أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عارف معروف - المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........افق الحرب الاهلية او طريق الوحدة الوطنية !!















المزيد.....



المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........افق الحرب الاهلية او طريق الوحدة الوطنية !!


عارف معروف

الحوار المتمدن-العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31 - 13:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في اعقاب هزيمة الخامس من حزيران 1967، انبثقت في المنطقة العربية، بضعة انظمة " ثورية " جديدة ، ذات صلة بالتجربة الناصرية خصوصا او القومية عموما ، قدمت نفسها على انها ردود افعال تاريخية ضد واقع الهزيمة ، وانها بدائل اجتماعية عن الطبقات المهزومة وانظمتها التي كانت السبب وراء النكسة، وانها تمثل حالة قطع وخروج عن اطار الصيرورة التي انتجت الهزيمة . و قد تبنى النظام العراقي الذي انبثق عن انقلاب 17 تموز 1968، هذه المقولة وسمى " حركته " او صنفها على انها جزء من ذلك الرد "التاريخي" على تلك النكسة ، والغريب ان هذه الانظمة عملت ، جميعا ،وفقا لاجندات متشابهة الى هذا الحد او ذاك و سلكت ممارسات متماثلة بل ومتطابقة احيانا وانتجت بعد بضع سنين انظمة تجمع بينها الكثير من اوجه الشبه ويفرقها عداء مستحكم فيما بينها يبدو عصيا ليس على الحل فقط وانما على الفهم والتفسير كذلك!
لقد حدد النظام العراقي قضية بقاءه واستمراره ونموه كعروة وثقى وحلقة مركزية ليس قبلها شيء ، وكان يردد منذ البيان الاول الذي هددت احدى عباراته وتوعدت" كل من تسول له نفسه التامر عليها بالضرب بيد من حديد وبلا رحمة او شفقة ".... ان " امن الثورة " ياتي اولا وقبل كل شيء ، وانه يعتبرهذا الامر بمثابة الشرك والكفر الذي لايقبله ولا يغفره ،ويغفر من دونه ما يشاء ! وعمل منذ ايامه الاولى على ان يصبح الاطار السياسي الوحيد الذي يضم كل فاعلية الشعب العراقي ومرجعيته الوحيدة، ولذلك فقد عدت كل قواه و مرجعياته الاخرى ليست تيارات ووقائع يتعين التعامل معها بايجابيةاو التفاعل معها ، او تحديات وعقبات ينبغي تذليلها او تجاوزها وانما اعداء الداء ومخاطر ينبغي تطويقها وسحقها وفقا للامكانيات وتوازنات القوى التي تسمح بها الظروف والمواقف !
ومن ضمن تلك القوى التي عدها النظام تحديا خطيرا ومعقدا تقتضي مواجهته عملا دقيقا وصبورا ،كان الشيعة والمرجعية الشيعية ، ولم تكن للنظام ، في الواقع، مشكلة ، خصوصا في البدء ، مع الشيعة، لكن المشكلة ، بل المعضلة ،ماكان يراه في واقع وجود وتاثير المرجعية ، والتشيع كوعي او انتماء واع، ويبدو من خلال سير الوقائع انه كان يضع هذه المشكلة او هذا التحدي في راس قائمة اولوياته فانبرى لمواجهتها منذ وقت مبكر جدا ، حيث عمل وفق خطة تقتضي عزل تلك المرجعية عن قاعدتها ومجال تأثيرها الواقعي او المحتمل بكسب الشيعة كجماهير الى الحزب ومنحهم قدرا محسوبا من الفاعلية ، والعمل في نفس الوقت على الحط من قيمة وتاثير المرجعية الشيعية والتشكيك بها واثارة البلبلة حول مراميها و وجودها وفك ارتباطهم بها ، فاتهمت منذ الايام الاولى في عروبتها وعراقيتها بل وتعدى الامر ذلك الى حبك قصص المؤامرات الضالعة فيها وارتباطها بصلات عمالة لامريكا واسرائيل( وهي مفردات لغة غوغائية بحق ، مأثورة عن البعثيين العراقيين ) لكن طبيعة الصراع هنا اقتضت خطة اكثر عمقا وصدرا ارحب ونفسا اطول ، فقد ادركت السلطة انها بازاء ولاء روحي ورابطة تاريخية وصلة تقوم على اساس الايمان والتقديس او الاتباع مما يتطلب ، اولا ، اشاعة نوع من التشكيك ،يليه العزل ، فالصدام . وكان اول الغيث في هذا المجال الترويج لاكتشاف مؤامرة كبرى متعددة الاطراف تقف خلفها ايران واسرائيل وبعض القوى الدولية وتضم بين عناصرها طيفا متنوعا من القوميين السنه من رجال العهد السابق حتى المرجعية الشيعية مشخصة بابن السيد محسن الحكيم ، المرجع الديني الاعلى ، واضافة الى التآمر فقد اتهمت المجموعة المذكورة ، وايد الاتهام ب"اعترافات تلفزيونية " لبعض عناصرها ، بالتجسس لامريكا واسرائيل ، ولم تكن الغاية من هذا الامر اعدام هؤلاء اوالحكم عليهم بقدر ما كان المهم اسقاطهم سياسيا وتفكيك الولاء الذي يحضون به وتبديد الهالة التي تحيط بهم . كما شرعت باولى حملات التسفير والمصادرة لذوي الاصول الايرانيةاو ممن ادعت انهم كذلك، والذين كانوا يشكلون في غالبيتهم اطارا اكثر التحاما حول تلك المرجعية ووسطا غنيا داعما لها وكذلك التصفيات الجسدية لبعض العناصر الاكثر حركية ونشاطا من الرجال القريبين منها ، ومع ذلك ، فلم يكن للنظام موقفا نهائيا ثابتا من هذه المرجعية في كل الاوقات ( كما سيكون الحال عليه منذ التسعينات)، فرغم انه شخصها ، في الجوهر، كعقبة لابد من ازالتها عن طريقه ، من ناحية ستراتيجية ، فان تاكتيكاته اقتضت، احيانا، مهادنتها او حتى استخدامها او بعض دوائرها او تاثيراتها في الصراع ضد اطراف ثالثة،فقد استخدم المرجعية او اطروحاتها في صراعاته الفكرية مع "حلفائه" الشيوعيين في الوقت الذي استثمر الشيوعيين اكثر من مرة في الصراع ضدها وفقا لتكتيكه المجرب ذاته ! وكمثال على ذلك وظف البعثيون والزمرة التي استعادة السلطة منهم، فتاوى مرجعية الحكيم في الهجوم على الشيوعيين منذ الستينات لكن هذه المرجعية ذاتها هوجمت منذ وقت مبكر بعيد 17 تموز1968 وعودة البعث الى السلطة واتهم ابن الحكيم بالعمالة ، في اعقاب كشف المؤامرة المزعومة في السبعينات ،و نظمت تظاهرة طافت قرب بيت الحكيم هاتفة "ياجبان... ياعميل الامريكان" ، لكن النظام شجع بعض كليات جامعة بغداد على استضافة الراحل المغدور محمد باقر الصدر لالقاء سلسلة محاضرات حول " البنك اللا ربوي في الاسلام " في منتصف السبعينات في مواجهة محاضرات ابراهيم كبة في الاقتصاد السياسي للااشتراكية . وسمح بتداول ورواج كتابيه " فلسفتنا واقتصادنا " لمواجهة الفكر الماركسي الذي عجزت دعاوى الخصوصية والعروبة عن مجاراة تاثيره آنذاك ، قبل ان يبادر الى اعتقاله واعدامه واعتبار كتاباته ومؤلفاته مبرز جرمي ودليل ادانه قد يورد مقتنيه او حائزه حتفه في نهاية السبعينات !!!ثم عاد واستخدم الشيوعيين ,وتحالفهم " الجبهوي " للتصدي" للمؤامرة الامبريالية الخطيرة" في (خان النص) !!خلال انتفاضة منتصف السبعينات والتي وقفت المرجعية في خلفيتها . ثم استخدم الدين وبعض اركان المرجعية في مهاجمتهم وادانة وتفنيد افكارهم خصوصا عبر الاعلام بعد ذلك بل وشجع من طرف خفي بعض نشاطاتها كاطر بديلة عنهم لاحقا قبل ان يشن هجومه الدامي عليها وهكذا ....
لقد كان النظام يطمح الى لعب دور عربي مؤثر ليس على الصعيد الرسمي فحسب بل والشعبي كذلك وكان استنادا الى طبيعة فهمه واطر تفكيره يرى في القوة سواءا سياسية او عسكرية وسيلة ضرورية لتحقيق او المساعدة على تحقيق هذا الدور، ان مثل هذه القوة لايمكن ان تنهض دون قاعدة جماهيرية واسعة تلتف حولها وتكون بمثابة المعين الذي يرفدها ، ولذلك فقد توجه الى "الشعب" وقطاعاته الفقيرة الواسعة ، ووفقا لخارطة توزيع الفقر والثروة ، التي تعرضنا لها سابقا ، والتي لعبت في تاسيسها عوامل تاريخية عديدة انضجت حدودها وخطوطها المميزة على مدى عقود فان الوسط والجنوب، اللذين تميزا بكثافة سكانية لايمكن تجاهلها وكونهما بسبب عوامل كثيرة ، كانا منذ زمن طويل حاضنة للحركات السياسية الراديكالية عموما واليسارية على وجه الخصوص واللذان عبرا باستمرار عن وعي طبقي مشحوذ وروح كامنة للنقد والتذمر والاحتجاج ، حضيا باهتمام مركز وعمل دؤوب ليس على صعيد الانعاش الاقتصادي او تطمين الحاجات الضرورية ورفع مستوى الخدمات الى مستوى انساني مقبول بل على صعيد مد رقعة التنظيم الحزبي واجلائه لكل وعي مغاير وتسربه الى كل زوايا وتفاصيل حياة الناس.
و لم يكن للمرجعية الشيعية ، آنذاك، تاثير حاسم على حياة وخيارات غالبية جماهير الشيعة من الطبقات والقطاعات الفقيرة وكان معظم تاثيرها ينحصر في فئات الملاك والتجار و الشرائح العليا من الطبقة الوسطى ولذلك وحتى منتصف السبعينات وبفعل عوامل كثيرة اخرى لم يجد النظام كبير عناء في عزل غالبية جماهير الشيعة خصوصا من الطبقات والقطاعات الفقيرة عن التاثير الجدي للمرجعية ونجح في استقطاب كتله كبيرة منهم والتفافها حوله سواءا في مدن الجنوب جميعا او في الوسط وبغداد ، لقد قدر النظام منذ البداية اهمية هذه الكتلة الاجتماعية الكبيرة وتكاليف كسبها الزهيدة في حقيقة الامر ، فقد كانت كتلة فقيرة على العموم عانت من حرمانات طويلة واقصاء وتجاهل مر ولذلك فقد كانت تتطلع بشغف الى أي قدر من الانصاف وقد فتح النظام لها ابواب المشاركة والفعالية ، الامر الذي لم تذق طعمه الا مرة واحدة وعلى نحو عابر بعيد ثورة 14 تموز 1958 ،لكنها مشاركة وفعالية وفرت لها بعض المقاعد الخلفية في "الدرجة الثالثة " مقايضة بولاءها وبذل كل ماتستطيعه من جهد!!
