|
حول هيجلية ماركس (1)
يوسف يوسف المصري
الحوار المتمدن-العدد: 4524 - 2014 / 7 / 26 - 21:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حول هيجلية ماركس (1) ------------------------- سنحت لي الفرصة ان اقرأ ورقة الدكتور شريف يونس – الذي اعترف بانني شغوف بكل ما يكتب – المعنونة "الفارق بين ديالكتيك هيجل وماركس : التأسيس الثوري للديالكتيك" التي أعاد نشرها برغم انها كتبت قبل ذلك بسنوات على هامش دراسة اعدها مع الدكتور عادل العمري الذي لم اتشرف ابدا بلقائه. وكانت تلك الدراسة رائدة في حينها اذ كانت تسعى الى بحث كيفية استنباط نمط الإنتاج منطقيا او بالأحرى جدليا. واختلف الدكتور شريف مع الدكتور عادل وكتب كل منهما مقدمة مختلفة للدراسة ذاتها. ومن المدهش حقا ان مثل هذا الجهد لم يجد ما يستحق من المشاركة في حينه اذ انه يبحث في مساحة نحتاجها في مصر بصفة خاصة احتياجا ماسا الا وهي المساحة الفلسفية. وقد تبادلت بعض الملاحظات الجانبية مع الدكتور شريف بعد قراءة مقدمته التي اختلفت معه فيها بسبب نفيه لهيجلية ماركس. واتفقنا بعد ذلك ان اكتب أسباب خلافي وهو امر اعتذر للصديق شريف يونس عن تأخري في إنجازه. ومن حيث المبدأ فانني اضع نفسي في جانب من يعتقدون ان ماركس كان هيجليا بامتياز وانه مع ذلك تجاوز هيجل ونفاه في نفس الوقت. وبنفس القدر ينطبق ذلك على علاقة هيجل وكل من كانط وفخته وشيلينج، وفي رأيي انه لم يكن للماركسية للماركسية ان تظهر على النحو الذي ظهرت به بدون الفلسفة الكلاسيكية الألمانية لاسيما هيجل الذي اراه احد اعظم فلاسفة العصر الحديث ان لم يكن اعظمهم واعمقهم اثرا بالمرة. لقد كان ماركس كما قال تلميذا لهيجل برغم نفيه له. وكثيرا ما كلفت العبارات الانتقادية التي وجهها ماركس الى هيجل والتي لم يقدر له ان يضعها في سياقها اذ لم يحقق وعده بان يضع كتابا في الجدل كما يراه هو حسبما وعد في احد رسائله الخاصة، كثيرا ما كلفت تلك العبارات الماركسية والماركسيين انتكاسات مروعة حين فصلوا بين هيجل وماركس على نحو متعسف حال دون أي استيعاب حيقي لمنهج ماركس. وسوف نجد بطبيعة الحال "هجصا" كثيرا ينشر حول "رأس المال" مثلا ضمن زفة الطرشان والموالد المنصوبة في مصر الآن ولكن لا يجادل احد من الماركسيين والهيجليين وخصومهم – بل ولا يجادل ماركس نفسه – في ان "راس المال" كتب بمنطق هيجلي لا يمكن فصله عنه بنيويا. فضلا عن ذلك فان استاذنا الكبير إبراهيم فتحي كتب حول ازمة الماركسية الا انه لم يتناول في تقديري احد اهم ملامح تلك الازمة وهي تصفية الهيجلية في ماركس. وسيذكر التاريخ ان المعركة الفلسفية الكبرى حول "الميكانيكية" بين يان ستن وايفان ستيبانوف في عشرينيات القرن الماضي في الاتحاد السوفييتي الوليد آنذاك والتي انتهت بانتصار ستن (الذي كتب صراحة انه يرى في هيجل "آفة بورجوازية") بعد ان تدخل ستالين لنصرته اسفرت في نهاية المطاف عن موت الفلسفة في الاتحاد السوفييتي ليثمر لنا هذا مادية ميكانيكية ترى أيضا ان هيجل هو آفة بورجوازية ومن ثم فانها جردت الحزب من أي فهم حقيقي للماركسية التي لا يتسنى فهمها دون فهم هيجل حسب قول لينين. وقد هرب كل الماركسيين الهيجليين من روسيا آنذاك او اعدموا بدعوى ترويجهم