|
جواب الى قارئ اخر
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 1278 - 2005 / 8 / 6 - 10:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تلقيت رسالة من قارئ عزيز جاءت فيها التساؤلات التالية: "1 كيف خدعت طبقة البروليتاريا على عهد الخروشوفيين وما هو دورها الحقيقي في صنع القرارات المصيرية آنذاك ؟ هل كانت مغيبة تماما عن المشاركة في القرار وإذا كانت كذلك فمن الذي ساهم في تغييبها؟ 2. بمجرد وفاة ستالين انقلبت الأوضاع مائة وثمانين درجة بسرعة وبسهولة نحو طريق معاكس ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب والسؤال ماذا أعد ستالين من خطط واستراتجيات مستقبلية تحسبا لمثل هذه المؤامرات أم أن الأمور كانت تترتب دون علمه وهل موته كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؟ 3. هل وصلت البروليتاريا الى مرحلة النضج فكريا وتوعويا واقتصاديا وسياسيا أيام ستالين؟ 4. لماذا تقوم الدول الرأسمالية بتقديم المساعدات (الأموال) للدول الفقيرة.... مقابل ماذا؟" قارئي العزيز ان التساؤلات التي وضعتها لي هامة جدا وفي غاية الصعوبة ولكن الاجابة عليها اصعب منها. فالاجابة على مثل هذه الاسئلة تتطلب الاطلاع على وثائق كثيرة ليست متوفرة لدي. تتطلب الاطلاع على النقاشات التي دارت في مؤتمرات الحزب البلشفي وفي لجانه المركزية ومكتبه السياسي خلال فترة طويلة. تتطلب الاطلاع على كتابات الشخصيات القائدة في الحزب والدولة ومتابعة ارائهم وسياساتهم طيلة فترة وجود دكتاتورية البروليتاريا. ومن المعروف ان هؤلاء بمختلف اتجاهاتهم وارائهم كانت لهم كل الحرية في التعبير عن ارائهم في الصحف والادبيات ونشرها في كتب والنقاش عليها في الاجتماعات الحزبية وغير الحزبية. ولكني لا اريد ان ارد لك طلبك من دون اعطاء بعض الاجوبة على هذه التساؤلات الهامة. وما استطيع ان اقدمه لك هو ما اتصوره واعتقد به استنادا الى معلوماتي الضئيلة الناشئة عن قراءاتي لتاريخ الحزب البلشفي الذي صدر سنة ١٩٣٨ وقراءاتي لمؤلفات ستالين وبعض مؤلفات لينين ومعرفتي للنظرية الماركسية. اي ان ما اقدمه لك من الاجوبة لا يستند الى الوقائع التاريخية الدقيقة وانما يستند على تحليل نظري لبعض الظروف التي مرت على الاتحاد السوفييتي كما عرفتها وقرأت عنها. لذا فان اجوبتي قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة لانها غير مسندة بالوثائق التاريخية الدقيقة. حقيقة يبدو ما حدث في الاتحاد السوفييتي كأنه " بمجرد وفاة ستالين انقلبت الأوضاع مائة وثمانين درجة" كما جاء في اسئلتك. ولكن الماركسية لا تؤمن بالصدف او المفاجآت التاريخية لانها تدرس التاريخ على اساس المادية الديالكتيكية اي المادية التاريخية. والمادية الديالكتيكية تعتبر كل حركة قد تبدو صدفة او مفاجأة هي نتاج لتغيرات كمية متراكمة لا تظهر على السطح الا لدى بلوغها الوضع الذي يحتم التغير النوعي. وهذا التحليل الديالكتيكي يصدق على الحركة في الطبيعة ويصدق على الحركة في التاريخ البشري. وتطبيق ذلك على التاريخ البشري هو المادية التاريخية. وهذا ما يجعل بامكان العلم ان يتوقع وان يحدد بدقة الكثير من حركات الطبيعة التي توصل الى اكتشافها ويستطيع تحديد النظام الاجتماعي بدقة العلوم الطبيعية.. لذلك يبدو لي ان قولك ان وفاة ستالين كان "بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؟" اقرب الى التحليل العلمي لما حدث في الاتحاد السوفييتي. ما هي الثورة الاشتراكية؟ الثورة الاشتراكية هي نقض النظام الراسمالي. فالنظام الراسمالي كان قائما على اساس التناقض بين الطبقة الراسمالية الحاكمة والطبقة العاملة المحكومة مع سائر الكادحين. ونقض هذا النظام معناه تحول التناقض الى عكسه اي اصبح تناقضا بين الطبقة العاملة الحاكمة والطبقة الراسمالية المحكومة. انه تحول في السلطة. ولكن التناقض يبقى قائما بين الطبقتين. فالطبقة الراسمالية التي فقدت سلطتها وسيطرتها واستغلالها للطبقة العاملة والكادحين لم تزل موجودة كطبقة محكومة تحاول بكل ما اوتيت من قوى ان تسترجع سلطتها المفقودة ولها جميع القوى التي كانت تستند اليها في حكمها للطبقات الكادحة من جيش وشرطة وسجون ومحاكم وثروات ووسائل اعلام واستخبارات الخ.. وعلى الطبقة الحاكمة الجديدة، الطبقة العاملة، اولا ان تدمر جميع هذه القوى المساندة للراسمالية وثانيا ان تجد من القوى ما يؤهلها لمقاومة جميع هذه القوى التي تعمل جاهدة على اسقاطها واستعادة سلطاتها المنهارة. وقوى الطبقة العاملة ناشئة عن كونها تشكل مع الكادحين اغلبية المجتمع وبامكانها ان تجند هذه الاغلبية لمقاومة نشاط الطبقة المنهارة. بامكانها ان تقيم دكتاتورية تجابه دكتاتورية الطبقة الراسمالية وتقضي على محاولاتها المتواصلة لاستعادة سلطاتها. وهذه الدكتاتورية هي الوسيلة الحتمية لمقاومة الطبقة الراسمالية. ولذلك بين ماركس ان السلطة الوحيدة للطبقة العاملة هي دكتاتورية البروليتاريا وهذا ما طبقه حزب لينين وستالين في الاتحاد السوفييتي بعد ثورة اكتوبر. ان دكتاتورية البروليتاريا، الدكتاتورية الموجهة ضد الطبقة الراسمالية وضد استعادة النظام الراسمالي هي سلاح الطبقة العاملة طيلة فترة المرحلة الاشتراكية. فهي ضرورة حتمية طالما بقي المجتمع الاشتراكي قائما والى حين تحوله الى مجتمع شيوعي. ان من يحلم بتحقيق الاشتراكية عن طريق الثورة او بالتحول السلمي بدون اشد انواع الدكتاتورية ضد الراسمالية يعيش في حلم لا يمكن تحقيقه. ان تاريخ بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي مثال رائع لمهام دكتاتورية البروليتاريا في القضاء على الراسمالية سواء في حرب التدخل التي دامت حتى ١٩٢١ ام في تطور المجتمع منذ تحقق الثورة الى ١٩٣٣ حين نجح الاتحاد السوفييتي في القضاء على الراسمالية كطبقة بالقضاء على اخر بقايا الطبقة البرجوازية واشدها رسوخا واكثرها عددا، الطبقة البرجوازية الزراعية او ما يسمى في الاتحاد السوفييتي الكولاك. وهي مثال رائع لنضال شعوب الاتحاد السوفييتي لصيانة المجتمع الاشتراكي سواء في فترة السلم بالقضاء على المؤامرات واعمال التخريب التي شنتها بقايا النظام الراسمالي داخل صفوف الحزب البلشفي والدولة السوفييتية وخارجهما. وليس خافيا ما ابدته البرجوازية المدنية والريفية من مقاومة لبناء المجتمع الاشتراكي والقضاء على الراسمالية اقتصاديا بعد القضاء عليها سياسيا. مهما تكون صعوبة القضاء على الطبقة الراسمالية فانها لا تقاس بصعوبة القضاء على بقايا الراسمالية في عقول الناس من البتي برجوازية والعمال. فالمجتمع عاش قرونا من الثقافة والاراء والميول والمعتقدات التي ترسخت في عقول المجتمع. والاشتراكية عليها ان تتغلب على كل هذه الميول والمعتقدات كشرط من شروط نجاح الاشتراكية وتقدمها نحو الشيوعية. وبينما تستطيع دكتاتورية البروليتاريا القضاء على الطبقة الراسمالية كطبقة عن طريق ممارسة اشد