محاكمة جمال عبد الناصر ..دراميا

ميثم مرتضى الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 4530 - 2014 / 8 / 1 - 02:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

قد لاتصدق الدراما في اوقات كثيرة لدواع تتعلق بمشتهيات الجمهور او بمزاج وميول المنتجين ولكنها في بعض الاحيان تختط لها طريقا يوصل اقرب صورة للواقعة التاريخية مهما كانت ردود افعال المتلقين او الممولين, هذا ماحصل مع مسلسل (صديق العمر) للمخرج عثمان ابو لبن والذي تناول حياة المشير عبدالحكيم عامر وعلاقته التاريخية بالزعيم جمال عبدالناصر , اهم ما لاحظته في الكتابات النقدية للمسلسل هو انتقادها لاداء الممثل السوري جمال سليمان على انه انخفض عن الصورة المثالية لشخصية الرئيس عبدالناصر واضهره شخصية مهادنة الى حد كبير في تعامله مع اعضاء القيادة ودوائره الخاصة ,رغم دقة المعلومات واكثرها موثوقية التي استند عليها كاتب العمل ومخرجه ,فقد تعود المشاهد العربي في شخصية جمال عبدالناصر الرجل القوي والصارم ولم يتم تسليط الضوء على الجانب الودي او الجانب الذي يستوعب غضب او خلاف الاخرين معه او تغطية لحظات الضعف والانهيار فيه , وهذا النقد يدفعني الى تاكيد وجهة نضر الكثير من المفكرين بخصوص التاريخ العربي والاسلامي وما شابها من المزاجية والانتقائية , والذي املته عوامل سيرت اقلام الرواة فجاملت قناعات الراي العام او توخت التزلف الى السلطة وبالتالي وصل الينا تاريخ يناقض بعضه بعضا في نقاط ومواقع صميمية خصوصا تلك الاحداث والمراحل التي تداخل فيها الدين مع التراث وبتلاحق زمني وتراتبية من المشروعيات المشكوك فيها صار من المتعذر لاحقا وبعد اجيال للذين يسلقون التاريخ من كتاب التنويم والتدليس ان يجدوا حلولا منطقية لاشكاليات عميقة وتبرير خصومات وصراعات ومكائد بين من هم (من المفترض ان يكونوا قديسين في نظر المجتمع) لم يجدوا حلا مقابل نسف التاريخ وماينتج عنه من نسف او الغاء قدسيات معينة (دينية او تاريخية) الا من خلال اليتين وكلاهما لاتصمدان اما المقاييس العقلية الاولى تسوير حقبة او جيل من التاريخ بسور من القدسية ومنع النقد من التسلل اليها تحت ذريعة (هؤلاء قوم عصم الله سيوفنا من دمائهم فلنعصم السنتنا من ذكرهم) والالية الثانية تتلخص في الانكار اواعادة تدوير الحدث وفق قناعات لاحقة لارابط لها مع الحدث الاصلي وتسلسله الطبيعي وظروفه الموضوعية ,ان جزءا كبيرا من ازمتنا الثقافية الراهنة (مع ارتفاع كعب التيارات الاسلاموية التي تتغذى على الامية وتنتعش في مناخات العزل والتغييب الذهني) تعود الى هذه الاكداس من الخرافات والتلفيقات التي زج بها بدون تنقيح الى معدة الزمن فانتجت عسرا فكريا ادى بالاجيال العربية الى واحدة من نهايتين اما نبذ التاريخ المتناقض وبضمنه الدين باعتباره حالة كلامية في الاغلب يصدق عليها التشكيك والتناقض لاسيما مع الكم الهائل من الاحاديث والروايات الموضوعة التي تعارض المنطق والعقل او الاتجاه نحو التطرف الديني الذي لايستند الى حجة بل الى غريزة التشبث والتعنت, ان مسؤلية المثقف الحر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا العربي تكمن الان في التجرد من الرواسب والضغوط البيئية ومحاكمة احداث التاريخ على اسس علمية ولو ان هذا الامر ليس بالامر السهل مع استقواء المشروع الديني الظلامي بذريعة حماية بيضة الدين من العابثين واعداء الدين الا ان المشروع لايقل اهمية بل يتصدر اي مشروع حضاري لان التخطيط للمستقبل لايمكنه الانطلاق الا من خلال تصحيح فهمنا وقراءتنا للتاريخ.

د.ميثم مرتضى الكناني
كاتب عراقي
[email protected]

#ميثم_مرتضى_الكناني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات