أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سامي العباس - ازمة المعارضة اليسارية السورية















المزيد.....

ازمة المعارضة اليسارية السورية


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1276 - 2005 / 8 / 4 - 07:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في السباق نحو السلطة بواسطة الجيش الذي انخرطت فيه الأحزاب العقائدية طيلة عقدي الخمسينات والستينات في سورية ‘ كان تحصيل حاصل أن يفوز أحدها بكأس السبق وأن يحتفظ بها إذا أفلح في وضع معظم البرنامج المشترك لهذه الأحزاب موضع التنفيذ . وهذا ما أفلح فيه حزب البعث العربي الإشتراكي . ذلك أن السباق افتتحته أزمة انحباس الرأسمالية داخل المدن ، وتولت هزيمة 1948 توقيت طلقة البدء . بهذا المنظار لرؤية الأحداث يمكن اعتبار العام 1963 في الحالة السورية والعام 1968 في الحالة العراقية هما خط نهاية السباق للأحزاب العقائدية في البلدين . وبهذا المعنى فإن خط النهاية كان بنفس الوقت خط اللاعودة نظرا لأن تخومه تطابقت مع بدء أغلاق ملف الأزمة ( أزمة انحباس الرأسمالية داخل المدن ) بتخفيض سقف الملكية إلى حد ذابت عنده طبقة كبار الملاك ودخلت الدولة كرأسمالي كبير تجاوز إكراهات مرحلة التراكم الوحشي . إن خطاب العدالة الإجتماعية الذي شكل القاسم المشترك للأحزاب العقائدية ( اليسارية ) بمقدار ما شكل الرافعة السيسيولوجية لهذه الأحزاب في مرحلة السباق ، فإنه في المرحلة التالية أصبح السبب الرئيسي لإنكماشها ، وانحسار نفوذها الإجتماعي ، وتحولها إلى خطابات نخبوية عائمة على السطح السيسيولوجي السوري خصوصا والعربي عموما . فالحزب العقائدي ( في الحالة السورية حزب البعث ) عندما أفلح بالفوز بكأس السباق ( السلطة ) لم يترك من خطاب العدالة الإجتماعية الذي يتقاسمه مع بقية الأحزاب العقائدية التي فشلت في السباق ، سوى نتف من هنا وهناك تابعت هذه الأخيرة التسلي السياسي بها من موقع المعارضة . إن تفحصا للبرنامج الإقتصادي- الإجتماعي للطيف العريض الذي يشكل المعارضة اليسارية السورية ، يكشف أن هذا البرنامج لايشكل بديلا منافسا للبرنامج الموضوع من قبل حزب البعث الحاكم موضع التنفيذ . وإن هذا يفسر الضعف السيسيولوجي لأجنحة المعارضة اليسارية السورية من جهة ، ويكشف الأسباب الحقيقية للإتساع الصاروخي لنفوذ حزب البعث داخل النسيج الإجتماعي للفئات الشعبية في سورية . لقد أحدث حزب البعث بعد استيلائه على السلطة بدءا من أوائل الستينات كسرا في التراتبية الإجتماعية الموروثة عن المرحلة العثمانية ، وفتح الباب على مصراعيه ولعدة عقود من السنين للترقي الإجتماعي . وكان التعليم شبه المجاني البوابة الرئيسية لهذا الصعود للفئات والشرائح الريفية على نحو الخصوص، والمدينية بدرجة أقل في السلم الإجتماعي - الإقتصادي السوري .
