|
فى المسألة الفنزويلية
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 4502 - 2014 / 7 / 4 - 07:26
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
012
أولا: الانقلاب الخائب(1) مقدمة : فى 12 أبريل 2002، بدأت الأنظار، وبصفة خاصة الأنظار اليسارية، تتجه نحو هذا البلد الواقع فى الشمال مِن قارة أمريكا الجنوبية. فنزويلا. ففى ذلك اليوم أٌعلنت تنحية رئيس الدولة المنتَخب، هوجو تشافيز (1954- ) وتولية رجل المال بيدرو كارمونا (1942- ) بدلاً منه. بيد أن هذا الأمر لم يدم أكثر من يومين؛ إذ عاد تشافيز إلى ميرا فلوريس (القصر الجمهورى) رئيساً شرعياً لفنزويلا البوليفارية، وتم نفى كارمونا إلى كولومبيا. ولا يمكن القول، بحال أو بآخر، أن تلك التنحية، التى أعلنتها قوى المعارضة، ثم العودة بإرادة الشعب كانتا سلميتين، بل صاحبتهما مذبحة، إنفردت ببث أحداثها، بعد التشويش على قناة التليفزيون الحكومية، إحدى الشبكات التلفزيونية، التى يمتلكها الملياردير جوستافو سيسنيروس أغنى رجل فى فنزويلا، وأحد أغنى الرجال فى العالم، وهو صاحب أحد الأدوار الرئيسية فى الرواية كما سنرى لاحقاً، المهم أن قناة هذا الملياردير عرضت شريطاً مصوراً يظهر فيه أنصار تشافيز وهم يُطلقون النار من جسر لاجونو على مسيرة المتظاهرين؛ وهو ما ثبت تلفيقه وتزيفه فيما بعد لصالح المعارضة والانقلاب. وعبر شاشات التليفزيون، كذلك، صرّح بعض ضباط الجيش بأنهم لم يعودوا يعترفون بالرئيس تشافيز رئيساً للدولة، وتبعهم فى ذلك إلى الشارع: رجال الأعمال، وكبار ملاك الأراضى، والمعلمون، وعمال الألمنيوم، وموظفو شركات الهاتف، والأطباء والممرضات، وعمال النقل، وطبعاً وعمال النفط، وفى النهاية إضطر تشافيز أن يُسلم نفسه للمتمردين العسكريين، والذين منحوه مهلة زمنية محدودة كى يخلى القصر الجمهورى، وكان التحذير واضحاً إما أن يُسلم تشافيز نفسه وإما أن يتم قصف القصر الجمهورى والاستيلاء عليه. لم يجد تشافيز أى مخرج لتلك الأزمة سوى الخروج والاستجابة لطلب المتمردين. وظهر أحد الجنرالات كى يُعلِن أن الرئيس إستقال من منصبه بإرادته، إستجابة لرغبة الشعب، الذى "ثار ضد الرئيس الطاغية"!! لقد بدا الوضع كما أراده المتمردون الذين إتخذوا من الإعلام المسيطَر عليه وسيلة فعالة جداً فى سبيل صياغة وعى الشعـب على نحو يُمكّن معه تقبل ما يُبَث لهم من فظائع تشافيز ومن ثم إستقالته، بل وجعهـلم يرغبون هم فى ذلك بالاسـاس!! وهكــذا صار الوعى الجمعى مستقــراً تقريباً بأن الرئيس المنتَخب هوجو تشافيز وقد أدرك سوء فعله تجاه شعبه وأراد تصحيح ما يُمكن تصحيحه فقام بالاستقالة تاركاً منصبه لأحد أعضاء تحالف القوى الوطنية المعارضة له ولسياساته القمعية!! هذا ما إبتغت المعارضة بقيادة كارمونا وأورتيجا تحقيقه. ولقد نجحت إلى حد ظهور بيدرو كارمونا وهو يؤدى القسم الدستورى بصفته الرئيس الجديد للبلاد. إختفى رئيس البلاد المنتَخب هوجو تشافيز لمدة يومين، ولم يكن أحد من الشعب ليعلم بمكانه، وكما رُوى بعد ذلك، أنه كان يُنقل بين أربعة مواقع مختلفة، من بينها جزيرة نائية فى الكاريبى، وفى ساعة متأخرة من الليل، أخذه المتمردون إلى طريق مظلم معزول فى محاولة بدت وكأنها التمهيد لإعدامه.لم يكن ليمر وقت كبير حتى تسربت الاخبار، من بعض صغار جنود الجيش الموالين لتشافيز دون إفصاح ، بأن الرئيس تم إختطافه وإعتقاله وأنه لم يقم على الاطلاق بالتنحى عن السلطة، وكل ما يُبث ويُقال عبر شاشات التليفزيون، التى هى تابعة بالأساس للمعارضة والمتمردين، محض أكاذيب هدفها الاطاحة بالرئيس المنتَخب والسيطرة على السلطة والثروة، فلم تنصت الجماهير الغفيرة المناصرة للرئيس هذه المرة، لأوامره الشخصية بعدم الاشتباك مع المعارضة أو التصدى لها؛ فنزلت إلى الشارع كالسيول الجارفة تُريد رئيسها المنتَخب، والقبض على منتهِك الدستور ومغتصب السلطة بيدرو كارمونا وأعوانه. عاد الرئيس المنتخب تشافيز مرة أخرى بإرادة شعبية عارمة، ولكن أشد ضراوة وأكثر جماهيرية، فقد نزل عشرات الالاف من أنصاره الغاضبين إلى الشوارع، وقام الموالون له من كبار ضباط الجيش، وبصفة خاصة فى ماراكاى بقيادة راؤول بادويل بإنقلاب مضاد بغية إنقاذ الرئيس وإرجاعه إلى ميرافلورس. كان ذلك الانقلاب الذى لم يدم أكثر من يومين من أكثر الفصول دراماتيكية فى حياة تشافيز حيث حدثت الانعطافات الحاسمة الواحدة تلو الاخرى، وتحول إلى شخص بارز ومؤثر فى تاريخ القارة اللاتينية الحديث؛ ليصبح، فى تقديرى، أكثر زعماء المنطقة إثارة للجدل والاهتمام منذ بزوغ نجم أستاذه وإبيه الروحى زعيم كوبا، فيدل كاسترو. (1) الإقصاء والعودة (أ) مقدمات الانقلاب بدأ الانقلاب فعلياً وصراحة، بمقدمات واضحة، ضد الرئيس المُنتَخب تشافيز مع بدايات عام 2002، حين ظهر أربعة من كبار ضباط الجيش على شاشات التليفزيون الذى يملكه الملياردير جوستافو سيسنيروس، وهاجمو تشافيزهجوماً عنيفاً، وفى أشد التصاريح عنفاً، وهو تصريح العميد البحرى كارلوس مولينا تامايو، والذى سيلقى القبض عليه فيما بعد، تبدّت رغبة واضحة فى إقصاء الرئيس تشافيز عن رأس السلطة فى البلاد. إستند هؤلاء الضباط وفى مقدمتهم كارلوس مولينا، إلى مجموعة من المواقف السلبية الصادرة من تشافيز ضد مصالح البلاد؛ ومن أهمها أنه يعمل على إرباك العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية مع أهم وأكبر الدول الحليفة (الولايات المتحدة الأمريكية) بسبب علاقاته مع التمرد اليسارى المسلح فى كولومبيا (ربما يذكرنا ذلك بالتحالفات التى تعقدها الانظمة الحاكمة فى السودان وليبيا وأوغندا وأثيوبيا مع القوات المتمردة فى الدول الحدودية لكل منهم) كما كان من ضمن قائمة مساوىء هوجو تلك العلاقات الودية والتى كان يقيمها مع كل الدول تقريباً التى تعتبرها الولايات المتحدة دولاً إرهابية أو راعية للارهاب. كما أنه يعمل كذلك، من وجهة نظر مولينا ومَن يمثلهم، على تشويه دور القوات المسلحة، بإرساله الجنود كى يبنوا المدارس ويوزعوا الاطعمة بدلاً من الدفاع عن حدود البلاد!! وفى خضم أحداث متسارعة وسلسلة متصلة من المظاهرات والاضرابات التى نظمتها المعارضة فى الشوارع وجد تشافيز نفسه أمام مشكلة أكبر؛ وهى مشكلة الشركة الوطنية للنفط، "بتروليوس دى فنزويلا" والتى "تمثل دولة داخل دولة" كما قال تشافيز فى أحد تصريحاته، ولم يجد تشافيز مفراً من التحرك صوب السيطرة على تلك الشركة التى بلغت فيها مرتبات الجنرالات إلى 25000 دولار شهرياً، فى بلد لا تتجاوز فيه الأجور 180 دولاراً فى الشهر. وبالفعل إستبدل تشافيز مدير الشركة جوايكايبور لاميدا بالخبير الاقتصادى اليسارى جاستون بارا، والذى تعهد بمواصلة السياسة النفطية التى يتبعها الرئيس هوجو تشافيز كما تعهد بأن يلتزم بفتح تحقيقات موسعة وشاملة مع المديرين السابقين. ولم تكن تلك الإستبدالات والتعيينات التى قام بها تشافيز لتمر دون إحداثها لعاصفة شديدة من الاضرابات والمظاهرات المحتَجة على فرض السيطرة على الشركة التى دائماً ما كانت تعتز بإستقلاليتها شبه الكاملة عن الحكومة!! توترات غير مسبوقة فى الشارع الفنزويلى منذ زمن بعيد، ذلك هو عنوان المشهد الرئيسى فى كاراكاس على وجه الخصوص، ولم تتوقف تلك التوترات عند حدود المظاهرات والاضرابات والمسيرات والكتابة على الجدران المطالبة بإعدام تشافيز، بل تعدى الحال ذلك إلى حد الاعلان الاعلامى عن قرب حدوث إنقلاب يُطيح بتشافيز وحلفائه، وهو الامر الذى تجلى مع ما قال به ألفريدو بيينه رئيس بلدية كاراكاس، والذى كان حليفاً لتشافيز وما لبث أن تحول إلى عدو له، من أن الرئيس ربما كانت تسكنه الارواح الشريرة. وطلب من الكنيسة الكاثوليكية التدخل كى تطرد تلك الارواح التى سيطرت على تشافيز المستبد، فقد قال ألفريدو: "هناك شياطين فى جسده، وهى تعمل على تحويل كل شىء إلى جحيم. سيقوم الشارع بإزاحة تشافيز؛ فهو حاكم مستبد". كانت وكالة الاستخبارات الامريكية (CIA) بطبيعة الحال على دراية بما يحدث وبما سوف يحدث، إذ أصدرت بيانها قُبيل الانقلاب بأشهر معدودة وقامت بتوزيعه على كبار المسئولين فى الحكومة، والذى يقول، وفقاً لبارت جونز، وكما جاء على موقع الوكالة الالكترونى:"ربما سيتحرك الجيش للاطاحة بهوجو تشافيز، تُشير التقارير إلى أن الضباط الساخطين داخل الجيش لا يزالون يخططون للقيام بعملية إنقلاب.... من أجل التحريض على القيام بعمل عسكرى، ربما يسعى المخططون إلى إستغلال الاضرابات التى ستثيرها المظاهرات التى ستنظمها المعارضة فى وقت لاحق أو الاضرابات المستمرة فى الشركة النفطية بتروليوس دى فنزويلا التى تملكها الدولة.... إن إحتمالات القيام بإنقلاب ناجح فى هذه المرة محدودة؛ فالمخططون يفتقرون إلى الغطاء السياسى للقيام بإنقلاب، وقاعدة الدعم الأساسية لتشافيز بين أوساط الفنزويليين الفقراء لا تزال سليمة..." وعملاً بذلك، فقد إنتقلت معارضة الرئيس المُنتَخب هوجو تشافيز فى شركة "بتروليوس دى فنزويلا" إلى مرحلة أكثر تطرفاً، فقد بدأ المديرون والعمال الاداريون بإقفال الشركة، وإمتنع العمال (الفنيون) عن الذهاب إلى أعمالهم، وقاموا بإغلاق البوابات التى تؤدى إلى المنشأت النفطية، فى الوقت نفسه الذى قاموا فيه بمنع تسليم كميات من المنتجات النفطية، وإعاقة حركة ناقلات النفط، وبالجملة يُمكن القول، كما ذكر بارت جونز، بأن الشلل الكامل قد أصاب إثنين من أصل خمس محطات تصدير رئيسية للنفط الخام والمنتجات المكررة والمشتقة فى فنزويلا. إستمر غياب العمال(الفنيين) فى حين أعلنت أكبر النقابات العمالية فى البلاد، وهى إتحاد العمال الفنزويليين بزعامة كارلوس أورتيجا عن إضرابات عامة لمدة أربع وعشرين ساعة لتدعيم المحتجين فى شركة بتروليوس دى فنزويلا، فى الوقت نفسه الذى أعلنت فيه غرفة التجارة، وهى ذات شأن، فيديكمارس بقيادة بيدرو كارمونا بأنها سوف تنضم إلى الاضرابات أيضاً، وبمباركة الكنيسة الكاثوليكية، كما سنرى، عقد كلٌ من كارلوس أورتيجا وبيدرو كارمونا فى جامعة أندريز بيلو الكاثوليكية، إتفاق إدارة البلاد عقب الإطاحة بالرئيس هوجو تشافيز. وإذ يتحدد يوم 9/4/ 2002 موعداً لتنظيم إضراب شامل من خلال الاتفاق بين إتحاد العمال بقيادة "كارلوس أورتيجا" وغرفة التجارة بقيادة بيدرو كارمونا يقوم هوجو تشافيز فى 7/4/2002 بإصدار قرارات مباغتة تقضى بإقصاء جماعى لمجموعة من مديرى الشركة الوطنية للنفط، بتروليوس دى فنزويلا، ما بين الطرد وبين الاحالة إلى التقاعد. وجمع فى اليوم نفسه كبار رجال الحكومة والجيش الموالين له؛ لمناقشة الاستعدادات لمواجهة ما عسى أن تنبىء به الايام المقبلة من أحداث ربما قد تبلغ حداً من التعقيد يستلزم التدخل الحاسم للقوات المسلحة. وعملاً فقد تم وضع الخطة التى عرفت بإسم (أفيلا) وهى تقوم على فكرة إستعراض القوة، دون إستخدامها، إذ ستقوم القوات المسلحة بنشر قوات فى أهم المواقع الحيوية والاستراتيجية فى الدولة، إبتداءً من القصر الجمهورى، ومروراً بالكونجرس، وإنتهاءً بالمحكمة العليا. فى يوم التاسع من أبريل إتضحت أهم مظاهر الإضراب، فقد توقف العمال (الفنيون) وتبعهم فى ذلك العمال(اليدويون) عن الانتاج فى منشأة من أهم المنشأت النفطية فى فنزويلا، وهى منشأة باراجوانا وأغلقت معظم المصانع والمحال التجارية والمدارس والمنشأت أبوابها وإمتنعت الصحف عن الصدور، وقامت المحطات التليفزيونية التابعة للمعارضة بإلغاء جميع برامجها كى تقوم ببث وقائع الاضراب ومعه طبعاً سيلاً من الانتقادات العاصفة لتشافيز والموالين له، والذى لم يتوقف فى اليوم التالى على الرغم من أن حدة المظاهرات بدت وكأنها تتجه نحو الهدوء نسبياً، إذ فتحت العديد من المدارس أبوابها، وكذلك فعلت معظم المؤسسات التجارية، ورجعت حالة حركة المرور إلى طبيعتها نسبياً. فى يوم العاشر من الشهر نفسه أعلن قائد إتحاد العمال أورتيجا وكارمونا تمديد حالة الاضراب إلى أجل غير مسمّى، إلى أن يترك تشافيز السلطة لأحد أشخاص المعارضة، والتى كان من الواضح أنها تميل نحو تولية كارمونا. (ب) خطة الإنقلاب تضمن إعلان كارلوس أورتيجا وكارمونا بتمديد حالة الاضراب، توجيه دعوة لعمل مسيرة حاشدة تتجه نحو الشركة الوطنية للنفط بتروليوس دى فنزويلا، ولكن خطتهمت الحقيقية كانت تغيير خط سير المسيرة المليونية من شركة النفط إلى مقر الرئيس فى ميرا فلوريس. فى وقت مبكر من صباح يوم 10/4/2002 ظهر العميد نيستور جونزاليس فى وسائل الاعلام كى يُطالب بإستقالة تشافيز فقد ظهر جونزاليس فى حديث أمام المراسلين وسط عدد هائل من كاميرات التليفزيون فى مؤتمر صحافى تم تنظيمه فى فندق كاراكاس قائلاً:" سيدى الرئيس، لقد خنت البلاد. أرجوك أن تحترم القوات المسلحة. ينبغى على القيادة العليا فى الجيش أن تقول للرئيس، سيدى الرئيس، أنت سبب كل ذلك. وقد آن الاوان لكى تتنحى. إن القيادة العليا فى الجيش عليها فهم هذا الموقف لأنها إذا لم تفعل ذلك، فإن جهة أخرى سوف تقوم بذلك نيابة عنها". وما أن أنهى جونزاليس حديثه وهم بالمغادرة، حتى وجّه له أحد المراسلين السؤال: "سيدى الجنرال، هل تعنى القيام بعملية إنقلابية؟" فرد عليه الجنرال بابتسامة كانت فى الواقع أبلغ من الكلام!! لم تكن إبتسامات وإيماءات العميد نيستور جونزاليس وما تركه من إنطباعات توحى بالإنقلاب على رأس الدولة، أمراً جديداً على الحكومة وبعض كبار رجال الجيش الموالين لهوجو تشافيز فى "فورت تيونا" فقد كان من المعروف إلى حد ما ان الاحداث تتجه نحو حركة عصيان مدنى شاملة كما قال وزير الدفاع خوزيه فيسينته رانجل قد تصل إلى إنقلاب، ولكن الشك لم يكن ليمثل يقيناً لدى الحكومة وكبار رجال الجيش، والرئيس هوجو تشافيز نفسه. وفى ميرافلوريس كان الرئيس، بعد أن ألغى رحلته إلى كوستاريكا، يعد نفسه لأمرين، أولهما الاجتماع مع حكام الولايات، وثانيهما الاحتفال بعيد ميلاد شقيقه الاكبر أدان، وهو صاحب دور مهم جداً فى حياة الرئيس كما سنرى فيما بعد، وحيث كان فى القصر الجمهورى حينذاك والد الرئيس ووالدته إيلينا وبطبيعة الحال كان فى قصر الرئاسة، كذلك، زوجة الرئيس ماريزابيل، وأبناؤه الأربعة. (ج)فشل خطة أفيلا كان من المتفق عليه بين هوجو تشافيز وبين الجنرال مانويل روزيندو أن تقوم القوات المسلحة، وكما ذكرنا، بنشر قواتها كنوع من إستعراض القوة، ودون إستعمالها، فى الاماكن الاهم والاكثر إستراتيجية وهى القصر الجمهورى ومبنى الكونجرس ومبنى المحكمة العليا، بيد أن الخطة التى إعتمد عليها تشافيز فى الخروج من المأزق، وظن كفايتها؛ كان مصيرها الفشل بعد أن إنقلب الجنرال روزيندو نفسه عليه. وحينما عَلِم الجنرال جورج لويس جارسيا كارنييرو بموقف الجنرال الخائن روزيندو الذى كان مسئولاً عن قيادة خطة "أفيلا" فقد عرض على الرئيس أن يُوافق على توليه تنفيذ "أفيلا" بدلاً من الجنرال روزيندو إلا أن الواقع كان يُنبىء عن إنهيار الخطة من أساسها إنهياراً مطلقاً دونما سبيل لتنفيذها، وبصفة خاصة أن أوامر الرئيس كانت الامتناع عن إستخدام القوة تحت أى ظرف من الظروف، وعدم الاشتباك نهائياً مع المتظاهرين من المعارضة. وفى الوقت الذى كان الرئيس يُفكر فى تنفيذ الخطة بقيادة الجنرال جارسيا كارنييرو كانت الاحداث تتسارع بشكل كبير فى "فورت تيونا" إذ قام الجنود التابعون للمعارضة وكبار رجال الجيش المنشقون بقطع الطريق العام، وبدأت الحافلات والشاحنات تتوافد لسد الطريق تماماً فلم يعد فى الامكان بحال أو بآخر تنفيذ "أفيلا" وأصبح من المؤكد، فى ضوء أوامر تشافيز بعدم الإشتباك مع المعارضة، أن قصر "ميرافلوريس" فى مرحلة الحصار، وصار قاب قوسين أو أدنى من فرض قوى المعارضة سيطرتها عليه. (د) الشروط الاربعة لم تكن الساحة، كما قد يُظن لأول وهلة، حكراً على المعارضة وأنصار كارمونا وأورتيجا وإنما شهدت، كذلك، تجمع غفير من أنصار الرئيس، ففى الطريق العام أمام "ميرا فلوريس" تجمع الألاف من أنصار تشافيز وهم فقراء فنزويلا الجوعى والمرضى القاطنين الاطراف والهوامش ومدن الصفيح، والملفت أن السكان الاصليين"الهنود" كان لهم وجود ملاحظ فى الجبهة الموالية لتشافيز وذلك وكما سنرى كان نتيجة إعتبرها طبيعية للسياسات التى إتبعها معهم تشافيز وفى مقدمتها الاعتراف بهم بعد عهود من نسيانهم، وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنين. لقد بات الأن من المؤكد أن تشافيز وأسرته بدءً من أبيه وأمه، ثم زوجته وأبنائهم محاصرون، وإقتحام القصر والاستيلاء عليه من قبل المتمردين وشيكاً، والمفاوضات بينه وبين المعارضة لم تسفر عن شىء، فالمعارضة تريد من تشافيز التنحى وترك السلطة، وفى المقابل يشترط تشافيز أربعة شروط للاستجابة للمعارضة، وقد كان تشافيز لديه الوعى الكامل بأن إشارة واحدة من إصبعه لأنصاره من الشعب ومن كبار رجال الجيش معناها بحور من الدم، وهو الأمر الذى رفضه تشافيز رفضاً تاماً. . . المهم، إشترط الرئيس شروط أربعة كى يُنفذ طلبات المعارضة، وكانت شروط تشافيز كالأتى: الشرط الاول: ضمان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وسلامة جميع أفراد حكومته. الشرط الثانى: تطبيق أحكام الدستور بأن يقوم بتقديم الاستقالة للجمعية الوطنية، وبأن يخلفه، وفقاً لأحكام الدستور كذلك، نائب الرئيس، إلى حين الدعوة إلى إجراء إنتخابات جديدة.الشرط الثالث: أن يُسمح له بإلقاء خطاباً إلى الشعب عبر البث التليفزيونى الذى تحتكره تقريباً المعارضة. الشرط الرابع: ضمان خروجه الامن من البلاد هو وعائلته ووزراءه وحراسه الشخصيون. لم تكن شروط تشافيز هذه لترضى المعارضة والتى هى منقسمة بالاساس على نفسها بسبب الصراع على توزيع المواقع السيادية والمناصب القيادية على الكبار الذين خططوا للانقلاب، ولا يخلو كذلك الصراع من الرغبة الجامحة فى السيطرة على الثروة، نقول لم تكن ترضى المعارضة التى بدأت التصرف بهستيرية شخص عصابى فرغ صبره، فأطاحت بالمفاوضات وبالشروط وأعطت تشافيز إنذاراً لتسليم نفسه، وبإنقضاء المدة دون ذلك سيتم قذف ميرا فلوريس. فى الوقت نفسه كانت الامور تزداد سوءً إذ بلغ عدد القتلى عدداً ينبىء عن مذبحة جديدة فى التاريخ الفنزويلى فى الطريق، المهم أن القتلى لم يكونوا من جبهة أنصار المعارضة فقط وإنما وقع قتلى من أنصار تشافيز بما يفوق قتلى المعارضة، بما يُفهم منه أن الخطة الان قد بدت مكتملة، والان فقط أصبح لدى المعارضة ما يُكسبها الشرعية، وبصفة خاصة وهى تحاول إقصاء رئيس مُنتَخب عن السلطة، فلا ضير لدى كارمونا، وأورتيجا، ونيستور جونزاليس، ومانويل روزيندو، و ألفريدو بيينه، وكارلوس مولينا تامايو، وفرانشيسكو أرياس كارديناس، وباقى العناصر فى جبهتهم من وقوع عدد من القتلى من الطرفين فى سبيل تشويه صورة نظام تشافيز وبروز عناصر الصورة قاتمة لا تعكس إلا حالة من الفوضى ومحاربة الشعب الأعزل وضربه بطلقات البنادق والدبابات، وهو الذى يتظاهر مظاهرات سلمية!!
(هـ) إلقاء القبض على الرئيس لم يجد الرئيس بداً من تسليم نفسه، بعد أن إطمئن على هرب أفراد أسرته إلى الساحل الكاريبى، وعقب (إلقاء القبض) على رئيس البلاد، وبمعنى أدق، لمن تابع الموقف حينذاك، عقب إختطاف رئيس البلاد، جُيشت المحطات التليفزيونية كى تُعلن أن الرئيس تشافيز قد حَملَ لتوه لفظ رئيس سابق، إذ أنه قد إستجاب لمطالب الشعب وقرر التنحى عن السلطة، وأن بيدرو كارمونا هو الأن الرئيس!! وكان فرانشيسكو أرياس كارديناس من ضمن الذين ظهروا على الشاشات التليفزيونية مُعلناً بإبتهاج عن تنحى الرئيس تشافيز وتولى بيدرو كارمونا مقاليد الحكم فى البلاد. ومن المعروف أن فرانشيسكو أرياس كارديناس كان من أصحاب تشافيز القدامى ولهما معاً الكثير من الذكريات الثورية، وأيام فى السجن أمضوها سوياً كثوار!! ظهرت الصحف الصباحية مليئة بالانتقادات اللاذعة التى تتهكم على تشافيز السفاح (سافك دماء الشعب الاعزل!!)فيذكربارت جونزإن صحيفة"إل ناسيونال"قالت على صدر صفحتها الافتتاحيية :"لقد خصصنا لك قبراً بجانب الرؤساء الفنزويليين كافة الذين يُذكرون بسبب الفظاعات التى ارتكبوها". وقالت جريدة "أسى إل نوتيستا" فى عنوان رئيسى كُتب بحروف حمراء كبيرة:" لقد سقط السفاح". وكتب روبرتو جويستى وهو من كبار مساعدى الرئيس السابق أندرياس بيريز مقالاً تحت عنوان: الجريمة الاخيرة للديكتاتور:" إذ كان يوجد لدى أحد فى أى وقت ما شك فى الطابع الفاشى والدموى لهذا النظام، ينبغى أن يكون هذا الشك قد تبدد أمس بعد سنوات وسنوات من حلف اليمين بأنه لن يأمر كرئيس بإطلاق النار على الشعب، عاد هوجو تشافيز أمس ولطخ يده بالدماء. فى النهاية، رفع قناع الديمقراطية وكشف عن طبيعته الحقيقية كقاتل لا يعرف التردد فأمر مناصريه بإطلاق النار على حشد سلمى ومن دون سلاح، كان تشافيز على إستعداد للاحتفاظ بالسلطة على جبل من الجثث إذا تطلب الأمر". ولم يقتصر الدعم الموجه لكارمونا على الصحف الصادرة فى فنزويلا، وإنما إمتد، بطبيعة الحال، إلى الصحف الصادرة فى الولايات المتحدة الامريكية. فقد تعامت أمريكا عن الانقلاب، ووجهت الانتقادات العنيفة لتشافيز ونظامه على بحور الدم فى كاراكاس، وأصدرت البيانات التى ترحب ببيدرو كارمونا وإستعادة الديمقراطية. قالت صحيفة ذى نيويورك تايمز(2):" مع إستقالة الرئيس هوجو تشافيز بالامس، لم تعد الديمقراطية الفنزويلية مهددة بعد اليوم بحاكم يتحول إلى ديكتاتور....إن هوجو تشافيز ديماجوجى هدام" وتحاشت تماماً إستخدام لفظ إنقلاب، وقالت :" ان رجل المظلات السابق تنحى عن الحكـم بعد أن تدخل الجيش وسلم السلطـة إلى رجل أعمال محترم إسمه بيدرو كارمونا، وسوف تكون الامور فى نصابها الصحيح خلال سنة حيث سيتم إجراء إنتخابات، ويتعين لذلك أن يتم وضع جدول زمنى". وأوضحت كذلك:" إن للولايات المتحدة الامريكية مصلحة أكيدة فى تحسن الاحوال فى فنزويلا، إذ تستقبل الولايات المتحدة نحو 15% من واردات النفط" بعد أن سلم الرئيس نفسه، أخذ خاطفوه المتمردون يتنقلون به من مكان إلى أخر، حتى بات من المؤكد فى صدر تشافيز أن الخطة لإغتياله أمست جاهزة، إذ يتم قتله ثم يُسوق إعلامياً إنتحاره نتيجة لإعترافه بخيانته للامة الفنزويلية، وان تأنيب الضمير هو الذى دفعه إلى الانتحار.... هكذا كان تفكير تشافيز حين تم إقتياده إلى "فورت تيونا" مقبوضاً عليه. إذ أن قتله هو أنسب حلول مختطفيه لمسألة إستقالته، فطالما هو على قيد الحياة فهو يستطيع تكذيب خبر الاستقالة تلك، ومن جهة أخرى سيكون قتله، كما تبادر إلى ذهن تشافيز ، هو أنسب الحلول لمسألة أخرى ربما تكون أكثر أهمية، وهى تلك المتعلقة بإنتهاك الشرعية الدستورية، والقبض على رئيس الجمهورية المنتَخب وتنحيته، وتولية غيره، دون إتباع الاجراءات المنصوص عليها فى دستور البلاد. وعلى الصعيد الرسمى، فقد أصدرت الولايات المتحدة الامريكية بياناً على لسان المتحدث الرسمى بإسم وزارة الخارجية، جاء فيه:" رفض الجيش الفنزويلى على نحو يدعو إلى الاطراء إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وأبقت وسائل الاعلام الشجاعة الشعب الفنزويلى على إطلاع بمجريات الامور، لكن الاعمال المنافية للديمقراطية التى قامت بها إدارة تشافيز أو شجعت عليها أشعلت الازمة التى وقعت فى فنزويلا أمس . . . لقد حاولت حكومة تشافيز قمع مظاهرات سلمية. وقام أنصار تشافيز بإطلاق النار، بعد تلقيهم أوامر بذلك، على متظاهرين مسالمين وغير مسلحين مما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من مائة شخص، وقد رفض الجيش والشرطة الفنزويليين دعم دور الحكومة فى مثل هذه الاعمال التى تنتهك حقوق الانسان". وفى "فورت تيونا" حيث الرئيس المنتَخب (والمعتَقل) طلب تشافيز هاتفاً كى يطمئن على زوجته وباقى أفراد أسرته، كما طلب تليفزيون كى يُشاهد الاحداث المؤسفة التى تمر بها بلاده وقد نُسبت إليه جميع الفظائع والمجازر التى راح ضحيتها مواطنين عُزل، وكل ذلك من أجل بقاءه فى السلطة، كما صاغت المعارضة وعى الناس، وربما فلحت إلى حين!! ولقد كان من الواضح أن كثيراً من صغار الضباط والجنود فى حيرة شديدة ، وبصفة خاصة الذين يقومون بحراسة الرئيس المخطوف، فهم لن يستطيعوا تحويل مشاعرهم الحقيقية فجأة تجاه الرئيس الذى أعجبوا به وأحبوه، وبدا الامر لهم وكأنه تصفية حسابات بين الكبار ولا شأن لهم به، ومع ذلك فقد كانوا ظاهرياً ضد الرئيس، وهم فى الواقع لا يستطيعون أن ينسوا أو يتناسوا أن من طلب الهاتف والتليفزيون هو رئيس البلاد المنتَخب من الشعب، والذى يسعى لصالح الاغلبية المسحوقة؛ ولذا حينما أتى صغار الضباط بالهاتف للرئيس كان من لوزم الامر الانصراف كى يتحدث الرئيس لأسرته فى جو من الخصوصية دون إهانته بالوقوف أمامه أو الانصات لحديثه إلى زوجته وباقى أفراد أسرته. كان الاتصال الاول الذى أجراه تشافيز هو مع زوجته ماريزابيلا وطلب منها سرعة الاتصال بأى صحافى أو إعلامى، وأن توضح له أن الرئيس هوجو تشافيز لم يتنح ولم يقدم إستقالته، وهو الان مُعتقل بالتصادم مع النصوص الدستورية، وأن حياته مهددة. إذ ينتظر الموت لحظة بعد أخرى وكان الاتصال التالى مع إبنته ماريا ولم يكن الحديث بينهما ليخرج عن مضمون الحديث الذى تم بين تشافيز وماريزابيلا إلا فى أمر واحد إذ طلب تشافيز من ماريا ليس فقط الاتصال بصحافى أو إعلامى، كى تُخبره بالحقيقة، وان إستقالته ليس لها أى أساسى من الواقع، وإنما طلب منها الاتصال بأستاذه وأبيه الروحى فيدل كاسترو فى كوبا، وأن تخبره بأن أباها الرئيس هوجو تشافيز فى الأسر مُعتقلاً، وإنه لم يتنح ولم يقم بتقديم إستقالته، وأن قتله بات مؤكداً كى لا يفضح كارمونا وزمرته، على الاقل بشأن فتح النيران على المتظاهرين، إذ من قام بذلك، كما ثبت بعد ذلك، هم قناصة تابعون لتحالف كارمونا وأورتيجا. لم تتردد ماريا لحظة فى تنفيذ طلبات إبيها، وبالفعل هاتفت الرئيس كاسترو، وأخبرته حرفياً بما أراد الرئيس المعتقل توصيله إليه، فما كان من كاسترو إلا أن طلب منها إنهاء المكالمة على أن تنتظر إتصالاً منه بعد ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير. وبالفعل عاود فيدل الإتصال بماريا كى يُخبرها أنها الان تستطيع أن تُكلم العالم؛ فهى الآن فى بث مباشر مع التليفزيون الكوبى. كان إتصال فيدل السريع بماريا بلاشك بمثابة ثقباً فى جدار الظلام، فراحت ماريا تحكى للعالم، على الاقل نصفه الجنوبى فى القارة اللاتينية، عن حقيقة الوضع الانى فى فنزويلا، وأن أباها الرئيس المنتَخب هوجو تشافيز لم، ولن يتنحى أو يقدم إستقالته، وأن ما يحدث الان هو خرقاً صريحاً للدستور، من قبل مجموعة متواطئة من رجال الاعمال وكبار ملاك الاراضى والمتمردين من رجال الجيش، والذين فى تحالفهم، والذى هو فى الحقيقة تحالف بين رأس المال وبين السلطة، إنما يريدون الاستيلاء على السلطة الشرعية للرئيس وإقتسام ثروات البلاد. ولكن للأسف وحيث أن القنوات التابعة للمعارضة فقط هى المهيمنة على المشهد، فاللاسف وصل صوت ماريا إلى العالم ولكنه لم يصل إلى الشعب فى فنزويلا!! (و) خرق الدستور بعد أن تحدث تشافيز إلى زوجته وإبنتهما، فى ساعة مبكرة من صباح يوم 12/4/2002 وصلت محاميتان، كما ذكرت وسائل الاعلام الامريكية، من الادارة القانونية للقوات المسلحة، وذلك طبعاً لإضفاء نوعاً ما من الشرعية على إختطاف رئيس جمهورية منتخب إنتخاباً دستورياً صحيحاً. وقد وجد الرئيس المنتَخب، والذى سلم نفسه درءً لمفسدة عظيمة كانت ستجر البلاد نحو أنهار من الدم، فى تلك المقابلة إحتمالية إبلاغ الشعب من خلال إحدى هاتين القانونيتين أو كلاهنا، أن الرئيس لم يتنح ولم يُقدم إستقالته وانه قيد الاعتقال بالمخالفة الصارخة لنصوص الدستور. وبالفعل حالف الحظ تشافيز إذ أرسلت المحققتان نسخة من التقرير عن المقابلة مع الرئيس إلى النائب العام إساياس رودريجيز، وقد كتبن فيه:" قال بأنه لم يقدم إستقالته". إن موقف المحققتين إنما يؤكد ثانية ما سبق وأن ذكرناه بشأن صغار الضباط والجنود الذين كانوا مكلفين بحراسة تشافيز والذين لم ينسوا لحظة أنهم أمام رئيس البلاد، فكما كان الحال بالنسبة لهؤلاء كان الامر بالنسبة للمحققتين واضحاً؛ فهن الان أمام الرئيس هوجو تشافيز رئيس دولتهم البوليفارية، وقد بدا لهن أن ثمة خدعة إنطلت عليهن شخصياً كواحدتين من أفراد الشعب المخدوع. فالرئيس لم يعلن إستقالته. بعد أن تسلم رودريجيز التقرير، فى نفس اليوم 12/4/2002، وجده من الاهمية بمكان أن يُعلَن للشعب أن رئيسه المنتَخب لم يُقدم إستقالته كما أشاعت قوى المعارضة المعززة بسلطة الاعلام، ولنفس السبب سيكون من الصعب جداً إستخدامه هذا الاعلام فى إعلان ما يود قوله من أن الرئيس لم يُقدم إستقالته وأن ما يحدث الآن لا يُمكن أن يُعد سوى خرقاً صريحاً لأحكام الدستور الفنزويلى، الأمر الذى حدا به إلى التفكير فى خدعة هو الآخر، وهى دعوة وسائل الاعلام كى يُعلن عن إستقالة تشافيز، ويستطيع حينئذ أن يُعلن ما يريد وأن يُعرف الشعب حقيقة الموقف. وعكس ما كان متوقعاً تماماً، قال النائب العام:"وردتنا معلومات من المحاميتين العسكريتين اللتين أجرتا مقابلة معه بأن الرئيس لم يُقدم إستقالته. فى الواقع الرئيس لم يَستقل ولم يرد حتى هذه الساعة دليل مكتوب يُشير إلى إستقالته إلى مكتب المدعى العام؛ وبالتالى فإن الرئيس هوجو تشافيز هو رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية حتى الان، وفى الحالة المفترضة التى تُفيد أن الرئيس قدم إستقالته، فإنه يتعين تقديم هذه الاستقالة إلى الجمعية العامة. وعندما تقبل الجمعية العامة هذه الإستقالة، يمكن فى هذه الحالة فقط إعتبار الاستقالة مقبولة، وبناء على ذلك، وحتى فى الحالة المفترضة التى تفيد بأن الرئيس قدم إستقالته، لايزال تشافيز رئيس الجمهورية؛ لأن الجمعية الوطنية لم تقم بالتصديق على الاستقالة المفترضة للرئيس". (ز) نحو الديكتاتورية تزامن حديث رودريجيز والذى لم يتم بثه كاملاً بالطبع عقب إنكشاف خدعته، مع ظهور الرئيس الجديد بيدرو كارمونا بمظهر جديد تماماً؛ كى تُعلن تصرفاته وقراراته عن عودة الحكم الديكتاتورى، فلقد قام كارمونا وبمنتهى التسلط بشطب جميع المؤسسات الديمقراطية فى البلاد ونصب نفسه ديكتاتوراً؛ إذ قام بإغلاق الجمعية الوطنية، وأوقف أعمال المحكمة العليا، بعد أن تخلص من نصف أعضائها، وعطل الدستور، وجمد إختصاصات وسلطات جميع المسئولين الذين يتقلدون مناصب عامة، بدءً من المدعى العام ومروراً بحكام الولايات وإنتهاءً برؤساء البلديات، وكل تلك الديكتاتورية كانت بحجة أن إنتخابات جديدة سوف تجرى فى البلاد خلال عام. بل أضف إلى كل هذا الطامة الكبرى فعلاً: جمهورية فنزويلا البوليفارية، هذا هو الإسم المعتَمد دستورياً للبلاد، والمحبب فى نفس الوقت فى قلوب أفراد الشعب والجوعى منهم بوجه خاص، تلك حقيقة واقعية، بيد أنها كانت كذلك قبل تولية كارمونا لماذا؟ لأنه أصدر، بإرادته المنفردة، مرسوماً يقضى بأزالة، كلمة "البوليفارية" وهو الأمر الذى يعنى العمل على طمس تاريخ طويل من أجل الحرية، إذ أمر بإزالة صور المحرر سيمون بوليفار من جميع حوائط ميرا فلوريس تمهيداً لتعميم نفس قرار الطمس على الميدانين العامة والشوارع والمدارس التى تحمل إسم المحرر!! أحسب أنه من المتعين الذهاب للتعرف على هذا الرجل أكثر والذى صار بين عشية وضحاها ديكتاتوراً يَحكم فنزويلا، وقد أطاح بحلفائه!! (ح) فمن هو كارمونا؟ ولد بيدرو كارمونا عام 1942، ودرس فى فنزويلا، ثم فى بلجيكا عِلم الاقتصاد على طريقة ميلتون فريدمان والفكر الحدى. وتقلد العديد مِن الوظائف المهمة والحساسة، ويُمكن القول بأنه عمل أغلب حياته فى القطاع الخاص كما مَثل فنزويلا فى بعض التظاهرات الاقتصادية المالية فى الخارج. ومِن أبرز الوظائف التى تقلدها كارمونا: رئاسة إتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة والخدمات المعروفة باسم"فيداكمراس"والتى تَضم كبرى المؤسسات الاقتصادية الفنزويلية. وكذلك قام برئاسة الجمعية الفنزويلية للصناعة والبتروكيمياء مِن 1992 إلى 1995. ومِن 1995 إلى 1997: أيضاً شَغل منصب رئيس الكونفدرالية الفنزويلية للمصنعين. كما عُين مندوباً خاصاً لفنزويلا لدى مقر الاتحاد الاوروبى ببروكسل وكذلك مندوباً لدى جمعية أميركا اللاتينية للتجارية الحرة بمونتفيديو. ويُعد كارمونا، مِن أهم المناهضين لسياسات تشافيز، ويرى فيها تهديداً صريحاً لطبقة رجال الأعمال وكبار ملاك الاراضى. وفور أن عُين كارمونا فى حكومة الانقلاب على تشافيز إستبعد حليفه كارلوس أورتيجا وعَين مباشرة فى إدارته بعض الوجوه الفنزويلية ذات التوجه اليمينى المتطرف، والموالين له، إذ قام بتعيين العميد البحرى كارلوس مولينا تامايو أميناً عاماً للقصر الرئاسى، كما أعاد لاميدا إلى منصبه كرئيس لشركة بتروليوس دى فنزويلا، كما رشح الجنرال هكتور راميريز بيريز لمنصب وزير الدفاع. وعلى الرغم مِن قِصر مدة ولايته فقد ألغى كارمونا 49 مرسوماً صادراً عن الحكومة الشرعية شملت قطاعات حساسة منها الزراعة والاراضى والنفط. (ط) الرئيس يعود إلى القصر الجمهورى إختفى هوجو تشافيز كما ذكرنا وبدا الامر بالنسبة إلى أغلب الناس، ومنهم صغار الضباط الذين أتوا له بالهاتف، والمحققتين اللتين أرسلتا تقريرهن إلى النائب العام، كما لو أنه رحل بإرادته، بعد الفظائع التى إرتكبها فى حق الشعب، تاركاً خلفه فراغاً فى السلطة، وبمجرد إعلان كارمونا رئيساً للبلاد خرج الالاف من الطبقة الثرية والطبقة الوسطى إلى الشوارع إبتهاجاً بذهاب تشافيز وتولية كارمونا . وفى الوقت نفسه الذى يشهد الاحتفال بذهاب تشافيز كانت الجموع الغفيرة المناصرة لتشافيز تزداد، وبعد الساعات الأولى من بعد ظهر ذلك اليوم الجمعة 13/4/2002، إنتشرت أخبار مفادها أن الانقلاب بدأ ينهار، وأن بعضاً من وزراء تشافيز قد عادوا إلى القصر، وبعد يوم شاق مع الشعور بضياع الامل، عادت الجماهير لكى تقاتل من جديد، وفى الاقاليم، وكما روى عبر الاعلام وهو غير محايد بطبيعته، لم تكن هناك جملة سوى" فليتوجه الجميع إلى فلوريس"، وبالفعل خرج الناس من منازلهم وإحتشدوا فى السيارات والحافلات، ومنهم من مشى عدة كيلومترات، ويذكر أحد شهود العيان فى الايكونومست:" كان أشبه بنهر بشرى ينحدر من سفوح الجبال". ولم تعد الشرطة التى تسيطر عليها المعارضة تستخدم العنف وأعمال القمع بعد أن بدت الامور تسير فى الإتجاه العكسى لما هو مرسوم تماماً بهذا الهجوم الجارف لأنصار تشافيز. وفى ماراكاى، تولى الجنرال رؤول إيسياس بادويل قائد الوحدة العسكرية، وهو من أشد الموالين لتشافيز، مهمة الإتصال المكثف بالقادة المخلصين لنظام تشافيز، بمن فيهم العقيد جيسوس ديل فالى موراو كاردونا الذى كان قائد حرس الشرف فى ميرا فلوريس بعد أن تولى كارمونا السلطة، وكان الجنود التابعون لمروا كاردونا متمركزين فى أحد الثكنات العسكرية التى لا تبعد كثيراً عن القصر الجمهورى. تقدم جنود موراو عبر الانفاق المحفورة تحت الارض وإندفعوا نحو القصر بغية القبض على كارمونا وحلفائه؛ بيد أن سيطرة جنود موروا على القصر قد تزامنت مع نجاح كارمونا، ومولينا تامايو، ولاميدا، من الهرب إلى "فورت تيونا" طلباً لحماية الجيش. وفى نفس الوقت الذى كان يهم فيه كارمونا للهروب من القصر، دعا بعض العسكريين المنشقين بقيادة إفريان فاسكويز فيلاسكو والذى تجاهله كارمونا تماماً فى توزيع المناصب، على الرغم من كونه قائد الجيش وواحد من أهم الاشخاص المناوئة لتشافيز وحكومته. كان الهدف الرئيسى للاجتماع والذى تم فى"فورت تيونا" فى نفس لحظة هروب كارمونا وأعوانه هو مناقشة الحقيقة!! ومعرفة ما الذى يحدث فعلاً!! بعد أن بدأ الشك يتسرب إلى قلوب صغار الضباط، وقد تسرب فعلاً إلى بعضهم من قبل عقد هذا الاجتماع، وعدم إقتناعهم بتنحى تشافيز، وعدم إقتناعهم كذلك بما نسبته المعارضة إليه من تسببه فى بحور الدم فى كاراكاس. تزامن هذا الشك، وبلا شك، مع إستياء غالبية الضباط، بل المعارضين منهم لتشافيز من قيام "كارمونا" بحل المؤسسات الديموقراطية وتعطيل الدستور وتنصيب نفسه حاكماً أوحد للبلاد، وهو الامر الذى أعلن عن الإرتداد إلى الخلف سنوات وسنوات نحو الديكتاتورية. بدت المحاولة الانقلابية فى ضوء تلك الاوضاع التى إختلت معها جميع الحسابات والتوازنات، كمحاولة فاشلة لاقصاء رئيس البلاد المنتَخب، ومن ثم صار القبض على كارمونا وعلى قادة الإنقلاب الاخرين من الامور الواجب فعلها. وبالفعل توجهت القوات التى بدت تهيمن على المشهد تماماً إلى "فورت تيونا" وقامت بإلقاء القبض على كارمونا، ومولينا تامايو، وآخرين من قادة الانقلاب. ومع القبض على بيدرو كارمونا، وغياب الرئيس الفعلى للبلاد، وبدون مبرر سوى تذكرة الجميع بوجود دستور وقانون يحكمان الاجراءات الدستورية وينظمان السياسة العامة وليس الانقلابات المغتصبة للسلطة، فقد رغب وزراء تشافيز فى إعادة تفعيل الحكومة الشرعية، الامر الذى يعنى قيام ديو زدادو كابيلو نائب الرئيس، بأداء اليمين الدستورية كرئيس شرعى جديد للبلاد. وهو ما تم فعلياً فى الساعة العاشرة مساءً من يوم 13/4/2002. وأصبح "كابيلو" رئيساً لفنزويلا البوليفارية، حتى يعود الرئيس!! وفى نفس الوقت وفى ماراكاى، كان يجرى الاعداد لخطة لانقاذ "تشافيز". وبحلول مساء السبت عرف "بادويل"وضباط موالون آخرون بأن المتمردين يحتجزون تشافيز فى مقاطعة "لا أورشيلا"، فكان القرار بالاعداد لمهمة إعادته إلى العاصمة بقيادة الجنرال"على أوزكاتيجوى دوكوى" وأطلقوا عليها إسم عملية "إنقاذ الكرامة الوطنية". أقلعت ثلاث طوافات إلى" لا أورشيلا" على متنها فريق من الكوماندوز، وبعض كبار رجال الجيش أنصار "تشافيز" وما أن حطت الطوافات على أرض "لا أورشيلا" إلا وبدت العملية. عملية إنقاذ الكرامة الوطنية وكأنها إنتهت بنجاح، دون أى معركة أو أدنى مقاومة. ويحكى بارت جونز مشهد رجوع الرئيس إلى القصر الجمهورى رئيساً شرعياً لفنزويلا البوليفارية، بقوله: ".... فعندما وصل الجنرال على وفريقه، أصيب تشافيز بالذهول. تعانقوا، وبكى العديد من فريق الإنقاذ. لم يتحدث تشافيز كثيراً . أقلعت الطوافات متجهة إلى كاراكاس .... ومع دخول الطائرات المجال الجوى لكاراكاس، رأى الرئيس أعمدة الدخان ترتفع من كاتيا ومن الاقاليم الأخرى. سأل مرافقيه عما كان يجرى. شعر بالقلق من أن المدينة تشتعل كما حصل فى بوجوتا فى العام 1948، عندما اغتيل الزعيم السياسى الشعبى جورج جايتان، مما أطلق موجة من أعمال الشغب الدموية أدت فى وقت لاحق إلى إندلاع حرب أهلية لا تزال مستعرة إلى الان. وفى كاراكاس، كان الالاف من مناصرى تشافيز الغاضبين ينهبون المتاجر التى أُضرمت النيران فى بعضها. . . لقد بدا المشهد سريالياً لحفلة موسيقية لبينك فلويد. غنت الحشود: لقد عاد، لقد عاد. وتعانق الناس وبكوا ورقصوا. حطت الطوافات عند الساعة 2,45 بعد منتصف الليل، ترجل "تشافيز" مرتدياً سترة جلدية قصيرة وحذاءً رياضياً. بدا عليه التعب الشديد. إلتفت مجموعة كبيرة من الجنود والحلفاء حوله فيما كان يمشى بعيداً عن مهبط الطوافات، ثم وصل إلى سلم يؤدى إلى باحات القصر التى صارت تعج الان بالمناصرين. إرتسمت على وجهه إبتسامة عريضة ورفع يده اليسرى فى الهواء. إلتهبت حماسة الحشود فكانوا يغنون ويرقصو، صلى بعضهم، وسقط آخرون مغشياً عليهم؛ كانوا فى حالة من الانفعال الشديد. بدا كما لو أن "تشافيز" بُعث من الموت" (3). ولقد ألقى تشافيز خطاباً بعد مضى ساعة من وصوله، كانت كلماته الاولى:"دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وما للشعب للشعب . . . . كنت واثقاً، كنت واثقاً تماماً بأننا سنعود. لكنى لم أعتقد بأن عودتى ستكون سريعة إلى هذا الحد". (ى) أسئلة منهجية لا تحتاج إجابة، إنما طريقة إجابة. فى يومين إذاً إنتهت أحداث الانقلاب، ولكن تظل هناك بعض التساؤلات، والتى لا يعنينا، بحكم مذهبنا الفكرى، تقديم إجابة عليها، بقدر ما يعنينا تحديد معالم الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى تقديم الاجابة على هذه الأسئلة أو غيرها، ومن ثم فأسئلتنا المنهجية لا نطرحها من أجل إجابة، وإنما من أجل طريقة إجابة، إذ من أجل ذلك كانت أطروحتنا التى نطمح إلى تعميمها، كما قلنا سلفاً، بإستخدام منهجها (الذى يتركب من حزمة من الخطوات الفكرية كما سنرى) فى درس كُل الاحداث المضطربة والوقائع المرتبكة (إضرابات، إنقلابات، حروب أهلية، مجاعات، إبادة جماعية،......) على الصعيد العالمى بوجه عام، وعلى الصعيد القارى، وهو ما ننشغل به، تحديداً فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجه خاص. نقول تظل بعض التساؤلات التى يمكن تلخيصها فى: - مَن الذى خطط للانقلاب؟ ومَن الذى نفذه؟ ومن الذى أجهضه؟ - ولماذا؟ - ولماذا رحبت الولايات المتحدة الامريكية، والاتحاد الاوربى، الدائر فى فلكها، بعد غزوه فكرياً وإقتصادياً وثقافياً، بهذا الانقلاب على لسان آزنار، ممثل أوروبا آنذاك؟ - بل ولماذا تورطت الولايات المتحدة الامريكية، كما أُعلن، فى هذا الانقلاب؟ إذ أكدت المصادر، والمصادر الرسمية الفنزويلية بوجه خاص، على تورط كُل مِن: جيمس روجرز، ورونالد ماك كامون، وهما، كما قيل، من قادة الجيش الامريكى فى تدبير الانقلاب منذ التحضير له وحتى تنفيذه، إذ كانا متواجدين فى"فورت تيونا" ساعة الانقلاب. وقد رفض جون لو الناطق الرسمى بإسم الخارجية الامريكية فى كاراكاس الحديث عن هذا التورط؛ متحججاً بإنشغاله فى إجتماع بمكتبه!! كما أن نبرة التصاريح الامريكية بوجه عام ، عقب فشل الانقلاب، لم تتمكن من الاستمرار طويلاً فى ستر إستيائها الشديد من هذا الفشل؛ إذ أعلن "بوش" الابن، الرئيس الامريكى آنذاك، فى إجتماعه مع "باسترانا" فى 18/4/2002، "أن تشافيز يجب عليه أن يتعلم مما حدث، ويستوعب الدرس جيدا" كما صرحت "كوندوليزا ريس"، مسئولة الامن القومى فى تلك الفترة، بأن :" واشنطن تأمل فى أن يستثمر تشافيز الفرصة لتعديل سير سفينته، التى سارت، وبصراحة كاملة، بإتجاه خاطىء" وإزاء الشكوك التى تضاعفت أثر تراخى الادارة الامريكية فى إعلان إدانتها الفورية للانقلاب، فقد طلب السناتور كريستوفر دود رئيس أحد لجان مجلس الشيوخ، والمنتقد الدائم للسياسات الامريكية فى أمريكا اللاتينية، بسرعة إجراء تحقيق عاجل فى هذا التورط. ولعل تلك التساؤلات، الاولية بطبيعة حالها، تثيرنا ذهنياً كى نكون الوعى بنظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا، فلابد لتناول الاسئلة المطروحة من القيام برصد الاحداث بداخل فنزويلا، وطبيعة تعامل مؤسسة الحكم معها، وذلك من خلال فحص أحداث العشر سنوات الماضية (2000 - 2010)بالتركيز وتسليط الضوء على الفترة (الحرجة والحساسة) التى تشكلت معها المعالم الحقيقية والواضحة كذلك لمؤسسة الحكم بقيادة هوجو تشافيز، وهى الفترة من (12/4/2002 وحتى 3/2/2003) أى بداية من الانقلاب وحتى إعلان إنتهاء حالة الاضراب واللجوء إلى مائدة المفاوضات وجمع التوقيعات. خطوتنا الفكرية الاولى إذاً إنما تنشغل بالتعرف على معالم وخصائص ومحددات نظام الحكم فى فنزويلا بقيادة هوجو تشافيز منذ تغلبه على منافسته آيرين ساييز ملكة جمال العالم السابقة، ورئيسة بلدية أغنى منطقة فى العاصمة والموطن المفضل للبعثات الدبلوماسية، وهى مقاطعة جليتزى تساكاو. نقول بعد تغلبه على آيرين ساييز فى الانتخابات التى أجريت فى 6/12/1998(بعد ست سنوات من الانقلاب الفاشل الذى قاده تشافيز هذه المرة على كارلوس إندرياس بيريز أثناء حضور الاخير مؤتمر دافوس) وفوزه بواقع (56,2%) والتى بلغت (56,92%) فى إنتخابات الاعادة فى 30/7/2000، وهو الفوز الذى أعلن فى نفس الوقت إنتهاء إحتكار السلطة من قبل الحزبين الكبيرين: الاول: حزب العمل الديموقراطى (AD) والذى تأسس فى عام 1946، وإنفرد بالسلطة خمس مرات، منذ روميليو بتانكو فى الفترة من 1959 إلى 1964، وحتى كارلوس بيريز فى الفترة من 1988 إلى 1993 للمرة الثانية. أما الحزب الثانى: فهو الحزب المسيحى الاجتماعى (COPEI) والذى إنفرد كذلك بالسلطة فى الفترة من 1969 إلى 1974، ومن 1994 إلى 1998. حيث تولى مؤسس الحزب الديمقراطى المسيحى رفائيل كولديرا رئاسة فنزويلا خلال فترتين كانت الأولى من 1969 إلى 1974 وكانت الثانية من 1994 إلى 1998. كذلك يمكن القول بأن فوز هوجو تشافيز ممثلاً لحركة الجمهورية الخامسة (MVR) التى كونها كى تُعبر عن الحركة الثورية البوليفارية، قد صاحبه تهميش باقى التيارات السياسية الأخرى، كالحركة نحو الاشتراكية (MAS) الذى تحول إلى حزب شيوعى(غرب/مركزى)بعد خلاف أيدلوجى مع موسكو، وحزب العدالة أولاً (PJ) الذى يُعد من أشد الحركات المعارضة لحركة الجمهورية الخامسة، وكذلك تحييّد حزب الوطن للجميع(PPT) المنشق على تشافيز . وتثور هنا أهمية منهجية تتعلق بضرورة تكوين الوعى حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة حين تَسلَم تشافيز السلطة. أى التعرف على فنزويلا قبل تشافيز؛ إذ تُعتبر فنزويلا، وكما سنرى بمزيد من التفصيل، مِن أغنى دول العالم فى النفط، وطبقاً لأرجح الارقام، تُقدر إحتياطياتها النفطية بـ78 مليار برميل من النفط الخام، فهى بذلك تحتل المرتبة الخامسة من حيث إمتلاك أكبر إحتياطى نفطى فى العالم. ونسبة الغاز من هذا الاحتياطى هى 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر احتياطى للغاز على مستوى أميركا. وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار. ويضمن النفط أكثر من 75% من عائدات فنزويلا. (ك) الفساد إلا أن هذه الارقام الكبيرة، وكما سنرى عبر مراحلنا الفكرية، لم تعط نتيجة تنموية على أرض الواقع يمكن ذكرها، إذ وفقاً لأرجح ومعظم التحليلات؛ ففنزويلا كأحد أجزاء الاقتصاد الرأسمالى الدولى المتخلف، كغيرها من دول الأجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر؛ ظلت، تتميز بالفساد السياسى والادارى، وظل إنعدام العدالة فى توزيع ثروات البلاد بارزاً. وتظهر بعض مؤشرات الفساد فى فنزويلا فى: - الديمقراطية كانت تعنى، فى كاراكاس، قيام الساسة بحماية مصالح النخب، فبالاضافة إلى السيطرة على الميزانية الوطنية، كان الرئيس وحزبه (وسيكون بالطبع واحد من الحزبين المهيمنين (AD) أو (COPEI)) يعينان حكام الولايات، ويتحكمون فى جميع المناصب من أعلاها إلى رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية فى القرى الصغيرة. الديموقراطية كانت تعنى حكم النخب ورجال المال والنفط. - لم يكن أعضاء البرلمان يُنتخبون حسب الاسم أو المقاطعة، وإنما كان الناخبون يَختارون لا ئحة يضعها الحزب، كما لم يكن بالامكان محاسبة أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ من قِبل الشعب، والذين كانوا فى الاغلب الاعم لا يعرفون أسماء ممثليهم. - كان الحزب الحاكم ينتقى بنفسه أعضاء المحكمة العليا، والتى لن تحكم ضد مصالح الحزب، وكما كان الحزب كذلك يختار سائر أعضاء الهيئات القضائية، الامر الذى يعنى إستشراء الفساد القضائى. - لم يتوقف التدنى والفساد إلى ذلك الحد بل إستشرت الوساطة والمحسوبية وبيع الوظائف العامة لمن يدفع دولارات أكثر، فقط المهم الوصول إلى أحد المسئولين فى الحزب الحاكم وسداد المبلغ المطلوب، وفى غضون أيام قليلة يكون المنصب فى إستقبال جنرال جديد، ومن ثم يصبح الطريق معبداً نحو النهب والاختلاس وتبديد الثروة. يمكن بسهولة مقارنة ذلك بما يحدث فى السودان وباقى بلدان الاجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى المعاصر. - تَملُك نسبة 10% من السكان 60% من ثروات البلاد بينما لا تَملُك نسبة الـ10% الأكثر فقراً من السكان سوى 1.6% من هذه الثروة. - نحو بين 23,000 سجين هو العدد الاجمالى للسجناء فى فنزويلا، خضع 9,700 سجين فقط للمحاكمة. - تقع نسبة 40% تقريباً من السكان تحت خط الفقر. - توجد نسبة 60 % من الاراضى الصالحة للزراعة تحت سيطرة 2% من كبار ملاك الأراضى. - يتقاضى كبار المسؤولين السابقين فى شركة نفط فنزويلا "بتروليوس دى فنزويلا"( PDVSA) مِن 20 إلى 50 ألف دولار شهرياً تضاف إليها تكاليف مأموريات السفر وغيرها من العلاوات. وتهيمن النُخب السياسية على إدارتها. - تُهيمن الطبقة الاوليجارشية على مصادر البلاد الاقتصادية، والطبقة الاوليجارشية هى القلة المسيطرة على الثروات، التى تتصف بالفساد وإتباع طرق غير مشروعة لإحكام سيطرتها على ثروات الدولة. - أضف إلى كُل ذلك ما حدث من تهريب نحو 90 مليار دولار (تقريباً ضعف دين فنزويلا الخارجى) إلى الخارج، وخاصة إلى ولاية فلوريدا الاميركية حيث يُوجد كبار الاثرياء الذين لجؤوا إليها على مدار السنين. ويمكن فى هذا الشأن، شأن الفساد المنتشر فى فنزويلا، إستعراض مجموعة هائلة من الارقام الدالة والتى تشير وبقوة إلى كون فنزويلا لا تختلف فى أى شىء عن باقى بلدان الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فى الفساد بدءً من الفساد على الصعيد الادارى وإنتهاءً بالفساد على صعيد مؤسسة الحكم نفسها، ومن ثم سيكون مشروعاً التساؤل عما إذ ما كانت الاحوال تبدلت عقب تولى الحركة البوليفارية السلطة بقيادة شافيز؟ أم تحول الحال من فساد رأس المال، إلى فساد من نوع آخر فى السلطة؟ من الأفضل أن نتعرف أولاً على فنزويلا قبل "تشافيز". (2) فنزويلا البوليفارية قبل تشافيز فنزويلا قبل تشافيز تسلم هوجو تشافيز رئاسة البلاد من الرئيس السابق كارلوس أندرياس بيريز، والذى صاحب مراسم توليته إبتهاج شعبى جارف، فقد فاز فى الانتخابات الرئاسية لعام 1988 بشكل كاسح، وبدا إنتخابه كأنه إستغاثة من الشعب الذى قهره المرض والجوع والفقر، وفى المقابل يوجد نفط لا يستفيد منه سوى النخب، ولا يغتنى منه إلا الاغنياء، فقد كان ملايين الفنزويليين يأملون فى عودة الايام الأولى من السبعينات، وكانت أيام جيدة بطبيعة حالها، والتى كان فيها كذلك كارلوس أندرياس بيريز رئيساً منتخباً فى أول إنتخابات رئاسية ديمقراطية منذ عام 1958. فلنتعرف على"كارلوس أندرياس بيريز" . فمن هو كارلوس أندرياس بيريز ؟ ولد فى 27/10/1922، وتوفى فى 25/12/2010. تسلم فنزويلا من لوسينتشى الرئيس الاسبق الذى بدد الاحتياطات الاجنبية من أجل خدمة الدين التى بلغت مبالغ مروعة، وقد دخل بيريز عالم السياسة فى سن مبكرة، وأصبح وهو فى سن الثالثة والعشرين سكرتيراً لروميلو بيتانكورت ثم هرب من البلد فى 1949 وظل فى المنفى لمدة تسع سنوات بعد تولى الجنرال ماركوس بيريز جيميز الحكم، ثم عاد كى يصبح وزيراً للداخلية فى بداية الستينات عندما أصبح بيتانكورت رئيساً للبلاد، وظل فى فنزويلا يسعى إلى تكوين قاعدة شعبية عريضة تمكنه من خوض إنتخابات الرئاسة، وبالفعل تمكن من تحقيق ذلك عبر عشرين عاماً، تعاقب فيها ثلاثة رؤساء على حكم البلاد (روميلو بتانكور، راؤل ليونى، رفائيل كلديرا )إلى أن أعلن عن فوزه الكاسح بالحكم فى 1974 وبقائه حتى 1979. قام كارلوس أندرياس بيريز بتأميم النفط، فى زمن السبعينات الذى كان يسمح بذلك تماماً، كما أقام علاقات دبلوماسية مع كوبا، ويروى أنه قام بالضغط على الكونجرس الامريكى، من خلال النفط، من أجل تسليم السيطرة على قناة بنما إلى بنما، كما زود الساندينيين(4) بالسلاح عندما كان نظام ساموزا المدعوم بقوة من الولايات المتحدة الامريكية يترنح فى أيامه الأخيرة. ومن خلال السى أى آيه إنتهت رئاسة بيريز، والذى كان محاطاً بمجموعة لا بأس بها من رجال المال والنُخب، بفضيحة كبرى عندما تم إتهامه بتلقيه مبالغ مالية على سبيل الرشوة فى عملية شراء فرقاطة عسكرية Sierra Nevada بضعف قيمتها الحقيقية، ومن ثم إهدار المال العام الناضب بالاساس، وإعطائها لبوليفيا التى كانت واقعة تحت حصار شديد، فعاقبته اللجنة المعنية بالمسائل الاخلاقية فى حزبه(العمل الديمقراطى) وبلغت الأمور حد إصدار اللجنة توصيتها بطرد كارلوس أندرياس بيريز من الحزب"؛ ولكن بعض الضغوط التى مارسها بعض كبار رجال المال والاعمال فى الحزب حالت دون إمضاء التوصية بطرده من الحزب. فمن مصلحة رجال رأس المال بقاء كارلوس فى الحزب، وبصفة خاصة وأنه على رباط وثيق برجالات البيزنس ودوائر المال، ومن ثم تم التغاضى عن جزاء الطرد، ومرت السنين وبدا كل ما حدث ونُسب إلى بيريز من فساد وإهدار الاموال العامة والتربح وكأنه صار طى النسيان كما تغاضى الشعب له أيضاً عن حسابه المصرفى الكبير الذى تمكن من تكوينه بطرق لا يشك أحد فى كونها نتيجة فساد سياسى على أعلى مستوى..... أصبح ذلك كله طى النسيان عندما سقطت فنزويلا فى مستنقع إقتصادى عميق، ووجد الناس فى بيريز المنقذ المحتَمل، وبصفة خاصة وأن تجربتهم السابقة معه لم تكن بالتجربة السيئة والتى بدت، آنذاك، وكأنها خطوات نحو التنمية وإن كانت بطيئة نوعاً ما، وهكذا إكتسح كارلوس بيريز كمخلِص يملك أدوات الخروج من الازمة الطاحنة التى تمر بها البلاد على جميع الاصعدة، مختلف أنحاء البلد مثل الاعصار خلال حملته الانتخابية فى 1988 حيث مشى فى الاحياء الاشد فقراً وأطلق الوعود، وأقسم للجماهير أنه سوف يحقق الرخاء والرفاهية والخروج من مستنقع الازمة الاقتصادية العاصفة. التتويج أراد بيريز مع توحش ديون العالم الثالث، فى الثمانينات من القرن الماضى، وعلى وجه الخصوص فى دول أمريكا اللاتينية أن يقوم بدور مهم، أَعتقد أنه كان مؤهلاً له، هذا الدور هو وضع نفسه فى مركز المتحدث الرسمى عن تلك الاجزاء البائسة من العالم التى وقعت فريسة للديون الضارية التى لا فكاك منها فى ضوء تضخم زاحف، وإنفلات فى الأسعار مصاحب لإحتكار السلع الاساسية، وخلل هيكلى عميق فى موازين المدفوعات وموازين التجارة وإنخفاض أسعار النفط، وبمفهومنا الذى وضعناه للتخلف فإن بيريز أراد لعب دوراً بطولياً إلى حد ما فى ضوء هيمنة عملية ديناميكية متكاملة القوى والاطراف والعناصر مؤداها الارتفاع فى حجم إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع ضعف ألية إنتاجها وهو الأمر الذى يولد تناقضاً يجد حله فى تسرب ما يُنتَج منها فى الداخل إلى الخارج لتغذية كما ذكرنا أجزاءً متطورة ومعقدة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر. المهم أن بيريز كان فى تلك الاوقات هو مَن يجوب العالم من أجل قضية الديون التى تكبل بلدان العالم الثالث، وأعتقد أنه لم ينجح سوى فى تقديم نفسه كثائر قادم من قارة الثوار !! أطلقت وسائل الإعلام على حفل إستلامه مقاليد الحكم فى فنزويلا (تتويجاً) حيث تضمنت قائمة الضيوف 24 رئيس دولة، وستة رؤساء سابقين من بينهم جيمى كارتر و جوليوس نيرير من ألمانيا، وخمسة وزراء نفط "أوبك" ومئات الشخصيات الرفيعة من مختلف أناء العالم. وكان فيدل كاسترو من بين الرؤساء الحاضرين، كما أوفدت الولايات المتحدة دان كوايل فى أول زيارة دبلوماسية له بصفته نائباً للرئيس. كما حضر قادة "الكونترا" فى نيكاراجوا، ورئيس البلاد الساندينى دانيال أورتيجا معاً، على الرغم من كونهما فى حالة حرب. لم يتخل بيريز طوال الايام الاولى من رئاسته، الأولى والثانية، عن نبرته الحادة الواثقة ضد رأس المال الاجنبى، وكان مناصباً صندوق النقد الدولى العداء على طول الخط، رافضاً سياساته التى كان يردد دوماً أنها سياسات إستعمارية ليس لها من هم سوى إبادة الشعوب الفقيرة أصلاً، وإن القائمين على إدارة الصندوق ما هم سوى رجال يقومون على تنفيذ تلك الابادة. فالصندوق بنظر بيريز هو قنبلة تهلك الشعب وتبيده ولا تترك سوى المبانى، وكانت تلك العبارات وأشباها لا تفارق بيريز أينما حل أو رحل. إلا أن بيريز فى الوقت نفسه كان غاية فى التناقض، وله العذر عند بعض الاتجاهات، فقد كان يصب جام غضبه على صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى الصباح ويراسلهما سراً فى المساء، بعد أن تأكد من أن خياراته باتت ضيقة جداً، بما مؤداه أن فنزويلا ستلتزم بشروطهما القاسية مقابل حصولها على قرض بالغ الضرورة، كما ذكر بيريز فى أحد مراسلاته الرسمية إلى صندوق النقد بقيمة 4,3 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من تاريخ الاقراض، بما فيه مبلغ فورى بقيمة 1,5 مليار دولار. كانت تلك الشروط القاسية جزءً مما كان يُعرف بإسم "إجماع واشنطن" والذى يعنى أن الدولة التى تُقدم على القرض تكون ملتزمة، وبصرامة، بتقليص دور الحكومة فى الاقتصاد، وتخفيض النفقات العامة والاعانات الحكومية، ورفع الضوابط الحكومية عن الأسعار، أى إطلاق قوانين العرض والطلب بلا أى رابط أو ضابط، والحد من البيروقراطية الحكومية، وخصخصة المشاريع المملوكة من قبل الدولة، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار الاجنبى بجميع أنواعه وأشكاله، وتعويم معدلات صرف العملة فى السوق الحرة، وتخفيض التعريفات الجمركية وتحرير الاقتصاد. تلك هى شروط الصندوق كى يمنح القرض للدول المتخلفة ((كى تصبح متقدمة!! )) مع أن الدول المتقدمة نفسها لا تقوم بعمل كل تلك الاجراءات دون ضوابط ودون تتدخل من قبل الدولة. ضمت إدارة بيريز الجديدة وزيرين لوزارتين فى غاية الاهمية تم تدريبهم بعناية فائقة فى الولايات المتحدة الامريكية فى مدرسة السوق الحر، والعرض والطلب، والمنفعة الحدية.... من أجل تطبيق خطط صندوق النقد الدولى الذى لا يعرف سوى وصفات المدرسة النيوكلاسيكية كطريق أوحد للتنمية فى دول الأجزاء المتخلفة، الوزيران هما: موسيس نعيم، وزير التجارة والصناعة، وميشيل رودريجيز، وزير التخطيط. وكان لهما الدور الرئيسى فى توجيه الاقتصاد الفنزويلى نحو إقتصاد السوق، من أجل، كما قيل، ترويض التضخم المفرط، ودفع النمو الإقتصادى، والتصدى للدين الخارجى!! إجراءات تقشفية فى 1989، قرر بيريز مجموعة من الاجراءات على صعيد الاقتصاد القومى، وكان تحرير الاثمان، ورفع يد الدولة عن التحكم فيها، وعدم تدخل الدولة للسيطرة على إنفلاتها، وإلغاء الدعم الحكومى للسلع الاساسية بل وتقرير رفع أثمانها إلى الضعف، وتعويم البوليفار بجعله حراً فى التبادل غير خاضع لسعر صرف محدد أمام الدولار الامريكى، وإستهداف حصيلة أعلى من الضرائب، والتى عادة ما تتحملها الشرائح الفقيرة من السكان وصغار الممولين بوجه عام، كان كل ذلك على سبيل المثال من لوازم الاذعان لشروط صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ولم يكن بيريز أو معاونوه ليهتموا بمدى مفاجأة الشعب وصدمه، دون سابق إنذار، بالاجراءات التقشفية الجديدة. ربما تجاهلاً للشعب أو جهلاً بما سوف يفضى إليه الحال. ولقد كان إرتفاع أثمان البنزين(فى بلد تعوم فى النفط) سبباً أساسياً ومباشراً فى ثورة شعبية عارمة، ضد "بيريز" ومؤسسة حكمه، فقد أدى هذا الارتفاع فى أثمان البنزين(والذى خضع كسلعة لإعتبارات السوق كما طلب صندوق النقد الدولى) إلى تدهور القيمة الشرائية فى أجور سائقى الشاحنات، فعلى حين إرتفعت الاجور بنحو 30%، تم رفع ثمن اللتر الواح من البنزين بنسبة 100%. أدى ذلك، وبسرعة، إلى إحتجاجات هستيرية بلغت ما هو أبعد من الثورة إلى النهب والتخريب وإشعال النيران فى إطارات السيات بل والمبانى، والسطو على محلات المواد الغذائية والادوات المنزلية. وكان ذلك (دون تدخل من الشرطة) بمعرفة أفراد الشعب، وعلى وجه الخصوص الطبقة الفقيرة المعدمة، إذ أدى توقف الشاحنات عن النقل إلى توقف مُصاحِب فى نقل السلع الغذائية الاساسية، والمواد التموينية، وأدى توقف النقل هذا بدوره إلى قيام كبار التجار وأصحاب المتاجر والمحلات بحبس السلع وتخزينها رغبة فى الربح الفاحش فى زمن الازمة!! الثورة على إجراءات بيريز فعلاً كانت ثورة جياع بالمعنى الحرفى لكلمة جوع. الجدير بالاشارة إليه هو أن الاقتصاد الفنزويلى فى نفس الوقت التى إندلعت فيه الثورة وما صاحبها من مذابح مروعة، إنما كانت فنزويلا تحقق معدلات نمو مرتفعة(طبقاً لمعايير صندوق النقد الدولى) بيد أن التخلف يظهر هنا بمعانيه كافة، كما أن تسرب القيمة الزائدة يُزيح الستار عن نفسه بمنتهى الفجاجة، فكل ما تحقق من إرتفاع فى الدخول من عوائد النفط على سبيل التحديد كان يذهب للنُخب الغنية والمرتبطة مصالحها بمصالح كبار جنرالات الجيش، إذ تقوم فنزويلا، كدولة ريعية غير مُنتِجة إلا فيما ندر، بتصدير النفط ومشتقاته دون أدنى مساهمة، كما سنرى، فى أى مرحلة من مراحل تجارته، إلا فى مرحلة واحدة فقط هى مرحلة الاستهلاك!! أما المراحل الاخرى من إنتاج وتسويق ونقل وتوزيع فهى محل نظر، فالبنسبة للانتاج فهو يُنتَج لها بأدوات إنتاج(أجنبية المنشأ) وخبراء أجانب (أسبان، أمريكان، روس، . . . ) والتوزيع تحتكره شركات إمبريالية محددة تفرض هيمنتها على صعيد التجارة العالمية للنفط مثل "شل" و"إكسون موبل" وغيرهما من الشركات دولية النشاط القائمة، كما سنرى، على إعتبارات التغلغل وبسط الهيمنة على الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى، وفنزويلا لا شك أحد تلك الاجزاء التى تتألف منها الصورة الكبيرة لنصف سكان الكوكب المريض والجائع والفقير. فالقيمة الزائدة التى تُنتج فى فنزويلا لا تُستخدم فى الداخل، وإنما تتسرب خارج الحدود من أجل الحصول على سلع إنتاجية وأخرى إستهلاكية منتَجة فى الاتحاد الاوروبى والولايات المتحدة، وبصفة خاصة الولايات المتحدة. فلنعد إلى الثورة: كان رد الفعل من جانب بيريز على ثورة الشعب هو الاعلان عن تطبيق صارم لقانون الطوارىء، وحظر التجوال، وإصدار الاوامر للجيش بالنزول إلى الشارع وقصف كل شىء يتحرك على الارض. فكانت مجزرة دامت ثلاثة أيام من القمع والقهر والرعب، فقد كانت دبابات كبار جنرالات الجيش الموالين لبيريز تقتلع الرؤوس وتحصد الارواح، وقدرت الخسائر بنحو 15 مليار دولار، و277 قتيلا(طبقاً لإحصاء الحكومة) ولكن منظمات حقوق الانسان أعلنت أسماء الضحايا بالاسم فبلغ العدد 399 قتيلاً.