|
1/2تجمع اليسار الديمقراطي وأزمة اليسار في المغرب
يوسف الطاهري
الحوار المتمدن-العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31 - 06:25
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
قامت بعض أحزاب اليسار في المغرب( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي- النهج الديمقراطي – اليسار الاشتراكي الموحد – الوفاء للدمقراطية – الؤتمر الوطني الاتحادي) بمحاولة لتجميع الشتات ورص الصفوف تجسدت في تأسيس تجمع اليسار الديمقراطي، و يمكن اعتبارها الأولى من نوعها مقارنة مع بعض التجارب التي عرفها المغرب سابقا. وأول ما يميزها عن غيرها أنها محاولة تود الخروج عن المألوف شكلا ومضمونا، بعيدا عن تلك التحالفات الظرفية التي كانت تقام على أسس برامج واستراتيجية انتخابية. بالتأكيد أن محاولة من هذا النوع، تعد سابقة تاريخية في اتجاه بناء أسس وركائز جبهة موسعة، ومن شأنها أن تأدي إلى تحقيق طموح يختزنه عمق وجود اليسار، وعمق تشكله وممارسته المتميزة بحركية وديناميكية قواعده. فقراءة سريعة لتجارب مختلف الأقاليم والقطاعات الجماهيرية يمكن استنتاج الرغبة القوية لقواعد اليسار في إرساء علاقات متينة مرحلية واستراتيجية بين مختلف مكوناته. إن مجرد الجلوس على طاولة واحدة وتأسيس إطار تجمع اليسار الديمقراطي يعد مؤشرا عن تطور الوعي بضرورة الممارسة الوحدوية، وتوسيع قاعدة النضال المشترك. لكن ذلك لا يمكنه إعفائنا بطرح أسئلة حول آفاق التجمع والشروط الضرورية لتحقيق أهدافه المسطرة في وثيقة التأسيس نجمل بعضها كالتالي: ما هي الشروط التاريخية التي يناضل فيها اليسار والتي جعلت من التجمع ضرورة تاريخية وإجابة واعية عن المرحلة؟ ما هي طبيعة العوامل المحفزة أو المعيقة لتطور التجمع ؟ إلى أي درجة يمكن تحقيق الحد الأدنى السياسي ؟ كيف يمكن التعامل مع بعض الأطراف التي تختزن في ذاتها تقاليد وأعراف ممارسة سياسية ونقابية ذات نزعة هيمنية أوإقصائية ؟ ماذا عن التناقضات القائمة بين تلك المكونات وعلى رأسها الاختلاف الحساس حول الديمقراطية بما فيها قضايا الدستور والانتخابات، و القضية الوطنية وطبيعة التعاطي مع ملفات عالقة كقضايا حقيقة الانتهاكات الجسيمة،الفساد...؟ نحاول في هذه القراءة البحث عن جواب لتلك الأسئلة وأخرى قد يأتي بها تشعب البحث، وذلك بهدف المزيد من الكشف عن الإمكانيات المتاحة لبناء تجمع يساري صلب لا يهزم، قادر على تحقيق الانتقال إلى مرحلة أخرى من التطور المجتمعي تضمن السيادة الشعبية والممارسة الديمقراطية غير القابلة للتراجع. فالحديث عن أزمة اليسار حديث عن أزمة شاملة. لا يمكن الاقتصار في تحديد أسبابها وتجلياتها من خلال التجربة الذاتية لأطرافه فحسب، أو عن واقع كل طرف و على مستوى حجمه و قوته ودوره في الصراع السياسي. وقد لا يتعلق الأمر فقط بظروفه الداخلية واستتباب واستقراره التنظيمي، وممارسته وتصوراته السياسية و الإيديولوجية بالشكل الذي يستجيب لمتطلبات الصراع السياسي. رغم أن كل ذلك يشكل جزء من مسببات أو تجليات أزمة اليسار، أو يظهر بمظهر السبب الرئيسي فيها. فإن الفاعل الموضوعي كذلك، كان له الدور الحاسم في قيادة ذلك الجزء إلى أن يصبح رئيسيا في أزمة اليسار أويضهر كذلك. 1) الفاعل