لفلسفة بورجوازية على يدي ستالين الذي وضع نصوصا للمادية الجدلية معادية لكل من هيجل وماركس على السواء. كان ستن قد دافع صراحة في كتاباته عن الميكانيكية في تناوله لعلاقة العقل بالطبيعية ولفلسفة الطبيعة ذاتها. وسوف اخصص ورقة بعد هذا المسلسل الذي بدأته بالورقة الحالية لعرض رأيي علاقة ازمة الماركسية التي لا اشك انها بدأت في الاتحاد السوفييتي بعد رحيل الماركسي الهيجلي الأبرز في القرن الماضي أي فلاديمير لينين بتجريدها من هيجل واي اثر لجدله ما عدا بعض العبارات الديكورية. ولكنني اكتشفت مدى صعوبة تناول ورقة الدكتور شريف بسبب اختلاف فهمي عن فهمه لفلسفة هيجل ولجدله. ولم يكن مفيدا ان اعلق على رأي الدكتور ان كنا نتحدث عن شيئين نراهما نحن على نحوين مختلفين. فليس جدل هيجل الذي تحدث عنه الدكتور شريف هو جدل هيجل كما افهمه. ولا يعني ذلك بالضرورة ان فهمي لجدل هيجل صحيح وفهم الدكتور شريف خاطئ. ولكن علي ان أوضح أولا كيف افهم هذا الجدل حتى نتبين ذلك. ثم علينا ان نحدد مدى هيجلية كارل ماركس من حيث المنهج والأدوات. واعرف ان هذه المهمة ستستغرق وقتا طويلا اذ سأكتب فيها عددا لا اعرفه الآن من الأوراق فيما لا تسمح لي ظروف عملي ان افرغ وقتي لذلك. وربما يبرهن هذا النقاش على أهميته خارج حدود الخلاف الذي اشرت اليه توا. فموت الفلسفة لم يكن عرضا ستالينيا فحسب. لقد عرض فيلسوف مصري عظيم هو الدكتور نصر حامد ابوزيد رحمه الله منطقا يسعى الى إعادة احياء النقاشات التي اثارتها فلسفة المعتزلة. الا ان فقر الحياة الثقافية في مصر مكن منه خصوم العقل فابعدوه عن البلاد. وفي تقديري فان نقاشات المعتزلة كانت من الوجهة التاريخية حلقة مهمة من حلقات مشوار الفلسفة في العالم. الا انها كانت أيضا آخر الحلقات التي سعت الى تناول دور العقل في حياة الناس بهذا العمق المذهل الذي فعله المعتزلة في حدود ظروف العصر الذي عاشوا فيهز كما انني اعتقد ان كل هذا القبح الذي نراه حولنا يرجع جزئيا الى توقف هذا المشوار عند حدود الفكر الإسلامي المعاصر التي تحرسها عقول مغلقة لا تدرك قيمة ما يحمله الانسان في العقل ولا تتيح لهذا العقل الحرية التي قال هيجل انها الهدف الاسمى لمشوار البشر. وقد اعرج خلال هذه الأوراق الى هذه القضية أيضا والي بحث موقف هيجل – الذي كان عميق الايمان بالله – للدين ولكيفية فهم البشر له. وارى ان ذلك سيكون مفيدا في هذه اللحظة من تاريخنا بالذات وهي لحظة نفتقد فيها على نحو عميق الدكتور ابوزيد ونأمل في ظهور من يكمل مشواره. بقي ان أقول انني التمس العذر من القارئ اذ ان لي انحيازي المسبق الذي تقتضي الأمانة ان اعلنه مقدما. ذلك انني ممن يعتقدون ان من المستحيل فهم ماركس دون فهم هيجل. وانا في هذا اكرر ما قاله لينين على أي حال برغم انني لم ادرك حين قرأت عبارته تلك للمرة الأولى ما كان يقصد الا بعد ان قرأت هيجل الذي ما ان يقع المرء في اسره لا يتسنى له خروجا آمنا. من هنا فانني من المقتنعين ان تجريد ماركس من هيجليته هو تجريده أيضا من ماركسيته. وسوف أحاول اثبات ذلك في الأوراق التالية التي سأسعى فيها لان ارصد بقدر ما استطيع الفارق الجوهري – مع ذلك – بين نظامي الفيلسوفين الكبيرين في اتساق مع ما ازعمه من ان ماركس