محمّد نجيب قاسمي
الحوار المتمدن-العدد: 4531 - 2014 / 8 / 2 - 19:59
المحور:
القضية الكردية
لم نكن نحن ، في غرب الوطن العربي ، نعرف كثيرا عن الأكراد .ويجهل معظمنا أن القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي محرر القدس وقاهر الصليبيين وابرز رموزنا التاريخية من إخوتنا الكرد ..بل أكاد أجزم أن أغلبنا يعتبر الأكراد عربا ويفاجأ حد الذهول إذا أخبرته أنهم شعب عريق له خصوصياته الثقافية وله لغته رغم اشتراكنا معه نحن العرب في الجغرافيا والإسلام وارتبطنا معا على مدى أحقاب طويلة من الزمن .
وشاءت مصالح الدول الكبرى في بداية القرن الماضي أن تقسّمنا وفق خطة مفخّخة بالألغام والدسائس والمكائد لتقسّم منطقتنا وفق أهوائها ومصالحها. ففرقت العرب في أقطار متقاتلة متنافسة .وشتّتت الأكراد بين دول عديدة في العراق وإيران وتركيا وسوريا وحرمتهم من تكوين دولتهم القومية ودفعتهم دفعا ليكونوا ثائرين باستمرار على تلك الدول في سبيل حقوقهم المشروعة .وعانوا وما يزالون من التشريد والتهجير والتخوين والقتل والسجون على مدى عقود طويلة قاسية .
ولا تغيب عنّا صور الأكراد منذ التسعينات من القرن الماضي وإلى سنوات قليلة خلت وهم مشردون في الجبال الشاهقة الوعرة وعلى سفوحها المغطاة بالثلوج .وشيوخهم وأطفالهم ونساؤهم يقتاتون الأعشاب ويتمسكون بالحياة بكل قوة .وشبابهم ذكورا وإناثا يمتشقون السلاح دفاعا عن كرامتهم. والطيران من هنا وهناك يغير عليهم و يهرق دم الصبية الأبرياء ..ولا نبرئ أحدا من هذا الدم سواء كان العراق أو إيران أو تركيا فكلهم أو غلوا في الدم الكردي ولا مخرج لهم سوى الاعتراف بحقوق الكرد تامّة غير منقوصة مع الاعتذار التاريخي والتعويض المجزي طال الزمن أو قصر .
واليوم ، لشدّ ما تفاجأت، ويا للمفاجأة السارة وأنا أتابع برنامجا تلفزيا يغطي الحياة بمختلف وجوهها في كردستان العراق هذه الأيام . غابت صور البؤس والتشريد وحلّت محلها صور البناء والتشييد ..شوارع اربيل نظيفة وكل شيء فيها منسق منظم ، الألوان زاهية والوجوه مشرقة نضرة والناس مقبلون على الحياة بكل بهجة ونشوة ..سلم وأمان وطمأنينة وعمل واحتفالات وانضباط ..لا عنف ، لا ارهاب ،لا قسوة، لا خصومات .الكل مقبل على ما يفيد ويتحدى الزمن الآتي تعويضا للأيام العصيبة الماضية .
لا أفهم اللغة الكردية ولكن انتشيت بموسيقاهم العذبة التي تريح النفوس وتبهجها فهي تنساب رقيقة وكأنها تحاكي سيلان الجداول المتأتية من ذوبان الثلوج من فوق قمم الجبال في يوم ربيعي دافئ . وهي لا شك تختزن أشجانا كثيرة من ماض مؤلم وتبشر بآمال عريضة لحياة حلوة لو تعقلت الدول المغتصبة قليلا وسلمت الحقوق إلى أصحابها وجنّبت الجميع آلام الحروب المدمرة .
المكناسي/ تونس 2 أوت / آب / أغسطس 2014
#محمّد_نجيب_قاسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