انواع الدكتاتورية فانها لا تستطيع القضاء على هذه الميول والمعتقدات المترسخة في عقول الناس بطريق الدكتاتورية بل عليها ان تقضي عليها عن طريق التثقيف والتوعية وفصل الدين عن الدولة وقصر التعليم في المدارس على التعليم العلمي الخالي من التعليم الديني الخ.. وتوعية وتعليم الجماهير النظري لا يكفي للقضاء على جميع هذه المعتقدات والميول الراسخة في عقول الناس. فالتعليم النظري بامكانه الى حد ما ان يزيل بعضها ولكنه لا يستطيع ان يجتثها. ان اجتثاث هذه المعتقدات والميول يتطلب التثقيف عن طريق التطبيق العملي اضافة الى التعليم النظري والتوعية العلمية. يتطلب اجتثاث هذه المخلفات تغيير حياة المجتمع عمليا بصورة ترافق التثقيف النظري. لنأخذ على سبيل المثال انا وانت. لا اعلم ان كنت عاملا ام مثقفا ام غير ذلك. وانا بتي برجوازي ثقفت نفسي بالماركسية عن طريق المواظبة في دراستها. ونحن انا وانت نؤمن بالماركسية ولو تحققت الثورة الاشتراكية في ايامنا فاننا يمكن ان ننسجم معها ونتحمس في تطبيقها استنادا الى الماركسية التي درسناها واقتنعنا بها. ولكننا نعيش في مجتمع راسمالي ولا يمكننا ان نطبق شيئا من معتقداتنا الاشتراكية عمليا في هذا المجتمع الراسمالي. قد نستطيع الامتناع عن ممارسة اعمال تستغل الاخرين ولكننا بالضرورة نبحث عن عمل يساعدنا على العيش وتربية اطفالنا تربية جيدة. لذلك فاننا في الحياة اليومية نسعى الى الحصول على عمل افضل يحقق لنا دخلا اوسع لكي نحقق مهامنا العائلية. بذلك نكون مضطرين الى دخول معركة المنافسة للحصول على اكثر مما نحصل عليه شئنا ام ابينا. نستطيع تطبيق ثقافتنا الماركسية في الحياة اليومية عندما نعيش في مجتمع يسمح لنا بممارستها عمليا ولكننا لا نستطيع تطبيق ثقافتنا الماركسية عمليا في مجتمع راسمالي يبغي كل فرد فيه الحصول على اكثر مما يحصل عليه. ان هذه الصفات الانسانية التي ترسخت مدى القرون مستعصية الى درجة ان الكثير من المنظرين يعتبرونها طبيعة انسانية ثابتة لا يمكن تغييرها او القضاء عليها. انا لا اتحدث بالطبع هنا عن النضال السياسي الذي قد يجعلنا نضحي بحياتنا وبحياة عوائلنا في غمرة النضال السياسي انما اتحدث عن ضرورة كفاحنا في الحياة اليومية اقتصاديا من اجل ان نكفل حياة افضل لاطفالنا ولعوائلنا. لدى تحقيق الثورة الاشتراكية تجد دكتاتورية البروليتاريا نفسها امام جمهور من هذا النوع وعليها ان تحوله الى جمهور اشتراكي. وارتباط التثقيف النظري العلمي مع التطور الاقتصادي للمجتمع هو الطريق الكفيل بازالة كل هذه المعتقدات والنفسيات من عقول الجماهير. ومثل هذه العملية على نطاق الملايين من الجماهير تتطلب مجهودات ونضالات متواصلة طويلة الامد. وقد تقدم الاتحاد السوفييتي في هذا المضمار تقدما محسوسا لمسناه في الحماس الجماهيري في تحقيق البرامج الخمسية وفي تفاني شعوب الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن وطن الاشتراكية وحتى في الحماس في اعادة بناء الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن يبدو ان هذا النجاح لم يبلغ درجة الكمال في تلك الفترة القصيرة من عمر الدولة الاشتراكية. ولو كان قد بلغ الكمال لكان قد تحقق احد اهم شروط التحول من الاشتراكية الى الشيوعية. اذا تتبعنا مؤتمرات الحزب البلشفي كما جاءت في كتاب تاريخ الحزب البلشفي نجد ان عناصر كثيرة من القيادة ومن اعضاء الحزب كانت لهم اراء مساندة لبقاء البرجوازية واعادتها