|
ثورات الربيع العربي وحلف الخائفين من الديموقراطية
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 09:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تيمنا بالشكل الهندسي المعروف بالبنتاجون ، رأينا أن نستخدم تعبير " المسدّس " المعادي لثورات الربيع العربي كلها ، وعلى رأسها ربيع غزة الأحدث ، والذي هو سداسي مختلف الأضلاع يتكون بصورة أساسية من : أمريكا وروسيا واسرائيل وإيران ومصر السيسي وسورية الأسد ، ، وتتحدد مهمته ووظيفته المعلنة والمضمرة ، بالقضاء على ثورات الربيع العربي كلها ، ومن بينها بل وعلى رأسها " ربيع غزة الفلسطيني ". لا شك أن ثورات الربيع العربي ، التي انطلقت من تونس في 18 ديسمبر 2010 ، وما يزال أوارها مشتعلاً حتى اليوم في سورية والعراق وغزة ، إنما كانت / جاءت ردّاً على هزائم الأنظمة العربية المتكررة والكبيرة ، سواء منها البعيدة وغير المباشرة ( وعد بلفور ، سايس - بيكو ، الاحتلال الأوروبي لمعظم أقطار الوطن العربي ) أو القريبة والمباشرة ( هزيمة 1948 ، هزيمة 1967 ، هزيمة 2003 ) . ولأن هذه الثورات الوطنية ، تضرب في عمق الجرح العربي الذي تسببت به تلك الهزائم المتوالية والمتكررة ، والذي تجسد ( الجرح ) في النصف الثاني من القرن الماضي ، في صورة مجتمع مجزّأ ، متخلف ، ممنوع من التنمية والتطور ، محكوم من قبل ديكتاتوريات تمثل أقليات قبلية أو طائفية مرتبطة بالدول الاستعمارية بصور وأشكال ودرجات مختلفة ، فقد استنفر أعداء ذلك الربيع العربي كل طاقاتهم وكل إمكاناتهم لوضع حد لهذا الربيع ، وتجفيف ينابيعه القومية والدينية والإنسانية ، خوفا من أن يمتد لهيبه إلى دولهم وإلى مصالحهم . ولقد كانت أبرز الأسلحة التي استخدمها هذا الحلف السداسي ضد ثورات الربيع العربي هي : 1) توزيع الأدوار فيما بينهم ، بحيث يقف هذا مع ثورات الربيع العربي ، بينما يقف الآخر مع الأنظمة المستهدفة من هذه الثورات . وينطبق هذا بصورة أساسية على موقف الدول الكبرى التي تحتكر المال و العلم والتكنولوجيا ، والتي تقوم بدور قائد الأوركسترا في توزيع الأدوار والمهام بين عناصر ذلك السداسي الذي اشرنا اليه . ولما كانت هذه " اللعبة " على درجة عالية من التعقيد ، كان لابد من اللجوء إلى الكذب والخداع والتضليل واستبعاد " نظرية المؤامرة " ، والتقيّة ، ... الخ ، لإخفاء هذا الحلف السداسي عن أعين الآخرين وهو ماحدث ويحدث امام أعيننا بصورة فعلية . 2) اللعب بورقة التطرف التكفيري الإسلامي السني وتحويله الى قوة مادية ملموسة ، ذات شعارات معلنة ، وعلم أسود يزيد عمره على 1400 سنة هجرية ، ومن ثم شيطنته ، وتقديمه للعالم على انه هذا هو " الإسلام " الذي على المجتمع الدولي محاربته ، ولكن تحت مسمى آخر هو " الإرهاب " . 3) ولقد اقتضت عملية توظيف هذه الورقة السنيّة في خدمة مخططات ( حلف الخائفين من الديموقراطية ) إحياء التناقضات التاريخية التي عفا عليها الزمن ، وتوظيفها في تنفيذ هذا المخطط الإمبريالي المعادي لثورات الربيع العربي . والمعادي بالذات لمطلب الديموقراطية والتعددية الذي هو المطلب الرئيسي لهذه الثورات . لقد كانت الورقة الأساسية في هذه اللعبة هي اختراع / تكوين ( دولة العراق والشام / دولة الخلافة الإسلامية !! ) السنية ووضعها في الجهة المقابلة لدولة ولاية الفقيه الشيعية ، لينجزا معاً في المستقبل القريب أو المتوسط ، ما عجزت حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران أن تنجزه ، أي الحرب الشاملة بين السنة والشيعة في " الشرق الأوسط الجديد " والتي ستؤدي عاجلا أم آجلاً الى تجزئة الوطن العربي إلى دويلات ميكروية تعيش تحت الحماية الإمبريالية المباشرة و/ أو غير المباشرة ، ويتم رفع العلم الإسرائيلي على مآذن دمشق وبغداد ، تماماً كما هي الحال الآن في القاهرة وعمان . إن ما قامت به داعش في الرقة بالأمس ، وما تقوم به في الموصل اليوم ، إن هو إلّا البرهان العملي على صحة رؤيتنا للعلاقة الجدلية بين أطراف ذلك السداسي المشبوه ، والذي أطلقنا عليه " حلف الخائفين من الديموقراطية " ونعني بذلك تحديدا حلف الخائفين من ثورات الربيع العربي التي تطالب بالعدالة والمساواة ، وبالحرية والكرامة ، وباحترام حقوق المواطنين جميعا ودونما تمييز من أي نوع كان . 