أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 7 - الوجود والعدم 2















المزيد.....

التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 7 - الوجود والعدم 2


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 00:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيد القمني
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى
( 7 )
الوجود والعدم
الجزء الثاني
في طفولتنا وحكايات هذا الزمن البرئ أن أسداً أمسك بأرنب يريد التهامه ، فكان من ذكاء الأرنب الضعيف أمام الأسد القوي أن صك له حكاية يهرب بها من الموت ، فأخبره أن بالبئر مئات الأرانب وذهب به للبئر فنظر الأسد فإذا بصورة الأرنب تتلألأ على صفحة الماء أرانب عديدة فهجم عليها الأسد وهوى بالبئر ونجى الأرنب الأريب .
ان الصورة التي رآها الأسد على صفحة الماء للأرنب ليست وجوداً ولا عدماً ، لأنها لو كانت وجوداً لأكلها الأسد ، ولو كانت عدماً ما قفز الأسد إلى البئر ليفوز بها ، فالمخ هو الذي يصنع الفكرة عن الصورة في بئر أو في مرآة فهي انعكاس الضوء إلى عين الأسد التي أرسلتها إلى المخ ، الذي ركب مجموعة صفات الأرنب الواصلة إليه، صورة ضوئية لشئ غير موجود في الحقيقة . نعود هنا إلى الفيلسوف الإنجليزي ( جون لوك ) ومن بعده المثالي الألماني ( إيمانويل كانط ) الذي وصل منها إلى كتابه الأهم في العقل الخالص ، لنتعرف : كيف تنتقل الموجودات الحقيقية من الواقع المحسوس إلى الدماغ في شكل صور عقلية ، عندما تنقل كل حاسة من حواسنا ما تحسه حسب وظيفتها رؤيةً أو صوتاً أو مذاقاً كصفة واحدة ، يكون إحساس الحاسة الواحدة هو فكرة بسيطة واحدة تتلقاها من الواقع ، لترسل مجموع الحواس ما التقطته من الواقع إلى العقل ، ليقوم العقل بتركيب ما وصله من مجموعة أفكار بسيطة على بعضها البعض في فكرة واحدة مركبة ، فينتقل الشئ المادي من الواقع المحسوس إلى العقل متحولا من مواد محسوسة إلى أفكار مجردة .
مثال آخر يوضح المُراد ، عندما تعرض تفاحة على شخص لم ير هذه الفاكهة لأول مرة فإنه لن يتعرف عليها ، لكن من عرف التفاح وشكله ولونه وطعمه وملمسه سيدركها بوضوح ، فكيف تمت معرفة هذا العارف ؟ لدى العارف التسمية اللغوية التي توافق لسان مجتمعه عليها كخبرة مجتمعية كفكرة سمعية بسيطة واحدة ، ونقلت له العين لونها وشكلها الكروي كفكرة بسيطة واحدة ، ونقلت له الأصابع ملمسها الناعم كفكرة بسيطة واحدة ، ونقلت له الأنف رائحتها المميزة لها كفكرة بسيطة واحدة ، ونقل له اللسان مذاقها الذي يخصها كفكرة بسيطة واحدة ، ليقوم المخ بتركيب مجموعة الأفكار البسيطة : الاسم على الشكل على اللون على الرائحة على الملمس على الطعم ، فيتم الإدراك وتحدث المعرفة بانتقال المادة كأفكار بسيطة حسب كل حاسة ، إلى فكرة مُركبة غير مادية داخل العقل .
