|
قراءة في مصطلح -السلفية الجهادية-
سمير الحمادي
الحوار المتمدن-العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 23:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في معرض استجواب أجرته معه صحيفة " الأسبوع الصحفي" (14 / 6 / 2012)، أنكر الشيخ السلفي المغربي عمر الحدوشي أن يكون لمصطلح "السلفية الجهادية" ذائع الصيت في الكتابات السياسية والأمنية والإعلامية والبحثية أي معنى، معتبراً أنه مجرد مصطلح "بوليسي" صنع في دهاليز الشرطة وأقبية المخابرات ولا يمت للواقع بصلة.
الحقيقة أن هذه ليست أول مرة يردد فيها الشيخ الحدوشي هذا الكلام / الادعاء، فبالعودة إلى استجوابات صحفية أجريت معه في وقت سابق، نجده يكرر هذا المعنى بالعبارة نفسها، وبالحرف نفسه.. أحيانا، ونذكر بالخصوص استجواباً أجرته معه جريدة "العصر" قبل تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003 (اعتقل بعدها، وصدر ضده حكم بالسجن 30 عاما، لكن أفرج عنه بعفو ملكي في 4 / 2 / 2012).
ففي هذا الاستجواب، يقول بالحرف: "هذه التسمية (= "السلفية الجهادية") دعية، أي ابنة زنا، لا يُعرف لها أب ولا أم، وهي تسمية يراد منها الفتنة، والذين أطلقوا هذه التسمية علينا العديد منهم علمانيون وملحدون، نحن لا نوافق على هذه التسمية، وإن كنا نناصر الجهاد في كل بلدة، وأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة" (العصر، 26 يوليو ــ 1 غشت 2002)، الأمر الذي يدفعنا إلى التوقف عند هذا الكلام لمراجعة محتواه، خاصة أنه لا يندرج في إطار "الأفكار" التي تخص صاحبها فقط، وإنما هو داخل في نطاق "المعلومات" التي يفترض أن تلامس الحقيقة من أجل إنارة ظلام الفهم حول الموضوع.
إن من حق الشيخ الحدوشي أن يعتنق ما يشاء من أفكار، وأن تكون له قناعاته ومقولاته الخاصة التي يعبر عنها في كتاباته وخطبه، ويدافع عنها في خرجاته الإعلامية. لا أحد ينكر عليه هذا الحق أو يجادله فيه، لكن عندما نكون بصدد معلومة، فإن على المرء أن يتحرى الدقة والموضوعية، ولا ينطق عن الهوى. من هنا، نستأذن الشيخ في أن نصحح له الخطأ في كلامه لعله يتوقف عن ترديده بشكل ببغاوي في كل مناسبة. وإن كان الإنصاف يقتضي أن ننوه إلى أنه ليس الوحيد الذي يتخذ هذا الموقف السلبي من مصطلح "السلفية الجهادية"، هناك آخرون يوافقونه الرفض والاستهجان، منهم من ينطلق من المنظور الأيديولوجي السلفي نفسه (نشير بالخصوص إلى رسالة أبي عزيز عبد الإله الحسني الجزائري "الردم لمصطلح السلفية الجهادية لما فيه من الهدم"، وأيضا الشيخ محمد الفيزازي.. في ما مضى، إذ لا نعرف الآن قوله.. فالرجل صار غير الرجل)، ومنهم من ينطلق من منظور مختلف تماماً، وإن كان أيضاً محكوماً باعتبارات / حسابات الأيديولوجيا (النموذج هنا مقال عبد الله بن ثاني: "تحرير مصطلح "السلفية الجهادية" المنشور في موقع "السكينة" السعودي، 23 / 8 / 2010).
إن مصطلح "السلفية الجهادية" الذي يدّعي الشيخ أنه مصطلح "لقيط" لا أصل له ولا فصل، وأنه اختراع مغربي صنع في أقبية المخابرات المغربية، هو مصطلح مثبت في الأدبيات الجهادية نفسها منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ ثمانينيات القرن العشرين، عند رموز هذا التيار، الذين يمثلونه على أعلى مستوى تنظيري (أبو محمد المقدسي، عبد القادر عبد العزيز، أبو قتادة الفلسطيني، أبو مصعب السوري، أيمن الظواهري...)، وإن كانت صياغاته النظرية الأولى قد تمت في مصر في الستينيات على يد سيد قطب بعد انقلابه الفكري (الأصولي) في العهد الناصري (ابتداء من العام 1957)، في سياق الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبد الناصر من جهة، وتحت تأثير كتابات أبي الأعلى المودودي (خاصة كتابه "المصطلحات الأربعة في القران") التي اطلع عليها في السجن من جهة ثانية (النموذج هنا كتابه الأشهر "معالم في الطريق" الذي وُزعت نسخه الأولى بين العامين 1962 ــ 1964)، ثم تبلورت هذه الصياغات في السبعينيات مع صالح سرية في "رسالة الإيمان" (1973)، ومحمد عبد السلام فرج في "الفريضة الغائبة" (أواخر 1980)، ثم في كتابات شيوخ التنظيمين الجهاديين الأساسيين في مصر خلال تلك الفترة: الجماعة الإسلامية (تحديداً "ميثاق العمل الإسلامي" الصادر في العام 1984، والذي شارك في كتابته عاصم عبد الماجد وعصام الدين دربالة وناجح إبراهيم)، وجماعة الجهاد (كتابات أمير الجماعة ومنظرها الأساسي من 1987 إلى 1993 السيد إمام الشريف أو عبد القادر عبد العزيز). من ناحية أخرى، ساهم عبد الله عزام من موقعه في أفغانستان في بلورة بعض التأصيلات الفكرية التي تقوم عليها "السلفية الجهادية"، حيث يقرر رضوان السيد أن عزام هو أول من استخدم هذا المصطلح في العام 1987بغرض "توحيد صفوف السلفيين العرب وغير العرب في أفغانستان على مشارف خروج الروس منها" ("الحياة"، 15 / 10 / 2005).
