ئازاد توفي
الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 19:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو رجعنا قليلا بالذاكرة الى الوراء وبالأخص الأجيال و الذين عاصروا زمن حكم البعث في العراق بقيادة الرئيس السابق (صدام حسين) وفي فترة الحرب العراقية الأيرانية, وعندما نأتي الى دراسة حالة الإعلام العراقي في تلك الفترة, سنجد صدمة قاتلة في نفوس العراقيين وأسف على حال الأعلام العراقي في تلك الفترة, علما و عندما نقارن الوضع مع بعض الدول في المنطقة نستطيع أن نذكر بعض الإيجابيات التي طرأت على الأعلام في تلك الدول ولو بنسب متفاوتة وأن تلك الدول كانت تعاني نفس المشكلة مع الحاكم المستبد, لكن للأسف وبعد سقوط الحكم في بغداد كشف الكثير من الأسرار في الحكم البائد ومن ضمنها الإعلام العراقي الهزيل.
كان الإعلام العراقي وبنوعيه المرئي والورقي خاضعا بشكل كامل لمنظومة الحزب القائد (حزب البعث) حيث تم السيطرة عليه من قبل الأجهزة الامنية والإستخباراتية في الدولة, وكانت المهمة الرئيسية الموكلة اليها تمجيد قائد الأمة والضرورة "صدام حسين" عندما كان على رأس السلطة وسرد أمجاد القائد, لاسيما في زمن الحرب مع الجارة إيران, حيث بدأ الاعلام حربا موازيا الى جانب الجبهة العسكرية وضروسا ضد إيران ونجح الى حد كبير جدا في زرع البيانات العسكرية ضد العدو الإيراني في نفوس العراقيين وبشكل خاص في المكون العربي السني المؤيد للحزب والرئيس وتم تصديقها من قبل المكون العربي (السني خاصة) من إنتصارات وأمجاد القائد الضرورة الى درجة وصول الكاميرا الى الصفوف الأمامية للجبهة وبث أفلام حربية لمواقع الإشتباك وسمي آنذاك ب (صور من المعركة) ونجح الإعلام الى حد بعيد من تجييش الشارع العراقي للقبول بالواقع المر عليهم من أزمة الحرب القائمة.
ولم يقتصر الأمر دور الإعلام العراقي في تعزيز الصورة والهالة القدسية للقائد والحزب الحاكم فقط في فترة صدام حسين في الحكم, فقد لعب الإعلام و بالأخص المرئي دورا كبيرا من محاربة القومية الكوردية بالتوازي مع الجبهة العسكرية مع إيران, بحيث ذهب الإعلام الى حدود أبعد من حدود القائد الضرورة نفسه في العداوة ضد القومية الكوردية, وناصب العداء للشعب الكوردي بشكل مستميت الى أن أنتهت فترة الحرب مع الدولة إيران, ولم يبق الا الحرب مع المكون الكوردي والشيعي معا بنفس الفوة والعزيمة الى أن وصل درجة إنجاح عمليات الأنفال الظالمة بحق الكورد وتبجيلها وتقديس المهمة إعلاميا قبل أن تنجح عسكريا الى درجة تم تغطيتها بنوع من القدسية الدينية الاسلامية على العمليات العسكرية ضد الشعب الكوردي المسلم وسميت ب (عمليات الأنفال) , ونصب الإعلام العراقي العداء للشعب الكوردي بشكل أقوى من نصب العداء لإيران أو إسرائيل.
وبنفس الوتيرة لم يسلم المكون العربي الشيعي المظلوم في الوسط والجنوب من ظلم الطاغية صدام, بل وصور الإعلام وشبه هذا المكون نفس العدو للعراق الا وهو إيران و تخوين هذا المكون بالوقوف الى صف إيران مذهبيا ودينيا وقام بالفعل بتغطيات إعلامية جائرة بحق هذا المكون بالأخص من الناحية الدينية وأداء الطقوس للشيعة على إنها جرم وتعتبر من أشكال الردة والكفر و وصل بالأمر الى الحرب ضد أهل الأهوار وحرقه وتجفيفه وإهمال المقدسات و العتبات الدينية في الإعلام بل وتصويرها على إنها من الزندقة في بعض الأحيان وصولا الى تغذية عقل المكون العربي السني بنوع من الحقد على الشيعة وأدى الى تنافر قوي بين المكونين العربيين.
ولم يتوانى أو يتردد الحزب الحاكم من إستيراد أرقى الأجهزة المتطورة في هذا المجال, إلا وتم تجهيز ماكنة الإعلام العراقي لتأدية المهام الخاصة من أجل القائد والحزب لصيرورة الحكم والبقاء على العرش العراقي, حيث خصص مبالغ طائلة جدا من قوت العراقيين وتم شراء ذمم كثير من الأقلام العربية وأعمدة الصحف العربية لتمجيد القائد والبعث الى درجة إعطاء هبات نفطية للأقلام المأجورة و سميت في وقتها ب (فضيحة كوبونات النفط العراقية).
