وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 12:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يناقش عالم الاجتماع المغربي د.عبد الصمد الديالمي فكرة علمنة الاسلام في مقال له بعنوان (نحو اسلام علماني) منشور في جريدة :
( الاحداث المغربية ) في 30 -12 - 1998 ,والذي ضمنه في كتابه : (المدينة الاسلامية والاصولية والارهاب – مقاربة جنسية ) – ط1 – 2008- دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب- بيروت – لبنان .
يقول د .الديالمي ) ان المثقف العلماني يكتفي بالقول بان على المثقف ان يكون نقديا دون ان يمارس فعلا ذلك النقد الذي يطالب به نفسه , خصوصا عندما يتعلق الامر بالاسلام ).
ويطرح الديالمي مقولة ( لااجتهاد مع النص ليس آية قرانية ).
يؤكد .الديالمي ان التشكيك في ايمان الباحث العلماني او اتهامه اللامبرر بالجهل ردود معتادة عندالفقيه , واليات دفاعية يوظفها لتحويل الحوار العلمي الى تفتيش ومحاكمة للاستحواذ المعرفي على الحقل الديني .آليات تعبر عن ارادة سلطة .
في مقابل ثنائية الفيلسوف – الملك هناك ثنائية الفقيه – الخليفة , وكلاهما بقي في قاعة الانتظار على مدار التاريخ الاسلامي .
يؤكد د .الديالمي انه بعد الاقرار بان النص القراني نص سماوي , لابد من الاعتراف لعالم الاجتماع بالحق في معالجة الاسلام, كموضوع معرفة وضعية . الفعل السوسيولوجي يجعل من الاسلام مجموع القراءات التاريخية للقران .اذا اعتبرنا الايمان والوحي امورا خارجة عن نطاق المعرفة العلمية ,فانه من الواجب ان ندرك في الاسلام ظاهرة اجتماعية كلية تتكون من جوانب متعددة . هذه الجوانب ظواهر فقهية وفلسفية وتصوفية . اي تاريخية وجغرافية واقتصادية وثقافية , حضارية ونفسية .بهذا المعنى يشكل الاسلام مجموعة من ظواهر نسبية , عرضية بالمعنى الارسطي .. ومن ثم يشكل الاسلام , ككل دين, موضوعا للعلوم الوضعية.
اطروحات د.الديالمي
1 – ضرورة التمييز بين القران كنص سماوي ثابت والاسلام كمجموع التاويلات البشرية التطبيقية للقران .ان السنة النبوية اول قراءة للقران واول تدبير تطبيقي له . من هنا ينبغي ان يعرف الاسلام كمجموع النظم الاجتماعية – السياسية التاريخية :اسلام راشدي ,اسلام عباسي ,اسلام فاطمي , اسلام ايراني ,اسلام هندي , اسلام اسود . كل تلك النظم تسعى الى شرعنة ذاتها انطلاقا من النص القراني .اذن لابد من تسجيل الاختلاف ,وفي الاختلاف ضرورة الحواروقبول الاخر .
( اختلاف امتي رحمة ) معناه ان القران واحد والاسلام متعدد, معناه ان القران جوهر والاسلامات اعراض .اي ان القران هو الجوهر , وان العقائد والعبادات هي الثابت , وان المعاملات هي المتحول الذي يسمح بالتحدث عن الاسلام في صيغة التعدد والجمع .
2- ضرورةاعادة تكوين الفقيه وتزويده بالعلوم الاجتماعية حتى يتمكن من المساهمة في انتاج اسلام ملائم .ان ضعف المسلمين الناتج عن التبعية يقود الى تحجير الاسلام وتجميده .لم يعمل الفقهاء المتاخرون الا على تحجير الاسلام وتاخيره في حين ان المطلوب هو اصلاحه .
يناقش د.الديالمي عبارة (المجتمع الاسلامي ) ,اهو المجتمع الذي يعتنق فيه الاسلام بحرية والذي يمكن فيه للانسان ان يتخلى عن الاسلام حتى يكون اسلام المسلم اسلاما صادقا غير مكره؟ ام تحويل القراءة الخاصة للدولة الى دين رسمي ؟.
هل هو المجتمع الذي يحقق السلم الاجتماعي ؟ , فلايظل رقيبا على تفاصيل حياة المسلم ؟. من وجهة نظر د .الديالمي يرى ان المجتمع الاسلامي هو المجتمع الذي يحول المسلم اللامواطن الى المواطن المسؤول عن اسلامه , وغير المحتاج لسلطة دينية تخيفه .
يرى كاتب المقال ضرورة تحويل المسلم من كائن غير فاعل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا الى فاعل اجتماعي وسياسي وثقافي .انه اسلام ديناميكي , حركي .
اي مجتمع اسلامي نريد ؟
ان الامكانات التي ذكرناها كلها اسلامية ,بمعنى انها تحققت او قابلة للتحقق باسم القران . ولايجوز ان نفاضل فيما بينها, فهي كلها امكانات قرانية .