الموضوعي في أزمة اليسار يعرف العالم ظروفا اقتصادية وسياسية لها آثار مباشرة فعلية على البنية الاقتصادية المغربية والتي لها انعكاسات سلبية على الأوضاع الاجتماعية للجماهير الشعبية. وأصبحت تلك الظروف تشكل مبررا يختفي ورائه الحكم لتصبح الأزمات التي يخلقها طبيعية في الوقت الراهن. والحقيقة أن الأزمة ناتجة عن طبيعة الاختيارات التي ينهجها التحالف الطبقي الحاكم المتميزة بخضوعه وانصياعه الأعمى وبدون شروط لدوائر المترو بول الإمبريالي، وفتح السوق على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية الإمبريالية وإعفائها من أي أداء ضريبي ممكن في أطار التناسب مع شعارات العولمة التي وضعته الإمبريالية لتزيد من تحييد القيود على النهب المباشر لخيرات الدول الفقيرة. وتشكل اختيارات التحالف الطبقي الحاكم اللاوطنية ممارسة طبيعية، إن أدركنا طبيعة تشكله التاريخي في أحضان الاستعمار، واستمراره كممثل سياسي للطبقات السائدة التي ربطت مصيرها ومصير البنيات الاقتصادية والاجتماعية بالإمبريالية. ونظرة سريعة لتاريخ تشكل البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب نستنتج أنه من غير المنطقي أن ينهج الحكم أسلوبا ديمقراطيا وشعبيا في ضل سيادة التبعية البنيوية للإمبريالية لكون المصالح الاقتصادية والسياسية للطبقات السائدة والامبريالية تتناقض كليا مع سيادة الشعب الذي وإن نهج اختيارا فلن يكون سوى اجتثاث الإمبريالية وقطع التبعية، مما يعنيه ذلك من استئصال لأسس قوة التحالف الطبقي الحاكم. فيصبح من خلال ذلك من غير المنطقي أن نتوهم بإمكانية البناء الديمقراطي في ضل البنيات السائدة ، وهذا لايعني بتاتا أننا ننفي قدرة النضال الديمقراطي على توفير شروط التحول البنيوي بل بالعكس فالمنطق الذي جعلنا نحكم على إفلاس الطبقات الحاكمة وهو حكم على طبيعتها التاريخية هو نفسه الذي جعلنا نؤمن بقدرة النضال الديمقراطي على فتح آفاق التغيير الثوري في المجتمع بماهو حكم يعتمد منطق الضرورة التاريخية لتحويل المجتمع . فالتحالف الطبقي الحاكم عاجز بنيويا على إنجاز الديمقراطية حتى في حدود التجارب المعروفة والسائدة في أوروبا. تلك التي تبين إفلاسها في تحقيق طموحات الشعب في إدارة المجتمع. وأصبحت خاضعة لحسابات سياسية حزبية برجوازية لم تستطع في إطارها القوى الحاملة لمشروع الطبقة العاملة تحقيق موقع في أجهزة القرار السياسي من مؤسسات تشريعية وغيرها. فبالأحرى أن يحقق التحالف الطبقي الحاكم في المغرب نموذجا للديمقراطية مستمدا من التراث السياسي الاجتماعي والثقافي للشعب المغربي .خاصة وأنه يحمل في داخله عوامل ذاتية متناقضة بنيويا معادية للبناء الديمقراطي. ليست الديمقراطية إرادة ذاتية فردية تتحقق بمجرد انتقال السلطة من شخص إلى آخر فهي عملية معقدة تأتي كإفراز موضوعي للصراع الطبقي بمختلف جبهاته وتفاعله مع حركية المكونات السياسية الحاملة لمشروع البناء الديمقراطي تاريخيا.