لكن يُمكن للعقل أن يختلق بخياله أفكاراً مركبةً يصنعها لنفسه من مجموعة أفكار بسيطة فتأتي فكرة مركبة غير موجودة في العالم المادي المحسوس ، لأن التركيب جاء صنعة عقلية وهمية من أفكار بسيطة حقيقية ، كأن يصنع أبا الهول ( سفنكس ) برأس إنسان وجسد أسد ، فرأس الإنسان موجود في الواقع وجسد الأسد موجود في الواقع لكن لا وجود لأسد برأس إنسان في هذا الواقع ، ولا وجود لحصان آلهة الأوليمب الإغريقية ذي الأجنحة ( بيجاسوس ) ، ولا لثور برأس إنسان وذي أجنحة مثل ثور بابل ، واسمه بالبابلية والعبرانية ( قروب وأيضا قُراب ) ، ونطقه لسان العرب ( بُراق ) لطيرانه كالبرق بقلب الأحرف كما في ( زوج ، وجوز ) ، وهي الظاهرة اللغوية المعروفة بمصطلح ( الميتاتيز ) ، فكلها صنعة خيال عقلي لفكرة مُتخيلة مُركبة من مجموعة أفكار بسيطة حقيقية قادمة من الواقع المادي المحسوس .
في حكاية الأرنب والأسد ، نجد أن الأرنب وصورته في البئر ليسا شيئين إنما هما شيئاُ واحداُ ، كما أن الأرنب ليس سبباً في وجود الصورة في البئر وليس هو علتها ، لأنها في الحقيقة ليست شيئاً موجوداً ، فالعلة والمعلول هنا شيء واحد ، لكن العقل يجعلنا نظن أننا أمام شيئين مختلفين أحدهما علة لوجود الآخر ، نتيجة احتساب الصورة في البئر حقيقة وجودية بينما هي في الواقع الفيزيقي لا شيئ ، لا وجود ، هي فكرة في عقولنا . ودون وجود حواسنا وعقلنا الذي يدرك الصورة على صفحة الماء فلن يكون هناك وجود للصورة ولا للأرنب ، هو خيال يقبله العقل المُتفلسف فيرى الأرنب علّة لمعلول في البئر ، ولا يمكن القبول بالمثالية الألمانية التي تقول ( في صورتها الأبسط ) أن الصورة العقلية هي علة وجود الأرنب في البئر ، لأنه لو صح ذلك لكانت الصورة العقلية للأرنب الحقيقي هي علة وجوده ويكون الأرنب الحقيقي مخلوقاً ومعلولا لتصور ذهني وهو المُحال ، ولا يبقى سوى التسليم بعدم وجود أي علاقة للشئ بصورته في البئر أو في العقل ، ولا علاقة علِّية هناك ، لأن كل منهما يقع في عالم يختلف عن الآخر ، فالفكرة المركبة بالعقل هي أصلا معطيات حسية في شكل أفكار بسيطة تُحول الشئ الواقعي إلى فكرة تعبر بالتمام عنه كموجود محسوس ، لكنها شيء والواقع المحسوس شيء آخر ، هي ليست هذا الشئ ، فالشئ موجود سواء حصلت عليه الحواس أو لم تحصل ، ولو كان عالم الأفكار الذي معظمه خيالا هو الذي يتحكم في عالم الحقيقة لكانت الأفعال تتم بمجرد التفكير فيها بالتمني ، ولكانت الكلمة واللوجوس هي الوجود الأول ، ولصح أن في البدء كانت الكلمة ، وأن للكلمة السلطان الأول والأخير على هذا الكون ، كما ذهبت الفلسفة الرواقية اليونانية المؤسسة الحقيقية للمذهب المثالي في تاريخ التفلسف ، رغم خروجها من بطن أعتى المذاهب مادية ( الأبيقورية ) نسبة لأبيقور اليوناني .
الفكرة إذن معلومة عقلية بحت تعجز عن التأثير في مكونات الوجود بالفك أو التركيب أو التفريق أو التجميع أو التحريك ، لكن العقل بالمعلومة التي تتراكم بجوار زميلاتها يبدأ مشواره المعرفي ، والمعرفة داخل عقله ، لذلك يمكنه اللعب بها كيف شاء ، فهي من ممتلكاته وصنعته لذلك هي لينة ومرنة وخاضعة لإرادته وتصرفه ، يمكنه تفكيكها وتركيبها في أشكال جديدة مُبتكرة ومستحدثة ولا مثيل لها في الواقع ، هي مأخوذة من الواقع في شكل أفكار بسيطة سواء من البيئة أو من الموروث الثقافي لمجتمعه ، وعندما يقوم العقل بإعادة تركيبها على أكثر من شكل يكون الإبداع ، فيمُارس العقل عمله الحقيقي بإيجاد ما لم يكن موجوداً في الواقع بالتخيل ، ويتحول الخيال إلى حقيقة عندما يتمكن الإنسان من تفعيل ما تخيله وتنزيله على الواقع المحسوس لإيجاد ما لم يكن له وجود .