كما تم الكشف عن مقابر جماعية، تضم 68 جثة مشوهة موضوعة فى الاكياس المخصصة للقمامة، ومعظمها مقطوع الأيدى والازرع والارجل حتى تتناسب مع حجم الكيس، كما وجدت مجموعات من الشباب أيديهم مقيدة من الخلف ورؤوسهم مصابة بأعيرة ناريةـ فبدا الوضع كحرب إبادة جماعية، لا تصدى لمظاهرة شعب نهبه وجوعه حكامه!! لم يتمكن تشافيز من المشاركة فى الثورة على بيريز مع أى جبهة من الجبهات المتصارعة الجيش بحكم موقعه المهنى، أو الشعب إذ ما إتيحت له فرصة الاختيار، فقد كان مصاباً بالجدرى. بيد أن مذبحة كاراكاس مثلت له ولمئات الالاف من الفنزويليين صدمة فى غاية القوة، وأعلنت عن قرب نهاية النظام الحاكم بقيادة بيريز، كما شكلت تلك المذبحة نقطة تحول فى تاريخ الحركة البوليفارية لهوجو تشافيز حيث عملت على تقوية عزيمة المتمردين وإصرارهم على قلب نظام كانوا يعتبرونه سلفاً فاسداً وشريراً. وبالنسبة لتشافيز فقد فقدت حركته واحد من أربعة رجال هم نواة الحركة البوليفارية التى تأسست بقيادة تشافيز فى 1982، إذ قتل فيليب أكوستا كارلوس فى المذبحة. الرئيس بيريز نفسه أشار إلى حادثة مقتل أكوستا كارلس وأعلن حزنه الشديد، وأرجع السبب الرئيسى للعنف الذى بدأت به مجموعة من الراديكاليين غير المسؤلين الذين أشعلوا فتيل الاضطرابات، غير أن الناس ومن بينهم تشافيز كانوا على قناعة تامة بأن الحكومة كانت وراء مقتله، إذ إنهم كانوا يظنون بأن الامن السياسى كان على عِلم باشتراك أكوستا كارلوس فى المؤامرة البوليفارية، فإستغل الفوضى الحاصلة وقتله؛ ظاناً بأن المسؤولية ستلقى على عاتق المحتجين. صار من المؤكد الان أن النظام الحاكم لن يتمكن من الاستمرار فى حكم الشعب أكثر من ذلك وأن مدة صلاحيته قد إنتهت حتى من قبل مذبحة كاراكاس البشعة، إذ أمسى نظاماً فاسداً لا هم لديه سوى حماية مصالح النُخب وجنرالات النفط. فحدث فى 1992 تعديل طفيف ولكنه هام وذو دلالة، فلم يكن التحرك هذه المرة من الشعب المعزز بالجيش، بل العكس فقد بادر الجيش بالتحرك وإنضم إليه الشعب، وتم وضع ثلاث خطط للاطاحة بالرئيس ببيريز أثناء حضوره مؤتمر المنتدى الاقتصادى العالمى المنعقد فى سويسرا، هدفت الخطط الثلاث إلى إحكام السيطرة على بيريز منذ وصوله مطار كاراكاس، ومروراً بموكبه حتى ميرافلوريس وإنتهاءً بميرافلوريس نفسه. بيد أن الخطط الثلاث كان مصيرها الفشل، على الرغم من النجاح الذى تحقق على صعيد فرض السيطرة على بعض المناطق والوحدات العسكرية الاخرى وإعلان أفرادها التمرد، وفرار بيريز بأعجوبة من أيدى المتمردين، وكان الفشل مرجعه الاساسى، كما شرح تشافيز فيما بعد، إلى تمكن القوات الموالية للرئيس بيريز من قطع الاتصالات عن المجموعات المتمردة، وكانت النتيجة القبض على تشافيز نفسه ، ومجموعات أخرى من عناصر التمرد. ويمكن القول بأن هوجو تشافيز قد كُتبت له شهادة ميلاد جديدة حين تم إلقاء القبض عليه، فلم يكن معروفاً من قبل لدى رجل الشارع البسيط، ولا لدى القادة الحكوميين، فحينما تم إلقاء القبض عليه لم تكن المجموعات الثائرة تُسيطر على العديد من الوحدات العسكرية ، وإن تمكنت من بسط سيطرتها الكاملة على مدينة النفط العالمية ماراكيبو بقيادة أرياس كارديناس، الامر الذى وجد تشافيز معه فرصة ذهبية كى يظهر على الرأى العام، وبصفة خاصة وأن الانقلاب قد فشل ولم تعد المسألة سوى مسألة وقت حتى تتساقط باقى المجموعات، وإما مذبحة كاراكاس أخرى، فعرض تشافيز على الحكومة أن يطلب من باقى المتمردين التسليم من خلال البث التليفزيونى، وبالفعل سُمِح له بذلك فكان الموقف تقريباً كما أراد تشافيز فعلى الرغم من فشل الانقلاب إلا أن مكاسباً أخرى قد حققتها الحركة الثورية البوليفارية على أرض الواقع؛ فقد إكتسب تشافيز وحركته الاحترام والتعاطف فى نفس الوقت وأصبح من القادة الشعبيين الذين سوف يتوسم فيه الفقراء فيما بعد خلاصاً من القهر والمرض والجوع. قبض على تشافيز وتم سجنه، ولم يتم الافراج عنه إلا بعد عامين من إعتقاله كما سنرى بعد قليل. لقد بات الوضع فى الشارع الفنزويلى يشير إلى تغيير حتمى، وبصفة خاصة وأن الحزب الذى ينتمى إليه بيريز أخذ نفسه يتجه نحو الهاوية، إذ صار من المؤكد أنبيريزما هو سوى أداة طيعة للنُخب وجنرالات النفط والدم، وانه جلاد يقود البلاد إلى الخراب. الامر الذى بشر بالنهاية السياسية لبيريز قبل الموعد المقرر للانتخابات، وفى الوقت نفسه إستغل الرئيس الاسبق رافائيل كالديرا الوضع المتردى والغضب العارم الذى لن يطفئه سوى رحيل بيريز بل ومحاكمته، وهو ما تم فعلاً فى 1993، حينما أقرت المحكمة العليا بمحاكمة بيريز ومعه مجموعة من الوزراء الذين أمعنوا فى نهب البلاد وإستنزاف مواردها، ومن ضمن جرائمهم، وفقاً لرواية خوزيه رانجل أن بيريز قام بسحب 250 مليون بوليفار من حساب مصرفى سرى مخصص للأمن القومى بعد أيام قليلة من تأديته القسم الرئاسى خلال حفلة تتويجه فى 1989، ثم حول المبلغ إلى 17,2 مليون دولار، وبعد أسبوعين، وبعد أن قامت الحكومة بتخفيض قيمة البوليفار بنسبة 88% كأحد الاجراءات التى طلبها صندوق النقد، وأدت إلى أحداث المجزرة فى كاراكاس، فقد قام بيريز وأعوانه بتحويل الدولارات مرة ثانية إلى العملة الوطنية على أساس من تلك النسبة المرتفعة الجديدة، محققين ربحاً(مضاربياً) صافياً بلغ حدود العشرة مليون دولار امريكى. فى ضوء تلك الاوضاع المرتبكة قام رافائيل كالديرا بإعادة تقديم نفسه كمنقذ للشعب من المستنقعات التى قذف بيريز بداخلها فنزويلا دون رحمة. بيد أنه، أى كالديرا، فى الواقع قد تلقى تركة ثقيلة من سلفه بيريز فلم تزل الذكريات المريرة للمذبحة تحتفظ بوجودها وبكل قوة فى عقول وقلوب الجماهير الغفيرة، كما كانت الاجراءات التقشفية تعتصر الغالبية العظمى، ومعنى الاقتراب من تلك الاجراءات التقشفية فى محاولة لتحسين الاوضاع المعيشية، هو إنهيار كامل يتبع غضب صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، أضف إلى ذلك تلك الازمة الضخمة التى تمثلت فى إفلاس بنك هو الاكبر فى البلاد وهو "بانكو لاتينو" والذى مثل أحد نماذج الفساد فى عهد الرئيس بيريز فقد كان المديرون التنفيذيون إما تابعين كلية له، وإما لعائلة "سيسنيروس" إمبراطور الاعلام فى فنزويلا، وواحد من أغنى أغنياء العالم. إستصحب وقوع "بانكو لاتينو" حدوث أكبر إنهيار مصرفى عرفته أمريكا اللاتينية فى تلك الفترة، وربما عبر تاريخها. تسلم كالديرا الحكم فى 1993 بعد إنتخابات عبرت عن حجم جماهيريته الكاسحة والتى تعكس مدى رغبة الجماهير فى الخلاص من الحكم بالحديد والنار، والتلهف على عدالة إجتماعية، وقد ظنوا أن بإمكان كالديرا تحقيقها؛ بيد أن الوهم، كالعادة، كان حليف الجماهير الغفيرة مع الرئيس الجديد، فلقد بدا كالديرا عاجزاً تماماً عن التعامل مع تلك الازمات المتفاقمة، إذ أن سلسلة الخطط الاقتصادية المتغيرة بإستمرار، وكان عددها 8 خطط، لم تنجح فى التخفيف من حدة المأزق الاقتصادى، بل إزدادت الاوضاع سوء، فإرتفع التضخم بنسبة 71% فى العام 1994 و57 %فى العام 1995، وهما النسبتان الاعلى فى القارة بأكملها، وفى 1996 فعل كالديرا ما كان السبب الرئيسى فى تأجج الثورات ضد سلفه؛ إذ أعاد عقد نفس الصفقات مع صندوق النقد الدولى، ومن ثم نفس الاجراءات، فكانت الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات فى كل مكان فى البلاد، ونفس الحالة من حالات الفوضى التى سبق وأن عاشتها فنزويلا مراراً أتت مرة أخرى كى تغلق المحال والمنشأت والمصانع والمدارس. وفى تلك اللحظات المرتبكة والحرجة كان هوجو تشافيز يعد نفسه لإنقاذ فنزويلا. تلك، وبإختصار، الاوضاع والاحوال التى عاشتها فنزويلا ولم تزل، والتى تسلم تشافيزمن خلالها السلطة، الأمر الذى يقودنا إلى خطوتنا الفكرية الأولى المتعلقة بتكوين الوعى حول نظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا بقيادة هوجو تشافيز، والكيفية التى تعاملت بها تلك المؤسسة مع مظاهر الفساد السياسى والادارى التى إجتاحت فنزويلا، وهو الامر الذى نعالجه فى المبحث التالى، ولكن دون أن ننسى أننا نسعى للاجابة، بالأدق لطريقة إجابة، على التساؤلات المعنية بالانقلاب ومن الذى قاده، وما هو دور الولايات المتحدة فى هذا الشأن. وهذا كله بالطبع بداخل المنهج المقترح لدراسة الاقتصاد السياسى للتخلف. المبحث الثانى : الاحداث المرتبكة إن الوعى(5)بنظام مؤسسة الحكم الفنزويلية بقيادة هوجو تشافيز، يمكن تحقيقه من خلال رصد المعالم الهامة والبارزة، والتى تعكس بالتبعية مظاهر الحركة الثورية البوليفارية، ممثَلة فى حركة الجمهورية الخامسة التى كونها تشافيز كرد فعل إجتماعى لحالة الفساد التى سادت مُجمل الاحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى البلاد. تغييرات جذرية بدأ تشافيز ولايته الرئاسية بما لا يمكن توقعه من مؤيديه قبل أعداءه؛ إذ فى اليوم المحدد لأدائه القسم الرئاسى، وأمام سياسيين من شتى دول العالم، وكان منهم بالطبع فيدل كاسترو وأمام الملايين من الفنزويليين عبر شاشات التليفزيون، قام تشافيز بوضع يده على الدستور، وقرر أمام العالم بأسره أنه يقسم أمام شعبه أنه لن يحترم هذا الدستور المحتضر، وإنه سوف يضع دستوراً جديداً يكتبه الشعب بيده، من أجل الاجيال القادمة. كما قام بالمطالبة بحل المحكمة العليا التى كانت تفوح منها رائحة الفساد إذ كان ربع قضاة المحكمة العليا فقط يشغلون مناصب دائمة، أما البقية فكان من السهل جداً عزلهم بقرار سياسى، الامر الذى جعل القضاء أحد أدوات السلطة التنفيذية الرئيسية والتى تستخدمها مؤسسة الحكم ورجال الاعمال فى سبيل تحقيق مصالحهم على حساب الجماهير الغفيرة.ولم يتوقف الأمر عند الإطاحة بالدستور، وطلب حل المحكمة العليا، وإنما تعدى ذلك إلى حل الكونجرس نفسه، وتكوين مجلس رئاسى يتولى إدارة شئون البلاد. مع الدستور الجديد تم إدماج مجلس الشيوخ والكونجرس فى جسم واحد سمى المجلس الوطنى، كما ظهر ولاول مرة منصب نائب الرئيس، كما مدد الدستور الجديد الولاية الرئاسية من خمس إلى ست سنوات. ومن ناحية أخرى تضمن الدستور كذلك ولأول مرة فى تاريخ فنزويلا الاعتراف بالحقوق المشروعة للسكان الاصليين، بعد تاريخ طويل من تهميش وقمع للقبائل الهندية. أعلن تشافيز كذلك، بأن فريقاً من القضاة والمدعين العامين ورجال الكنيسة وناشطى حقوق الانسان سيتوجهون إلى أربعة من أخطر السجون فى فنزويلا من أجل تسريع تطبيق العدالة على المساجين الذين ينتظرون المحاكمة؛ إذ، كما ذكرنا، نحو 23,000 سجين لم يتم التحقيق إلا من 10,000 سجين فقط تقريباً، والباقى قيد الاعتقال دون تحقيق. كما قام تشافيز بإصدار صحيفة بإسمه ويتولى تحريرها بنفسه، بالاضافة إلى ظهوره على الشاشات التليفزيونية صباح كل يوم أحد فى برنامج خاص (ألو يا ريس) وفى هذا البرنامج يتلقى مكالمات المواطنين مباشرة ويستمع إليهم بصبر عجيب فعلاً، كما كان له برنامج إذاعى له نفس مضمون برنامجه التليفزيونى الشهير (ألو يا ريس) وفى النهاية قام تشافيز بدمج برنامجه التليفزيونى مع برنامجه الاذاعى فى برنامج واحد جعله يوم الاحد ولكن خارج الاستوديو؛ فقد كان يبث البرنامج من أماكن مختلفة كالمدارس والقرى الفقيرة والمزارع وغيرها من الاماكن التى يتمكن فيها من التواصل مع مختلف فئات الشعب. زيارة الصين فور أن تولى تشافيز رئاسة البلاد فقد بدأت رحلاته المكوكية حول العالم، فقد قام وفى أقل من شهرين بزيارة إثنى عشرة دولة من بينها البرازيل والارجنتين والمكسيك واسبانيا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة، حيث قابل الرئيس بيل كلينتون، الرئيس الامريكى حينذاك، كما قام فى أسبوعين فقط بزيارة اليابان وهونج كونج وماليزيا وسنغافوره والفلبين، مخلفاً وراءه أثراً عجيباً أينما ذهب، فلقد كان تشافيز يدرك أن مشروعه"اليسارى" ليس قاصراً على الداخل، وإنما يمتد إلى العالم بأسره، فقد قام تشافيز مع أول زياراته إلى الصين بتوقيع ست إتفاقيات غاية فى الاهمية مع الرئيس الصينى"جيانج زمين" مضمونها قيام الحكومة الصينية بشراء مليونين إلى أربعة ملايين طن سنوياً من وقود فنزويلى خاص مكون بشكل أساسى من القطران، يسمى"أوريموليزيون" وهو بديل ناجح عن الفحم الحجرى. زيارة العراق وإيران وفى 10/8/2000 قام تشافيز مستخدماً الطريق البرى تجنباً لخرق الحظر الدولى، بزيارة العراق، بعد أن زار إيران، كما سنرى أدناه حين مناقشتنا سعى تشافيز فى سبيل تفعيل دور "أوبك"، وعند موقع المنذرية الحدودى بين إيران والعراق صرح تشافيز:" إذا أردت أن أذهب لأتحدث مع الشيطان نفسه فإننى سأفعل هذا بمحض إرادتى لأننا أحرار ولسنا بحاجة لأحد كى يقول لنا أين نذهب ... ماذا يسعنا إذا غضبت الولايات المتحدة الامريكية... نحن دولة ذات سيادة يمكنها أن تتخذ الإجراءات المناسبة."فى الحال إنتقدت الولايات المتحدة تلك الزيارة، إذ صرح ريتشارد باوتشر، الناطق الرسمى بإسم وزارة الخارجية الامريكية :" إن واشنطن لا تتمكن من فهم هذه الزيارة؛ وإن المسألة ستطرح مع مسئولين فنزويلين مناسبين"!! علاقات متوترة مع كولومبيا وفى 12/2/2002 يخطو تشافيز خطوات أبعد نحو التحدى المعلَن لواشنطن، محذراً بشكل رسمى من التدخل الامريكى فى بوجوتا وقد جاء هذا التصريح متزامناً مع دراسة الكونجرس الامريكى زيادة تمويل الجيش الكولمبى ضد المتمردين اليساريين(والذين يسيطرون على الانتاج العالمى للكوكا فى المناطق الجنوبية)وتعد مسألة المتمردين اليساريين تلك، ومساندة تشافيز لهم من أهم المسائل الحرجة والشائكة بين بوجوتا وكاراكاس، الامر الذى بلغ حد التعقيد فى 13/9/2008 إذ طلبت الولايات المتحدة من سفير فنزويلا مغادرة أراضيها رداً على قرار الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز بطرد سفيرها فى كراكاس باتريك دودى تضامناً مع خطوة مماثلة أقدم عليها نظيره البوليفى إيفو موراليس(1959- )الذى إتهم كبير الدبلوماسيين الاميركيين بتأجيج إحتجاجات شعبية ضده، وإثارة الجماهير كى يقوموا بثورة أو إنقلاب يطيح به، وهو الرئيس المنتَخب للبلاد. وقالت واشنطن إن تشافيز وموراليس يُحاولان بطردهما السفيرين الاميركيين التغطية على متاعب محلية وإقليمية، وطلب تشافيز فى خطابه الذى ألقاه يوم 12/9/ 2008 من سفير بلاده العودة إلى كاراكاس، قائلاً :"إن كاراكاس ستعيد مبعوثيها عندما توجد حكومة أمريكية تحترم شعب أمريكا اللاتينية". وأثر بلوغ العلاقات الفنزويلية الكولومبية حداً بالغاً من التوتر بسبب التنظيم اليسارى المسلح فى كولومبيا، فقد أعلن تشافيز فى 31/7/2010، وذلك عقب قطع العلاقات السياسية، نشر وحدات مِن المشاة والقوات الجوية على حدود فنزويلا مع كولومبيا، بعد إتهامات كولومبية لكاراكاس بإيواء "متمردين. وقال تشافيز فى مقابلة هاتفية مع محطة تلفزيون حكومية:" لقد نشرنا قوات وعناصر من سلاح الجو والمدفعية للدفاع عن سيادتنا فى حال التعرض لعدوان، لكن من دون ضوضاء، لأننا لا نريد أن نزعج أحداً من السكان". ولم يحدد تشافيز المكان الذى أرسلت إليه هذه القوات أو عدد الجنود الذين تم نشرهم، مكتفياً بأنه يعتقد أن الحكومة الكولومبية المنتهية ولايتها بزعامة الرئيس ألفارو أوريبى قد تهاجم فنزويلا. و"ان أوريبى قادر على فعل أى شىء فى الايام المتبقية له فى الحكم قبل ترك منصبه، وبات الامر تهديداً بالحرب، ونحن لا نريد الحرب". وربما يكون تولى مانويل سانتوس (1951- )مؤخراً، رئاسة كولومبيا، فى 21/6/2010 خلفاً لألفارو أوريبى (1954- ) سبباً فى تعديل مسار العلاقات المتدهورة بين بوجوتا وكاراكاس؛ فلقد وعد سانتوس خلال حفل تنصيبه بإجراء الحوار مع فنزويلا لإنهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. وأعرب عن أمله فى إجراء "حوار صريح ومباشر بأسرع وقت ممكن مع فنزويلا"، مضيفاً: "إن كلمة الحرب لا وجود لها فى قاموسى عندما أفكر فى علاقات كولومبيا مع جيرانها". وقد بادر تشافيز بالإفصاح عن الرغبة فى طى صفحة الماضى والبدء فى علاقات طيبة مع الحكومة الجديدة للرئيس سانتوس. وعَرَض تشافيز خلال كلمة على الهواء مباشرة فى التلفزيون بعد ساعات من تنصيب سانتوس، الإجتماع معه وجهاً لوجه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى الاونة الأخيرة الشيطان كان هنا وفى خطاب تاريخى سجلته وثائق الامم المتحدة، ظهر تشافيز متفوقاً على الظهور الشهير للرئيس السوفيتى نيكيتا خروتشوف فى عام 1960 عندما ضرب بحذائه على المنضدة خلال أحد الخطب أمام الجمعية العامة للامم المتحدة؛ إذ قام تشافيز بالقاء كلمة أمام الجمعية العامة للامم المتحدة فى عام 2006، فى نيويورك بشأن ترشيح جمهورية فنزويلا البوليفارية إلى مقعد غير دائم فى مجلس الأمن وتنبأ مسبقاً برفض الولايات المتحدة الامريكية لهذه الإقتراح. وقال تشافيز:"إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أطلقت حملة بشعة لمنع فنزويلا من أن تُنتَخب بحرية كعضو فى مجلس الأمن. لقد وصفتنا أميركا بالمتطرفين، وإنما هى المتطرفة فهجومها المفتوح علينا أثّر على الكثير من بلدان أميركا اللاتينية وغيرها لأنها دعمت فنزويلا". وفى نفس الإجتماع توجه تشافيز بالشكر إلى داعميه قائلاً: "إننى أشكركم بحرارة بالنيابة عن فنزويلا، وبالنيابة عن شعبنا وبالنيابة عن الحقيقية. فإنتخاب فنزويلا كعضو فى مجلس الامن لن يمكنها فقط من التعبير عن أفكار الفنزويليين، وإنما ستكون صوتاً قوياً يُمثل كُل شعوب العالم. إن أمريكا تعمل ما فى إستطاعتها للسيطرة على العالم. فإذا ما أنقذ العالم نفسه من مخالبها فعليه ألا يَسمح لهذه الدكتاتورية بالنجاح. فالرئيس الاميركى يدّعى نشر الديمقراطية ولكن أى نوع من الديمقراطية هذه التى تُُنشر بالقنابل والقوة العسكرية؟" وفى نفس الاجتماع أطلق تشافيز لنفسه، كعادته، العنان كى يقذف بقنبلة من قنابله المعهودة إذ وصف الرئيس الامريكى بالشيطان حيث قال:" لقد جاء الشيطان إلى هنا بالامس . . . . لو سُمح للشعوب بالكلام بحرية فأعتقد أنها ستطالب برحيل الإمبريالية الأمريكية."طبعاً لم يثر كلام تشافيز ممثلى الدول الحاضرين فقط، وإنما أثار كلامه( وبصفة خاصة عبارة: لقد جاء الشيطان إلى هنا بالامس) الرأى العام الامريكى نفسه، كما سنرى حالاً. إذ فى نفس الإجتماع إتهم تشافيز الرئيس الامريكى بوش الإبن بأنه "يتحدث وكأنه يمتلك العالم"وإقترح أن يقوم محلل نفسى بتحليل خطابه الذى أدلاه فى اليوم السابق. قال تشافيز:" البارحة كان الشيطان هنا. هنا بالضبط. هنا بالضبط" فضجت قاعة الامم المتحدة بالضحك، تلك القاعة التى تكون عادة هادئة ورصينة، ثم إستطرد بقوله:" وما تزال رائحة الكبريت تفوح منها حتى هذا اليوم، هذه الطاولة التى أقف خلفها الأن". وقام تشافيز برسم صليب بيده فى الهواء، وهى عادة مشهورة ليس فحسب من أجل إظهار الدين الكاثوليكى للمرء، بل لطرد الأرواح الشريرة أيضاً، ثم وجه نظره نحو السقف وشبك يديه معاً وكأنه يصلى. ثم كرر قوله:" فى الامس، سيداتى وساداتى، جاء إلى هذه المنصة رئيس الولايات المتحدة، الرجل الذى أشير إليه بالشيطان، جاء إلى هنا، وتحدث وكأنه يملك العالم". لكن، وفى حين كسب تشافيز مودة نسبية من الحاضرين، وربما تعاطفاً، فإن تعليقاته قد أثارت الغضب فى أماكن أخرى من الولايات المتحدة. حيث لقيت تصريحاته الساخرة وتهكمه الشخصى على بوش إنتقاداً شديداً من معارضيه الذين وصفوه بأنه" ليس أكثر من مهرج؛ وديكتاتور مجنون، وليس لديه أدنى فكرة عن قواعد اللياقة"، فقد وصفت كوندوليزا رايس تصريحاته بأنها "لا تليق برئيس جمهورية" بينما نعت ممثل ولاية أوهايو وزعيم الاغلبية الجمهورية فى الكونجرس، جون بوينر، تشافيز "بالطاغية المتعطش للسلطة" أما السيناتور جون ماكين من أريزونا، فقد قال عنه بأنه"ديكتاتور رخيص" كما سخر رئيس تحرير جريدة لوس أنجلوس تايمز من تشافيز واصفاً إياه" بالرئيس المهرج وأمير كاراكاس المهرج" كما وضعت صحيفة ذى نيويورك دايلى نيوز صورة لتشافيز على الصفحة الاولى بكاملها تحت عنوان يشير إلى مقالة لرئيس تحريرها فى الداخل:" رسالة نيوز لزعيم فنزويلا المجنون". ولم يَسلم تشافيز كذلك من إنتقادات الديمقراطيين الليبراليين ومنتقدى بوش أنفسهم. حيث قالت زعيمة الاقلية فى الكونجرس نانسى بيلوسى:" يتخيل هوجو تشافيز نفسه وكأنه سيمون بوليفار هذا العصر لكنه ليس سوى مجرم " وإنضم الرئيس السابقبيل كلينتون إلى جوقة المنتقدين بقوله:" قال هوجو تشافيز شيئاً خاطئاً يوم أمس، شيئاً لا يليق برئيس دولة" وحتى تشارلز رانجل ممثل منطقة هارلم التى يفترض أنها تمثل قاعدة نفوذ هوجو تشافيز على الارض الاميريكية، فقد هاجم تشافيز بقوله:" إننا مستاؤون من حقيقة مجيئه إلى الولايات المتحدة وإنتقاده الرئيس بوش. . . إياك أن تأتى إلى بلدى، وإياك أن تأتى إلى دائرتى الانتخابية، وإياك أن تهين رئيسى" . إمداد إيران بالبنزين لم يتوقف هوجو تشافيز عند حدود إقامة علاقات سياسية طبيعية ومتعاونة مع بعض الدول المغضوب عليها من قبل الإدارة الامريكية، وبخاصة دول القائمة السوداء وعلى رأسها إيران وكوبا وسوريا، بل قام بتزويد الأولى بالنفط(53 ألف برميل يومياً لمدة 5 سنوات) بأسعار تفضيلية وفقاً لمعاهدة 30/10/2000. أضف إلى ذلك قيامه بعقد عدة إتفاقيات مع إيران فى مجالات الزراعة والصناعة والطاقة وإمداد إيران بخام البنزين، فقد أكد فيلاسكويز فى 19/8/2010 أن بلاده ستواصل إمداد إيران بالبنزين، رغم العقوبات المفروضة على طهران من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى والامم المتحدة, وذكرت وكالة الانباء الفنزويلية الرسمية فى بيان لها أن السفير الفنزويلى فى إيران ديفيد فيلاسكويز قال أن فنزويلا ستواصل إمداد إيران بالبنزين، قائلاً:" نحن فى خدمة إيران وسنمدها بالبنزين كلما إحتاجت". وفى خطوة للتخفيف من وطأة العقوبات على طهران، أعلن سفير فنزويلا فى طهران ديفيد فيلاسكويز إستعداد بلاده لتزويد إيران بالبنزين حتى 20 ألف برميل يومياً. ونقلت وكالة أنباء "فارس" الايرانية عن السفير قوله: "نحن فى خدمة إيران فى أى وقت تعلن حاجتها، سنؤمن لها إحتياجاتها من البنزين". وقال السفير إن بيع فنزويلا البنزين لإيران لا ينتهك القوانين الاميركية ولا علاقة له بواشنطن. وأشار إلى تصريحات الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز خلال زيارته إلى إيران فى العام 2009 التي جاء فيها ان بلاده مستعدة لتصدير 20 ألف برميل من البنزين إلى طهران. وفى هذا الاطار، نقلت وكالة "مهر" عن محمد على خطيبى مندوب إيران فى منظمة "أوبك" قوله إن ارتفاع مخزونات النفط الخام الايرانية ناتج عن أعمال صيانة فى مصاف داخل البلاد وخارجها وليس بسبب العقوبات الدولية. ورأى أن الزيادة فى مخزون النفط الايرانى غير مرتبط بهذه العقوبات. وقال ان "العالم يحتاج للنفط الايرانى وفى الوقت الراهن لا إتجاه خاصاً أو غير عادى فى صادرات البلاد النفطية". ولقد نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن ستيوارت ليفى وكيل وزارة النقل الاميركية، قوله أنه يتعين على كُل الحكومات زيادة يقظتها إزاء التعامل مع قطاع الملاحة الايرانى. وأضاف إن الاساليب الايرانية للتملص من العقوبات تتضمن إعادة طلاء إو إعادة تسمية السفن وتزوير وثائق الشحن وإعطاء ملكية السفن إلى شركات واجهة خارج ايران. وأشار إلى انه فى أحدث خطوة لها لمواجهة ذلك حددت واشنطن ثلاث شركات ملاحية تتخذ مالطا مقراً وتملكها بشكل مباشر أو غير مباشر شركة الخطوط الملاحية الايرانية الوطنية. وقال ليفى:"علينا أن نعيد مضاعفة يقظتنا إزاء خطوطهم الملاحية الداخلية ومحاولة إستخدام شاحنين ووكلاء شحن من أجل الشحنات غير القانونية". وتقول المصادر الرسمية الفنزويلية إن فنزويلا ترسل إلى إيران نحو 20 ألف برميل مِن البنزين يومياً, مما يسد بعض حاجة طهران لهذه السلعة الحيوية. الجدير بالذكر، إن العقوبات الجديدة قد سلطت الضوء على علاقات طهران مع كاراكاس التى تتزايد أهمية . ملحوظة يتعين علينا، بصدد العلاقة الفنزويلية/الايرانية، أن نوضح موقفنا الفكرى من التأسيس لهذه العلاقات المتسمة بالتوافق والتضحية "الظاهرية" أحياناً، بالتآخى ما بين الثورة البوليفارية التشافيزية والثورة الايرانية، وهى من الامور التى لم يتم تسويقها إعلامياً فقط، وإنما سادت فى خطاب بعض تيارات اليسار، التى عادة ما ترحب بكُل إنقلاب، أو ثورة، أو إنتفاضة، وربما عنف وإرهاب ونهب، تحت بند: التطور الجدلى للتاريخ والمجتمعات!! فكان من الطبيعى، بلا وعى، ذلك الترحيب، غير العِلمى، بتأييد مؤسسة الحكم فى فنزويلا للانتخابات الرئاسية الايرانية، والتى شهدت قمع حركة ثورية جماهيرية ضد مؤسسة الحكم الاسلامى فى إيران. فأولاً وقبل كُل شىء، النظام الايرانى القائم ليس نظاماً ثورياً كما يتم تسويقه. لأن الثورة التى إنتصرت سنة 1979،كانت ثورة جماهيرية بالمعنى الحقيقى، إذ شهدت مشاركة جميع فئات الشعب من عمال إلى فلاحين وشباب وجنود ونساء، وجميع الأتجاهات من أجل إيقاف نزيف نهب الثروة القومية، والذى قام بالدور المحورى فى هذه الثورة هم عمال النفط حيث قام ملايين العمال بتنظيم أنفسهم على هيئة لجان المصانع والمعامل وأعلنوا فرض سيطرتهم على تلك المصانع والمعامل، فى الوقت نفسه الذى قام فيه ملايين الفلاحين بالدخول إلى أراضى كبار ملاك الاراضى وإعلان سيطرتهم عليها كذلك، والطلاب أيضا قاموا بفرض سيطرتهم على مدارسهم وجامعاتهم وعملوا على تسييرها بشكل ديمقراطى وأنهوا نظام التعيين الذى كان سائداً فيها، والجنود بدورهم شيدوا (مجالسهم) وبدءوا فى تطهير الجيش من الضباط الموالين للنظام النهبوى السابق. وتمكن الشعب الايرانى كُله من إسقاط الديكتاتورية. بيد أن الملاحظة واجبة بأن تدعيم أسس النظام القائم حالياً فى إيران، لم يتحقق ما بين سنوات 1979 و1983، إلا على قاعدة السحق الفعلى لهذه الثورة من جانب التيار الدينى الاسلامى الاصولى ورجالاته (على الرغم من التطور الذى لحق لغة ومضمون الخطاب الدينى الشيعى) وخلال سنوات معدودة باتت الثورة ومنجزاتها هباءً منثوراً. فقد تم إعادة الارض إلى كبار الملاك، وتم طرد الفلاحين منها، والذين يبق وأن أعلنوا بسط سلطانهم عليها. وكذلك تم القضاء على مجالس المصانع والمعامل وحلت محلها المجالس الاسلامية، وتم قمع العمال وحرمت الطبقة بأكملها من جميع الحقوق، بما فيها طبعاً الحق فى التنظيم والاضراب. وتم فرض تفسير محدد للاسلام على جميع المواطنين، فوضعت أشد القيود على النساء، وخلق مناخ من القمع الايديولوجى للاغلبية الساحقة من السكان. ويمكننا القول بأن إستيلاء رجال الدين الاسلاميين الاصوليين على ثورة العمال وباقى فئات الشعب وقمعها، لم يكن ممكناً إلا بسبب السياسات الخاطئة التى نهجتها المنظمات اليسارية ذاتها، التى إعتقدت فى إمكانية تشكيل جبهة متحدة مع رجال الدين الاسلاميين(كقوة إجتماعية) الذين كان يترأسهم أية الله الخمينى. وقد دفعت التيارات اليسارية على ما أظن ثمن أخطائها. وهكذا تمكنت الجمهورية الاسلامية، خلال سنوات معدودة من القمع الهمجى ضد اليسار، بل وباقى الفصائل الوطنية التنويرية من تدعيم أركانها والاستيلاء على ما كانت فى البداية ثورة عمالية شعبية معادية للدكتاتورية وهيمنة الامبريالية ورأس المال على السلطة. ولكى يتمكن النظام المتأسلم من بسط نفوذه على الشعب قام رجال الدين برفع شعارات معاداة الامبريالية، وإستخدام نفس لغة اليسار تقريباً، ويستعمل الرئيس أحمدى نجاد مثله مثل رجال الدين، لغة معادية للامبريالية فى محاولة لكسب التأييد من جانب الجماهير، مع المزيد من السحق اليومى للعمال وباقى فئات الشعب. الشراكة مع روسيا وفى 18/10/2009 يعلن تشافيز ان إيران وروسيا تساعدان فنزويلا فى البحث عن اليورانيوم، مؤكداً ان بلاده لن تستخدم الطاقة النووية إلا فى الاغراض السلمية. وصرح فى مدينة كوشامبا بوسط بوليفيا أثناء قمة لرؤساء أمريكا اللاتينية:" اننا نعمل مع عدة دول ومع إيران ومع روسيا، ونحن مسئولون عما نفعل لأننا أحرار لا وصاية علينا من أحد . . . . .إن ما نقترحه هو التخلص من القنابل النووية وفنزويلا لن تصنع ابداً قنبلة نووية". متسائلاً:"لماذا لا يتم الضغط على حكومات فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا للتخلص من قنابلهم النووية؟" وفى 25/8/2010 وقع رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين مع الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز فى إطار زيارته إلى كاراكاس، سلسلة إتفاقيات فى مجالات حيوية عديدة، كالدفاع والطاقة ومكافحة الارهاب، كما وأن إتفقا على دراسة إمكانية دخول فنزويلا فى مجال السباق الفضائى، ونقلت وكالة "نوفوستى" الروسية عن بوتين قوله:"سنقوم بتعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب". والمقصود بذلك تعزيز التفاعل بين الاجهزة الخاصة وقوات حفظ النظام فى البلدين. ورداً على سؤال طرحه صحافى فنزويلى قال بوتين: "إن روسيا لم تحصل أبدا على معلومات تفيد أن فنزويلا تدعم الارهاب". وبعد يوم طويل وشاق، كما أفادت وسائل الاعلام المختلفة، من المحادثات فى القصر الرئاسى الفنزويلى، وقع تشافيز وبوتين نحو ثلاثين إتفاقاً أهمهم ينص على: تأسيس شركة مختلطة للتنقيب عن النفط والغاز فى فنزويلا. وهذه الشركة التى ستملك فنزويلا 60% منها وكونسورتيوم روسى 40%، تأمل إنتاج حتى 450 ألف برميل من النفط يومياً فى (الحقل 6 فى حوض أورينكو) الغنى بالاحتياطيات النفطية فى شرق فنزويلا. ورصد بوتين 600 مليون دولار كأول دفعة من إجمالى مليار دولار فى إطار التنقيب فى هذا الحقل. ومن المفترض أن تستثمر الشركة المختلطة فى حقول أخرى فى المنطقة نفسها. أما الاتفاقات الاخرى فشملت بناء ناقلات نفط وتزويد بالطائرات لتجديد الاسطول الجوى لفنزويلا ودول اخرى فى أمريكا اللاتينية. وأعلن تشافيز بإبتهاج أن فنزويلا دخلت فى السباق إلى الفضاء بدون أن يضيف مزيداً من التفاصيل فى مؤتمر عُقد عقب حفل توقيع الاتفاقات. ولقد قابل الاعلان عن المشروع الفضائى فى فنزويلا، ردٌ ساخر، وغير مؤدب كعادة الحوار ما بين كاراكاس وواشنطن، مِن قبل المتحدث بإسم وزارة الخارجية فى الولايات المتحدة، إذ قال فيليب كراولى إنه:"يتعين على حكومة تشافيز ربما أن يكون لديها أولويات أرضية أكثر منها فضائية ". وأياً ما كان من أمر، فإنه يمكن القول بأن فنزويلا، على هذا النحو، صارت شريكاً أساسياً لروسيا فى أمريكا اللاتينية التى كانت سابقاً منطقة نفوذ للولايات المتحدة الامريكية، وحيث تسعى موسكو لتعزيز وجودها السياسى والاقتصادى فى القارة اللاتينية. وأكد تشافيز أيضاً أن كاراكاس مستعدة للبدء بإعداد أول مشروع لبناء محطة نووية، مؤكداً أنه بحث المسألة مع بوتين. وكان قد أعلن عشية ذلك: "لن نصنع القنبلة الذرية لكننا سنطور الطاقة النووية لغايات سلمية. علينا أن نحضر لمرحلة ما بعد البترول".وبعد المؤتمر الصحفى المشترك إنضم إلى الرئيسين، الرئيس البوليفى إيفو موراليس، الحليف المقرَب مِن تشافيز فى القصر الرئاسى حيث تباحث بدوره مع بوتين، وبصفة خاصة بشأن قرض بقيمة مائة مليون دولار طلبته "لاباز" لشراء معدات عسكرية من روسيا. وفى إطار تلك الزيارة التى قام بها بوتين تسلمت كاراكاس شحنة مِن أربع مروحيات روسية. ولقد نُقلت المروحيات الاربع مِن طراز "مى- 17" التى يُمكن أن تُستخدم أيضاً كمروحيات مُقاتلة، على متن طائرة شحن جوى من طراز "أنتونوف". تدعيم العلاقات مع سوريا كما وأن قام تشافيز فى 4/9/2009 بتوقيع عدة إتفاقيات ومذكرات تفاهم مع سوريا، وهى من البلدان المغضوب عليها من واشنطن، لتعزيز التعاون المشترك بين كاراكاس وبين دمشق فى عدد من المجالات منها الاقتصادية والزراعية وذلك خلال الزيارة التى قام بها تشافيز إلى دمشق، وذكرت وكالة الانباء السورية"سانا" أن الاتفاقيات الموقعة بين دمشق وكاراكاس تضمنت مذكرتى تفاهم حول التعاون فى عدة مجالات منها الزراعة والرى, وإتفاقاً حول التعاون التجارى والاقتصادى, وإتفاقية حول إلغاء بعض الشروط بشأن جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية, وإتفاقية تعاون فى مجال حماية البيئة, وإتفاق إطارى للتعاون بين البلدين الاحداث الجارية فى سوريا ذكرت وسائل الاعلام المختلفة أن الرئيس الفنزويلى تشافيز ذو التوجهات اليسارية أعرب عن دعمه الكامل للرئيس السورى بشار الاسد فى الازمة التى تتعرض لها سوريا حالياً. وقال تشافيز على موقع تويتر للتواصل الاجتماعى بشبكة الانترنت تعقيباً على الاحداث الملتهبة فى سوريا:"سوريا ضحية هجوم فاشى، وليساعد الله سوريا". كما صرح شافيز بوجود مؤامرة حيكت ضد الرئيس السورى الذى وصفه بأنه"مناضل صاحب نزعة إنسانية". وإتهم تشافيز كالعادة الولايات المتحدة بأنها تقوم بإدخال الارهابيين إلى سوريا وتدعيمهم من أجل الاطاحة برئيس دولة يعرف تماماً مصلحة شعبه ويسعى إلى تحقيقها ويبغض الوجود الامريكى الاستعمارى فى المنطقة العربية من أجل بسط هيمنتها على العالم العربى من الخليج إلى المحيط من أجل النفط العربى. الاحداث الجارية فى ليبيا وبصدد الاحداث الدموية فى ليبيا؛ ففى 20/3/2011، وبعد أن شنت خمس دول (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا) الحرب على ليبيا، ذكرت وكالة (بى بى سى) أن الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز قال :" أن العمل العسكرى ضد ليبيا من قبل رجال الحرب من الغرب يهدف إلى السيطرة على إحتياطى النفط لذلك البلد"، وفى برنامجه الشهير(ألو يا ريس) قال تشافيز :" إن رجال الحرب يريدون السيطرة على نفط ليبيا، ولا يعنيهم إطلاقاً حياة الشعب الليبى". الاحداث الجارية فى مصر أما بشأن الثورة فى مصر، وفى 30 يناير2011 أعلنت "رويترز" أن الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز إتهم الولايات المتحدة بأنها لعبت دورا "مشينا" فى الازمة المصرية، فلقد قامت بعقد تحالفات مع الانظمة الديكتاتورية التابعة لها حول العالم بدعمها ثم التخلى عنهم بعد أن رأت أن دور هذه الانظمة قد إنتهى تاريخياً. ولذلك أعلن سخريته من الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين والذى، وعلى الرغم من إخلاصه لواشنطن، لم يستطع الحصول على تأشيرة للهروب إلى الولايات المتحدة التى خدمها طول فترة حكمه. كما ذكرت "رويترز" أن تشافيز قد أعلن إنه تحدث مع الزعيم الليبى معمر القذافى والرئيس السورى بشار الاسد للإطلاع على الاحتجاجات التى تحدث فى مصر وفى مناطق أخرى بالعالم العربى. وأضاف تشافيز قوله: "فى مصر الوضع معقد...الان ترى تعليقات من واشنطن وبعض الدول الغربية. كما قال الرئيس القذافى إنه أمر مشين يجعلك تشعر بالغثيان أن ترى تدخل الولايات المتحدة بغرض السيطرة على ثروات الشعوب."