وذلك يشترط قوة سياسية فاعلة في الساحة السياسية تقود الفعل النضال نحو التغيير الفعلي للمجتمع إن هذا العجز البنيوي كما سبق الذكر نابع من طبيعة التشكل التاريخي للتحالف الطبقي الحاكم. واستمر محركا لسيرورته عائقا يجعله يتخبط في مأزق بنيوي، قائم بين الضرورة التاريخية التي تمليها المرحلة المتميزة بتطور المطالبة بالديمقراطية وبين العجز التاريخي لبنائها ولو في حدوده الدنيا. الشيء الذي جعل الحكم يحاول التلازم مع المرحلة بإنتاج مشوه للديمقراطية، معوق ليس في مستطاعه الاستجابة الفعلية لطموحات الشعب. بل ازدادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية تدهورا في ما يسمى بالعهد الجديد أو الانتقال الديمقراطي. فواقع المد الامبريالي، وهيمنته على العالم, واكتساح الساحة السياسية في الوطن العربي من قبل تيارات الظلام وفي المقابل الهيمنة المطلقة لأفكار الخنوع والتضييع المنتوجة من قبل أجهزة القمع الفوقية، وإشاعة فكر الاستسلام واعتبار قوة الرأسمال الامبريالي لا تقهر، واستقرار ألأنظمة العربية كأنظمة لحماية المصالح الطبقية للكومبرادور، ولضمان ديمومة الرأسمال الامبريالي وتطوره في عملية استغلال ونهب الشعوب وخيراتها.كل ذلك سيزيد من التأثير السلبي على ظروف اليسار، الذي وجد نفسه معزولا عن كل إمكانياته السابقه وعلى رأسها الوعي الثوري االمناهض للامبريالية وأنظمتها العميلة، والممتزج بوعي تقدمي ودبمقراطي كان له الفضل في تثبيت موقع اليسار الاشتراكي . فقد كان لانهيار المعسكر الاشتراكي وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم واستهدافها للمنطقة العربية أثر على وضع اليسار. فمن جهة بدأ التشكيك في النظرية الاشتراكية وعجزها عن تحقيق طموح الشعوب في التحرر ويناء المجتمع الاشتراكي، ومن جهة ثانية سادت أفكار معادية للفكر الاشتراكي، ذات مرجعية دينية، ستساهم بشكل واسع في خنق تطور الفكر العلمي والاشتراكي وذلك بدعم من مختلف الانظمة الامبريالية والانظمة التابعة لها في الوطن العربي. لم تكن التيارات الدينية والتي نشأت منذ بداية القرن، قادرة على إقناع الجماهير الشعبية بمشاريعها المدمرة لولا توفر تلك الظروف الدولية والخيانة العربية وبالأخص تعامل الأنظمة مع القضايا القومية مثل (القضية الفلسطينية والعراق) وغيرها ولولا غياب الديمقراطية وتطور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. بل أن هذه التيارات لحد الساعة لم تنفذ إلى وعي المواطن العربي عن طريق إقناعه بمشاريعها، حيث لا تملك مشاريع سياسية واقتصادية تختلف عن مشاريع التحالف الطبقي الحاكم. وأسلوبها الوحيد يكمن في الاعتماد على أرضية دينية غيبية واستغلالها من أجل تأجيج مشاعر وإحساسات الجماهير الشعبية واختيار المواقف السياسية المثيرة والقادرة على التأثير في الوعي السياسي الجماهيري بهدف التحكم فيه. 2) في الشروط الذاتية لأزمة اليسار لم يكن مصدرالهجوم غلى الفكر الاشتراكي محصورا في الأنظمة العربية والتيارات الدينية، بل شكلت قوى البرجوازية الصغيرة والتي طالما حملت شعارات البناء الاشتراكي وادعت انتمائها لليسار، أهم القوى التي سشن هجوما كاسحا لتشويه التصور الاشتراكي واعتباره ايديولوجية للتخلف والقمع وغيرها من الاراء التي استقتها وجلبتها من المرجعية الاميرالية بحجة انعدام حقوق الانسان في الانظمة الاشتراكية وغياب الحريات الجماعية والفردية وحرية التعبير. وقد وجد ذلك الهجوما آذان صاغية واسعة في صفوف اليسار والقوى الحاملة لمشروع التغيير، لتعتبر بعضها أن عملية البناء