علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)
الحوار المتمدن-العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 13:04
المحور:
الادب والفن
تقتضي الطبيعة وجود طرفين لا ثالث لهما في حالة الرغبة في اظهار الكلام ، اما الصوت او الصمت ، وهذا يبدو في الظاهر فقط ، اذ ان العادة جرت على ان الصوت يقابله الصمت و العكس صحيح ايضا ، وقد يبدو للوهلة الاولى الامر مقبولا , لكن ما ان ندخل في تجريد الاشياء من سطحيتها حتى تتمظهر لنا دلالات اخرى ، ربما تكون بعيدة عما هو ثابت وقار في المنظومة السائدة وقد لجأ دريدا الى مثل تلك القراءات في اغلب ما كتب ، فهو على سبيل المثال وجد ان تحويل الكلمة difference الى differance لا يمر دون ان يهز صميم الاشياء هزا عنيفا فاذا كانت الكلمة الاولى تعني الاختلاف فان الثانية تعني الاختلاف المرْجيء الذي ليس له كلمة ولا مفهوم انما – بحسب تعبيره – يمثل حركة لعوب تنتج كل الاختلافات بين الحضور والغياب بمعنى ان الاختلاف المرْجيء (( هو ما يجعل حركة الدلالة ممكنة حين يكون كل عنصر نزعم انه حاضر أي ظاهر على منصة الحضور مرتبطا بعنصر اخر غير نفسه ، وبهذه الطريقة يحتفظ بداخله ببصمة من عنصر سالف ويبطل نفسه بإنفتاحه على بصمة من عنصر تال . هذا الاثر الحاصل على علاقه بما نسميه المستقبل بقدر ما هو نسميه الماضي ومن ثمَّ يتشكل ما نسميه الحاضر بفضل هذه العلاقة نفسها بما لا يوجد : ما لا يوجد مطلقا ... ما ليس حتى ماضيا او مستقبلا يتخذ هيئة حاضر متغير اذ لابد من وجود مدة زمنية تفصل الحاضر عما لا يكونه حتى يوجد الحاضر نفسه لكن هذا الفاصل الزمني الذي يشكل الحاضر من حيث انه حاضر لابد ان يقسّم – للسبب نفسه – الحاضر في ذاته ولذاته ... )) (1) وقد يبدو للنظرة الاولى لهذا النص الدريدي ان الاختلاف المرْجيء ممكن الامساك به ووضع اليد عليه ، او حتى معرفته ، لكن في حقيقة الامر يبدو ان مثل هذه الافتراضات بعيدة المنال جدا لا سيما اذا عرفنا ان الاختلاف المرجْيء لا وجود عيني له فهو بنية تحتية من مكونات اقتصاد التفكير التي من مكن الاستدلال عليها لكن من غير الممكن العثور على اثر لها ففي الواقع ... ان وجودها حتمي ودائم لكنه غير ملموس ، ما يشير لهذا المفهوم يعود بنا الى ديمومة التواصل في الفعل الانساني .
وعودا على بدء لكلامنا حول الاختلاف المرجيء بين الصوت والصمت ، يمكن ان نتبين حضور هذا الاثر وغيابه في الوقت ذاته ، أي اننا لابد من التأكيد على ان هذا الاختلاف هو الغائب الحاضر ، وهو الحاضر الغائب ايضا لكننا في الوقت الذي نؤكد ان الاستدلال على هذا الشيء ممكن فقط من خلال حركة الدوال فان هذا لا يعني ان تلك الدوال ثابتة ويمكن الامساك بها خلال حركة البحث عن مدلولاتها , والحقيقة ان هذا الشيء يبدو انه مخالف للعقل اساسا فبمجرد التأمل البسيط في طبيعة الدوال بوصفها عناصر لا تعرف الثبات نكتشف انه من الصعوبة بمكان ان تكون لدينا القدرة على فرزها ضمن حيز مكاني او زماني ، فاذا نحن سلمنا بتحول الاشياء المستمر وصيرورتها فاجدر بنا ان نسلم بان هذا التحول يمثل اساس الوجود الفيزيقي للأشياء كلها بما فيها بحث الدال على المدلول .
