|
غزة تستحق الحياة والحرية
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4520 - 2014 / 7 / 22 - 13:50
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
عندما تتعرض الشعوب لحرب عدوانية تهدد حريتها .. ومقدراتها .. ووجودها ، دون أن تتوفر لها قيادة سياسية ، مجمع عليها وطنياً ، يسود نقص مقلق في معايير الموضوعية ، وفي التماسك العقلاني ، في معالجة ما تتعرض له البلاد من محن .. أسبابه .. خلفياته .. أهدافه .. وكيفية الفوز عليه . ردات الفعل .. التعصب .. الانفعال المشحون بمشاهد الدمار .. والموت .. والدماء .. وبؤس ومرارة التهجير والتشريد .. تفقد نسبة لابأس يها من الناس ، الاستعداد للاستماع .. إلاّ لما يلبي الرغبات المتوترة .. المتألمة .. إلاّ لما يمكن أن يحقق الثأر الغريزي ، المبني على معادلات .. النفس بالنفس .. والدم بالدم .. والتدمير بالتدمير . كل خطاب يقوم على التحليل .. والتعليل .. وتحديد الخيارات ، التي تحترم معطيات الواقع ، وتجنب ما يتأتى عن استمرار ، ماهو انتهازي ، وعبثي .. مؤلم ومحزن ، هو خطاب منفر يثير الريبة .. ممل .. لايجذب .. ولايحفز لشيء ليس هو من المألوف خلال توترات تداعيات الحرب . لكن في غمرة القتال الضاري ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ، وفي غمرة الجري المحفوف بالخطر المقدس ، لإنقاذ الأبرياء المعرضين للموت .. والإصابات الحاملة للموت ، ينبغي ، حتى لايسهم ذلك في إضعافنا ، ألاّ يستمر طويلاً .
لقد أوجد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ، الكثير من الالتباس في فهم تحركات وعلاقات فصائل المقاومة . وهو يحاول أن يضع المقاومة وحاضنتها الشعبية في الحرب ، في حالة عدم وضوح الرؤيا ، من خلال ، اللعب على المفارقات بين فصائل المقاومة ، وبينها وبين حاضنتها الشعبية الفلسطينية والعربية ، واستثمار أخطاء بعضها وخاصة " حماس " لبث روح ، التنافر ، لعله ينمي بواسطتها قواه المادية والمعنوية . ويتمثل ذلك بشكل رئيس وسافر ، بإصراره ومعه الدول الغربية ، والدول العربية المتغربنة ، على أن ما يجري في غزة الآن ليس عدواناً إسرائيلياً ، بل هي حرب بين ( إسرائيل وحماس ) وحسب . بين خصمين ، آن الأوان لإنهاء الاقتتال بينهما ، والاتفاق على التهدئة .. والعيش المشترك ، وإنهاء حالة العداء لإسقاط أحدهما الآخر . أي أن الحرب هي وسيلة " ساخنة " لعقد الصفقة التاريخية بينهما ، التي سيتم بموجبها ، نقل حماس نهائياً إلى إطار النظام العربي ، الذي يشتغل على طي صفحة الصراع العربي الإسرائيلي ، وعلى ضم إسرائيل إلى فضاء النظام العربي ، ضمن منظومة العولمة الأمريكية .
وهذا الإصرار على على ثنائية حرب العدوان ( إسرائيل ـ حماس ) يستند إلى التزام " حماس " المعلن بالإطار " الأخواني الدولي " ، الذي تعهد للغرب ، بالتعايش مع الكيان الإسرائيلي ، والاندماج بالعالم الغربي إقتصادياً وسياسياً ، وفق النظم والاتفاقيات الدولية ، مقابل دعم مشروعه ، بناء نظام " إسلامي " معتدل في البلدان العربية ، يكون بديلاً للنظام العربي الراهن المترهل . ما معناه عملياً ، انتقال " حماس من خيار المقاومة وتحرير فلسطين ، إلى خيار العمل ضمن النظام الفلسطيني القائم على التخلي عن العنف في الصراع العربي الإسرائيلي ، والوصول ‘لى " الحقوق الفلسطينية " حسب " اتفاق أوسلو " ، من خلال التفاوض .