ثم جاءت أزمة وحرب الخليج الثانية (1990 ــ 1991) لتمثل نقطة الانطلاق الحقيقية للفكر السلفي الجهادي، حيث برز، في البداية، كتعبير عن الهزة العنيفة التي تعرض لها الحقل الديني في المملكة العربية السعودية الذي تهيمن عليه المؤسسة الوهابية المتحالفة تاريخياً مع الأسرة الحاكمة ( آل سعود)، نتيجة القرار الذي اتخذه الملك فهد بن عبد العزيز في غشت 1990 باستقدام قوات أجنبية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، والدفاع عن المملكة في حال أقدم صدام حسين على اجتياحها.
لقد وضع هذا القرار النظام الحاكم في السعودية في مأزق حقيقي. فهو وإن كان مفهوماً ومبرراً على مستوى التفكير السياسي، إلا أن خصوصية نظام الحكم السعودي الذي ظل، منذ ظهور الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر، يؤسس شرعية وجوده على الإيديولوجية الوهابية الطاعنة في التطرف والإقصاء، جعلت منه مثار إشكالية دينية مزدوجة لا يمكن الاستهانة بها في بيئة ثقافية تحكمها ذهنية محض أصولية. هذه الإشكالية تتمثل، من جهة أولى، في مدى شرعية استعانة دولة مسلمة (= السعودية) بدولة كافرة (= الولايات المتحدة الأمريكية) لقتال دولة مسلمة (= العراق)، وتتجسد، من جهة ثانية، في مدى شرعية تواجد قوات عسكرية أجنبية، لأول مرة في تاريخ الإسلام، على أرض جزيرة العرب (أرض الوحي والنبوة).
في محاولة للحصول على غطاء شرعي لقراره، عمد النظام السعودي إلى استصدار فتوى بجواز "الإستعانة بالكفار" من المؤسسة الدينية الرسمية التي تمثلها هيئة كبار العلماء، إلا أن التمايزات الداخلية التي ينطوي عليها الحقل الديني في المملكة حالت دون إقرار موقف موحد من القرار، ومن الفتوى التي استُصدرت خصيصا لتسويغه شرعياً، إذ سرعان ما اشتعلت شرارة الصراع بين الهيئة وبعض العلماء الرافضين لموقفها، الذين اتخذوا موقفاً معارضاً لأي تدخل أو دور عسكري أجنبي في الأحداث، وهو الموقف الذي اتسم بحدة فاقت توقعات النظام نفسه، خاصة بعد أن وصل الأمر إلى حد تكفيره مباشرة.. على الملأ.
كانت هذه اللحظة هي محدد الانطلاقة الأولى للسلفية الجهادية في التسعينيات كتيار فكري يقوم على نسق من المفاهيم والمقولات المرتبطة بظروف التدخل الأجنبي في منطقة الخليج (لخصها في تلك الفترة حديث / شعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب")، ثم بعد ذلك توسعت أفكارها وانتشرت في كل أنحاء العالم بسبب ارتباطها العضوي بتجربة تنظيم القاعدة الذي اتخذ منها الإطار الديني المرجعي لتبرير ممارساته العنفية وتأطير مسارات المواجهة التي بدأها منذ منتصف التسعينيات مع نظم الحكم القائمة في البلدان العربية والإسلامية (= العدو القريب) والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية (= العدو البعيد)، وكانت لحظة الذروة تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تلاها من تفاعلات دولية (في أفغانستان والعراق) ما تزال ذيولها ممتدة في الزمان والمكان.
بعد هذا الاسترسال، نعود إلى مصطلح "السلفية الجهادية" الذي ينكر الشيخ الحدوشي وجوده من الأصل، ويعتبره محض افتراء "بوليسي". لن نتطرق هنا بإسهاب إلى المجال البحثي المعني بدراسة الظاهرة الإسلامية عموما، والظاهرة الجهادية على وجه التحديد، الذي يتعامل أهله، من العرب والأجانب على السواء، مع هذا المصطلح بارتياح معرفي كامل، بعد أن تحدد لديهم معناه، وخلفياته، وتطبيقاته، ذلك أن الشيخ لا يصح في ذهنه ولا يعترف بجدوى وجدارة المنجز المعرفي الذي يصدر عن الأبحاث والدراسات التي تتناول بالتحليل والنقد مختلف الانشغالات والقضايا الفكرية التي يطرحها الإسلام الحركي الحديث والمعاصر، بتنويعاته الدعوية والسياسية والجهادية التي تخترقها اختلافات وتمايزات متعددة، ومع ذلك، لا مناص من استحضار بعض النماذج الرصينة (في السياق العربي) من باب "إثبات الحالة"، ونشير بالتحديد إلى ثلاثة نماذج: التونسي عبد اللطيف الهرماسي، واللبناني عبد الغني عماد، والأردني أكرم حجازي.