وقد كان من الواضح مدى حرص تشافيز منذ إندلاع ثورة 25 يناير فى مصر، وحتى كتابة تلك السطور على أن لا يدلى بتصريحات أكثر من كون الامر فى مصر معقد. الادانة العلنية للرأسمالية المتوحشة وإستكمالاً للصورة العامة لنظام تشافيز نرجع إلى بدايات حكمه ونرصد إعلانه فى 16/8/2002 فى كلمته أمام مؤتمر الاغذية والزراعة التابع للامم المتحدة، والمنعقد فى روما، إدانته"للرأسمالية المتوحشة وغير الأخلاقية" قائلاً:" إن جذور الفقر والجوع وتلوث المياه، تمثل النموذج المفروض على العالم". وقد سبق لتشافيز وأن لوح بالتحلل من المعاهدات الدولية التى أبرمتها فنزويلا، وعدم إلتزام فنزويلا بنصوص المعاهدات إلا بقدر إلتزام الدول الاخرى، إذ صرح فى 12/8/2002 أمام ممثلى صناعة الملابس فى فنزويلا بأن :"حماية الانتاج الوطنى أهم من الاتفاقيات الدولية، وإن فنزويلا لم تعد ملتزمة بنصوص إتفاقية الجات إلا بالشروط الجديدة" الاصلاحات الداخلية أضف إلى ذلك قيامه داخلياً بفرض المرسوم رقم 43/2001 والذى يقضى بنزع ملكية الاراضى غير المنتجة(بعد أن سيطر 2% على 60% من الارض كما ذكرنا) متهماً، يوم 15/2/2003 فى خطابه إلى إتحاد المزارعين ومربى الماشية، الطبقة الاقطاعية معتبرها شريكاً أساسياً فى الثورة المضادة، التى تقودها الطبقات البورجوازية والمتساقطين من القيادات العمالية(فى قطاع النفط)مصرحاً بأنه:"قرر إدخال تغييراً جذرياً شاملاً على النموذج الاجتماعى والاقتصادى فى البلاد، مع إعطاء الانتاج الوطنى الاولوية وخصوصاً قطاع الزراعة" الامر الذى أعلن معه أنه سيقوم بتوزيع مليون هكتار من الاراضى المهملة". ولقد سبق لتشافيز فى حملته الانتخابة أن وعد، بإعادة توزيع ثروة البلاد النفطية لمصلحة المسحوقين، وانه لن يتهاون مع جنرالات النفط، وسيتصدى لهم بقيامه بتغيير إدارة الشركة الوطنية للنفط (بتروفن) أو بتروليوس دى فنزويلا التى أصبحت خلال تاريخها "دولة داخل الدولة" فتحكمت فيها اللوبيات المالية، وأصبحت مصدر ثراء لقلة قليلة من المديرين وأرباب العمل بل والعمال الذين يحاولون الدفاع بإستماتة عن المكاسب الاجتماعية التى تحققت على الصعيد الطبقى، إذ نشأت (البتروليتاريا) كطبقة محدودة، وظهرت شرائحها العليا كفئات ذات إمتياز نسبى، على حين، كما سنرى بالتفصيل، كانت الازمة الزراعية تبدو عبر الافقار المتواصل للفلاحين، وتعميق الانفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة. ومع إعلان تشافيز عن إصلاحاته بدأ السخط والتذمر يظهر فى أوساط كبار المسؤولين الاداريين للشركة والفنيين العاملين بها من جراء تنامى الدلائل على إعتزام تشافيز إستخدام جزءً من رأسمال الشركة فى تمويل برامجه الاصلاحية ذات الطابع الاجتماعى. وقد أقال تشافيز العقيد بيدرو سوتو من رئاسة الشركة فى فبراير 2002 ووصلت إحتجاجات المعارضة الفنزويلية ذروتها فى الانقلاب العسكرى، كما أسلفنا، وتعيين رجل الأعمال بيدرو كارمونا رئيساً مؤقتاً للبلاد الذى دعى إلى التمرد على سياسة تشافيز. أثر ذلك فقد عين شافيز المحامى والاقتصادى والوزير السابق والامين العام لمنظمة أوبك على رودريجز، رئيساً لشركة البترول الفنزويلية منذ أبريل 2002. وفى 28/8/2010 أعلن تشافيزأن حكومته ستشترى مجموعة من المزارع الكبيرة والالاف من رؤوس الماشية من شركة بريطانية، وذلك فى إطار مسعاه لاعادة توزيع الارض الزراعية فى البلد، وجعل تشافيز من إصلاح ملكية الاراضى الزراعية جزءً محورياً فى هدفه لاعادة تشكيل فنزويلا المجتمع، وعملاً فقد سيطرت الحكومة على ملايين من الافدنة فى الاعوام الخمسة الماضية. وقال تشافيز: "سنسيطر قريباً على جميع المزارع التى تتبع منذ 1909 الشركة البريطانية أجروفلورا. لقد أعطيت الضوء الاخضر بالفعل". "وأجروفلورا" هى الفرع الفنزويلى لمجموعة "فيستى" وهى شركة لمنتجات اللحوم مملوكة لأسرة "فيستى" البريطانية ويبلع حجم مبيعاتها السنوية 770 مليون دولار (500 مليون جنيه إسترلينى) وقال تشافيز:" سندفع لهم بالطبع... ما إستثمروه هنا على مدى أكثر من قرن". وقد سيطرت فنزويلا على أربعة مزارع "لفيستى" فى 2005 وقال وزير الزراعة خوان كارلوس لويو، إن عملية الشراء الجديدة ستشمل 740 ألف فدان من الاراضى الزراعية و120 ألفاً من رؤوس الماشية. وفى 19/8/2010، وافق البرلمان الفنزويلى على تأميم شركة"سيجوروس لابريفيسورا" إحدى أكبر شركات التأمين فى البلاد والتى أغلقتها السلطات فى ديسمبر 2009، للاشتباه فى قيامها بأنشطة غير قانونية، وتوقفت الشركة عن ممارسة نشاطها منذ ذلك الحين عندما قال مسؤول إن وثائق "ذات دوافع إجرامية" عُثر عليها أثناء مداهمة لمقر الشركة، وقال تشافيز فى ذلك الوقت :"إن شركة التأمين سيجرى تأميمها". ولقد أُغلقت "لابريفيسورا" فى نفس الوقت الذى أُغلِق فيه مصرف"كونفيدرادو" المملوك لها وستة مصارف أخرى أخرى بسبب أموال لم يتم تفسير مصدرها، وأُلقى القبض على ستة أشخاص لهم صلات بتلك المصارف فى ديسمبر2009 بعضهم لهم روابط بمسؤولين رسميين، وذكرت وكالات الانباء العالمية تعليقاً على الحدث أن تشافيز صعَّد وتيرة إصلاحاته الاشتراكية وزاد أيضاً دور الحكومة فى القطاع المصرفى، وقال مراراً إنه يخوض معركة ضد "بورجوازية طفيلية" بينما يستعد لإنتخابات برلمانيـــة فى 26سبتمبر2010، ووافق البرلمان الفنزويلى فى نفس اليوم أيضاً على جزءِ من مشروع قانون إصلاح القطاع المصرفى يحظر على البنوك إمتلاك شركات إعلامية. النفط وكما سنرى بشىء من التفصيل بشأن النفط الفنزويلى والصراع على النفط على الصعيد العالمى بوجه عام، فقد أكتشف النفط فى فنزويلا عام 1917، وبدأ إستغلاله عام 1922. وتقع حقول النفط الفنزويلية فى الشمال الغربى من "مدينة النفط" مراكايبو، على شاطئ خليج فنزويلا الذى يُشكل إمتداداً لبحر الانتيل، أو البحر الكاريبى. ولقد بدأت الشركات الاميركية والبريطانية فى إستغلال النفط الفنزويلى حتى أممت الصناعات النفطية فى السبعينات من القرن الماضى، فى عهد الرئيس السابق كارلوس آندريه بيريز(1922- ). تقوم شركة بترول فنزويلا المعروفة بإسم "بتروليوس دى فنزويلا" بإستغلال حقول النفط، وهى مِن كبرى شركات النفط فى العالم وثالث أكبر شركة تُصدر النفط للولايات المتحدة الامريكية، وتقوم بعض الشركات الغربية بإستغلال النفط الفنزويلى من أبرزها: شركة إكسون موبيل (أميركية) وشركة تشيفرون (أميركية) وشركة ربسول (إسبانية). وتقدر إحتياطيات فنزويلا من النفط بـ 78 مليار برميل من النفط الخام، وتمتلك فنزويلا خامس أكبر إحتياطى للنفط فى العالم، ويُقدِر الفنيون نسبة الغاز مِن هذا الاحتياطي بنحو 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر إحتياطى للغاز على مستوى القارة اللاتينية والشمالية كذلك، ويقدر إنتاج فنزويلا اليومى بـ3.9 ملايين برميل، ويُقدَر عدد الابار النفطية المستغلة بـ20 ألف بئر و300 حقل وستة آلاف خط أنبوب نفطى، وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار، ولكى تحقق 162 مليار دولار مع حلول عام 2008. وتقوم سياسة هوجو تشافيز النفطية على ضرورة إلتزام فنزويلا بنظم الانتاج المطبقة على الدول الاعضاء فى منظمة الاوبك من أجل الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة للمنتجين والمستهلكين. وقد أكدت شركة النفط الفنزويلية الحكومية على موقعها الالكترونى أن مبيعاتها وأرباحها من تسويق النفط إرتفعت عام2008 مقارنة بالعام 2007 وعزت هذا الارتفاع إلى إنتعاش أسعار الذهب الاسود. وقالت"بتروليوس دى فنزويلا" فى تقرير سنوى أصدرته(2009) إنها كسبت فى العام الماضى 9.4 مليار دولار بزيادة 50% عن العام السابق. وكشفت فى هذا التقرير أنها باعت العام الماضى(2008) أيضا نفطاً بقيمة 126 مليار دولار بزيادة 31.3% عن 2007. وقالت الشركة إن هذه البيانات تُبرهن على صلابة وضعها المالى. وأضافت أن النتائج التى حققتها العام الماضى تؤكد أنها دعامة أساسية لإرساء الاشتراكية فى فنزويلا وأنها من أكبر الشركات فى العالم. ووفقاً للارقام التى وردت فى تقرير بتروليوس دى فنزويلا لعام 2009 فقد بلغ الانتاج اليومى لفنزويلا من النفط الخام ثلاثة 3.2 ملايين برميل. وبإدخال الغاز المسال فى الاعتبار يُمكن القول بوصول الانتاج اليومى إلى أكثر من 3.4 ملايين برميل حسب التقرير نفسه. ولكن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تُقدِر إنتاج فنزويلا اليومى من النفط بـ2.1 برميل. وفارق المليون برميل تقريباً هذا بين ما أعلنته شركة بتروفن، وبين ما تُقدِره الاوبك، لا يُثير الدهشة على الاطلاق فى ضوء التضخم الرقمى الهائل والاحصائيات والتقارير المتخبطة والمتضاربة، للحد الذى لا تدرى معه تلك الاحصائيات والتقارير ما الذى تبحث عنه بالضبط، كما ذكرنا، ولذا تكون الارقام دوماً بتقديرى مؤشر يدل على الحالة أو الوضع وتقريبه نسبياً دون أن يتجاوز ذلك إلى التأكيد. السلطة والزيت أمران كانا من الاهداف الرئيسية التى وضعها تشافيز عقب إمساكه بزمام السلطة، أولهما: العمل على رفع أثمان النفط، وثانيهما: تفعيل دور "الاوبك" الذى صارت منظمة شائخة وعاجزة. وفى سبيل تحقيق الهدف الاول وهو المتعلق بالعمل على رفع أثمان النفط، قام تشافيز بإرسال على رودريجيز وزير الطاقة والتعدين(والذى سيتولى قيادة بتروفن فيما بعد) إلى كل من: المملكة العربية السعودية، والمكسيك، على الرغم من أن الاخيرة ليست عضواً بمنظمة الدول المنتجة"أوبك" إلا أنها تحتل موقعاً هاماً فى حجم التجارة العالمية.وتركزت مهمة "رودريجيز" فى: محاولة إقناع الدولتين وبصفة خاصة المملكة السعودية، أكبر منتج على الصعيد العالمى، بتخفيض مستوى الانتاج، على نحو يسمح لفنزويلا بالرجوع إلى سقف الانتاج الذى حددته لها "أوبك" والبالغ 2,72 مليون برميل يومياً، وبالفعل أتت مفاوضات رودريجيز ثمارها وتم الاتفاق على قيام الدولتين، السعودية والمكسيك، بخفض الإنتاج، وهو الأمر الذى إستتبع قيام باقى الدول الاعضاء بالالتزام بالحصص المقررة. ولم يمر وقت طويل حتى تمكنت فنزويلا من تحقيق التقدم الملحوظ جداً فى الايرادات القومية، ففى مارس 2000، حقق النفط الفنزويلى عائداً لم يتحقق منذ تسع سنوات، فقد بلغ نحو 35 مليار دولار، جنت البلاد من هذا الارتفاع فى الاثمان مردوداً إيجابياً بلغ نحو 5 مليار دولار، وإرتفعت الصادرات بنسبة 33% لتصل إلى 16 مليار دولار، وقد ساعدت تلك الزيادة فى ثمن النفط على التخفيف من وطأة بعض المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، فبعد أن تقلص حجم الاقتصاد الفنزويلى بنسبة 7,2% فى عام 1999؛ أخذت مؤشرات النمو فى الارتفاع مع السنة التالية 2000، فقد حقق الاقتصاد نمواً بلغ 1,5% بحلول منتصف ذلك العام لترتفع هذه النسبة إلى 3,2% مع نهاية العام، كما تراجع معدل التضخم ليصل إلى 14,2% وهو أدنى مستوى له منذ خمس سنوات. وبالنسبة للهدف الثانى من أهداف تشافيز وهو المعنى ببث الحياة فى منظمة الدول المنتجة"أوبك"، وتفعيل دورها، أخذ تشافيز على عاتقه مهمة الدعوة الشخصية لملوك وأمراء ورؤساء الدول المنتجة، وكان الرئيس الراحل صدام حسين ضمن قائمة الشخصيات المتعين دعوتها، إذ لا يمكن تجاهل أحد الأعضاء المؤسسين، على الأقل من وجهة نظر تشافيز، وقد كانت تلك الدعوة مدعاة لسخط واشنطن بلا شك، فإن زيارة العراق، لدعوة رئيسها المغضوب عليه، إنما تعنى، كما صرح ريتشارد باوتشر المتحدث بإسم وزارة الخارجية الامريكية: تضفى صبغة الاحترام على صدام حسين الذى من الواضح أنه لا يستحقها، لقد غزا البلاد المجاورة، وإحتلها، وإضطهد شعبه وإنتهك حقوق الإنسان" وكان رد تشافيز جاهزاً على هذا التصريح، إذ قال:" إننى أعلم ما سيقوله المراؤون عندما يروننى مع صدام حسين". فى الوقت نفسه التى أشعلت الولايات المتحدة الحرب الكلامية ضد تشافيز وزيارته للعراق وتوجيه الدعوة لرئيسها، كان نفس سبب تلك الحرب، هو الذى أضاف إلى رصيده لدى الجماهير فى فنزويلا، بل وخارجها، وبدت الولايات المتحدة نفسها كدولة ديكتاتورية، ودار النقاش حينئذ على الزاوية التى تنظر من خلالها الولايات المتحدة إلى أعدائها، كما تراهم هى كأعداء، وباتت المقارنات على أشدها بداخل فنزويلا وخارجها، فلطالما حافظت الولايات المتحدة على علاقات ودية مع أنظمة ديكتاتورية وعسكرية وشيوعية، متى وجدت أن ذلك يتلاءم مع مصالحها بغض النظر عن مصالح الشعوب المقهورة غالباً، حتى إنها ساعدت على بناء وتدعيم بعض أكثر الأنظمة وحشية فى أمريكا اللاتينية طوال القرن العشرين، ولقد كانت الولايات المتحدة حليفة لصدام حسين فى ثمانينات القرن العشرين عندما زاره رامسفيلد، وفى ثمانينات ذلك القرن كذلك، كان أسامة بن لادن أحد الحلفاء القريبين من واشنطن، إلا إنها قلبت التحالف إلى عداء وفقاً للمصلحة السياسية أيا ما كانت الإعتبارات والتوازنات. وكما ذكرنا فقد إستخدم تشافيز فى رحلته من طهران إلى "المنذرية" على الحدود الإيرانية العراقية، طوافتين لم تتدخلا السماء العراقية، إذ هبطا على الحدود، كى يتجنب خرق الحظر الدولى، وإستقل سيارة دخل بها الاراضى العراقية، وبداخل الاراضى العراقية إنتقل بواسطة طوافة إلى مطار صدام الدولى فى بغداد حيث إلتقى صدام حسين، ويحكى بارت جونز بعض ردود أفعال تلك الزيارة، بقوله:".....فرش العراقيون السجاد الأحمر لتشافيز وعملوا على الإستفادة السياسية من هذا الخرق للحظر إلى أقصى حد، وجاء فى عنوان رئيسى تصدر إحدى الصحف العراقية التى تصدرها الدولة"أهلاً بالرئيس تشافيز" وكرست صحيفة قومية أخرى نصف صفحة لمدح القرار الشجاع الذى إتخذه تشافيز بزيارة العراق. أضافت الصحيفة بأن"الرئيس الفنزويلى يتحدى العقوبات ويقرر زيارة العراق حتى وإن إضطر إلى إمتطاء جمل" حتى إن صدام حسين نفسه إصطحب تشافيز فى جولة فى أنحاء المدينة، وترددت أصداء الصورة الفوتوغرافية لصدام وهو خلف مقود السيارة وبجانبه تشافيز فى مختلف الصحف العالمية"(6) فى المحطة التالية من الرحلة المكوكية من أجل بعث "أوبك" من مرقدها؛ هبطت الطائرة الرئاسية فى جاكرتا، من أجل دعوة الرئيس الاندونيسى عبد الرحمن وحيد والذى أعلن هو الاخر، تأثراً بضيفه، انه يخطط جدياً لزيارة العراق. وعلى الرغم من الجدل الذى أثير حول زيارة العراق، رأى العديد من المحللين فى جولة تشافيز نجاحاً سياسياً هائلاً؛ فلقد زار عشر دول فى عشرة أيام، إذ قام بزيارة كل من: إيران، والعراق، والسعودية، والامارات العربية، والكويت، وقطر، وأندونيسيا، وليبيا، والجزائر، ونيجريا، وبالفعل نجح تشافيز فى إقناع الجميع بأهمية عقد القمة، وليس عقدها فقط، وإنما عقدها فى العاصمة كاراكاس فى الفترة من 27 حتى 29 سبتمبر عام 2000، وهو ما حدث فعلاً إذ توافد الملوك والامراء والرؤساء وومثلوا الدول على العاصمة الفنزويلية كى يحضروا أول مؤتمر قمة تعقده "أوبك" منذ 1975، أى منذ خمس وعشرين عاماً. ولعله من المناسب فى هذا الموضع، من رصدنا للاحداث وكيفية تعامل مؤسسة الحكم معها، أن نرصد دفع تشافيزبجزءٍ كبير من الجيش، البالغ طاقته الفعليه4,776,849 وفقاً لأرقام 2002 كى يُسهم فى إصلاح المستشفيات والطرق والمدارس، كذلك قيامه بتنظيم المجتمع فيما يسمى بالدوائر البوليفارية(11 شخص فى كل خلية) بهدف توحيد الشعب الفنزويلى ودفعه للمشاركة فى الحياة السياسية، مع إنشاء مؤسسات للقروض الشعبية، بالاضافة إلى قيامه بتخصيص 80 كيلومتر من الساحل الفنزويلى للصيادين التقليديين، مع إعادة النظر فى مسألة الاستغلال الاستنزافى الذى كان يُمَارس من قِبل أصحاب السفن الحديثة؛ على نحو أدى إلى المزيد من الافقار للصيادين (الفقراء). التأميم أما عن التأميم الذى كان مطلباً ملحاً، فقد أعلن تشافيز فى 4/4/2008 تأميماً فورياً وشاملاً لقطاع صناعة الاسمنت، مؤكداً دفع تعويضات للشركات الاجنبية وأهمها شركة "سيميكس" المكسيكية والفرنسية "لافارج". وأوضح شافيز الذى أمم عام 2007 قطاعى الطاقة والاتصالات وهدد، وفعل، بإمتداد عمليات التأميم إلى قطاعات البنوك والاسمنت والحديد، "ان هذا القرارإستراتيجى". وإتهم مراراً شركات الأسمنت العاملة فى فنزويلا بتصدير هذه المادة دون الاهتمام بتأمين حاجة فنزويلا، وأطلق تحذيرات بإجراءات ضد شركة"سيميكس"التى إتهمها السكان بتلويث البيئة. تأتى هذه الخطوة بعدما أخضع شافيز جميع حقول النفط لسيطرة الحكومة وأبعد شركتى "موبيل أويل" و"كونوكو فيليبس" عن العمل فى فنزويلا. تأميم الحديد والصلب كما أعلن فى 22/5/2009 تأميم عدة شركات للحديد والصلب، وقد أعلن من قِبل فى 10/4/2008 تأميم شركة "تيرنيوم سيدور" أكبر شركة لصناعة الصلب فى فنزويلا، ويبلغ رأسمالها المدرج فى بورصة نيويورك 7.7 مليارات دولار، ومركز عملياتها الرئيسى فى المكسيك وفنزويلا والارجنتين. وتبلغ مبيعاتها السنوية 10 مليارات دولار، بينما تبلغ حصة مبيعاتها السنوية فى فنزويلا 2.4 مليار دولار، حسب تصريحات ريكاردو بروسبيرى. مدير فرع فنزويلا "تيرنيوم سيدور" . وقال تشافيز فى خطاب بثه التلفزيون الرسمى:" إن عملية التأميم الجديدة لا تحتمل أى نقاش بشأنها" وأشار إلى أن فنزويلا بدأت تسير منذ وقت طويل فى طريق التأميم والاشتراكية. وأمر فى هذا الخطاب، الذى ألقاه أمام عمال المصانع فى ولاية "بوليفار" الواقعة فى جنوب البلاد، بالشروع فى عملية التأميم التى ستشمل خمس شركات للحديد والصلب, إثنتان منها ممولة كلياً أو جزئياً من قبل مجموعات أميركية ويابانية. وتُنتِج الشركات المؤممة أنابيب الصلب وقوالب الحديد, وتتركز فى ولاية "بوليفار". وقال تشافيز إن هذه الخطوة تأتى فى إطار خطة قومية شاملة من أجل إقامة مجمع صناعى إشتراكى واحد فى البلاد. تأميم شامل فى الوقت نفسه أعلن تشافيز تأميم شركة "سيراميكاس كارابوبو" لصناعة السيراميك. وكان شافيز قد أمم مطلع 2009 نحو 60 شركة للخدمات النفطية بينها شركة مملوكة لمجموعات أجنبية. وحسب قول تشافيز فإن "العمال الفنزويليين بصدد تقديم درس للعالم عن كيفية نهوض الطبقة العاملة لصنع الثورة". وقبل هذا، شملت عمليات التأميم منذ 2007 شركات أجنبية أو ذات مساهمة أجنبية فى قطاعات مثل الاتصالات والكهرباء والاسمنت إضافة إلى المصارف. كما شملت عمليات السيطرة الحكومية مصانع أغذية لم تلتزم بالسياسات التى قررتها الحكومة بصدد أثمان بعض السلع الاساسية. وفى 4/6/2009 أعلن تشافيز أن حكومته بصدد تأميم عشرات من وحدات ضغط الغاز إستكمالاً لعملية تأميم واسعة إستهدفت معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية ، وعلى رأسها قطاع النفط. وقال تشافيز فى تصريحات أذاعها التلفزيون الفنزويلى إن حكومته شرعت فى السيطرة على سبعين وحدة لضغط الغاز فى 14 محطة فى عدة مناطق فى البلاد بما فى ذلك ماراكيبو وأورينوكو. وأضاف: "نواصل التقدم مستعدين للسيطرة على الممتلكات والادارة فى جميع هذه المحطات ووحدات الضغط، لا أحد سيوقفنا فى هذا".... لدينا جدولاً زمنياً للسيطرة على محطات الانتاج فى حزام أورينوكو". ولم يقدم تشافيز تفاصيل عن الشركات التى ستسيطر عليها الحكومة. وفى بدايات عام 2009 كثف تشافيز حملة التأميم التى بدأها قبل عامين فى فنزويلا بالسيطرة على شركات الخدمات النفطية بما فى ذلك شركة "وليامز" الاميركية. وفى 2/7/2010إنتقلت إلى الحكومة الفنزويلية رسمياً ملكية 11 منصة نفطية كانت تابعة لشركة "هلميريتش آند باين" الأميركية. وكان وزير النفط رفائيل راميريز قد صرح بأن بلاده ستؤمم الحفارات بعد نزاع إستمر عاماً حول مدفوعات معلقة من شركة النفط الوطنية الفنزويلية. وذكر راميريز أن الحكومة ستدفع لشركة "هلميريتش" القيمة الدفترية للمعدات التى صادرتها الحكومة وستتفق معها على سعر محدد خلال محادثات ستجريها معها. وإستكمالاً لخطة تأميم المصارف، وفى 18/12/2009 فقد أقر وزير الاقتصاد الفنزويلى دمج أربعة مصارف لإنشاء مصرف عمومى واحد، وذكرت جريدة جازيت الفنزويلية على موقعها الالكترونى أن السلطات أطلقت على البنك الجديد إسم بيسنتناريو وأضافت أنه سينشأ من دمج أربعة مصارف هى بنفوانديس، وكونفيديرادو، وبوليفار بنكو، وسنترال بنكو. وأشارت ذات الجريدة إلى أن ثلاثة من المصارف الاربعة سبق وأن أغلقتها الحكومة بتهمة إقتراف تجاوزات فيما يتعلق بمصادر تمويلها والارباح المحققة على رؤوس أموالها, ومن ثم جرى تأميمها، كما وأن أغلقت الحكومة الفنزويلية ثمانية مصارف صغيرة ومتوسطة. وقامت بتصفية إثنين من تلك المصارف وتأميم أربعة مصارف أخرى. وفى الوقت الحالى تسيطر الحكومة على 25% من القطاع المصرفى. طرد السفير الاسرائيلى من كاراكاس ولعل أشهر ما سمع به العالم العربى وتأثر به تأثراً شديداً هو ما قد تناقلته وكالات الانباء العالمية فى يوم 6/1/2009 عن قيام الحكومة الفنزويلية بطرد السفير الاسرائيلى فى كاراكاس، وذلك احتجاجاً على الهجوم الاسرائيلى على قطاع غزة وتضامناً مع الشعب الفلسطينى، وفقاً لبيان الخارجية الفنزويلية. إذ جاء فى البيان، "ان الحكومة قررت طرد السفير الاسرائيلى وجميع العاملين فى السفارة رداً على الهجوم العسكرى الاسرائيلى على قطاع غزة". وإتهمت فنزويلا إسرائيل بخرق القانون الدولى ووصفت ما تقوم به فى غزة بأنه إرهاب دولة، وكان تشافيز قد أدان الحملة الاسرائيلية فى غزة وقال "إن قتل المدنيين جريمة ضد الانسانية ينبغى جر الرئيس الاسرائيلى إلى محكمة دولية ومعه الرئيس الاميركى، لو كان لهذا العالم ضمير حى. يقولون إن الرئيس الاسرائيلى شخص نبيل يدافع عن شعبه!! أي عالم عبثى هذا الذى نعيش فيه ؟!" مطالبة البابا بالاعتذار ولكى ننظر إلى الصورة الكبيرة، وكى نتعرف على مدى إنشغال تشافيز بقضايا أمريكا اللاتينية كَكُل؛ نرصد مطالبة تشافيز للبابا بنديكت السادس عشر بالاعتذار للهنود فى أميركا اللاتينية لتجاهله المذابح التى تلت إكتشاف كريستوفر كولومبوس القارة الأميركية عام 1492. وقال تشافيز موجهاً كلامه للبابا فى مراسم نُظمت بمناسبة حرية التعبير:"مع كُل احترامى لقداستك اعتذر لأن مذبحة حقيقية وقعت هنا وإذا كنا سننفى ذلك فإننا ننفى وجودنا ". وتعليقاً على تصريح للبابا "بنديكت" بأن الكنيسة لم تفرض نفسها على سكان أميركا الاصليين، قال تشافيز: "كيف يمكنه القول إنهم جاؤوا يبشرون بدون أن يفرضوا شيئاً فيما كانوا مسلحين ببنادق". ولقد قال البابا بنديكت فى كلمة لأساقفة من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبى فى نهاية زيارة للبرازيل:"إن التبشير بالمسيح وإنجيله لم يتضمن فى أى وقت من الاوقات أى ضغينة لثقافات ما قبل كولومبوس كما لم تفرض أى ثقافة غريبة" معتبراً أن المسيحية طهرت شعوب سكان أميركا الاصليين. ولكن تشافيز رد على كلام البابا، قائلاً:"إن المسيح جاء منذ أمد بعيد إلى أميركا. فهو لم يصل مع كريستوف كولومبوس". وأضاف:" أن البابا قال أمراً من الصعب جداً قبوله.. لذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية تفقد كُل يوم مزيداً من المؤمنين. ويبدو أن البابا قلق من إنخفاض عدد الكاثوليكيين فى أميركا اللاتينية. لكن مع تصريحاته أعتقد أنه تسبب بتفاقم الوضع".وإعتبر تشافيز أنه يشعر أنه نفسه هندى لأن الفنزويليين مزيج من الجنس الاوروبى والسكان الأصليين. ثالثاً: ردود الفعل على الصعيد الدولى وتصاعد الازمة كان من الطبيعى إذاً، إزاء تلك المواقف الثورية والراديكالية، أو على الاقل غير التقليدية التى رأيناها لتونا من قبل نظام هوجو تشافيز ونظامه السياسى، أن تُعلن هافانا على لسان وزير خارجيتها فيليبى بيريز فى 12/4/2002 يوم إنقلاب كارمونا: "إن كوبا تدين هذا الانقلاب أمام الرأى العام العالمى" وقبل ذلك بيومين وفى جويرا ميلينا الكوبية أعلن برونو رودريجيز سفير كوبا لدى الامم المتحدة:" الحقيقة إن ما يحدث فى فنزويلا هو إنقلاب، وإن مجموعة إستسلامية موالية للولايات المتحدة تقوم عبر إستخدام القوة بإغتصاب السلطة التى منحها الشعب الفنزويلى للرئيس هوجو شافيز على أمل محو عقود من الزمن من الظلم والفساد، على هدى أفكار سيمون بوليفار....". وكان من الطبيعى كذلك أن تتخذ بغداد، وطرابلس، وطهران، ودمشق، نفس الموقف الرافض بشدة للانقلاب على نظام شافيز. ولم تترك الاحزاب الشيوعية والعمالية، الفرصة فى مؤتمرها حول الوضع العالمى الجديد، الذى عقدته فى أثينا بحضور 62 دولة، فى الفترة من 21/6/2002حتى 23/6/2002، بلا أن تُعلن إدانتها تخريب النظام الشرعى والديموقراطى فى فنزويلا البوليفارية، وذلك بالإضافة إلى إدانة عزل وإزالة الحركة اليسارية المسلحة فى كولومبيا.كما أعلنت دول أمريكا اللاتينية(مجموعة ريو) إعلاناً فورياً رفضها التام لمثل هذا الانقلاب. . . . حتى الان لا نستطيع أن ندعى (منهجياً) المقدرة على تقديم إجابة وافية على أسئلتنا المثارة، بشأن الانقلاب الخائب، ومفرداته، وأطرافه الفاعلة، وإن تمكنا ولو ظاهرياً من الإقتراب أكثر من بلوغ ضفافها. فلنساير إذاً خطوتنا الفكرية الاولى التى كونتها ذهنية تنشغل، بوعى، بالتعرف على طبيعة الاوضاع والاحوال وسير الأمور فى فنزويلا فى الفترة من (2000 وحتى 2010) بالتركيز الموضوعى على الفترة من(12/4/2002 وحتى 3/2/2003) ويُمكن القول بأن الايام قد مضت بعد عودة تشافيزرئيساً شرعياً لفنزويلا ونفى كارمونا، وذلك دون أحداث تستحق الرصد ، بإستثناء بعض الاحداث المتفرقة ذات الصدى، ومنها: - الاشتباكات التى تمت بين أنصار تشافيز ورجال الشرطة؛ بعد أن قررت المحكمة العليا فى 3/8/2002تأجيل الفصل فى قضية محاكمة كبار مسئولى الجيش المتهمين فى الانقلاب. - وظهور 14 ضابط فى التليفزيون الفنزويلى يوم 23/10/2002 معلنين التمرد، فى مواجهة هوجو تشافيز، إلا أن خوزيه رانجل نائب الرئيس الذى تولى مهامه فى 28/4/2002، إستنكر تلك التصرفات، بقوله:" إن الرئيس موجود فى مكتبه يمارس عمله كالمعتاد، وان غالبية ضباط الجيش يعارضون موقف زملائهم بشدة" - والمواجهات التى حدثت كذلك بين قوات الامن وأنصار تشافيز الذين تجمعوا فى 5/11/2002 أمام المجلس النيابى الوطنى بوسط كاراكاس فى محاولة لمنع وصول، كما تردد وهو محل شك، أكثر من مليونى توقيع من أجل الاستفتاء على إقالة تشافيز. - أضف إلى ذلك: مسيرة 7/11/2002، والتى بلغ عدد المشاركين فيها 600 ألف شخص. نقول، ولتمضى الايام، حتى يأتى يوم 2/12/2002، كى يسفر التحالف الذى تم بين كارلوس أورتيجا(1941- ) زعيم إتحاد العمال الذى تأسس عام 1933، وبين كارلوس فرنانديز(1941- ) رئيس غرف التجارة والصناعة والزراعة والخدماتفيداكمراس عن واقع إعلان حالة إضراب شاملة وعنيفة فى أهم قطاع إقتصادى فى فنزويلا، قطاع البترول. عزز هذا التحالف. التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال(فى حقل صناعة النفط) وباركه: ثالوث الاعلام(أقوى الاضلاع: 5 قنوات، و12 جريدة) والمحكمة العليا (أحياناً، ونحن هنا نخالف ما هو مُعلن بكونها صارت محايدة) وثالثاً: الكنيسة الكاثوليكية(التى ينتمى إليها دينيا 96% من السكان) بإستثناء الأب أدولف روكاس، والذى عُرف عنه إلتزامه إلى جانب الفلاحين غير المالكين، وإلى جانب العمال الزراعيين، فقد إتخذ موقفاً واضحاً ومعلناً بدعمه لتشافيز، فى حملته الانتخابة فى كيبور، إذ أعلن:" إن السادة المطارنة لم يفهموا رهان هذه الثورة التى ستغير الاوضاع فى فنزويلا رأساً على عقب. أنى أشعر بكونى معنى كلياً بالمشروع الذى يقوده تشافيز سلمياً من أجل تضامن الفنزويليين وكرامتهم". وإلى تلك الاضلاع الثلاثة يمكن إضافة ألفريدو بينيه محافظ كاراكاس، وهنرى فيفاس رئيس الشرطة، والذى نزع تشافيز منهما السلطة فى 16/11/2002، وردتها إليهما المحكمة العليا فى 19/12/2002. إبتداءً من 2/12/2002 أى بداية الارتباك، تأخذ الأحوال فى الوضوح، وتبدأ الاجابات على الاسئلة المنهجية المتعلقة بالانقلاب وأطرافه، والتى فرضت نفسها فى لحظة تاريخية معينة، وإلى أن تستقر الاوضاع نسبياً فى أول فبراير2002، نتمكن أكثر من بلوغ شطآن الاجابة. يتعين هنا الوعى بإنعدام أى تعديل على نص السؤال المعنى بأطراف الصراع، إذ أن مَن قام بالانقلاب هو مَن قام بالتمرد والاضراب، ولنفس الاسباب. فإذ ما أخضعنا الفترة من 2/12/2002، بداية الأرتباك وحتى 1/2/2003 الاستقرار النسبى للرصد الواعى؛ فبإمكاننا ملاحظة عدة أحداث تسترعى الانتباه، وتؤهلنا لفحص المسألة الفنزويلية الراهنة برؤية أكثر دقة ووضوحاً: فبعد أن بدأت الامور تسير من سيىء إلى أسوأ، تدخل البيت الابيض فى 15/12/2002، وطلب فى إجتماع لمنظمة الدول الامريكية(دول الامريكتين وجزر الكاريبى) سرعة إجراء إنتخابات حسماً للاضراب، لكنه الاقتراح الذى رفضه غالبية ممثلى الدول فى المنظمة، وإنتهوا، بل إكتفوا، بعبارة:" تدعيم المؤسسات الديموقراطية". وفى 19/12/2002، حكمت المحكمة العليا، بإعادة فتح وتشغيل الشركة الوطنية للنفط. وتطبيقاً لهذا الحكم ؛ فقد قام تشافيز بنفسه، فى 23/12/2002 بقيادة حملة عسكرية لرد تمرد ناقلة البترول"بيلين ليون" مَعقل الاضراب، والتى أضرب عمالها على بعد نصف ميل غرب كاراكاس، وقام رجال البحرية بتفريغ شحنة الناقلة التى تصل إلى 280 ألف برميل. تزامن ذلك مع رد تمرد الناقلتين" كورا" و" سوزانا دوجيم". وبعد المزيد من الاشتباكات الدموية، ومع المزيد من التدخل العسكرى، والتوسع فى إستخدام وسائل القانون العام القامعة لحركة التمرد، فقد أعلنت قوى المعارضة فى 2/1/2003، عزمها على التفكير فى وقف الاضراب الذى قادته منذ 2/12/2002، والإنتقال إلى وسيلة ضغط أخرى تتمثل فى العصيان المدنى، الأمر الذى دخل حيز التنفيذ الفعلى فى 7/1/2002. وهو أيضاً الإجراء الذى تصدى له تشافيز، معلناً فى اليوم التالى من مدرسة فى أحد الاحياء الشعبية غرب العاصمة:" انهم يسعون إلى التهجم على خزينة الامة عبر القضاء على حسابات مصلحة الضرائب، ولن نسمح بذلك وسنتخذ كل الخطوات التى تفرض نفسها". ومن خلال إستخدام اللهجة التهديدية، ولغة الوعيد بإستخدام القوة العسكرية للسيطرة على المدارس والمصارف والمصانع وإغلاق القنوات التليفزيونية المعارضة، والقيام فعلياً بتجريد شرطة العاصمة من أسلحتها الثقيلة، والاستيلاء على أكبر مصنعين لإنتاج المياه المعدنية والبيرة، وعدة مصانع ومستودعات للاغذية، وفصل مئات العمال (الفنيين)من الشركة الوطنية للنفط، مع تسريح عدداً كبيراً جداً من المستخدمين فى الادارة المالية لهذه الشركة. بفضل كل ذلك، فقد تمكن تشافيز وعلى الرغم من الخسائر التى قدرت بنحو 4 مليار دولار، من إجبار المعارضة على التفاوض الذى بات مطلباً ضرورياً، بعد أن تحولت فنزويلا إلى دولة مستوردة للنفط، إذ إستوردت ولاول مرة فى تاريخها أول شحنة نفط من "بتروبراز" البرازيلية بلغ مقدارها 525 ألف برميل. التفاوض إذاً كان حتمياً بعد أن ساءت الاوضاع بشدة وأنبأت الاحوال عن حدوث أزمة محققة على جميع الاصعدة، وهو الحال الذى لن تشهده فنزويلا مرة إلا بعد مرور عدة سنوات مثلها فى ذلك مثل العديد من الدول المرتبطة بالدولار الامريكى إرتباطاً وثيقاً حينما أصابتها بدورها أزمة الرأسمالية العالمية الراهنة. بارك تلك المفاوضات، التى وكما سبق القول أصبحت ضرورة ملحة بعد أن إشتدت الازمة وأنذرت بما لا تُحمد عواقبه، كُل من الرئيس الامريكى السابق جيمى كارتر ومؤسسته، والذى تقدم بإقتراحين: إما تعديل الدستور على نحو يقلص فترة الرئاسة من ست سنوات إلى أربع سنوات، وإما الانتظار إلى شهر أغسطس من عام 2003؛ لإجراء إستفتاء طبقاً للدستور، وكذلك بارك ذلك التفاوض الأمين العام للامم المتحدة آنذاك كوفى آنان والخارجية الامريكية فى إجتماعهما يوم 12/1/2003 مع كارلوس أورتيجا، وتيموتيو زامبرانومفاوض المعارضة كما توصل إليه إجتماع(كيتو) بحضور أوريبى، وريكاردو لاجوس، ولوزادا، وتوليدو، ولولا دى سيلفا، ونينا باكارى، وزيرة الخارجية الاكوادورية، وسيزر جافيريا الامين العام لمنظمة الدول الامريكية. أثر هذا الاهتمام والتدخل الدوليين(وهو الامر غير المألوف بهذا الشكل بوجه عام) تشكلت مجموعة أصدقاء فنزويلا بتوليفتها المنطقية!! البرازيل وشيلى والجزائر، والتى تعد حليفاً نفطياً مهماً لفنزويلا والمملكة السعودية والمكسيك، إلى جوار كل من: الولايات المتحدة الامريكية والبرتغال وأسبانيا!! ومن الجدير بالذكر أن البرازيل رفضت، طبقاً لتصريح وزير خارجيتها، طلب فنزويلا بتوسيع نطاق المجموعة بإدخال (كوبا، والصين، وفرنسا، وروسيا، والدومينكان) بدعوى :" الحفاظ على التوازن الحساس". ومهما يكن من أمر؛ فقد توصل(الاصدقاء) على ما يبدو إلى حلول جيدة، ومُرضية على الصعيد العالمى!! أدت إلى إعلان المعارضة فى أول فبراير 2003 الرفع الجزئى للإضراب فى قطاعى الصناعة والتأمين، دون قطاع النفط(مكمن الازمة نفسها) ولكى تُعلِن فى 3/2/2003 رسمياً إنهاء الإضراب واللجوء تارة أخرى إلى العرائض المطالبة بإجراء إنتخابات جديدة. ولتنتهى المسألة الفنزويلية على هذا النحو، ظاهرياً، بثلاثة أمور:أولاً: توقيع إتفاق وقف العنف بين الحكومة والمعارضة، من أجل الديموقراطية والسلام فى 19/2/2003، ولكى يلقى القبض على فرنانديز مع تحديد إقامته؛ بتهمة التحريض على الجريمة والعصيان المدنى، وذلك قبل مرور24 ساعة على الاتفاق المذكور. الامر الثانى: ويتمثل فى توجيه النقد، الرسمى، الحاد فى24/2/2003، لكُلٍ من الولايات المتحدة الامريكية، وأسبانيا؛ كأصدقاء غير مخلصين!! أما الامر الثالث: فقد تبدى بإسترداد فنزويلا لطاقتها الانتاجية"النفطية"وعودتها إلى الكمية المقررة لها فى الاوبك، وذلك طبقاً لتصريح "رانجل" فى سانتايجو فى24/3/2003، وهو التصريح الذى أثبتت الايام التالية صدقه. لعل إنتظارنا حتى يوم 2/12/2002 ورصدنا لما بعده، كانا مفيدين فى سبيلنا للالمام بعناصر الاجابة على تساؤلاتنا الاولية، حول: أطراف الصراع، ودور الولايات المتحدة الامريكية والدائرين فى فلكها. وإلى هنا تنتهى خطوتنا الفكرية الاولى التى أردناها مدخلاً لفحص الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة فى فنزويلا، ومن هنا كذلك تبدأ خطوتنا الفكرية الثانية، التى تمثل إمتداداً منهجياً للخطوة الأولى، بهدف تقديم طريقة إجابة على الاسئلة المطروحة. بالتعرف ليس فقط على مسرح الاحداث ذاته، أى التعرف على شخصية فنزويلا "الدولة، والإقليم"، بل والتعرف كذلك على السلعة الدائر من أجلها الصراع المحموم. وهو ما ننشغل به فى الفصل القادم بمبحثيه.