4- ان الاسلامات التاريخية ساهمت بشكل كبير في نشاة الحداثة . لايجوز ان نخلط بين الحداثة والغرب ( بحسب الدكتور الديالمي ).ان الحداثة تحديث لاسمى القيم القرانية ,انها اسلام بين الاسلامات الممكنة . ان الحداثة كتنمية وديمقراطية , وباعتبارها تمديدا للروح القرانية , نازلة عارمة تجعل من الضروري فتح باب الاجتهاد بشكل جذري ,يتجاوز السقف الذي وضعه الاوائل للاجتهاد .ان الخصوصية الاسلامية تمظهر جزئي للعقل الالهي الشمولي في التاريخ .
5 – ان اعادة النظر في اسس تدبير النصوص المرجعية تمثل اول خطوة في فتح باب الاجتهاد الملائم .
عدم الاجتهاد ضد المعنى الظاهر للنص القراني كان من الضروري احترامه في وقته ,لان ماجاء به القران في معناه الظاهري كان كافيا لاحداث الانتقال من مجتمع قبلي الى مجتمع دولي يعترف بالمراة كشخصية قانونية .ان مثل هذا الاعتراف في القرن السابع الميلادي احدث ثورة جذرية في مكانة المراة . فحظ المراة من الارث , وان كان نصف حظ الرجل , نسف الاساس الاقتصادي للجاهلية كواقع قبلي .لكن تطور المجتمعات الاسلامية قاد حتما الى الاجتهاد رغم وجود النص .
ابن عرضون في قضية نصيب الزوجة من الارث قال بحق الارملة او المطلقة في نصف مال الزوج , دون شراكة مسبقة , وهو حق الكد والسعاية ,مثال صريح على الاجتهاد مع وجود النص , كان فعلا فقهيا استثنائيا ,عليه اليوم ان يتحول الى قاعدة اصولية جديدة .
ان رفض الاجتهاد عند وجود النص يمكن ان يعرض الامة لاخطار كارثية مثل انتشار الايدز ..
كم يبدو جليا ( والكلام للديالمي) هنا كيف ان السوسيولوجيا ضرورية للفقه .
يقول د .الديالمي : ( في كل فقيه عالم اجتماع مرقد ). ان الله يخاطب انسان القرن الحالي . ان مطلب الحرية الدينية مطلب اجتماعي راهن , يجد تعبيره القراني في الاية الكريمة :
( لااكراه في الدين).ان ترجيح مبدا عمومية اللفظ يمكن النص القراني من تطبيق نفسه في اسلام ينصت الى الواقع الاجتماعي الحديث , اي الى اسلام ملائم .
ونص الاية (لااكراه في الدين) يقصد تطهر الاسلام من كل من لايؤمن حقا ومن كل من تاسلم من جراء تنشئة غير قائمة على الاختيار .ومن اجل تخليص الاسلام الحديث من المسلم الصوري لايمكن العمل بحد الردة .فكما نفرح عند اعتناق الراشد للاسلام , ينبغي ان نفرح عند ترك الراشد للاسلام ان كان غير مقتنع به .
العلمانية اذن ليست دعوة الى الالحاد وليست الحادا . انها اقرار بالمساواة بين كل الاديان ,انها احترام لكل عقيدة ( ولكل لاعقيدة ) :
العلمانية لااكراه في الدين . من هذا المنطلق ينبغي النظر الى العقائد والعبادات بصفتها عقدا حرا بين المخلوق وخالقه , كمستوى لايطاله مطلب الاجتهاد .اما المعاملات , فهوموضوع دائم لاجتهاد دائم , دون حدود .
6 – نظر بعض الفقهاء الى عقد النكاح كعقد تمليك الزوجة للزوج . يشهد تاريخ الفقه الاسلامي على هيمنة ذكورية لا مساواتية . وكان من نتائجها تهميش المراة .
ان الفقه مطالب بربح قضية المراة وذلك بتشبعه بالقيم النسوية التي يتضمنها القران ويفرضها الواقع المعاصر .
ان النسوية القرانية هي مجموع الايات التي تدعوالى المساواة بين الجنسين والتي ينبغي التسلح بها في فعل الاجتهاد رغم وجود النص الذكوري . وقد تم تطوير تلك النصوص القرانية النسوية في التصوف والفلسفة الرشدية على الخصوص . من اجل ذلك يفتخر الاسلام بتصوفه وفلسفته .
الخاتمة
ان الانصات الى الحركات الاجتماعية ومطالبها يمكن ان يؤدي الى دمقرطة الاسلام ومؤسساته .
يدعو د. الديالمي الى قراءة حديثة للقران تنطلق من اوضاعنا الراهنة والى التمييز بين الدفاع عن الاسلام كدفاع وظيفي عن فقيه يدافع عن اسلام متحجر , وبين الدفاع عن الاسلام من موقع مثقف يبني دفاعه على علم محدود بالضرورة ,ككل علم , وعلى ضمير نقدي مستقل عن كل خلفية ولا تحدوه سوى خدمة الحق والحقيقة .. قصد دفاع المثقف العلماني عن الاسلام استخراج رسالة قرانية حديثة تدعو الى التعدد والحوار والحرية الدينية .فالحوار بين الديانات هو اساس السلم .
مقالات ذات صلة :
1 – الطريق نحو علمنة الاسلام , وعلى الرباط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=395149
2 –اكذوبة فصل الدين عن الدولة , وعلى الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=331799
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