بالنسبة إلى عبد اللطيف الهرماسي، يعرّف "السلفية الجهادية" بأنها "تيار أيديولوجي ومشروع تحمله جماعات حركية مناهضة بشكل مطلق لما هو قائم من أنظمة اجتماعية وسلطات سياسية وثقافية سائدة وعلاقات دولية... وهي أيديولوجية تتسم بالخاصية المزدوجة التالية:
ــ أنها تشكل الصيغة الأكثر جذرية لتقسيم البشرية على أساس ديني، إذ لا تكتفي بالتقسيم التقليدي للبشر إلى مسلمين وكفار، بل توسع معنى الكفر أو الشرك وتقدم تعريفا ضيقا للإسلام يؤدي إلى إخراج جزء كبير من المسلمين من حظيرته.
ــ أنها تقدم في نفس الوقت الصيغة الأكثر جذرية لتسييس الدين، فتتعامل معه كأيديولوجية صدامية لا تقف عند هدف استعادة النظام السياسي الإسلامي في فضائه التاريخي المعروف، وإنما تتجاوزه إلى الجهاد ضد ما تسميه بالطاغوت والجاهلية في كل مكان من الكرة الأرضية، والعمل على إقامة دولة خلافة عالمية، أي حكم الإسلام للعالم كافة" (موقع "سويس انفو"، 30 / 11 / 2007).
هذا التعريف يتسق مع ما ملاحظة يسجلها عبد الغني عماد في معرض متابعته للخصائص التي تجعل من الطرح "السلفي الجهادي" خطاً فكرياً مفارقاً لسواه من الخطوط الفكرية التي تتحرك ضمن التيار السلفي نفسه: فما يميز "السلفية الجهادية" عن غيرها من السلفيات "ليس إعلانها جاهلية المجتمعات المعاصرة كلها، وليس ادعاءها كفرانية النظم التي لا تحكم بما أنزل الله، بل إعلانها الصريح أن الجهاد المسلح سبيل أوحد للتغيير. لذلك هي ترفض أي طريق آخر لإقامة نظام الخلافة الإسلامية، كالدخول في البرلمانات أو التربية والتثقيف والثورة الجماهيرية السلمية أو إشاعة الوعي الإسلامي"(مجلة "الدفاع الوطني"، بيروت، 1 / 1 / 2008).
أما أكرم حجازي، الذي يعتبر من الباحثين المهمين في هذا المجال (أسامة بن لادن نفسه أثنى عليه كما جاء في إحدى وثائق "أبوت آباد" التي عثرت عليها القوات الأمريكية في منزله بعد مقتله في 2 / 5 / 2011)، ودراساته أشهر من أن تعرف، نذكر منها دراسته المرجعية: "رحلة في صميم عقل السلفية الجهادية: القاعدة نموذجا"، التي نشرتها جريدة القدس العربي على حلقات في شهر غشت 2006، فضلاً عن عشرات المقالات الموزعة على الصحف الورقية وموقعه على الانترنت، فيقول عن هذا المصطلح (أي "السلفية الجهادية") إنه "مصطلح جديد كل الجدة وفريد في المحتوى حين يعبر مضمونه المترامي الأطراف عن إجمالي التيارات الجهادية التي غدت تؤمن بما تسميه الإسلام العالمي المقاتل، أما الجدة في هذا الطرح فتكمن في أن الجهاد لم يعد يعبر عن محتوى أيديولوجي ذي نزعة تنظيمية قطرية محدودة، بقدر ما بات يقدم على أنه عبادة وفريضة متعينة بقطع النظر عن إمكانية تطبيقها على مجاميع الأمة الإسلامية، إذ إن مبدأ التطبيق اليوم بالنسبة للتيارات الجهادية، وفي الظروف الحالية، يقتصر على الفرد دون الجماعة، لذا فهو يتخذ من الآية الكريمة التالية شعارا له، وبموجبها يعمل: [فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا] النساء: 84".
ويشير حجازي إلى أن الظاهرة التي تمثلها "السلفية الجهادية" "شئنا أم أبينا، وفي ضوء عروضها العسكرية والأمنية النوعية على المسرح الدولي، باغتت في فعالياتها ومساعيها كلاً من السياسي والديني والاجتماعي والثقافي والعلمي والمعرفي وحتى الحضاري قبل أن يستشعر أحد جدية المخاطر التي تخلفها في بنية التنظيم الدولي والعلاقات الدولية"، الأمر الذي جعلها تتحول (بعد هجمات 11 سبتمبر 2001) إلى"فاعل إستراتيجي دولي مميز وفريد من نوعه سواء تعلق الأمر بالحدث السياسي أو بالحدث الأمني" ("القدس العربي"، 28 / 8 / 2006).
