|
نحن واضطرابات العصر(الاضطرابات النفسجسمية)سيكوسوماتيك
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31 - 02:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا ندري ماذا يعترينا عندما نفاجأ بان ما نشكو منه من اختلال مؤقت في الجسد اواعراض مرضية واضحة ان سببها نفسي ، ويؤكد لنا الطبيب ان العلاج ليس عنده وينصح المريض بان يراجع اخصائي نفسي او طبيب نفسي، رغم انه يشكو من قرحة المعدة او طفح جلدي او التهاب حاد في القولون(العصبي) او ضيق في التنفس بسبب الحساسية ذات الاسباب النفسية!! وربما يتفاجأ البعض عندما نقول له ان هذه الاضطرابات التي ولدتها لنا حضارتنا الجديدة لم تكن موجودة على الاطلاق في الحضارات التي سبقت حضارتنا.ويقول علماء النفس بعد ان صار محور الطب حول جسد الانسان، تجاهل العوامل البيئية المختلفة التي تؤثر فيه ،اما اليوم فقد عاد ليؤكد اهمية تلك العوامل ، فلا يعقل ان تكون هناك امراض مجردة بدون مريض ،وبما المريض انسان فأنه يشعر ويحس ويتفاعل يؤثر ويتأثر بما حوله لذا فان هناك بعض الامراض تتميز عن غيرها بان العوامل المسببة لها يغلب عليها الطابع النفسي والمسبب لها هو غلبة الجانب النفسي وترتبط بالحالة الوجدانية للفرد. مما لاشك فيه ان الانفعال الذي يعتري الانسان في مواقف الحياة المتعددة وفي العمل وفي التعامل مع الزوجة ومع الابناء يكون احيانا لشدته ان يترك اثرا سلبياً في النفس ويثير حتى يكون في بعض الاحيان تدميرياً لبعض اجزاء الجسد لقوته وشدته،وعندما لا تستطيع الانفعالات ان تعبر عن ذاتها في التصريف المقبول فانها تضرب الجسد وتسبب له الاضطراب حتى تتراكم هذه الاثارات الانفعالية وتؤدي الى تغييرات حاسمة في الجسد تؤدي الى اختلاله،فمن منا لم يتعرض الى موقف ادى به الى الغضب او لحظات حزن عميق او قلق لموضوع وقف ازاءه الفرد حائرا لم يجد الحل المناسب ، الا يؤدي هذا الانفعال المتمثل في القلق الزائد الى الامساك في معظم الاحيان او الاسهال او الاضطراب المفاجئ في موقف الامتحان وساعاته العصبية التي تترك اثار سيئة على الجسد وخصوصا المعدة والامعاء والخفقان المتسارع للقلب باكملها ، الا يؤدي الخوف والغضب الى ارتباك الحالة النفسية ولو استمر لفترة طويلة ترك اثاره السلبية الواضحة على الجسد ونتجت عنه حالات مزمنة مثل سوء الهضم او ارتفاع ضغط الدم او مرض السكري . لابد لنا ان نعيد النظر في الامراض التي تصيب انسان اليوم،ويجب علينا ان ننظر الى الظواهر الجسمية والظواهر النفسية باعتبارها جانبي وحدة الكائن البشري وهما سبب صحته في جسده وصحته في نفسه وان اختلال الاول يؤثر على الثاني والعكس صحيح وعليه فأن الاضطرابات السيكوسوماتية(النفسجسمية) جسمية الاعراض نفسية المنشأ،فالافراد الذين يعانون من هذه الاضطرابات يشكون من اعراض بدنية مختلفة اهمها: - اضطرابات المعدة والامعاء ومنها الغثيان والقئ والاحساس بحرقة في المعدة وقرحة المعدة خصوصاً - الالتهابات الجلدية بانواعها - اضطرابات القلب والخفقان وعدم انتظام ضرباته - اضطرابات متعلقة بالاوعية الدموية تسبب الصداع النصفي (الشقيقة) والصداع العام - اختلال في وظائف التنفس بسبب الربو او زيادة في التنفس وعدم انتظامه - الالام الظهر وتشنج العضلات بعد انفعال شديد - روماتزم المفاصل
ولو عدنا لتلك الحالات من الامراض النفسجسمية لوجدنا انها تتمحور في :
- الحالات التي يشكو منها الفرد من وجود حالة مرضية في الجسد بدون ان يكون هناك دليل على وجود سبب عضوي في اي عضو من اعضاء الجسم تفسر الاعراض المرضية - عند فحص العضو المريض في جسم الانسان لم يجد الطبيب اي اختلالات فيه ولكن الشكوى تصدر من الجسد ومن العضو المريض ذاته وهو موطن الشكوى مثل تسارع نبض وانقباض في المعدة ذاتها،وتصبب العرق وجفاف في الحلق وارتجاف في اليدين ، هذه الحالات المرضية لا تترك اثرا دائما في خلل العضو المريض ولكن تصاحب هذه الاختلالات بسبب القلق النفسي ،الفزع،الاكتئاب،الافكار التسلطية الوسواسية وما الى ذلك من اضطرابات نفسية اخرى. - التورط الانفعالي الذي يؤثر على اعضاء الجسم كلها - اضطرابات عضوية يلعب فيها العامل الانفعالي الدور الاهم والقوي الذي يؤثر على الانسان