الفصل الثالث جمهورية فنزويلا البوليفارية
المبحث الاول: الاقليم الفنزويلى (1) أرض الصراع (التاريخ، والجغرافيا، والاقتصاد) خريطة لفنزويلا توضح حدودها السياسية وموقعها الجغرافى فى قارة أمريكا اللاتينية http://resourcesforhistoryteachers.wikispaces.com/SAM.2 التاريخ الذى ننشغل به إن تعرضنا للتاريخ، وكما سبق وأوضحنا، لا يصدر بناءً على ذلك الخلط الشائع بين ما هو تاريخ، وبين ما هو تاريخى فى حقل الاقتصاد السياسى، وإننا لا نسعى لإدخال قطيعة من أى نوع، تاريخية كانت أم حضارية، كُل ما هنالك أننا ننشغل بفهم وتحليل الظاهرة الاجتماعية التى تشكلت على أرض الواقع بردها إلى الكُل الذى تنتمى إليه مباشرة إبتداءً من تبلورها فى سياق نمط الانتاج الرأسمالى وهو نمط تجاوز الخمسمائة سنة بقليل. ومن ثم فلن ننشغل، كباحثين فى الاقتصاد السياسى، بتلك الجهود النظرية التى أنفقها الباحثون كى يفسروا السكون فى الارض الفنزويلية منذ التاريخ البعيد جداً والذى إمتد بالبعض من الباحثين إلى ألف سنة قبل الميلاد. إن ما يهمنا هو دور التراكم الاولى لرأس المال فى أوروبا، والذى إستلزم التوسع فى بحار العالم ومحيطاته وقاراته من أجل الثروة. حتى حلت سفن "كولومبس" شواطىء السلفادور فى 1492. ففى القرن الخامس عشر، توجهت الرحلات البحرية فى حركة كشوف إستعمارية كانت تعنى مع كُل خطوة المزيد من الثروة والسلطة، على حين كانت تعنى الموت والخراب والابادة الجماعية على الجانب الاخر. فما أن وصلت سفن "كولومبس" شواطىء خليج باريا، إلا وبدأت حركة واسعة من الكشف على نطاق واسع جداً، وكانت فنزويلا، التى تعنى فينسيا الصغرى باللغة الأسبانية، ضمن الاقاليم التى غزاها "كولومبس" من خلال البعثات التى أرسلها تباعاً بقيادة "ألونسو دى جيدا" فى العام 1449، حتى تم تأسيس "دى سانتا آنا دى كورو" فى العام 1527 لكى تُصبح المركز الرئيسى للتوسع فى داخل فنزويلا نفسها، ونقطة إنطلاق للمزيد من فرض الكاثوليكية، كما يتردد فى بعض المراجع التاريخية، واللغة الاسبانية، والقنص البشرى والابادة الجماعية للسكان الاصليين، وبصفة خاصة فى البيرو، الذين حاولوا قدر الطاقة الحفاظ على ثقافاتهم ودياناتهم ووجودهم الاجتماعى ذاته أمام تكنولوجيا حربية مدمرة لم تكن معهودة فى ذلك الوقت من التاريخ. ولقد كانت فنزويلا، وكذا البرازيل، البلدين الوحيدين اللذين لم يتملكهما الاسبان منذ البداية؛ فقد منح "كارلوس" الخامس فنزويلا إلى مؤسسة "آل فيلزر" التجارية الالمانية، بينما نشط البرتغاليون على الأرض البرازيلية بعد سنوات طويلة نسبياً من إكتشافها.(2) قام الإستعمار الاسبانى بتقسيم فنزويلا إلى مقاطعات ولكُل مقاطعة حاكم، ويرأس حكام المقاطعات حاكم عام، وعلى أساس من إحكام القبضة الاستعمارية على الاقليم الفنزويلى، تأسس إقتصاد إستعمارى يستخرج المعادن ويُنتِج المحاصيل لصالح التاج الاسبانى فقط. وكان للتجارة، تحديداً رأس المال التجارى(ن - س - Δ-;- ن) الدور الأكبر فى التراكم، وكان الذهب والمعادن النفيسة الاخرى من أهم الدعامات التى عملت على ترسيخ دورة رأس المال التجارى فى تلك المرحلة من التاريخ الفنزويلى. وخلال القرن السادس عشر والقرن السابع عشر، لم تتوقف الحركات التحررية الرافضة للوجود الاستعمارى الاسبانى، الذى تفنن فى القمع وأساليب الاستعباد وإبادة السكان الاصليين. وظهر فى تلك الفترة ثوار عظام مثل بوليفار، وفرانسيسكو ميرندا، ورودريجيز، وكارينو، حتى تمكن الشعب الفنزويلى بقيادة هؤلاء الثوار، بعد حروب طاحنة، من التحرر من نير الاستعمار الأسبانى فى العام 1811، ولكى يتم تشكيل الجمهورية الأولى (1811-1812) والجمهورية الثانية (1813-1814) والجمهورية الثالثة (1817-1819) والجمهورية الرابعة(1819- 1830) ولكى يؤسس "هوجو تشافيز" بعد ما يقترب من المائتى عام، الجمهورية الخامسة.وإذ يخرج المستعمِر الاسبانى ظاهرياً من أراضى فنزويلا؛ فإنه يُبقى نائباً عنه، لكنه من الشعب الفنزويلى نفسه، إذ يتكون فى ركاب الاستعمار دومأً طبقة إجتماعية (والتى تولى الاستعمار تعليمها وتربيتها وأحسن رعايتها) ترتبط مصالحها بمصلحة المستعمِر، فتلك الطبقة تنشغل بالأساس بالحفاظ على الوضع الاجتماعى الاستعمارى الراهن والذى يصب فى صالحها، دونما أى إلتفات لباقى طبقات الشعب المستضعف فى الارض. إذ كرس الاستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين، والكمبرادورية، ثم إستمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن مع تكثيف التبادل غير المتكافىء مع الامبراطورية البازغة بريطانيا العظمى . والذى ستترك الساحة بعد فترة تاريخية قصيرة لرأس المال الأمريكى. وعلى ذلك سيكون إنشغالنا بالتاريخ عبر المئة عام السابقة وذلك فى مرحلة أولى، ثم عبر القرون الثلاثة الماضية، فى مرحلة ثانية، كما سنرى فيما بعد. جمهورية فنزويلا البوليفارية(3) نسبة إلى"سيمون جوان فيسنتى دى بوليفار"، المولود فى فنزويلا فى 24/7/1783 لأحد الاسر الغنية المنتمية إلى العرق الاسبانى، تعلم على يد الثورى "كارينو". طالع مؤلفات "روسو" والالياذة والاوديسا، وسير العظماء، كما قرأ "لسيبونزا" ، و"جون لوك"، وعشق كتابات "فولتير"، "ومونتسكيو"، وأحب كثيراً رواية "دون كيشوت"، التى أعاد قرائتها فى الأسابيع الاخيرة من حياته. يمكن القول بأن مجرى حياته قد تغير تماماً بوفاة زوجته فى عام 1803 اثر حمى خبيثة أصابتها ولم يكن قد مضى على زواجهما عشرة أشهر. سافر"بوليفار" إلى أسبانيا وفرنسا، وشاهد تتويج "نابليون بونابرت"، كما سافر إلى إيطاليا وإنجلترا والقسطنطينية فى الفترة من 1799 حتى 1807، ولكى يعود إلى كاراكاس، حتى تشغل جهوده رقعة من العالم مترامية الاطراف؛ فقد قاد معاك عديدة فى فنزويلا، وبيرو، وتشيلى، وبوليفيا، والارجنتين فى سبيل التحرير من الحكم الاستعمارى الاسبانى. حيكت له الدسائس ودبرت له المؤامرات فى معظم عواصم أوروبا وبخاصة: لندن وباريس ومدريد. ويرى البعض، كوديع الضبع، أن هناك لطخة سوداء فى جبينه لن يغسلها الزمن، وهى تسليمه لصديقه وقائده "فرانسيسكو ميرندا" إلى الاعداء، كانت أولى إنتصاراته تحرير كولومبيا عام 1819، حيث صار رئيساً لها، ثم تحرير فنزويلا والاكوادور عام 1821. مات "سيمون بوليفار" يوم 17/12/1830، قبل تحقيق حلمه بتوحيد أمريكا اللاتينية، نُقل رفاته عام 1842 فى موكب مهيب إلى كاراكاس حيث أقيم ضريح لذكراه، وأقيم له فى سنة 1846 تمثالاً فى بوجوتا الكولومبية. الجغرافيا تقع فنزويلا التى إستقلت رسمياً عن أسبانيا فى 5/7/1811 فى الشمال من قارة أمريكا الجنوبية، يحدها شرقاً جياناً وغرباً كولومبيا وشمالاً تطل على البحر الكاريبى والمحيط الاطلنطى بواجهة بحرية تبلغ 1750 ميلا بحريا، ومن الجنوب البرازيل، وذلك على مساحة(912،150) كيلو متر مربع، وتنقسم فنزويلا، طبيعياً، إلى أربعة أقاليم متميزة، وتُسهم الجغرافية السياسية الخاصة بكل أقليم فى ترسيخ قواعد التشكيلات السكانية، ومظاهر النشاط الاقتصادى: أولاً: إقليم جبال فنزويلا: وتشكل هذه الجبال قوساً كبيراً من الاراضى المرتفعة فى الشمال تعرف بإسم المرتفعات الشمالية، وتُمثل هذه المرتفعات نحو 25% من المساحة الاجمالية لفنزويلا، كما يتركز فيها نحو 70% من السكان وبخاصة فى منطقة حوض فالنسيا ووادى كاراكاس. وتُعتبر الزراعة الحرفة الاساسية لسكان هذا الاقليم؛ على الرغم من الطفرة التاريخية التى لحقت بكاراكاس وماراكاى وفالنسيا، حيث يُزرع البن منذ عام 1876، وإنما إبتداءً من طلب السوق العالمى، على سفوح مرتفعات سيرانيفادا دى مريدا، ومرتفعات سيجوفيا، ويجمع الانتاج فى سان كريستوبال فى الجنوب. كما يُزرع الكاكاو، إبتداءً من طلب السوق العالمى كذلك، وبلا أى مشاركة حقيقية فى التجارة الدولية(إنتاج، تمويل، تسويق، توزيع، تصنيع) وعلى حساب إبادة الغابات المطيرة، كما يُزرع القطن وقصب السكر والتبغ. ويُمارس جزء من سكان هذا الاقليم حرفة الرعى. يضم الاقليم "كاراكاس" التى تقع فى الوادى الذى يحمل نفس الاسم على إرتفاع 3000 قدم فى حوض صغير يبلغ طوله حوالى 15 ميلا(يحتل سكان"مدن الصفيح" المنحدرات الشديدة التى تقع فى قلب كاراكاس، على حين يُمثل سكان الطبقة البورجوازية حاجزاً بين ضواحى طبقة كبار الرأسماليين وكبار الملاك العقاريين فى الشرق، وبين المساكن الحكومية فى المدينة القديمة) وعلى بعد 60 ميلاً من كاراكاس يقع حوض نهر فالنسيا الكبير الذى يضم مدينتين مهمتين: فالنسيا، وماراكاى، كأكبر مدينتين صناعيتين بعد كاراكاس العاصمة. ويعكس هذا الاقليم بشكل واضح جُل مظاهر تعميق الانفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة، مع تكريس هيمنة نمط الانتاج الرأسمالى على الانتاج الزراعى من خلال وسائل إنتاج متخلفة تسهم بفاعلية فى تسرب القيمة الزائدة إلى خارج الوطن أثر التناقض ما بين معدلات إنتاجها وألياته، كما ذكرنا منذ البدء. ثانياً: إقليم الاراضى المنخفضة : ويشتمل الاراضى الواقعة حول خليج فنزويلا وإمتداده جنوباً حول بحيرة ماراكيبو، والسهل الساحلى الشمالى ودلتا نهر الاورنيكو، التى لا تكاد تنفصل عن حوض الأورنيكو ذاته نتيجة لإقتراب تلال اللانوس وهضبة جيانا من بعضيهما بحيث لا يوجد سوى فجوة ضيقة ينطلق منها النهر كى ينهى دورته فى مياه الكاريبى. ولقد أفضى الكشف النفطى إلى إعادة صياغة شكل الحياة الاجتماعية وعلاقاتها الجدلية، فبعد أن كان الاقليم فقيراً مهملاً قبل إكتشاف النفط عام 1917، فقد صارت سواحل بحيرته بل والبحيرة ذاتها بمثابة غابة من أبراج النفط(4) تنمو بصفة مستمرة. الأمر الذى إستصحب إدخال التعديل على الهياكل الاجتماعية للقرى المبعثرة، ذات الاقتصاد المعاشى، فى الاعم، بتحويلها إلى قرى نفطية. وتتركز حقول النفط على طول الشواطىء الشمالية الشرقية للبحيرة، مع وجود بعض الحقول فى الغرب والجنوب الغربى، وعلى طول الاراضى المنخفضة الساحلية لخليج فنزويلا. ثالثاً: إقليم سهول الاورنيكو: والتى تعرف باسم سهول اللانوس، ويشكل هذا الاقليم ثلث مساحة فنزويلا، وتحيط بهذه السهول المرتفعات الانديزية من الشمال ومن الغرب، وهضبة جيانا من الجنوب. ويُمثل الاقليم منطقة رعى رئيسية؛ حيث تُربىَ الماشية، التى تُمثل، تاريخياً، نشاطاً رئيسياً للسكان منذ أن أدخل الاسبان الماشية إلى هذا الاقليم مع بدايات الحركة الاستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الاندماج فى منظومة الفائض، فإن الاقليم يتسم بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية. يُذكر أن "رافائيل راميريز"، وزير الطاقة كان قد صرح فى 13/4/2010، بأن فنزويلا ستستثمر 120 مليار دولار فى حزام أورنيكو النفطى شرقى البلاد على مدى السنوات السبع المقبلة، وقال "راميريز" إن إستثمارات واسعة النطاق فى الشرق سوف تجعل" من الممكن إنتاج ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل يومياً فى منطقة حوض أورينوكو وحدها" . ووفقاً لتصريحات "راميريز" كذلك فأن الحكومة قد إستثمرت حتى الان نحو 80 مليار دولار فى المنطقة الشرقية، كما وافقت فنزويلا على عرض للتنقيب لتحالفين أحدهما بقيادة شركة شيفرون الأمريكية، ومجموعة أخرى تضم ريبسول الاسبانية، وبتروناس الماليزية، وشركة أو جى سى الهندية. وبتلك المثابة تكون فنزويلا، وعلى الرغم من إجراءات التأميم الشاملة، قد منحت أكبر إستثمارات فى قطاع النفط، فى عهد "تشافيز" لتحالف يضم شركات شركات أجنبية منها (شيفرون) الامريكية لتطوير حزام أورنيكو النفطى الذى يحتوى على إحتياطات هائلة. ولقد فازت شركة (ريبسول) وشركة (بتروناس) وثلاث شركات هندية بعرض كارابوبو(1) وهى منطقة واسعة، مع إحتياطات تقدر بنحو 235 مليار برميل من النفط الثقيل. فى حين تم الاتفاق مع (شيفرون) على إستغلال كارابوبو (3) مع (إمبكس) و (ميتسوبيشى) اليابانيتين، ولم يمنح حقل كارابوبو (2) لأى من الشركات. ولقد كان نصيب الشركة الوطنية الفنزويلية من كل تلك التعاقدات ما يفوق 2,5 مليار دولار. رابعاً: إقليم هضبة جيانا: وتحتل تلك الهضبة جنوب شرق فنزويلا إلى الجنوب من نهر الاورنيكو، وإذ ما إستثنينا إنتاج الذهب المحدود والذى يُعدن فى منطق الكالاو، وإذ ما إستثنينا كذلك الماس والذى يُعدن من التكوينات الرسوبية لوادى نهر كارونى، فإن الاقليم قليل الاهمية، ويُعتبر من أقل مناطق فنزويلا سكاناً وأكثرها تدهوراً. ويمكن القول بأن فنزويلا تعتمد إعتماداً كبيراً جداً على عائدات النفط التى بلغت فى بعض السنوات نحو 90 % من عائدات التصدير، وحوالى 50 % من إيرادات الميزانية الاتحادية، وحوالى 30 % من الناتج المحلى الاجمالى. وكان للاضراب الذى إستمر من ديسمبر 2002 وحتى 2003 عواقب إقتصادية بعيدة المدى، إذ إنخفض الناتج المحلى الاجمالى الحقيقى بنسبة حوالى 9 % فى عام 2002 و 8 % فى عام 2003 ، ولكن تعافى الناتج الاقتصادى بشدة منذ ذلك الحين. وقد ساعد الانفاق الحكومى بدافع من إرتفاع أسعار النفط، على زيادة الناتج المحلى الاجمالى 10 % فى عام 2006 ، و 8 % فى عام 2007 ، وما يقرب من 5 % فى عام 2008 ، قبل فترة الركود العالمى الذى أدى إلى الإنكماش فى عام 2009. والجدول التالى يوضح أهم البيانات، إلا أنه من الافضل، وقبل مطالعة الجدول، السماع إلى "جاليانو" وهو يحكى لنا حكاية فنزويلا بمنتهى البراعة: حكاية فنزويلا يقول إدواردو جاليانو :" . . . ومن فنزويلا تأتى نصف الارباح التى تجنيها رؤوس الاموال المستثمرة فى مجال النفط فى القارة، ويُمثل متوسط دخل الفرد أعلى معدل دخل للفرد فى أمريكا اللاتينية، وتمتلك أكمل وأحدث شبكة طرق، وبالنسبة لعدد السكان، ليس هناك بلد فى العالم يشرب كُل هذه الكمية من الويسكى الاسكتلندى . . . لقد إستخرجت الحفارات خلال نصف قرن، أرباحاً بترولية هائلة بحيث تعادل ضغف موارد خطة مارشال لتعمير أوروبا، ومنذ أن تفجرت أول بئر بترولية بشلالات من البترول، تضاعف عدد السكان ثلاث مرات وتضاعفت الميزانية القومية مائة مرة، لكن جزءً كبيراً من السكان، الذين يتنازعون فضلات الاقلية المسيطرة، لا يتغذى أفضل ما كان يفعل خلال الحقبة التى كانت تعتمد فيها على الكاكاو والبن. . . لقد كبرت كاراكاس، العاصمة، سبع مرات خلال ثلاثين عاما، المدينة البطريركية ذات الأفنية الرطبة، والميدان الرئيسى والكاتدرائية الصامتة، أخذت تنبت فيها ناطحات السحاب كلما نمت أبراج البترول فى بحيرة ماراكايبو، وهى الان كابوس ذو هواء مكيف، كابوس صاخب أسرع من الصوت، أحد مراكز ثقافة البترول التى تفضل الاستهلاك على الخلق. . . إن كاراكاس تنام بصعوبة، إذ لا يمكن إطفاء نهم الكسب والشراء والاستهلاك والإنفاق. نهم تملك كل شىء، ومن منحدرات التلال يتأمل الملايين من المنسيين، من عششهم الصفيح المكدسة بالقمامة، يتأملون تبديد الاخرين، وتبرق الالاف والألاف من السيارات من آخر طراز فى شوارع العاصمة الذهبية. كانت النشوة قد إنبعثت من سنوات طويلة، فحوالى عام 1917، كان البترول يوجد جنباً إلى جنب مع اللاتيفونديات القديمة، حيث يُراقب أصحاب الضياع إنتاج قوة العمل بجلد الأجراء ودفنهم أحياء حتى الخصر. . . . . وفى أواخر عام 1922. . . . هبت العاصفة البترولية . . . . . نبتت الحفارات والروافع فى بحيرة ماراكايبو . . . . . وتدفق الفلاحون وإستقروا فوق الارض التى تغلى بين الالواح وعلب الزيت . . . ورنت لهجات أوكلاهما وتكساس لأول مرة فى السهول والغابات، وفى لحظة ظهرت ثلاث وسبعون شركة، وكان مالك الكرنفال هو الديكتاتور جوميز. . . . . وحينما أُسقط خيمينيز عام 1958 كانت فنزويلا بئر بترول كبيرة تحيطها السجون وغرف التعذيب، وتستورد كل شىء من الولايات المتحدة : السيارات والثلاجات واللبن المركز والبيض والخس، والقوانين والمراسيم . . ." (5) النفط هو الازمة إذاً، وبوجه عام قامت شركات النفط الاحتكارية، بل وقبل تفجر النفط بعدة ممارسات فى جوهرها لا تختلف بشكل أو بآخر عن ممارساتها الطبيعية، إبتداءً من تدمير البيئة ونهب الارض، ومروراً بإستغلال قوة العمل على نحو عبودى، وإنتهاءً بفرض هيمنتها على مؤسسة الحكم بما يحقق مصالحها، ودوماً ما تكون الحكومات القمعية الديكتاتورية هى أنسب الحلفاء وأكثرهم إخلاصاً. مجموعة من الجداول التجميعية توضح معالم الإقتصاد الفنزويلى
الناتج المحلى الإجمالى تعادل القوة الشرائية معدل النمو الحقيقى سعر الصرف الرسمى للفرد بالألف دولار بالبليون دولار 3493 -3,3 (أرقام 2009) 3373 13000 المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة. الناتج المحلى الإجمالى حسب القطاع زراعة صناعة خدمات % (أرقام 2009) 4 36,8 59,2 المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة. القوى العاملة (4) زراعة صناعة خدمات % (أرقام 1997) 13 23 64 المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة. إجمالى القوى العاملة/ بالمليون معدل البطالة % (6) سكان يعيشون تحت خط الفقر 12,8 7,9 37,9 المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة. الإستثمار % من الناتج الإجمالى الميزانية/ بالبليون دولار معدل التضخم (أسعار الإستهلاك) 22,1 الإيراد النفقة 6637 8647 27,1
المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة. النفط الإنتاج الاستهلاك الصادرات الواردات الإحتياطيات بالمليون برميل 2,472 2,61 740 ألف برميل/يوم 0,70 2,180 2,01 0 142,2 مليار برميل 87 بليون برميل المصدر : تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الامم المتحدة. و الأرقام الثانية فى كل خانة فمصدرها: مايكل كرير، دم ونفط، دار الساقى. بيروت.2011 ، بما يؤكد عدم الاعتداد بالرقم إلا على سبيل الاسترشاد الغاز الطبيعى الانتاج الاستهلاك الصادرات الواردات الاحتياطيات بالمليون متر مكعب 3,306 2,486 0 1,800 49,830 المصدر : تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الامم المتحدة. الصادرات بالبليون دولار (2010) الواردات بالبليون دولار (2010) الديون الخارجية بالبليون دولار 64,7 31,7 55,6 بدأت الطفرة النفطية فى عام 1914، ومع ذلك يمكن القول بأن نشاط الحفر والتنقيب قد بدأ قبل ذلك بسبع سنوات كاملة. ففى أوائل القرن العشرين عندما أخذت شركات النفط فى التوسع على نطاق عالمى؛ بالتزامن مع صعود الاقتصاديات الرأسمالية الكبرى: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمانيا، وفرنسا، فقد إقتحمت شركاتا النفط: ستاندرد أويل كومبانى، وشركة النفط الهولندية الملكية، وهما من الشركات الاحتكارية دولية النشاط، ومن خلال كونسرتيوم شرعت الشركتان فى ترسيخ تواجدهما والعمل بدأب منذ 1907، ولم يأت عام 1964 حتى صارت هناك 64 شركة تنهب النفط وعمال النفط. تاريخ ديكتاتورية النفط ففى أغسطس 1905، أصدر الرئيس"كاسترو سيبريانو"، قانون التعدين الجديد، وبموجبه تم منح الشركات العاملة فى قطاع النفط إمتيازات لمدة خمسين عاماً، ومع توتر العلاقات فيما بين "كاسترو سيبريانو"، وبين القوى العظمى آنذاك وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، ومع وصول "خوان فيسنتى جوميز" الى السلطة عام 1908، فقد بدأت فترة تاريخية جديدة، هى فترة الحكم الديكتاتورى، التى إمتدت حتى 1935، ومن ثم بدأت حقبة ديكتاتورية النفط. ففى عهد الحكم الديكتاتورى الذى حكم به "جوميز"، فنزويلا قرابة الثلاثين عاماً، تمتعت الشركات النفطية الاحتكارية(وعلى رأسها شركة شل، وشركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسى، إكسون فيما بعد) بنفوذ كبير، فشُرِعت القوانين إبتداءً من رغبة الكونسرتيوم الاحتكارى ومصالحه، دون أى إعتبار لمصالح الشعب المسحوق الذى أذاقه "جوميز" ضرائب وإتاوات لا تطاق. وفى عهد "فيسنتى جوميز" كذلك، عَرفت فنزويلا تدفقاً غير عادى من الاستثمارات الإجنبية (والامريكية على وجه التحديد) التى كان يجب عليها البحث عن المكان القريب والمناسب من أجل تفريغ التراكم الرأسمالى. وكانت فنزويلا فى عهد الديكتاتور "جوميز" أفضل، وأقرب مكان يستقبل رأس المال الامبريالى، وبخاصة قطاع النفط، الذى صار قطاعاً مفتوحاً بلا قيود، لرأس المال الاحتكارى. وبحلول عام 1935، وفى 17 ديسمبر على وجه التحديد كان يجب على "لوبيز كونتريراس العازار" (1935-1941) كرئيس للدولة، خلفاً "لجوميز"، أن يواجه إضرابات شاملة فى أهم القطاعات وهى قطاع النفط، بالمطالبة بعلاقات تعاقدية أكثر عدلاً وأقل إستغلالاً. إذ تولى "العازر" حكم بلاد تغلى بعد أن أذاقها "جوميز" شتى صنوف القمع وطرائق القهر. وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت فنزويلا دولة بلا نفقات أو إيرادات، مُتجِهة إلى الافلاس، وهو الحال الذى تزامن مع قصف بيرل هاربور، الذى كان أحد المعاقل التى تتغذى على النفط الفنزويلى. إنقلابات بنكهة فنزويلية ولم تمض فترة طويلة حتى يقود مجموعة من المدنيين والعسكريين(الاتحاد العسكرى الوطنى) فى 18 أكتوبر 1945، حركة من أعنف حركات التمرد ضد الحكومة، ويفلحوا فى تشكيل حكومة ثورية يرأسها "بيتانكور رومولو"، وعلى الرغم من عدم إستمرار هذه الحكومة لفترة طويلة إلا أن فترة حكمها شهدت مجموعة مهمة من الاجراءات الاصلاحية، فمن بين تلك الانجازات التى حققتها الحكومة الثورية فى هذه الفترة المضطربة فى تاريخ فنزويلا، إصلاح عملية إستغلال النفط فى عام 1945، وإنشاء شركة تنقيب وطنية، مع إعادة النظر فى اللوائح الانتخابية عام 1946، وصدور الدستور 1947. وبموجب المرسوم رقم 112 من 31 ديسمبر 1945 فقد تم إعادة النظر كذلك فى الضرائب المفروضة وبصفة خاصة على الدخول، وخفضها إلى الحدود التى تتماشى مع الاوضاع والاحوال الاقتصادية السائدة. إلا أن العام 1948 قد شهد الانقلاب على حكم "روملو" وإستعادة الحكومة السابقة للسلطه بقيادة "جاليجوس" 1948 والذى لم تر طموحاته النور، إذ كان يأمل فى مجموعة من الخطوات التنموية من تحسين الطرق والمواصلات ووضع خطط جديدة لتعظيم عوائد النفط، إذ قامت حكومة المجلس العسكرى بالانقلاب فى 24 نوفمبر 1948، وجاء الانقلاب بالكولونيل "ماركوس بيريز جيمينر" الى السلطة والذى مارس مهامه، فى النهب والقمع وإعتقال المعارضين، فعلياً إبتداءً من 1953 وظل فيها الى أن أُقصى عام 1958، بتولى "رومولو بيتانكور"الحكم إبتداءً من 1958، فى تلك الفترة بلغت مساحة الاراضى التى يتم فيها الحفر والتنقيب نحو 7% من إجمالى الأرض الفنزويلية، وكان للولايات المتحدة الامريكية نصيب العنقاء. وفى عهد تلك الحكومة التى لم تستمر إلى أكثر من 1963، تم إنشاء الشركة الوطنية للنفط. ولقد عاشت فنزويلا ردحاً من الزمن تحت الاحكام الديكتاتورية من عهد الاستقلال حتى نهاية الخمسينيات. وإتسمت الفترة التى أنتخب فيها مرشح حزب العمل الديمقراطى"رومولو بيتانكور" بالاستقرار السياسى وبداية عهد التعددية الحزبية فى فنزويلا. . . . . لقد تدفقت الاموال النفطية إلى البلاد، فخلال الفترة الواقعة بين عام 1973وعام 1983 فقط جنت فنزويلا من صادراتها النفطية أكثر من 150 مليار دولار، وهو رقم مذهل بالنسبة إلى بلد يبلغ عدد سكانه ستة عشر مليون نسمة، لكن على الرغم من الارتفاع الكبير الذى شهدته الاسعار فى سبعينات ومستهل ثمانينات القرن العشرين، لم تصل هذه الاموال إلى عامة الشعب. ويمكن القول أن فنزويلا لم تخرج من قبضة الحاكم الفرد، إلا لتدخل فى عهد الهيمنة الحزبية، حيث سيطر على السلطة حزب العمل الديمقراطى(AD) والحزب الاجتماعى المسيحى (COPEI) لمدة أربعة عقود. وقد أسفرت إنتخابات عام 1983 عن فوز الدكتور "خاييم لوسانتشى" حيث أعلن أن الحكومة ستقود حرباً وطنية ضد الفساد ومعارضة أى تدخل أجنبى فى أمريكا الوسطى، بيد أن فترة "لوسانتشى" لم تكن سوى فترة طويلة من تصفية البلاد من إحتياطيها النقدى بعد أن غرقت فى الديون، ولم يكن لوسانتشى أفضل من سابقيه أو لاحقيه فى علاقته بالنفط والثروة والسلطة، إذ مارس ما تمارسه السلطة فى دول العالم الثالث من قمع وقهر ووأد حريات، ولم يصل إلى الشعب سوى فتات من ثروة النفط وإن وصلت تلك الفتات بالاساس. وفى ظل تلك الاوضاع التى تسير من سىء إلى أسوأ تم تنصيب الرئيس"كارلوس أندرياس بيريز"من حزب العمل الديمقراطى رئيساً للجمهورية، للفترة (1989-1994) خلفاً للرئيس "لوسانتشى" أملاً فى الاصلاح وتخليص البلد من أزمتها الطاحنة. بيد أن الفشل كان الحليف المقرب من "بيريز" كما كان غضب الفقراء الجوعى من شأنه إنهاء ولايته قبل موعدها القانونى؛ كى يأتى المخلص الجديد، على الاقل من وجهة نظر سكان مدن الصفيح. وأن ما كتبه "نعوم تشومسكى" بشأن فنزويلا أنما يركز على أهم عناصر الصورة، قبل أن ننتقل إلى حيث "تشافيز" كرئيس للبلاد، فإن "تشومسكى" يصف واقع الاستبداد والديكتاتورية فى فنزويلا، وبصفة خاص فى فترة ولاية كل من " خوان فيسنت جوميز"، و" بيريز خمينيز" واللتين تناغما مع فرض الولايات المتحدة لهيمنتها على الشرق الاوسط وأمريكا اللاتينية، إذ يقول تشومسكى، وبإسلوبه المعهود:" تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق السيطرة على مجال الانتاج النفطى فى الشرق الأوسط، مع بقائها مسيطرة على نصف الكرة الغربى . . . ولقد كانت فنزويلا أبرز الامثلة، بموقعها كأكبر مصدر للنفط حتى عام 1970 قبل أن تحل السعودية وإيران محلها. . . وبعد الحرب العالمية الثانية ساندت الولايات المتحدة فى فنزويلا "خوان جوميز" الديكتاتور الفاسد الذى فتح أبواب فنزويلا على مصاريعها لشركات النفط الامريكية، وأعاق نظيرتها البريطانية تحت توجيه من واشنطن. وفى النظام العالمى الجديد الذى تلا الحرب العالمية الثانية، أحكمت صناعة النفط الامريكية سيطرتها على إقتصاد فنزويلا. وكانت العلاقة فى تلك الفترة وثيقة الصلة، كما كانت الارباح التى جنتها الشركات الامريكية مرضية، وبصفة خاصة خلال فترة حكم الديكتاتور"بيريز خيمينيز" بين عامى 1949-1958، وذلك حين نافس "خيمينيز" "جوميز"فى الوحشية والنهب وحصل من الرئيس أيزنهاور على وسام الاستحقاق تقديراً لسياسته الحكيمة فى الشئون الاقتصادية والمالية بما سهل من إنتشار الاستثمار الاجنبى، وتقديراً لما قامت به إدارته من عمل دءوب لـ "رفاهية فنزويلا وتطوير مواردها الاقتصادية الهائلة" لكن ما لم يشر إليه أيزنهاور تلك الارباح الهائلة التى جنتها الشركات الامريكية، بما فيها شركات الصلب وغيرها. لقد جاءت نصف أرباح شركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسى من الحقول الفنزويلية. وإتبعت إدارة كيندى فى أمريكا اللاتينية سياسة قائمة على تقديم الدعم للجيش لسحق القوى العمالية والشعبية. . . ." (7) تشافيز رئيساً للجمهورية البوليفارية وفيما يلى نسرد بوجه عام أهم الاحداث المرتبطة برئاسة تشافيز للجمهورية البوليفارية إبتداءً من 1992، ففى 1992 قامت مجموعة من العسكريين يقودهم "هوجو تشافيز" بمحاولة إنقلاب فاشلة، وأُلقى القبض على تشافيز وأُدخل السجن، وفى عام 1994 خرج "تشافيز" من السجن، كما سنرى بعد قليل، بعد أن تولى "رافائيل كالديرا" السلطة. 1- وفى عام 1997 ترأس تشافيز حزب حركة الجمهورية الخامسة الذى أسسه لويس ماكالينا حيث تسلم وزارة الداخلية ثم تحول بعدها إلى المعارضة بسبب بعض الخلافات مع رأس الحكم فى الدولة. 2- ومن زاوية ما فلقد كان سجن تشافيز فرصة جيدة له كى يُقدم نفسه كثائر شعبى بوليفارى، الامر الذى أدى فى المنتهى إلى أن يحظى تشافيز بمساندة هائلة من التيارات اليسارية والطبقات الفقيرة. فى الوقت نفسه الذى ركز الاعلام العالمى الضوء الساطع على ذلك الرجل الثورى الخارج من بين صفوف الشعب، وربما يعيد أمجاد قادة عظام أنجبتهم القارة اللاتينية. 3- لقد أمضى تشافيز، بعد خروجه من السجن، عدة سنوات يجوب البلد طولاً وعرضاً، فى مهمة يمكن القول بأنه لم يكن حتى هو متأكداً من غايتها النهائية، معتمداً على أصدقائه ومناصريه، وفى تلك الاثناء خف، ظاهرياً، بريق هوجو الاعلامى، إذ فقدت وسائل الاعلام إهتمامها به، بيد أن "هوجو" لم يكن ساكناً أو متوقفة تحركاته الثورية بين مؤيديه. لقد كان "تشافيز" فى الواقع، يُخطط فى الخفاء لمحاولة إنقلابية أخرى فى فنزويلا؛ والتى كانت الولايات المتحدة، ومَن يدور فى فلكها، آنذاك، تَعتبرها دولة ديموقراطية نموذجية، بإعتبارها جزيرة مستقرة خلال حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضى فى وقت كانت الحروب الاهلية، والانظمة السياسية الديكتاتورية وحروب الابادة هى السمات المميزة لتلك الحقبة؛ بيد أن "تشافيز" كان له رأى مختلف تماماً، فقد كان مقتنعاً بأن تلك الديموقراطية النموذجية لم تكن فى الحقيقة سوى ديموقراطية مزيفة تُهيمن عليها طبقة حاكمة فاسدة لن تسمح لشخص ثورى مثله بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ولذا لا مناص من الانقلاب من أجل خلاص هذا الشعب ومن أجل إعادة توزيع الثروة التى تركزت فى يد النُخب الحاكمة. 4- بيد أن هوجو، غيَّر رأيه فى العام 1997، بعد فوز زميله فى قيادة الانقلاب السابق وزميل السجن فرانشيسكو أرياس كارديناس بمنصب المحافظ فى ولاية زوليا الغنية بالنفط، فشرع فى الاعداد لحملة تقوده إلى مقعد الرئاسة، وكانت معظم التوقعات و تقارير إستطلاع الرأى، تكشف عن ضعف موقف تشافيز؛ فهو أولاً: قائد الانقلاب الفاشل، ثم أن، ثانياً، معظم الاهتمام كان منصباً على منافسته، الشقراء الفاتنة، ملكة جمال العالم السابقة، آيرينى ساييز، ولكونها رئيسة بلدية ناجحة فى العاصمة الثرية، كاراكاس، فقد تصدرت إستطلاعات الرأى. بيد أن نسب النجاح بين الحسناء والوحش، كما أطلق فى فنزويلا على الصراع الدائر بين إيرينى وبين تشافيز تغيرت كثيراً عندما كشفت تصريحات ملكة جمال العالم عن خواء فكرى عميق إستشعر معه الشعب القلق على مستقبله فى يد الملكة الشقراء، فأن تحكم ولاية ربما، أما أن تحكم البلاد فهو الامر الذى ينبغى إعادة التفكير فيه، فى الوقت نفسه كانت خطب منافسها الثورى"هوجو تشافيز" تلهب مشاعر الملايين المعدمين المهمشين من قاطنى مدن الاكواخ والصفيح، والغاضبين بسبب الفجوة غير الانسانية على الإطلاق بين الفقراء وبين الأغنياء. 5- وفى عام 1998 خاض تشافيز الانتخابات الرئاسية مركزاً فى جميع خطبه إلى الشعب على هدفه الاساسى وهو إعادة توزيع ثروات البلاد والتى كانت نهباً لقلة حاكمة ترتبط مصالحها بالرأسمالية العالمية على حساب ملايين الفنزويليين الفقراء والجوعى، ولم يكن إعلان "تشافيز" عن هدفه ذلك بإستخدام النبرة المعهودة لدى الشعب من قبل من حكموهم، وإنما إستخدم أسلوباً نارياً ألهب حماسة الناخبين خاصة الطبقات الفقيرة والعاملة، فحصل على نسبة 2ر56%من الأصوات، مقابل 40% "لآيرينى ساييز"، وبذلك ظهر هوجو على الساحة من جديد منهياً بذلك هيمنة دامت ثلاثين عاماً لحزب العمل الديمقراطى(AD) والحزب الاجتماعى المسيحى(COPEI) ولكى يقوم تشافيز بتأدية اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية البوليفارية فى فبراير/شباط عام 1999. 6- بدأ هوجو تشافيز رئاسته بمحاولة السيطرة على شركة النفط الحكومية العملاقة، بتروليوس دى فنزويلا، التى وصفها بأنها" دولة مستقلة بداخل الدولة"،كما ذكرنا، تخدم مصالح النُخب الحاكمة والثرية. كما لعب تشافيز دوراً ريادياً فى إعادة إحياء منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) الميتة إكلينيكياً، وذلك من خلال إستضافة أول قمة لقادة دول "الاوبك" خلال خمسة وعشرين عاماً. وبفضل مساعدته فى رفع أسعار النفط العالمية من أدنى مستوياتها، عندما تولى الرئاسة، إلى مستويات قياسية، رفع تشافيز الدخل القومى الفنزويلى من 14 مليار دولار فى 1998 إلى 40 مليار دولار فى 2006. 7- وفى سنة رئاسته الاولى، دعا تشافيز لعقد إجتماع دستورى وساعد بنفسه فى إعادة كتابة الدستور، والذى سيصوت عليه 72% بالموافقة مقابل 28% بالرفض.وفى نفس اليوم، يوم الإستفتاء، أدت موجه هائلة من الاعاصير الجارفة، والعواصف الجامحة إلى مسح مئات القرى المنتشرة فى المنحدرات الجبلية الكاريبية من على الخريطة، دافنة معها آلاف الفنزويليين(الأكثر فقراً ومرضاً وجوعاً) ولقد عُدت تلك الكارثة من أكبر الكوارث الطبيعية التى حدثت فى فنزويلا خلال مئة عام على الاقل. إلا أن تشافيز ظهر للشعب وللعالم كله كرئيس دولة وطنى وواحد من ملايين الجماهير التى أتت به كى يحكمها؛ فقد أمر الرئيس تشافيز بفتح أبواب "ميرا فلوريس" أمام بعض المنكوبين وإستضافتهم فى حديقة القصر وحجراته، فى سابقة لم تحدث على الاطلاق فى أى دولة من دول العالم الحديث على الأقل. 8- وفى عام 2000 جرت إنتخابات الجمعية الوطنية، وإختار تشافيز أن يطرح نفسه لإنتخاب جديد مرافق لتلك الإنتخابات، لتأكيد شعبيته، ومن ثم ترسيخ وجوده كرئيس شرعى مُنتَخب ديموقراطياً، فأحرز 60% من الاصوات لمصلحته وتمت إعادة إنتخابه. وفى أبريل/ نيسان 2002 وقع الانقلاب الفاشل الذى رتبته طبقة رجال الاعمال وزعماء النقابات العمالية القدامى الذين فقدوا إمتيازاتهم بسقوط الاحزاب السياسية المرتبطة بالخارج، إلا أن هذا الانقلاب لم يدم أكثر من 48 ساعة، كما رأينا. 9- وفى عام 2004 نشأت أزمة إفتعلتها المعارضة وإستطاعت بسببها، ووفقاً للدستور، إجراء إستفتاءً رئاسى، بيد أن النتيجة كانت أن صوّت 59% من الناخبين لمصلحة بقاء "تشافيز" فى السلطة. 10- وبتاريخ 3/12/2006 جرت إنتخابات رئاسية فى فنزويلا، حيث فاز "تشافيز" مجدداً بمنصب رئيس الجمهورية، وعقب فوزه بالانتخابات أعلن حل حزب حركة الجمهورية الخامسة وتأسيس الحزب الاشتراكى الفنزويلى الموحد الذى سيقوم بتطبيق نظام إجتماعى قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية فى إطار نظام إشتراكى خاص بالفنزويليين ويتناسب مع متطلباتهم فى القرن الحادى والعشرين، وأكد تشافيز على حرية إنضمام الاحزاب الموالية له إلى الحزب الاشتراكى الجديد. 11- وبتاريخ 8/1/2007 أدى الرئيس "تشافيز"القسم، وأعلن عن عدد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضمن حملة التطهير التى يقوم بها ولاسيما بعد تأكيده على تحطيم الدولة البورجوازية. 12- وبتاريخ 9/1/2007 قرر "تشافيز" تشكيل حكومة فنزويلية جديدة مع تغيير أسماء كافة الوزارات الفنزويلية، مضيفاً عبارة السلطة الشعبية إلى عبارة الوزارة. فمن هو الرئيس "هوجو تشافيز"؟ المبحث التالى ينشغل بالاجابة على هذا السؤال. المبحث الثانى: مَن هو تشافيز؟(8) الجدة روزا وُلد هوجو تشافيز فى 28يوليو (تموز) 1954 فى الكوخ الطينى الذى تسكن فيه جدته روزا إنياس تشافيز، والتى إنفصلت عن زوجها قبل موته، ويقع كوخ روزا فى واحدة من مئات القرى الريفية الفقيرة المعدَمة، فى بلد يسبح فى بحيرة من النفط. وُلِد تشافيز فى هذا الكوخ الذى يقع فى قرية سابانيتا التابعة لولاية باريناس، وهى قرية منسية بكل المعايير والمقاييس يعيش فيها نحو ألف إنسان، ويقطعها بضع طرقات ترابية، لم يكن أمام السكان سوى رشها بالماء فى فصل الصيف إتقاءً لعواصفها، أما فى الشتاء فكانت بحوراً من الاوحال. فالقرية التى ولد تشافيز وعاش فيها، إنما تعكس وبشكل صارخ جميع مظاهر التخلف الاجتماعى والاقتصادى، ونسيان النُخب فى كاراكاس لهؤلاء الفقراء المهمشين والمنبوذين فى الأطراف. وتقع قرية سابانيتا فى إقليم اللانوس، وهى منطقة شاسعة من المستنقعات المعشوشبة التى تعيش فيها أعداد قليلة ومتناثرة من السكان، وهى بحال أو بآخر منطقة نائية وفقيرة ومتخلفة، محاذية للحدود الكولومبية، وتشغل تقريباً ثلث مساحة فنزويلا. وقد سبق وان ذكرنا أن هذا الاقليم(فضلاً راجع الخريطة) هو بالاساس منطقة تتخصص فى الرعى بصفة رئيسية؛ حيث تربى الماشية، التى تمثل، تاريخياً، نشاطاً رئيسياً للسكان منذ أن أدخل الاسبان الماشية إلى هذا الاقليم مع بدايات الحركة الاستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الاندماج فى منظومة الفائض، فإن الاقليم يتسم، كما ذكرنا، بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية. أما والدا تشافيز، هوجو دى رييز تشافيز، وإيلينا فرياس دى تشافيز، اللذان يعملان كمدرسين، فقد كانا يعيشان فى قرية تدعى لوس راستروجوس، وهى لا تقل حرماناً وفقراً من سابانيتا؛ بما يعنى أن وجود أطباء ومستشفيات فى حكم النادر المستحيل، مما جعل إيلينا، حينما كانت على وشك الولادة، تقطع مسافة غير هينة إلى سابانيتا، فهناك على الأقل توجد الجدة روزا، ومن الممكن العثور على قابلة تساعد إيلينا على ولادة طفلها، وبالفعل أنجبت إيلينا، أدان، ومن بعده هوجو، ولم يكن من غير المألوف، بل كان من الطبيعى، آنذاك أن يُعهد بالاولاد الأكبر سناً فى العائلات الفقيرة إلى أجدادهم للمساعدة فى تربيتهم ورعايتهم، وبما أن روزا إنياس هجرها زوجها منذ فترة طويلة، كما ذكرنا، فإنها كانت تملك الوقت كله والحب الامومى لمنحهما لحفيديها. على حد قول تشافيز. كانت الجدة، والتى ستحتضن هوجو، وأدان وتمنحهما كل الحب والرعاية قدر طاقتها، تعيش بمفردها فى كوخ بسيط للغاية، فاقداً لأبسط وسائل المعيشة، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا مرافق، . . . وحالها كان نفس حال كل الاكواخ المنتشرة فى مثل تلك المنطقة البائسة. تعلق الولدان بجدتهما روزا تعلقاً شديداً، للدرجة التى لم يستشعر تشافيز فى يوم ما أنه قد تربى بعيداً عن أمه أو أنه فى حاجة إليها، إذ كانت روزا بالنسبة له ولأخيه بمثابة أسرة بأكملها. هوجو والحذاء المهترىء وثمة واقعة مهمة فى تاريخ حياة الرئيس، وهو الذى يحكيها، إذ فى اليوم الاول لهوجو فى مدرسة جوليان بينو الابتدائية التى تقع فى نهاية الشارع الذى يضم منزلهم، دخل هوجو منتعلاً حذاءً مهترئاً، الامر الذى أثار سخرية معظم التلاميذ الاخرين الذين كانوا ينتعلون الاحذية. فعاد هوجو إلى الكوخ والدموع تنهمر من عينيه دافعاً روزا للبكاء بحرقة هى الاخرى من شدة إحساسها بالذل والاحباط. لكنها لم تستسلم، كما قال تشافيز بل بذلت جهدها إلى أن تمكنت بمساعدة الاصدقاء من جمع المال الكافى لشراء حذاء جديد لهوجو. الواقعة لا تشير فقط إلى تكوين ذهن وروح تشافيز على نحو يفهم ويشعر بالفقراء، وما أكثرهم فى بلاده، وإنما تشير الواقعة كذلك إلى المناخ الاجتماعى والاقتصادى العام الذى كان، ولم يزل، يخيم على الاطراف المتخلفة المهجورة والمعزولة. وبسبب ضيق ذات اليد وشح المال كانت روزا مضطرة إلى العمل وهى فى ذلك مضطرة للاعتماد على الصبيين هوجو، وأدان من أجل الانفاق على المنزل؛ فلجأت روزا إلى بيع بعض أنواع الحلوى التى تصنعها بتفسها وكذلك بعض أنواع الفاكهة الاستوائية التى كانت تزرع البعض منها، وكانت حلوى العناكب المغطاه بالسكر (Aranas) منتجها المميز، حيث كانت تعدها بتقطيع فاكهة البابايا إلى شرائح رقيقة ثم تطهوها فى مقلاة وبعد ذلك تغطيها بالسكر، وفى النهاية تشكلها على شكل عناكب. وهذا ما حكاه تشافيز بنفسه فى أحدى حلقات برنامجه "ألو يا ريس". وكان هوجو يأخذ علبة من منتجات روزا، المشهورة، يومياً إلى المدرسة ليبيعها لزملائه خلال فترات الاستراحة، وبعد المدرسة وفى عطل نهاية الاسبوع كان يجول القرية ويبيعها للسكان، لقد تركت تلك السنوات، دون أدنى شك، أثراً لا يُمحى فى نفس تشافيز. على حد تعبير تشافيز ومن الملفت للنظر فى سيرة تشافيز ولعه بالفن، وعلى وجه الدقة فن الرسم والشعر، وظل على حبه للشعر تحديداً حتى بعد أن صار رئيساً للبلاد، فحينما ماتت الجدة روزا وهى التى أحسنت تربيته وتعليمه وبصفة خاصة تعليمه تاريخ الثوار الاوائل فى فنزويلا والقارة اللاتينية بوجه عام ، مثل بوليفار، وزامورا، وردريجيز، وفرانسيسكو دى ميرندا، وغيرهم من الثوار الذين كانت سيرهم وأمجادهم محل الحكى الدائم من الجدة روزا. نقول حينما ماتت روزا نعاها تشافيز كما ذكر "بارت جونز" بأبيات شعرية تقول: ربما فى يوم ما يا جدتى العزيزة سوف أوجه خطاى نحو قبرك عندئذ فقط فى نهاية حياتى يا أمى روزا سأصل إلى القبر وسأرويه بالدماء والدموع وسأجد الراحة فى حبك الامومى وسأخبرك عن خيبات أملى بين الاحياء وبعدها سوف تفتحين ذراعيك وتعانقينى مثلما كنت تفعلين عندما كنت طفلاً وستعيدين السكينة إلىّ بأغنيتك العذبة وستأخذينى لأماكن أخرى كى أطلق صرخة لا تتوقف. لولا البسبول ما كان تشافيز ومثل الكثيرين من أطفال القرية البائسة، كان هوجو مولعاً بكرة القاعدة(البيسبول) ولم يكن أمامه وأقرانه سوى إستخدام الاخشاب كعصى لضرب الكرة والتى عادة ما كانوا يصنعونها بأيديهم، وكرة القاعدة أو البيسبول هى الرياضة التى قدمت إلى فنزويلا، فى العشرينات من القرن الماضى، مع عمال النفط الامريكيين، الذين تدفقوا مع أول تدفق لأول أبار النفط الكبيرة. ومع هذا الولع بتلك الرياضة الذى إنتاب تشافيز فقد كانت المشكلة تكمن فى أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعلانه عن موهبته فى تلك الرياضة وهو فى قاع المجتمع المهمش والمنبوذ، إذ كان بحاجة إلى التواجد فى مكان الضوء. كاراكاس. كى يُعلن عن نفسه، ولذلك ومع إقتراب نهاية دراسته الثانوية فكر فى الانضمام إلى أخيه آدان فى جامعة الانديز فى ميريدا؛ ربما يستطيع من خلالها العبور إلى كاراكاس، لكنه وكما يقول تشافيز أسقط الفكرة من رأسه حينما علم أن ميريدا ليس لديها فريقاً للبيسبول يمكنه الانضمام إليه. ووجد أن بإمكانه بلوغ هدفه بالذهاب إلى حيث الضوء. العاصمة. كاراكاس. ولن يكن أمامه سوى الالتحاق بالاكاديمية العسكرية، وكل ذلك من أجل البيسبول!! وعلى الرغم من أن تشافيز لم يكن من المهتمين بالجيش الاهتمام الذى يجعله يستكمل دراسته بالإنضمام إلى الاكاديمية العسكرية، كما ذهب إلى ذلك بارت جونز وهو واحد من أهم محللى سيرة الرئيس، إلا أن الاكاديمية فى كاراكاس. وكاراكاس لديها فريق من أهم الفرق فى تلك الرياضة، وهذا الفريق يتولى تدريبه وإدارته مجموعة من أعظم اللاعبين خلال تاريخ اللعبة فى فنزويلا، فلا بأس، كما حدّث تشافيز نفسه، من الانضمام إلى الاكاديمية لعام أو لعامين، كى يستطيع تحقيق حلمه بأن يكون لاعباً للبيسبول، الاكاديمية العسكرية وخطة بيللو تزامن دخول هوجو إلى الاكاديمية العسكرية مع تحولات جذرية كان هدفها تطوير الاكاديمية على نحو يؤدى إلى تخريج ضباط أكثر ثقافة وإنسانية، فقد تصادف دخول هوجو تشافيز إلى الاكاديمية العسكرية فى 1971، وهو فى سن السابعة عشرة، مع إعادة هيكلة جذرية للمدرسة على يد مجموعة من الضباط الوطنيين، الذين أرادوا إعادة النظر فى كل ما يدرس للطلبة، وتوسعة حدود المعرفة الانسانية، والعلوم الاجتماعية التى لم تكن فى يوم من الايام محل دراسة فى أى فرقة من فرق الدراسة بالأكاديمية، إذ إقتصرت المناهج على العلوم العسكرية ليس إلا، الأمر الذى يجعلنا نقول أن تلك التغيرات كانت بمثابة ثورة تعليمية فى المؤسسة المسئولة عن تخريج ضباط القوات المسلحة فى فنزويلا، وهم ،كما رأينا، من أصحاب الأدوار الرئيسية فى الانقلابات والاطاحة بالحكام. أُطلق على برنامج إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية إسم خطة أندرياس بيللو تفاؤلاً بإسم أحد الشعراء الفنزويليين والذى عاش فى القرن التاسع عشر. وهكذا، ولأول مرة فى تاريخ الاكاديمية العسكرية الفنزويلية، سوف يقوم الطلاب بدراسة فروع العلوم الانسانية المختلفة من عِلم الاجتماع إلى عِلم السياسة إلى عِلم الاقتصاد، إلى عِلم التاريخ العام والفنزويلى، إلى عِلم القانون .... إلخ ، وأصبح من الضرورى أيضاً أن يقوم الطلبة كذلك بدراسة متعمقة لبيان الحزب الشيوعى، ومعظم المؤلفات الماركسية، بالتأكيد ليس رغبة فى تعليم الطلاب مبادىء الشيوعية. وإنما لمكافحتها بعد أن باتت خطراً يُهدد عروش العديد من الانظمة الحاكمة فى أمريكا اللاتينية والتى أصبحت تُعانى من المد الشيوعى فى تلك الفترة من ستينات وسبعينات القرن الماضى. بل يمكن القول بأن الهدف الرئيسى المبتغى من وراء إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية هو التصدى للحركات الشيوعية ليس بالقمع وهو السائد فحسب وإنما المجابهة بالفكر وإعادة صياغة وعى الجيش على نحو باغض ورافض للشيوعية وكل ما يتماس معها، إلا أن الامر قد جاء مع تشافيز على نحو مختلف تمام الاختلاف مع هدف إعادة الهيكلة؛ فبداخل تشافيز ثورى صنعته، وربما من غير أن تدرى أو تقصد، الجدة روزا فلقد ربت تشافيز على حكايات الابطال المحررين والذين دافعوا عن الوطن ضد الغزاة والبغاة ومن أرادوا نهب ثروات البلاد، وكانت الشيوعية كما تلقاها صغيراً هى الأخرى على يد مجموعة من الماركسيين فى "سابانيتا" أقرب ما تكون إلى تنظير لما سمعه من الجدة روزا بدء تشافيز ينجذب إلى الاكاديمية وأخذ يعد نفسه للحياة العسكرية بعد التخرج حينما يصير ضابطاً فى الجيش، وبالفعل تخرج من الاكاديمية فى 1975، وكان ترتيبه السابع على دفعته المكونة من 375 طالباً، وأخذ حبه للحياة العسكرية يزداد يوماً بعد يوم، إلا إن أنه لم ينس حبه الاول للبيسبول، بيد أن الاحداث كانت أصعب من أن تترك له حرية الاستمتاع بمعشوقته، فبدأ الحس الثورى يرشده فى تصرفاته بداخل المؤسسة العسكرية، وفى الوقت الذى كان فيه يشرع فى إثبات وجوده بداخل المؤسسة العسكرية كانت الطبقة الغنية المرتبطة بجنرالات النفط والمتمتعين بحماية مؤسسة الحكم تمارس، كالعادة، أعمال النهب الرسمى المنظم لموارد البلاد من النفط، وفى نفس الوقت الذى أعلن فيه الشعب حركة تمرد هائلة كان "تشافيز" يقوم،والذى كان من المفترض أن يتصدى لتلك الحركة بصفته المهنية، بتأسيس حركة عسكرية سرية أطلق عليها جيش تحرير الشعب الفنزويلى (ELPV) ومن هنا أخذ تشافيز يدعم حركته الجديدة ليس بداخل المؤسسة العسكرية فقط وإنما على صعيد المجتمع المدنى، وقام بتكوين علاقات قوية وواسعة مع مجموعة من الاحزاب الشيوعية والراديكالية، وإننى أعتقد أن تكوين تشافيز لتلك الحركة. حركة جيش تحرير الشعب الفنزويلى، راجعة إلى أن تشافيز قد أصبح فى ضيق شديد من هذا التناقض الذى يعيشه، فنشأته البائسة وما غرسته فيه الجدة روزا وإحساسه بالفقر وإنه ينتمى، بحكم تلك النشأة، إلى هؤلاء الملايين من المنسيين، وفى نفس الوقت فهو ينتمى، بحكم مهنته، إلى تلك المؤسسة العسكرية المنوط بها القضاء على تلك الحركات التمردية، الامر الذى يعنى ببساطة قتل الشعب الذى هو أحد أفراده التعساء. فلذا كان من الطبيعى،برأيى، أن يبدأ تشافيز هو نفسه بالتمرد على الوضع القائم، فأخذ فى تكوين الخلايا الانقلابية السرية بدءً بجيش تحرير المجتمع الفنزويلى، ومروراً بالحركة الثورية البوليفارية، وإنتهاءً بحركة الجمهورية الخامسة، حينما باتت الامور تشير إلى إمكانية المنافسة غير العسكرية على السلطة. تلك، وبإختصار، سيرة هوجو تشافيز الحاكم لفنزويلا البوليفارية الغنية بالنفط. فماذا عن النفط؟ كما هو واضح من إستعراضنا السابق هو محور جميع الازمات والانقلابات والاضرابات، فهو مصدر ثروة منهوبة، وسبب الانخراط المهلك لملايين البشر فى منظمة الرأسمالية العالمية التى تتغلغل فى فنزويلا من خلال شركاتها وأفكارها وتقنيتها ورجالها وخبرائها وألاتها ومعداتها كى تُشكل المجتمع على نحو يؤجج الصراعات الطبقية ما بين البرجوازية فى قصور كاراكاس وبين سكان الصفيح فى الهوامش والاطراف والضواحى. والنفط لا يتوقف عند حدود كونه ثروة منهوبة من قبل النُخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك كى يُمارس دوراً مفصلياً فى إعادة إنتاج التخلف، فكما ذكرنا ونكرر أن فنزويلا حالها حال جُل البلدان الريعية لا تسهم فى أى مرحلة من مراحل الانتاج والتسويق والتوزيع، وكل ما فى الامر هو الحصول على عائدات البيع ليس أكثر من ذلك، ولن يُمثل الامر أزمة واضحة إلا إذ ما كان الريع فى تناقضه مع الربح محل نزاع ما بين المؤسسة الحاكمة وبين الشركة المسيطرة، وهو الحال فى الفنزويلى، بعكس ما هو كائن فى الخليج النفطى إذ لا يُمكن الفصل ما بين أصحاب الريع وبين أصحاب الربح، ولذا كان من الطبيعى وفقاً لقواعد الجدل تفجر الصراع حول تلك السلعة فى فنزويلا، وخموله فى الخليج، الامر الذى يقودنا كى نذهب للتعرف على تلك السلعة ومناقشة الصراع الدائر بشأنها على الصعيد العالمى، وهذا ما سوف نراه فى المبحث التالى والذى فيه ننشغل بسلعة الصراع وما حولها.