نؤكد مرة أُخرى أن أفكارنا التي هي صور عن الواقع ، سواء حضرت أو غابت فإن ذلك لا يضيف للوجود ولا يُنقص منه ، فما لدينا من معارف حتى اليوم عن الوجود لم يضف شيئاً للوجود أو الكون ، فهو موجود سواء وُجد البشر ليدركوه ويعرفوه أو لم يوجدوا . فالكون هو نفسه سواء وُجد عقل يُفكر فيه من عدمه ، فيظل هو هو أيا ما كانت فكرة العقل عنه سلباً أو إيجاباً ، وجوداً أو إنكاراً أي عدماً . فكل ما هو محسوس واقعي موجود له صورته في العقل . لكن ليس كل ما هو موجود كفكرة في العقل له بالضرورة وجود في الواقع ، لأن المخ عندما يقوم بتفعيل وظيفته ( العقل ) ، يقوم بفك وتركيب ونقل صفات وألوان وأعضاء لغير مكانها الطبيعي ولغير وظائفها الأساسية فيخلق صوراً مركبة جديدة مُتخيلة ليس لها في الوجود وجود ، فيكون بعض نتائج عملة حقيقي وبعضه ليس كذلك . وناتج عمله تختلف باختلاف البيئات وألوان موجوداتها وجغرافيتها ، يقوم باختزانها في ذاكرته حتى يصبح لديه حشد من المعارف ، بعضها جمعه المخ مما يصله عبر الحواس وبالسماع نقلا عن المجتمع وبعضها عند تفعيل وظيفة المخ ( العقل) بالتخيل والابتكار وتشكيل جديد لم تعرفه الحواس ، ثم يقوم بتنزيلها على الواقع في عمليات تجريب لمعرفة مدى صلاحيتها للتطبيق .
أيضا يختلف المُنتج العقلي باختلاف الزمان ، فخيال البدائي أراد أن يصل بالإنسان إلى الطيران إلى ما تصوره سقفاً للأرض أسماه السماء ، فاختار أسرع ما أمكن ترويضه من كائنات الأرض ( الحصان ) ، ثم اختار له أقوى الأجنحة ( النسر ) ، فصنع ( بيجاسوس ) حصان الآلهة ، ثم اعتقد أن هذا ال ( بيجاسوس ) موجود فعلا في عالم الميتافيزيقا لا يدركه ويعاينه سوى الآلهة وبعض المُختارين من البشر ، وعليه فإن مجموع المعارف هو حشد من الأفكار المركبة التي تتركب من أفكار تأتي من تراث منقول وصور بسيطة من الواقع ، ثم تفاعل هذا الحشد بعمليات فك وتركيب أدت إلى مُنتج جديد ليس له وجود حقيقي في الواقع ، لكنه كان الخيال الضروري الذي أدى لظهور كافة ألوان الفنون التشكيلية والمعمارية واللغوية شعراً ورواية وغناء وموسيقى فأقام الحضارة الإنسانية ، ورغم أنه ابتدأ بالحصان الطائر فإنه انتهى إلى مركبات الفضاء . فالعقل البشري خلاق بطبيعة عمله وواجبات وظيفته ، يصنع لنفسه عالماُ غير موجود بإبداع تخليقي ذهني ، فأنشأ إلى جوار الوجود الفيزيقي وجوداً ميتافيزيقياً ، فعالم الميتافيزيقا كله هو من صنع العقل البشري ، شكّله ورتّبه وفق