الاشتراكي غير ممكنة، وأن الممارسة السياسية التي تميزت بها حركة اليسار في القطيعة مع انظمة الحكم يجب التراجع عنها والعمل على تطوير وإنجاز البناء الديمقراطي من خلال العمل داخل المؤسسات واستغلال الهامش الديمقراطي وتوسيعه واستبعاد النضال السياسي الجماهيري. وحتى الدفاع المشروع عن الحق في الوجود من أجل حماية مصالح الجاهير الشعبية ومكتسباتها النضالية يعتبر عنفا غير مشروع في تصور تلك القوى العميلة للتحالف الطبقي الحاكم . في المقابل يمكن اعتبارأهم أسباب تراجع اليسار إلى ممارسته السياسية، تلك التي جعلت من مختلف المعارك التي خاضها من أجل السلطة السياسية تنتهي بالإخفاق، وبذلك تحولت مطالبته بالاستحواذ على السلطة إلى مطالب بالمشاركة في إدارتها ولم يتمكن من فرض نفسه. وكان لذلك أثر في علاقته بالجماهير، حيث يمكن ملاحظة أنه كلما خاض اليسار معركة تنازع التحالف الطبقي في سلطته، تجذرت مواقفه وأصبحت مصداقيته الجماهيرية تتوسع، ويأخذ مكانه الطبيعي كممثل حقيقي عن إرادة الجماهير في التحرير والبناء الديمقراطي. وبالعكس يمكن ملاحظة تقلص جماهيرية اليسار كلما حاول التقرب من السلطة أوانخرط في الممارسة الانتخابية وحقق موقعا في المؤسسات، وذلك لأن مواقفه و ممارسته تصبح غير قادرة على تجاوز أفق القوى الانتخابية وأن الحكم لن يدعه يستغل المؤسسات كواجهة للنضال بل كواجهة للانتعام وإثراء سماسرة الانتخابات وتلميع وجهه . و إذا كانت الأهداف المعلنة من قبل بعض قوى اليسار التي تنخرط في اللعبة السياسة، هي بناء الديمقراطية من خلال العمل داخل المؤسسات. فإن ذلك أدى إلى نتائج معكوسة حيث أصبحت الانتخابات في الظروف المعروفة، عائقا للديمقراطية وليس أسلوب عمل لتحقيقها. وذلك لأن الحكم يعي جيدا أساليب الممارسة السياسية للقوى التي تحدد لنفسها هدفا مثل المذكور اعلاه. بل أن الحكم الذي يستحوذ على السلطة ويسطر عليها لن يدع فرصة لأي محاولة لتهديده في مصلحته وفي سلطته. وبما أن المسالة الديمقراطية بالنسبة للتحالف الطبقي الحاكم ينظر لها كعنصر لتهديد موقعه السيادي لا عنصر بناء مجتمعي فمن المستحيل أن يشترك في خلقها واستتبابها مع اليسار بحكم العداء التاريخي الذي يميز العلاقة بينهما.ومن هنا تصبح العمليات الانتخابية وكل الفلكلور الذي يرافقها عنصرا لتمييع النضال من أجل الديمقراطية وعاملا لشراء الذمم وإفساد صورة كل من يمارسها وقد شكلت المهادنة من قبل قيادات بعض القوى اليسارية واستخدامها للكواليس مع النظام أحد أهم العوامل التي ستفجرالصراعات بداخلها و تؤدي في آخر المطاف إلى عمليات انشقاقية أو استقلال البعض بتيار يسمح له بتوفير إمكانية تجذير موقفه أو على الأقل طرح الموقف وتبنيه بشكل مستقل أو لعزلة جماهيرية قاتلة تجعل البعض يبحث عن مخرج ، سواء بالاندماج الكلي في السلطة السياسية أ و في أحسن الحالات يختارا لاندماج في أحد أحزاب اليسار. هدف هذه الملاحظة هو التاكيد على أن الاسلوب الوحيد لجعل الحكم يخضع لمطالب اليسار هو تحول هذا الأخير إلى قوة سياسية وجماهيرية لها سلطتها في وعي الجماهير التي وحدها لها القدرة على تحدي الحكم وإحقاق حقها في السيادة. وذلك لن يكون إلا من خلال النضال الطويل النفس وهو النضال الديمقراطي