فعلى سبيل المثال : كان لتضمين برنامج الحزب الشيوعي السوري في الملف الزراعي مطلب الإنتقال من توزيع الأرض على الفلاحين ، إلى إعادة تجميعها في تعاونيات وقعا باهتا في الأوساط الفلاحية . لابل أن البعث الممسك بمقاليد الأمور جرب بطريقة مخبرية هذه الروشيتة، إلا أن المزاج العام للفلاحين لم يتذوق هذه الخطوة . وتخندقت الجمعيات الفلاحية داخل وظيفة النصح والإرشاد وتقديم القروض الميسرة . وقد وسعت البراغماتية - التي طعم بها حافظ الأسد رئيس الجمهورية والزعيم الطويل الأمد الأيديولوجية القومية - الإشتراكية لحزب البعث الحاكم - أزمة اليسار العقائدي . إذ انفتحت بهذه البراغماتية الفرصة لحزب البعث كي يستولي بالتدريج على ما يجده مناسبا وممكنا تنفيذه ، مما يتمايز به برنامج اليسار ، بعد أن يفتح السجون للفصيل العاثر الحظ الذي حظي هذا الجانب من برنامجه بالإهتمام . بمعنى أن المطلب يجري تنفيذه ويوضع الطالب في السجن تحت هذا السبب أو ذاك . إن هذا التكتيك الذي اتبع حيال قضايا مطلبية جرى رفع رايتها في مجرى صراع فقد ديالكتيكه ( السيسيولوجي ) ويتغذى فقط من عزم العطالة ، قد قصر كثيرا شوط حركته بعد أن شلح البعث معارضيه اليساريين ما أبقته أزمة انحباس الرأسمالية - التي تم تجاوزها - في يديهم من أوراق . إن اليسار الذي أفقده تخامد حدة الصراع الطبقي ، على إثر انتقال السلطة السياسية من تحالف الملاك العقاريين والبرجوازية ، حضوره الفاعل في الصراع على السلطة ، قد أخلى بالتدريج الساحة للخطاب الإسلامي القادر على تثمير الإنقسامات العمودية في لعبة الصراع السياسي . ولعل المحنة الأقسى التي واجهها هذا اليسار ، أنه وجد نفسه مربوطا من حيث يريد أو لا يريد في ذيل الخطاب الإسلامي الذي دشن معركته السياسية - العسكرية مع حزب البعث الحاكم على المفصل بين العقدين السابع والثامن من القرن الماضي . كان توظيف الإنقسامات العمودية في الصراع السياسي على السلطة قد خفت في المرحلة التي سبقت وأعقبت الإستقلال ، تحت ضغط عاملين : الأول ارتفاع وتيرة الإنقسامات الأفقية بفعل تكلس التراتبية الإجتماعية الموروثة عن المرحلة العثمانية . و الثاني : التأثير المتنوع للإنتداب الفرنسي . فمن تنامي المشاعر الوطنية في مواجهته ، إلى رعايته لسيرورة اجتماعية - اقتصادية أفضت بالتدريج إلى الإنفكاك من السيرورة الإستنقاعية لنمط الإنتاج الخراجي . ومن نمو الجنين البرجوازي إلى ظهور الأحزاب السياسية إلى التطعيم المتزايد للفضاء الثقافي الإسلامي بعناصر من أنماط العيش و أنماط السلوك وأساليب التفكير الحديثة . إلا أن انهيار الشرعية الدستورية لمصلحة الشرعية الثورية خاق