موروثاته وبيئته ومنطقه وقوانين مجتمعه ورغباته وأغراضه وأمانيه ، ثم أضاف كل هذا مع ظاهرة الأحلام التي كان يرى فيها الأموات أحياء يفعلون ، إلى عالمه الميتافيزيقي ، وافترض له وجوداً مُستقلا مُفارِقا ، خارج العقل ومستقل عنه وعن الوجود الفيزيقي . فكان أهم مخيال عقلي أثر في تاريخ البشرية هو اصطناع عالم الميتافيزيقا اللامادي ، الموجود في مكان ما راء أو بعد أو فوق أو تحت عالمنا الفيزيقي ، بما ذهب بالعقل تفلسفاً إلى طرح تساؤلات ما كانت لتُطرح لولا هذه الصنعة العقلية الباهرة ، ومنها السؤال عن : وجود وعدم ، وخالق ومخلوق ، وقديم ومُحدث ، وجنة ونار ، وبعث وحساب ، وإله وشيطان ، وأول وآخر ، وبداية ونهاية ، وجسد وروح ، ومُقدس ومُدنس ، وعليها وعلى كتاب الغزالي ( المنقذ من الضلال ) التي ربما أقام ( رينيه ديكارت ) فلسفتة في الشك المنهجي عليه ، في كتابه الأهم : ( التأملات في الفلسفة الأولى ) مؤسساً للمذهب العقلي ، وعلى ( ديكارت ) أقام ( طه حسين ) تأملاته في الشعر الجاهلي ، وارتقاء عليهما ( ومنهما ) بعد زمن وتطور ، أقمنا عملنا هنا في تأملات تختلف بالكلية عما ذهب إليه أساتذتنا الكبار سواء في التناول أو المنهج أو طريقة العمل أو النتائج المطلوبة ، هو جهد له فرادته التي قد تُخطئ أو تصيب .
إذن الفكرة البسيطة ليست عدما لكنها أيضاً ليست وجوداً ، والفكرة المركبة بدورها ليست عدماً وليست وجوداً حقيقياً واقعياً ، كذلك المُوجِد ليس عدماً وليس وجوداً وإلا استلزم مُوجد له سابق عليه في الوجود ، هو فكرة مركبة في العقل وحده ، والمكان الذي يسكنه من ليس وجوداً ولا عدماً لن نستطيع تحديده ، لأن مكانه العقل البشري وحده . ولم يكتشف العقل البشري أخطائه المنهجية إلا بعد ديكارت على يد مؤسس المنهج التجريبي الإنجليزي ( أوجست كونت ) مًكتشف المنهج العلمي في التفكير ومن تبعوه بإحسان ، وهو ما أدى إلى قفزات نوعية في العلوم الفيزيائية والإنسانية ، فظهرت حقائق لم تكن معلومة للبشرية ، شرحت وأوضحت كيف تنشأ الصور داخل المخ ، وكيف تتنوع بتنوع البيئات والكائنات الحية المستقبلة لهذه الصور من الواقع ، فهناك كائنات تُدرك صوراً حرارية كالحيات ، وكائنات ترى بالحركة ، وكائنات ترى بصدى راداري كالخفافيش ، وكائنات تُدرك بالرائحة ، والإنسان وحده الذي يملك عدداً من أدوات الإدراك وتعدد في المدخلات ، وهو الوحيد القادر على الفك والتركيب بنزوع تخيُلي وفني من بين الكائنات الحية .