والآن، ماذا يقول كبار منظري "السلفية الجهادية" عن هذه "السلفية" التي ينكر الحدوشي وجودها من الأصل، ويعتبرها مجرد "تسمية دعية، أي ابنة زنا"..؟
نورد هنا نماذج ثلاثة:
ــ الأول هو أبو محمد المقدسي، صاحب كتاب "ملة إبراهيم" (1985)، الذي اعتبرته دراسة صدرت في سبتمبر 2006 عن مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية في نيويورك المنظر الأول للسلفية الجهادية على مستوى العالم، وصنفته من حيث الأهمية ودرجة التأثير في المركز الأول قبل بن لادن نفسه الذي حل في مركز متأخر.
ــ الثاني هو أبو قتادة الفلسطيني: من أشهر المنظرين لأطروحات وخطابات "السلفية الجهادية" وأكثرهم أهمية وخطورة، وهو مؤلف كتاب "الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج" (1999).
ــ أما الثالث فهو أبو مصعب السوري، الذي استأثرت تنظيراته الجهادية المبتكرة باهتمام مختلف مراكز الأبحاث ودوائر الاستخبارات في العالم بالنظر إلى ما يطبع أفكاره من خصوصية وفرادة، خاصة عمله الموسوعي (أكثر من 1600 ص) "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" (2004).
هذا ونشير إلى أنه ما من خلية جهادية اعتقلت في السنوات الأخيرة، في مختلف البلدان العربية، إلا جاءت سيرة هؤلاء الثلاثة في التحقيقات كمرجعيات لها.. في المغرب مثلا، ذكرهم يوسف فكري: مؤسس أولى الخلايا الجهادية في المغرب (في العام 1998) في رسالة نشرتها أسبوعية "الصحيفة" في العام 2003، تضمنت اعترافاً بما ارتكبه خلال أربع سنوات (1998 ــ 2002) من جرائم قتل "باسم الله"، حيث اعتبرهم من "شيوخي الذين قرأت لهم أو استمعت لهم أو منهم.. فآتوني بمثلهم أسودا أبطالا يقتدون بآثار نبي المرحمة والملحمة الضحوك القتال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم" ("الصحيفة"، 18 ــ 24 / 4 / 2003).
ولكي يقف القارئ على أهمية هذه الأسماء / المرجعيات في المجال التداولي "السلفي الجهادي" المعاصر، سنقدم نبذة عن سيرة كل واحد منهم، قبل أن نسجل رأيهم في مصطلح "السلفية الجهادية" بالحرف، حتى لا يتهمنا الشيخ الحدوشي بالتصرف في كلامهم وتحريفه.
أولا: أبو محمد المقدسي
أردني من أصل فلسطيني. اسمه الحقيقي عصام طاهر البرقاوي، ولد في 7 مارس 1959 بقرية برقا في نابلس في فلسطين، نشأ ودرس في الكويت التي هاجرت إليها أسرته بعد ثلاث أو أربع سنوات من ولادته، بعد حصوله على الثانوية العامة قرر التوجه إلى المدينة المنورة لدراسة الشريعة الإسلامية، بيد أنه اتجه لدراسة العلوم بجامعة الموصل في العراق نزولاً عند رغبة والده. في العراق، انضم إلى جماعة "سلفية" معارضة لنظام حكم البعث (العلماني)، فاعتقل وأبعد إلى السعودية التي أقام فيها فترة من الزمن تفرغ خلالها لدراسة أدبيات "الدعوة النجدية" التي استحوذت على عقله تماماً (بحسب كلامه).
في مطلع الثمانينيات، عاد إلى الكويت، وانضم إلى جماعة "أهل الحديث" المتشددة، التي كانت تتبنى أفكار السعودي جهيمان العتيبي، الذي احتلت جماعته الحرم المكي في نوفمبر 1979، ثم ما لبث أن توجه إلى أفغانستان في 1985، وفي مدينة بيشاور على الحدود مع باكستان (القاعدة الخلفية للجهاد الأفغاني ومركز توافد "الأفغان العرب")، نشر كتابه الأول والأشهر "ملة إبراهيم" الذي يعتبره كثيرون النص التأسيسي الأهم للفكرانية "السلفية الجهادية" في صورتها النقية، وقد لقي هذا الكتاب قبولاً واسعاً أهّله لتدريس العلوم الشرعية في معسكرات "القاعدة" في أفغانستان خلال العامين 1989 ــ 1990، وهناك تعرف على شاب مغمور اسمه أحمد فضيل نزال الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي في ما بعد)، وتبناه فكرياً، وقد ارتبط الاثنان: الشيخ والمريد بعلاقة وثيقة ستستمر طويلاً (توترت العلاقة بينهما سنة 1998، ثم تحولت إلى قطيعة في 2004 ــ 2005).
