|
تأديب برابرة الليبرالية الجديدة
عادل مرزوق الجمري
الحوار المتمدن-العدد: 1271 - 2005 / 7 / 30 - 07:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"بالإمكان عرض الهمج في المعارض أو تعليمهم تقليد التصرفات الأوروبية, والهمجي يقدم على أنه الأقرب إلى الطبيعة والأنقى أخلاقيا من المتمدن المتحلل أو الفاسد, أما البرابرة فلا يمكن عرضهم في المعارض أو تعليمهم, فهم خطرون وغير قابلين للإنقاذ, البرابرة هم المشروع الليبرالي الذي انحرف وقد تلقوا التعليم الخطأ ولم يعد بالإمكان إعادة تعليمهم". سولتر
لم أجد أكثر من هذه العبارات لسوتر وضوحا في وصف النسخة الغربية من الليبرالية الجديدة، لأحاول إسقاطها على ما لدينا في الخليج العربي من ساسة وإعلاميين يحاولون ترويج أنفسهم، بأنهم "ليبراليون جدد"!! البرابرة الجدد، أو الليبراليون الجدد في الخليج يفتقدون القدرة على الفهم والإستيعاب، هم أكثر خطورة من الهمج، فالهمجي نستطيع في مرحلة من المراحل، أن نصل معه إلى حلول وسطى، إلا أن البربري "الليبرالي الجديد"، شخصية مغلقة العقل، ضيقة الإستيعاب، مصابة بالعديد من العلل العقلية الشديدة الخطورة، فهم رغم بساطة تكويناتهم السياسية والثقافية والمعرفية مقتنعون بأنهم "المنقذ" الأخير وأنهم رجال المرحلة لإنقاذنا من إنحطاطات عالمنا العالم العربي المصاب بتخمة من المشاريع الأيديولوجية الفاشلة. لا ترتبط الليبرالية الجديدة مجملاً بالليبرالية الكلاسيكية، فالليبرالية الجديدة عبارة عن ذلك الشكل التوحشي "البربري" لليبرالية، أو هي ذلك الإنقلاب "الغريب" من الليبراليين الذين رفضوا مسبقاً توحش الشيوعية وتنبؤاتها الحاسمة لمسيرة التاريخ، فأخذتهم الأيام لتأسس أدبياتهم وخطاباتهم توليتارية مقابلة وهم لا يدركون!! يعتبر "آدم سميث" و"ديفيد ريكاردو" المنظران الرئيسيان لتغول الليبرالية الجديدة، ويعتبر كتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث أول كتاب يدرس في علم الاقتصاد بما يحتوي ترويجاً مباشراَ لهذا المفهوم المتوحش، ظهرت الأفكار في بريطانيا وراجت فيما بعد بالولايات المتحدة، وهي اليوم تصل سواحل الخليج، ويروجها في العادة كتاب صحافة "فارغين" من المعرفة، ومتملقي "سياسة" في نفس الوقت. الليبرالية الجديدة غربياً تحكمها السوق، والسوق حكم الأقوياء وتكتلاتهم القاهرة، وعلى حد قول آدم سميث، فإن السوق تدار وتتحرك عبر "يد خفية". وهي ليست بحاجة لأي تدخل من أحد، ولكن في الغالب لا يمكن لنا أن نتفق على أن السوق يدير نفسه بطريقة إنسانية، فالسوق لا يرحم، وقد يأتي بالكثير من الويلات على مجتماعتنا الخليجية. مؤسسات السوق الأمريكية والأوربية تقوم بتلميع نتائج السوق الكارثية عبر دعمها للمجتمعات الغربية والإنسان الغربي، في مجمل ما تنفقه من ضرائب أدبية أو إجبارية يسهر عليها اليسار السياسي كأقل الإستحقاقات التي يحاول الذب عنها، لكن العادة العربية تفترض علينا "مع تدني مساهمات الكثير من الإمبراطوريات المالية العربية في التنمية المدنية" أن نتوقع حالة من اللانظام، في التقدير المتفائل، وحالة من الدمار والتتشرد للإنسان العربي في التوقعات الأكثر واقعية. تذهب الليبرالية إلى تعريف المجتمع بإعتباره "مجموعة من الأفراد يسعى كل واحد منهم لتحقيق مصالحه واحتياجاته". ويطلق على هذا الرأي المذهب "الذري"، حيث ينظر للأفراد كـ"ذرات متنافرة" بداخل المجتمع. هذا يتتطلب الإقرار بعدمية المجتمع ونهايته، خلاف ما تركز أبجديات اللبرابرة الجدد في الدعوة والترويج لما يسمى "الأسرة الواحدة"، "المجتمع الواحد". لابد من الترويج لما يسمى بالفردية الملكية، فالفرد هو المالك، ويمتلك نفسه وقدراته الخاصة به، وهو لا يدين بها للمجتمع. ورغم جميع التجاذبات التي نالت مفهوم الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما، فلقد اجتمع الليبراليون على الرغبة في خلق مجتمع يكون فيه كل فرد ذا قيمة خاصة. لابد لمروجي الليبرالية