|
بطالة العقول ~ عقول عاطلة عن العمل
علي الخليفي
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 12:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المُنتج الوحيد الذي قدمته الأديان للبشرية هو هذا الكم الهائل من العقول العاطلة عن العمل .
قبل ظهور ما يُسمى بالأديان السماوية ، كان الإنسان يسير بخُطى ثابتة نحو تحقيق إنسانيته ، فالتقدم الذي كان يُحرزه الإنسان وإن كان يسير ببطء ، إلا أنه كان يتم وبشكل متوازي على الصعيدين الروحي والمادي .
التقدم الذي كان يحققه الإنسان على الصعيد المادي كا يتبعه تقدم موازي له على الصعيد الروحي والعكس صحيح ، لذلك ظلت الأديان "الغير سماوية" تتطور ، وتُحسن من رؤيتها للخلق والوجود والله ، وتُطور شرائعها بما يتوافق مع التقدم المادي الذي يتحقق في حياة ذلك الإنسان ، حتى جاءت هذه الأديان المُسماة بالسماوية ، فعطلت تماماً التقدم الروحي للإنسان ، وبذا تعطل بالتبعبة التقدم المادي.
ظهور تلك الأديان المُسماة بالسماوية كان أكبر نكبة عرفتها البشريه ، وكانت نتائج ذلك الظهور كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، ولعلنا لن نُبالغ إذا ما قلنا بأن ما وصل إليه الإنسان في هذا القرن الذي نعيشه ، كان من الممكن أن يكون قد تحقق له قبل عشرة قرون أو أكثر ، لو أن تلك الأديان لم تظهر ولم تتسلط على حياة البشر.
جاءت الأديان السماوية ببدعة تقول أنها تحمل الإجابات النهائية لكل تساؤلات الإنسان ، وقدمت إليه تلك الإجابات على أنها حقائق مُطلقة غير قابلة للرفض أو حتى للنقاش ، مُستندة في ذلك إلى أن ما جاءت به هو وحي إلهي من خالق الوجود .
سؤال الإنسان البسيط والمُعقد عن نفسه وعن سبب وجوده وعن مآله ، كان هو الأساس الذي بنى عليه الإنسان كل فلسفاته ونظرياته وأفكاره ، وتلك الفلسفات والنظريات والأفكار كانت نقطة إنطلاقه نحو الإرتقاء بحياته الروحيه والماديه.
ظهرت "الأديان السماوية" فطمست هذا السؤال ، وبذا طمست كل ما ينتج عنه من فلسفات وافكار ، وأنتجت عقول مؤمنة بالحقائق المُطلقة التي قدمتها ، والتي إدعت أن مصدرها هو الله .
و العقول المؤمنة بالحقائق المُطلقة هي دائماً عقول عاطلة عن العمل.
الأديان السماوية الثلاث جميعها ذات منشأ بدوي ، وهنا يتضح حجم الكارثة ، فالذي يدعي أنه يمتلك الإجابة عن تساؤل الإنسان عن نفسه ، وسر وجوده ، والذي يدعي أنه يُقدم الحقائق المُطلقة لم يكونوا فلاسفة الإغريق ، بل هم قبائل بدوية صحراوية مُتخلفة ، كانت عاجزة حتى عن بلوغ ما بلغه الإنسان في عصرها .
كانت القبائل اليهودية البدوية المُترحلة في الصحراء ، هي من زرع بذرة الخراب تلك في حياة الإنسانية ، ولكن ثمارها السامة لم تؤذي الإنسانية ، نظراً لقصر اليهود تلك التعاليم على أنفسهم ، فكانوا هم وحدهم من غصَّ بتعاليم ربهم السامة ، فعاشوا حياتهم مشردين بين التيه والسبي والإذلال .
بدأت تلك الثمار السامة تجتاح العالم ، وتُسمم حياة الإنسانية باكملها ، بعد ظهور النُسخة الجديدة عن ديانة البدو اليهود تحت مُسمى المسيحية ، وتحولها إلى ديانة لإمبراطوربة كُبرى من إمبراطوريات ذلك الزمن ، بحيث تم نشرُها بسيف تلك الدولة القادرة ، والتي كانت تسيطر على مساحات شاسعة من العالم القديم ، وأستمرت قائمة لقرون متطاولة من الزمن ، ولم تنحسر إلا بظهور ديانة البدو اليهود في نسختها الثالثة ، والتي قدمها هذه المرّة أبناء عُمومة اليهود ، من بدو صحراء نجد والحجاز.
حلّت النُسخة الثالثة محل النُسخة الثانية في مشرق هذا العالم ، وتراجعت النسخة الثانية لكنها ظلت قائمة في غرب هذا العالم ، وبذا وقع الجزء الفاعل من العالم القديم بأسره أسيراُ لأفكار البداوة بنُسخها الثلاث ، مما أدخل العقل الإنساني في حالة من البطالة ، أدت مع تطاول الزمن إلى ضموره شيئاً فشيئا ، حتى كاد الإنسان يعود إلى عصور التوحش الأولى ، لولا إستفاقته فيما عرف بعصر الأنوار في غرب هذا العالم ، تلك الإستفاقة التي كانت أولى خطواتها هي إسقاط النسخة الثانية من تعاليم بدو اليهود ، وتحرير العقل الغربي من أساطير وخرافات تلك النسخة ، ليعاود الإنسان من جديد طرح تساؤله القديم ، وليبدأ من حيث توقف أسلافه من فلاسفة اليونان ، وليكون كل ذلك الزمن الفاصل منذ تحول الدولة الرومانية إلى إعتناق المسيحية وحتى بدايات عصر الأنوار ، زمن ضائع في حياة الإنسانية ، أنفقته في هراء وخرافات وهلوسات البدو المَرَضِية.
