أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الخلافة، الخليفة، و-خلافو-















المزيد.....

الخلافة، الخليفة، و-خلافو-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 13:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


جاء أبو بكر البغدادي من خارج دوائر الإسلاميين السياسيين الذين خاضوا صراعا مضطربا مع النظم الحاكمة في العالم العربي طوال عقود. الرجل الغامض الذي لا يعرف له تاريخ يقطف ثمار الضغط المديد الذي تعرضت له مجتمعاتنا االمعاصرة بين نظم حكم قاتلة وخاوية من المعنى وبين مزايدة الإسلاميين على الناس بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وبشعارات مثل "الإسلام هو الحل"، ومفاهيم مثل الحاكمية الإلهية، وبرامج مثل تطبيق شرع الله. الوجه الآخر لهذا التعظيم الذاتي هو التشنيع على العالم المعاصر، وإثارة الغبار حول مبدأ الحرية، والحط من شأن الحقوق التي يتمتع بها الناس في الغرب وغير الغرب. وهو ما شكل ضغطا إضافيا على مجتمعاتنا المبلبلة الأوضاع والمدارك.
وإذ أغلقت أبواب التغير السياسي والاجتماعي طوال نحو جيلين، بقي مفتوحا فقط باب المبالغة بعظمة المثال الإسلامي ونجوعه الكلي وعدالته الكاملة. وغير الضغط على المجتمع بإسلام يفترض أن الله أغنانا به عن سواه، جرى الضغط على الإسلام ذاته وتسخيره لأغراض الصراع على السلطة، حتى لم يبق له شكل أو صورة محددة. فهو دين ودولة وقانون وشريعة وعلم وأخلاق وهوية وأمة وسياسة وجيش، إن حاكينا صيغا متواترة لدى يوسف القرضاوي، وقبله لدى حسن البنا. وبمحصلة هذا التلاعب المديد صار الإسلام الذي لم تعد له شخصية محددة مبدأ للمزايدة والإحراج العام. هذا ما يسر الأمر للبغدادي الذي يتفوق على الجميع في المزايدة، ويدفع المضمر في أقوالهم ومشاريعهم إلى الظهور الأقصى: دولة الإسلام الآن، وتنصيب خليفة، دون انتظار أولئك المتلجلجين الذي قضوا أعمارا وهم يريدون الشيء وعكسه ويقولون الشيء وعكسه.