عندما اندلعت حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات، كان في الكويت، فانتقل إلى الأردن، وتحديداً إلى العاصمة عمان، واستقر في إحدى ضواحيها. في العام 1993 شكل مع الزرقاوي جماعة جهادية باسم "جماعة التوحيد" (عرفت إعلامياً باسم "بيعة الإمام") وتولى إمارتها، لكن السلطات نجحت في تفكيكها في مارس / آذار 1994 وزجت به مع الزرقاوي في السجن، وكانت هذه المرة الأولى التي يسجن فيها الاثنان. بعد ذلك، أصبح الشيخ نزيلاً دائماً في سجون الأردن، ما إن يطلق سراحه حتى يساق إلى السجن من جديد (منذ سنة 1994حتى الآن اعتقل حوالي تسع مرات.. بل إنه مؤخراً فقط، في يونيو 2014، أطلق سراحه بعد أن قضى في السجن 5 سنوات).
هذا هو أبو محمد المقدسي، فماذا عن رأيه في "السلفية الجهادية" التي يعد منظرها الأول على مستوى العالم كما تقول المراجع الأمريكية ؟
يقول في استجواب أجرته معه جريدة العصر الإلكترونية في العام 2002: "أحب أن أنوه بأننا لم نتسمى بهذا الاسم (يقصد "السلفية الجهادية")، وإنما نعتنا به من سمانا به من الناس لتمسكنا بما كان عليه السلف الصالح من الاعتقاد والعمل والجهاد. فالسلفية الجهادية تيار يجمع بين الدعوة إلى التوحيد بشموليته والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، أو قل هو تيار يسعى لتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت.. فهذه هي هوية التيار السلفي الجهادي، والتي تميزه عن سائر الحركات الدعوية والجهادية.. فبعض الحركات السلفية تقزم وتقصر دعوة التوحيد على شرك التمائم والقبور ولا تتعرض من قريب أو بعيد إلى شرك الحكام والمشرعين والقصور، بل قد تكون ممن يسير في ركاب الحكام ويعمل على تثبيت عروشهم، كما أن بعض الحركات الجهادية تبوثق جهادها وتحصره في منطلقات وطنية وترفض رفضا حازما وحاسما أن تتعدى بجهادها حدود الوطن.. فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء، ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته وفي كل مكان. فحيث وجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته، وحيث وجدت هذه الدعوة وجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها ولا بد.. ولذلك فأنت ترى أن هذا التيار لا يحصر جهاده في بقعة معينة من الأرض من منطلقات قومية أو أرضية، بل ميدانه هي الأرض كلها، فتجد أبناءه يجاهدون في شتى بقاع الأرض...".
ثانيا: أبو قتادة الفلسطيني
اسمه الحقيقي عمر محمود محمد عثمان. أردني من أصل فلسطيني. ولد في بيت لحم في 30 ديسمبر 1960، ونشأ في عمان. حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية في العام 1984، وعلى الماجستير في أصول الفقه. يعتبر من أكثر المنظرين الجهاديين إثارة للجدل، وأكثرهم عرضة للنقد (خاصة بعد الفتوى التي أصدرها في مارس 1995 في العدد 90 من نشرة "الأنصار" ــ لسان حال الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر ــ التي كان مسئولاً عن تحرير موادها ، حول "جواز قتل الذرية والنسوان درءاً لخطر هتك الأعراض وقتل الإخوان"، وهي الفتوى التي اعتمدها أمير الجماعة الدموي جمال زيتوني لتبرير المجازر المروعة التي كان يقترفها في حق المدنيين العزل). عرف عنه ارتباطه الوثيق بكثير من التنظيمات الجهادية في مختلف أنحاء العالم، ما جعله واحداً من بين أكثر المطلوبين أمنياً في كثير من الدول.
ففي بلده الأردن، الذي غادره سنة 1991 إلى ماليزيا، ومنها إلى باكستان، حكم عليه غيابياً في العام 1999بالأشغال الشاقة المؤبدة، وفي العام 2000 بالأشغال الشاقة 15 عاما على خلفية تهم تتعلق بالتحريض على الإرهاب وتمويله. أما في بريطانيا، حيث ظل يخضع للاعتقال الدوري منذ وصوله إلى لندن بجواز سفر إماراتي مزور في سبتمبر 1993، قادماً من ماليزيا، فقد اعتقل، لأول مرة، في نهاية التسعينيات، وأطلق سراحه في فبراير 2001، وأعيد اعتقاله في أكتوبر 2002، ثم أفرج عنه في العام 2004، واعتقل مرة أخرى بعيد تفجيرات لندن في يوليو 2005، وأفرج عنه في يونيو 2008، قبل أن تعيد الشرطة اعتقاله في نوفمبر من العام نفسه، وظل رهن الاعتقال إلى أن تم تسليمه إلى الأردن، في يوليو 2013، بعد معركة قضائية طويلة.
هذا هو أبو قتادة الفلسطيني، فماذا يقول عن مصطلح "السلفية الجهادية" الذي كان من السباقين إلى اعتماده في كتاباته؟
نورد هنا ثلاث فقرات من كتابه الأشهر "الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج" (1999):
ــ "إن الحركة الجهادية الأمل حركة سلفية التصور والرؤى، سلفية المنهج والطريق، بريئة كل البراءة من الإرث المنحرف في فكر الأشاعرة، والماتريدية، سليمة كل السلامة من آثار المنهج الصوفي الضال، لا تنتسب إلى أي مذهب وطريق إلا طريق الكتاب والسنة، بصيرة بحال أهل زمانها، تصبغ أعمالها بالبعد التعبدي لحركة الصحابي الأول في الأرض، وإذا عرفنا هذا تبين لنا أن حركات الجهاد في العالم الإسلامي لم تصل إلى الأمل المنشود ولكنها إن شاء الله تشد الخطى نحوه..." (ص 69).