ومع هذا سقط القائد الضرورة, سقط الجيش, وسقط الإعلام العراقي مع وزيره محمد سعيد الصحاف وأنتهى الأمر في نهاية المطاف الى أضحوكة للقاصي والداني في كل العالم والى يومنا هذا.
ذهب القائد الضرورة بلا رجعة, تم تحرير وإحتلال العراق, تم تأسيس عراق جديد إتحادي فدرالي, وحكومة محاصصة في 2005 وإعتلاء نوري المالكي عرش رئيس مجلس الوزراء.
وفي بداية الحقبة الديمقراطية الجديدة , كل العراقيين وعلى الأصح معظم العراقيين دخلت السعادة الى قلوبهم عدا بعض من المكون العربي السني المصدوم بإنهيار عرش قائدهم, وظهرت هنا وهناك بعض حالات الإمتعاض وعدم تقبل الأمر على الوضع الحالي وقاتل المحتل من جهة والحكومة المتعاونة من جهة أخرى لعدم تقبلهم التنازل للشيعة في الحكم بسبب التغذية القديمة لعقولهم من قبل الحزب وماكنته الإعلامية في وقتها, وفي بعض الحالات الى قيام الحكومة بتوجيه بعض الحملات العسكرية ضدهم وضد بعض الميليشيات الشيعية كجيش المهدي في الوسط والجنوب ونجحت الحكومة من إخماد سطوتهم في الجنوب, ومع السنة يوما بعد يوم تتزايد الهوة بين الحكومة وبينها الى درجة نشوب حرب أهلية غير معلنة بين السنة والشيعة بعد تفجير مرقدين للإمامين العسكريين في سامراء.
ومع تأسيس الدولة العراقية الجديدة , تم أيضا تأسيس الإعلام العراقي الجديد وتحت أسم آخر (شبكة الإعلام العراقي) وفعلا نجح وبوتيرة منتظمة وتم فتح قنوات شبه رسمية (العراقية) للتعامل مع السلطة الجديدة وتم إنتخاب هيئات جديدة وبحلة جديدة, وكان الدور إيجابيا في بادىء الأمر وعلى نفس المنوال تم إنشاء قنوات تلفزيونية جديدة وتسارعت الخطى من الجهات بحيث ولكل جهة سياسية ولها إعلامها الورقي والمرئي بل وصلت في بعض الأحيان ولبعض الجهات بإمتلاك مطابع خاصة بها, والى الأبعد من هذا تم تأسيس وإنشاء مؤسسات إعلامية خاصة تضاهي ما يمتلكه الدولة العراقية.
ومن االمفاهيم المستحدثة على كرسي الحكم وهو الدستور العراقي والذي صوت له تقريبا 70% من مكونات الشعب العراقي, وتم تمشية أمور الحكم على أساس الدستور العراقي الجديد ومع نوري المالكي الرئيس الوزراء العراقي الجديد .
حدث في فترة المالكي الأولى بعض القلاقيل والمشاكل هنا وهناك, وبدأ الإعلام دوره أيضا في تغطية الأمور بشكل تدريجي مع مشاكل الأدارة للرئيس الوزراء الجديد, وكان الإعلام نوعا ما مهنيا في العراق الجديد, و وصلت في بعض الأحيان الى تقاطعات مهنية في تغطية الأحداث بالأخص في فترة الحرب والقتل على الهوية في شوارع وأزقة بغداد العاصمة الى درجة التفكير بالسيطرة على قطاع الإعلام لصالح رئيس الوزراء , وفعلا نجح كثيرا في هذا المجال وبدأ بتغيير الإدارة وتسليمها الى أشخاص موالين لشخصه ومن نفس مكونه و في النهاية الى جهاز خاص لرئيس الوزراء وتم إبعاد العناصر النزيهة والإعلامية الشريفة و السيطرة على كل مرافق هذا الصرح وتحت إمرته .
وبدأالاعلام يتجه نحو الإعلام الخاص جدا, بل واكثر من هذا, بحيث قفز على الكثير من الثوابت والقيم في هذا مجال الى إعلام مذهبي للمكون الشيعي وبعيدا كل البعد عن المهنية والحياد أو يكون إعلام حر وخاص للدولة العراقية.
