أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين الرواني - لكنني خرب














المزيد.....

لكنني خرب


حسين الرواني

الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 15:01
المحور: سيرة ذاتية
    


سبق أن استغربت وتعجبت من إتياني الكتابة وصنعة الكلام، فلا أجد بي طاقة لتكرار تعجبي.
جلست عصر اليوم على أبو نؤاس، هاربا من جدران غرفتي، ومن الوقت، ومن الناس، ومن الزمان، والمكان، كان منظر الشمس كما عهدته سابقا في ساعات تأملي مع سيد جعفر، لم تفقد الشمس شيئا من جمالها.
اليوم عرفت لم أحب اللونين البنفسجي، والوردي، منظر الشمس اليوم نبهني إلى شيء غفلت عن معناه، وسببه، لكن نفسي كانت تمتلئ به، إنه الارتياح الى هذين اللونين.
غروب الشمس اليوم أراني هذين اللونين مجتمعين في وقت واحد، بحثت في ذاكرتي عن صور من صور الطبيعة يجتمع فيها اللونان، بحثت في الصور التي احتفظ بها في إرشيف ذاكرتي من تجوالي سنين في البساتين المطلة على نهر ديالى والدوانم الزراعية في فصول الربيع الساحرة، لم أجد صورة كهذه يجتمع فيها اللونان.

لكنني خرب، تذكرت سلامة، واطلقت مخيلتي لتسرح في دارها، وحضرت في خاطري تساؤلاتي المعتادة المبدوءة بأين هي وكيف هي ...الخ، خنقتني العبرة، وتجمعت دمعة صغيرة استجمعت كل قواها لتخرج من بئر العين، فلم تنزل، الخرب هكذا يكون، لا يبكي.