وإعمالا لما سلف فإن عالم الميتافيزيقا هو مجموعة عمليات عقلية لا علاقة لها بالوجود ، فهي موجودة داخل العقل البشري وحده ، ولو لم يوجد العالم الفيزيقي ما وُجد الميتافيزيقي ، فعالم المُثل الذي تصوره ( أفلاطون ) أو الملأ الأعلى بلغة الأديان هو نتاج العقل لذلك لا تظهر في العقل تصورات إلا لما كان وما هو كائن ، ولا يظهر بها ما سوف يكون ، فعالم المُثل الأفلاطوني الروحي لم تكن فيه ثلاجات ولا غسالات ولا سيارات ولا قطارات ولا طائرات ولا صواريخ ولا أقمار صناعية ، لقد عكس أفلاطون الوضع فقال إن عالمنا المحسوس هو ظلال لعالم حقيقي مفارق لا يقع تحت حواسنا ، فجعل علم المُثل الذي هو فكرة صنعها عقله النسخة الأصلية لعالم الحقيقة ، وواقعنا المحسوس هو وهم زائل .
هل معنى ذلك أن يختفي عالم الآلهة والأرواح لأنه غير حقيقي وغير واقعي؟ كي يحدث هذا لابد أن تختفي الشروط التي بموجبها وُجد عالم الميتافيزيقا ، وأن يختفي مكانه المجهول للجميع ، وأن يختفي زمانه باختفاء وجوده في المكان المُتوهم ، فما يوجد على شرط يزول بزوال الشرط ، والشروط لا تفنى ولا تُستحدث . وللتوضيح نضرب الأمثلة المحسوسة ، فمشرق الشمس مثلا وغروبها مشروط بوجود عين ترقبها وتتابعها في حركتها ، وعقل يستقبل الصور الآتية إليه عبر الحواس وخاصة العين ، وإدراك حضور الشمس وغيابها بحركة متتابعة رتيبة التكرار ، وإدراك مثل هذا لا يتيسر إلا بوجود العقل البشري والحواس الجسمية للإنسان التي ترى وترصد ، فالكائنات التي تعيش في قاع المحيط المظلم لا عيون لها لأنها بغير حاجة إليها ، والطفيليات التي تعيش في أمعائنا بلا عيون ومن ثم هي لا تدرك الشمس ولا حركتها . والشرط الثاني لإدراك شروق الشمس وغروبها هو أن يكون العقل المُدرك موجود على كوكب الأرض تحديداً ، لأنها هي التي تدور حول نفسها في يوم أرضي وتدور حول الشمس في سنة أرضية ، فمن كان على سطح القمر يراقب كوكب الأرض لن يرى هذا الشروق والغروب . والشرط الثالث الذي بدونه لا يكون شروقاً ولا غروباً هو أن يكون محور الأرض حول نفسها غير عمودي على مدار دوران الأرض حول الشمس ، أي يكون محور الدوران غير متجه دوما نحو الشمس وغير متعامد عليها ، لأنه لو كان كذلك لأصبح للأرض وجه دائم الاتجاه نحو الشمس ويكون نهاراً دائماً ونصفها الآخر لا يرى الشمس في ليل دائم ، فتختفي ظاهرة الشروق والغروب والليل والنهار ، ولا يكون هناك وجود للأمس ولا لليوم ولا للغد ، ويختفي كل ما هو قديم ، ومعه القديم المُطلق ، وكذلك المستقبل قريب أو بعيد ، ولا يكون هناك أزل ولا أبد ، ويتوقف الزمن الذي يعرفه البشر ، والذي يعرفه آلهة البشر .