وبالتوازي مع الإعلام العراقي الخاص لنوري المالكي, وبوتيرة متسارعة وبموافقة الحكومة العراقية تم فتح العديد من المحطات والقنوات التلفزيونية على حساب المراجع الدينية والخاصة بالدعوة الى التشييع ومآثر التشييع ووصلت أعدادها الى أكثر من خمسين محطة تلفزيونية شيعية وكلها في خدمة المكون الشيعي والمذهبي والدعوة الى التشييع, وجنبا الى جنب بدأت تساعد الإعلام الحكومي المتحيز أيضا لنوري المالكي الشيعي بالحرب على المكونات الأخرى, وبدأت بتوجيه التهم والسب والشتائم للمكون الكوردي تارة وللمكون السني تارة أخرى, والعجيب في هذا الأمر تم الشروع بإستخدام نفس أسلوب البعث والقائد الضرورة حرفيا في أستخدام الأعلام العراقي وإستغلاله لصالح المكون الشيعي بحيث صعد على أكتاف المهنيين من الإعلاميين الشرفاء نفس الأشخاص والرموز الذين كانوا يديرون الإعلام البعثي والصدامي , أي بمعنى نفس الطاقم ونفس الأسلوب تم إستخدامه من قبل المالكي للأخذ بزمام الأمور مع السلطة, وظهر مع هذا الإعلام أشباه من (محمد سعيد الصحاف) في تسويق الإعلام الكاذب والمخادع لعقول الشعب العراقي كالصحافين الجديدين المدعو(سعد معن) والمتبجح الكاذب (قاسم عطا) ونجحا كثيرا في التسويق الإعلامي للمالكي, بشكل اكثر نجاحا من صدام حسين بالنسبة للإعلام, كما بدأ يقلد أسلوب صدام والبعث أيضا في مقاليد الحكم في تصوير نشاطاته والإجتماعات الحكومية ولا سيما الخطب الأشبه باليومية و الأسبوعية الفارغة من المضامين والمملة , لكن ما لم ينتبه اليه المالكي وصحافيه بأن هذا الأسلوب لا يجدي نفعا مع الشعب العراقي بل وأصبحوا إضحوكة يومية وموضوع ساخر في أفواه الشعب, وأرغم تدخل المرجعية على عقل المكون الشيعي في قصة جديدة وهو الجهاد الكفائي وتسويق المكون الشيعي كقطيع من الغنم وجره الى باحات بحر النجف (مقبرة النجف).
المالكي وصل بالإعلام الى قمة الدناءة و السقوط في نهاية ولايته الثانية في نقطتين مهمتين:
- إستغل الإعلام بشكل سافر وغير شريف لأغراضه الانتخابية وإستخدم المال الحكومي وتسخير مؤسسات الإعلام الحكومية لصالحه ولقائمته وتعتبر هذه جنحة وجريمة في القانون العراقي.
- حارب بهذه المؤسسة المكون السني في حملة الإعتصامات السلمية وتوجيه الإتهامات الزائفة بحق المعتصمين ومطاليب الشعبية للمكون وتعتبر أيضا جريمة سياسية هذا من جهة, ومحاربة المكون الكوردي أيضا بهذه المؤسسة وتشويه الحقوق الكوردية والمطالب الكوردية وحسب الدستور العراقي من جهة أخرى وتعتبر أيضا جريمة سياسية نفذت بواسطة الإعلام.
سقط المالكي ولن ينتخب للولاية الثالثة, سقط الإعلام العراقي وبجدارة الى الحضيض الطائفي, دمر العراق وأحتل هذه المرة على يد داعش, وإنتهت صلاحية فقرة عراق فدرالي إتحادي وتحول الى عراق ممزق طائفيا وقوميا وعلى هاوية التقسيم, وسيعتلي بديل المالكي أيضا شيعي ونفس الفكرة ونفس الهدف وسيعمل المستحيل للتجهيز على البقية.
لقد نجح المالكي تشييع الإعلام العراقي بجدارة, وقام بتغذية العقل الشيعي بأن السني يقطع الرؤس و وهابي إرهابي ونجس, لايمكن العيش معه بل من الإستحالة والعيش معه, وعلى نفس المنوال قام بتغذية العقل الشيعي بأن الكوردي خائن وعميل للأمريكي وإسرائيل وينهب 17% من الميزانية ويبيع نفطه كسرقة وأحتل كركوك و إنفصالي ( نفس التهم الموجهة الى الكورد في حقبة البعث) ووو....الخ.
نعم المالكي سقط بجدارة, لكن لم يسقط معه العراق لوحده بل سقط القيم الأنسانية والدينية والحضارية ونستطيع القول إندحر العراق في حكمه وتشظى الى الأبد ومن المستحيل أن يلتئم العراق ثانية وعلى أرض الرافدين, وبقي أن نتأمل فقط فترة من الزمن والكل الى نصيبه من الفتات العراقي, والمتضرر الأكبر من هذا السقوط في وحل التطرف الديني المذهبي هم الشيعة أنفسهم والأيام القادمة ستشهد على ذلك.
فشل النموذج السني القومي في الحكم على العراق, فشل النموذج الشيعي المذهبي أيضا في الحكم على العراق, يا هل ترى ؟ هل يصلح التفتيت والتقسيم بين النماذج العراقية ويتوقف النهر الخالد من الدم العراقي من الجريان من آدم والى يومنا هذا ؟؟
بقي على الإعلام العراقي الساقط دوما في مهنيته, أن ينجح ولو مرة مهنيا وأن يعطي الإجابة الدقيقة للسؤال المطروح عن واقع السلطة الرابعة في العراق !!!
AZAD TOVI (آزاد توفي)
#ئازاد_توفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