الى السلطة باشكال مختلفة نتيجة لاعتقادهم بعدم امكانية تحقيق المجتمع الاشتراكي في قطر واحد او لاعتقادهم بان تحقيق الاشتراكية مشروط بتحقيق الثورة في اقطار اوروبا المتقدمة صناعيا لكي تساعد الاتحاد السوفييتي المتاخر صناعيا على تحقيق الاشتراكية. وكانت النقاشات على هذه النظريات والاراء تجري بمنتهى الصراحة والشدة في جميع المؤتمرات واجتماعات اللجنة المركزية وكانت تفرض على الحزب استفتاءات حولها على نطاق الحزب. كان الاتحاد السوفييتي يمر بمرحلة جديدة لم يشهد التاريخ البشري مثلها، لذلك لم يكن من السهل قمع هذه الاختلافات في الاراء بسهولة. وقد ظهر ذلك باجلى مظاهره حتى في الثورة ذاتها حين اعلن زينوفييف وكامينيف في الصحف عن موعد الثورة مما كان يعرض الثورة الى الفشل. ولكن قيادة الحزب البلشفية بقيادة ستالين بعد لينين كانت تتغلب على هذه الاراء عن طريق اقناع اغلبية اعضاء المؤتمر او اعضاء اللجنة المركزية بصحة اراء القيادة البلشفية. دام هذا الصراع الهائل طيلة فترة بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي. كان هذا الصراع ديمقراطيا يعالج عن طريق النقاش والاقناع لا عن طريق الدكتاتورية. وقد كان للقيادة البلشفية ولستالين دور هائل في اقناع اعضاء الحزب والشبيبة الشيوعية والشعوب السوفييتية بصحة اراء القيادة البلشفية وقد اثبتت النجاحات التي حققها الاتحاد السوفييتي في جميع الميادين الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية صحة اراء هذه القيادة. ولكن هؤلاء القادة الذين اختلفوا مع القيادة البلشفية بقوا على ارائهم ودفاعهم عن بقاء البرجوازية وحتى رغبتهم في استعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي بحيث انهم حين بلغ الاتحاد السوفييتي مرحلة تحقيق المجتمع الاشتراكي والقضاء على جميع بقايا الطبقات الراسمالية تحولوا من النقاش السياسي والفكري الى التخريب والمؤامرات. واذا تتبعنا نصوص المحاكمات التي جرت في السنوات ١٩٣٦، ١٩٣٧، ١٨٣٨ نجد ان هؤلاء القادة الذين مارسوا التخريب والاغتيالات وحتى التآمر مع الدول الاجنبية على سلامة الدولة الاشتراكية اعترفوا في المحاكمات العلنية بجرائمهم الفظيعة وشهد بعضهم على البعض الاخر ولكنهم لم يتفوهوا بكلمة واحدة عن منظماتهم الموجودة في المجتمع واعضاء هذه المنظمات الذين ما زالوا يمارسون اعمالهم حتى ضمن القيادات السوفييتية. وجاءت الحرب العالمية الثانية واجتياح الاتحاد السوفييتي من قبل الجيوش النازية وتفاني شعوب الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن وطن الاشتراكية. قدم الحزب الشيوعي ثلاثة ارباع اعضائه وكذلك خيرة الشبيبة الشيوعية ضحايا الدفاع عن الاشتراكية وتحطيم الجيوش الهتلرية. وكان لهذه التضحيات تأثير سلبي على نوعية الحزب والشبيبة الشيوعية والجماهير وعلى مستواها الثقافي على حد سواء. واثبتت الاحداث التالية للحرب وجود عناصر قيادية معادية للاتحاد السوفييتي وللاشتراكية وللماركسية بل وجود عملاء للاستخبارات الاجنبية في صفوف القيادة الحزبية. ويعتقد بعض الكتاب ان هؤلاء العناصر المعادية اصبحوا اغلبية في اللجنة المركزية للحزب في السنوات التي تلت الحرب العالمية بحيث ان وفاة ستالين كانت فعلا القشة التي قصمت ظهر البعير. وقد تجلى ذلك واضحا في اليوم الاول لوفاة ستالين. فقد عقدت الهيئات القيادية للحزب والدولة اجتماعا في نفس اليوم. وبدلا من ان تدرس