كان حزب البعث، منذ البدء، حزبا قوميا علمانيا وضمت قياداته الاولى ، في سوريا ، تركيبة اثنية متنوعة فاحتوت ناشطين من الاقليات الدينية والطائفية بصورة واضحة ، و لذلك لم يتسم طابعه بالطائفية او يعكس تاثرا بها عند بدء تاسيسه في العراق وقد حاول كذلك، و منذ الستينات ، اكثر من اية قوة او حركة قومية عربية في العراق ان يجد له الانصار في صفوف القطاعات الشعبية والفقيرة في ظل منافسته للشيوعيين وطرحه كبديل عنهم ، لكن دعاواه القومية لم تكن تجد اذنا صاغية من قبل هذه القطاعات ، واذ شهدنا دفاعها باستماته عن نظام 14 تموز ضد الانقلابيين القوميين والبعثيين ، فان البعثيين تمكنوا من كسب عناصر هامشية منها في اعقاب ذلك الانقلاب وضموا الى الحرس القومي ، اما بعد 17 تموز فقد شخص النظام الجديد هؤلاء كحا ضنة للمعارضة الراديكالية عموما والحركة الشيوعية على وجه الخصوص اولا وكقاعدة محتملة لتاثير المرجعية الدينية الشيعية ثانيا ، كما ان طابع قيادته هو نفسه وتوجهاته بدأ يتاثر حقا بالطائفية ،لذلك ، وضع على راس اولوياته ان يتوجه اليهم لايجاد موطيء قدم له ضمن صفوفهم وللحلول محل تلك الحركات والاستحواذ على ولاءهم بمختلف الوسائل باعتبارهم كتلة جماهيرية لايستهان بها وينبغي عدم تركها فريسة لتاثير الخصوم والاعداء اولا، ولما سيوفرونه من قاعدة لمشاريع القوة والعسكرة لهذا النظام مستقبلا ثانيا ، وشهدت نهاية الستينات والسبعينات سعيا محموما على هذا الصعيد ارتبطت فيه فرص الحياة والعمل والتعليم بالنسبة لهذه الجماهير بنافذة الولاء لحزب النظام والانضواء تحت لواءه التنظيمي ، ولم يكن جوهر المطلوب ان يتوفر ولاء حقيقي واخلاص صادق بالضرورة وانما كان المراد دائما هو تحييد هؤلاء وتثبيطهم وتاطير فعاليتهم ومصادرة وعيهم وربطهم بنوع من التعهد بعدم ممارسة السياسة او الوعي والارادة يكلفهم حياتهم نفسها في حال الخرق واستخدامهم في ان واحد وسيله واداة للسيطرة والتحكم !(1)
لقد كان انقلاب 17 تموز 1968، في حقيقة الامر ، نقلا للسلطة، تم فيه استبدال الهيئة الحاكمة المتهافته والخائرة، باخرى اصلب عودا واشد مراسا واكثر قدرة على رعاية وادامة المصالح الاسا سية للنظام السياسي الاجتماعي القائم . وفي ظل الوضع الجديد كانت الطبقة السائدة قد اضافة الى اسلحتها سلاحا جديدا اشد فتكا واكثر مضاءا ، ذلكم هو الحزب السياسي الجماهيري الذي بدات اشادته على قدم وساق ولكن من القمة نحو القاعدة، كان على هذا الحزب ان يكون اطار النشاط والمرجعية السياسية الوحيدة ، كما اسلفنا ، ولقد توجه الى القاعدة الشعبية الواسعة من الفقراء والهامشيين طامحا الى تكوين قاعدة عريضة تستند اليها النخبة الحاكمة كاساس ليس في فرض سيطرتها وقبضتها على الشعب العراقي فحسب بل ولتحقيق طموحاتها واحلامها اقليميا وعربيا ، ولو اخذنا عينة اجتماعية او منطقة محددة، كمدينة الثورة مثلا ، لنستقريء من خلالها ،بصورة سريعة ومكثفة، طبيعة عمل النظام وما افرزه من نتائج وقاد اليه من تداعيات ، فاننا نلاحظ ان النظام توجه، منذ ايامه الاولى ،اليها ،وكانت دوافعه الاساسية ان هذه المدينه الكبيرة والفقيرة والمهملة والتي تضم خزينا هائلا من السكان قد يوازي سكان العاصمة جميعا تعتبر مصدرا للخطر الاجتماعي وكانت حتى وقت ذاك حاضنه اساسية للحركات الثورية عموما واليسارية على وجه الخصوص ومصدرا لشتى المخاطر والتهديدات الاخرى، لقد تمثل اهتمام النظام اساسا في هذه الناحية لكنه لم يتعامل معها بقدراته البوليسية فحسب بل واعتمد الى جانبها وربما قبلها الديماغوجية والتضليل والتوجه الى جماهير هذه المدينه ومخاطبتها بما تحب وتهوى من الوعود والآمال(2) وكسبها وتغيير ولاءاتها التقليدية او السابقة وجعلهم جزءا حيويا من الية السيطرة والاخضاع على فئتهم ذاتها وعلى الشعب العراقي عموما ، لقد وجد " الشروكية "، الذين لايكن لهم النظام أي نوع من الود، انفسهم ، لاول مرة ، كما اسلفنا ،مدعوين الى الفعالية والمشاركة ليست السياسية فحسب بل ومن موقع الولاء للسلطة والاستفادة من مغانمها ، ولقد انخرطت اعداد كبيرة منهم في هذا الامر واصبح واجبها منذ الان التعبير عن ولاءها بحماسة واثبات مصداقيته كل يوم بمحاصرة ومطاردة وتصفية " جيوب " الحركات والاحزاب والمرجعيات الفكرية والسياسية في مدينتهم ذاتها وبين اخوانهم وابناء عشائرهم واحياءهم !وشهدت هذه المدينه وسكانها لاول مرة انقساما وصراعا ضاريا بين سكانها
