|
نصرٌ ل ”إسرائيل” أم هزيمةٌ للأمم المتحدة؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 09:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نصرٌ لـ ”إسرائيل” أم هزيمةٌ للأمم المتحدة؟ أثار تصويت 74 دولة من بين 159 بالجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح "إسرائيل" بانتخاب مردخاي أميهاي نائباً لرئيس اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، جدلاً مستفيضاً على المستوى الدولي القانوني والدبلوماسي والسياسي، وفي أروقة الأمم المتحدة وخارجها، وفي إطار المجتمع المدني، إذ إن لمثل هذا التصويت دلالات سياسية وقانونية وأخلاقية، فكيف اختار ما يسمّى بالمجتمع الدولي، دولة عنصرية لا تزال تمارس نهجها الاستعماري الاستيطاني منذ قيامها العام 1948 عبر سياسات الإجلاء والتهجير للشعب العربي الفلسطيني وبناء المستوطنات على أرضه ومنع شعبه من حقه في تقرير المصير والعودة إلى وطنه، لمثل هذا المنصب؟ الدلالة الأولى هي التعارض الشديد بين مبادئ وميثاق الأمم المتحدة وبين قراراتها أحياناً، فضلاً عن التعارض مع القواعد العامة الآمرة للقانون الدولي المعاصر، فقد مثّل قرار اختيار "إسرائيل" سابقة خطيرة، فكيف لدولة تنتهك حق شعب آخر وتحتل أراضيه، تصبح في عداد الدول الراعية لتصفية الاستعمار وهي مستعمِرة؟ وكان الأجدى بالجمعية العامة الطلب من "إسرائيل" التعهد بإنهاء احتلالها، والقيام بما يدعم ذلك عبر التزامات محدّدة أمام المجتمع الدولي، وعلى الأقل تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة ذاتها . الدلالة الثانية انكشاف زيف دعوات الكثير من الدول، وخصوصاً الدول الغربية التي تتشبث ليل نهار بقيم الحرية والعدالة والسلام وحقوق الإنسان، فكيف تؤيد دولة محتلة في إشغال منصب يتعلق بتصفية الاستعمار؟ وجاء ترشح "إسرائيل" من المجموعة الإقليمية لغرب أوروبا ودول أخرى، والتي ترأستها بريطانيا إحدى الدول الأساسية المسؤولة عن مأساة الشعب العربي الفلسطيني، بإصدارها وعد بلفور العام 1917 وتشجيعها على الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وخصوصاً خلال فترة انتدابها بعد الحرب العالمية الأولى من العام ،1922 وصولاً لقرار التقسيم رقم 181 الذي صدر عن الأمم المتحدة العام ،1947 ومن ثم اندلاع الحرب العربية - "الإسرائيلية" بعد قيام "إسرائيل" العام ،1948 ومن الغريب أن هذه المجموعة تضم إضافة إلى بريطانيا و"إسرائيل"، دولة مثل تركيا الإسلامية ونيوزيلاندا وغيرهما . والدلالة الثالثة تتعلق بانهيار المنظومة القيمية والأخلاقية للمنظمة الأممية التي تطبق سياسة ازدواجية ومعايير انتقائية في التعامل مع القضايا الدولية، وخصوصاً التي تخصّ العالم الثالث، والبلدان العربية والإسلامية، ومثل هذا النصر يعتبر أشدّ عاراً من الهزيمة ذاتها، فاللجنة التي أُنتخبت "إسرائيل" لها معنيّة بالقضية الفلسطينية، وهي مطالبة بالتحقيق في انتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي، ولحقوق الإنسان، وتقديم تقارير دورية للجمعية العامة، بذلك، فهل من المتوقع أن تساهم "إسرائيل" في إدانة نفسها وممارساتها وسياساتها العدوانية، الاستعمارية الاستيطانية؟ وأقل ما يقال عن هذا الاختيار إنه استفزاز للضمير الإنساني وللمجتمع الدولي . أما الدلالة الرابعة، فهي تعكس انحسار الدور العربي على المستوى الدولي، الأمر الذي دفع دولاً أقرب إلى الحيادية للتصويت لصالح "إسرائيل"، ولو كان الموقف العربي موحّداً وقوياً واستخدم الأسلحة التي بيده، وخصوصاً الاقتصادية والمالية، لما تمادت الكثير من الدول على التصويت لصالح "إسرائيل" في هذا الموقع أو في غيره من المواقع، ولنا أن نتذكّر موقف العرب بين العام 1967 والعام ،1973 وخصوصاً باستخدام سلاح النفط في المعركة، حيث أقدمت أكثر من 30 دولة إفريقية على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل"، إضافة إلى مواقف الدول الاشتراكية السابقة التي استمرت في قطع علاقاتها مع "إسرائيل" وإدانة سياساتها، وتأييد حقوق الشعب العربي الفلسطيني حتى أواخر الثمانينات، عندما بدأت موجة التراجع العربي والدولي، حيث استعادت "اسرائيل" زمام المبادرة، وأعادت علاقاتها مع جميع البلدان التي قطعتها لأسباب تتعلق باحتلالها للأراضي العربية، بل وحصلت في بعضها على موقع الدولة الأكثر رعاية، وتوغّلت في إفريقيا وآسيا، إضافة إلى نفوذها الأوروبي في الدول الغربية والشرقية لاحقاً . وكانت المجموعة الإسلامية والعربية أن عقدت اجتماعات مع المجموعات الإقليمية الأخرى بهدف منع هذا الترشح، ولكن الإجراءات الخاصة باختيار نواب رؤساء اللجان لا تتيح وقف الترشح، فضلاً عن أن ثقل هذه المجموعة، وكذلك دول عدم الانحياز أصبح خفيفاً وغير موحّد . الدلالة الخامسة أن البلدان التي صوّتت لصالح اختيار "إسرائيل" نائباً لرئيس لجنة تصفية الاستعمار الرابعة، تناست مواقف المجتمع المدني العالمي، حيث صوّتت أكثر من ثلاثة آلاف منظمة مدنية ضد سياسات "إسرائيل" العنصرية في مؤتمر ديربن العام ،2001 والذي جرى فيه استذكار موقف الأمم المتحدة والقرار 3379 الذي صدر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1975 الذي دمغ الصهيونية بالعنصرية والتمييز العنصري، وهو القرار الذي صدر بُعيد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي عن الشعب العربي الفلسطيني وقبولها عضواً مراقباً في الأمم المتحدة العام ،1974 وكذلك العديد من القرارات لصالح الشعب العربي الفلسطيني في الأمم المتحدة في فترة ولاية الأمين العام كورت فالدهايم الذي حاولت الصهيونية الانتقام منه ومعاقبته لاحقاً في محاولة لتشويه سمعته . الدلالة السادسة هبوط قيمة الأمم المتحدة، فكيف لنظام استعماري أن يترأس لجنة مكافحة الاستعمار، وهو النظام العنصري الوحيد على المستوى العالمي بعد انتهاء ليل العنصرية الطويل في جنوب إفريقيا في العام 1994 بإجراء انتخابات لكل الأعراق والانحدارات والتكوينات، وفوز نيلسون مانديلا، حيث جرى التوجّه صوب دولة ديمقراطية مدنية غير عنصرية تقوم على مبادئ المساواة والعدالة وسيادة القانون؟ فهل يمكن تكليف نظام الابرتايد الذي حكم جنوب إفريقيا لثلاثة قرون ونيّف من الزمان من ترؤس لجنة للقضاء على العنصرية أم إن في الأمر ثمة بعداً سريالياً حقيقياً، أو هو جزء من مسرح اللامعقول؟! الدلالة السابعة ما قيمة المبادئ التي يتم تسطيرها، ففي هذا الاختيار هناك هزيمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام ،1977 بخصوص حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، وحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، إضافة إلى قضايا اللاجئين الفلسطينيين