ويستند أيضاً إلى الالتزام العربي الرسمي ، والدولي ، بعامة ، بهذه الثنائية ، وإلى أن التعامل مع هذه الثنائية ، يسرع قولبة " حماس " ، ويضعف الأطراف المتشددة فيها ، واحتواء حالة الغضب الشعبي المقاوم من سلوكيات " القيادة الساسية في حماس " فيما سمي " الربيع العربي " ضد بلدان عربية هي الحاضنة الداعمة للنضال الفلسطيني من طرف ، ومن طرف آخر سوف يعزل سياسياً ثم ميدانياً الفصائل الفلسطينية الأخرى ، المصممة على مواصلة خيار المقاومة والتحرير ، ما سيؤدي إلى فتح المجال للسلطات الإسرائيلية لإدارة حربها العدوانية حسب مخططاتها ، والتعاطي المريح مع ارتداداتها الإقليمية والدولية التحررية والإنسانية ، من موقع قوي ومبرر .
وقد رحبت " القيادة السياسية في " حماس " ، كما يبدو ، بالتعامل الإسرائيلي والدولي بهذه الثنائية في العدوان على غزة ، وذلك على خلفية الاعتقاد " الواهم " أن هذه الثنائية ، تتيح لها المجال لتغطية تحركاتها " الأخوانية الدولية " وما سببته لها من عزلة لايمكن تجاهلها في الأوساط الفلسطينية والعربية ، وتمكنها من توظيف ذلك في تحسين مواقعها في حكومة الرئيس عباس التفاوضية ، ومن ثم استخدام انجازات وتضحيات فصائل المقاومة الأخرى ضد العدوان الإسرائيلي ، لعلها تستعيد نفوذها ودورها ، بطبعة جديدة " في الفضاء السياسي الفلسطيني والإقليمي والدولي .
وفي هذا المجال يلعب النظام العربي المتواطيء ، والإعلام العربي الرسمي ، والمأجور ، والدولي ، دوراً أساياً في إبراز وتكريس هذه الثنائية . وذلك بالتعتيم المتعمد على فصائل المقاومة التي تقاتل ، في كل المعارك والميادين ضد العدوان الإسرائيلي ، وبتجاوز غضب غالبية سكان غزة ، من هذه الثنائية ، وإبراز دورهم ، فقط ، بتلقي صواريخ وقنابل الموت ، للاستثمار الإعلامي والسياسي ، وتجاهل قلقهم ، مما قد يأتى عن الثنائية المفبركة من مساومات ، للحفاظ على سلطات " حماس " وإبقائهم تحت الحصار الداخلي والخارجي في آن .
وفي المقابل .. يصر الشعب الفلسطيني وكافة فصائل المقاومة .. وكل الشعوب العربية وقواها التحررية .. على أن حرب العدوان الجارية الآن في غزة ، هي بين إسرائيل وجميع البلدان العربية .. باعتبار أن غزة جزء من فلسطين ،، وفلسطين جزء لايتجزأ من الوطن العربي .. وباعتبار هام جداً ، أن المشروع الصهيوني يستهدف كل البلدان العربية ، لإخضاعها . وسلب ثرواتها .. والهيمنة عليها ، وحرب العدوان هذه ، ليست سوى حلقة في سلسلة الحروب الإسرائيلية الممنهجة ، لتهجير الشعب الفلطيني ، واستلاب وطنه فلسطين ، بكل الوسائل التدميرية الدموية والعنصرية ، لبناء " إسرائيل اليهودية العنصرية على كامل التراب الفلسطيني . ولايمكن أن تنتهي هذه السلسلة من الحروب ، إلاّ بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بإسقاط المشروع الصهيوني . وهذا الإصرار يستند إلى المشروعية التاريخية ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، ولحقوق الشعوب العربية بالحياة والتحرر والحرية . ولاينتقص من هذه المشروعية التاريخية وحق تقرير المصير ، ما تقوم به قوى عربية رسمية وغير رسمية متواطئة مع المشروع الصهيوني ، لضمان سلطاتها ومصالحها الانتهازية ، التي عقدت لهذه الغايات اتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي ( اتفاقية كمب ديفيد واتفاقية وادي عربة ) وأقامت علاقات شبه علنية مع إسرائيل . وأسست لمشروع تفاوضي تسووي برعاية منظومة الدول الاستعمارية ( الأمريكية ـ الغربية ) للتوصل إلى صناعة صيغة تعايش وسلام مع مغتصبي الأراضي والحقوق العربية .