ادى الى ان يتسبب الاخ في اعدام اخيه احيانا، لقد فتحت ابواب الفعالية والمشاركة امام هؤلاء ومنحوا شيئا من "الفتات " فشكلوا القاعدة الاساسية لمراتب الجيش وقوى الامن الداخلى وكوادر حزب السلطة القاعدية في النقابات والاتحادات والكليات وغير ذلك ، وفي الحقيقة ان هذا لم يتم ، كله ، دون اساس فقد اعتمد النظام منذ البداية، اضافة الى القمع والديماغوجية، سياسة تقوم على تبني بعض المطالب وتحقيق قدر من المكاسب التي تستهدف المزايدة على الحركات السياسية والقوى الاجتماعية العراقية واثبات عجزها وكسب ولاء الجماهير ، لقد تحسن بالفعل مستوى معيشة هؤلاء نسبيا وافسحت امامهم المزيد من الفرص خصوصا في مطلع السبعينات، لكنهم كانوا باستمرار ادوات، لارأي لها ، بيد السلطة ومراتب دنيا في جيش يشكل ابناء العراق من مناطق الشمال والغرب قادته وضباطه! . كان مجتمع مهاجري الجنوب، سكان بيوت الطين والتنك سابقا ، قد شهد بعض التغيير الملموس في مستوى معيشتهم، الذي بدأ منذ الستينات ، كما سنحت الفرصة امام اولادهم لنيل قسط من التعليم بفضل ثورة 14 تموز،1958 وبدلا من الاباء والاجدادالمعدمين والفقراء ماديا وفكريا وثقافيا، والسلبيين ، بالكامل ، سياسيا ، اخذ ينشا جيل جديد متعلم . وفي محيط الفقر والامية والمرض ، في مدن الثورة والشعلة وغيرها كان ثمة جيل من المعلمين والاطباء والمهندسين والا داريين والضباط والفنانين والادباء والكتاب ينهض من الرماد ورغم ان اعدادهم كانت قليلة نسبة الى محيطهم بسبب ظروفهم الاجتماعية التي كانت توفر لهم اقل الفرص واندرها للوصول الى مستويات التعليم العليا فقد بدأ هؤلاء بالتطلع الى تحقيق ذواتهم والى المشاركة السياسية الحقيقية وقبل ذلك الى مستو مقبول من الخدمات وقدر من العيش الانساني الكريم بدلا من ظروفهم المزرية تلك مما قادهم الى حركات اليسار وتبني دعاوى الاحتجاج والتغيير لكن تطلعاتهم هذه كانت تصطدم بعقبات كأداء وبخوف وحذر من جانب السلطة القائمة ففي الوقت الذي كانت لاتستغني عنهم ككتلة سكانية كبيرة توفر يد عاملة رخيصة، وباحط الشروط ،وجنود مقاتلين لاية معركة او حرب تريد وكادر امني او حزبي قاعدي اذا لزم الامر ، كانت تخاف في ذات الوقت من ان تمتلك هذه الكتلة الوعي او الثقافة او المعارف العلمية او الدرجات الوظيفية التي من شانها ان تنعكس على طبيعة التوازن الاجتماعي والسياسي القائم او يكونون وقودا لحركات احتجاجية مقبلة، ولذلك فقد بدات ،من جهة، تشن حربا منظمة معلنه على المناوئين منهم ، و تحاول، من جهة اخرى، تلافي ما افرزته سياساتها نفسها في السبعينات ، فكانت تضع سقوفا محددة لما يمكن ان يبلغه، حتى من كان محايدا او الى صفها منهم وعوائق مفتعلة، ولكن منهجية، امام تقدم من يستحق منهم ، بمعنى آخر، انهم تحولوا في نظرها ،من جديد، الى مشكلة كما كانوا في الستينات والخمسينات !!.... وقد نجم ذلك عن وترافق مع عامل مهم آخر....
فقد شهدت السبعينات نوعا من تبلور وعي " ذاتي " شيعي نمى لدى بعض قطاعات الطبقة الوسطى عموما والطلبة خصوصا ، في بعض مناطق وسط وجنوب العراق تحت تاثير الاحاسيس التي اثارتها تصرفات النظام سواءا تلك التي طالت المرجعية ورموزها او تلك التي شملت التشدد ازاء الممارسات والطقوس الشيعية كما انه عبر ايضا عن ردة فعل تلك الفئات ازاء التغييرات الاقتصاديةوالاجتماعية والسياسية والافاق التي كانت تنفتح عليها وتبشر بها وقد حصلت اولى المواجهات الكبيرة الدامية بين النظام وهذا التيار منتصف السبعينات عندما ادت ضغوط النظام وتصرفات ازلامه واجهزته الامنية ، بالغة الفضاضة ، الى اشعال فتيل انتفاضة جماهيرية هّول النظام من اغراضها ومراميها وتصدى لها بعنف مفرط تسانده القيادة الشيوعية التقليدية ، المتحالفة معه آنذاك، والتي روجت عبر اعلامها وتنظيماتها الى ان البلاد و" المسيرة " تتعرض ل " هجمة امبريالية شرسة " ودعت انصارها ومؤازريها الى مساندة النظام بقوة في وجهها! لقد قاد هذا القمع قوى الانتفاضة تلك الى اعتماد تكتيكات السرية والتسرب الى منظمات حزب السلطة كخطوط "مائلة" بغية الاحتماء بها وتوفير امكانية توجيه ضربه من خلال مواقع متقدمه في المستقبل ، ولقد هال هذا الامر النظام واجهزته الامنية في نهاية السبعينات حينما شن حملة شعواء دامية لتصفية هذا التيار تمهيدا لحربه ضد ايران فاعتمد على نحو اكثر وضوحا وسعة ، نوعا من سياسة "التطهير" حيث اصدر قراراته وتوصياته السرية والعلنية بشمول ذوي واقارب كل متهم او مشتبه اومحكوم وحتى الدرجة الرابعة بالاجتثاث والطرد والمراقبة وكل اشكال المضايقة والتمييز ، لقد اتسعت دائرة المواجهة واكتسبت اكثر فاكثر طابع التمييز الطائفي المنهجي والمعتمد واذ بدأ ينمو لدى الشيعة احساس، تؤيده الوقائع، بالظلم والاضطهاد والتمييز بدأ ينمو، في مقابله، احساس لدى قطاعات متسعة من "السنه "، الذين كان يتزايد اعتماد النظام عليهم