رامي ج. صالح
الحوار المتمدن-العدد: 4531 - 2014 / 8 / 2 - 19:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
خلال العقدين المنصرمين، مرّ اليسار الفلسطيني في حالة من الانكماش والتقوقع على الذات، لأسبابٍ مختلفة عصفت في المنطقة، منها توقيع اتفاقيّة أوسلو، وتوجّه بعض الفصائل اليساريّة لقبولها، في حين رفضها البعض الآخر. وقد استمر انكماش اليسار إلى يومنا هذا، مما أدى إلى انعزال النخبة اليساريّة السياسيّة عن ذاتها (ليس فقط "على ذاتها"، بل هناك حالة من التقوقع الداخلي: هناك انعزال لليسار عن بقيّة الشارع اليساري، حيث أنّ هناك انكماش/ انعزال لقيادة اليسار عن النبض الحقيقي لليسار) وابتعاد هذه القيادات عن مؤيّديها.
وفي ظلّ الحرب على قِطاع غزّة، يراهن البعض أنّ الضفة الغربيّة جاهزة – نوعاً ما – لِولادة الانتفاضة الثالثة، والتي سوف تسعى إلى إنهاء الاحتلال، وخلق موازين قوّة جديدة تدعم المقاومة في غزّة، وتُضعف الجبهة الداخليّة في إسرائيل. إن هذه المؤشرات تدفعنا إلى أنّ نفكّر: هل هناك إمكانيّة في أن يكون دور لليسار (أو بالتحديد الفصائل والأحزاب اليساريّة) في خلق وضع فلسطيني جديد؟
قبل الخوض بهذه الإجابة، مِن المهم أن نستذكر بأنّ سُلطة الحكم الذاتي غير معنيّة بِوجود انتفاضة ثالثة، حيث أنّ ذلك سوف يهزّ كراسيها ويؤدي إلى سقوطها، (هذا ما نٌعاينه بِشكل يوميّ من قمع المسيرات التي تتوجه إلى المستوطنات وإلى نُقط الاحتكاك مع جنود الاحتلال)، وبالتالي فإنّ هذا الخيار غير وارد على أجندتها (وخاصةً للقيادة السياسيّة لحركة فتح – صراحةً لا نستطيع أن ننكّر أن فتح هي صاحبة القرار والإمكانيّة بِتصعيد الأوضاع في الضفة الغربيّة، لأن هناك امتداد جماهيري قوي لها، لكنه مرهون بعلاقة ماليّة بين صانعي القرار في الحركةمن جهة والامتداد الجماهيري من جهة أخرى).
وبالتالي، مَن مِن الممكن أن يقود هذه التحركات؟ أو بالأحرى من يستطيع أن يعمل على تحريك الشارع من خلال عمل مُنظّم؟
طبعاً من الممكن أن يقود هذا الحراك طرفين: الحركات والفصائل اليساريّة أو الحركات الإسلاميّة (حماس/ الجهاد؛ وخاصة أنّ لهم حضور وامتداد شعبي قوي، بعد أنّ قامتا بقصف أهداف استراتيجيّة في العُمق الإسرائيلي). طبعاً هناك إمكانيّة للمُتململين من حركة فتح في أن يشاركوا في هذا الحراك (وليس قيادته)، لكن بحضور ضعيف وذلك لعدم وجود قرار حركي مركزي بذلك. في هذه الأسطر لن أتحدث عن التيّارات الإسلاميّة، حيث أنّها أدرى بإمكانيّاتها، وسوف أتحدث عن الأطر اليسارية.
فِمن المُشاهدات والمتابعات لما يحدث في الضفة الغربيّة (ومنها مدينة القدس) أنّ هناك تحركات جيّدة في الشارع، لكنها تمتاز بِـ "العفويّة" والتلقائيّة"، إضافةً إلى غياب الأطر القياديّة التنظيميّة، حيث أصبحت أغلبيّة هذه المواجهات وإغلاق الطرقات، هي أفعال لحظيّة – عشوائيّة (القصد بعشوائيّة أنّها غير منظّمة أو مُنتظمة)، تفتقر إلى القرار المركزي، وإلى قيادة توجيهيّة تستطيع أن تحقق أهداف نوعيّة من هذه التحركات.
وبالتالي، من الضروري أن تقوم تنظيمات اليسار بِفتح أبواب عضويّتها للنشطاء من خلال التعبئة الجماهيريّة، بِهدف خلق خلايا عمل جديدة للتصعيد (كما في سنوات الانتفاضة الأولى)، وخلق واقع صِدامي جديد مع الاحتلال.
من المهم أن نستذكر الخِبرات التي تمّ اكتسابها خلال الانتفاضة الأولى، وخلق عامل تنظيمي قويّ يُزعج سلطات الاحتلال ويُربكها. نتذكر جيداً أن بعض الفصائل اليساريّة كانت في الصدارة بين الجماهير في مواقع مختلفة، وقد اعتبر الاحتلال أنّ تصفيتها هي أمر أساسي وضروري، لِكسر شوكة الانتفاضة. وهذه المسألة لم تكن وليدة الصُدفة، بل وليدة لِحالة من التنافسيّة على قوّة التنظيم وامتداده، وهيما يجب ان تسعى له هذه الأطر القياديّة للتنظيمات اليساريّة.
كما أنّه من المهم أن يكون هناك قرار حكيم وفوري في أنّ يتم دمج الفصائل اليساريّة وصهرها في بوتقة واحدة: جبهة اليسار الوطني أو الحركة التقدميّة الفلسطينيّة. وذلك للدفع بِقيادة الشارع الفلسطيني في طريقة حكيمة وفعّالة، وأخذ زِمام المبادرة بإيجاد هيّئة قويّة تتحكم بِها الفصائل الوطنيّة وليس سُلطة أوسلو.
إضافة إلى هذه القضايا، فإنّه من المهم العمل على عكس واقع حال المقاومة اليساريّة في قِطاع غزّة، حيث أنّها - بالإمكانيّات المتواضعة لديها (الماديّة والتعبئة الجماهيّريّة) – قد استطاعت أن تقصف البلدات والمُستوطنات المُحاذية لِقطاع غزّة. لكن المُشكلة هنا، عدم وجود إعلام يعكس العمل العسكري التي تقوم به الأجنحة المُسلحة للفصائل اليساريّة في قِطاع غزّة. فالإعلام يتحدث عن الضربات النوعيّة للحركات الإسلامية، بالمقابل، لم يتم التطرّق إلى حجم الأعمال العسكريّة التي تنفذها الفصائل اليساريّة أو تحليلها. من هنا، أعتقد أنّه من المهم أن يكون هناك فضائيّة عربية يسارية، وأن تكون الحاضنة لهذه الانجازات ولغيرها من المواقف المُشرفة. (لا يدور الحديث هنا على فضائيّة فلسطينيّة يساريّة – فنحن نعي الواقع الصعب التي تمرّ به الأطر اليساريّة الفلسطينيّة).
إذا استطاع اليسار العمل بهذه الطريقة، فإنه يضع السّكة في المكان الصحيح، فتكون هذه الخطوة هي الاولى نحو تغيير المُستقبل لليسار المُعتم، وخاصة أنّ القيادات الحالية لِبعضِ منها مُرتهن بعلاقة انتفاعيّة مع سلطة الحكم الذاتي. فإذا تبنّت الفصائل الفلسطينيّة اليساريّة والمعارضة لنهج إدارة الحكم الذاتي هذه الخطوات فإنها تخطو خارج عُزلتها - والتي فرضتها على نفسها- وأنّ تتحرك مع إرادة الجماهير.
#رامي_ج._صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