تجاوز هيجل ولكن من ارض هذا الأخير بل وباستخدام ادواته وان على نحو مختلف. *** يقول هيجل "ان الشكل المجرد للاستمرار او التقدم هو في حالة الوجود المطلق التحول الى الآخر (أي نقيض الموضوع) والتحول من ثم الى لحظة ثالثة. اما في الهوية فانه يتبدى في النقيض واما في الفكرة فانه التمييز بين الفردي والعام الذي يواصل كونه – وهو أيضا هوية – ما هو متميز عنه". ويوضح الفيلسوف الألماني الكبير بعد ذلك ان عملية التحول او الصيرورة تصبح بدورها مباشرة اكثر مع تقدم رحلة الفكرة ومن ثم تتراجع أهمية عملية التحول من الموضوع الى نقيضه. بعبارة اخرى المقصود من هذه الملاحظة إيضاح ان عملية الانتقال لا تتكرر على نحو متشابه كل مرة. ففي كل مرة يصبح محتوى التناقض شاملا لكل التناقضات التي سبقته ومن ثم ارقى واكثر مباشرة. ويعني هذا الرد على من قارنوا بين هذه العملية والحركة الميكانيكية الحلزونية المتكررة. (سنجد ذلك يحدد لاحقا فهم هيجل الملتبس للاغتراب وافتراض نهايته مع توحد العقل والموضوع والفصل الذي قدمه ماركس بين التحول الى موضوع (التشيؤ) كنتيجة لعمل الانسان وتفاعله مع الطبيعة وبين الاغتراب واعتباره هذا الاخير نتيجة للملكية الخاصة كظاهرة عابرة اما التشيؤ فانه ظاهرة مختلفة). الا ان "الضرورة" التي يقول الجدل انها تدفع العملية الجدلية الى الامام دوما لا يمكن ان تكمن في نسيج الفئة او المستوى الأول من رحلة الفكرة ولا أي من المستويات العابرة التي تعلو ذلك. الفئة المجردة الدنيا لا تملك بداخلها قوة دفع ذاتية تتيح لها التقدم الى مرحلة اعلى. اين تكمن اذن تلك القوة الدافعة التي تجعل الفكرة تتدم نحو مستو اعلى ومن ثم اقل تجريدا؟. كان هذا السؤال مصاغا بصياغات مختلفة هو وجه النقد الاساسي الذي قدمته المادية المبتذلة لهيجل. فقد بدا ان فحص وتحليل افتراض معين في حدود مرحلة مشوار الفكرة المعنية لا يمكن ان يبرز في ذاته أي نقيض لهذا الافتراض. ان تحليل الافتراض في حدوده لا يقود الى اكتشاف نقيضه. كيف اذن يمكن ان يقول هيجل ان العقل الجدلي يرصد تناقضات الموضوع ومن ثم يبلور نقيض الموضوع ومنه ينتقل الى مستوى التوفيق بين النقيضين في تصالح متسق؟. كيف يتفق ذلك مع كون أي افتراض او تصور معين في لحظة معينة غير قادر بحكم مستوى تناول العقل له على ان يكشف تناقضاته بنفسه على نحو موضوعي؟. الإجابة على هذا السؤال تتلخص في ان الفئات المبكرة أي الأكثر تجريدا او الأولى في خطى الفكرة هي في ذاتها تجريد للفئات الأعلى. انها ليست فئات مستقلة الوجود في ذاتها. ان الافتراض الأول يتضمن بداخله صورته الارقى ولكنها كامنة وليست متحققة بحكم ان العقل لا يزال في مراحله الأولى في رحلة الفكرة. الا ان العقل يتضمن أيضا على نحو كامن الفئات الأعلى. ان الفئات الأولى المفرطة في تجريدها مثل الوجود المطلق او العدم المطلق هي في ذاتها فئات غير مستقرة وغير مستقلة. ذلك ان اعلى الفئات فقط هي ما يمكن ان نعتبره فئة مستقرة ومستقلة. ويعني هذا انه لا يمكن النظر الى نظام هيجل المنطقي باعتباره مجموعة من العمليات المتراصة التي توضع في خط صاعد وانتهى الامر. ان اكثر الفئات بدائية يتضمن بداخله اعلاها كامنا. وعند الوصول الى الحقيقة فقط يمكن القول ان