بيئة مناسبة لاستعادة النوذج الخلدوني لمفهوم السلطة . سلطة العصبية الغالبة . إن استخدام مؤسسة العنف ( الجيش) في الصراع على السلطة قد أزاح بالتدريج نموذج الدولة الليبرالية ( التي ولدت في كنف المرحلة الكولونيا لية ) بسلطاتها الثلاث الواضحة التخوم وصحافتها الحرة وأحزابها المتنافسة تحت سقف الدستور والقانون ، وفتح الطريق أمام العصبيات المناطقية والدينية والطائفية لتتصارع علانية أو مواربة ، للإمساك بالسلطة عبر الإمساك بمؤسسة الجيش . لقد احتاجت سورية لأقل من عقدين كي تصل إلى لحظة أصبحت فيها الإنقسامات العمودية من جديد دينامو الجدليات الإجتماعية والسياسية . وكان تصدر جماعة الأخوان المسلمين للمعارضة السياسية
هو تعبير عن مقطع هابط في سيرورة الإنفكاك عن الشروط القروسطية لممارسة السياسة .
يهذا المنظار نستطيع أن نرى عمق الأزمة التي أفضى إليها الخيار المدعوم من قبل اليسار العقائدي قبل نصف قرن ( الشرعية الثورية بديلا عن الشرعية الدستورية ) : برجوازية دولة عاجزة عن حل أزمة اتساع قوى الإنتاج بإمكانيتها الذاتية . قوتها ليست تعبيرا عن موقعها في عملية الإنتاج الإجتماعي بل تعبيرا عن درجة إمساكها بمؤسسة العنف . من موقعها هذا تمارس تأثيرا مفرملا لعملية توسع وتعمق نمط الإنتاج الرأسمالي ، عبر أحجامها عن القبول بالمشاركة في صناعة القرار السياسي - الإجتماعي ( الإصلاح السياسي ) . إن تفحص سلسلة المراسيم الإشتراعية الصادرة في السنوات القليلة الماضية تكشف أن قرارا حاسما بالإنتقال إلى التعددية السياسية - لم يتخذ بعد . وأن هذاهو القرار الذي تنتظره برجوازية السوق وتضعه شرطا مسبقا على قبولها بصيغة التعددية الإقتصادية المطروحة من قبل برجوازية الدولة الحاكمة .
من هذه الزاويةفإن الأزمة الراهنة للتطور الرأسمالي في سورية مفتاحها في السياسة كما كانت الأزمة قبل نصف قرن تماما ..
إن إصرار برجوازية الدولة على موقفها الراهن يشبه إصرار كبار ملاك العقاريين على عدم حل المسألة الزراعية ( وهي آن ذاك كانت العقبة التي تمنع تمدد علاقات الإنتاج الرأسماليةإلىالريف)
لجهة النتائج التي قد تفضي إليها . فكما أن كل أزمة اجتماعية لا تجد حلا لها في السياسة ستبحث عن حل لها بواسطة العنف ( كما يستنتج من كلاوسفتز- الحرب امتداد للسياسة ). إلا أن الحل للأزمة السابقة بواسطة العنف ( الإنقلاب العسكري ) قد تبدلت شروطه راهنا في ظل الخلل الخطير
في التوازن بين الإنقسامات الأفقية والإنقسامات العمودية لمصلحة هذه الأخيرة. و الذي تراكم على هامش انحباس السياسة لأربعة عقود . إن العنف الذي استخدم قبل نصف قرن في ظل فاعلية أفضل
للإنقسامات الأفقية قد أزاح عقبة ( كبار الملاك العقاريين - البرجوازية ) وأفضى إلى الإنتقال من صيغة الدولة الليبرالية إلى رأسمالية الدولة . إلا أن السماح للأزمة الراهنة باستجرار العنف كوسيلة للحل في ظل التقدم الذي أحرزته الإنحيازات العمودية على حساب الأفقية ، قد يطير هذه المرة الدولة بقضها وقضيضها . إن المثال اللبناني شديد الفصاحة في التعبير عن أن المجتمع المقسوم عموديا سيتعرض عند كل أزمة يمر بها إلى خطر انهياركيانه السياسي . ولقد حافظ لبنان على نفسه حتى الآن (ككيان سياسي ) بفعل الرعاية الإقليمية ( سورية ) والدولية ( الولايات المتحدة الأمريكية) . وهو سيبقى في مهب الريح ( ككيان سياسي ) حتى تتخلق شروط إنتاج الإنحيازات الأفقية بتعبيراتها السياسية ( الأحزاب العابرة للطوائف ) وتصبح هي المتغلبة داخل نسيج الإجتماع اللبناني .
إن حالة النكوص التي تعيشها سورية عن سيرورة تعميق الإنحيازات الأفقية - التي خطت خطوات واسعة طيلة العهد الكولونيالي والعقدين اللاحقين - تجعل الأزمة الراهنة ( أزمة يصنعها تطور قوى الإنتاج وانحباس علاقات الإنتاج عند الصيغة التي تشكلت بعد التحول من الليبرالية إلى رأسمالية الدولة ) مركز تشغيل لجدليات ما قبل الرأسمالية . أي الإنحيازات الدينية والطائفية والمناطقية ( الشكل الما قبل رأسمالي للصراع الإجتماعي ) ، وأظن أن التراجع الملحوظ لنفوذ الأحزاب السيا سية بخطابها الحديث العابر للإنقسامات العمودية ( طوائف وعشائر ....الخ )
لمصلحة الأحزاب الدينية والإثنية داخل النسيج الإجتماعي السوري تعبير أكثر فصاحة عن المسار المهدد لكيان الدولة الذي قد تفضي إليه الأزمة الراهنة .
وختاما إن وعي الأزمة لايعني حلها ، بل هو المقدمة النظرية . فالحل هو برسم الجميع .



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الديمقراطية
- الانتلجنسيا السورية على المفترق
- ازمة الحداثة -مقاربة للجذور
- مفترق طرق
- قراءة باردة في موضوع ساخن
- محولة للتفكير بصوت عال
- بين نصين مقدسين
- شعر
- التغيير الديمقراطي في سورية
- قراءة في اية
- تحية لفالح عبد الجبار
- الراعي الكذاب..تراجيديا السياسة العربية
- مزاح ثقيل مع الدكتور طيب تيزيني
- دراما استعادة الليبرالية
- العرب والسياسة
- ستاتيكو لغوي
- العرب نظرة الى المستقبل
- الحزب العقائدي
- برسم الانتلجنسيا العربية
- ملاحظات على هامش الماركسية الايديولوجية


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سامي العباس - ازمة المعارضة اليسارية السورية