والصراعات والحروب الاستعمارية بالوكالة فى بلدان العالم الثالث لتحقيق مصالح القوى العظمى امريكا والاتحاد السوفيتى فى العالم . وقد ظهر ذلك جليا فى اغتصاب الحركة الصهيونية الاستعمارية لارض فلسطين , وفى الحرب الكورية عام 51 وما نشاْ عنها من تقسيمها الى كوريتين وحتو الان , وتحويل مجمل امريكا اللاتينية لفناء خلفى للولايات المتحدة . والصراعات المريرة والانقلابات العسكرية فى بلدان اسيا وافريقيا لضرب حركات التحرر الوطنى , ومن اجل الاستيلاء على ثروات الشعوب واستعبادها , وفرض الهيمتة الاستعمارية الامريكية على العالم باسرة .
ان قرار تقسيم فلسطين رقم 91 لعام 1947 الصادر عن الامم المتحدة جاء مبكرا ليفضح الطبيعة الاستعمارية لهذة المنظمة والمنظمات الدولية الاخرى التى نشات فى اعقاب الحرب العالمية الثانية , وما يسمى بالقانون الدولى والشرعية الدولية . فاى شرعية لصوصية تلك التى تمنح العصابات الصهيونية ارض فلسطين عام 48 لتعلن عليها قيام دولة"اسرائيل", ويكون الثمن تشريد نصف الشعب الفلسطينى خارج وطنة واحلال العنصريين اليهود محلهم . والنصف الباقى مقيم مابين مصر والاردن وارض 48 , حتى لايقوم للشعب الفلسطينى وحقوقة التاريخية فى ارضة قائمة والى الابد . . وليصبح الاستعمار الصهيونى اليد الباطشة للاستعمار العالمى لضمان السيطرة الاستعمارية على المنطقة العربية , وقطع الطريق على الثورات العربية وتصفيتها , قبل ان تطيح بة وبالانظمة التابعة , وبالمصالح الاستعمارية الامريكية فى المنطقة . وهو مايتم اليوم مع الثورات المصرية والسورية وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية , وفى الحروب الرجعية لتمزيق العراق والسودان وليبيا . كل ذلك تحت مظلة الشرعية الاستعمارية واجهزتها , الامم المتحدة ومجلس الامن اللصوصى الدولى .
اما عن اتفاقية روما ومحكمة الجنايات الدولية , احد الادوات الجديدة للشرعية الاستعمارية , فسرعان ما انفضح دورها منذ ميلادها , فلم تقم منذ ناسيسها عام 2002 بمحاكمة غير المجرمين الصغار كزعيم الصرب , وصدرت دعوى بمحاكمة البشير ولم تتم محاكمتة, وبعض اللبنانين المتهمين باغتيال الحريرى رئيس وزراء لبنان , فاين هى من من الحروب العدوانية واعمال الابادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الانسانيةالتى قادتها وقامت بها جيوش الاجرام الامريكية فى العراق عام 1991 وفى يوغوسلافيا عام 1999, والعراق عام 2003 والتى راح فيها 2 مليون عراقى , وتدمير العراق بالكامل , ومازلت مستمرة الحروب الارهابيةبالوكالة التى تديرها الادارة الامريكية حتى الان فى العراق الشقيق , وكذلك الحروب العدوانية بمشاركة حلف الناتو على افغانستان منذ اكتوبر 2001 بنتائجها البشعة على الشعبين الافغانى والباكستانى حتى الان . . كل تلك الجرائم الكبرى التى راح ضحيته املايين البشر , ضد الشعوب وضد الانسانية , ولم يقدم جندى او ضابط امريكى واحد ممن شاركوا فى هذة الجرائم البشعة " لمحكمة الجنايات الدولية " حتى الان ؟ . فما بالك بالرؤساء الامركان اصحاب المسؤولية الاولى عن تلك الحروب البربرية , والقادة العسكريين من اول الرئيس بوش الاب الى كلينتون الى بوش الابن الى اوباما الرئيس الحالى . . فهم قادة الارهاب والاجرام فى العالم , فهل يجرؤ احد او بلد ما ان يفكر في تقديمة اى منهم لمحكمة الجنايات الدولية فى ظل القانون الدولى الراهن والشرعية الاستعمارية الراهنة . برغم ان جرائم الرؤساء الامريكان وقادتهم العسكريين موثقة صوت وصورة بايدى اجهزة الاعلام العالمية وفى مقدمتها الامريكية . . فهل يمكن بعد كل ذلك التفكير فى تقديم مجرمى الحرب الصهاينة الى محكمة الجنايات الاستعمارية, آسف الدولية زورا ؟ وهى لاتحتاج الى توثيق اكثر من عرض افلام المجازر البشعة اليومية فى القطاع , وهى تفوق الحصر . ان القتل الممنهج للشعب القلسطينى فى غزة الان يفضح نفاق تلك الشرعية الاستعمارية وادواتها اكثر من اى وقت مضى , خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 91 , واصبحت امريكا هى القطب الاوحد فى العالم , وقد صادرت الامم المتحدة ومنظماتها لحسابها بالكامل . وماحدث مع مجازر حرب 2008 على غزة , وتقرير جولدستون , وما تم معة من نفاق وتلفيق فى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة , ودور محمود عباس الاجرامى والمخزى فى دفن التقرير ليس ببعيد ! . ويؤكد ان استخدام نفس الحيلة الان من ضجيج واسع حول ضرورة توقيع رئيس سلطة الدرك الاسرائيلى فى رام اللة على اتفاقية روما ليس الا زرا للرماد فى العيون عن دور سلطة رام للة الخيانى للقضية الفلسطينية , وتواطؤها مع حكم السيسى فى مصر على ذبح المقاومة الفلسطينية البطلة , وتوجية ضربة قاصمة لصمود الشعب الفلسطينى فى القطاع والضفة وارض 48 وراء المقاومة المسلحة , بعد ان قدمت اعمالا عسكرية باهرة فاجاْت الجميع , واصابت العدو بخسائر فادحة فى جنودة ومعداتة , وشلت اقتصادة , ومنعتة بالقوة من تحقيق اهداف العدوان الاجرامية , بل واصابت الوجود "الاسرائيلى" كمعسكر على ارض فلسطين فى مقتل , اكثر من اى وقت مضى .
لقد انفضحت اكثر واكثر كل مزاعم الادارة الاستعمارية الامريكية حول حقوق الانسان ودفاعها عن الديموقراطية فى العالم , بموقفها المعادى لابسط حقوق الحياة للشعب الفلسطينى فى غزة وانحيازها الكامل للبربرية الصهيونية . كما انفضحت حقيقة ما يسمى بالقانون الدولى وآلياتة ـ الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية كالجامعة العربية ومحكمة الجنايات الدولية ـ والشرعية الاستعمارية امام نضالات الشعوب , وفى مقدمتها نضالات الشعب الفلسطينى التى ارتبطت ماْساتة التاريخية منذ عام 1947 بميلاد ما يسمى بالامم المتحدة والشرعية الاستعمارية بعدالحرب العالمية الثانية , وسيلعب نضالة الراهن ودعم شعوب العالم له , والثور المصرية والثورات العربية دور القاطرة فى خلق اممية شعوب العالم فى مواجهة العولمة الراسمالية وشرعيتها الاستعمارية . . من اجل غد خال من الاستغلال والقهر والاستبداد والعنصرية بكافة اشكالها الدينية والسياسية , واستعباد البشرية . . غد قائم على العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والتحرر الانسانى .
#جمال_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