وتمثل جدلية الصمت والصوت – بحسب اعتقادنا – مثالا حيا وقد يكون شاملا في اللغات المنطوقة جميعا للاختلاف المرْجيء اذا اخذنا بنظر الاعتبار اللغة بمفهومها العام ، اما اذا خصصنا البحث في اللغة العربية فإننا سنحصل على جدلية اخرى اخص من الاولى تتمثل في العلاقة الكتابية و النطقية بين المفردتين ( الصمت والصوت ) . فمن الجهة الاولى – أي بالمعنى العام لهذه الجدلية – فإن من المسلم به ان الصوت يتضمن في ما يتضمنه من معاني معنى الصمت اذ انه ما من صوت الا ويقف حائلا امام صوت اخر – بمعنى انه يريد اسكاته ، ثم انه ما من صوت الا وهو يمثل حالة رفض لصمت قد سبقه ، او صمت مفترض سيأتي لاحقا ، ثم انه – وهذا ثالثا – ما من صوت الا وهو يحمل بذرة الصمت بداخله بوصف هذه البذرة مؤشر موت او نهاية . لكننا وبدون ادنى سبب نجد ان الصمت في كل تلك الحالات ما هو الا اختلاف مرْجىء ، لا يمكن الامساك به , ولا يمكن تعيينه ولا حتى تعريفه ، فهو موجود وغير موجود وهو كذلك حاضر وغائب في الوقت ذاته ، فهو موجود وحاضر بوصفه اختلاف وهو غائب وغير موجود بوصفه ابتعاد ، لكن من منا لا يستطيع التسليم به ؟ لا اعتقد ان بامكان شخص ما ينكر الاستدلال عليه وفي الوقت ذاته ينطبق الحال على الصمت الذي يتضمن فيما يتضمنه من معان معنى الصوت فما من صمت الا وهو يمثل كينونة لصوت مسكوت عنه ، او ما من صوت الا وبداخله بذرة صوت تمثل سرطانا سيقضي عليه في اية لحظة , لكنه غير معين ، لا يمكن الامساك به ، نعم يمكن افتراضه و التسليم به بوصفه اختلافا وبوصفه ابتعاد ايضا .
ان صعوبة التمثيل او الاستشهاد بمثال ما متأتية من مبدا صائب تماما ، فلطالما قتلت الامثلة المبسطة الفكرة اساسا – مثلما قد تحييها في مجالات اخرى –، فالأفكار تحلق عاليا دائما ولا تنزل الى عالم الامثلة و الاستشهادات الا على مضض ، فلو ان احداً يحاول ان يفلسف الحركة وطولب بإعطاء مثال بحركة اللاعب في كرة القدم فقد يؤدي ذلك الى الظن ان الفكرة من اساسها يمكن ان تختزل بحركة هذا اللاعب ، او بكرة القدم ومن المؤكد ان هذا بعينه اجحاف بحق الفكرة الاساسية التي لابد انها تمثل غطاءً فكريا لاية حركة في الوجود لكننا سنكون مضطرين لمخالفة هذا المبدأ اثناء الكلام على تمظهرات الاختلاف المرجيء بين الصوت والصمت في اللغة العربية ليس بوصفهما علامتين تتناوبان الوجود , فمن المستحيل ان يتصورهما العقل في محل واحد انما بوصفهما علامتين اشاريتين او بوصفهما مفردتين دالتين ، فقد تكون المفارقة الاولى ان يتمايز الصمت عن الصوت باستبدال حرف الميم واو ومنبع المفارقة ان الميم حرف صامت والواو حرف صائت ، لكن هذا في الظاهر فقط ، فاذا تساءلنا عن سر التوافق بين الحرفين الاول والثالث ، والاختلاف في الحرف الثاني ، ربما يقودنا تساؤلنا الى خصائص حرفي الميم والواو وما يتضمنه كل واحد منهما من صفات تجعل منه مختلفا عن الاخر وتجعل كل حرف منهما في الوقت ذاته يحمل بذرة القضاء على الاخر .
يرى سيبويه ان حرف الميم حرف انفي شديد اما حرف الواو فهو حرف لين ، ويشترك الحرفان في انهما يخرجان مما بين الشفتين الا ان الوجهة الحديثة ترى ان الحرفان شفويان متوسطان .