إعلان أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين ودعوة المسلمين في كل مكان إلى مبايعته حدث تاريخي بالفعل من حيث أنه أوصل إلى نهايتها المنطقية الدعوة إلى تحكيم الإسلام في السياسة والدولة وحياة السكان. ولعل هذا مصدر ارتباك عموم الإسلاميين حيال داعش قبل إعلان نفسها دولة المسلمين، ارتباك لا يتوقع له إلا أن يزيد بعد أن صار الرجل في موقع من يطالبهم بالبيعة والطاعة: أمير المؤمنين. الإسلاميون محرجون لأنهم هم من فتح باب سياسة الإحراج، وجاء من يدفع الأمر إلى منتهاه ويضعهم هم في الحرج الأقصى. فلا هم يستطيعون رفض خلافته على نحو مقنع دون مراجعة جذرية لمشروعهم السياسي، وهم إن قاموا بهذ المراجعة مضطرون لقول كلام واضح في شأن الحرية الدينية (بما فيها حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد) والمساواة بين السكان (بصرف النظر عن الدين والجنس)، والفصل بين الدين والعنف، وهو ما لا يستقيم على أرضية عقيدة الحاكمية الإلهية، أو دعوى تطبيق الشريعة.
لم تعد كافية أو مقنعة الاعتراضات الكلية التي كانت تسمع على داعش قبل تحولها إلى "دولة الإسلام"، فظاظة الجماعة وخشونتها في التعامل مع السكان الواقعين تحت سلطانها، والتشكك في روابط خفية لهم مع أجهزة إقليمية. فظاظة داعش مميزة فعلا، لكن هل هناك قضية مبدئية تميزهم عن جبهة النصرة أو الجبهة الإسلامية؟ وهل يشغل أحد من المعترضين على روابط داعش الخفية المحتملة موقعا استقلاليا حقا، يُمكِّنه من نقد متسق لها؟
لا تعود خلافة داعش، وقبله ظهورها ذاته، وقبلهما تنظيم القاعدة، لا تعود حصرا إلى تلاعب الإسلاميين المديد بالإسلام وإفقاده شخصية مميزة .لا ريب أن اضطهاد السكان طوال عقود على يد سطات متغولة، لها "خلافتها" الخاصة التي لا تنضبط بمبدأ أو قانون، ولا تفضل الغول داعش وخلافتها في شيء (باستثناء أنهم منضبطون تماما حيال القوى الدولية النافذة)، وكذلك على يد غول التحالف الأميركي الإسرائيلي العدواني، هذان الاضطهادان أورثا مجتمعاتنا استعدادا للبارانويا (مزيج مرضي من الاضطهاد والعظمة والارتياب) هو ما يكمله الإسلاميون حين يجعلون من اضطهادنا برهانا على فرادتنا وخصوصيتنا، ولا يرون العالم المعاصر كله إلا مؤامرة متمادية على الإسلام، ولا يجدون كرامة للمسلمين، أو "عزة الإسلام" حسب تعبيرهم المفضل، بغير فتح البلدان والسيادة على العالم. العزة هي ما ركز عليه إعلان الخلافة على لسان أبو محمد العدناني، الناطق باسم داعش. وهو إذ يظهر ظمأ المسلمين المعاصرين إلى الكرامة، يظهر أيضا التوجيه الامبريالي لهذا التطلب باتجاه العدوان على الغير والاستيلاء على مواردهم والسيطرة على بلدانهم. نتصور أن كرامتنا في السيطرة على الآخرين وإذلالهم وليس في التحكم بأنفسنا، وفي إخضاع العالم وليس في ضبط عوالمنا الداخلية. هذا مفهوم عدواني وغير كريم للكرامة، تواليه داعش، لكنها لم تخترعه. فهو مكنون في تديننا ومخيلتنا التاريخية وتفكيرنا الديني والقومي. وهو ينحدر إلينا من زمن الامبراطورية التي لم تتم مراجعة ميراثها وتصفية الحساب معها في ثقافتنا في أي وقت، لا بل رفعت إلى مصاف التجربة المرجعية التي يسكن القلوب والأذهان بعثها واستعادة السيادة العالمية الضائعة.
تحمل دولة الخلافة بذور فنائها. فهي قوة حقود وعدوانية جوهريا، تكونت بآليات الاستعمار من عدوان على المحكومين واحتقار عنصري لهم واستيلاء على موارهم، ويحركها تطلع إلى التوسع في الداخل والخارج، التطويع المطلق للواقعين تحت سلطتها، وإخضاع أقاليم أخرى ما استطاعت. يحركها أيضا نازع للمزايدة على الإسلاميين الآخرين، وعلى المسلمين جميعا، يفوق حتى مناخ المزايدة والإحراج الذي مهد لها على يد الإسلاميين الآخرين، ويذكر بالمزايدة البعثية قبل جيلين، وقد قادت خلال زمن قياسي إلى كارثة حزيران 1967.
لا يبعد مع ذلك أن يلتقي ظهور هذا الكيان العدواني مع محصلات إجهاض الثورة السورية والانقسام الواقعي للبلد، ومحصلات تمزق العراق تحت وطأة طائقية نظامه وتبعيته لإيران، وما يحتمل أن يرفدهما من اقتناع قوى إقليمية ودولية بجدوى إفراد السنيين المتشددين بكيان خاص لهم، يروي ظمأ مظلوميتهم، ويبقى ما شاء البقاء (لكن لا يتمدد)، ويضمن الاستقرار العزيز على أقوياء العالم في نطاق حاكميته، وقد لا يتأخر عن تطوير إحساس بالمسؤولية والانضابط أمام الأقوياء والكبار (وإن ثابر على قتل الصغار، من لا يفعل؟)، وإثبات جدواه للمتنفذين في الإقليم والعالم.
أما الإسلاميون السياسيون الذين حقق البغدادي ما مهدوا له وعجزوا عن تحقيقه فسيمضون على الأرجح في الرغبة في الشيء وعكسه. هذا نابع من كيانهم المنفصم، وليس من أفكارهم الحائرة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق
- فراس
- -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات
- قضية مخطوفي دوما الأربعة ومواقف تشكيلات المعارضة السياسية
- سميرة الخليل
- القضية الأخلاقية ضد اختطاف سميرة ورزان ووائل وناظم
- حول تغطيات إعلامية غربية ل-ما يجري في سورية-
- من مثال الدولة إلى المقاومات الاجتماعية
- أبو عدنان فليطاني
- سورية تحت احتلالين، وهناك حاجة لحركة تحرر وطني جديدة/ حوار
- -القاعدة-... امبراطوريتنا البديلة
- تطور لا متكافئ مركب للأوضاع السورية
- مقاومة بالتذكر: جانب من سيرة دعوة -المصالحة الوطنية-
- الكتابة بالعين والكتابة بالعينين
- نظرة إلى اقتصاديات السياسة والحرب والعمل العام
- بصدد تحركات بشرية مرافقة للصراع السوري
- ثلاث ملاحظات على مقاربات سيمورهيرش وروبرت فيسك
- أربعة أبطال واضحين في أسطورة...
- فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة
- الثورة والسياسة: ميادين عمل


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
- مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
- -تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3 ...
- ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
- السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الخلافة، الخليفة، و-خلافو-