|
أيها الشيطان، قرّ عينًا
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 18:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
“كل ما يحتاجُ إليه الشيطان، لكي يحقق الانتصار على بني الإنسان، هو أن يجلس الأخيارُ دون أن يفعلوا شيئًا.” عبارة صادقة قالها إدموند بِرك، الفيلسوف والمنظّر السياسي الأيرلندي، في القرن الثامن عشر، وكأنه يقصد بها لحظتنا الراهنة البائسة التي نحياها في القرن الواحد والعشرين. لهذا أكادُ أسمع قهقة الشيطان مدوية عاليةً في قاع العالم السفليّ، قبل أن يستوي على مقعده الجهنمي راضيًا حبورًا، يوزّع شكرَه وامتنانَه على كل الصامتين في العالم، أولئك الذين يساندونه بصمتهم وغضّهم الطرف عن الفاحشة والأهوال والمجازر التي تجري كل ساعة من ساعات أيامنا، حتى فتحت البغضاءُ فمها القميء تنفثُ قيحَها المسموم وتكشف عن حلقها الواسع يلتهم في ظلام جوفه ما تبقى في كوكبنا التعس من بقايا سلام، كافح الأنبياءُ عبر التاريخ على أن يورثونا إياه، وناضل صُنّاع السلام والشعراء والرسامون على استعادته، بعد الحرب العالمية الثانية التي دمّرت العالم، في حين أصررنا نحن بنو التعاسة، جيلا بعد جيل، على أن نُهدر ذلك السلام ونُصفّيه حتى نَحُلَ وبانت عِظامُه وأوشك على الاحتضار! وإن أكمل الشيطانُ خُطته، وإن ساندناه نحن بصمتنا، سننكص إلى عصر الهمجية الأول حيث كان الإنسان ينهش لحم أخيه، ويصنع من عظامه سكينًا ينحر بها أبناءه. وبهذا نخسر آلاف السنين كافح فيها الإنسان ليتحول من الهمجية الوحشية إلى الرقيّ المتحضر، الذي فيما يبدو، نخسره يومًا بعد يوم، حتى أوشك على النفاد. شهداء جدد، نساء كنّ أمهات حتى البارحة أمسين ثكالى! أطفال كانوا يلعبون عند باحة البيت، فما رقدوا في أسرّتهم ليلا إلا بعدما عرفوا معنى اليتم والجزع! وعالمٌ صامت! أتساءل أين الرأي العام العالمي وهيومان رايتس ووتش من تنظيم القاعدة الإرهابي الذي فجر أمس واحدًا وعشرين جنديًّا مصريًّا في مخزن ذخيرة بالكيلو 100 بمنطقة الفرافرة؟! أتساءل عن أطفال غزة الذين تهشمت رؤوسهم وخرجت أمخاخهم أمام آبائهم! أتساءلُ أين الرأي العام العالمي و HRW من داعش الهمجية التي خيّرت مسيحيي الموصل العراقية بين اعتناق الإسلام، بالإجبار، أو دفع الجزية، أو نحر أعناقهم، أو طردهم من بلادهم التي لا يعرفون سواها؟! أتساءل عن الرؤوس التي تطير، وتُركل مثل كرة القدم، والدماء التي تُهرَق على تراب سورية والعراق في إثر صيحة غدت مصدر رعب لمن يسمعها: “الله أكبر”، فيما هي منذورة لإشاعة الأمن والأمان في القلوب؟ تكبييييير، لابد يتلوها صوت رصاصة وصرخة محتضَر وصعود روح مستضعفة إلى بارئها! بأي حقٍّ يشوهون عبارة نذرها الأولون لإعلام ظالم بأن هناك مَن هو أكبر منه وأعلى، وأكبر من العالمين، لأنه خالق العالمين، فيرعوي الظالم ويكفّ عن بطشه، ليحولها السفاحون اليوم إلى عبارة نذير تعقبها زفرةُ موت وانفجار قلب كان يخفق قبل دقيقة، وتهشم دماغ يلفظ أشلاء مخٍّ كان يفكر قبل برهة في بيت وابن وزوجة وأمٍّ سيجلب لهم الطعام والدواء وكراسة المدرسة؟! هل مسلمون أولئك؟ هل قرأوا يومًا ما قاله الإمام علي بن أبي طالب: “الناس قسمان، أخٌ لك في الدين، ونظيرٌ لك في الخَلق، فاعطِ كلاًّ منهما حقَّه"؟ فبأي حقٌّ يقتلُ إنسانٌ أخاه في الدين أو نظيره في الخلق والإنسانية، محتميًا ببندقية سفيهة وسيف حقير أبكم، وقلب بهيمي وعقل بليد؟ أين الرأي العام العالمي ومنظمة الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان في العالم؟ لماذا تحرّكت الدنيا غضبًا من أجل ثلاثة جنود إسرائيليين، وصمت الجميعُ صمتَ الموات عن غيرهم في مصر والعراق وسورية؟ أين ساكنو قصور الدوحة الربعاوية الأشاوس الهاربون من مصر إلى صحون الشيخة موزة، مما يحدث لإخوانهم في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى بعدما أصمّوا آذاننا بهتافاتهم العالية، قبل سرقة عرش مصر: “ع القدس رايحيين، شهداء بالملايين”؟ لماذا لا يتركون صواني الثريد بالمظبي والمندي والخرفان المحمرة المشمرة، ويهبون لنجدة إخوانهم المسلمين كما يليق برجال، أو بأشباه رجال؟ هل يخافون على الثريد أن يبرد، أم على بطونهم المترهلة أن تفرغ، أم على أفكاكهم المتلمظة وشفاههم المترهلة أن تتوقف عن المضغ لبعض الوقت؟ أيها الشيطان الرجيم، استرح ونم ملء جفونك وقرّ عينًا، فثمة مَن يقوم بدورك من بني الإنسان على نحو أفضل.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟
-
ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال
-
أستاذية العالم الداعشية
-
لما كنا صغيرين
-
سرقوا التلاجة يا محمد
-
دريّة شرف الدين.. شكرًا
-
-الشاعر- هاني عازر
-
هل يعرف الداعشيون جبران؟
-
العنف ضد المرأة
-
الكاتب الداهية
-
المجد للنباتيين يا آكلي اللحوم
-
الفئران أول من يشعر بالخطر فتغادر السفينة قفزاً في الماء، يل
...
-
متى ينام إبراهيم محلب؟
-
ثاني رمضان، بلا إخوان
-
المايسترو
-
المتحرشون لم يفسدوا فرحتنا
-
وجدي الحكيم، وحلم لم يكتمل
-
الروث في مياه الشرب!
-
أحمر باهت
-
العذراء، وشمس الدين التبريزي
المزيد.....
-
-المقاومة الإسلامية في العراق-: تنفيذ عملية مشتركة مع الحوثي
...
-
«حدثها الآن» إليك تردد قناة طيور الجنة بيبي نايل سات 2024 ال
...
-
بزشكيان: دعم إيران للشعب الفلسطيني المظلوم مستمد من تعاليمنا
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف إيلات وميناء حيف
...
-
المقاومة الاسلامية بالعراق تستهدف إيلات المحتلة بالطيران الم
...
-
اضطهاد وخوف من الانتقام.. عائلات كانت مرتبطة بتنظيم -الدولة
...
-
في البحرين.. اكتشاف أحد أقدم -المباني المسيحية- في الخليج
-
“ولادك هيتجننوا من الفرحة” ثبت الآن قنوات الأطفال 2024 (طيور
...
-
إيهود باراك: على إسرائيل أن توقف الحديث عن ديمونا
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|