وبما ان حرف الميم حرف صحيح وحرف الواو حرف علة ، والفارق بينهما من هذه الناحية ان الاول يقبل التحريك و التسكين اما الثاني فلا يقبل تحريكا او اسكانا ، لكن الواو على الرغم من كونه حرف علة قد يكون حرف لين كما مر فيقبل حينها التحريك و الاسكان وهذه صفة ثانية فهو يحمل صفتين يشترك في احدهما مع حرف الميم و يتقاطع في الاخرى معه .ويمتاز الواو عن الميم بانه يمثل ركنا مهما في الاشتقاقات الصرفية .
وهكذا نجد ان لفظة ( صوت ) تستبطن بداخلها مكنونات كثيرة اتاحها لها الحرف ( و ) الا ان هذه المكنونات ترجئ اختلافا يمثل البنية التحتية للمفهوم ( صوت ) عن لفظة ( صمت ) فبوصف الاولى تجنح الى الانطلاق و الانعتاق و الاباحة و العلن والشدة و الحرية ، فإنها في الوقت ذاته تستبطن الكبت و القيد و الاسر و السكون و اللين و القمع ، واذا كان الحال هكذا فان كلمة صمت بتمثلانها المفهومية تمارس لعبة الاعلان و الاختفاء حينما توضع ازاء ما هو مختلف عنها – اي الصوت – وهكذا نجد ان العلاقة بين المفردتين علاقة اختلاف لكنه ليس اختلافا بالمعنى الحرفي بل هو تقابل مستمر ... عداء مستبطن ... نفور لا ينقطع ...غيض ، ارجاء ... نزوع نحو الالغاء .
ولو عدنا الى هيد جر في هذهِ المسألة نجده يؤكد ان اللغة تتحدث من خلالنا ، بمعنى ان الصوت له الاولوية ، اذ ان (( ان كل شيء يقال ينبثق على انحاء عديدة مما لا يقال ، سواء كان هذا اللا مقول او المسكوت عنه the unspoken شيئا ما لم يقل بعد او كان من اللازم ان يبقى محمولا بمعنى انه مما يضيق عنه نطاق الكلام وهكذا فان ما يقال على انحاء يبدأ في الظهور كما لو كان منعزلا عن الحديث و المتحدثين و لا ينتمي اليهم في حين انه في الحقيقة هو وحده الذي يقدم للحديث و المتحدثين ما يكون موضع ابتهاجهم )) (2)
و معنى كلام هيدجر من جهة اخرى ربما يضعنا امام حقيقة قد تكون مغيبة بفعل المناهج التقليدية في التعامل مع اللغة ، هذه الحقيقة تتمثل في اننا كائنات لغوية ، أي اننا مسكونون باللغة ، و اللغة تظهر الى الوجود من خلالنا بأفعال التحدث و الكلام ، فالصوت
و الصمت اداتان بأيدينا نمارس من خلالهما لعبة الوجود اللغوي فاذا ادركنا ان اللغة بوصفها قولا فإنها بذلك تكون اكثر من كونها كلاما فالقول او الصوت يعني الاظهار أي يتيح لشيء ما ان يظهر ... ان يرى ... ان يسمع , فما يقال بحسب تعبير هيدجر ليس شيء ما ينقصه الصوت وانما هو ما يبقى لا مقولا – أي مكوثا مجرد عنه ما لم يتم اظهاره بعد (3)
ان جدلية الصوت والصمت لا تعني بوجه من الوجوه ان يلغي احدهما الاخر من اجل ان يحل محله ، بل هي جدلية من اجل استمرار كل واحد في الاخر وقد اكد هانز غادامر هذا المعنى بقوله : (( عندما نقول ان شخصا ما يكون صامتا فإننا لا نعني بذلك انه لا يكون لديه شيء يقال ، بل الامر على العكس من ذلك فان هذا الصمت هو في الحقيقة نوع من الكلام وفي اللغة الالمانية نجد ان كلمة stumm ( صامت ) لها صلة وثيقة بكلمة stammlen ( يتمتم او يتلعثم ) ومن المؤكد ان حيرة المتمتم لا تكمن في انه لا يكون لديه شيء ما ليقوله ، فهو بخلاف ذلك يريد ان يقول الكثير جدا في نفس الوقت ، ولا يكون قادرا على ان يجد الكلمات التي يعبر بها عن الثروة الضاغطة من الاشياء التي تدور في ذهنه ، وبالمثل فإننا عندما نقول ان شخصا ما قد اصابه بكما او ران عليه صمتا ( verstummt ) فإننا لا نعني ببساطة انه كف عن الكلام ، فعندما نختار في ان نجد الكلمات المعبرة على هذا النحو ، فان ما نريد ان نقوله يكون بالفعل قد اصبح قريبا منا على نحو خاص باعتباره شيئا ما يكون علينا ان نبحث عن كلمات جديدة له )) (4)