المبحث الثالث : سلعة الصراع وما حولها النفط(9) أو البترول(كلمة مشتقة من الاصل اللاتينى "بيترا" والذى يعنى صخر و"أوليوم" والتى تعنى زيت) ويُطلق عليه أيضا الزيت الخام، كما أن له إسم دارج هو: "الذهب الاسود" وهو عبارة عن سائل كثيف، قابل للاشتعال، بنى غامق أو بنى مخضر، يوجد فى الطبقة العليا من القشرة الارضية. وهو مصدر هام جداً من مصادر الطاقة الأولية، وهو المادة الخام للعديد من المنتجات الكيماوية، بما فيها الاسمدة، والمبيدات، واللدائن وكثير مِن الادوات البلاستيكية والرقائق والانابيب والاقمشة والنايلون والحرير الاصطناعى والجلود. والمسلم به بوجه عام، لدى علماء النفط، أن جميع أنواع النفط من أصل عضوى، على إنها يمكن نظرياً أن تتكون من تفاعلات لبعض المعادن، وقد بُنى هذا الافتراض على نتائج مختبرية قد بينت أن المواد العضوية من نباتية وحيوانية تستطيع بمعالجة ملائمة أن تعطى المادة الاولية للنفط، كما إن التحليل الطيفى يكشف فى أكثر أنواع النفط عن وجود برفرينات، وهى مواد مشتقة من اليخضور (الكلوروفيل) فهى مواد إذاً على هذا النحو من أصل عضوى صرف. ففى الطبيعة، خلال تاريخ الارض الطويل، حصلت إنطلاقاً من علق البحر وهو كتلة من الجسيمات البحرية المجهرية، حيوانية ونباتية، التفاعلات التى أفضت إلى تكون النفط. وقد ترسب ذلك العلق فى أعماق المياه وتحول تحت تأثير بكتريات، إلى وحول عفنة سميت " فحم أشى" بعد تفاعلات معقدة من التصبين أو التكثييف، تحولت بعد ذلك إلى مادة معقدة وغير متجانسة أطلق عليها" نفط أولى" والتى تحولت بدورها عن طريق الهدرجة إلى "نفط". غير أن تكون النفط يتطلب كميات وفيرة من الرواسب العضوية وعدم وجود الاكسجين. وتتوافر هذه الظروف فى الاحواض التى تكون مغلقة ولا تتصل بعرض البحر، إلا عن طريق منافذ ضيقة وقليلة العمق(الخليج العربى، ماراكايبو، على سبيل المثال)وهذه هى حال البحار الداخلية والبحيرات الشاطئية الاخذة بالتجفف. فيجتمع فيها ما يقذف به البحر من جراء صعوبة عودته إلى أدراجه، وتصبح الطبقات العُليا المحل المفضل لعلق البحر فيتكاثر فيها بسرعة فائقة. أما فى الاعماق فيبلغ التجمع درجة تجعل الحياة مستحيلة فتتراكم جثث الجسيمات وتتحول، فى مأمن من أكسجين الهواء إلى"وحول عفنة" ثم إلى "نفط أولى" ثم إلى نفط. تاريخ النفط(10) تم حفر أول بئر للنفط فى الصين فى القرن الرابع الميلادى أو قبل ذلك. وكان يتم إحراق النفط لتبخير الماء المالح لإنتاج الملح. وفى القرن الثامن الميلادى، كان يتم رصف الطرق الجديدة فى بغداد بإستخدام القار، الذي كان يتم إحضاره من ترشحات النفط فى هذه المنطقة. وفى القرن الحادى عشر الميلادى، بدأت حقول النفط فى باكو/أذربيجان بإنتاج النفط بطريقة إقتصادية لأول مرة. وكان يتم حفر هذه الحقول للحصول على النفط. التاريخ الحديث للنفط ويبدأ التاريخ الحديث للنفط فى عام 1853، بإكتشاف عملية تقطير النفط. فقد تم تقطير النفط والحصول منه على الكيروسين بمعرفة العالم البولندى إجناسى لوكاسفيز. وكان أول بئر نفط صخرى يتم إنشائه فى بوربكا، بالقرب من كروسنو فى جنوب بولندا، وفى العام التالى تم بناء أول معمل تكرير (فى الحقيقة تقطير) فى يولازوفايز وكان أيضا عن طريق "لوكاسفيز". وإنتشرت هذه الاكتشافات سريعاً فى العالم، وقام ميرزوف ببناء أول معمل تقطير فى روسيا فى حقل النفط الطبيعى فى باكو فى عام 1861.(11) وبدأت صناعة النفط الامريكية بإكتشاف إيدوين دريك للزيت فى عام 1859، بالقرب من تيتوسفيل بولاية بنسلفانيا. وكان نمو هذه الصناعة بطيء نوعاً ما فى القرن الثامن عشر الميلادى. وكانت محكومة بالمتطلبات المحدودة للكيروسين ومصابيح الزيت. وأصبحت مسألة إهتمام قومية فى بداية القرن العشرين بعد إختراع محركات الاحتراق الداخلية مما أدى إلى زيادة طلب الصناعة بصفة عامة على النفط. وقد أستنفذ الاستهلاك المستمر الاكتشافات الاولى فى أمريكا فى بنسلفانيا وأونتاريو مما أدى إلى "أزمة نفط "فى تكساس وأوكلاهوما وكاليفورنيا. وبالاضافة إلى ذلك، فإنه بحلول عام 1910 تم إكتشاف حقول نفط كبيرة فى كندا، وجزر الهند الشرقية، وإيران وفينزويلا، والمكسيك، وتم تطويرهم لإستغلالها صناعياً. (12) وبالرغم من ذلك وحتى عام 1955 كان الفحم أشهر أنواع الوقود فى العالم، وبدأ النفط يأخذ مكانته بعد ذلك. وبعد أزمة الطاقة فى السبعينات (وهى فى الواقع أزمة نظام(13) وليس كما يروج من كونها أزمة أصابت الطاقة على الصعيد العالمى) ركزت الحكومات على وسائل تغطية إمدادات الطاقة. فلجأت بلاد مثل ألمانيا وفرنسا إلى إنتاج الطاقة الكهربية بواسطة المفاعلات النووية حتى أن 70 % من إنتاج الكهرباء فى فرنسا أصبح من المفاعلات النووية. كما أدت (أزمة الطاقة!!) إلى دق جرس الانذار للدول الرأسمالية الكبرى بكون النفط مادة محدودة ويمكن أن تنفذ، على الاقل كمصدر طاقة إقتصادى. وفى الوقت الحالى فإن أكثر التوقعات الشائعة مفزعة من ناحية محدودية الاحتياطى المخزون من النفط فى العالم. ويظل مستقبل النفط كوقود محل جدل. وأفادت الاخبار فى الولايات المتحدة (كان ذلك فى عام 2004) أنه يوجد ما يُعادل إستخدام 40 سنة من النفط فى باطن الارض. ويوجد جدل أخر حول مدى قدرة التقنيات الحديثة على إنتاج الهيدروكربونات الرخيصة وأن الارض تحتوى على مقدر ضخم من النفط غير التقليدى مخزون على هيئة نفط رملى، وحقول بيتومين، وزيت طفلى وهذا سيسمح بإستمرار إستخدام النفط لفترة كبيرة من الزمن. وحاليا فإنه تقريباً 90% من إحتياجات السيارات للوقود يتم الوفاء بها عن طريق النفط. ويشكل النفط تقريباً 40% من الإستهلاك الكلى للطاقة فى الولايات المتحدة، ولكنه يشكل تقريباً 2% فقط فى توليد الكهرباء. وقيمة النفط السوقية تكمن فى إمكانية نقله، وكمية الطاقة الكبيرة الموجودة فيه، والتى تكون مصدر لمعظم المركبات، وكمادة أساسية فى العديد من الصناعات الكيمياوية، مما يجعله من أهم السلع فى العالم. وكان الوصول للنفط، كما هو معروف تماماً، سبباً فى كثير من حروب إبادة البشر. وتقريباً 80% من مخزون العالم للنفط يتواجد فى الشرق الاوسط، وتقريبا 62.5 % منه فى الخمس دول: المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، العراق، الكويت، إيران. بينما تمتلك أمريكا 3% فقط. مستقبل النفط : قمة هوبرت(14) نظرية قمة "هوبرت" وهى محل خلاف فيما يخص الانتاج والاستهلاك طويل المدى للنفط وأنواع الوقود الحفرية الأخرى، فهى تفترض أن مخزون النفط غير مُتَجدد، وتتوقع ان إنتاج النفط المستقبلى فى العالم يَجب حتماً أن يَصل إلى قمة ثم ينحدر بعدها نظراً لإستمرار إستنفاذ مخزون النفط. وهناك كثير من الجدل حول ما إذا كان الانتاج، أو بيانات الاسكتشاف السابقة يُمكن أن تُستخدم فى توقع القمة المستقبلية. ويمكن إعتبار الموضوع على درجة من الاهمة بالنظر للعالم كَكُل. جدول الدول الخمس الاول فى الانتاج والاستهلاك والتصدير الدولة الانتاج الدولة الاستهلاك الدولة التصدير الولايات المتحدة 19,500,000 السعودية 10,780,000 السعودية 8,728,000 الاتحاد الاوروبى غير متاح روسيا 9,810,000 روسيا 4,930,000 الصين 14,440,000 الولايات المتحدة 8,514,000 إيران 2,719,000 اليابان 7,999,000 إيران 4,174,000 الامارات العربية 2,700,000 الهند 4,785,000 الصين 3,795,000 كندا 2,421,000 http://www.reefnet.gov فقد لاحظ كينج هوبرت(1903- 1989) أن الاكتشافات فى الولايات المتحدة وصلت لقمة فى الثلاثينيات من القرن العشرين، وعلى هذا فقد توقع وصول الانتاج إلى قمته فى السبعينيات من القرن العشرين. وإتضح أن توقعاته صحيحة، وبعد وصول الولايات المتحدة لقمة الانتاج فى عام 1971 بدأت فى فقدان السعة الانتاجية. ومنذ هذا الوقت وصلت مناطق عديدة لقممها الانتاجية. فقد أكدت الصين، مثلاً، أن (2) من أكبر مناطق الانتاج لديها بدأت فى الانحدار، كما أعلنت الشركة القومية لإنتاج النفط بالمكسيك أن حقل كانتاريل يُتوقع أن يصل لقمة إنتاجه عام 2006، ثم يكون معدل إنحداره 14% سنوياً. وهذا ما حدث فعلاً. ولأسباب عديدة (يمكن أن يكون منها عدم الشفافية فى الابلاغ عن المخزون الحقيقى فى العالم) من الصعب توقع قمة النفط فى أى منطقة بالعالم. بناءً على بيانات الانتاج المتاحة، ويوجد توقع جديد بمعرفة مصرف "جولدمان ساكس" الامريكى بحلول قمة النفط عام 2007، وبعدها بوقت ما للغاز الطبيعى، وهوالتوقع الذى لم تثبت الايام خطأه حتى الان (2011) بشكل قاطع. وأحد المؤشرات هو النقص الكبير فى مشاريع الزيت الجديدة منذ عام 2005 . جدول للاحتياطيات والانتاج وقدرة التصدير
المنتج إحتياطى (بالبليون برميل إحتياطى (% من الاجمالى العالمى) إنتاج (مليون برميل /يوم) إنتاج (% من الاجمالى العالمى) الاستهلاك (مليون برميل/يوم) المتاح للتصدير(مليون برميل/يوم) المكسيك 12,2 1 3,48 4,4 2,02 1,46 فنزويلا 87 7 2,61 3,4 0,70 2,01 كولومبيا 4,3 0,3 0,56 0,7 0,23 0,33 روسيا 79,4 6,4 9,98 12,6 2,70 7,28 أذريبجان 7 0,6 0,87 1,1 0,09 0,78 كازخستان 39,8 3,2 1,49 1,8 0,22 1,27 نيجيريا 36,2 2,9 2,36 2,9 0,30 2,06 أنجولا 9 0,7 1,72 2,2 0,06 1,66 منتجون آخرون من غير دول الخليج 274,9 22,2 23,07 27,07 6,22 16,85 منتجون آخرون من دول الخليج 749,9 60,6 24,43 30 6,20 18,23 الجدول بتصرف يسير منقول عن: مايكل كلير، دم ونفط، دار الساقى. بيروت 2011 تصنيف النفط يصنف خام النفط طبقاً لمكان المنشأ (مثلاً وسط غرب تكساس، أو برنت) وغالباً عن طريق وزنه النوعى وفقاً لمعايير معهد النفط الامريكى API (American Petroleum Institute) أو عن طريق كثافته (خفيف، متوسط، ثقيل) كما أن من يقومون بعمليات التكرير يطلقوا عليه "حلو أو مسكر" عند وجود كميات قليلة من الكبريت فيه، أو "مر" مما يعنى وجود كميات كبيرة من الكبريت، ويتطلب مزيداً من التقطير للحصول على المواصفات القياسية للانتاج. الوحدات العالمية مزيج برنت، وكما سنرى أدناه، ويحتوى على 15 نوعاً من الزيت من حقول برنت ونظام نينيان بحوض شيتلاند الشرقى. وبصفة عامة فإن إنتاج النفط من أوروبا، وأفريقيا، والشرق الاوسط يتجاوز الحدود الغربية التي تسعى لتحديد أسعار النفط، مما يؤدى إلى تصنيفها طبقاً لعلامة إسترشادية. خام برنت. ووسط وغرب تكساس"دبليو تى أى" لزيت شمال أمريكا. وتستخدم دبى كعلامة إسترشادية لمنطقة أسيا، ولزيت الشرق الاوسط. وتابيس الماليزى، يستخدم كمرجع للنفط الخفيف فى منطقة الشرق الاقصى. وميناس الاندونيسى، يستخدم كمرجع للنفط الثقيل فى منطقة الشرق الاقصى. وتتكون سلة الاوبك من: النفط الخفيف/ المملكة العربية السعودية، بونى نفط خفيف/ نيجيريا، خام نفط فاتح/ دبي، إسمس المكسيك (لا يتبع أوبك) ميناس/ إندونيسيا، مزيج شهران/ الجزائر، تيا جوانا لايت/ فينزويلا. وتحاول "الاوبك" إبقاء سعر سلة الاوبك بين الحدود العليا والدنيا، بزيادة أو تقليل الانتاج. وهذا يجعل من تحليلات السوق عاملاً فى غاية الأهمية. وتشمل سلة الاوبك مزيج من نفط الخام الثقيل والخفيف، وهي أثقل من برنت، دبليو تى أى. خام برنت ويُستخدَم خام برنت كمعيار لتسعير ثلثى إنتاج النفط العالمى، خاصة فى الاسواق الاوروبية والافريقية، ويتكون برنت من مزيج نفطى من 15 حقلاً مختلفاً فى منطقتى برنت وتينيان فى بحر الشمال، اللتين تنتجان نحو 500 ألف برميل يومياً، ويُعتبر من النفوط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعى البالغ 38 درجة وإنخفاض نسبة الكبريت التى تصل الى 0.37 فى المائة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الاخرى، فانه بشكل عام يُباع بسعر أعلى من سلة نفوط أوبك بنحو دولار للبرميل، وبسعر أقل من خام غرب تكساس بنحو دولار أيضاً، وعلى الرغم من أن الدول الاوروبية تستهلك أغلب إنتاج خام برنت، لكنه يُصدر أحياناً إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الافريقية، وتوجد أكبر أسواق النفط فى العالم فى لندن ونيويورك وسنغافورة، لكن النفط الخام والمنتجات المكررة، مثل الجازولين وزيت التدفئة، تُباع وتُشترى فى جميع أنحاء العالم. وللنفط الخام أنواع وخواص مختلفة تتوقف على وزنه النوعى ومحتواه من الكبريت وهما عاملان يختلفان بإختلاف موقع إستخراجه. وفى حال عدم ذكر بيانات أخرى، فإن سعر النفط الذى يظهر فى وسائل الاعلام فى المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية قد يُشير على الارجح إلى سعر البرميل من خام برنت المستخرَج من بحر الشمال والذى يُباع فى بورصة النفط الدولية فى لندن. ويتم ذلك عادة فى صورة عقود آجلة تسلم فى الشهر التالى. وفى مثل هذا النوع من المعاملات يَتفق المشترى على تسلم الشحنة ويوافق البائع على توفير كمية محددة من النفط بسعر متفق عليه مسبقاً فى موقع معين. ولا يتم تداول العقود الاجلة إلا من خلال معاملات مالية منظمة تُسدد يومياً بناءً على قيمتها الحالية فى السوق. والحد الادنى للشراء هو ألف برميل. ولأنه توجد أصناف ودرجات مختلفة من النفط الخام فقد وجد البائعون والمشترون أنه من الاسهل الاشارة إلى عدد محدود من خامات النفط وجعلها معياراً. أما الاصناف الاخرى فيتحدد سعرها بعد ذلك إما بخصم أو زيادة بحسب جودتها. ويُقبَل خام برنت بوجه عام على أنه المعيار العالمى برغم أن كمية المباع منه تقل بكثير عن بعض خامات المملكة العربية السعودية على سبيل المثال. ووفقاً لبورصة النفط الدولية فإن خام برنت يُستخدم لتسعير التعاملات فى ثلثى إمدادات النفط الخام فى العالم. وفى منطقة الخليج العربى، يُستخدم خام دبى كمعيار لتسعير مبيعات خامات المنطقة الاخرى المباعة لدول آسيا. الصراع العالمى على الزيت تعود العلاقة بين الزيت وبين القوة العسكرية إلى السنوات الاولى من القرن العشرين؛ حينما حولت القوى المتحاربة، ألمانيا، وبريطانيا العظمى أسطولهما البحرى من التسيير بالفحم إلى التسيير بالنفط. ولما كانت بريطانيا تفتقر إلى الزيت، فقد وجدت نفسها معتمدة على إحتياطيات النفط فى الشرق الأوسط، ولهذا أصبحت حماية هذه الاحتياطيات حاسمة مع إندلاع الحرب العالمية الاولى. فظهور الدبابة والغواصة والطائرة المقاتلة التى تعمل بمحرك ديزل، عمل على تعميق أهمية الزيت، وعند نهاية الحرب كان الوصول إلى النفط عاملاً رئيسياً فى التخطيط الاستراتيجى للقوى المتنافسة. وأستمر الوضع على ما هو عليه بعد الحرب. وحاولت بريطانيا، التى كانت حينئذ مسيطرة فعلياً على حقول الزيت فى إيران، أن تمد نفوذها إلى الحقول فى العراق والكويت. وكانت فرنسا أيضاً تبحث عن موطىء قدم فى هذه المنطقة. وركزت اليابان على منطقة الانديز الشرقى الهولندى، والتى كانت منطقة منتجة آنذاك للنفط. وبدأت الولايات المتحدة بحثها عن النفط على إمتداد الحافة الجنوبية للخليج، كانت كل هذه القوى، إضافة إلى ألمانيا والاتحاد السوفيتى، تعرف أن الوصول إلى الزيت سيكون حاسماً فى الحرب القادمة، ولهذا كرس الجميع، عندما إندلعت الحرب العالمية الثانية، قوات أساسية للحصول عليه. ولقد قدمت اليابان نموذجاً واضحاً للإقدام على الحرب من أجل النفط؛ فلم تكن اليابان مؤمنة من تلك الجهة، وكان شبح فقد أو نقصه النفط دائما ما كان يتراقص أمام أعين القادة فى طوكيو، ولذلك كان القرار هو الاستيلاء على الحقول المنتجة فى منطقة الانديز الشرقى الهولندى. أقدمت اليابان على ذلك العدوان على حقول النفط وهى تعلم يقيناً أن أمراً كهذا لا شك يثير غضب الولايات المتحدة، فكان القرار الثانى هو توجيه ضربة عسكرية إستباقية إلى الأسطول الامريكى فى بيرل هاربر فى هاواى. ومن ثم صارت الولايات المتحدة أحد الاعضاء الرئيسيين فى دائرة القتال العالمى.ولم يكن التقدم، المؤقت، الذى أحرزه الزحف الالمانى فى الأراضى السوفيتية فى عام 1941، إلا من أجل النفط، بالسيطرة على الابار فى القوقاز. أدركت الولايات المتحدة ما بعد الحرب أن الدور الذى يلعبه الزيت هو دور فيصلى ويتعلق بالامن القومى، ومن هنا عملت دوماً على ترسيخ وجودها فى الخليج العربى ضماناً لانسياب النفط. ولم يقتصر هذا التواجد فقط على الخليج العربى وإنما إمتد إلى العديد من الاجزاء على مستوى العالم؛ وتظهر إعتبارات أمن الزيت ً بالنسبة للولايات المتحدة فى برنامج المساعدة العسكرية لاذربيجان وكازخستان، فوفقاً لوزارة الخارجية الامريكية فإن جزءً مهماً من مبلغ الخمسين مليون دولار المخصص لأذربيجان فى السنة المالية 2004 سينفق من أجل تعزيز "أمن الحدود البحرية" للبلد؛ وفى كازخستان تستخدم المساعدة الامريكية لتجديد القاعدة الجوية القديمة من العهد السوفيتى فى "أتيروا" على الساحل الشمالى لبحر قزوين، قرب حقل زيت "تنجيز" الغنى بالزيت(15) ومن أجل الزيت كان الزحف السوفيتى على أفغانستان وصولاً إلى المناطق الابعد الغنية بالنفط، ومن أجل الزيت تم قذف العراق، ومن قبله أفغانستان، وإن كان السبب الاكثر أهمية، بتصورى، هو ضبط أسواق المخدرات التى كادت تشهد الانفلات على صعيد الانتاج والتوزيع العالميين. ومن المعروف مدى إرتباط بارونات المخدرات وأباطرة الدواء بتلك السوق. ومن أجل الزيت يتم الآن قذف ليبيا، وكما سبق وذكرنا فإن الأمر لا يقتصر على العدوان العسكرى من أجل تثبيت الاقدام وضمان الامداد المستمر، وإنما يصل إلى المشاركة الفعالة فى الانقلابات العسكرية وتأجيج الحروب الاهلية والصراعات الاثنية خلقاً لبؤر التوتر على الصعيد العالمى وهو الامر الذى يضمن عدم تولى حكومة وطنية السلطة فى بلاد الزيت. ومن أجل الزيت، كذلك، تدور حروب مريرة فى نيجيريا البلد الرئيسى المنتج للنفط فى أفريقيا بعد أن نهب الجنرالات الثروة، ولم تكن دول حوض بحر قزوين أحسن حالاً فلقد شهدت تلك المنطقة صراعاً دموياً سقط معه عشرات الضحايا وبصفة خاصة فى أوزبكستان فى مارس 2004، ومن أجل الزيت، أيضاً، حدثت المجازر فى الشيشان؛ والتى عادة ما يتم تقديم الصراع الدامى فيها على أساس من كونه صدام بين قوى معادية، إثنية ودينية، أو صراع على السلطة بين الحكومة المركزية فى موسكو وبين سكان يسعون إلى الاستقلال، بيد أن ثمة بُعد جيوبولتيكى مهم: فقد كانت جروزنى، فى ظل الحكم السوفيتى، مركزاً رئيسياً لتكرير الزيت، كما كانت نقطة ترانزيت حرجة لانابيب النفط التى تحمل طاقة بحر قزوين إلى روسيا، وأوكرانيا، وأوروبا الشرقية جدول أكبر شركات النفط على الصعيد العالمى الشركة بلد المقر عدد المظفين الايرادات سنة التأسيس أو الاندماج شيفرون الولايات المتحدة 26000 204,92 1879 إكسون موبيل ( إندماج استاندرد أويل أوف نيوجيرسى، وأستاندرد أويل أوف نيو يورك، واستاندر أويل) الولايات المتحدة 83600 383,221 1990 شل الملكية الهولندية لاهاى/ هولندا 101000 368,056 1907 توتال كوربفوا/ فرنسا 92855 159,270 1924 كونكو فيليبس (إندماج كونكو وفيليبس) الولايات المتحدة 29700 198,655 2002 http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_petroleum_companiesr
بيانات محاسبية منتقاة من الميزانية العمومية لشركة "شل" لعام 2009 (جدول رقم 18) المنطقة نفقات الانتاج نفقات البحث والتطوير الارباح قبل الضريبة الارباح بعد الضريبة التدفق النقدى المصروفات الادارية أوروبا 3,299 415 5,745 2,989 4,724 1,555 أسيا والمحيط الهادى 1,705 غير متاح 3,068 454 3,723 71 الأمريكتان 5,414 219 1 1,144 كان 5,641/2007 و(5,00/2005) 7,067 541 http://www.shell.com زيت كاراكاس والسوق العالمى والان وبعد أن وقفنا على الخطوط العريضة لتجارة تلك السلعة، والصراع الدائر حولها، فإنه يتعين أن نلقى النظرة المتعمقة نسبياً على أوضاع الصراع حول الزيت فى فنزويلا، وإنما مستفيدين من التاريخ الذى سبق وأن إستعرضناه سلفاً، إلا أننا سوف نتناول الامر بشكل مختصر، وأكثر تركيزاً. فلقد تم إكتشاف النفط فى فنزويلا، كما سبق القول، عام 1917، حيث تم كشف بعض الحقول من حول بحيرة ماراكايبو تغطى مساحة قدرها 30 ألف ميلاً مربعاً، وتم إستغلاله الفعلى عام 1922، تحت سيطرة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وحتى التأميم عام 1976، فى عهد كارلوس بيريز، وتهيمن حالياً على الاستغلال عدة شركات إمبريالية أهمها: شركتان أمريكيتان إلى جوار"الشركة الوطنية"،"إكسون موبيل"(أصولها 149 مليار دولار موزعة فى أكثر مِن 820 شركة تعمل فى نحو 100 دولة) أما الثانية فهى شركة "شيفرون" (أصولها 78 مليار دولار) وأضف إلى إكسون موبيل وشيفرون، شركة ربسول الاسبانية. وهناك ثلاث مناطق رئيسية لاستغلال النفط وهى: منطقة حوض بحيرة ماراكايبو فى الغرب وشرق فنزويلا بين المرتفعات الشمالية والاورنيكو الادنى والسهول الوسطى الغربية من حوض نهر بارنياس أبور. ومن جانب أخر، وإضافة إلى كون فنزويلا تُمثل إمتداداً طبيعياً لسوق النفط العالمية، وإنما إبتداءً من قانون القيمة، فإن إرتباطها بالولايات المتحدة الامريكية فى مجال "تجارة النفط" البينية قد أخذ فى التراجع منذ عام 2002 وحتى 2009، فوفقاً لأرقام 2002 كانت تَستورد فنزويلا نحو 60%، من الولايات المتحدة الامريكية، وتُصدر لها نحو 35,8%، على حين أن أرقام 2009، تشير إلى ان الواردات تقلصت إلى23.66 %، مع بقاء قيمة الصادرات عند نفس الرقم تقريباً. يتعين هنا الوعى بالوزن النسبى لأهمية الولايات المتحدة الامريكية وبعض الاجزاء المتقدمة الاخرى(إيطاليا، أسبانيا، ألمانيا) من الاقتصاد الرأسمالى العالمى فى واردات فنزويلا وصادراتها، ويرتبط هذا الوعى بوعى ملازم لمدى الاندماج فى السوق العالمية، والسوق العالمية للنفط بصفة خاصة، ولقد عبر باتريك لارسن عن حجم هذا الاندماج بقوله :" على العكس مما يروجه بعض الاصلاحيين فى فنزويلا، سوف يكون للازمة الاقتصادية العالمية تأثير على فنزويلا. وفى الواقع لقد بدأ هذا التأثير يظهر فعلاً. فخلال نصف سنة فقط، إنتقلت أسعار برميل البترول من 147 دولاراً إلى أقل من 40 دولاراً. وقد وجه هذا ضربة هائلة لاقتصاد البلد. كما أن أسعار المواد الخام الاخرى، من قبيل الالمنيوم والفولاذ، التي تُنتجها فنزويلا بكميات ضخمة، عرفت بدورها انهياراً مأساوياً. سوف يؤدى هذا بالتأكيد إلى تلغيم أسس المكاسب التى حققتها الثورة. ولقد أعلنت شركة النفط العمومية PDVSA التى تمول العديد من المشاريع الاجتماعية، عن تقليص ميزانية هذه السنة بـ 40 %. كما قفزت معدلات التضخم إلى مستويات عالية، حيث سجلت الآن حوالى 30 %، وقد إرتفعت أسعار المواد الغذائية فى كاراكاس بـ 50 % خلال عام واحد. هذا يخلق مشاكل عويصة لآلاف الاسر العمالية التى لا تحصل على ما يكفيها. وإذا لم يتم حل تلك المشاكل، فإنها سوف تجعل الدعم الذى تتمتع به الثورة فى خطر كبير. المشكل الرئيسى هو أن الاقتصاد الفنزويلى لا يزال إقتصاداً رأسمالياً، ومن ثم يتوجب عليه أن يمتثل لقوانين السوق. للقضاء على هذا الوضع يجب تطبيق مخطط إشتراكى من أجل إعادة تعبئة إمكانيات البلد الانتاجية وضمان السير السلس للاقتصاد. لكن من أجل القيام بهذا يجب القضاء على السيطرة الاقتصادية للاوليجارشية، التى لا تزال تسيطر على مفاتيح الاقتصاد الرئيسية بين أيديها"(16)
الفصل الرابع المدخل الهيكلى لفهم الظاهرة _____________________________________________________
مقدمة: لقد قادتنا خطواتنا الفكرية الثلاث التى مشيناها حتى الان فى سبيل تقديم إجابات عن الاسئلة المنشغلة بأطراف الصراع ودور الولايات المتحدة الامريكية والدائرين فى فلكها، فى الانقلاب على رئيس الدولة "هوجو تشافيز" نقول قد قادتنا خطواتنا تلك والتى مشيناها بداخل الفكرة الاكبر المنشغلة بالخط المنهجى الذى نقترحه للبحث بوجه عام فى المفهوم الخاص بنا والذى نقترحه بشأن التخلف الاقتصادى والاجتماعى من خلال النظر فى قارتى التسرب (افريقيا وأمريكا اللاتينية) نقول قادتنا خطواتنا الفكرية الثلاث تلك إلى رصد الاحداث، أولاً، ثم إستعراض مجمل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال المئة عام الاخيرة، وهو التاريخ القريب، حتى الان من خلال التاريخ والجغرافيا، ثانياً، ثم، ثالثاً، التعرف على حقيقة الصراع الراهن وطبيعته، والسلعة التى عليها الاقتتال ليس بداخل فنزويلا فحسب، بل وعلى الصعيد العالمى ككل. ولن نكون فى حاجة كما أظن إلى تكرار نفس الكلام حينما نذهب إلى الخرطوم. ولكى يكتمل خطنا المنهجى المقترح فيتعين أن ننتقل إلى خطواتنا الفكرية الرابعة وهى فى الواقع تتطابق مع الخطوة الفكرية الرابعة كذلك فى منهجنا المقترح والذى يتبدى فى فهم ما هو (أدائى) فى ضوء ما هو (هيكلى) وذلك على أساس قيامنا بمناقشة الاشكاليات التى تطرح نفسها فى قارتى التسرب من خلال مناقشة الاقتصاد، والجغرافيا، والمجتمع، وأخيراً التاريخ الذى يأتى كى يُرسل نوره ساطعاً على تلك الاماكن المعتمة والمسكوت عنها فى الخطوات السابقة: الاقتصاد والجغرافيا والمجتمع. ولذا كان من المتعين، كخطوة تالية الذهاب أبعد من بدايات القرن الماضى حتى أخره وهى الفترة التى إنشغلنا فيها حتى الان بتحليل مجمل الصراع الاجتماعى الراهن، كى ندرس الهيكل وبأن نضع الظاهرة محل البحث فى سياق الكل التاريخى والاجتماعى الذى تنتمى إليه، وهو الامر الذى يعنى الذهاب لفهم الظاهرة التى طرحت نفسها فى فنزويلا عبر قرن من الزمان وهى تلك المتعلقة بالصراع الاجتماعى الراهن بين عدة قوى إجتماعية تتناقض مصالحها وإنما تدور كلها حول النفط والسلطة، ولن يمكن فهم هذا الصراع الاجتماعى كظاهرة إلا بوضع الظاهرة فى إطار الوعى بالقوانين الموضوعية الحاكمة للنظام الرأسمالى الدولى المعاصر والذى نشأت فى ظلاله الظاهرة وتطورت حتى أفرزت شريحة إجتماعية جديدة هى البتروليتاريا والتى أعلنت ولاول مرة تاريخياً إمكانية تحالف الاضداد على أرض الواقع، أى عكس ما يُلقن تماماً، إذ شهد الصراع الراهن كما رأينا فيما سبق تحالفاً معلناً بين الرأسمال وبين قوة العمل. وعليه سيكون من اللازم لإستكمال الطرح أن نذهب إلى حيث وقائع أول عدوانية مباشرة لرأس المال الاوروبى على الاقتصاد المعاشى فى أمريكا اللاتينية بوجه عام وفى فنزويلا بوجه خاص، فلنذهب إذاً إلى محاولة تكوين الوعى الهيكلى بصدد الصراع الاجتماعى الراهن فى فنزويلا، والذى لا توجد جذوره فى أحداث العشر سنوات السابقة أو حتى المئة عام الأخيرة، كما يبدو ظاهرياً، وإنما تضرب جذوره فيما هو أبعد من ذلك إبتداءً من وصول الاسطول الاوروبى الغازى، وسيكون فصلنا هذا منشغلاً بإستكمال تلك الخطوة الفكرية الاخيرة فى كل من: (1) فى محاولتنا الاجابة على الاسئلة التى أثارتها المسألة الفنزويلية من جهة أطراف الصراع ودور الولايات المتحدة كما ذكرنا. (2) فى الخط المنهجى المقترح للبحث فى ظاهرة التخلف الاقتصادى والاجتماعى؛ بالنظر فى قارتى تسرب القيمة الزائدة. أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفى سبيلنا إلى ذلك سنقسم فصلنا الرابع هذا ثلاثة مباحث: المبحث الاول: تاريخ القهر المبحث الثانى: من الرصد إلى التحليل المبحث الثالث: ديالكتيك الربح والريع
المبحث الاول: تاريخ القهر ولكى يكتمل تصورنا النظرى، مِن خلال إستكمال خطنا المنهجى، فإنه يتعين أن نُعاين هيكل القارة اللاتينية، كخطوة فكرية تالية، حتى نستوعب فنزويلا بشكل أكثر دقة، وإنما إبتداءً من كون فنزويلا البوليفارية هى أحد أجزاء القارة غير المتجانسة، بالتأكيد على أن عدم التجانس هذا لا يُمثل معطى، وإنما يلزم إثارة كيفية تحققه فى إطار عملية تطور الاقتصاد الرأسمالى الدولى، وتكونه التاريخى، إذ أنه، أى عدم التجانس، نتيجة يتعين البحث عن أسبابها خارج نطاق الجغرافيا، بشكل مؤقت منهجياً بالطبع، إبتداءً من الوعى بالعملية التاريخية التى أفقدت المجتمع شروط تجديد إنتاجه، كى يندمج فى منظومة الفائض والهدر الاجتماعى. إنها العملية التاريخية التى تَتَحدد خطوطها العريضة بما يلى: (1) الوعى بالعدوانية المباشرة لرأس المال الاوروبى الاستعمارى على مجتمعات الاقتصاد المعاشى(بكل خصوصيته، وحضارته المدهشة: الانكا، والازتك) فى أمريكا اللاتينية (وفنزويلا جزء لا يتجزء من أجزائه تلك غير المتجانسة، كما ذكرنا) وبحصول الصراع الجدلى بين أسلوب الانتاج الرأسمالى، الناشىء بمنتهى العنفوان، وبين مجابهة المنتج الوطنى فى المستعمرة، والذى كان فى الأصل مالكاً لشروط تجديد إنتاجه، تبدأ العمليـة التاريخية (الدامجة(1)) المتزامنة مع ضخ المزيد من قـوة العمل(المستورَدة، المقتَنَصة) من خـلال تجارة سَيطر عليها أنذاك التاج الاسبانى والتاج البرتغالى، وتبعهم فى ذلك فيما بعد باقى القوى الاستعمارية الاوربية. لا بد إذاً، مِن البحث فى دور الغزو الاستعمارى الاوروبى (الاسبانى والبرتغالى تحديداً) فى دَمج الاقتصاديات المستعمرة (أمريكا اللاتينية بصفة عامة، وفنزويلا بصفة خاصة) ذات الاكتفاء الذاتى، أى الانتاج خارج فكرة التداول المعمم، فى إقتصادياتها المستعمرة كأحد الأجزاء التابعة. فلقد ظل الأسبان، عقب إستقرارهم فى جُزر الهند الغربية، يُرسلون البُعوث الاستعمارية لاستكشاف شواطىء أمريكا الوسطى، حينما سمعوا عن بلاد فى الغرب، يكثر فيها الذهب، والفضة بكميات لا تُحصى؛ فعَهدوا إلى حملة صغيرة بقيادة "كورتز" لغزو هذه البلاد، المكسيك حالياً، والتى كانت موطن قبائل ذات كُنوز وحضارة وفنون وديانات. إنها حضارة الازتك، التى أُبِيدَت ومُسحت مِن على خريطة العالم. ومِن هنا فقد سَمع الاسبان عن"بيرو" موطن قبائل أخرى وهى ذات كنوز وحضارة لا تَقل فى روعتها عن الازتك، إنها حضارة الانكا؛ فأعدوا حملة بقيادة "بيزارو" للاستيلاء عليها، وتَحكى المراجع المختلفة فى هذا الشأن؛ أن أهل تلك البلاد أهل سلام وسلم وسكينة، يَملكون مِن الذهب مالم يَخطر على بال أوروبى؛ حتى أن مَلِك الإنكا، أتاهوالبا، لما أُسر، إفتدى نفسه، كما يُروى، بملء الحجرة التى كان فيها ذهباً، فأخذه بيزارو، ثم قتله، وذلك عام 1533، ودخلت "بيرو" ضمن أملاك أسبانيا، ولم يمضْ وقتٌ طويل حتى أصبحت مُعظم بلاد أمريكا اللاتينية فى قبضتهم. ويتمكن الجدولان التاليان من بيان كيف فقدت بلدان القارة تاريخياً شروط تجديد إنتاجها، ومن ثم فقد وسائل الدفع الدولية، وعلى الجانب الاخر يظهر الجدولان(2) حجم التراكم الرأسمالى الذى تحقق فى أوروبا خلال الفترة من القرن الخامس عشر وحتى نهايات القرن الثامن عشر. جدول يوضح مقدار الفضة المنهوبة من أمريكا اللاتينية (جدول رقم 19) البلد المنهوبة الفترة بملايين الماركات الفضية بوليفيا 1545- 1800 5282,16 بيرو 1533 – 1800 1610,3 المكسيك 1522 - 1800 8280,64 المصدر: الدكتور رمزى زكى، التاريخ النقدى للتخلف، دراسة فى أثر نظام النقد الدولى على التكون التاريخى للتخلف بدول العالم الثالث، عالم المعرفة. الكويت 1987 العدد (191)