المعتمد على قوة الجماهير وكفاحها. وفي المقابل فإن أسلوب التقرب من الحكم، ومحاولة مطالبته في الكواليس بتحقيق مطالب الشعب، لن يفيد إلا في عدم احترام القوى التي تمارسه. ويضع اليسار بأكمله في وضع هامشي بالنسبة للحكم ومتجاوزا من قبل الجماهير الشعبية. إن ممارسة النضال من أجل الديمقراطية بعيدا عن الكواليس وعن دواليب السلطة السياسية شرط لتحقيق المطالب الاجتماعية والديمقراطية، بحكم قدرته على توسيع القاعدة الجماهيرية لليسار ومن ثم تغيير ميزان القوى لصالحه، اللهم إن كان البعض يرى أنه قادر على فرض وجوده بدون قوة جماهيرية ومواقع في الساحة النقابية والسياسية، وقد اثبتت التجارب التي خاضتها بعض قوى اليسار إلى أي حد يصبح فقدان المصداقية الجماهيرية والشعبية عنصر ضعف يجعل من الحكم يسخر من خصمه. لقد أدى الاندماج في لعبة الديمقراطية بالشروط المحددة والمحكومة من قبل الأنظمة ،والمشاركة في مسلسلاتها الانتخابية إلى المزيد من تكريس لأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحملت أعبائها الجماهير الشعبية المسحوقة. مما أدى إلى نهوض تيارات ذات مرجعيات دينية ماضوية تجذر موقفها السياسي،وتضع حدودا لعلاقتها بالأنظمة . وستعمل على تجذير موقفها والمطالبة بسلطة ذات مرجعية دينية وبدأ توسع لا نظير له لتلك التيارات، وهيمنت التحليلات التي تجعل من الاسلام دنيوي وقابل لتجديد نفسه مع الظروف وبناء اقتصاد يدعى اسلامي وبناء مجتمع على أسس دينية. وتحليل دماء من يخرجون عن هذا التصور الديني للامور الدنيوية. و قد استطاعت أن توسع قاعدتها الجماهيرية ليس بسبب منطلقاتها السياسية بل لأن الحدود التي وضعتها في مجابهة للسلطة السياسية أكسبتها مواقع اليسار في ظروف يعاني فيه هذا الأخير بالتشرذم والتخلي المستمر عن جبهات النضال والمجابهة. وجد اليسار نفسه امام هذه الوضعية في مواجهة ثلاثة اطراف: الأول: وهو النظام الرأسمالي بآلياته القمعية ومشاريعه الإيديولوجية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و التي تعمل على تدجين الجماهير وترهيبها وتفقيرها واستغلالها في أفق الهيمنة المطلقة والشاملة وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي للأنظمة التابعة. ويتمثل ذلك في التحالف الطبقي الحاكم وقوى الاستغلال الامبريالي المتربعة على عرش الاقتصاد التبعي والمتحكمة في دواليبه. الثاني: وهو تيارات الإسلام السياسي التي تهيمن على مواقع مهمة في الساحة الجماهيرية والتي اكتسبتها من خلال الدعم الكامل من قبل النظام في بداية تأسيسها. وتوفر شروط تاريخية تسمح لها بالهيمنة والتأثير في الصراع السياسي من خلال ممارسة الإرهاب الجسدي والفكري ضد المناضلين والجماهير والذي يؤدي في آخر المطاف إلى خدمة الإمبريالية وأنظمتها التبعية. الثالث: وهو المتعلق بالقوى البرجوازية الصغيرة، وهي أحزاب أوتيارات نمت في أوساط اليسار. وقامت بتشريع عملية الاندماج في هياكل السلطة ومؤسساتها. مما سيؤدي إلى صراعات قوية داخل بعض تنظيمات اليسار. ليصبح أقلية في مواجهة مجموعة من الانتفاعيين الذين اعتمدوا على السلطة في حسم صراعاتهم مع التيارات الراديكالية، التي تتشبث بمنطلقاتها المبدإية من أجل بناء وطن متحرر ديمقراطي واشتراكي.