ــ "جذور حركات الجهاد السلفية في العالم الإسلامي متشعبة ومتعددة، ولا تعود إلى جهة واحدة، وليس هناك من أحد يستطيع أن يزعم أنه صاحبها، ومن قدر الله تعالى الحسن لهذه الأمة المحمدية أن البلاد التي حكمها الإسلام قلما تجد بلدا يخلو من وجود حركة جهادية قامت من أجل قتال الطواغيت المرتدين منذ عشرات السنين، ولكن عدم التواصل بين هذه الحركات، ثم ما يعقب عدم التواصل من عدم استفادة الواحد من الآخر، هو الذي يجعل الحركات الإسلامية وكأنها تعيش مرحلة طفولية في كل أدوارها..." (ص 72).
ــ "نحن الآن نعيش فوق قنطرة، أمامها الكثير من المفاوز والقفار، وخلفها الكثير من الفوائد والعبر، وبين يديها كتاب الله تعالى، وسنة النبي (ص)، فكيف علينا أن نطرح أنفسنا؟ وإذا طرحنا أنفسنا بصفتنا حركات جهادية سلفية، فما هي ميادين وحقول عملنا؟ هل هي طوائف الردة الممتنعة من قتالنا لهم فقط؟ أم أننا أمام أكوام من التراث المختلط، وواجبنا كذلك أن نحرر إرادة الأمة من عوائق الشرك والجهل؟ وعلى معنى آخر: هل طرح جماعات الجهاد السلفية لمواضيعها على صيغة شمولية أم في جزئية من الجزئيات؟ الجواب ولا شك: إن الواجب علينا أن نعالج الدين كله، نجدده، وأن نعيد بهجته وضياءه على صورته الأولى وهو جديد أول مرة، وهذا يوجب علينا كذلك أن لا نغتر بالجزئيات والفرعيات، بل علينا أن نفهم آلية فهم هذه الجزئيات، وما هي أصولها، وما هو المنهج المتبع حتى وصلت هذه الجزئيات والفرعيات..." (ص 182).
من خلال هذه المقتطفات، يتضح أن هناك نظام فكر وحركة يحمل اسم "السلفية الجهادية" أو "الجهادية السلفية" أو "الجهاد السلفي" أو "السلفية المجاهدة" (كلها مترادفات تحمل الدلالة نفسها)، يحاول أبو قتادة أن يحدد بنية خطابه وضبط مساره وتوجهاته..
ثالثا: أبو مصعب السوري
اسمه الحقيقي مصطفى ست مريم نصار، وتُعرف عائلته بلقب (ست مريم) نسبة إلى جدته من أبيه. سوري، من مواليد حلب في 26 أكتوبر 1958. التحق بجامعة حلب لدراسة الهندسة في العام 1976، وفي هذا التاريخ أيضاً انضم إلى تنظيم الطليعة المقاتلة الذي أسسه مروان حديد بهدف إسقاط نظام البعث الحاكم في سوريا و إقامة دولة إسلامية على أنقاضه. بعد فشل الطليعة في مواجهتها الأولى مع النظام (1979 ــ 1980)، هاجر إلى الأردن، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وعمل مدرباً في الجهاز العسكري للجماعة قبل أن يقرر تركها احتجاجا على قبولها الانضمام إلى التحالف الوطني لتحرير سوريا الذي تشكل في العام 1982، وضم قوى وأحزاب سياسية ذات مرجعية علمانية.
بعد أحداث حماه في العام 1982 فر إلى السعودية، ومنها توجه إلى فرنسا للدراسة، لكنه سرعان ما عاد إلى سوريا ليلتحق مجدداً بالطليعة التي آلت قيادتها إلى عدنان عقلة (ما يزال معتقلاً في سوريا في سجن سري)، وكانت تعد العدة لمواجهة جديدة مع النظام. بعد فشل مشروع المواجهة الثانية، لاذ بالفرار إلى إسبانيا، وتمكن من الحصول على جنسيتها بعد زواجه من اسبانية اعتنقت الإسلام. في أواخر العام 1987 توجه إلى أفغانستان، وهناك التقى عبد الله عزام الذي أقنعه بالمشاركة في الجهاد الأفغاني الذي كان قد اقترب من نهايته، فدرّس في معسكرات الأفغان العرب الرماية، والقتال القريب، وحرب العصابات، وهندسة المتفجرات، وخلال تلك الفترة، تعرف عن قرب على أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعمر عبد الرحمن وغيرهم من رموز الحركة الجهادية المعاصرة. كما شارك في تأسيس تنظيم القاعدة، وظل قريباً من بن لادن حتى عودته إلى مدريد، حيث تفرغ لإدارة أعماله التجارية.