جدول يوضح مقدار الذهب المنهوب من أمريكا اللاتينية (جدول رقم 20) البلد المنهوبة الفترة بملايين الماركات الذهبية المكسيك والهند الغربية 1500- 1800 642 بيرو 1543 – 1800 1050 تشيلى 1500 - 1800 470 البرازيل 1701 - 1800 2410 المصدر: الدكتور رمزى زكى، التاريخ النقدى للتخلف، دراسة فى أثر نظام النقد الدولى على التكون التاريخى للتخلف بدول العالم الثالث، عالم المعرفة. الكويت 1987 العدد (191) (2) فرض الزراعة الاحادية على أغنى أراضى قارة أمريكا اللاتينية وأخصبها وأوفرها إنتاجاً: البرازيل، باربادوس، جـزر سوتابنتو، ترينـداد وتوباجو، كوبا، بورتوريكو، الدومينيكان، هاييتى، الامر الذى كَون، تاريخياً، بلداناً كالاكوادور على سبيل المثال يَتوقف مصير سُكانِها على تقلبات الاثمان العالمية للبن أوالكاكاو، أوالموز!! هنا يجب الوعى بالكيفية التى تمت مِن خلالها عملية تعميق هذا الشكل مِن الزراعة مِن خلال هيكلة إقتصاديات بُلدان القارة على نحو يَخدم، بإخلاص، إقتصاديات الاجزاء (الاستعمارية) بجعل بلدان القارة مورداً دائماً للمواد الاولية، الحال الذى أفضى، بعد إستنزاف التربة، إلى إستيراد الطعام؛ فالارض أقسمت ألا تُنتِج سوى المحصول الواحد، المحصول الاستعمارى: سكر، كاكاو، مطاط، بن، قطن. (3) تعميق هذا الشكل من الزراعة من خلال هيكلة إقتصاديات بلدان القارة(وسطاً وجنوباً) على نحو يخدم(بإخلاص يكاد أن يكون فطرياً) إقتصاديات الاجزاء المتقدمة(الاستعمارية) بجعل بلدان القارة مورداً دائماً للمواد الاولية، الحال الذى أفضى، بعد إستنزاف التربة، إلى إستيراد الطعام، وبعد أن أقسمت الارض أن لا تٌنتِج سوى المحصول الواحد: سكر، كاكاو، مطاط، بن، قطن!! والسؤال الان: مَن الذى كان (ولم يزل) يستورد هذا الطعام؟ ومِن (مَن؟) (ولمن؟) الاجابة ستكون يسيرة إذ ما كان الواقع يشير إلى طبقتين: المالكـة والمملوكة. المالكـة: تملك الارض ومحصولها(المعد أساساً للتصدير، للسوق العالمى، ومن ثم للثمن العالمى) والمملوكة: لا تملك سوى قوة عملها المنهكة والمأجورة غالباً عيناً، والمهددة فى بقائها حية من جراء سوء التغذية والعمل العبودى فى أراضى المحصول الواحد!! (4) كما يَتعين التقدم، لفهم تسرب القيمة، ومِن ثم التبادل غير المتكافىء، خطوة إلى الامام، تاريخياً ومِن ثم منهجياً، بالبحث الواعى فى دور الشركات الاجنبيـة العملاقـة ورؤوس أموالها القومية فى تعميق الدور الذى تلعبه أجـزاء القارة المختلفـة كمورِد رئيسى للمـواد الاولية، دون أى مشاركـة مِن هذه الاجزاء فى عملية التجارة فى أى مرحلة مِن مراحلها، إنتاج، تسويق، توزيع، تخزين، . . . . مع الحفاظ دائماً على إثارة القلق فى أسواق تلك المنتجات، حفاظاً على التحكم فى أثمانها العالمية وإمكانيـة التلاعب بها. وكما ذكرنا تُعتبر شركات النفط العالمية الكبرى مِن أقدم الشركات المتعددة الجنسية فى هذا الشأن. (5) يتعين الاستمرار فى البحث وصولاً للكيفية التى مِن خلالها يظهر الاقتصاد الفنزويلى، كإقتصاد متخلف، مُركَب مِن قطاعات مُنعزلة أو شبه مُنعزلة، لا تُقيم فيما بينها إلا مُبادلات هامشية، بينما يتم الجزء المهم والجوهرى مِن مبادلاتها (وبخاصة النفط) مع الخارج، وبينما يَعكس قطاع الزراعة (الذى يقع تحت وطأة إعادة الهيكلة العالمية) مظاهر الاندماج كافة فى السوق الدولية، بمعنى الانتاج إبتداءً مِن السوق وتبعاً لقوانين السوق، أى الاندماج فى منظومة الفائض والهدر الاجتماعى، وإنما إبتداءً مِن سيادة قوى إنتاجية متخلفة(تَركُز ملكية، تخلف أساليب الاستغلال، الاحتفاظ ببعض مظاهر الاقتصاد المعاشى، الانفصال التاريخى للريف عن المدينة) وعلاقات إنتاج شفافة (أقرب إلى القنانة أو العبودية) لم يسمحا بعد، أى قوى الانتاج وعلاقاته، بتطورات جدلية ملحوظة على صعيد رد الفعل الاجتماعى، فإن القطاع الصناعى يَتكون، إضافة إلى الشركة الام، مِن منشأت عملاقة (أجنبية أو فروعاً مِن وحدات محليّة) تقع مراكزُها المحركة خارج الاقتصاد الفنزويلى، وعلى حين تقوم تلك الوحدات الضخمة بإستخراج الثروة المنجمية (فحم، حديد، نفط) فإنها تَستخرجها لا لكى تغذى بها صناعات وطنية وليدة، بل تُصدرها، أو تمتص أموالها، من أجل تغذية مجموعات صناعية مُعقدة فى الاجزاء المتقدمة وبخاصة بداخل الاقتصاد الامريكى؛ الوريث التاريخى للهيّمنة الاستعمارية الاوربية. (6) الامر الذى تزامن مع نشوء المزرعة الاستعمارية(اللاتيفونديات) وتبلور الطبقات الاجتماعية المكونة تاريخياً فى ركاب رأس المال الأجنبى(الاسبانى والبرتغالى والانجليزى والهولندى والفرنسى، ثم الامريكى كأمتداد للهيمنة والسيطرة) ومن هنا نشأت أرستقراطية السكر، وأوليجارشية الكاكاو، وبخاصة فى كاراكاس الفنزويلية مع نهاية القرن السادس عشر، كما ظهرأثرياء الغابة (المطاط) وأباطرة البن. (7) تنهض هذه الطبقات(فى حركتها الاجتماعية المتعادية والمتناقضة، بلعب دور البطولة المطلقة من خلال الارباح التى تجنيها بفعل القانون الموضوعى للقيمة، فى تدعيم بنية الخضوع والهيمنة، وتكريس عوامل التخلف التاريخى لدول القارة، فتلك الطبقات التى تربت فى كنف المستعمر وتلقت تعليماً إستعمارياً راقياً، والتى ترغب فى محاكاة النموذج الاستعمارى، وبصفة خاصة فى بعده الثقافى دون وعى كبير ببعده الاقتصادى، ثم التأكيد على أن بقاءها فى السلطة مرتهن بالقمع، فإن تلك الطبقات لا توجه(ولا يمكن على هذا النحو أن توجه) تلك الارباح إلى الحقول الاستثمارية الوطنية، بل يُعاد ضخها فى نفس العروق...إلى الخارج!! تتبدى هنا دعوة منهجية لمقارنة عملية التكون التاريخى للتخلف عبر ثلاثة قرون فى عالمنا العربى، التابع كلية إقتصادياً وسياسياً وثقافياً. وقد يكون إلقاء النظر على مجمل القارة مفيداً فى سبيل إستيعاب مقولة " الشعوب الجائعة": جدول يوضح تركيب الهياكل الاقتصادية فى بلدان قارة أمريكا اللاتينية (أرقام 2010) (جدول رقم 21)
الدولة عدد السكان بالمليون تقريباً عدد المشتغلين بالمليون تقريباً زراعة % من الهيكل % من المشتغلين صناعة % من الهيكل % من المشتغلين خدمات % من الهيكل % من المشتغلين
الارجنتين 41 15 6 28 66
البهاما 307,899 165,000 4 5 7 5 90 90
بوليفيا 10 3 14 31
55
البرازيل 698 79 9 23 32 24 59 53
كولومبيا 41 19 19 30 26 24 55 46
السلفادور 6 3 10 30 30 15 60 55
تشيلى 17 6 8 14 38 27 54 29
جيانا 10 3 36 32 33
كوستاريكا 4 2 11 20 38 22 52 58
كوبا 11 8 24 36 25 60 51
الدومينكان 10 11 17 34 24 54 60
هايتى 9 4 30 66 20 9 50 30
نيكاراجوا 6 2 33 42 23 15 44 43
بيرو 30 7 10 35 55
المكسيك 111 40 5 20 26 24 29 56
جواتيمالا 13 23 50 20 15 57 35 تم تصميم الجدول على أساس من بيانات تقاريروكالة الاستخبارات الأمريكية مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الامم المتحدة ففى بيرو حيث ترتفع نسبة السكان تحت خط الفقر إلى 50%، وحيث يُباع الأطفال لإستعمالهم فى التنقيب عن الذهب فى أيام عمل تصل إلى 18 ساعة يومياً، وحيث تصل نسبة البطالة إلى 76% فإن جميع الارقام تؤكد على حقيقة واحدة وهى أن دخل الفلاح المنتج للكوكا(المادة الخام للكوكايين) يفوق أضعاف المرات المرتب السنوى لعامل المنجم والعامل العادى، ومن ثم يفوق المزارع غير المنتِج للكوكا(3). وفى بنما حيث يرتفع عبء المديونية إلى 75% من الناتج القومى، يرتفع مستوى الفقر إلى 74%، أما البرازيل، والتى بلغ حجم ديونها نحو 238 مليار دولار، وتستهلك خدمة هذه الديون نحو 110 % من قيمة الصادرات البرازيلية، فقد تملك 1% نحو 50% من الارض، مع إرتفاع نسبة الفقر إلى 40% ، وذلك بعد أن تحولت إلى مركز عالمى لإستعباد الاطفال، إذ يعمل، وفقاً لادنى الارقام المعلَنة، قرابة 7 مليون طفل وطفلة كعبيد أو داعرات، ولقد كان للشركات دولية النشاط والتى صار لها حق المعاملة الوطنية بموجب نصوص الجات، نصيب الاسد فى هذه الدولة، إذ سيطرت، برعاية الهيمنة الامريكية، على 85% من إنتاج الكاكاو، و90% من إنتاج البن، و60% من إنتاج السكر، و90% من إنتاج القطن، و80% من إنتاج البوكسيت، و100%من سوق إنتاج وبيع وتسويق الكوارتز عالى الجودة والذى يُعد حيوياً للالكترونيات. وفى كوستاريكا، تعجز 56% من الاسر عن تلبية حاجاتها الاساسية، مع إزدياد مستمر فى معدلات الفقر، وتدهور فى القدرة الشرائية. أما السلفادور فنحو 90% من السكان فقراء، وطبقاً لبرنامج التصحيح الهيكلى المملى من قبل صندوق النقد الدولى، فقد صار 25000 عامل خارج سوق العمل. إنه نفس البرنامج الذى أدى إلى إغلاق 180 منشأة وطنية فى نيكاراجوا، التى زادت فيها نسبة العاهرات بمقدار 80% فى عام واحد(2002) ويبدأ الطفل حياته هناك وهو مدين بدين قدره 1213 دولار، ولا محل للاستغراب إذ ما علمنا أن عبء المديونية بلغ 306% من الناتج القومى. وفى جواتيمالا، فقد أفادت التقارير الصادرة عن وزارة الصحة أن 40% من التلاميذ يعانون من سوء التغذية المزمن، وأن 87% من السكان تحت خط الفقر. وربما تكون الارجنتين، التى بلغت ديونها نحو 146,2 مليار دولار ، مع معدل تضخم بلغ 39% ، أفضل حالاً؛ إذ تبلغ نسبة من يعيشون تحت خط الفقر نحو 60%، فى الوقت الذى جمد فيه القضاء السويسرى، آنذاك، حسابين مصرفيين قيمتهما 10 مليون دولار باسم كارلوس منعم، أما الاكوادور، وحيث بلغ عبء المديونية نحو 87% بالنسبة للناتج القومى الاجمالى، فيعمل هناك قرابة 100 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8و12 عام، فى نوبات عمل تمتد ما بين 10و16 ساعة يومياً(قيمة زائدة مطلقة ونسبية) ويقع معظمهم ضحية للاعتداءات الجنسية. وعلى وجه الاجمال، فقد بينت الارقام أن 69 مليون طفل فى القارة يشتغلون بالعمل اليدوى والسرقة والدعارة وتوزيع المخدرات، كما أشارت الارقام كذلك إلى كون 85% من سكان أمريكا الوسطى (البهاما، وبنما، وكوبا، وجاميكا، والدومينيكان، وهندراوس، ونيكاراجوا، وجواتيمالا، والسلفادور، وكوستاريكا) فقراء، جوعى، ويموت فيها سنوياً قرابة 120 ألف طفل تقل أعمارهم من خمس سنوات بسبب سؤ التغذية. هذا بالاضافة إلى أنه لم يُعد بالامر الخفى، وفقاً لبيانات مؤتمر تجارة الاطفال الدولية الذى عقد بالمكسيك، أن هناك نحو 20 ألف طفل من أنحاء متفرقة من القارة اللاتينية يرسلون سنوياً إلى الولايات المتحدة الامريكية بصورة غير مشروعة لإمداد التجارة غير المشروعة بالاعضاء البشرية والاستغلال الجنسى(على نطاق متسع)أو لاجراء الاختبارات والتجارب عليهم . ولعل مثلاً من الامثلة الكثيرة جداً يوضح حال إستنزاف الموارد، ولنر ما تحدثه الشركات العالمية على الاقتصاد المحلى فى مسألة الموز على سبيل المثال، والذى تتوقف عليه حياة العديد من دول أمريكا الوسطى والجنوبية. يمثل الموز 28% من عائدات الصادرات فى كوستاريكا، ويشغل 18% من يدها العاملة الزراعية، ويمثل خمس صادرات بنما، ويشغل نصف عمالها الزراعيين، وله أهمية حيوية بالنسبة للاكوادور، وهندوراس، وجاميكا، وتسيطر على تجارة الموز العالمية ثلاث شركات أغذية ضخمة، هى: "يونايتد براندز"، و"ستاندرد فروت"، و" دل مونتى" ، وكما هو الحال مع العديد من السلع الاخرى، تتحكم هذه الشركات فى النقل والتعبئة والشحن والتخزين والتسويق، ونتيجة لهذا فإن معظم الارباح المتولدة عن الموز تدخل فى جيوب الغرب، فى حين يحصل المنتجون المباشرون على الفتات. ومن جهة أخرى متممة، فلعل ما يميز إقتصاديات القارة، نسبيا، وإضافة إلى إندماجها فى النظام الرأسمالى الدولى(السؤال هنا إلى أى حد هى مندمجة) كأحد الاجزاء المتخلفة، هو غلبة الطابع الخدمى الذى يُعد إمتداداً لنشاط إقتصادى محدد(بنوك، إتصالات، دعاية ، تسويق(4) تهيمن عليه رؤوس الاموال القومية المنتمية إلى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى، وبخاصة رؤوس الاموال الامريكية. وإستكمالاً للاسس المنهجية التى صدرنا عنها، فيتعين فحص المسألة الفنزويلية من زاوية الدور الامريكى الذى يمكن، بل يجب، إعتباره إمتداد تاريخياً للدور الاستعمارى الاوروبى: فلاشك فى أن الولايات المتحدة الامريكية، ومنذ إعلان مبدأ مونرو فى 1823، ذات تاريخ حافل بالأحداث المثيرة، والدموية غالباً، المتعلقة بأمريكا اللاتينية، التى إعتبرتها الولايات المتحدة حديقتها الخاصة، وفى سبيل تأكيد هذا الإعتقاد، قامت الولايات المتحدة بالعديد من رسم خطط الانقلاب، ودعم الانظمة الديكتاتورية القمعية، وتمويل حكومات متهمة بإرتكاب جرائم واسعة النطاق ضد الانسانية، فقد إحتلت قوات مشاة البحرية الامريكية نيكاراجوا بين عامى 1912 و1933 من أجل قمع تمرد يسارى، كما قامت السى آي أيه بالتخطيط لإنقلاب فى جواتيمالا فى 1954 أطاح برئيس منتخب، وأطلق شرارة حرب أهلية دامت أكثر من ثلاثين سنة خلّفت ورائها نحو ربع مليون قتيل. ومنذ الستينات، أطلقت السى آى أيه والحكومة الامريكية حملة لإسقاط حكم فيدل كاسترو، وإغتياله إن أمكن، وفى 1973، ساعدت السى آى أيه ومعها كبرى شركات الاتصالات العالمية على التخطيط لإنقلاب آخر فى تشيلى وخلع الرئيس "سلفادور أليندى"، وهو أول رئيس ماركسى مُنتَخب ديموقراطياً فى نصف الكرة الغربى، وتم تنصيب الجنرال "أوجوستو بينوشيه" الذى أسس ديكتاتورية دموية قامت بقتل وتعذيب وإخفاء المواطنين، تاركة ورائها آلاف الضحايا. وفى الثمانينات، أيضاً، ساندت الولايات المتحدة نظام سفاح فى السلفادور، والذى ذبح القساوسة والراهبات والمزارعين والمعلمين، بل وقطعت رؤوس الضحايا وعلقتها على الأوتاد من أجل إرهاب السكان. ومع حلول التسعينات وبدء إنتهاء معظم الانظمة الديكتاتورية فى أمريكا اللاتينية، و إن كان ظاهرياً، فقد توجهت الولايات المتحدة توجهاً ربما مختلف وهو تمويل المعارضة، فقد ضخت بعض الوكالات الممولة من الولايات المتحدة، مثل مؤسسة المنحة الوطنية من أجل الديموقراطية(NED) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) ملايين الدولارات إلى فنزويلا بهدف"تعزيز الديموقراطية" ومعظم تلك الأموال ذهبت بالطبع إلى معارضى"تشافيز". ويمكننا أن نجمل ونوجز التاريخ الدموى للولايات المتحدة فى قارة أمريكا اللاتينية على النحو التالى، وفقاً للتسلسل الزمنى: - غزو نيكاراجوا1823 - ثم بيرو 1825. - إحتلال تكساس المكسيكية 1846، وكى تضم نهائياً فى أعقاب 1948. - تدمير ميناء جاجراى تاون فى نيكاراجوا 1854. - غزو كولومبيا 1873. - التدخل فى هاييتى 1888، ثم فى تشيلى. - ثم فى نيكاراجوا 1894. - الحرب الامريكية الاسبانية المفتعلة طبقا لارجح الأقوال 1898. - التدخل فى كولومبيا 1901و1902. - الاستيلاء على ست مدن فى هندوراس 1907. - دخول المارينز هاييتى وقيامهم بالسطو على البنك المركزى سداداًً لأحد الديون. - ثم إحتلالها من 1915 وحتى 1934. - قصف المكسيك 1916. - غزو خليج الخنازير 1961. - ضرب الحصار الجوى على كوبا. - غزو الدومينيكان 1965. - نشر الاسطول على سواحل الدومينيكان 1978. - غزو جرينادا 1983. - التدخل فى تشيلى 1988. - غزو بنما وإختطاف رئيسها 1989. أضف إلى ذلك تورطها المفضوح فى العديد من الانقلابات الداخلية فى بعض الدول حينما وضعوا شامورو على العرش فى نيكاراجوا، والاطاحة ببارستد فى هاييتى. فضلاً عن إدارة مذبحة ريو سمبول على الحدود السلفادورية الهندوراسية 1980. ولا شك كذلك، وفقاً للارقام والاحصائيات بل والمشاهدة، فى أن الولايات المتحدة الامريكية تهيمن، كما هيمنت أوروبا الاستعمارية من قبل، على معظم إقتصاديات القارة اللاتينية إن خجلنا من أن نقول كلها، والجدول أدناه يوضح حجم تلك التجارة والذى يوضح حجم التجارة البينية فيما بين الولايات المتحدة الامريكية وبين بعض بلدان أمريكا اللاتينية. التجارة البينية فيما بين الولايات المتحدة الامريكية وبلدان القارة اللاتينية (أرقام 2010) (جدول رقم 22) البلد الأرجنتين البهاما بوليفيا البرازيل كولومبيا السلفادور تشيلى جيانا نيكاراجوا
تصدر إلى الولايات المتحدة (%)
27
28,2
32
24,4
43
65
17,8
22
88,4
تستورد من الولايات المتحدة (%)
18,1
31,1
24
23,2
35
50
19
29
53.3
تم تصميم الجدول على أساس من بيانات تقاريروكالة الاستخبارات الامريكية، ووزارة التجارة الامريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة تلك السيطرة التى ورثتها الولايات المتحدة من تركة الاستعمار الاوروبى لم تكن بالطبع وليدة اليوم، بل هى نتاج تكون تاريخى تم عبر(خمسة قرون) تعين لإستيعابهم، الوعى بمجموعة من الحزم الفكرية، والتى تتمكن من أن تبلور الكل التاريخى المراد فهم الدور الامريكى، بل وطبيعة الصراع الدائر فى فنزويلا من خلاله. خلفية تاريخية تكمن جذور الفقر فى الريف الافريقى فى التربة وعلاقة الانسان به، وفى التأثير الهدام الذى تتركه زيادة عدد السكان وأساليب الزراعة على أرض فقيرة بالاساس، وفى أسيا يُعد الفقر واللامساواة المتزايدان نتيجة حتمية للزيادة السكانية، ونقص الاراضى وديناميكيات المجتمع الريفى. أما فى القارة اللاتينية، فإن أصول الفقر واللامساواة تنبع من اللاإنسانية المتأصلة والمستمرة فى إستعباد البشر، فلعل من أهم ما يميز العلاقات التى تدور فى فلكها الملكية الاقطاعية فى أمريكا اللاتينية هو سحل الفلاح وإثراء صاحب الارض الشاسعة، فالمالك هو القانون. كثيراً ما إستخدم تعبير"الاقطاع" لوصف السلطة التى يمارسها ملاكو الاراضى إزاء الفلاحين والمستأجرين وصغار الملاك فى أمريكا اللاتينية. كان الاقطاع فى أوروبا فى العصور الوسطى عملية تنطوى على علاقة متبادلة: كان الاقنان يقدمون للسادة العمل والانتاج، مقابل حماية السادة لهم من الهجمات، وكانت هناك حدود شبه مُتعَارف عليها لا يستطيع الاستغلال أن يتجاوزها. أما الاقطاع فى أمريكا اللاتينية فهو عملية من طرف واحد، يتحمل فيها الفلاح كل الواجبات، فى حين يستمتع المالك بكل الحقوق. إنها عملية عطاء من جانب الفلاح وأخذ من جانب المالك، ويتم تجاهل حتى القيود القانونية التى تحكم الاستغلال، فالملاك هم القانون، كما ذكرت، ويكمن القيد الوحيد فى حاجة الملاك إلى يد عاملة رخيصة دائماً، فالعامل ينبغى أن يحصل على دخل يكفى للبقاء والانجاب فقط، أى لتجديد إنتاج نفسه بيولوجياً، وليس شيئأ آخرا. وإذ أردنا تفسير تلك الدرجة الفريدة من اللامساواة والاستغلال فى أمريكا اللاتينية، فينبغى أن نبحث عنه وجذوره فى العصر الاستعمارى. فمن الغريب أن مجتمع الغزو لا يزال حياً حتى يومنا هذا فى معظم المناطق الريفية، بعد عصر الغزو بأكثر من أربعة قرون ونصف. فقد جاء الفاتحون من أمثال"كورتيز" و"بيزارو"وأتباعهما إلى الامريكتين بحثاً عن الثروة والمكانة المرموقة والسلطة. . . جاء الغزاة ليستقروا. ولكنهم، على عكس الاوربيون المتحدرين من الطبقتين الدنيا والمتوسطة الذين إستعمروا أمريكا الشمالية، لم يجيئوا ليعملوا، وإنما ليعيشوا عيشة النبلاء من عرق الاخرين. كان النهب المكشوف أول الاستراتيجيات التى تم إتباعها، فبعد أن تم الاستيلاء على كل ثروات "الازتك" و"الانكا" و"التشيبسا"، إنصرفوا إلى مغامرات طويلة الاجل، فبدأوا ينقبون عن الذهب والفضة، ويقتطعون لأنفسهم ضياعاً شاسعة من أفضل أراضى الهنود. وعادة ما كانت مثل تلك العمليات تكتسب شرعيتها المفرطة وصيغتها القانونية من هبات الملوك الاسبان. إلا أن الارض تفقد قيمتها فى غياب عنصر العمل. إن تاريخ ريف أمريكا اللاتينية هو، فى معظمه، تاريخ من قهر العمل وإستغلال قوة العمل، ففى الكاريبى والمناطق الساحلية، قُضى على السكان الأصليين من خلال مذابح الفتح والاوبئة التى جلبها الغزاة، ومن ثم إقتضى الامر إستيراد العبيد من أفريقيا للعمل فى المزارع، وفى المناطق الداخلية وخاصة الانديز، حيث كُتب البقاء للسكان الهنود الاصليين تلخصت المشكلة فى كيفية تحويل مجتمعات الفلاحين المستقلة التى تعيش فى مجتمعات شبه شيوعية إلى طبقة من عمال السخرة. وكانت أول مؤسسة أنشئت لهذا الغرض تسمى"الوديعة" حيث كان يخصص لكل فاتح كبير حصته من الهنود يطالبها بالعمل والاتاوات. ومقابل ذلك كان من المفروض أن يعلم أفراد المجموعة قواعد الدين المسيحى وفضائل الحضارة الاوروبية المتفوقة. وإبتدعت ملكة أسبانيا"إيزابيلا" نظام الوديعة فى مرسوم ملكى عام 1503، يلخص تاريخ القارة. وقد ورد فى ذلك المرسوم:"أما وقد بلغنا أنه نظراً للحرية المفرطة التى يتمتع بها الهنود، فهم يتجنبون الاحتكاك أو الاختلاط بالاسبان، لدرجة أنهم يأبون العمل لديهم لقاء أجر، ويفضلون أن يهيموا بلا شاغل، وأن المسيحيين يعجزون على تحويلهم إلى العقيدة الكاثوليكية. . . إننى آمرك يا أيها الحاكم أن . . . تجبر الهنود وترغمهم على الإختلاط بالمسيحيين، وعلى العمل فى بناياتهم، وعلى جمع الذهب والمعادن الاخرى وتعدينها، وفلاحة الاراضى، وإنتاج الغذاء للسكان المسيحيين"(5) وهكذا تم جمع الهنود، حيث تعرضوا للتعذيب والقتل، لإرغامهم على طاعة الامر. وبسبب هذه الاساءات، ألغى "تشارلز" الخامس ملك أسبانيا نظام الوديعة فى عام 1520. ولكن النظام استأصل وإستمر تحت عشرات الاشكال حتى يومنا هذا. وكانت أكثر الوسائل إنتشاراً هى إنكار حق الهنود فى الحصول على أرض تكفى لبقائهم ومن ثم إرغامهم على العمل لدى الايبريين. وفى أميركا الاسبانية، تم تركيز الهنود فى تجمعات، وفى البرازيل تم تركيزهم فى القرى. وكان الغرض الظاهرى من هذا جمعهم فى مكان واحد يمكن القساوسة من هدى أرواحهم. أما الغرض الحقيقى فكان إعطاء البيض الفرصة للاستيلاء على أراضيهم. وفى المناطق الداخلية كان نظام السخرة الزراعية مرادف العبودية، حيث كان يُسمح للهنود بزراعة قطعة أرض صغيرة فى أسوأ المناطق، مقابل القيام بالاعمال الزراعية وحتى المنزلية فى ضيعة الملاك، والعمل فى إنشاء الطرق والجسور وصيانتها، وما إلى ذلك. كان العمل الجماعى بلا مقابل فى إنشاء الطرق أمراً تقليدياً تحت حكم "الانكا" و"الازتك" وحين تولى الفاتحون زمام الامور، شوهوا هذا العمل الذى كان للصالح العام وحولوه لخدمة مصالحهم الذاتية. أصدرت الحكومات الليبرالية فى القرن التاسع عشر تشريعاً يقيد أسوأ أشكال هذه السخرة الشخصية، ويلغى العبودية. ولكن الملاك، فى القارتين، تجاهلوا القوانين، وأدخلوا نظام الاستخدام والارتهان للدين ليحل محل العبودية. فكان الفلاحون يحصلون على قروض لدفع تكاليف الغذاء والملابس التى أجبروا على شرائها بأسعار باهظة من متاجر الملاك، وكان تسديد هذه القروض يتم بالعمل. غير أن القرض لم يكن عادة يتناقص بالسداد، فكان الابن يرث ديون أبيه. إلى جانب الضيعة المترامية الاطراف "لا تيفونديو" ظهرت الحيازة الصغيرة "مينيفونديو" التى كانت عادة أصغر من أن تعول أسرة. ولا يمكن الفصل بين هذين النقيضيين فى أمريكا اللاتينية، حيث يكاد لا يوجد بينهما وسط. فالحيازة الصغيرة هى الوجه الاخر للعملة، أو الفتات الذى تبقى بعد إبتلاع الضياع الكبيرة الاراضى وتسخير اليد العاملة اللازمة لزراعتها. وتنشأ الحيازات الصغيرة عن أصلين، أولهما عامة الجنود الايبريين وللمستوطنين الفقراء الاخرين الذين لم "يؤتمنوا" على جيوش من العمال الهنود، ومن ثم لم يحصلوا إلا على المساحات التى يستطيعون زراعتهم بأنفسهم. والأصل الثانى هو الاراضى المتبقية للمجتمعات الهندية. وكانت هذه الأرض فى الاصل مشاعاً تتم زراعتها بمساحات متساوية، أسوة بما كان يحدث فى أفريقيا. إن تلك الخلفية التاريخية تسعفنا كثيراً الان كى ننتقل خطوة أخرى أبعد من أجل البحث فى الاطار العام الذى يمكن بداخله فهم ما يحدث آنياً فى مجمل أجزاء القارة اللاتينية بوجه عام، وفنزويلا بوجه خاص منذ الاندماج فى منظومة الرأسمال والفائض والهدر الاجتماعى، وهو الاطار الذى نفترض أنه محدد بخمس أفكار رئيسية يتعين البحث فيهم بعمق وتوسع: أولاً: حقيقة التكون التاريخى لاقتصاد المبادلة النقدية المعممة(6) إبتداء من أوروبا القرن الخامس عشر، والمعزز بالتواطؤ بين رأس المال التجارى( عقب تبلوره الطبقى والاجتماعى) وبين السلطة المعبرة عن فكرة الدولة القومية الساعية إلى تحطيم الاصطفائية الناهض عليها نمط الانتاج الاقطاعى، والمتجهة نحو الانسلاخ من الجسد اللاتينى(7) وذلك حتى آواخر القرن السابع عشر، ثم توسع رأس المال الصناعى حتى أوائل القرن الثامن عشر، والذى تزامن مع هيمنة نمط الانتاج الرأسمالى فى طريقه إلى خلق السوق العالمية وتدويل الانتاج من خلال أنماط مختلفة للتقسيم الدولى للعمل والتغلغل فى هياكل المجتمعات المتخلفة؛ مشكلا بذلك أجزاء للاقتصاد الدولى بمستويات مختلفة من التطور. فأضحى هناك الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى كما أمست كذلك أجزاء متخلفة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى. نقطة الارتكاز إذاً إنما تكمن فى إجراء الفهم الواعى بطبيعة الاقتصاد الرأسمالى كإقتصاد يتم فيه الإنتاج بقصد المبادلة النقدية. الانتاج الذى تبدأ دورته من السوق حيث تتحول النقود كيفياً إلى شروط لعملية الانتاج، ويجرى الانتاج بعيداً عن السوق وإنما من أجل السوق. من أجل الفائض، وقد سبق وأن عالجنا هذه المسألة. ثانياً:طبيعة الصراع الاستعمارى الدائر، فى القرن الخامس عشر، بين التاج الاسبانى(الذى هيمن على القدر الأكبر من أغنى أراضى القارة بعد إبادة حضارتى الازتك والانكا بديانتهما وفنونهما) وبين التاج البرتغالى(الذى سيطر على مجمل البرازيل) وذلك كدولتين قوميتين، الامر الذى قام البابا عام 1494 على أثره بمحاولة وضع حداً له فقام بتقسيم العالم من القطب إلى القطب بخط يمر فى المحيط الاطلنطى(خط طول 35) كحد فاصل بين ممتلكات كل من الدولتين. ثالثاً: تتبلور تاريخياً فى هذه اللحظة ظاهرة جديدة تفضى إلى تدويل عملية الانتاج على الصعيد العالمى، تلك هى ظاهرة التقسيم الدولى للعمل، ليس فقط على أساس المتاح من الموارد الطبيعية والقوة العاملة فى كل مجتمع؛ وإنما أساساً من إحتياجات رأس المال فى الاجزاء المتبوعة، فعلى سبيل المثال إتجه الاستعمار البرتغالى إلى الاقتصاد الزراعى، وبخاصة زراعة قصب السكر على السواحل البرازيلية الشمالية الشرقية وبوجه خاص فى منطقة نورديست فى باهيا وبرنامبكو، وذلك تلبية لإحتياجات الاقتصاد القومى البرتغالى. ثم إندفاعه إبتداءً من القرن السابع عشر نحو الغرب، تحديداً سيرامانتيكويرا على الشاطىء الغربى لحوض نهر سان فرانسيسكو الأعلى ما وراء خط التقسيم البابوى بحثاً عن الماس والذهب وذلك بعد الاطمئنان للمساحات المزروعة . رابعاً: دور متطلبات الدمج المذكور عاليه فى قلب الميزان الديموجرافى فى معظم أجزاء القارة(8) وهو الامر الذى يتعين معه الوعى بأمرين: أولاً : طبيعة نمط الانتاج الذى إستخدمته الاقتصاديات المستعمرة فى سبيل إنهاك الاقتصاديات المستعمرة وتصفيتها مادياً، وسلبها لشروط تجديد إنتاجها، ونمط الانتاج هذا والذى إستخدمته القوى الاستعمارية إنما يحتاج(لتمحوره حول السخرة والعبودية) إلى قوة عمل وفيرة، أكثر من وسائل الانتاج(مواد العمل وأدوات العمل) ولذا سيكون من الضرورى أن تقوم قوى الاستعمار الاوروبى بضخ نحو 8 مليون عبد (إنسان) إفريقى إلى مناطق البرازيل وغرب الانديز وجيانا فى الفترة من 1550 وحتى 1850 بعد أن قضى الاستعمار على السكان الاصليين. تركز هذا الضخ فى معظم جزر الكاريبى ومناطق زراعة القصب ومناجم الذهب ومزارع البن. الامر الذى أفضى إلى تكون طبقة (الكريوليس) والتى ستنهض بدور هام فى سبيل ترسيخ الهيمنة الاستعمارية حتى بعد تحولها شطرالقارة الافريقية إبتداءً من النصف الثانى من القرن الثامن عشر، فلقد كرس الاستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين والبورجوازية الكمبرادورية، عقب ذلك إستمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن إزاء تكثف التبادلات مع المتروبول الجديد، بريطانيا العظمى. خامساً: الكيفية التاريخية التى من خلالها تبلور التاريخ النقدى "للهيمنة" الامريكية فى القرن التاسع عشر، بعد سلسلة متصلة من العلاقات الجدلية بين القوى الاوربية (9) المتصارعة(هولندا، إنجلترا، فرنسا، روسيا، النمسا، المانيا، إيطاليا، بروسيا، الدولة العثمانية) وإنتهاءً بالحرب العالمية الاولى التى خرج منها الاقتصاد الأوروبى حطاماً، بينما خرجت الولايات المتحدة الامريكية كأغنى وأقوى دولة رأسمالية فى العالم، يزيد مجموع أرصدتها الذهبية عن مجموع الارصدة الذهبية التى تملكها روسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وكأن الحرب لم تفعل شيئاً سوى تحريك التراكم، أى نقل ثروات أمريكا اللاتينية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الامريكية. يتعين هنا الوعى بالظروف التاريخية التى سادت فى القرن التاسع عشر، والتى تمكن الذهب من خلالها من إرساء الاثمان المعبر عنها بعملات وطنية مختلفة نظير سلع تم إنتاجها فى أماكن متفرقة من العالم وفى ظل ظروف إنتاجية مختلفة . ولم يكن من الممكن للذهب أن يؤدى هذه الوظيفة إلا إبتداءً من تداوله كنقود فى داخل الاقتصاد الرأسمالى القومى الاكثر تطوراً والذى كان فى سبيله للسيطرة على الجزء الاكبر من المعاملات الدولية: الاقتصاد البريطانى. وتمكن قاعدة الذهب الدولية بدورها رأس المال البريطانى من تأكيد هيمنته فى داخل الاقتصاد العالمى، وهى هيمنة إستمدها من تفوق الانتاجية النسبية للعمل عمقاً ومدى، وبفضل هذه الهيمنة يصبح الاسترلينى،العملة الوطنية البريطانية، سيد العملات دولياً، ويمكن أن يحل محل الذهب لعملات بلدان أخرى تخضع لهيمنة رأس المال البريطانى . وهكذا تحل هيمنة رأس مال إحدى البلدان على الصعيد الدولى محل سلطة الدولة على الصعيد القومى، وتمكن هذه الهيمنة عملة رأس المال المهيمن من أن تلعب فى المعاملات الدولية دور النقود الدولية، سواء أكانت هذه العملة تستند إلى الذهب أو لا تستند، وإن كان من الضرورى أن تبدأ فترة سيطرتها التاريخية، بحكم تاريخية النقود، بالاستناد إلى الذهب. ويكون من الطبيعى، كما يقول أستاذى، عند إنتقال الهيمنة من رأس مال قومى إلى رأس مال قومى آخر أن ترث عملة المهيمن الجديد وظيفة النقود الدولية حالة بذلك محل عملة رأس المال الذى فقد هيمنته على الاقتصاد الرأسمالى الدولى. وذلك هو ما حدث فى فترة الحربين العالميتين عندما فقد رأس المال البريطانى هيمنته على الاقتصاد الدولى( تاركاً الاقتصاد الدولى كى يُقسَم عدة كتل نقدية) فقد ظهر رأس المال الامريكى كى يفرض هيمنته ، ولكى تأتى الحرب العالمية الثانية لتؤكد الهيمنة الجديدة التى تفرض كل تبعاتها فى الفترة التالية للحرب. فى تلك النقطة الفكرية يتعين الوعى بمجموعة من الاحداث الجوهرية، ففى الفترة ما بين سنة 1688 وسنة 1815 إشتبكت فرنسا وإنجلترا فى سبعة حروب، كان من أهم أسبابها على الاطلاق، التنافس فى المستعمرات، وفرض السيادة والهيمنة على البحار، وكانت كلما نشبت حرب بين دولتين فى أوربا، إمتد لهيبها إلى ما وراء البحار، واشتعلت نيران الحرب كذلك فى المستعمرات. ومن جهة أخرى، ففى أوائل القرن السادس عشر، ورث عرش الامبراطورية الهولندية، الامبراطور شارل الخامس، وفى عهده نظمت الادارة وتحسنت الاحوال الداخلية، كما أن إتسعت الحركة التجارية، إلا أنه لما ظهرت حركة الاصلاح الدينى، فقد إعتنق كثير من سكان الشمال مذهب كلفن فإشتد شارل فى معاملتهم، وأحرق عدداً كبيراً منهم، ولما خلفه إبنه فيليب الثانى، واصل سياسة الاضطهاد بعنف، مما أدى إلى إندلاع الثورات ضد الحكم الاسبانى(والذى بلغ حدود المستعمرات)، وإستمر النضال بين الفريقين طوال النصف الثانى من القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر؛ حتى إنتهى الامر بإستقلال هولندا. وما كادت هولندا تستقل حتى صارت من أقوى دول أوربا فى البحر، وأوسعها تجارة، ولا سيما فى الشرق. ساعدها فى ذلك إزدياد قوتها البحرية خلال حرب الاستقلال، وسطوها على السفن الاسبانية، وكذلك الاستيلاء على بعض المستعمرات الاسبانية التى آلت لها من البرتغال بعد إخضاعها وضمها إليها سنة. هذا إلى جانب ضعف قوة البرتغال بعد فقدانها لاستقلالها، وكذلك إضمحلال قوة أسبانيا البحرية، بعد إنهزام اسطولها الكبير المعروف بـ"الارمادا" الذى لا يقهر أمام الاسطول الإنجليزى سنة 1588، مما شجع السفن الهولندية على معارضة تجارة أسبانيا فى البحار، بل وإنتصار أسطولها على الاسطول الاسبانى عند جبل طارق سنة 1607. تلك هى الافكار الرئيسية التى نعتقد بأنها تمثل الاطار العام المتعين أن ننهض كى نناقش وفقاً لمحدداته الاشكالية المطروحة، إبتداءً من تحليل أحداث الصراع الراهن الذى تظهر فيه "البتروليتاريا" مناصبة العداء للسلطة وهى فى مرتمية فى أحضان عدوها التاريخى. رأس المال، وإنتهاءً بالتعرف على مدى صحة طرحنا لمفهوم وحدود وتاريخ وطبيعة التخلف الاقتصادى والاجتماعى فى قارتى التسرب فى القيمة الزائدة. أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وفلننتقل الان إلى حيث التحليل والنتائج فى المبحث التالى.