للتوضيح الشارح قمرنا الذي يدور حول أرضنا ، هو مثل الأرض يدور حول نفسه ويدور حول الأرض ويدور مع الأرض حول الشمس ، لكن الخلاف الجوهري أن محور دورانه حول نفسه يتجه نحو الأرض أي أنه عمودي على محور دورانه فيكون نصفه متجه نحو الأرض دوماً وهو الذي نراه ونصفه الثاني لا نراه أبداً ، وهو حال كواكب أخرى مثل الزهرة وعطارد ، ولو اتخذت الأرض مثل هذا المدار لكان للأرض ذات النصفين ، نصف يواجه الشمس دوما ونصف لا يرى الشمس دوماً ولا يعرفها بالمرة . وهو ما يعني استحالة وجود حياة عليها سواء في الجانب المواجه للشمس حيث حرارة فائقة ولا في النصف الغائب عنها حيث البرودة الفائقة ، وتصبح الأرض والقمر سواء بسواء بلا حياة ، وبلا زمن . ومن ثم فوجود الشروق والغروب والزمن والسنين كلها مشروطة بشروط متى توفرت ظهرت ، ومتى غابت اختفت وتختفي معها جميع الآلهة على مُختلف صنوفها . فمنذ الشامان البدائي إلى كاهن الدين الحالي ، كانت أدلتهم على وجود الآلهة تعتمد على الأدلة الكونية وأهمها ظاهرة الشروق والغروب التي لم يجد لها البشر نهاية ولا يعلمون لها بداية ، ولا يعرفون عدد المرات التي أشرقت فيها الشمس وغربت ، لذلك يقول الكهنة إن الرب كان قبل أول شروق وسيبقى بعد آخر غروب وهو مالا يمكن للبشر إدراكه واستيعابه ، وهنا الدليل الإعجازي الذي يدلل على وجود الآلهة ، وفي نصوص مُختلف الأديان تدلل الآلهة على وجود نفسها بوجود الظواهر الكونية ، فإن لم يوجد الكون فما الذي يدلل على وجودها ؟
تقول ( المشناة ) إن رب موسى أعجز الفرعون بالدليل الكوني وقال له بلسان هارون : أنا آتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب وهذا دليل وجودي ، أنا أهب وأرزق وأُحيي وأُميت . ووفق هذا الدليل الكوني معنى آخر نقيض وهو أنه ما كان كل هذا ليحدث لولا حدوث الكون أولا ، فإن لم يوجد الذي ستكون مهمته إدراك هذا الوجود بمكوناته ومظاهره والحياة والرزق والموت ومشرق الشمس ومغربها ، فلن يكون ثمة معنى لوجود الآلهة . والفكر الديني كله يضع جدولا زمنياً يرتب عملية الخلق يوما بيوم ، فإن لم يكن هناك أيام ولا زمن فلن تحدث عملية الخلق المُجدولة ، ومن ثم يكون الأمر كله قائم على شروط أولها وجود الزمن ، وما كان وجوده على شرط كان غيابه محتماً مع غياب الشرط أو فهم كيف حدث الشرط ، ولا يبقى سوى نتيجة بسيطة هي أن وجود الزمن نتيجة التركيب الكوني ووجود العقل البشري ضمن هذا الوجود هي الأسباب الحقيقية لوجود الآلهة ، ولا وجود لعدم ولا لمُوجد للعدم ويبقى الوجود وحده دالا على نفسه .
وتظل الفروض فروضاً والتأملات مجرد تأملات ، في رياضة عقلية لا تنال من اليقين ، وهي رياضة ذهنية مارسها معظم الفقهاء دون أن تنال من يقينهم ، وأنشرهم بهذا الشأن الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه ( المنقذ من الضلال ) ، الذي ذهب بعيداً عما أتينا به هنا ، و نتفرد عنه بالتمام ، لأن اليقين برب واحد هو ضمان استمرار سلامة إيمان المرء وضمان أبديته .



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 7 )
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى(6).. الإله الحقيقي
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى (5).. ويسألونك عن الروح؟ ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 5 ) ويسألونك عن الروح؟! ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى -4-.. هو الأول وهو الآخر
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. من التعدد إلى التوحيد - ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 2
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. البحث عن المنهج -1-
- لحية برهامي
- عبور البرزخ
- اللاعنف والخراب العاجل (5)
- اللا عنف والخراب العاجل (4)
- اللاعنف ..... والخراب العاجل (3)
- اللا عنف.. والخراب العاجل (2)
- اللا عنف والخراب العاجل (1)
- سيادة الفريق.. احسم أمرك الآن
- شخصية مصر.. فرادة الأصول
- شخصية المجتمع الصحراوي ( جزيرة العرب نموذجا )
- مذهب إسلامي جديد.. -شيعة مرسي-
- يسقط حكم العسكر.. شعار لئيم ضد وطن مأزوم


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 7 - الوجود والعدم 2