في أواخر العام 1993 انتقل إلى لندن لدعم خلية إعلامية تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية (الجيا)، وذلك بعد إلحاح من أحد قادتها قاري سعيد (اعتقل في الجزائر في العام 1994)، وقد حاول أكثر من مرة الالتحاق بصفوف الجماعة في الداخل، لكن محاولاته باءت بالفشل، فاكتفى بالمساهمة في تحرير نشرة "الأنصار" التي كان يشرف على إصدارها من لندن أبو قتادة الفلسطيني، والكتابة بانتظام في نشرتي "الفجر" الناطقة باسم الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، و"المهاجرون" لسان حال جماعة الجهاد المصرية.
في العام 1996 أسس في لندن مركز دراسات صراعات العالم الإسلامي الذي بدأ عمله بإجراء مقابلتين صحفيتين مع أسامة بن لادن، وخلال تلك الفترة، بدأ يستشعر أن أجهزة الأمن البريطانية تمهد لاعتقاله، فرحل في غشت 1997 إلى أفغانستان بعد الإعلان عن قيام إمارة طالبان الإسلامية، وبايع الملا محمد عمر، وأسس بالتعاون مع وزارة دفاع طالبان معسكر "الغرباء" في قاعدة قرغة العسكرية في كابل (كان هذا المعسكر أحد الأهداف الأولية التي دمرها الطيران الأمريكي بالكامل في هجومه على أفغانستان في أكتوبر 2001)، وشكل مجموعة قتالية ميدانية شاركت في عديد من المعارك ضد قوات تحالف الشمال المناوئة لحركة طالبان، وأنشأ "مركز الغرباء للدراسات الإسلامية والإعلام"، وكتب كثيراً من الأبحاث التي تعتبر اليوم درّة ما أنتجه التيار الجهادي المعاصر.
بعد سقوط نظام طالبان في أواخر 2001، لاذ بالفرار إلى مكان ما في باكستان، وأعلن اعتزال العمل العسكري، والتفرغ للكتابة، وخلال الفترة بين 2002 ــ 2004 أنهى صياغة نظريات كتابه المثير "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، قبل أن يقع في قبضة القوات الباكستانية، في أكتوبر 2005، التي سلمته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي نقلته إلى أحد سجونها السرية، وما يزال مصيره مجهولاً حتى هذه اللحظة (يقال إن الأمريكيين سلموه إلى سوريا، وقد ترددت مؤخراً، بعد قيام الثورة السورية، أنباء عن إطلاق سراحه، لكن لم يتم التأكد من الأمر).
هذا هو أبو مصعب السوري، فماذا كتب عن مصطلح "السلفية الجهادية" في موسوعته "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" التي ضمّنها خلاصة أفكاره وتجاربه؟
انطلاقاً من التعريف الذي يقدمه للتيار الجهادي، وهو: "(الجهاديون) أو (التيار الجهادي) هم الجماعات أو الأفراد الذين حملوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي، أو ضد الأعداء الخارجيين، وحملوا فكرا محددا يقوم على مبادئ الحاكمية وقواعد الولاء والبراء وأساسيات الفكر الجهادي السياسي الشرعي المعاصر كما هو مفصل ومعروف في أدبياتهم"، يقترح أبو مصعب السوري تصنيفاً نظرياً للجماعات والأفراد الذين ينضوون تحت راية الحركة الجهادية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك على النحو التالي:
أ ــ وفق مجالات جهادها والعدو الذي استهدفته، تتكون من:
ـــ التيار الجهادي أو الجماعات والتنظيمات الجهادية أو الجهاديين
ـــ الجماعات أو التنظيمات المجاهدة
ـــ الأفراد والجماعات المجاهدين من أجل تغيير المنكر بالسلاح أو لدفع المظالم.
ب ــ وفق مناهجها في التفكير والاعتقاد والمنهج السياسي الشرعي، تتشكل من:
ــ جماعات منهجية، وتنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الجماعات الجهادية الحركية، الجماعات الجهادية السلفية، الجماعات المجاهدة الإصلاحية والتربوية.
ــ جماعات غير منهجية، وتنقسم هي أيضاً إلى: جماعات مجاهدة منظمة، وكتل وأفراد وتجمعات مجاهدة غير منظمة (ص 685 وما بعدها).
إن هذا التصنيف مجرد اجتهاد من صاحبه، تخترقه ثغرات متعددة، وقد أوردناه فقط للتأكيد على أن هذا المنظر الجهادي البارز لا يعتبر مصطلح "السلفية الجهادية" من "أبناء الزنا" الذين "لا يعرف لهم أب ولا أم"، وإنما يقره بالاسم ويجعله عنواناً لواحد من الخطوط الفكرية والحركية التي يتشكل منها التيار الجهادي المعاصر بحسب التصور / التصنيف الذي يقترحه، والذي نعيد التأكيد على أنه تصور / تصنيف قابل للمراجعة لقصوره عن استيعاب الظاهرة الجهادية في كل تنوعاتها النظرية والحركية.