المبحث الثانى : من الرصد إلى التحليل لقد قادتنا خطواتنا الفكرية الاربع، التى بدأنها برصد الأحداث، بشكل أساسى فى الفترة من 12/4/2002، وحتى 19/2/2003ـ ثم التعرض للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية من خلال فهم فنزويلا "التاريخ والجغرافيا"وإنما إبتداءً من إعتبارها أحد الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، وبوصفها كذلك أحد الاجزاء غير المتجانسة من القارة اللاتينية، وهو الامر الذى دفعنا كى نلقى النظرة، المنهجية، على مجمل الاوضاع فى القارة، وإنما إبتداءً من فنزويلا كأحد الاجزاء غير المتجانسة التى تتكون منها القارة اللاتينية، ولقد إنتهت خطواتنا تلك، كما إنتهينا لتونا، بفرضية تدعى لزوم درس المجتمع الفنزويلى فى تطوره الاجتماعى عبر الزمن فى حدود إطار محدد تاريخياً وزمنياً وجغرافياً وإجتماعياً. ويمكننا القول بأن خطواتنا تلك بالاضافة إلى أنها قد قربتنا كثيراً من الاجابات على الاسئلة المعنية بل (وربما أجابت فعلاً)بأطراف الصراع ودور الولايات المتحدة الامريكية والدائرين فى فلكها، بالاضافة إلى ذلك، فقد لاحت، بالمناسبة، فى الافق خمسة ملاحظات أساسية، نعتبرها حاسمة ليس فحسب فى سبيل تقديم إجابة عن الاسئلة التى ننشغل بها فحسب، وإنما حاسمة أيضاً فى تأكيد الوعى بشأن مفهومنا المقترح بشأن ظاهرة التخلف الاقتصادى والاجتماعى، ويمكننا بلورة تلك الملاحظات فى: (1) يظهر الاقتصاد الفنزويلى، كإقتصاد متخلف، مُركَب من قطاعات منعزلة أو شبه منعزلة، لا تُقيم فيما بينها إلا مبادلات هامشية، بينما يتم الجزء المهم والجوهرى من مبادلاتها(والنفط بصفة خاصة) مع الخارج، وبينما يعكس قطاع الزراعة(الذى يقع تحت وطأة إعادة الهيكلة العالمية) جُل مظاهر الاندماج فى السوق الدولية، بمعنى الانتاج إبتداءً من حاجة السوق، وتبعاً لقوانين السوق، أى الاندماج فى منظومة الفائض والهدر الاجتماعى، وإنما إبتداءً من سيادة قوى إنتاجية متخلفة(تركز ملكية، الإحتفاظ ببعض مظاهر الاقتصاد المعاشى، الانفصال التاريخى للريف عن المدينة، تخلف أساليب الاستغلال: كما يحدث على سبيل المثال فى القطاع الزراعى ومع الغاز الطبيعى) وعلاقات إنتاج شفافة(أقرب إلى القنانة والعبودية) لم يسمحا بعد، أى القوى والعلاقات، بتطورات ملحوظة على صعيد التطور الاجتماعى. (2) النفط هو السلعة الرئيسية التى تتخصص فنزويلا فى إنتاجها على الصعيد العالمى، الامر الذى يدعو إلى الإلتفات إلى عدة أمور تخص تلك الملاحظة، من جهة: - الدور التاريخى للنفط فى تثوير الانتاج على الصعيد العالمى، وبصفة خاصة فى الاجزاء المتقدمة، وما إستصحب ذلك من تبديل فى الهياكل الصناعية، بعد تقليص الدور الذى كان يلعبه الفحم، إبتداءً من النصف الاول من القرن العشرين. - طبيعة النفط، وقيمة إستعماله، كسلعة محولة، ويُعد فعل التحويل هذا فى ذاته شرط تحقق تلك القيمة(البنزين، المازوت، زيوت التشحيم، الكيروسين، البتروكيمياء). الامر الذى يستلزم فحص أدوات تحويله، ومن باب أولى يوجب الوعى بأدوات إنتاجه(صوراى الحفر ومواسيره، ومصاطبه"البحرية والبرية"، والروافع، والمناضد، والدورات، والكلابات، والحفارات، والمضخات، المحركات، الانابيب، المصافى) وإذ ما أضفنا إلى ذلك الوسائل المساعدة (النقل مثلاً) فإنه يمكن وببساطة إستنتاج إفتقاد فنزويلا، وبمعنى أدق القوى الاجتماعية المهيمنة على النفط الفنزويلى، لشروط تجديد الانتاج، إذ تعتمد فى سبيل الانتاج، تبعاً لما لاحظنا أعلاه، على سلع وأثمان السوق الدولية وإنما إبتداءً من التبادل غير المتكافىء. (3) تبرز شريحة البروليتاريا النفطية(البتروليتاريا) كشريحة أفقدها الزيت وعيها الطبقى، ذات طبيعة خاصة تمكنها من ناصية شروط التفاوض على الصعيد العالنى، لا سيما مع المنظمات الدوليةـ تلك الطبيعة الخاصة لهذه الطبقة التى تكونت بفعل حركة رؤوس الاموال النفطية فى أوائل القرن العشرين بداخل فنزويلا، أهلتها من التحالف مع رأس المال وإنما إبتداءً من سعيها نحو الحفاظ على المكاسب التى حققتها على الصعيد الاجتماعى، إذ ولِدت كطبقة محدودة، وظهرت شرائحها العليا كفئات ذات إمتياز نسبى، على حين كانت الازمة الزراعية تبدو عبر الافقار المتواصل للفلاحين وتعميق الانفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة. ترتبط تلك الملاحظة إرتباطاً جوهرياً بالوعى بما لحق تكوين البروليتاريا (لا سيما الصناعية)من تغيرات هامة منذ العقود الاخيرة من القرن الماضى، وترتبط تلك التغيرات بالطفرات العلمية المعاصرة التى قادت إلى إزدياد الوزن النوعى للفئة البروليتارية التى تعمل فى الصناعات التحويلية كما جرى إنتقال قسم كبير منها إلى تلك القطاعات التى تلعب دوراً حاسماً فى تطوير القوى الانتاجية الحالية؛ فالتيار الرئيسى لحركة إنتقال القوى العاملة يتجه ناحية قطاعات الصناعات الالكترونية والبتروكيميائية بشكل ملاحظ. والقطاعات تلك تتميز بدرجة عالية من الاحتكار على صعيد كل من التقنية ورأس المال. (4) فنزويلا دولة نفطية، وبالتبع ريعية، وحيث أن تحكم طبقة إجتماعية خاصة فى عملية النفاذ إلى المورد فى الاقتصادات الريعية المنجمية والوعى بما يثيره ذلك من علاقات جدلية بين باقى طبقات المجتمع، هو من أبجديات فهم الطبيعة الخاصة تلك الاقتصادات، فإن فنزويلا لم تمثل أدنى إستثناء فهى تنتمى إلى صلب القاعدة. إذ تحكم كبار الملاك العقاريون، وعائلاتهم من بعدهم، والبورجوازية الكمبرادورية، منذ البدء فى عملية النفاذ هذه، كطبقات كونت تاريخياً . . . كونت كطبقات مهيمنة ثم ونامية فى ركاب رأس المال الاجنبى المسيطر. (5) وحينما تنتقل الثروة الاساسية للبلاد إلى أيدى البورجوازية الوطنية، فإن هذا الانتقال يرتكز على أربعة أمور، تحتوى حين تحققها إمكانية النجاح فى السيطرة الكاملة على شروط التراكم، فى الوقت الذى يقود على العكس حين الفشل فى هذه السيطرة، إلى عدم تمتع عملية التراكم بالحد المطلوب من الاستقلال الذاتى، وبالتالى لا تعد هذه العملية إلا إنعكاساً وتكملة لعملية تراكم مركزها الذاتى فى مكان آخر، وتلك الأمور هى( والتى لم تصل إليها بعد بورجوازية الاجزاء المتخلفة بوجه عام والفنزويلية بوجه خاص) : - السيطرة على إعادة تكوين قوة العمل أى بعبارة أخرى إنتاج غذائى بالكميات والاسعار المطلوبة لإستمرار الأيدى العاملة الأجيرة فى القطاع الرأسمالى والتوسع فيه. - السيطرة على أسواق السلع الداخلية وإلى حد ما النجاح فى المنافسة الدولية. - السيطرة على الاسواق النقدية والمالية بحيث أنها تسيطر على مركز رؤوس الاموال تحت تصرفها. - السيطرة على تكنولوجيا الانتاج المعمول بها فى مختلف تطور النظام الانتاجى. (6) فى حقل الاقتصاد الريعى المنجمى(10) يتعين إجراء التمييز بين الدولة صاحبة الدخل وبين الشركة الرأسمالية المستثمِرة (أجنبية أم وطنية) إذ أن ناتج المنجم(البير) يجرى تصديره، ومن هنا تتحدد شروط ضخ الاستثمارات فيه، بمراعاة كلفة الاستبدال المنجمى، تلك الشروط تتيح فى نفس الوقت تحقيق ربح للرأسمال المستثمر، وريع بالتناقض على الصعيد الدولى بين الدولة(المالكة) وبين رأسمال الاحتكارات التى تهيمن على ظاهرة الاثمان الدولية، ولذا سيكون مفهوماً سبب الصراع الجدلى بين الربح(الذى تحصله بتروليوس دى فنزويلا، والمطروحة سنداتها فى أسواق المال الدولية) وبين الريع(الذى تجنيه الحكومة) ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى يتعادى فيها رأس المال كقوة إجتماعية مع رأس المال كقوة مضادة. إن تلك الملاحظات، التى ظهرت على مستوى الطرح، إنما ترسم لنا علامات تطمئنا بأننا نسير فى الطريق الصحيح، فهى تتمكن من القيام بنفى أى محاولة لاختزال الصراع الدائر فى فنزويلا إلى صراع بين هوجو تشافيز كرئيس دولة يسارى(وهو نعت يلزم أن يتجاوز الفهم الانطباعى) وبين قوى المعارضة. ومن ثم فهى تتيح مساحة أرحب للوعى بطبيعة الصراع الجدلى، كذلك بين محورى قوى المعارضة الاساسيين(رأس المال فى تناقضه مع قوة العمل) كما تتمكن تلك الملاحظات فى مرحلة ثانية من تقديم خط منهجى، لا يدعى العصمة كما نكرر دوماً، يقود إلى الوعى بتحديد، لا تعريف بأطراف الصراع الاجتماعى الراهن كقوى إجتماعية تكونت تاريخياً عبر عملية طويلة من الاندماج فى منظومة الفائض. وترتكز تلك الخطوط العريضة لهذا الخط المنهجى على الوعى بست أفكار رئيسية : أولاً: فى كُل مجتمع طبقى، وبالتبع متناحر، توجد طبقات إجتماعية أساسية تتحدد العلاقات القائمة بينها على أساس من نمط الانتاج السائد، وفى فنزويلا نستطيع أن نُميز، تاريخياً وفى مجرى فهم الازمة، بين أربع طبقات أساسية: الاولى: البروليتاريا، وإنما غير النفطية، إذ هناك ثمة محاولة للحديث عن البروليتاريا النفطية ذات الامتياز النسبى، بخطاب رسمى تدمج بروليتاريا النفط فى البروليتاريا غير النفطية. البروليتاريا بنوعيها إنما تتصادم مع طبقة ثانية هى رأس المال( الذى نمت فى ركابه البورجوازية الكمبرادورية التى آلت لها السلطة ومارستها ضمن إطار المنظومة العالمية) وثالثاً: طبقة كبار الاراضى(التى سبق وأن سيطرت على السلطة بجوار الارض) وتتناقض مصالح تلك الطبقة مع الطبقة الرابعة، طبقة الفلاحين. ثانياً: وعليه، فإنه يتعين الحرص من فهم مقولة(الطبقات الاجتماعية الاساسية) بمفهوم المخالفة لقولة الطبقات الاجتماعية غير الاساسية لما يجر ذلك إلى خلط ما بين المفاهيم، ومن ثم طمس معالم الجدل، من جهة إختزال طبقات المجتمع إلى نمط الانتاج السائد فيه، وهو أمر شاع كخطاب أيدلوجى للصراع الإجتماعى، وحصره، طبقأً لرغبة مؤسسة الحكم ونفسوية القيام بالدور التاريخى، فى طبقتين محددتين إجتماعياً وتاريخياً، وعندئذ تصبح الطبقات الاخرى غير أساسية وخارج دائرة الصراع الاجتماعى. وتكمن الخطورة الاساسية هنا فى تهديد النظرية الكمية والموضوعية فى القيمة بإلقائها خارج ما هو (علمى) فتبعاً لغض البصر، بلا معنى، عن أهمية فهم الوسط التاريخى والاطار الاجتماعى اللذين طرح فيهما إصطلاح رأس المال والرأسمالى، مع إستمرار العمل ولفترة طويلة(بشكل مؤسسى سياسى رسمى) على ترسيخ المصطلحين(الرأسمال والرأسمالى) فى سياق حزمة المفاهيم البغيضة، كالاستغلال والغبن والغش، اللذين يقعوا موقع التضاد مع نعوت وأحوال سامية كشرف النضال الثورى(مع رفض الثورة الدائمة) والايمان الراسخ بالتطور الجدلى للمجتمعات (خارج بوابات الحزب طبعاً، بإستثناء فهم ماو) وكتحالف قوى الشعب العامل(لصالح مؤسسة الحكم. الحزب) نقول تبعاً لهذه التفرقة الايدلوجية بين الطبقات الاجتماعية الاساسية و"غير الاساسية" صار قانون القيمة والذى تتمفصل حوله مجموعة القوانين التى تتيح معرفة كيفية إشتغال النظام الاقتصادى العالمى المعاصر، صار مهدداً فى وجوده الفاعل، بعد بتره التاريخى عن أصوله، كما صار فاقداً لشروط تطوره الجدلى( وهى مشكلة نعى تماماً أنها نظرية فى المقام الأول) بعد أن قُدم كتراث ممزوجاً بالنصوص الانتقائية، خارج حقل الجدل. ثالثاً: فالاقتصاد هو الشكل الظاهرى للصراعات الطبقية فى الرأسمالية، وفى العلاقات الجدلية بين صراع طبقات المجتمع وبين القاعدة الاقتصادية، ليس هناك من تعادل بين الاثنين، كما يقول أستاذنا الدكتور سمير أمين(قانون القيمة والمادية التاريخية) وإنما تفوق فى المرتبة لصالح الأولى. إبتداءً من هنا تعين تكوين الموقف الرافض من أمرين: أولاً: فحص المسألة بنزعة إقتصادية ترى أن النظام الاقتصادى الفنزويلى، كأحد أجزاء المنظومة العالمية، محدد بشكل كامل بقوانين موضوعية غير قابلة للتبدل، وصراع الطبقات، المعترف بوجوده، يكون عاجزاً عن تغيير هذه القوانين. ثانياً: الارتماء فى أحضات الادلجة، ونقصدها بمعناها السلبى، وإتخاها نقطة بدء للفحص. . . إن نقطة البدء يتعين أن تصدر عن الوعى بأن ما يجرى بداخل فنزويلا(إضافة إلى بعده التاريخى) يقوم فى الاساس على صراع طبقات لا طبقتين، هذا الصراع يعمل إنطلاقاً من قاعدة إقتصادية(علاقات إنتاج تلائم نظاماً إجتماعياً معلوماً) ويقوم بدوره بتكييفها، وإنما إبتداءً من قانون القيمة. رابعاً: إن التحالفات الطبقية الوقتية، أو العرضية، لا تعنى على الاطلاق النفى التاريخى للتناقض. فتحالف رأس المال مع قوة العمل(النفطية) فى فنزويلا فى الوقت الراهن؛ إنما يبدأ فهمه إبتداءً من فهم التناقض ذاته. إذ أن التناقض التاريخى بين ضدين لا يعنى قيام أحدهما بنفى الآخر، كما لا يعنى إحتواء أحدهما للآخر، إنما يعنى بداية. بداية تولد مع كل نهاية. إبتداءً من هنا لزم الوعى بأن تشافيز(كسلطة) لا يواجه عناصر مستقلة (ممثلة فى رأس المال وقوة العمل) وإنما يواجه علاقات متناقضة كذلك. ولذلك يمكن القول بأن الصراع الراهن فى فنزويلا يتحصل فى مجابهة بين السلطة(بما تعبر عنه راديكالياً عن مصالح شعبية متناقضة كذلك) وبين العلاقات المتناقضة بين رأس المال وقوة العمل. والصراع لا يخرج عن السياق العام إلا من جهة طبيعة السلعة التى تعانق حولها رأس المال مع قوة العمل. النفط. خامساً: من مصلحة الطبقة التى تضمن لها علاقات الانتاج الراسخة المستقرة إمتياز تملك وسائل الانتاج أن تبقى على هذه العلاقات وعلى البنيان العلوى للمجتمع( الذى يتضمن العلاقات الاجتماعية الواعية وتلك الافكار الاجتماعية والاتجاهات الإجتماعية السيكولوجية اللازمة لوجود أسلوب محدد من الانتاج) والتى تجعل فى الإمكان إستمرار علاقات الانتاج القائمة وتدعم بوجه خاص النظام الراسخ لملكية وسائل الانتاج. هذه الطبقة تجاهد فى سبيل مصلحتها عن وعى متفاوت الدرجة؛ كى تحافظ على الأساس الاقتصادى والبنيان العلوى الموجودين، وبهذا تزيد العقبات فى وجه أى ميل للتغير(11) ومن أجل إدراك تلك الغاية، تستخدم التشريع وجهاز الدولة(فما ظنك وهى الدولة نفسها) والنتيجة أن الطبقة أو الطبقات (وهنا تتبدى البورجوازية البوليفارية) التى ترتبط مصالحها بتطور القوى الانتاجية، تقاتل فى سبيل نزع الامتيازات النسبية للطبقة المضادة والناشىء عن علاقات إنتاج مستقرة، وتطالب بتغييرات فى البنيان العلوى(من خلال تقديم أيديولوجى للاشتراكية)وفى فنزويلا ينطبق الامر حرفياً ولا سيما بعد أن فقدت البتروليتاريا وسيلة إخضاع الاغلبية. القانون والقوة المادية؛ بعد أن إنقلبت السلطة عليها بدعوى إعادة توزيع الثروات. ولكن على مَن ؟ سؤال حائر بلا إجابة!! سادساً: عند نشؤ حركة(ثورية) ما فإنه يتعين أن يسير التحليل الواقعى فى الاتجاهات الاتية(12): (أ) المحتوى الاجتماعى لجماهير أنصار الحركة. (ب) ما الدور الذى تمارسه هذه الجماهير فى ميزان القوى الاخذة فى التحول، وهو تحول يتجلى بوضوح فى ظهور الحركة الجديدة ذاتها؟ (ج) ما هى الدلالة السياسية والاجتماعية للمطالب التى يتقدم بها قادة الحركة، والتى تلقى القبول العام؟ (د) لزوم بحث ملائمة الوسائل للغايات المتوخاة. (هـ) إن إفتراض أن هذه الحركة سوف تنحرف حتماً، وتخدم أهدافاً تختلف كل الاختلاف عما توقعته الجماهير، لن يكون إفتراضاً جديراً بالاعتبار إلا فى التحليل النهائى. وفى فنزويلا، عنصر الزمن هو الجوهرى فى تحديد معالم بعض العناصر المطروحة عاليه، إلا أن التحليل الاولى يتمكن من أن يؤكد على البعد الجماهيرى(النسبى) لحركة الجمهورية الخامسة التى تقودها السلطة البورجوازية (المنتَخبة) المعززة بقوة السلاح. إلى هنا نكون قد إنتهينا من فعلى الرصد والتحليل، ولم يعد أمامنا سوى إستخلاص القانون العام الذى يحكم الظاهرة التى طرحت نفسها على أرض الواقع فى فنزويلا فى الفترة من 12/4/2002، وحتى 24/3/2003، وإنما إبتداءً من : - إن تلك الظاهرة التى رصدناها وقمنا بتحليلها ليست معلقة فى الهواء وإنما أثارت مجموعة من ترتبط بمجموعة من المحاور الجوهرية التى ترتبط بأطراف الصراع (رأس المال، السلطة، قوة العمل، الملكية العقارية الكبيرة) والدور الامريكى كدور محورى على صعيد الصراع. - إن الظاهرة التى ننشغل بإستخلاص القانون العام الحاكم لها على الصعيد الاجتماعى إنما تقع فى سياق نظام رأسمالى كونى تكون عبر خمسة فرون من التراكم الرأسمالى. التراكم الذى بسببه وبمناسبته تكون الاقتصاد العالمى على النحو الحالى. أجزاء متقدمة وأجزاء متخلفة، وثمة بعض البلدان من تلك الأجزاء المتخلفة، ووفقاً لقواعد التطور التاريخى للرأسمالية، تأخذ الان فى طريقها نحو التطور والتنمية واللتين دائما ما يقدما على أساس من كونهما أداتا اللحاق بالأجزاء المتقدمة. - ومن ثم فإن الظاهرة كذلك التى ننشغل بقانونها العام الذى تخضع له إنما تقع، وفقاً لما سبق، فى سياق ظاهرة أكبر وهى ظاهرة (إعادة إنتاج التخلف) فالظاهرة التى قمنا برصدها وتحليلها على الصعيدين الآنى والهيكلى، إنما ترتكز على ثلاث أفكار رئيسية: فهى تستند أولاً على فكرة التراكم الرأسمالى، والذى يجد مصدره المباشر فى القيمة الزائدة، والتى أخذت تتخذ أشكالاً أكثر غموضاً، وهى تستند ثانياً على فكرة إعادة إنتاج التخلف، وثالثاً ترتكز على فكرة القيمة الزائدة ذاتها نفسها والتى تنتج فى الداخل ويتم (تسريبها أو ضخها) نحو الخارج لتغذية أماكن أكثر تعقيداً وتطوراً فى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد العالمى المعاصر. إن إتفاقنا على ذلك يجعلنا نتقدم بإطمئنان نحو تكليل خطواتنا الفكرية الاربع الكبرى التى مشيناها بالبحث فى: التاريخ، والجغرافيا، والمجتمع، والاقتصاد. من أجل أمرين: أولاً: محاولة تقديم طريقة إجابة على أسئلة أطراف الصراع ودور الولايات المتحدة، والتى من أجلها مشينا (بداخل منهجنا العام) أربع خطوات فكرية كذلك إبتدأت برصد الأحداث على أرض الواقع وإنتهت بفحص الهيكل ككل، أى أن الخطوات الفكرية للمنهج العام قد تقابلت مع الخطوات الفكرية(بداخله) وذلك حين كانت الخطوة الفكرية الرابعة فى كل من المنهج العام والخطوة الفكرية الرابعة كذلك فى الخطوات الفكرية (بداخل هذا المنهج العام) منشغلة كل منهما بالهيكل. ثانيا: وبالابتناء على أولاً، كانت محاولتنا تقديم طرح منهجى مختلف لظاهرة (إعادة إنتاج التخلف) الاقتصادى والاجتماعى، من خلال، كما تبدى سلفاً، فى مناقشة الوجه الحقيقى للتخلف "كعملية إجتماعية "مكتملة القوى والعناصر والاطراف" من إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، المتناقض مع ضعف(أليات) إنتاجها، ومن خلال هذا التناقض ما بين الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وبين هشاشة وضعف ألية إنتاجها، تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. فلننتقل الان لتكليل تلك الخطوات بإستخلاص القانون العام الحاكم للظاهرة. تحديداً ظاهرة الصراع الاجتماعى الراهن فى فنزويلا.
المبحث الثالث: ديالكتيك الربح والريع فى يوم 4/9/2010 أعلنت وكالة أنباء "رويترز" خبراً مؤداه نجاح فنزويلا فى "إنتاج" أحد أنواع أنابيب الحفر، التى تستخدم فى التنقيب عن النفط وهى تحتاج إلى تقنية معينة ساعدتها فيها موسكو، الامر الذى أسعد ملايين الفنزويليين، وقد سبق المصريون، الفنزويليين، فى تلك (السعادة!!) حينما أعلن وزير النفط السابق سامح فهمى أن مصر نجحت أخيراً فى "إنتاج" أحد أنواع رؤس أنابيب الحفر". فما دلالة الخبرين؟ الدلالة فى الخبرين تتحصل فى (إنتاج أحد وسائل الانتاج) بدلاً من(شرائها من الخارج) والفارق ما بين الفعلين، فعل الانتاج وفعل الشراء، فارق كبير، فالاول لا يسمح بخروج القيمة الزائدة المنتجة بداخل الاقتصاد الفنزويلى إلى الخارج فى صورة دولارات تذهب إلى الاجزاء المتقدمة المنتجة لتلك الوسائل الانتاجية التى غالباً ما تحتكرها لغلبة عنصر التكنولوجيا وعنصر كثافة الرأسمال عليها، ودلالة أخرى يمكن إستخلاصها تدعونا إلى فتح ملف هام ومصيرى وهو ملف (إنتاج وسائل الانتاج) فكما رأينا سلفاً أن (جُل) وسائل الانتاج المستخدمة فى مجال إنتاج وتسويق وتوزيع النفط تنتمى إلى المصانع المنتِجة فى الاجزاء المتقدمة، ولا يكون للدولة، بمعنى أدق السلطة فى الدولة، سوى مقابل بيع المادة الخام دون أدنى مشاركة كما ذكرنا فى أى مرحلة من مراحل التنقيب والاستكشاف والحفر والانتاج والتسويق والتوزيع، وما المشاركة الوحيدة سوى من خلال قوة العمل(المنتجة للقيمة الزائدة) التى كذلك تكون فى بعض البلدان المنتِجة تُنافس العمالة الوطنية وبصفة خاصة فى حقل (العمالة الفنية) فإن الملف الواجب فتحه هنا هو مدى ما يُصاحب عدم إنتاج وسائل الانتاج من تسرب للقيمة الزائدة المنتجة داخلياً إلى الخارج؟ وإن الاجابة على السؤال تكون يسيرة على أرض الواقع إذ ما ألقينا النظرة ولو السريعة والعامة جداً على واحد من مواقع إنتاج النفط فى ماراكايبو مثلاً، فلن نجد سوى أن (جُل) وسائل الانتاج التى تستخدم فى الانتاج إبتداءً من التنقيب وحتى الشحن والنقل والتفريغ كلها صناعة أجنبية تمت فى مصانع الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر، ولن نتمكن سوى من رؤية منتجى القيمة الزائدة (عمال النفط الفنزويليين) وهم يستخدمون تلك الوسائل أثناء عملية إنتاجهم. الامر الذى يعنى المزيد من إمتصاص الأجزاء المتقدمة للقيمة الزائدة المنتَجة فى الاجزاء المتخلفة، وتكتمل الحلقة بأن تستورد فنزويلا ليس فحسب أدوات وربما مواد الانتاج وإنما تستورد أيضاً وسائل المعيشة، وبصفة خاصة الغذاء والسلع الاستهلاكية المختلفة، وكأن ما سوف يدفع من أجور (لعمال النفط على سبيل المثال) سوف يذهب مرة أخرى إلى الاجزاء المتقدمة المنتجة، وطبعاً كل ذلك فى سياق إعادة إنتاج التخلف"كعملية إجتماعية "مكتملة القوى والعناصر والاطراف" من إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، المتناقض مع ضعف(أليات) إنتاجها، ومن خلال هذا التناقض ما بين الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وبين هشاشة وضعف ألية إنتاجها، تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر ولقد آن الوقت كى نستخلص القانون العام الحاكم للظاهرة التى ننشغل بها وهى ظاهرة الصراع الاجتماعى الراهن فى فنزويلا، وهى فى الواقع تتبدى كما رأينا فى ظاهرة أكبر وهى ظاهرة إعادة إنتاج التخلف، فعبر خطواتنا الفكرية التى مشيناها بات من الواضح أنه من غير العلمى فصل ما هو أدائى عن ما هو هيكلى، بل ومن غير العلمى، من باب أولى، إهدار أحدهما لصالح الآخر، ولذا صدرنا عن الرؤيتين، أدائية: وتهتم بالتعرف على مُجمل الاحوال والاوضاع الآنية جغرافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتاريخياً، وهيّكلية: وتَنشغل بالمعاينة التاريخية للكيفية التى تَكونت معها (إقتصادياً) بُلدان القارة اللاتينية، على هذا النحو مِن التخلف، بوجه عام، وفنزويلا بوجه خاص، بحثاً فى أسباب التخلف، منذ الادماج، وليس فى أثاره، الامر الذى يُمكننا مِن فهم طبيعة الصراع الجدلى بين الربح، الذى تُحصله بتروليوس دى فنزويلا، شركة النفط الوطنية الفنزويلية، وبين الريع، الذى تجنيه الحكومة الفنزويلية، ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى يتعادى رأس المال فيها مع السلطة المسلحة كَقوة مضادة، وهو أمر لديهم جلى، خفى لدينا. أقول إن ما يَحدث فى فنزويلا هو فى حقيقته صِراع بين ما قد أسميتها بــ (البتروليتاريا) وبين السلطة. بين قوةِ العمل المتحالفة مع رأس المال والمتناقضة معه فى نفس الوقت وبين النظام المعَبِر عن الجماهير ومصالحها، هى أيضا متناقضة وإن جمعتها مصلحة أنية واحدة. وبعبارة أكثر دقة وتحديداً فإن الصراع الراهن إنما يَتبدى فى مظهَرين: أولهما: صراع جَدلى ما بين(الربح) وبين(الريع) مِن جهة. وثانيهما: صراع جَدلى بين (البتروليتاريا) وبين (السُلطة) مِن الجهة الثانية. والمظهر الثانى هو التعبير الجدلى عن المظهرالاقتصادى الاول. ولأن التيارات المهيمنة(ومِن باب أولى تيارات التَنظير الامبريالى) مُنشَغلة بحيازة الاستنتاجات المضمونة والسهلة، كما ذكرنا أعلاه، فلم تُبصر، ومَن أَبصَر أَصابهُ الارتباك، مدى أهمية ما ثيره المسألة مِن إمكانية فَتح العديد مِن الملفات المطوية ومدى قدرتها على إعادة طَرح اليسار نفسه، إن أراد، بذهنية تَتَجاوز الرؤية الميكانيكية (التى إرتد لها كثيرون) إلى رحابة الفَهم الجَدلى للظواهر الاجتماعية... الرَحَابة التى تُتيح فَهم أوضَح وأعمَق وغَير مُلتَبس لإمكانية "تحالف الأضداد". فلقد أفرز الصراع التاريخى الجَدلى الطويل بين قوة العمل وبين رأس المال، وهو صراع جَدلى لا خطى، فى ظروف تاريخية وجغرافية معينة، تحالفاً بين (قوة العمل وبين رأس المال) فى مواجهة (السلطة) إذاً هناك ظاهرة (الصراع الجدلى بين قوة العمل وبين رأس المال) تلك الظاهرة تُفرز ظاهرة (البتروليتاريا) فى مواجهـة ظاهرة ثالثة (السلطة) فيتطور الصراع الاجتماعى مِن صراع بين قوة العمل وبين رأس المال، تطورا جَدلياً كى يَنتقل الصراع إلى مرحلةٍ أخرى تظهر فيه السلطة كأحد الأطراف المتَنَاقضة مع المفرَز الديالكتيكى المتمثل فى (البتروليتاريا) هذا تحديداً ما لا تقوله كراسات التعميم، ومِن ثم لا مَفر مِن لّىّ عنق الظاهرة لحشرها حشراً فى الأدراج المعدة سلفاً، سيمسى إذاً عماد الاشكالية النظرية أى القانون العام الحاكم هو قانون التطور الجَدلى، والذى يَتَمثل هنا فى فَهم إمكانية"تحالف الاضداد" بصفةٍ خاصة، والذى يُعد أحد أوجه الجَدل. لكن التيارات المهيمنة (والتنظير الامبريالى مِن باب أولى) ولإعتيادها النظرة الخطية لم تَتَمكن مِن إستيعاب هذا الوجه الذى يَظهر به الجَدل على المسرح الفنزويلى. بل على جَميع أراضى البُلدان التى يَتبلور عليها الصراع الاجتماعى الراهن فى أية بقعة مِن بقاع الاقتصَاد الرأسمالى الدولى المعاصر، بشقيه المتقدم والمتخلف. وقانون الجدل يتبدى هنا فى أمرين: - فهو، أولاً، يحكم الصراع الاجتماعى الراهن فى فنزويلا إبتداءً من ذلك التحالف بين (قوة العمل وبين رأس المال) فى مواجهة (السلطة) أى أن هناك ظاهرة (الصراع الجدلى بين قوة العمل وبين رأس المال) تلك الظاهرة تُفرز ظاهرة (البتروليتاريا) وهذه الظاهرة تتناقض مع ظاهرة ثالثة هى (السلطة) فيتطور الصراع الاجتماعى مِن صراع بين قوة العمل وبين رأس المال، تطورا جَدلياً كى يَنتقل الصراع إلى مرحلةٍ أخرى تظهر فيه السلطة كأحد الاطراف المتَنَاقضة مع المفرَز الديالكتيكى المتمثل فى (البتروليتاريا) وهذا تحديداً ما لا تقوله كراسات التعميم كما قلنا. الامر المهم هنا هو أن التجريد يوجب علينا أن نعلو بالظاهرة التى نحن أمامها عن كل ما هو ثانوى فلا ننكر أن هناك ثمة طبقات وفئات أخرى بداخل الصراع الاجتماعى الراهن فى فنزويلا؛ بيد أن التجريد يشير إلى العناصر الجوهرية فى الصراع: السلطة، رأس المال، قوة العمل. وربما يوجب علينا فى مكان أخر من تصور عناصر الصراع على نحو مختلف، يكون فيه مثلاً كبار ملاك الاراضى والفلاح هما عنصرا الصراع وهكذا. - وقانون الجدل، ثانياً، يحكم من جهة أخرى الظاهرة الاكبر التى ننشغل بها وهى إعادة إنتاج التخلف على أساس أن إعادة إنتاج التخلف هو: "كعملية إجتماعية "مكتملة القوى والعناصر والأطراف"من إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، المتناقض مع ضعف(أليات) إنتاجها، ومن خلال هذا التناقض ما بين الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وبين هشاشة وضعف ألية إنتاجها، تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. إن تجاوز النظرة الخطية والرؤية الميكانيكية والمدخل الادائى، إلى رحابة الفهم الهيكلى والجدلى للظواهر الإجتماعية هو بمفرده القادر على تمكيننا من الفهم. وعندئذ نتمكن ليس فقط من رصد الظاهرة وأطرافها(وإنما كجوهر. كعلاقات) فى إطار الكل الذى تنتمى إليه بل ومآلها، وهو الامر الذى ستتكفل الأيام بالبرهنة على صحته، كما تكفلت دوماً. . . بل وبرهنت. إن النظرة الجدلية إنما ترتبط بالادوات الفكرية التى يقدمها الاقتصاد السياسى فى سبيل الانشغال بتحليل الظاهرة وبالاخص من جهة أطرافها (رأس المال وقوة العمل والسلطة) وهذا الارتباط يتيح التقدم لفهم الإمكانية التاريخية لتحالف أضداد تاريخية كرأس المال وقوة العمل. إنها الامكانية التى تثرى الوعى بقانون صراع الاضداد ولا تنفيه. فها هو الحدث(البروليتاريا) وها هو النقيض(رأس المال) وتحت ظروف محددة إجتماعياً تتبلور(البتروليتاريا) كى تنهض بإتمام عملية من عمليات التطور الاجتماعى للمجتمع الفنزويلى كمجتمع طبقى، بدخولها فى علاقة متناقضة مع السلطة التى تعبر من زاوية ما عن بورجوازية وطنية. وهكذا يقودنا المنهج الجدلى والمدخل الهيكلى إلى تكوين الوعى بشأن الدور الامريكى، كدور حتمى الاداء قبل كل رئيس دولة مزعج لطموحات الهيمنة العالمية لواشنطن. إن "تشافيز" بالقطع لا يريد، بل لا يستطيع اللعب خارج الحلبة أو اللعب بداخلها بقوانين مختلفة عن القوانين الحاكمة لأداء الرأسمالية العالمية، ولا يستطيع كذلك القيام بفك الروابط على الاقل فى الوقت الراهن، إذ يتطلب منه التصحيح(من خلال فك الروابط، وهو أمر على ما يبدو لا يريده فعلاً، حاله كحال كل حكم بورجوازى وطنى، إذ كل ما يسعى إليه يتلخص فى تحسين المكان الذى تحتله البلاد فى التقسيم الدولى للعمل) نقول يتطلب الامر عدة إستراتيجيات ذات أبعاد سياسية وإجتماعية وفنية، لا يمكن تحقيقها حالياً فى فنزويلا فى الوقت الراهن وربما فى المستقبل المنظور، وإن بدت بعض ملامحها(ظاهرياً). إن كُل ما يملكه تشافيز، بفعل السلطة، هو الظهور فى حقل التوزيع، المؤقت وغير المتوازن للثروات الفنزويلية، وذلك، كذلك دون شك، من الامور التى تزعج واشنطن بالقدر الذى يتعلق بما يمس النفط الفنزويلى نفسه؛ ومن ثم يصبح طبيعياً جداً تأييد الانقلابات وتأجيج المظاهرات والاضرابات ضد ذلك الرئيس المزعج، ولنطالع التقرير الصادر عام 1980 (ولم يزل يحتفظ بأهميته) عن الكونجرس الامريكى،إذ جاء فيه :"يجب على الولايات المتحدة بالاتفاق مع حلفاءها دفع وتدعيم البرامج الخاصة بالإسراع فى إستكشاف النفط وتنميته خارج منطقة الشرق الاوسط، فإن المكسيك"وفنزويلا"هما أكثر الدول التى يمكن أن(تنتج للولايات المتحدة وحلفاءها) فرصا كبيرة لتقليل إعتمادها على نفط الشرق الاوسط، لذا يجب أن تظهر الولايات المتحدة إستعدادها لتنمية مصادر الطاقة بالمكسيك. ومن ناحية أخرى، يجب على الولايات المتحدة، إعطاء أولوية قصوى لتنمية الثروة الضخمة"لفنزويلا"وذلك بمنح المساعدة المالية والتعاون الفنى مِن خلال هيئة تأمين الطاقة، كما يجب إمداد"فنزويلا"بما تحتاجه من القروض اللازمة لتنمية مواردها الضخمة من الوقود ومن خلال عقد إتفاقيات ثنائية أو متعددة الجوانب"(12) إن فهم ما يجرى فى فنزويلا، وهو مرتهن فى المقام الاول بالمنهج المقترح الذى يتركب بنائياً من خطوات فكرية محددة تبدأ برصد الواقع وإنما بغرض تكوين وعى هيكلى، ثم التعرف على التكوين الاجتماعى وإنما إبتداءً من تكونه التاريخى فى ركاب رأس المال كظاهرة تاريخية وتبلوره كقوة إجتماعية، مع الوعى بخطورة فصل هذا التكوين الاجتماعى، وإستيعابه بمعزل عن الكُل الذى ينتمى إليه على الصعيد العالمى. نقول إن الوعى بما يجرى فى فنزويلا، إنما يدور وجوداً وعدماً مع تكوين أو عدم تكوين الموقف الرافض من النظرة الخطية والمداخل الادائية كمداخل نهائية للفهم، النظرة الخطية التى لا ترى فى حالة فنزويلا سوى مجرد حالة إصطدم من خلالها(فكر ثورى راديكالى) مع (فكر إنتهازى رجعى) أو المدخل الادائى الذى لا يتمكن من الذهاب أبعد مِن إعتبار الصراع لحظة تاريخية إصطدمت فيها السلطة مع معارضيها. فلعل جُل المعالجات الخاطئة لجل الاشكاليات، وليست الفنزويلية فحسب، والتى تطرح نفسها على أرض الواقع إنما تعود لفساد المنهج ذاته وتشوشه، ولا شك فى أن تشوش المنهج يعرب عن تشوش فى العقل، هذا التشوش الذى يتبدد أمام الرؤية الجدلية والتصورات الهيكلية. فلن نتمكن من المضى قدماً فى سبيل مشروع واع لمستقبل آمن طالما رفضنا، عن جهل، فهم الواقع فى ضوء الماضى لفائدة مستقبلنا. والان، وبعد أن وقفنا على عناصر طرحنا المنهجى للمسألة الفنزويلية، التى ثارت فى القارة اللاتينية، والتى تركزت فى الوعى بالواقع فى سبيل تكوين تصور للهيكل فى أبعاده الاقتصادية والجغرافية، والاجتماعية والتاريخية، وبعد وصولنا لتكوين الوعى بعملية تسرب القيمة الزائدة إلى خارج مسام المجتمع الفنزويلى، لتغذية الاجزاء المتقدمة، بما يُرسخ مفهوم التخلف، الذى لا يتوقف تحققه على عملية تاريخية كان أساسها تصفية المجتمعات ذات الخصوصية الاجتماعية(فى أمريكا اللاتينية، وأفريقيا) من ثرواتها فى سبيل تكوين رأس المال المركم فى أوروبا، وإنما يمتد ذاته كعملية إجتماعية "مكتملة القوى والعناصر والاطراف"من إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، المتناقض مع ضعف(أليات) إنتاجها، ومن خلال هذا التناقض ما بين الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وبين هشاشة وضعف ألية إنتاجها، تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى الاجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. فى الحاضر أساسها المزيد تلك العملية الاجتماعية من التسرب إلى خارج الاقتصاد، بما يسلب المجتمع شروط تجديد إنتاجه، ومن ثم يُعجِزَه عن التنمية المستقلة عن الأجزاء المتقدمة التى تربطه بها علاقة تبعية تفرض وجودها، فالتخلف ليس ظاهرة تستمد وجودها من التاريخ فحسب وإنما هى تستمد حياتها من القانون العام للحركة، والقانون العام للتطور: القانون العام للحركة: (ن – (ق ع)+(و أ)–س- Δ-;- ن) وهو القانون الذى تبلور مع الرأسمالية منذ أن توارى الاقطاع والفكر المنظر له آنذاك، وهو القانون العام (المطلق) لحركة النظام المهيمن على الصعيد العالمى. القانون العام للتطور: وهو الديالكتيك وهو القانون الذى وضع إبن خلدون لبناته الاولى، بشكل علمى، وإستكملها "ماو" فيما بعد بقوله:" إن تغييرات المجتمع ترجع فى الاساس إلى تطور التناقضات الداخلية فيه . . . . فأولاً توجد التناقضات فى عملية تطور جميع الاشياء، وثانياً توجد حركة التناقض فى عملية تطور كُل شىء منذ البداية حتى النهاية . . . إن التناقض هو أساس الاشكال البسيطة للحركة، وهو بالاحرى أساس الاشكال المعقدة للحركة. وحالما يتوقف التناقض تتوقف الحياة ويحل الموت".
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم، كعرب، إيران؟
-
السودان بعد التفكيك
-
ملاحظة بصدد أزمة التعليم فى العالم العربى
-
النداء الأخير
-
نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى
-
نقد ديالكتيك ماركس فى رأس المال
-
هيكل اقتصاد مصر
-
خلاصة الرأسمالية
-
محاضرات دورة كتاب رأس المال
-
موضوع الاقتصاد السياسى
-
مسخ الاقتصاد السياسى
-
نظرية القيمة عند الكلاسيك وماركس
-
من ماركس إلى قانون فى القيمة
-
الاقتصاد المصرى
-
التبعية مقياس التخلف
-
مبادىء الاقتصاد السياسى
-
للحق، لا للقضاء، للمحامى المصرى رامى الحدينى
-
ما قبل هيمنة ظاهرة الرأسمال
-
ما قبل هيمنة الرأسمال
-
نقد قانون القيمة عند ماركس
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|