الذين مضى عليهم أكثر من 66 عاماً . إن هذا القرار يأتي تحدّياً للمجتمع الدولي نفسه لأنه يتناقض مع توجّهات الأمم المتحدة ذاتها التي تنتمي "إسرائيل" إلى عضويتها، لكنها لا تعترف بقراراتها ولا تطبّقها ولا تحترمها، وخصوصاً القرار 181 بخصوص التقسيم والقرار 242 والقرار 338 وغيرها من القرارات الخاصة بحقوق الشعب العربي الفلسطيني وانسحاب "إسرائيل" من الأراضي العربية المحتلة . إن انتخاب قوة احتلال ونعني بها "إسرائيل" لمنصب رفيع يتعلق بإنهاء الاستعمار يتناقض مع صدقية اللجنة ذاتها، ف"إسرائيل" تواصل بشكل منهجي، سياساتها غير الشرعية وغير القانونية، العدوانية والعنصرية ضد الشعب العربي الفلسطيني وتنتهك مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها . القرار وملابساته والجدل بشأنه يعيد إلى الأذهان نضال شعوب آسيا وإفريقيا وحركات التحرر الوطني في الخمسينات من القرن الماضي ضد الاستعمار الغربي، وخصوصاً البريطاني والفرنسي، وفيما بعد ضد محاولات الهيمنة الأمريكية، الأمر الذي اضطر الأمم المتحدة أمام زخم حركات التحرر الوطني إلى الاستجابة وإصدار القرار 1514 في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1960 تحت عنوان قرار منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمّرة والمعروف قرار تصفية الاستعمار "الكولونيالية" وذلك لتأكيد قيم الحرية والاستقلال، وحق تقرير المصير، وهو الدور الذي اضطلعت به الأمم المتحدة في الستينات وما بعدها من القرن الماضي، وذلك بصعود نجم حركات التحرر الوطني التي كان أبرز قادتها جمال عبد الناصر (مصر) وجواهر لال نهرو وانديرا غاندي (الهند) وجوزيف بروز تيتو (يوغسلافيا) . "إسرائيل" التي حظيت بأريحية بموقع نائب رئيس اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار، تعاملت بازدراء مجدداً مع المجتمع الدولي بإقدامها على قتل الطفولة الفلسطينية المعذبة، وما حادث خطف وقتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وحرق جثته على يد مستوطنين، تحت مرأى ومسمع من السلطات "الإسرائيلية" المسؤولة إلاّ دليل على الوحشية الاستعمارية الاستيطانية الإجلائية التي تعتبر نهجاً ثابتاً ل"إسرائيل" منذ قيامها حتى الآن، حيث تسود النزعات العنصرية والتعصب والتطرف أوساطاً واسعة من المجتمع "الإسرائيلي" . عبد الحسين شعبان
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موريتانيا.. مسلسل الانقلابات والانتخابات!
-
تشاؤل ليبيا
-
من هو الرئيس العاشر «لإسرائيل»؟
-
لا بدّ من صنعاء ولو طال السفر
-
زمن داعش!
-
داعش هل تعجّل التفاهم الإيراني الأمريكي ؟
-
عراق “داعش” من الحرب الأهلية إلى التقسيم
-
اليمين يجتاح أوروبا.. وماذا بشأن العرب والمسلمين؟!
-
في “حضرة” اللاعنف
-
الدّب الروسي والتنين الصيني وصفقة العصر!
-
“إعلان البحرين” والمحكمة العربية لحقوق الإنسان
-
نحو رؤية عقلانية للحركة العربية لحقوق الإنسان
-
من مذبحة ماي لاي إلى سجن أبو غريب!
-
ما بعد الانتخابات العراقية: حقل الألغام الطويل!
-
4 تحدّيات و4 اتجاهات في حركة حقوق الإنسان
-
فضاء الشيوعية وهواء الصندوق!
-
روسيا وأوكرانيا.. حزام الأزمات
-
أوكرانيا وانزلاق الهوية
-
- سبايا- بوكو حرام!
-
تدمير الهوية الثقافية العربية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|