تقدُم الإنسانية المادي والروحي يجب أن يكونا متلازمين ، فتعطل النمو الروحي يستتبعه تعطل النمو المادي ، وتوقف النمو المادي يستتبعه توقف النمو الروحي للإنسان ، فالعقل الإنساني لايمكن تكييفه بحيث يبتكر ويبدع في المجالات الماديه ، في حين هو معطل عن التفكير في الجوانب الروحية ، ونحن لا نحتاج أدلة على ذلك ، ومن يحتاج دليل ، فـ لينظر إلى حال الأمم التي لا تزال تتبع تعاليم البداوة ، والتي تُلزمها بوقف البحث في المسائل الروحيه ، بدعوى أن تلك التعاليم قدمت الإجابات الشافية عنها.
تلك الأمم عاجزة تماماً وفي جميع مناحي الحياة ، غير قادرة على الإسهام ولو بقسط يسير في هذه الإنجازات العظيمة والمتلاحقة التي يحققها الإنسان اليوم ، وعلى الرغم من توافر الثروات بين أيديها اليوم ، مما يوفر لأفرادها كل سُبل المعرفة ، ورغم كل ما تنفقه من أموال على الإبتعاث للخارج لأفرادها ، فلا تزال ليست سوى أمم قاضمة ، لا تُجيد سوى القضم والإستهلاك ، وخير مثال دول مشيخات وممالك الخليج الفارسي ، التي تعيش بفضل المال المتوفر لديها في أوطان من صُنع غيرها ، لم تُسهم في إنتاج مكون واحد من مكوناتها.
فغيرها يستخرج لها النفط من تحت مؤخراتها ، وغيرها يشتريه منها ، وغيرها يدير به مصانعه ليُصنع لها مقتنياتها ولوازم حياتها من الأندروير وحتى الشماغ ، والدور الوحيد الذي يُجيده مواطنوها يقتصر على الإلتهام والتغوط والنكاح ، والتذابح نُصرةً للحُسين أو يزيد ، وتمني حُسن الخاتمة ، أملاً في أن يقودهم حُسنُ خاتمتهم إلى جنة بعد الموت، يتولى فيها الله الدور الذي يقوم به الغرب الآن، فيقدم لهم مجاناً ما يملأ كروشها ، ويُشبع شهوات فروجهم .
الأديان عطلت العقل الإنساني ، وأوقفت مسيرته ، وكانت السبب الأول في فقدان الإنسان لإيمانه بالفضائل السامية ، وذلك عبر شرعنة التوحش والتغول بإسم الله ، ومالم يفيق أتباع النُسخة الثالثة من تعاليم البدو اليهود ، كما أفاق أتباع النُسخة الثانية ، ويضعوا نسختهم المُقدسة هذه في متاحف التاربخ ، فإنهم سيصبحون في وقت قريب جداً تاريخاً منسياً ، لايريد أحد إستذكاره.
#علي_الخليفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خِلافة داعش الراشدة
-
مفاهيم مشوهة ~ القرامطة
-
صُرَّةُ الميراث
-
لِتَسْقُط مملكة الكورونا
-
مفاهيم مُشوهة ~ الخوارج
-
الفهم الخاطئ للإسلام
-
العَورة لا تُنجِب إلا أعور
-
مريم يحيى تتحدى بجيدها الجميل قُبح إلهكم
-
العسكرجية شرٌّ لابد منه
-
Turd sandwich ~ سندويتش الغائط
-
بين النعل والبيادة
-
نُصوص بدوية ~ الإله الماكر والحياة الضنكا
-
نُصوص بدويه ~ شجرة المعرفة المُحرمة
-
نصوص بدوية ~ البركة المسروقة والمُغتصبة
-
البداوة والمواطنة _ 3
-
البداوة والمواطنة _ 2
-
البداوة والمواطنة
-
الفتاوى المُقرفة قد تهديك السبيل
-
دمشق العصّية
-
البحث عن الله بين أنقاض الأديان الفضائية
المزيد.....
-
وزير الخارجية التركي يدعو في لقاء مع نظيره الايراني الى تضام
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد المحتلة بصلية ص
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق-: هاجمنا هدفا حيويا في الجولان
...
-
عماليون مسلمون طالبوا حكومة بريطانيا بوقف فوري لبيع السلاح ل
...
-
أجدد الأغاني والبرامج على تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد و
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف مدينة صفد المحتلة بصلية صار
...
-
مراسل العالم: مشيخة جامع الزيتونة في تونس تدعو الأمة العربية
...
-
وداعا لزن الأطفال .. تردد قناة طيور الجنة 2024 علي جميع الأق
...
-
المقاومة الاسلامية في العراق: استهدفنا هدفا حيويا في الجولان
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق-: هاجمنا هدفا حيويا في الجولان
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|