وعلى احلالهم في المواقع القيادية والدرجات الحساسة ، بالامتياز عن بني وطنهم وبانتمائهم للنظام او ارتباطهم به اكثر في مواجهة فئات تعاديه وتتربص به ولا يعرف مايمكن ان يكون عليه الامر لو ظفرت بالسلطة ! ,حيث ان الامتيازات غالبا ما تولد الحرص عليها والسعي الى تعزيزها وادامتها ولقد كان النظام يوغل اكثر فاكثر في سياسة تمييز واقصاء غير مسبوقة ، فاذ اقصي الشيعة في العشرينات عن الجهاز الاداري والدولة فقد وجدوا فرصتهم وتعويضهم في القطاع الخاص والاعمال الحرة لكن النظام الصدامي اصبح يتعقبهم اليوم الى كل زاوية ويابى الاّ حرمانهم من كل فرصة وسحقهم بالكامل وكأنه في مواجهة اعداء الدّاء فتتبعهم الى قطاع الاعمال الحرة والتجارة واعد اقطابه وخدمه الدراسات والبحوث الميدانيةو المتخصصة في هذا الشان! وتشير دراسات علنية قام بها ، ونشر بعضها ، فاضل البراك ، واخرى سرية انجزها غيره الى مدى الاسفاف واللاوطنية بل و اللا انسانية التي كانت تحركهم ، فقد اعد المذكور دراسات حول سيطرة ذوي الاصول الايرانية " وقد اصبحت، كالشعوبية ، كناية يمكن ان تشمل الشيعة جميعا في اي وقت !" على اسواق الجملة الرئيسية في الشورجة وجميلة زودها بخرائط عن مناطق سكناهم ورفدهم وتمويلهم ... الخ ولقد دعا علنا الى الانتباه الى الطبقة التجارية وضرورة استبدالهاو تعريبها " بالمعنى الذي يقصده لهذا التعريب " !! ومذاك انتهجت سياسة منظمة لتغيير طبيعة الطبقة التجارية ! لقد اخذ هذا الامر طابعا متفاقما وحادا في اعقاب 1991 حيث عممت هذه السياسة في كل جانب ومجال فاقصي الضباط من الشيعة وحدد المستوى الذي يبلغونه ولا يتجاوزونه من الرتب واخليت اجهزة الامن الداخلي منهم او جمدوا وقيّدت فعاليتهم في مناصب لا اهمية لها واخضعوا للمراقبة اواقصوا الى وظائف اخرى وفي مجال الجامعات حرموا واقصوا عن المراكز التدريسية التي كانوا يشغلونها او يستحقونها بل ووصل الامر الى قبول الطلبة في الدراسات العليا او الترشيح للبعثات والزمالات، وحرموا في كل مراكز العمل والادارة مما يستحقونه واقتصر وجودهم على شغل مواقع ادنى (3) . وحتى في التجارة والقطاع الخاص شن هجوم بّين على التجار والملاك والراسماليين الشيعة وصودرت محلات السوق العربي والشورجة و جميلة او انهيت عقود الايجار لمن يستاجر منهم من جهات حكومية او شبه حكومية واعطيت الى تجار طارئين من السنة من متقاعدى الاجهزة الامنية والخاصة، باسعار رمزية ! بل وتحدد منح عقود المقاولات الحكومية على مقاولين طارئين ذوي صبغة طائفية معينه سيبيعونها هم بدورهم الى مقاولين ثانويين ومنفذين من ابناء العراق من " الدرجة الثانية " ! وفي نهاية المطاف تحولت سلطة ودولة وثروة عامة هائله الى ملكية خاصة تعتمد عائلة وعشيرة فطائفة وتفوض امر التصرف والقيادة الى فرد احد وزمرة الاميين والجهلة والمجرمين والمنافقين المحيطة به . وانتهت سيرورة الاندماج والتوحد العراقية المرتجاة ، والتي عبرت عن صور تدعو الى التفائل والاطمئنان والثقة في الاربعينات والخمسينات والستينات بل وحتى السبعينات الى نفرة وشعور متبادل بالريبة والشك وقلق مفرط اتجاه المصير! واصبح لزاما على قطاعات كبيرة من العراقيين ان يقاسوا من اشد حالات الفقر والحرمان في بلد يتميز بثروات يسيل لها اللعاب وان يقبلوا بعبودية غير معقولة تحييهم وتميتهم متى وانى شاءت على ايدي بعض ابناء جلدتهم ، وان يعانوا من غربة ولا انتماء الى وطن اصبح بالنسبة لهم مجرد ذكرى مؤلمة او اتون عذاب لاينتهي مثلما تحتم على ملايين اخرى منهم ان يقاسوا الغربة الحقيقية في منافي ومخيمات وشتات يشبه الشتات الفلسطيني دون ان يكون هناك صهاينة او اسرائيل!! لقد حصل منذ 1991 استقطاب طائفي واضح ومركز اعاد فيه الكثيرون اصطفافهم مع او ضد النظام على هذا الاساس وشهدنا تحولا في المواقف املته تلك الظروف لقد تضخم حجم تاثير المرجعية والقوى الدينية الشيعية ودعاواها ونشا جيل من الشباب والمتعلمين اخذ يجد نفسه ، على نحو متزايد ، من خلال المذهبية والوعي الطائفي كما تكرست لدى قطاعات واسعة من الشعب، بفعل سياسة النظام ومن سبقه ، في الوسط والجنوب مشاعر المظلومية والتمييز على اساس الطائفة والمذهب ، مقابل نمو شعور لدى الاخرين، شمال وغرب البلاد، بالتميزوالامتياز على اساس الطائفة ايضا وعد ذلك حالة "طبيعية " لم تخضع لمنطق النقد و المراجعة او التساؤل ، وخفت صدى كلمات الوطن والشعب والعراقية لتتوهج في حماساتهم كلمات المذهب والطائفة والعشيرة والعنصرية و الاصطفاء السماوي والفرقة الناجية ... الخ او لتصبح هي الوطن والبديل عن الشعب وجمالية تعدد اطيافه وغنى تنوعه وعدالة المساواة بين ابنائه! .