تلك الفئة هي الفئة الجامعة الشاملة لكل ما سبقها وقد اطلت برأسها أخيرا بعد رحلة شاقة للفكرة. بهذا المعنى لابد من اعتبار نظام هيجل نظاما يشكل كلا واحدا ولا يمكن ل"قطعة" واحدة من مكوناته ان تعني أي شيء في ذاتها. (وسوف اعود الى هذه النقطة بعد دقائق). ويقول هيجل في هذا "ان استكمال الهدف اللانهائي (المطلق) يتكون فقط من إزالة الوهم الذي يجعله يبدو وكأنه لم يتحقق". وفي تقديري فان ذلك يعد ايضاحا للطلاق البائن بين هيجل وكانط. أي بين مفهوم العقل ومفهوم الفهم. والوهم هنا هو المرادف لما يفرزه الفهم من "حقائق" ليست في الحقيقة حقائق بالمرة. فان كان الحقيقي هو وحده المستقل في وجوده أي الذي لا يعتمد وجوده على غيره فان ذلك يعني بالضرورة ان الفئات الأدنى من رحلة الفكرة وصولا الى الى المرحلة ما قبل الأخيرة أي ما قبل الحقيقة المطلقة ليست حقيقية. انها وهم اعتمد على قوة التجريد من الفئة الأعلى بالمرة أي انها صور مجردة من الفكرة الأعلى. ولأنها ليست حقيقية فانها غير معقولة. لذا فان العقل لا يستقر عند هذه المرحلة. وهكذا فان الوصول الى المرحلة الأعلى يبرهن ضمنا على ان كل ما سبقها كان وهما. والوهم هنا لا يعني الا ان تلك المراحل تأسست على حقائق منقوصة. فان عدنا الآن لما اجلته قبل قليل مما قيل عن ان التناقض في الفكرة عند لحظة معينة من مسارها لا يمكن ان يرصد من داخلها فان ذلك يبدو وكأنه لابد ان يعني احد امرين. الأول هو ان نظام هيجل المنطقي ليس مغلقا مكتفيا بذاته اذ يحتاج العقل الى ما هو خارج هذه المنظومة ليتسنى مواصلة عملية الصيرورة الدائمة على النحو الذي يصفه الفيلسوف. او انه يعني ثانيا افتقاد أي لحظة من لحظات مشوار الفكرة لقوة النفي الداخلية التي تنقلها الى لحظة لاحقة او عجز العقل عن تحديد تلك القوة. وقد قيل كثيرا ان التناقض هو السبب في تقدم الفكرة (نيكولاي هارتمان مثلا وبعض التفسيرات الماركسية اللاحقة لهيجل). وواقع الحال ان ما يمكن فهمه من منطق هيجل هو ان التناقض ليس الا القوة المباشرة – ومن المهم تذكر انه قوة مباشرة فحسب - التي تسبب الحركة الا انها ليست السبب في الحركة. وكانت تلك هي نقطة خلاف بين مفسري هيجل الا ان العودة الى ما كتب توضح انه لم يعني القول بان التناقض هو سبب الحركة والا كان ذلك تمويها لمثاليته. ذلك ان الفيلسوف يقول في مقدمة الجزء الثاني من المنطق ان التناقض يتبدى للفكرة اثناء حركتها. لقد حاول بعض الماركسيين تفسير هذه المسألة بقولهم انه قصد ان التناقض هو القوة المحركة ومن ثم فان المسافة التي تفصله عن ماركس مسافة قصيرة للغاية في هذا المضمار. ان عدم استقرار الفئة (في مرحلة الفهم) هو الذي يؤدي الى رصد التناقض ومن ثم يواصل الحركة. وسبب عدم استقرار الفئة هو ما شرت اليه قبل قليل من انها تتضمن الفئات الأعلى منها جميعا على نحو ضمني. والمشكلة هنا هي ان جعل التناقض هو محرك الفكرة يسبغ على الموضوع قدرة - لم ينسبها اليه هيجل - على كشف تناقضه امام العقل. والموضوع عند هيجل ليس مسؤولا عن شيء بالمرة. ان قوة الجذب التي تمارسها الفكرة المطلقة باعتبارها كامنة في كل مراحل الفكرة السابقة عليها هي قوة الجذب التي تشد الفكرة الى مستويات اعلى بصفة موضوعية. انها تجعل