الخسارة العظمى بوفاة هذا القائد العظيم اتخذت قرارات واسعة واجرت تغييرات كبيرة لا يمكن تحقيقها في يوم واحد وفي يوم يسوده الحزن على فقدان ستالين. وكان هذا برهانا على ان المشروع كان معدا سلفا ينتظر وفاة ستالين لاعلانه وتحقيقه. واذا تتبعنا السياسة التي اتبعتها القيادة الخروشوفية بعد وفاة ستالين نجد انها طبقت برنامج اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي الذي اعلنه بخارين في محاكمته سنة ١٩٣٨ بحذافيره تقريبا. يبدو ان ممارسة الدكتاتورية البروليتارية واليقظة الشيوعية قد اضمحلت بعد الحرب العالمية الثانية الى درجة انها لم تستطع كشف هؤلاء الاعضاء القياديين المعادين للاشتراكية والشيوعية والماركسية. ويتحدث انور خوجا قائد الدولة الاشتراكية الالبانية عن سياسة اخفاء الحقائق عن ستالين وتقديم تقارير مزيفة له عما يجري في المجتمع ومنع ايصال الانتقادات اليه بحجة ان "الشيخ" تعبان لا يجب ان نشغله بمثل هذه الانتقادات. نرى من كل هذا ان التحول الذي جرى بعد وفاة ستالين لم يكن مفاجئا كما يظهر بل كان نتيجة لتراكمات كمية داخل الحزب الشيوعي وداخل المجتمع الاشتراكي لم تظهر على السطح الا في اللحظة الحاسمة، لحظة وفاة ستالين. ان ما فعله الخروشوفيون هو انهم قلبوا دكتاتورية البروليتاريا الى دكتاتورية راسمالية ومارسوا كل انواع القسر والاضطهاد والتعسف والسجون والمجازر ضد كل معارضة داخل الحزب وخارجه. بل ان هذا الانقلاب تحول الى صورة انقلاب عسكري حين قرر المكتب السياسي للحزب طرد خروشوف من المكتب السياسي للحزب. اما سؤالك " ماذا أعد ستالين من خطط واستراتجيات مستقبلية؟" ليس من غير المحتمل ان قدرات ستالين على العمل المثابر كانت قد اضمحلت جراء المجهود الجبار الذي بذله في قيادة الحرب ضد جحافل النازية ولكن قدرته النظرية كانت متألقة حتى اخر يوم من حياته. واكبر برهان على ذلك كتابه الاخير المعروف الذي كتبه بضعة اشهر قبل وفاته. ان هذا الكتاب اروع وثيقة ماركسية كتبت في عهد المجتمع الاشتراكي. بامكانك ان تطلع عليه في موقعي في الحوار المتمدن بترجمتي. في هذا الكراس ناقش ستالين جميع جوانب المجمع الاشتراكي وقوانينه وكيفية تطوره والعوامل التي ادت الى النجاحات الهائلة التي احرزها الاتحاد السوفييتي. وحلل ستالين فيه الظروف العالمية التي نشأت بعد الحرب العالمية وكيفية تطويرها لصالح المعسكر الاشتراكي. ودحض كافة الاراء التي نشأت في النقاشات التي جرت حول مسودة كتاب الاقتصاد السياسي الذي كان من المزمع كتابته ليكون كتابا دراسيا لجميع شيوعيي العالم. ولكن الاهم من كل ذلك انه وضع الاسس الضرورية لتقدم المجتمع الاشتراكي نحو المجتمع الشيوعي. ودرس امكانية وجود مجتمع شيوعي ضمن المعسكر الاشتراكي حتى في بلد واحد رغم وجود النظام الراسمالي ووضع الشروط الضرورية لتحقيق ذلك. نرى من هذا ان ستالين وضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية سواء من اجل تجنب السياسات الخاطئة التي تعرض الاتحاد السوفييتي الى خطر العودة الى الراسمالية او من اجل مواصلة تطور المجتمع الاشتراكي نحو تحقيق المجتمع الشيوعي. وكانت سياسات الخروشوفيين بعد وفاته بالضبط السياسات التي حذر منها في كتابه. وسؤالك " هل كانت (الطبقة العاملة) مغيبة تماما عن المشاركة في القرار؟". ان موضوع مشاركة الطبقة العاملة في اتخاذ القرار موضوع واسع قد يتطلب بحثه حلقة كاملة او ربما كتابا. فما معنى مشاركة الطبقة العاملة في اتخاذ القرار؟ يتصور البعض ان مشاركة الطبقة العاملة في اتخاذ القرارات يعني ان كل عامل يستطيع ممارسة السياسة في دولة العمال وهذا غير صحيح. ان مشاركة الطبقة العاملة في اتخاذ القرارات يتخذ في المجتمع الاشتراكي الحقيقي صورتين مترابطتين. الاولى هي كيفية اختيار العمال والفلاحين والمثقفين لممثليهم في الهيئات القيادية للدولة. والمثال الذي مورس في الاتحاد السوفييتي كان مثالا رائعا على ذلك. كان انتخاب ممثلي الشعب الى المجلسين الاعليين في الاتحاد السوفييتي، مجلس السوفييت الاعلى ومجلس القوميات يجري في منافسات ومناقشات في المعامل والمصانع والمزارع التعاونية والمنظمات الشبابية. في هذه المنافسات والنقاشات يختار العمال والفلاحون والمثقفون احسن من يرونه ممثلا لهم من انشط العاملين في الميدان. وكان مجلس القوميات من اروع المجالس لم تعرف البشرية مثيلا له في اي مكان في العالم. فمن المعروف ان الاتحاد السوفييتي كان يتألف من عشرات ان لم يكن مئات القوميات. وكان مجلس القوميات يتالف من عدد متساو من ممثلي كل قومية بصرف النظر عن عدد المنتمين اليها بحيث ان عدد ممثلي القومية الروسية اكبر القوميات لا يزيد عن عدد ممثلي اصغر قومية في الاتحاد السوفييتي. ولم يكن مندوبو مجلس السوفييت الاعلى او مجلس القوميات نوابا محترفين وانما كانوا عمالا وفلاحين ومثقفين يمارسون اعمالهم العادية وعند عقد اجتماعات مجلس السوفييت الاعلى او مجلس القوميات يحضر هؤلاء المندوبون هذه الاجتماعات وكأنهم يمارسون اعمالهم العادية. فمهامهم في المجلسين كانت كأنها جزء من عملهم اليومي ولا يتقاضون رواتب خاصة بالمندوبين كما يجري في المجالس النيابية في الدول الراسمالية وانما يتقاضون اجورهم المقررة من عملهم الاعتيادي وكأنهم مستمرون في عملهم اثناء حضورهم اجتماعات المجلس. والاتحاد السوفييتي هو البلد الوحيد الذي كان بامكان ناخبي اي مندوب ان يسحبوه اذا شعروا بانه لا يمثلهم او لم يطبق الوعود التي قدمها في حملته الانتخابيه. بهذا يكون العمال قد مارسوا دورهم في ادارة العمل السياسي والاقتصادي في البلاد. والصورة الثانية لمشاركة الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين في اتخاذ القرارات هي الاستجابة لقرارات الدولة السوفييتية. ففي الدول الراسمالية نرى ان قرارات الحكومات الراسمالية او المجالس النيابية تقابل بفتور من قبل العمال لان العمال يشعرون بان هذه القرارات متخذة من اجل زيادة استغلالهم ومن اجل زيادة ارباح الطبقة الراسمالية. اما في الاتحاد السوفييتي فكان العمال يشعرون ان القرارات الحكومية كانت تهدف الى تحسين ظروف معيشتهم وزيادة رفاههم وتحسين مستواهم الاجتماعي والثقافي والصحي. لذلك كانت الاستجابة الى هذه القرارات ايجابية وكان العمال والفلاحون يتبارون في الاسراع في تطبيق هذه القرارات. وقد ظهر ذلك باجلى صورة عند تطبيق المشاريع الخمسية التي رفعت الاتحاد السوفييتي خلال اقل من عقدين الى اعلى من المستوى الذي وصلت اليه اقدم الدول الراسمالية في عدة قرون. في فترة حكم الخروشوفيين ايضا وضعت برامج خمسية وغير خمسية الا ان استجابة الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين كانت سلبية ولم تحقق البرامج اهدافها. وقد رأينا ان غورباشوف في بيريسترويكاه طلب من شعوب الاتحاد السوفييتي ان يظهروا نفس الحماس الذي اظهروه في الثلاثينات وفي فترة اعادة