ولو تساءلنا من هم اكثر الاشخاص عرضة للاضطرابات السيكوسوماتية لوجدنا ان الاستعداد النفسي لتقبل ايذاء الذات هم من اكثر شرائح البشر عرضة فضلا عن هؤلاء الذين يعملون بكد وجدية ساعات طويلة دون كلل او تعب او لديهم القابلية العالية للتحديات المختلفة كما وصفهم د.احمد عكاشة ونعتهم بمدمني العمل Workholicويتميز هؤلاء الافراد بالرغبة في السيطرة خاصة على الزوجة والاطفال والكفاح المستمر للصعود في الدرج الاجتماعي مع عدم القدرة على الاسترخاء ومحاولة اثبات فحولتهم ونشاطهم الجنسي . يبدو ان زيادة الشحنات الانفعالية التي لم تجد لها التصريف الملائم نحو الخارج ترتد الى الجسد وتمزقه وتتمثل هذه الحالات في الامراض النفس جسدية ، فكلما زاد انحباسها زادت مشاكل الفرد النفسية الداخلية ،هذا الانحباس يؤدي الى احداث تغييرات عضوية قد تكون على درجة عظيمة من الخطورة وربما ادت في احيان كثيرة الى امراض قاتلة، كما اثبتت الدراسات الحديثة وخصوصا في مرض السرطان الذي وجدوا بان اسبابه نفسية بحتة ونتائجه عضوية ويؤكد ذلك د.احمد عكاشة بقوله يتجه الطب الحديث نحو الاعتقاد في ان معظم الامراض الجسدية يلعب فيها العامل النفسي دوراً قوياً سواء في نشأتها او استمرارها او اثارتها او ضعف مقاومة الفرد لمهاجمة المرض لدرجة ان بعض الابحاث الحديثة تفيد بوجود ترابط بين السرطان والعوامل النفسية،وقد ثبت ترابط اجهزة المناعة بالحالة المزاجية للفرد. (الطب النفسي المعصرد.احمد عكاشة ص543). يقول الكاتب هنري مودزلي:ان الحزن الذي لا يجد منفذاً له في الدموع،قد يجعل احشاء الجسم تبكي.لذا فأن الانفعال يجب ان يجد التصريف المناسب له في الموقف المناسب وبدون ان يستشري في الجسد وكلما طالت المدة في الانفعال زادت الشكوى واستوطن المرض وربما تغلغل رغم ان الانسان كائن قوي البنية والجسد متطور يواكب اهوال الحياة وقساوتها وانه لا يستجيب للمواقف المثيرة بمجرد الانفعال ولكن يدخل هنا عنصر مهم في تغيير مسار الانفعال وهو التفكير وتقييم الواقع وشدة الحدث ومدى تأثيره المباشر وقوة تحمل ذلك الفرد لهذه الازمة او الموقف الضاغط ، وعليه فأن علماء النفس المرضي والطب النفسي استطاعوا قياس هذا الزمن الفاصل بين الاستجابة الانفعالية وتقبلها ثم تقييم الموقف من جديد ، وازاء ذلك يستطيع الفرد المتعرض للصدمة ان يتخلص من اثارها باسرع ما يمكن بحيث لا تترك اثاراً سلبية عميقة او تتغلغل حتى تجعل اعضاء الجسد تبكي ويقول د.محمد شعلان ان الذي يحدث في المرض النفسي الجسمي هو تراكم للانفعال على المستوى الجسدي دون ان يصعد الى الوعي ويتبلور في مفاهيم والفاظ تستطيع ان تخفف وطأة الموقف الصعب ، اي ان هناك ما يثير الفرد دون ان يعيه تماما فيستجيب ومن ثم يستطيع الرد لكي يعيد الاتزان مرة اخرى والنتيجة هي حالة من الانفعال الجسدي المزمن الذي لا يؤدي وظيفة تكيفية ولا يفرغ في فعل او تفاعل مع الموضوع الذي سبب تلك الاثارة الانفعالية ،فيستمر الجسد في حالة استعداد مزمن دون تفريغ فلا هو يفعل ولا هو يستريح وانما يستمر مشدودا.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفجير النفس بين التعصب والاكتئاب
-
الصراع النفسي ..ديالكتيك الهم الانساني
-
هل يتراجع العراقيون عن قيم التسامح والمودة!!
-
الشخصية السلبية Passive
-
الهذيان والهلاوس في المرض العقلي..حقيقة ام وهم؟
-
هكذا يتم تحويل المشاعر والافكار!!
-
عقدة النقص وآلية التعويض
-
التسامي في السلوك ..قوة للنفس والانسان
-
الشك المرضي..ابعاده وتأثيره على الشخصية
-
الارهاب الاسلامي وقيم العنف
-
صراع الجسد والنفس والمجتمع..رؤية نفسية
-
المقاومة العراقية ..بين الطائفية وجذورها!!
-
صراع النفس مع النفس
-
البرهان العلمي في اسس الجامعة المفتوحة في الدانمارك
-
العراقيون وعقوبات المقاومة
-
الشخصية النرجسية
-
الانتماء وحرية الاختيار..رؤية نفسية
-
التوافق النفسي والرضا عن اهداف الحياة
-
الصراع النفسي..ديالكتيك الهَمِِْ الانساني
-
بين الخصاء والخصاء العقلي !!
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|