ويبدو كلام غادامر وكأنه مصداقا للنظرة السائدة في الصمت وفضائله ، فلطالما اكد الموروث العالمي على ان من الصمت ما قد يكون ابلغ من الكلام ، او على حد تعبير برناردشو : الصمت ابلغ تعبير عن الاحتقار , فلطالما نظر للصمت بأنه جواب لا يطاق ، لذلك قيل اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، او الصمت فضيلة مجانية ، او الصمت في الوقت المناسب ابلغ من الكلام ، وقد يكون الصمت افصح من الكلام ، الا ترى ان الماسة الحرة تتألق دون ان تنبس ببنت شقة على حد تعبير احدهم ، وهذا نيتشة يقول : كل طريق الى العظمة يمر بالصمت ، وما ابلغ غلا سكو حينما افصح عن حقيقة الصمت بقوله : لا بد احيانا من لزوم الصمت ليسمعنا الاخرون ، فالصمت افضل تعبير عن شعورنا العميق على حد تعبير بريان مور ، وقد تمنى سبينوزا ان يسود الصمت حينما قال : كم يكون العالم سعيدا اذا كان الصمت اكثر من الكلام ، كل هذا يؤكد بأن الصمت يضمر كلاما بل هو فن عظيم من فنون الكلام بحسب قول وليم هنريت الى درجة انه حتى الاحمق اذا صمت عدُّ من الحكماء فما اكثر ما يخفي الصمت من جهل وقد قيل : ما اعجب هذه الدنيا : اذا لزمت الصمت عدكَّ الناس جاهلا , فاذا تكلمت اثبت هذا الجهل وهذا المعنى ذاته الذي لامسه بيكون بقوله : ان الصمت فضيلة المجانين ، ولربما ندمنا على الكلام ، لكن قلما نندم على الصمت ، وما اجمل تعبير اديف وارتون حينما قال : يلقي الصمت بظله على الكلام ، وقد يكون الصمت بلاغة عامة ، فصمت الشعوب دروس للحكام كما يقول بواتيه فالذين يلزمون الصمت هم الذين يفكرون غالبا في انفسهم على حد تعبير هازلت (5)
واذا تسنى لنا من خلال ما تقدم ان نقر حقيقة ان الصمت يمثل صوتا او كلاما فان ذلك لا يعني ان يكون الصمت بما يماثل الكلام يقول هيدجر (( ان شخصا ما قد يتكلم – يتكلم بلا نهاية – و لا يقول شيئا طوال الوقت – وشخص ما اخر قد يبقى صامتا ولا يتكلم على الاطلاق – ولكنه يقول الكثير )) (6)
و استبطان الصمت للكلام قد يكون ايسر فهما من استبطان الكلام للصمت ، وعلى الرغم من ذلك فانه ما من كلام او صوت الا وينزع الى الصمت هو الاخر , فهذا الشاعر جون كينج يفصح عن ذلك بقوله : ليس عندي ما اقوله ، وما اقوله هو الشعر فقط ، وقد قيل قديما : قل لنفسك اولا ما ترغب في ان تكون ثم افعل ما لا مفر من فعله ، وقد عبر روبنسون عن ميله للغة الصمت بقوله : كثرة الاقوال قلما تجدي . وما اجمل تعبير ميخائيل نعيمة الذي يختصر كل ما قلناه : احترسوا من كثرة الكلام فمن الف كلمة ينطق بها الناس واحدة لا اكثر قد تكون جديرة بالنطق فلطالما كان الكلام يخفي صمتا مريرا وقد قيل : ان الحبَّ و العمل والعائلة والدين والوطنية كلمات لا معنى لها عند من يتضور من الجوع ، وربما كان جوزيف كونراد ابلغ تعبيرا حينما قال : الكلمات اعداء الحقائق فقد تفعل الكلمة فعلها لكنها لا تفعل كالصمت ، ومن النصائح الموروثة في هذا المجال : ان الكلام كالدواء : اذا اقللت منه نفع وان اكثرت منه صدع ، ووهب الانسان الكلام لإخفاء افكاره وللاحتراز من الكلام الفارغ يوصي الامام علي ( ع ) قائلا : (( الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان )) (7)