البناء بعد الحرب من اجل تنفيذ برامجه. ولكن برامجه باءت بالفشل الذريع لان العمال والفلاحين والمثقفين لم يجدوا في هذه البرامج ما يفيدهم بل شعروا بان هذه البرامج كانت تؤدي الى المزيد من فقرهم وجوعهم وتدهور احوالهم المعاشية والصحية والثقافية. وسؤالك " كيف خدعت طبقة البروليتاريا على عهد الخروشوفيين؟" في الواقع اتخذ الخداع والتضليل صورتين على الاقل. الصورة الاولى هي الصورة الاعلامية. فقد طبل الخروشوفيون وزمروا للبرامج الواسعة التي سيحققونها للشعوب السوفييتية التي لم تستطع الدولة تحت قيادة ستالين ان تحققها. وعدوا بازالة المشاريع غير المربحة التي اصر ستالين (اي الحزب البلشفي) على استمرارها. وعدوا بنبذ سياسة ستالين التي ركزت الاهتمام على الصناعة الثقيلة ووعدوا بالتركيز على زيادة انتاج وسائل الاستهلاك المباشر للشعوب السوفييتية. وعدوا باصلاح الاراضي البور واعتبروا خروشوف اعظم العارفين في المجال الزراعي. وفوق ذلك وعدوا بتحقيق المجتمع الشيوعي الكامل سنة ١٩٨٠ بقرار من المؤتمر الثاني والعشرين. والصورة الثانية هي ممارسة دكتاتورية راسمالية شديدة البطش ضد كل عنصر ابدى مقاومته للسياسة التحريفية التي اتبعها الخروشوفيون. فامتلأت السجون وارسل الكثير من العلماء والمثقفين الى مستشفيات المجاذيب. واجريت المجازر في السجون الى اخر ذلك من الممارسات الدكتاتورية الراسمالية تحت غطاء الغاء دكتاتورية البروليتاريا وانشاء اشتراكية ذات وجه انساني. واكبر مثال على ذلك جرى بعد خطاب خروشوف السيء الصيت ضد ستالين في المؤتمر العشرين. فقد هب الكثير من اعضاء ومنظمات الحزب البلشفي والشبيبة الشيوعية للمطالبة بانتقاد ستالين انتقادا علميا لا بالطريقة الدنيئة التي اتبعها خروشوف في خطابه. فكانت استجابة القيادة الخروشوفية فصل كل منظمة تطالب بذلك والقاء الكثير من الشيوعيين البارزين في السجون. وجرى اطلاق سراح جميع السجناء الذين حكمت عليهم محاكم الدولة واعيد اعتبارهم وضموا الى الحزب باعتبارهم من ضحايا ستالين. وابعد القادة البارزون في الحزب الشيوعي السوفيتي من المكتب السياسي واللجنة المركزية ومورست الابادة الجسدية على الكثير من الاعضاء المعارضين. واخيرا سؤالك " لماذا تقوم الدول الرأسمالية بتقديم المساعدات (الأموال) للدول الفقيرة.... مقابل ماذا؟" في الحقيقة ليست المساعدات التي تقدمها الدول الاستعمارية لمستعمراتها والدول الخاضعة لنفوذها سوى ضحك على الذقون. فكما يدعي الراسمالي حين يتحدث عن نفسه انه يخلق فرص العمل للعاطلين ويطلب المساعدات المالية من الحكومة واعفاءه من الضرائب او تخفيف الضرائب عنه لهذا السبب. ويخفي حقيقة ان الراسمالي بأخذ من العامل عمله الذي يتضمن اجرة العامل وفائض القيمة الذي ينتجه قبل ان يدفع له اجره. كذلك يزعم المستعمرون انهم يقدمون المساعدات المالية لمستعمراتهم من اجل اعمارها وتقدمها ويخفون ان ما يقدمونه ليس سوى جزء ضئيل مما سبق لهم نهبه من هذه المستعمرات والاقطار التابعة. ولكن لاية اغراض تقوم الدول الاستعماري بتقديم المساعدات المالية؟ نعرف من التاريخ ان هذه المساعدات مشروطة بالمشاريع التي ترغب الدولة المانحة في تحقيقها وهي مشاريع تؤدي في الواقع الى تسهيل استغلال هذه الدول وتمشية مصالح الدولة الاستعمارية فيها. واكثر المواد شيوعا في صرف المبالع الممنوحة هي وجوب انفاق هذه المنح على الاسلحة ونعلم من تجربة الدول العربية كم من المليارات تنفق هذه الدول لشراء احدث الاسلحة واكثرها فتكا بدون ان تكون لها حرية استعمالها. منحت الولايات المتحدة اموالا للعراق بموجب ما يسمى النقطة الرابعة لترومان. فماذا فعلت الحكومة العراقية بهذه المنحة؟ كان شرط المنحة ان تقوم الولايات المتحدة بالاشراف على بناء سجن بعقوبة بطريقة حديثة تجعل بامكان ادارة السجون ان تعزل السجين منفردا لمدد طويلة ومنعزلا عن سائر السجناء وممارسة اشد انواع التعذيب والاهانات ضده من اجل كسر شوكته واخضاعه. وكان هذا السجن سلاحا قويا في اخضاع شوكة السجناء السياسيين. ولنـأخذ مثلا اكبر الدول التي تتلقى المنح من الولايات المتحدة وجميع الدول الراسمالية، اسرائيل. فهل تقدم الولايات المتحدة منحا لترفيه الشعب الاسرائيلي؟ اولا ان هذه المنح شأنها شأن كل المنح المقدمة للمستعمرات ليست سوى جزء من الارباح التي تجنيها الشركات الاميركية من مشاريعها المقامة في اسرائيل. وقد قرأت حين كنت في اسرائيل قبل ثلاثين عاما ان ثلث الدخل القومي الاسرائيلي يدفع فوائد للقروض الاجنبية في اسرائيل. ولكن الانكى من ذلك هو ان الولايات المتحدة تزود اسرائيل بالاسلحة لتحويل كامل الشباب الاسرائيلي، رجالا ونساء، الى جيش مرتزقة يحقق مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. وليس هذا امرا سريا اذ ان القادة الاسرائيليين يصرحون علنا بان مهمتهم هي تحقيق المصالح الاميركية في الشرق الاوسط. عدا عن ان الولايات المتحدة والدول الامبريالية تتخذ من التهديد الاسرائيلي وسيلة لاجبار الدول العربية على زيادة تسلحها الى مستويات هائلة. ثمة فائدة اخرى للدول الامبريالية من تقديم المنح الى مستعمراتها. فان من شروط هذه المنح استخدامها بالصورة التي تريدها الدولة المانحة. وهذا يعني ان انفاقها يجري في شراء البضائع من الدولة المانحة وتنفيذ برامج تنفذها الشركات الاستعمارية نفسها. وبهذه الصورة تتحول المنح الى تحويل اموال دافعي الضرائب في الدولة الاستعمارية الى ارباح لشركاتها الامبريالية. ليس هناك واقع حقيقي لمنح تقدمها الدول الامبريالية الى المستعمرات لغرض تطويرها واعمارها ورفاهها وتحقيق استقلالها. قارئي العزيز ارجو ان اكون قد افلحت في الاجابة على الاسئلة الصعبة التي وجهتها لي بهذا الايجاز السريع وتقبل تحياتي
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جواب الى قارئ كويتي
-
الصناعة الاشتراكية
-
ذكرى ثورة 14 تموز
-
رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
-
ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
-
ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
-
الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
-
الماركسية نظرية للطبقة العاملة
-
هل الماركسية تمر في ازمة ام المنظمات التي تبنتها
-
الهجوم على ستالين هجوم على الماركسية
-
البحث عن الطبقة الوسطى
-
هل تستطيع الطبقة العاملة قيادة الحركات الثورية؟
-
عيد العمال العالمي
-
حول مقولة لينين -الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية-.
-
أزمة اليسار- التكوين الطبقي لحزب الطبقة العاملة.
-
أزمة اليسار (من هو الشعب؟) الجزء الثاني
-
أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين
-
الاخ العزيز سلامه كيله
-
ازمة اليسار - صنعة ماركسية عربية
-
أزمة اليسار - تعاريف
المزيد.....
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|