الفئات الأدنى غير مستقرة بحكم انها فئات تتضمن هذا القدر او ذاك من التجريد. ويمكن هنا الاعتراض بالقول ان الموضوع يتضمن تناقضاته وان العقل لم يكن قادرا على كشفها الا بسبب الوجود الموضوعي لهذه التناقضات. وحتى أوضح خطأ هذا الاستنتاج يمكن فقط ان اضعه من قبيل التوضيح على النحو التالي : نظرا لان الموضوع به تناقضات فان العقل ينظر اليه ثم يكتشفها. وهكذا فان العقل هو المسؤول عن اكتشافها. أي ان الامر يعود الى القول بأن التناقضات هي التي جعلت العقل يكتشفها. ولكنه استنتاج خاطئ – من زاوية نظر هيجل – لان ذلك يجرد العقل من قدرته الكامنة. بعبارة أخرى هل كان العقل سيكتشف تلك التناقضات أصلا لو لم يكن هو نفسه يتضمن معيارا كامنا (الفكرة المطلقة الكامنة) فيه. بوسع أي موضوع ان يتضمن أي قدر من التناقضات يشاء ولكن ذلك لا يعني بالتالي ان العقل قادر على اكتشافها ما لم يكن هو – أي العقل - يتحلى بهذه القدرة على عدم الاطمئنان لاستنتاجاته طالما انها تنتمي الى فئات ادنى من الفكرة المطلقة. يمكن للعقل لو لو لم يكن متضمنا الفكرة المطلقة بصورة كامنة ان ينظر الى تلك التناقضات ببلاده ولا يراها تناقضات من الأصل ومن ثم يتناول الموضوع باعتبار فكرته عنه في تلك اللحظة هي "فكرة حقيقية". الا ان هيجل يقول انها ستظل وهما حتى تصل الى "بيتها" اي الى محطتها الأعلى. ويتعين على ان أوضح لماذا وصفت الفكرة بقولي "ان قوة الجذب الكامنة في وجود الفكرة المطلقة كامنة في كل مراحل الفكرة السابقة عليها هي قوة الجذب التي تشد الفكرة الى مستويات اعلى بصفة موضوعية". ما المقصود بهاتين الكلمتين الأخيرتين أي "بصفة موضوعية". وكيف يمكن للفكرة داخل العقل ان توصف بان لها أي صفة موضوعية؟ ان هيجل يعني بالموضوعية كون هذه الفكرة المطلقة الكامنة توجد في عقول كل الناس بصفة عامة. انها صفة موضوعية للعقل بصفته عقلا وهي بالتالي ليست اختيارا. وهكذا فان أي تناول لما قاله الفيلسوف عند حديثه عن حركة الجدل واسبابها واستخدامه لكلمة موضوعية لا تعني باي حل في تقديري انه اعطى الموضوع الذي يقع خارج العقل ويعد مادة له أي قدرة ليست له في دفع حركة الجدل. لماذا اعطي هذه الأهمية لتلك النقطة؟ ان هذا التناول لحركة الجدل ان هو اسبغ على الموضوع ما ليس له فانه يشوه موقف ماركس من جدل هيجل بجعل هذا الأخير يقف عند الخط الفاصل بين المثالية والمادية. ولكي انهي هذه النقطة المتعلقة بالقوة المحركة للجدل فان ما اريد قوله هو ان الصفة الموضوعية للفكرة لا تكمن في واقع الامر في علاقتها بموضوع التفكير. انها تكمن باختصار في عدم استقرار الفئات الأدنى من الفكرة المطلقة. ان رؤية العقل لتناقضات الموضوع لا تتسنى لكل العقول رغم امتلاكها جميعا للفكرة المطلقة الكامنة. فهيجل لم يفترض ابدا حسبما سيرد لاحقا ان كل العقول قادرة على التقدم من الفئة الدنيا الى الفئة الأعلى. ثمة قدرة كامنة على ذلك ولكنها لا تتحقق في كل الأحوال وجميعها. وبهذا المعنى فان عدم استقرار الفئة هو الموضوعي وليس تناقضات الموضوع. فكل العقول تمتلك هذا ال"عدم استقرار" للفئة اتي تتناول بها الموضوع ولكن ليس كلها قادرة على ان تفكر جدليا وان ترقى من هذا ال"عدم استقرار" الى مرحلة اعلى ستكون