قد تكفي الاقتباسات التي أوردناها هنا عربون تصحيح لخطأ الشيخ الذي يكرره في كل مناسبة، لكن بين أيدينا الآن مقال لجهادي آخر هو المصري أحمد عشوش، وهو من مشايخ "السلفية الجهادية" الذين صعد نجمهم بعد ثورة 25 يناير، مع أنه من قدماء الجهاديين المصريين الذين التحقوا بأفغانستان لقتال السوفيت في العام 1989، وهناك انضم إلى جماعة الجهاد المصرية، قبل أن يعود إلى مصر في العام 1991 على رأس مجموعة مكونة من 150 جهاديا (طلائع الفتح) كلفهم أيمن الظواهري بإعداد البنية التحتية لنقل المعركة إلى مصر، لكنه سرعان ما اعتقل في العام 1993، ولم يفرج عنه إلا بعد الثورة: في مارس 2012.
المقال المؤرخ في مايو 2012 بعنوان "السلفية الجهادية وحراب الأعداء"، ونقرأ فيه ما يلي: "السلفية الجهادية تتمركز حول قضية الشريعة الإسلامية، فهي أعدل قضية في دنيا الوجود، إنها أشرف دعوة ينتسب إليها مخلوق، فهي شريعة ربانية محكمة جاءت بالعدل والإنصاف والرحمة، جاءت هداية للبشر وإخراجا لهم من الظلمات إلى النور، لذلك حملنا رايتها وانطلقنا دعاة إليها وهداة بها. فنحن لم نصدر من أجل منصب ولا جاه، ولا من أجل حزب أو جماعة، ولا تعصبا لرجل بعينه دون غيره، وإنما صدرنا من أجل الشريعة الربانية، من أجل أن يكون القران والسنة هما الحكْم والحكَم، لا الدستور والقانون الإباحي. فتحت راية الشريعة نرابط، وعن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم نذب وندافع، ابتغاء لهداية الخلائق. ومن ثم فنحن نلخص دعوتنا في شعاراتنا المرفوعة: القران فوق الدستور، القران فوق الحكومة، القران فوق الأمة، فمن عارضنا في ذلك فليرفع صوته ليعلمه الناس جميعا".
هذه فقط نماذج. هناك عشرات الوثائق الجهادية التي تتضمن في ثناياها مصطلح "السلفية الجهادية" الذي يحاول الشيخ الحدوشي جاهداً أن يوهمنا (دون أن يقنعنا) بأنه محض افتراء وكذب ما أنزل الله به من سلطان، مع أن الواقع يشهد أننا بصدد مصطلح مثبت له نظامه الفكري (الديني / السياسي) المسنود بمصادر وروافد معروفة (تاريخية وحديثة) وبمنطلقات / تصورات مفاهيمية رئيسية (التوحيد والجهاد) وفرعية (الحاكمية، الكفر بالطاغوت، الولاء والبراء)، كما أن له ممارساته المتطورة في الزمان والممتدة في المكان، في سياقات سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة عن بعضها كلياً، بحيث لا يمكن، على أي نحو، إنكار وجوده هكذا.. بمجرد كلمات سطحية وغامضة يطلقها الشيخ بين الحين والآخر دون تفكير، ودون حجج ومسوغات وازنة تدعم هذا الاعتراض الإنكاري وتسنده في ادعاءاته.
والخلاصة: المعطيات الواردة في هذا العرض المكثف تكفي للدلالة على أن مصطلح "السلفية الجهادية" ليس مصطلحاً "لقيطا" لا يعرف له أب ولا أم، وإنما هو مصطلح طاعن في النسب والمعنى، معترف به وله شهادة ميلاد رسمية وقعها رموزه / أعلامه المعاصرون الذين وإن كانوا لم يصكوا هذا المصطلح بأنفسهم، فإنهم أيضاً لم يرفضوه في المطلق ولم ينفروا منه أو يصيبهم التوتر كلما جاء على ذكره أحد كما يحدث مع الشيخ الحدوشي الذي نزعم أنه من الرموز الكبار لهذا التيار الفكري في المغرب كما هو واضح من "جهادياته" التي تحرص المراكز الإعلامية الافتراضية التابعة لــ "القاعدة وأخواتها" على الاعتناء بها ونشرها بغرض "تعميم الفائدة"، اللهم إذا كان الرجل لا يقر ما يُنشر باسمه، وهنا، عليه أن يخرج علينا هو الآخر بمراجعاته الفكرية أسوة بمن سبقوه في هذا المضمار في مصر والسعودية والجزائر وليبيا، بل وفي المغرب نفسه كما رأينا مع محمد الفيزازي وحسن الخطاب وآخرين... أما إذا لم يفعل، ولن يفعل ولو انتظرنا، فإننا ندعوه أن يلوذ بالصمت لأن الثابت أن جهل المرء ينضح من فكّيه.
#سمير_الحمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في بؤس الإعلام المصري
-
عن الكواكبي.. ومعضلة الثورات العربية
-
عبد الله القصيمي: الأصولي المنشق
-
الإسلامولوجيا وسؤال الكفاية: نموذج مغربي
-
برقية.. إلى ثوار -الربيع العربي-
-
السياسة تفرّق شمل السلفيين في المغرب
-
في أزمة الربيع العربي
-
الوهابية والسلفية الجهادية: أسئلة العلاقة
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|