تلاعب الهواء بمسام جلدي، ورغم حرارته الحزيرانية، إلا أنه ألطف بكثير من جو بغدادي صيفي بلا هواء، غرقت عيناي من خلف النظارتين في سحر الشمس ولونيها، ولا أتذكر كم مرة تحركت شفتاي لتقولا: الله. ليس من جمال الشمس فحسب، بل من تذكر أنني اصبحت بعيد عهد بتأملاتي في الطبيعة وصورها، ليس هذا فحسب، بل تذكرت على الفور اليوم تفاصيل ارتبطت في ذاكرتي بهذا المكان، اول يوم اذهب فيه الى جريدة المدى لأجري اختبارا يؤهلني للعمل عندهم، ثم جلستي بعد ثلاثة أشهر حين تم تثبيتي على الملاك الدائم، جلست تحت احد مسقفات ابو نؤاس مفكرا في أمر سلامة.
ارتاحت روحي الى الخضرة المتبقية في حدائق ابو نؤاس، خبرتي في تصيد الاوقات الافضل لمشاهدة غروب الشمس لم تخب هذه المرة أيضا، استطعت بما تبقى لي من شعور، بالشعور بانفراجة يسيرة في خاطري. الحرية من كل السجون، سجون المجتمع، سجون العوز الذي يجبرني على العمل اجيرا عند هؤلاء وهؤلاء، سجون التفكير بي وبسلامة، والدنيا، وبالناس، وبالتصحيح، وبالاخبار، وبالصفحات السياسية في الجريدة، سجون هم العود وهم تعلمه وهم اصابعي الضعيفة، سجون مجاملات الناس في العمل والشارع، كانت سجون الذكريات سابقا أشد ما اقاسيه، خفت، واختفت من خريطة معاناتي، لتحل محلها سجون الواقع الجحيمي اليومي.
لم أقو على التفكير بشيء، كانت جامحة رغبتي في التحرر والتجرد من كل شيء، من نفسي أولا، ثم من جميع ما حولي، الناس، الملائكة، الشياطين، الدنيا، الاخرة، ما بينهما، الزمان، المكان، الجغرافيا، التاريخ، تجردي بدأ معي منذ أيام النهروان، تجرد من الشعر، ثم من الدين، ثم من القراءة والكتابة، واليوم كان التجرد من الوجود أشد ما رغبت فيه، للموت حلاوة لا يدركها الا الجنود العائدين من مطاحن الحروب الطويلة.
أتذكر جيدا المرة الاولى التي جلست فيها في حديقة ولم أرغب بشيء، ولم اتمن ان يكون الى جنبي احد، حتى سيد جعفر، حتى سلامة، كانت هذه المرة الاولى في حديقة مولوي في قلب السليمانية، كانت هذه الحديقة أول مكان أطأه في المدينة الخضراء الجبلية الزاهية بالحياة الطبيعة، وجلست فيها فيما بعد كثيرا.
هذه الطريقة من الجلوس في الحدائق والمتنزهات هي من أشياء قليلة جدا في الدنيا ما زلت استمتع بها واتمناها واشتهيها، الى جانب الاستماع لموسيقى منير بشير، وعزف العود، والاطمئنان على سلامة، ولا شيء اخر.
اجلس صامتا بكل شيء ينطق مني، اجلس صامت الوجه، فللوجه لسان ايضا، يسكت وجهي عن الملامح، اجلس صامت القلب، القلب يتكلم حين يعمره الحب، اجلس صامت المخ، المخ ينطق حين يفكر، اجلس صامت الشعور، الشعور ينطق بالاحاسيس، اجلس صامت الامنيات، الصمت هو الحضن الذي صرت ارمي نفسي اليه منذ اصبحت خربا.
رغم ارتياحي الى هكذا جلسة، لكنني خرب، غائص بروحي الى اعماق صدمة نفسية وفكرية، يبتلعني اشتهائي الذي لا حدود له، في مغادرة الدنيا والاخرة وما بينهما، ما أروح العدم للخربين، إنه جنتهم، إن اراد احد الإنعام عليهم بجنة.
في جحيم العراق أعيش، جحيمه المستمر الذي يسحق جماجم الالاف من الشباب والشابات، من الاطفال.
لا أمل لي في التشافي على يد اطباء الدنيا النفسانيين بأجمعهم، حتى محو الذاكرة لن يفيد، مع الاستمرار في العيش في هذا الجحيم الوطني، المسمى العراق.
خرب أنا يا سلامة، خرب أنا يا سيد جعفر، خرب أن يا حسين الرواني، خرب الى الحد الذي لا أقوى على اكمال كتابة مقال، خرب الى الحد الذي لا أقوى فيه على الاستمتاع بكأسي، خرب الى الحد الذي لا أقوى فيه ولا أشتهي ولا أتمنى كحل كامل، الا العدم، الخربون جنتهم عدمهم.
اربع أكثرت منهن حتى كفرت بهن، الكتابة، والقراءة، والكلام، والتفكير.
كتبت كثيرا، تأسلمت، تشيعت، تمركست، ذممت، انتقدت، كفرت، ألحدت، ثم اخر مرحلة أوصلتني اليها سكك قطار أيامي، هي أنني خرب.



#حسين_الرواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محرِر غير محرَر
- العراق.. بين الرمل والطين
- الواقع العراقي.. الشسمه
- ما يفعله البهاضمة.. يتكرر ج 4
- ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 3
- ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 2
- ما يفعله البهاضمة.. يتكرر
- من وحي ليلة أمس
- قصيدة - في مفترق عامين-
- ثائر ضد الإسفلت
- منير بشير ليس عربيا
- حنين الى الريف
- رمتني بالطائفية وانسلت
- شيعة العراق.. طائفيون بلا فائدة
- الفرد والدولة العراقيان .. لمحات في التاريخين.. قبل 2003 وبع ...
- النقاء الصوتي النغمي في موسيقى منير بشير
- عبدت العقل .. فتأنسنت
- دراسة الموسيقى الاوروبية.. عقدة نقص أم سعي للعلم؟
- الزمن الموسيقي وكيفية تطبيق التمارين عليه
- بياني الشخصي الى الامة الاسلامية العظيمة


المزيد.....




- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
- تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
- هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه ...
- حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما ...
- هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
- زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين الرواني - لكنني خرب