شروط الوعي بضرورة العمل الجبهوي3
في إطار تعدد المواجهات وتطور الأزمة الداخلية ، أصبح اليسار محكوما بتجديد ذاته على أسس علمية واقعية، تسمح بتطوره وقدرته على المواجهة. وهكذا برزت مجموعة من الآراء تعتبر أن الأزمة ناتجة عن الضعف التنظيمي وغياب الرؤية السياسية والإيديولوجية الواضحة حول عدد من القضايا وعلى رأسها مسألة الديمقراطية ومسألة التحالفات بهدف تغيير ميزان القوى لصالح اليسار. لم تسمح تلك الميادرات بالتطور السريع، لأنها في غالب الاحيان تجد عائقا متمثلا في التشبث الحجري ببعض المواقف والآراء التي لا يحتملها الواقع وتطوراته أو تجد قيادة منهمكة في إدرة الصراع لوحدها في تغييب كلي لقواعدها وما تطرحه من آراء على المستوى السياسي والتنظيمي. مما سيزيد في تطور الضعف على الساحة الجماهيرية ويسمح باكتساحه من قبل التيارات الضلامية.أو يصبح الوضع السياسي والجماهيري يتطور بشكل سريع يعجز اليسارعلى مواكبته.. إن الخلاص إلى تشكيل إطار لتجميع اليسار يعتبر إقرار علني من قبل كل الأطراف على أن هذا اليسار يعيش أزمة. وليس لأحد أن يتنكر لمسؤوليته وأن العمل الجبهوي هو وحده الكفيل بالخروج منها. وإذا حصل الإجماع حول هذه الخلاصة فإن تجسيدها في الواقع يصطدم بعقليات قد تعيق تحقيقها تتمثل في الحذر من مهبة الانزلاق في مستنقع لا يتوافق مع التصور السياسي والإيديولوجي لأطراف الصراع، أو الحذر من الذوبان في إطار قد لا يشكل ضرورة في المرحلة أو لحسابات ذاتية قيادية تاريخية ليست لها حضور في وعي القواعد الحزبية. أو لاستحضار مراحل الصراع التاريخي (بمنطق سلبي)و الذي غالبا ما كان يمارس بعقليات غير ديمقراطية ومتحجرة، أو لوهم نرجسي يجعل صاحبه يمتلك قناعة القدرة على التأثير وحده في الوضع السياسي. لقد عرف اليسار صراعا مريرا وطويلا في مواجهة التحالف الطبقي الحاكم واستطاع بذلك أن يشكل نقيضا بنيويا للحكم، منسجما أحيانا ومتخلفا أحيانا ومتقدما أحيانا أخرى عن المتغيرات الدولية من جهة، وعن تطور مستوى الوعي الديمقراطي من جهة ثانية. وفي المقابل عرف صرا عات داخلية، كشفت بعضها عن طبيعته السياسية وهشاشته التنظيمية وعن مستوى قدراته الكفاحية.مما يجعل مبادرة تأسيس تجمع اليسار الديمقراطي كمبادرة لاستنهاض قوته، مرغمة على النظر بتأني في أوضاعه وفي الإمكانيات المتوفرة من أجل تشكيل بديل سياسي قادر على قيادة النضال الديمقراطي نحو تحقيق أهدافه السامية. مستوعبا الشروط الموضوعية والذاتية المحيطة به من جهة، ومن جهة ثانيةالاستفادة من التجربة المريرة في المواجهة سواء في عطائتها الملموسة والمجسدة في العديد من المكاسب الذاتية والمطلبية أو على مستوى الإخفاقات المتعددة ومنها العجز عن بناء الإطار الجبهوي الوارد في برامج مختلف الفصائل المشكلة لليسار. من شأن التجربة التاريخية لليسار، أن تحدث تراكمات تجعل منه قادرا على وعي الواقع أكثر من غيره من التوجهات، التي ارتبطت في مسارها بقوى التحالف الطبقي الحاكم. وعي يمكنه من تحديد أساليبه النضالية المناسبة، و توجيه نضاله نحو تحقيق أهدافه. إلا أن ذلك الوعي يصطدم بعقبات متنوعة وذات مصادر