ورغم قسوة وهمجية النظام المباد الا انه ابقى على نوع من " السوية " في علاقة ابن شمال وغرب بغداد بوطنه وانتماءه لمجتمعه لكنه شوه الى حد بعيد علاقة وانتماء ومشاعر ابناء العراق الاخرين جنوب بغداد! (4).....
ان من قاسى الموت والتعذيب والحرمان والفقر والتشرد ليس كمثل من لم يعانيها وان من كان يجهد في اخفاء معتقده والتعتيم على نسبه، خوفا وحذرا، ليس كمثل من كان يفخر باعلانها وان من اعدم افراد عائلته جميعا او اغتصب عرضه في اقبية التعذيب او صودرت املاكه ليس كمثل من يعيش ويربي ابنائه في دعة وامان ، وان من عاش غربة وخوفا بل ورعبا مقيما يمتص انسانيته ويبلبل رؤاه ضمن وطنه وبين ظهراني ابناء شعبه ليس كمثل من لم يشعر بتلك الغربة ولم يتسرب الى حناياه مثل ذلك الخوف !وهكذا انتهى بنا المطاف الى حفر خنادق عميقة الغور وبذر مشاعر لنبتات كريهة نرجو ان لا تجد من يسقيها !فعلى من قاسى عذاباتها ان يفهم ويتفهم وعلى من لم يقاسيها ان يحس ويشعر ويفهم ، كذلك ، ويتفهم...
لقد مارس نظام صدام ، اضافة الى كل ما تراكم من عوامل الفرقة والتشظية، خصوصا في العقدين الاخيرين، عملا دؤوبا لتفتيت الوحدة الوطنية العراقية بعضه مقصود وواع وبعضه ليس كذلك وانما كان نتائج وتداعيات لاساليب وصيغ يعتقد النظام بنفعها . لقد اعتمد النظام لغة العنف البربري الاهوج والاضطهاد العنصري ومحاولة محق الهوية ضد الاكراد ليوحدهم في الدولة العراقية و" ليعلمهم" الوطنية "ويدمجهم" بالشعب العراقي ، فكان ان فك ارتباطهم بالعراقية وكرههم بالعرب كما كرس عمليا انفصالهم بفصلهم عن الدولة العراقية طيلة اكثر من عقد من السنين نشا خلاله جيل من الاكراد لايعرف شيئا من حسنات العراق والعرب بل وتقترن هذه الالفاظ لديه بالكراهية والعنف والموت والابادة والتشردوالظلم، ومارس اقسى اشكال العنف والجريمة ضد الشيعة فكان ان انمى لديهم حسا قويا بالاضطهاد والتمييز والظلم وعزز لديهم واستثار مشاعر تاريخية كان يمكن لدولة ديمقراطية او علمانية او تملك ولو قدرا بسيطا من العقلانية ان تخفف منها ، ان لم تنهها حقا ، لصالح الولاء للمجتمع ككل والشعور بالمواطنه الحقيقية . بل ان جهل وحماقة ولصوصية وهاجس الخوف والارتياب الذي سيطر على نظام الجريمة والبداوة قام حتى على " تجزئة المجزء وتفريق المفرق " بحسب تعبير بعض السياسين العرب ، رغم ادعاءاته السخيفة بالعمل من اجل الوحدة العربية(5)! فأذ تبنى في اجهزته القمعية سياسة افراغها من الا كراد والشيعة او تهميش من بقي منهم فيها ووضعه موضع شك وريبة فقد اعتمد سياسة التقريب والابعاد على الاساس المناطقي و العشائري و حتى العائلي بالنسبة للعرب السنه انفسهم، فكان يقرب يوما اهالي تكريت والموصل مستبعدا اهالي سامراء والانبارليستبدلهم يوما اخر باهالي الحويجة اوديالى . و يقرب الدليم مرة ليبعدهم بعد ذلك لصالح الجبور ثم ليعتمد اخيرا على المشاهدة ... الخ وهو في كل ذلك يعتمد تجهيلا وظلامية تفضي حتما الى تفكيك عرى الوحدة الاجتماعية و دق اسافين الفرقة والتشتت بين ابناء الشعب الواحد والوطن الواحد ، لقد كانت الطائفية ، اذن ، منهجا حقيقيا وسلوكا عدائيا مدمرا ليس اتجاه الشيعة فقط وانما اتجاه السنه والوطن ووحدته بالنتيجه ، عززه نظام صدام وسار به الى حافات خطيرة ومستويات غير مسبوقة في الدولة العراقية الحديثة، رغم انه وجد ونمى بدرجة ما ، قبله، بفعل عوامل اشرنا اليها سابقا ، ناهيك عن العمل المنهجي المنظم الذي اتبعه النظام خلال السنين الاخيره في انشاء ودعم المنظمات والجماعات السلفية والتكفيرية والطائفية او غض النظر عن نشاطات بعضها ، رغم علمه الاكيد بها واطلاعه على تفاصيل عملها كذخيرة لايامه الصعبة وقشة يمكن ان يتعلق بها ويوظفها في حروبه المقبلة، المحتملة ،ليس ضد القوى الاجنبية التي لها غاياتها ومطامعها في العراق وانما ضد ابناء الشعب العراقي نفسه ، هذا الشعب الذي تعاقبه هذه القوى، اليوم بالنار والدم لتجرأه على ابداء مشاعره الحقيقة المكبوته برغبته في الحرية والانعتاق واحلامه في وحدة واخوة ومواطنة حقيقية قائمة على العدل والمساواة .