ويرى كثيرون ان الصمت له الاسبقية على الصوت فاللغة تتحدث بواسطة الاظهار على حد تعبير هيدجر ، وبذلك يكون الصوت مرحلة تالية اذ انه يمارس الانصات والتحدث يقول هيد جر (( ان التكلم speaking يتم تعريفه بوصفه عملية التلفظ النطقي للفكر بواسطة اعضاء الكلام ولكن التكلم هو في نفس الوقت انصات listening ومن المعتاد وضع التكلم والانصات في حالة تقابل : فشخص ما يتكلم والاخر ينصت ، ولكن الانصات لا يصاحب التكلم ويكتنفه فحسب مثلما يحدث في الحوار فتزامن التكلم والانصات له معنى اوسع من هذا فالتكلم هو نفسه انصات ، فالتكلم هو انصات للغة التي نتحدثها ، وهكذا فأنه يكون هناك انصات لا اثناء بل قبل ما نتكلمه وهذا الانصات الى اللغة يأتي ايضا قبل كل اشكال الانصات التي نعرفها ....... اننا لا نتحدث فحسب اللغة بل اننا نتحدث عن طريقة اللغة ، ونحن يمكن ان نفعل ذلك فقط لأننا دائما ما نكون قد استمعنا الى اللغة ، فما الذي نستمع اليه هناك ، اننا نسمع اللغة تتحدث )) (8)
وقد يكون للموضوع علاقة وثيقة بما سمي بالكلام النفسي عند الاشاعرة وما اكد عليه الجرجاني (ت 471 هـ ) في كتابه اسرار البلاغة ، فالجرجاني وجد في مقولة الجاحظ المشهورة (( المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي و العربي والبدوي ، انما الشأن في اقامة اللفظ ..... )) (9)حجة لمهاجمة انصار المعاني لذلك يرى المراد بالمعاني ليست المعاني القاموسية والدلالية ، انما المعاني النفسية التي تتمثل في الخبر وسائر الكلام .
يقول الجرجاني (( ان الخبر وجميع الكلام معان ينشئها الانسان وفي نفسه ويصرفها في فكره ويناجي بها قلبه ويراجع فيها عقله وتوصف انها مقاصد واغراض واعظمها شأنا الخبر فهو الذي يتصور بالصور الكثيرة وتقع فيه الصناعات العجيبة )) (10)
ويؤكد الجرجاني كلامه هذا في نص آخر يقول فيه : (( نظم الحروف هو تواليها في النطق ، وليس نظمها بمقتضى عن معنى ولا الناظم لها بمقتضى في ذلك رسما من العقل اقتضى ان يتحرك في نظمه لها ما تحراه ، فلو ان واضع اللغة قال (( ربض )) مكان (( ضرب )) لما كان في ذلك ما يؤدي الى فساد ، واما نظم الكلم فليس الامر فيه كذلك لأنك تقتضي في نظمها اثار المعاني وترتبها على حسب ترتب المعاني في النفس فهو اذن نظم يعتبر فيه المنظوم بعضه مع بعض وليست هو النظم الذي معناه ضم الشيء الى الشيء كيف جاء وانقضى )) (11)
الهوامش
(1) الكتابة والاختلاف : 25
(2) نقلا عن : في ماهية اللغة وفلسفة التأويل ، د. سعد توفيق , المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع , بيروت , ط1 , 2002 : 31.
(3) م .ن : 32 .
(4) تجلي الجميل , هانز جورج غادامر , ترجمة د. سعد توفيق , المجلس الاعلى للثقافة , مصر , ط1 , 1997 : 189
(5) الاقوال في فضيلة الصمت مأخوذة من : مؤسسة الامثال والحكم واقول العالمية , منير عبود , شركة المطبوعات , بيروت : 189 .
(6) في ماهية اللغة وفلسفة التأويل : 32 .
(7) مؤسوعة الامثال / م . ن : 174 ـ 177 .
(8) دلائل الاعجاز , عبد القاهر الجرجاني , تح محمود محمد شاكر , مكتبة الخانجي , القاهرة , 48.
(9) م . ن : 49 .
(10) في ماهية اللغة وفلسفة التأويل : 36
#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)
Ali_Huseein_Yousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