مختلفة تجعله عاجز عن التحقق في الواقع، إن تم إغفالها وعدم التمحيص والتدقيق في فعالياتها السلبية. ويمكن حصر بعضها ما يلي: *ضعف و تراجع الوعي الديمقراطي بمقارنة مع التسلط الواسع للفكر الظلامي وفكر الاستسلام الذي تشيعه مختلف القوى المعادية للتحرر والديمقراطية والاشتراكية، وبذلك تصبح مشاريع اليسار منظور لها من موقع هذا الوعي كمشاريع استيلابية وغربية. *وعي انهزامي يرى في المشاريع الثورية لليسار مشاريع مغامرة وفوضوية وعدمية وغير واقعية. *ضر وف القهر والاستغلال التي يتعرض لها الشعب وعلى رأسه الطبقة العاملة، ويشكل ذلك عامل في فرز وعي غير مستعد للمواجهة خاصة وان هذه القوى تتعرض أكثر من غيرها إلى الحرمان من الحق في الرأي والتعبير وحق ممارسة العمل النقابي وغيرها،ويشكك في هوية اليسار التقدمية والديمقراطية ويرى فيها نسخة لمن اندمجوا في هياكل السلطة السايسية ومن يتاجرون بشعارات الديمقراطية والحرية. *أوضاع تنظيمية متميزة بعدم الاستقرار، وذلك نتاج إما لغياب الديمقراطية الداخلية أو بتأثير من الأوضاع العامة التي يعيشها اليسار على المستوى الأممي، وعن غياب تصور واضح للمواجهة ولاستراتيجية وتكتيك العمل السياسي، مما يؤدي إلى خلق شروط لا تسمح بالانخراط في المعارك النضالية الجماهيرية، والى عجز القيادة على الحسم في بعض الأمور المتعلقة بالعمل السياسي اليومي. وقد ينتهي ذلك في صراع او انشقاق يفرز تيارا أو تيارات تحمل بعضها نفس ا لرؤى التي كانت تحملها سابقا أوتحاول الانخراط في لعبة الحكم وتخضع لتدجينه. *تأثير الوضع السياسي الدولي والمحلي على وعي ومعنويات المناضلين،ليؤدي إلى التخلي عن الاجتهاد والبحث في أساليب النضال المناسبة في النضال الجماهير والتعامل غير التنظيمي في هذا المجال والبحث عن الأشكال السهلة في النضال الجماهيري ، وانتظار المبادرات القيادية ، وسيادة الإتكالية أو التخلي النهائي على حمل هم الفعل اليساري والجماهيري. إن المعطيات المذكورة أعلاه، المتعلقة بطبيعة الوعي الناتج عن شروط عمل اليسار وعن الظروف العامة التي يفرزها الوضع السياسي الدولي والوطني، تجعل من تحقيق مشروع بناء إطار وحدوي رهين بطبيعة ومستوى القناعة و التعبئة والعمل من أجل تجسيده على أرض الواقع.ذلك أنه لا يكفي التوقيع والمصادقة الشفوية والكتابية على مشروع التأسيس، والمشاركة في ندوات للنقاش حول الموضوع للاقتناع بكون هذا الفصيل أو ذاك مقتنع بقدرة العمل الوحدوي على تحقيق مطالبه.بل أن الحكم على صدق الارتباط بالتجمع رهين بمدى التنازلات التي يفترضها التجمع على كل طرف. إن طبيعة الوعي السائد في أوساط المناضلين بحكم تجربة الصراع داخل اليسار يفرض على أطرافه القيام بحملة تعبوية تهدف إلى إعادة صياغة الفهم للعلاقات القائمة بين مكوناته وطريقة تدبير الاختلاف بينها . يتيع
#يوسف_الطاهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خنازير الضلام بين الزاوية البودشيشية وزاوية فاديصا
-
كلمة حول الانتهاكات الجسيمة بابركان
-
الاختطاف كمقدمة لاغتيال المجتمع والانسان
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|