ان السلطة والملكية العامة ، او بالاصح ملكية الدولة ، فهما لم يكونا مطلقا شيئا واحدا ، ، لا الاختلافات الفقهية والوقائع التاريخية الموغلة في القدم ، كانا ، على مدى عقود طويلة هما السبب الرئيسي خلف ما شهده المجتمع العراقي من فرقة وصراع ، وكان تكريس امتيازاتهما او الحرمان منهما هو الشرارة التي اشعلت وتشعل اتون التناحروالاقتتال، ان الصراع على السلطة التي كانت هي والدولة شيئا واحدا كما كانت هي وامتلاك حقوق التصرف بالثروة العامة واعادة توزيعها شيئا واحدا كذلك، وما نجم عن ذلك من امتيازات وتكريسها ، هو الدافع الاساس في انماء وتعميق الطائفية في العراق خلال العقود الخمسة الاخيرة ، ان الفئات التي استفادت من الطائفية وتكريسها (6) ، وبنت ثروتها وترفها وتسلطها وتنعمها على جبال من عذابات الاخرين وتلال من جماجمهم وبحور من دموع الارامل والثكالى ، تنبري، اليوم ، للدفاع عن امتيازاتها الاسطورية واستئثارها بالسلطة والثروة بشتى الذرائع والادعاءات، وتوظف بوعي واصرارعناصر التكفير والانتحار للقيام بجرائمها المريعة ضد ابناء الشعب العراقي ،وهي لاتصدق ولاتريد ان تتصور امكانية خسران عالمها القديم وبناء علاقة مواطنة حقيقية وسوية بين العراقيين ، وهي لاتبالي بواقع كونها تدفع بالبلاد والمجتمع الى مصائر محفوفة بمخاطر مهولة متناسية ان من يسقي الناس من كأس سيشرب هو الاخر منها حتى الثمالة ، ان قيادات ظلامية عمياء وعقول منخورة فاسدة ، اغلبها مكشوف وصريح وان توسل بالدجل والمراءاة!!، تواصل النفخ في جذوة القتل والموت اليومي تسندها دوائر اقليمية وعالمية تبغي للعراق الخراب والتفتت وتحويله الى ارض معركة وتصفية حسابات ، انها تلوح براية الحرب الاهلية ، راية الخراب والدمار والطاعون متوهمة ان ذلك سيحقق لها المكاسب ، فاية مكاسب يمكن ان تتحقق ؟ ان حربا طائفية في العراق ، لن يكون فيها منتصرقط ، بل سيكون الجميع خاسرين ، وسيخسرون اهم شيء ، العراق نفسه، الذي سيتحول الى اشلاء وخرائب ودويلات صغيرة متعادية يكون ابناءها مطايا ودمى بيد الاجانب ومصالحهم ، اقليميا ودوليا ، ولن تجني منه ، تلك القوى نفسها،سوى مازرعت وتزرع !
وفي نفس الوقت ، فثمة قوى ، تريد ان تجّير عذابات الشعب العراقي ومظلوميته، موته المجاني ومقابره الجماعية ، سنوات الرعب والخوف والاذلال ، كرقم في حساباتها متصورة ان الحرب على الطائفية يقتضي طائفية بديلة او تكريسا لمشاعر سخط واختلاف وتباين على اساس المذهبية واعطائها صيغة تعريف يتم على اساسها التمييز بين العراقيين ، لقد دعى فريق من هذه القوى منذ وقت مبكر ، بعد سقوط النظام ،الى "الاكثرية" وحكم الاكثرية بنبرة معينة وتركيزاستفزازي مغرض ، متجاهلا ان الديمقراطية ستقود حتما الى حكم الاكثرية ، محاولا باستماته اشاعة تعريف العراقيين على اساس الانتماء الطائفي مصادرا وعيهم الوطني وثقافتهم العلمانية الحديثة .في حين كان الاجدر به تبني والدعوة الى الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات ، لان الديمقراطية وضماناتها وممارستها السليمة ستفضي ، لامحال ، الى تقرير الاكثرية التي يريدها الناس ويقررها الشعب ولن تتمكن فئة ، مع وجود اليات وضمانات ديمقراطية حقيقة ، من فرض تسلطها على الشعب ، ومثل هذه الاكثرية هي التي ستوحدهم وتعين على اندماجهم وتنامي روابط المواطنه الحقيقية والمحبة والاخوة بينهم .
لقد انتهى مشروع الدولة العراقية الحديثة الذي بدء في اعقاب الحرب العالمية الاولى الى التفكك والانهيار، قبل دخول الدبابات الامريكية ، لقد فشل هذا المشروع في تحقيق وحدة واندماج ومشاركةالعراقيين وتطور دولتهم الوطنية الحديثة وبعد مايناهز الثمانين عاما على انشاء دولتهم كان العراقيون قد خسروا كل ماحققوه ، على تعثره وفقره ، بفعل سياسات التيار القومي وتجليه الاكثر تشوها وبشاعة ، نظام صدام حسين ،ولم تكن الدبابات الامريكية الا القشة التي قصمت ظهر البعير ، او الكف التي دفعت الجدار المنخور الى الانهيار والتفتت . لكن طريقا مضيئا ممكنا ، مازال ماثلا امام العراقيين ، انه طريق الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على الاحترام والعدل والمساواة ، طريق بناء دولة حديثة قائمة على اساس القانون وحقوق الانسان ، ومجتمع قائم على اساس تقاسم نزيه وعادل للثروة والسلطة وشعب تقوم العلاقة بين ابنائه على اساس الاقرار بحقوق الاخرين . ان المحبة والوحدة والاخوة لاتقوم على الكذب والانكار والرياء ، ولا الاستئثار والاقصاء، وكذلك لايمكن فرضها بالنار والحديد ، بالارهاب وتقتيل ابناء الشعب بالمفخخات ولا ان يستعين البعض على ابناء وطنهم وشعبهم من الابرياء بفلول من الارهابيين والقتلة من داخل او خارج الحدود متصورا ان عمله ذلك سيحقق ثقلا اضافيا في الميزان لصالحه ، ان الصالح الوحيد للجميع هو المكاشفة والمصارحة وبناء المستقبل على اساس من نقد جدي وحقيقي للماضي وعثراته وصياغة مخلصة لالية تجاوزه باتجاه بناء وطن يحتضن الجميع وينعم فيه الجميع باخوة حقيقية مبنية على بنوتهم جميعا ، وعلى قدم المساواة ، لعراق ديمقرطي واحد !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من المعلوم ان" تسجيلهم "في الحزب كان يتطلب اولا توقيعهم على تعهد يقضي بعدم انتسابهم في الفترة نفسها او اخفائهم لانتماء سابق او انتماءهم لاحقا الى حزب او قوة سياسية اخرى تحت طائلة الاعدام!
