حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4526 - 2014 / 7 / 28 - 15:27
المحور:
المجتمع المدني
لقد جاء دورك يا "بونوارة" فمت قرير العين بما ينتظرك عند ربك!!
مرة أخرى يهاتفني صديقي "عبد المالك " ليخبرني بأن نواقيس الموت قد جلجلت في مدينة فاس ليخبط بشراهة عشواء من تصب من ارواح الكبار والصغار تمتها ومن تخطء تعمر فتهرم ، وكأنه يشتهي أبناء هذه المدينة ويشتاق إليهم، ولا يهنأ له بال ولا يطمئن له خاطر ، إلا وهم في جوف أرض مقابرها لا يغادرونها أبدا .
اقشعر بدني ، وانفطر قلبي وتصدع فؤادي ، وانهمرت دمعات من عيني ، حين علمت أن الذي استدرجه الموت هذه المرة إلى صدره مختصرا عذابات أيامه وغربة لياليه هو "السي محمد بونوارا" واحد من الذين سكنوا فاس وسكنت قلوبهم ، ونبضت عروقهم بها وأدمن شم نسائم حاراتها ، وأريج شوارعها وأزقتها ودروبها وبيوتاتها ، التي ألف الطواف فيها بقامته الفارهة الممدودة ، وهامته المفرودة التي تتنفس عشقاً لأزقتها ، وكأنه حارسها من المعتدين والمتهورين والمجازفين بأهلها وحوانيتها المكتظة بزوارها...
أحسست حينها بغبن وأسف ، واحتارت أفكاري في رحيل هذا البئيس ولم تظهر على سحنته علامات الهرم أو الشيخوخة ، وطار عقلي أمام لاعقلانية ذهاب حياته سدى بلا طعم ولا رشفة منطق ولاحتى إنسانية ، وأيقضت في دواخلي زوبعة الأسئلة من البيزنطية المتشائمة حول ما كتبت عليه الأقدار من مصائر غير نبيلة غدارة ، كابد معها الوحدة والغربة ، والحرمان من دفئ الرأفة والرحمة وأحضان الأحبة ، التي طالما تلمسها –معذورا- في الإدمان على ما يدغدغ أوتار وجدانه المكلوم ، ويعالج نفسه الحزينة ، وينعش أحاسيسه المكبوتة ، ويدخل عليه صدره الكمد بعض البهجة والسرور، ويسحبه إلى سنا الفرح والحبور، ويضخ فيه شحنات من الأمل والتفاؤل ، الذي يخفف عنه –ولو مؤقتا- أتعاب العطالة وضنك العيش، وضغوطات الحياة ، ويفرج بعض من الكرب التي كان يحكي عنها - كلما سنحت له الظروف- قصصا توحدت كل مضامين موضوعاتها في :"نكران الجميل ، وغدر الزمن ، وشقاء السنين" التي كابد مرارتها في ماضيه الأليم وحاضره البئيس ، ومستقبله المجهول ، والتي سرعان ما تعاود وقعها من جديدة على نفسيته المنهوكة كلما زال مفعول المسكن المسلي ، فيعود لهمومه وأحزانه وأسفه على قدره الذي لم يمكنه من الإستمتاع بملذات الحياة الدنيا بكل أشكال ومضامين "بنسماتها الجميلة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى : "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم و تاكثر في الأموال والأولاد" التي حرم منها .
رحمك الله يا غريب وعوضك بأحسن منها وآخر دعائي أن الحمد لله رب العالمين الذي يقول :"يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي" ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