ليس المقصود من إضاءة الواقع بشفافية ، الهجوم على قوى المقاومة المقاتلة البطلة في حماس ، أو على أي فصيل مقاوم مقاتل بطل آخر ، فهم جميعاً يمثلون شرف الأمة وكبريائها ، ويشقون أفق تحررها ووحدتها , وإنما هو الحرص على تعزيز قدرات المقاومة في مواجهة العدوانية الإسرائيلية ، وفي التعبير عن أن غزة تستحق الحرية .. وتستحق الحياة ، وإبعاد رؤية شبح غزة ، بين وقت وآخر ، أنها " بلد موتى بلا قبور " .
إن المعارك والمذابح اليومية في كل شبر من غزة ، تسقط ثنائية ( إسرائيل ـ حماس ) الكاذبة . وتظهر حقيقة ، أن كل شعب غزة .. كل المقاومة في غزة .. تقاتل ضد العدوان .. وتدفع ثمن كسر العدوان .. وكسر الحصار .
ما يعني ، أن على القيادة السياسية في " حماس " أن تتعامل مع هذه الحقيقة باستقامة وموضوعية ، وتساعد على إبرازالوجه الحقيقي لقوى المقاومة . وهذه هي فرصتها التاريخية للعودة الصادقة الثابتة إلى خندق المفاومة .
ليست مذبحة حي الشجاعية وحدها جريمة حرب ، تستوجب الإدانة والمحاسبة والعقاب ، إن كل عمليات العدوان الإسرائيلي على غزة .. والحصار الإسرائيلي لغزة .. هي جرائم حرب .. وهي جريمة إبادة جماعية ,, واغتيال شعب .
إن جريمة اغتيال شعب غزة لن تمر .. كما مرت مذابح دير ياسين ، وكفر قاسم ، وقانا ، وصبرا وشاتيلا . وأولئك الحكام العرب .. وعتاة النظام الاستعماري الدولي ، الذين يدعمون الكيان الإسرائيلي في عدوانه ومذابحه .. على أنه حق له مشروع في الدفاع عن النفس .. ولايحق للفلسطيني أن يدافع عن حياته وبقائه ووجوده ، يتحملون كامل مسؤولية الإبادة العنصرية الصهيونية لشعب غزة .. لأطفال .. وشيوخ .. ونساء .. وكافة سكان غزة . ويوصمون بالعار .. على مدار الأيام والتاريخ .. لأشخاصهم .. ونظمهم .. ودولهم .
لن تبقى سماء غزة ممتلئة بالقنابل الحرارية القاتلة . إن شعب غزة الموحد المقاوم .. سينتصر .. وسيملأ سماءه ببالونات قزحية الألوان .. تحمل إلى أطفال غزة .. الأمان .. والحرية .. والفرح .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة لاتذرف الدموع .. إنها تقاتل .
-
المؤامرة والقرار التاريخي الشجاع
-
السمت .. وساعة الحقيقة
-
خديعة حرب الإرهاب بالوكالة
-
الإرهاب ودوره في السياسة الدولية
-
ما بين حرب حزيران وحرب الإرهاب
-
دفاعاً عن شرعية الشعب
-
الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم
...
-
حلب تحت حصار الموت عطشاً
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
-
أول أيار والإرهاب والحرب
-
الصرخة
-
هل فشل أردوغان ؟
-
ما وراء جبال كسب
-
جدلية الزعامة والوطن والشعب
-
الساسة والسياسة ومكامن الفشل
-
الأم والأسطورة والحياة
-
الاعتماد على الذات الوطنية أولاً
-
المرأة السورية وحقوقها والحرب
-
الانحطاط الشامل والاختراق الممكن
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|