هي أيضا غير مستقرة حتى نصل الى نهاية المشوار. وبهذا المعنى فان أي فئة عابرة – فاينايت - (أي ليس هي الفئة المطلقة) هي فكرة مجردة بهذا القدر او ذاك. ويقصد هيجل بالتجريد هذا المعنى بالذات. ويقود ذلك الى ان اي فكرة مجردة هي فكرة غير مستقرة بحكم قانون العقل الجدلي. الا ان ذلك لا يعني ان عدم استقرار الفكرة سيقود كل العقول نحو مشوار جدلي. ان الجدل لا يوجد بصورة آلية عند استخدام فئة عابرة لان ذلك يعني باختصار اننا لن نجد أفكارا عابرة ومجردة بالمرة اذ ستواصل نفي نفسها في مشوار قدري لا فكاك منه. ان اسباغ هذه القدرة على الموضوع أي إعطاء تناقضاته القدرة على جعل العقل يتحرك الى الامام ليس مثاليا في شيء. العقل قادر على رصد تناقاضات فهمه هو للموضوع. اما الموضوع فانه عند هيجل لا يتغير. انه لا يفعل شيئا. انه كما هو. العقل هو الذي يتحرك لنفي فهمه السابق لهذا الموضوع واحلال فهم جديد. لماذا يتحرك العقل؟ لانه يبدأ من فئة غير مستقرة أي عابرة فيما يكمن بداخله قوة الفكرة المطلقة التي تتيح له لو أراد ان يفكر جدليا ان يكتشف ان الموضوع ليس كما "يبدو" به للعقل حتى تلك اللحظة وانه في واقع الامر يتضمن نفيه. ويجب هنا ان اعود الى ماقلته قبل قليل من ان التناقض هو القوة المباشرة لحركة الجدل. فالعملية تتم في تسلسلها الهيجلي على أساس من ان العقل يفكر بفئة عابرة تكمن بداخلها الفكرة المطلقة. ولذا فان العقل ينظر الى الموضوع فان تأمله طويلا من منظور فلسفي جدلي فانه يكتشف تناقضاته ومن ثم فانه – هو - يتنقل الى فئة اعلى. وهكذا فان تناقض الموضوع هو مجرد المحرك المباشر للقوة الكامنة في العقل بما هو كذلك. وسوف نجد العقل يعتمد أحيانا قوانين الفهم أي قوانين الفئات العابرة باعتبارها نهاية المطاف ويركن اليها مطمئنا فيما هي مجرد أوهام لانها لم تواصل رحلتها الجدية حتى نهايتها. وسوف نرى في ورقة لاحقة كيف قلب ماركس هذه الرحلة الجدلية الهيجلية وأعاد صياغتها على نحو مادي ثم كيف تناول المنهج الجدلي لهيجل على أساس من مختلف. ولكننا سنواصل أولا رحلتنا مع الجدل الهيجلي نفسه.
#يوسف_يوسف_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحل الارجنتيني
-
دور ما يسمى القطاع الخدمي في توليد القيمة المضافة
-
حول العمل المنتج والعمل غير المنتج
-
العلاقة بين الربح وفائض القيمة
-
حول رأس المال التجاري
-
ما العمل مع -فرمان- مرسي؟
-
مساهمة في مناقشة قضية امكانية التطوير الرأسمالي في مصر
-
حول ظاهرة الاسلام السياسي
-
رحلة -موت العمل- بين روبنسون كروزو و-ماد ماكس-
-
سؤال لشباب اليسار : هل كان عصام العريان محقا؟
-
الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة
-
ملاحظات على مداخلة الدكتور محمد عادل زكي عن القيمة الزائدة
-
ملاحظات حول سلاح التظاهر في ضؤ 24 اغسطس
-
الاخوان والليبراليون
-
كلمتين لعمال مصر
-
قصة قصيرة..حكاية العجوزان ومرسي
-
في استكمال نقد تحليلات البعض للثورة المصرية ومهامها
-
مفهوم مختلف – عن الماركسية – للثورة السياسية
-
هل سيبقى مرسي في القصر الرئاسي اربعة اعوام حقا؟
-
ملاحظات على مقال الدكتور شريف يونس عن المشهد الراهن
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|