(2)امعانا في الديماغوجية والتضليل غير صدام حسين اسم مدينة الثورة الى مدينة " صدام !
(3) كان الكثيرون من الشيعة ومن ابناء الجنوب ، خصوصا من الموظفين والعسكريين ومنتسبي الاجهزة الامنية او المتقدمين لنيل درجات معينه او دراسات عليا او بعثات غالبا ما يعمدون الى اخفاء او التعمية على انتماءهم الطائفي او اصولهم العشائرية والقابهم تخلصا من " شبهة" قد تعرقل تقدمهم او عملهم او تقودهم الى المتاعب . اننا نجد هنا " التقية"المشهورة والتي طالما كانت ذريعة ممتازة للشتيمة والانتقاص لدى خصوم الشيعة،رغم انها تعبير صارخ عن الظلم والاضطهاد والتمييز.

(4) جند النظام الكثير من شباب واهالي مناطق شمال وغرب العراق وسلحهم في "قواطع جيش شعبي" خلال وبعيد انتفاضة اذار 1991 لمواجهة "الشيعة"القادمين، وقد خطب صدام وعزت الدوري وطاهر جليل الحبوش في بعض المناطق وتجمعات العشائر مشيرين الى ان " اولاد المتعة "سيستحيون نسائكم ان لم تذبحوهم ، ولم تسرح هذه القواطع الا بعد ستة اشهر من استقرار الوضع ولم يتوان النظام ، ايامذاك ، عن توجيه رسائل واشارات علنية عبر الاعلام بهذا الخصوص ، فنقل، تلفزيون العراق واعاد ، ما هزج به احد شيوخ عشائر الانبار لصد ام حسين من اشارة الى ان النظام لن يقهر طالما كان هناك " سنه " . وبعد فترة "التثقيف" هذه شهدنا ان البعض حتى من العلمانيين والديمقراطيين استحوذ عليهم هاجس طائفي !!
(5)ضمن محافظة بغداد ، " حافظ " النظام على" الهوية المتميزة" لمنطقة الاعظمية فمنع الاستملاك فيها لغير سكنتها الاصليين ، بعد ان لاحظ ان المزيد من الشيعة وذوي الانحدار الجنوبي الموسرين قد بدأوا شراء البيوت فيها ، فتاملوا مدى قومية هذا النظام وقدرته على تحقيق الوحدة العربية وهو يعزل ويجزيء ابناء بغداد!! اننا نلاحظ ان هذا الامر لا يقتصر على هذا النظام فقط وانما تشاركه فيه جميع انظمة الادعاء القومي وكذلك قواه وتنظيماته الحالية ، انهم جميعا من طينة واحدة ، ترى ان القومية حالة غير واقعية بل نوع من الالهام والقدسية اضفيت على اشخاصهم مرة والى الابد ولذلك فكل مايقومون به في صالح القومية وكل مايبغضونه عدو لها !!
(6)ان عنعنات الطائفية وجدت ، غالبا ، باكثر صورها تركيزا لدى الفئات الوسطى وبالذات البيروقراطية منها ، أي المرتبطة بالدولة ، وهذا امر له دلالته فيما ذهبنا اليه ،يشير الباحث " حنا بطاطو" في كتابه عن العراق ، الى ان العائلات الا كثر غنى في العراق من كبار الملاكين، غالبا ،ما تتجاوز الحدود الطائفية وترتبط بعلاقات مصاهرة بينها دون النظر الى المذهب وادرج امثلة لذلك في كتابه المذكور( ومن الضروري ملاحظة ان قول بطاطو هذا ينطبق على مرحلة الخمسينات والاربعينات من القرن العشرين ، قبل ان تتحول الدولة الى نوع من الملكية الخاصة ! ) ونلاحظ بدورنا ان مثل هذا الشيء يحصل ايضا في صفوف الطبقات المعدمة والمتجردة من الملكية في حين ينحصر التعصب تقريبا في صفوف الطبقة الوسطى، والبيروقراطية منها بالذات، ويعكس صراعها الفئوي من اجل الاستحواذ على الملكية العامة.



#عارف_معروف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........11
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق......... 10
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........9
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........8
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........7
- ! جورج حاوي : يا انصار العقل ... اتحدوا
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........6
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........5
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .......4
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........3
- من اجل العمل المشترك لقوى اليسار والتقدم والديمقراطية
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........2
- المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ...........1
- هل الماركسية علم ام عقيدة ؟
- صور صدام ... اية لعبة هذه المرة؟!
- في البديهيات..... تجربة امريكا الديمقراطية في العراق!
- التكفير والانتحار.. رأي في اسس المشكلة
- مذبحة الاعظمية...اشهد اني رأيتهم يعدونهم للذبح!
- هل -الزرقاوي- اردني ام عارقي؟
- بمناسبة الاعلان عن قرب بدء محاكمة اقطاب النظام: هل اعتقل صدا ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عارف معروف - المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........افق الحرب الاهلية او طريق الوحدة الوطنية !!