الجديدة في شكلها الخليجي لالمشوه ان يتنبهوا إلى أن الحرية الفردية التي تعنيها الليبرالية لها مسؤوليتها، وأن الحرية الفردية هي ما إجتمعت عليه الليبرالية بكافة مفكريها وفلاسفتها وساستها على أنها الخيار الوحيد للإنتاج والإبداع، وهكذا يصرح جون ستيوارت ميل "إن المبرر الوحيد لممارسة القوة بشكل صحيح تجاه أي عضو في المجتمع المتحضر والتي تكون ضد إرادته هو منع الضرر عن الآخرين"، بمعنى أن كبت للحريات العامة في المفهوم الليبرالي، وإي ممارسة مخالفة كالتدخل في ملابس الفرد وإعتبارها دليل جهل وعمى، هو بالتحديد "تخريف"، لا علاقة له بالفكر الليبرالي من هنا أو هناك.. كذلك هو أدب "الحرية"، فإن كان الليبراليون الكلاسيكيون يؤمنون أن الحرية هي قدرة الشخص على التصرف بالشكل الذي يختاره، فإن أحدث المفاهيم الليبرالية للحرية الإيجابية فهي قدرة الأفراد على التطور. أما ما تذهب له الليبرالية في نسختها الخليجية المشوهه هو أشبه بالقمع للحريات ومصادرة حقوق الأفراد بدواعي التخلف والجهل والتأخر السياسي والثقافي. الحرية هي العقل، والعقل هو صورة تنويرية، ورؤية التنوير هي تحرير البشرية من قيود "الخرافة والجهل" وإطلاق العنان لعصر العقل، أما الليبرالية الجديدة في الخليج فالتنوير في خطابها الإعلامي مصاب بالعقد، العقدة من كل شيء ديني، أو العقدة من الحجاب أو العمامة او حتى العقدة الجغرافية والقومية، خطاب التنوير أضحى في الخليج مبتور ومهلهل، بل أصبح ذا دلالة معاكسة لكل ما هو حسن. لابد من تحقيق العدالة في المجتمع الليبرالي، والعدالة هي إعطاء كل فرد ما يستحق. والعدالة الاجتماعية تذهب إلى توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، والتوفير المتوزان العادل لكافة الإحتياجات الطبيعية للإنسان كالعمل والغذاء والرعاية الصحية والتأمين الإجتماعي. الليبرالية تقتضي المساواة في الفرص، أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي وتحسين وضعه بجهده وعمله الدؤوب. والملاحظ أن الليبراليون الجدد في الخليج هو اكثر من يستفيد من نقض المساواة في الفرص فهم في الغالب قليلي الخبرة وبسطاء الإطلاع ومحدودي الثقافة، إلا أنهم ينالون الكراسي الجديدة والمناصب الرفيعة بشكل يجعل حديثهم عن تساوي الفرص أو انهم ليبراليون مدعاة للضحك والسخرية!! تتسم أخلاقيات الليبرالية الاجتماعية بقبول التنوع الأخلاقي والثقافي والسياسي. فقد ردد الليبراليون كثيرا المقولة الشهيرة لفولتير "أنا أكره ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله!". لذلك دأب الخطاب الليبرالي الغربي على رفض الرقابة أو أي وسيلة لمنع حرية التعبير في المجتمع، وضد أي ثوابت، وأياً كانت هذه الثوابت، إلا أن الليبراليون الجدد هم أكثر من يطالبون بتوحيد الإختلافات المجتمعية عبر قمع "المختلفين" معهم، تركز خطاباتهم الإعلامية على قمع الآخر والإستهزاء به وتحقيره، فإذت كان الخطاب الإسلامي متهماً بالتكفيرية، فإن الخطاب السياسي والإعلامي الليبرالي مصاب بأمراض أكثر خطورة وسمية.
#عادل_مرزوق_الجمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا، وكيف تقرأ.. هذه الجريدة.. ؟
-
أحداث سبتمبر جديدة.. على الأبواب
المزيد.....
-
-حزب الله ما زال موجودا-.. محلل سياسي يعلق لـCNN عن وقف إطلا
...
-
روسيا تجهّز صاروخ -سويوز- لإطلاق قمر Condor-FKA
-
عائدون إلى جنوب لبنان: -نريد أن نشمّ رائحة الأرض-
-
كشف المزيد من -الأثر الأوكراني- في المقابر الأمريكية (صور)
-
زوكربيرغ يتقرب من ترامب
-
ثعبان ضخم يبتلع رجلا بالكامل في إندونيسيا (صور)
-
الجيش الروسي يعبر نهر أوسكول ويخترق الدفاعات الأوكرانية قرب
...
-
-هآرتس-: شركات الطيران الأجنبية لن تعود إلى إسرائيل حتى عام
...
-
Xiaomi تطلق أجهزة تلفاز مدعومة بالذكاء الاصطناعي
-
مخبأة بطريقة احترافية.. الجهات الأمنية في اليمن تضبط شحنة مخ
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|