4) اللعب بورقة الحداثة والعلمانية والليبرالية ، والتي عادة ما يجسدها قسم كبير من المثقفين ، وكبار ضباط الجيش ، الموالين للحضارة وللثقافة الغربية ، سواءً بحكم انتمائهم الطبقي ( فئة الأغنياء ) ، أو بحكم دراستهم ومعايشتهم لتلك الثقافة التي يعتبرونها النموذج المثالي الذي على بلدانهم ان تحذو حذوه للخروج من مأزق التخلف التي هي عليه اليوم ، إن الإشكالية التي يطرحها موقف هذا التيار الاجتماعي ، هو أنه تيار إقصائي بامتياز ، من حيث اعتباره أن كل من لا يتفق معه في الرأي ، وخاصة إذا كان من التيار الإسلامي ، أنما هو " إنسان متخلف " ، وبالتالي لا فائدة من الحوار معه ، وإن اجتثاثه من المجتمع هو الموقف العقلاني. 5) اللعب بورقة العمائم البيضاء والسوداء ، الذين يتلطون تحت عباءة السلطان ، يخدمهم ويخدمونه ، يقدمون له المخارج والمداخل الفقهية ، ويقدم لهم الدولارات والحماية ، والنجومية في وسائل الاعلام وليس بعيداًعنا موقف شيخ الأزهر المتماهي مع انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي ، ولا موقف مفتي مصر الذي ناشد الجيش المصري أن يضرب " بالمليان " المتظاهرين السلميين ، وأنه شخصيا ( كمفتي طبعا) يضمن لهم الدخول إلى الجنة ( !!) . ألا يذكّرهذا بصكوك الغفران المسيحية التي كانت وراء الثورة الفرنسية عام 1789 بل ووراء علمانية أوروبا بصورة عامة . كما وأنه ليس بعيدا عنا موقف مفتي بشار الأسد الشيخ أحمد حسون مما يقوم به بشار الأسد في سوريا صباح مساء ، ولا سيما تدميره المساجد والكنائس المخصصة لذكر الله والمعروفة عند الجميع ، ومنهم فقهاء الأسد بالتأكيد ، بأنها بيوت الله . 6) نعم إن حلف الخائفين من الديموقراطية ومن حقوق الإنسان ، هو من يقف وراء كل الدماء التي سالت وتسيل في وطننا العربي منذ 1948 وحتى اليوم ، ولكن دون أن يعني ذلك اننا نعفي انفسنا كأفراد وكشعوب وكحكومات من المسؤولية ، ومن أتكاء صمت المجتمع الدولي على صمتنا كعرب وكمسلمين ، ليس فقط حيال ماجرى ويجري في دول الربيع العربي منذ عام 2012 وحتى اليوم ، وإنما حيال ماجرى ويجري في غزة منذ بضعة أيام فقط . ان ماأرغب قوله في ختام هذه المقالة لبعض الداعشيين المغرر بهم ، والذين يتبارون بإطالة الذقون وتقصير الثياب ، وقطع الرؤوس ، ورجم النساء ، وتهجير مخالفيهم في الدين أو تدفعهم الجزية ، إن أحد صحابة رسول الله ( وربما كان سيدنا عمر ) قد قال قبل الف وأربعمائة عام من اليوم " لا تلزموا أولادكم على أخلاقكم فلقد ولدوا لزمان غير زمانكم " ، فكيف تريدون إلزام هؤلاء الأولاد بمواقف ومسالك مر عليها خمس وثلاثون جيلا وليس جيلا واحداً فقط ؟!. إنكم تنفذون بذلك مخططات أعداء العروبة والإسلام ، مخططات السباعي المعادي لثورات الربيع العربي الوطنية والقومية والإسلامية ، سواء أكنتم تدرون أو لا تدرون .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا لم تستح فافعل وقل ما شئت
-
عناق الربيعين
-
من محمد الزعبي إلى حسن نصر الله
-
انتخابات الأسد والضحك على الذقون
-
التغميس بالصحن وإشكالاته
-
إشكالية العلاقة بين حزب البعث وحافظ الأسد ،
-
الساكت عن الحق شيطان أخرس
-
الثورة السورية والخيار الثالث
-
ماذا جرى ويجري في حمص؟
-
الثورة السورية وإشكالية الأقلية والأكثرية
-
بشار الأسد بين فقه الأزمة وفقه الفتنة
-
مرة أخرى عود على بدء
-
على سبيل النقد الذاتي ، الصبيانية اليسارية في حزب البعث
-
الثورة السورية بعد ثلاث سنوات الإشكالية والحل
-
خواطر حول ثورة 18آذار 2011
-
رسالة أخوية إلى الائتلاف
-
الأسد المالكي السيسي .. تعددت الأشكال والمضمون واحد
-
من وحي مؤتمر مونترو حول سورية - السبب الحقيقي لانقسام المعار
...
-
مؤتمر جنيف 2 والانتصار الممنوع
-
الثورة السورية بين المجلس والائتلاف
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|