أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سمير إبراهيم خليل حسن - الانقلاب















المزيد.....



الانقلاب


سمير إبراهيم خليل حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1271 - 2005 / 7 / 30 - 07:48
المحور: المجتمع المدني
    


ٱلانقلاب
مؤلفه سمير إبراهيم حسن
[email protected]
[email protected]
http://islamdemocacy.friendsofdemocracy.net/
ٱلطبعة ٱلأولى /2005

جميع ٱلحقوق محفوظة للمؤلف

دوافع ٱلبحث فى ٱلتاريخ

هذا ٱلعمل ٱلتاريخى ٱلصفة كان قد ألح علىّ كثيرًا من بعد ٱلكتب ٱلثلاثة (ٱلحكم ٱلرسولى وٱلصحيفة وما هو سبيل ٱللَّه).
ولعلَّ ٱلسبب ٱلدافع لعملنا هذا هو ٱلأحداث ٱلسياسية وٱلفكرية وٱلعسكرية ٱلتى تشارك فيها شعوبنا ٱلشامية. وٱلتى يستمد بعض ٱلفاعلين فيها سندَه مِنَ ٱلتاريخ وهو يتوجّه بقوة فعله فىۤ أرض بلاد ٱلشام.
وقد برزت ٱلولايات ٱلمتحدة ٱلأمريكية بين ٱلفاعلين من موقعٍ فىۤ أقصى ٱلأرض. يقابلها فاعل أخر يزعم أنَّه صاحب دين ٱلإسلام فى بلاد ٱلشام وغيرها. وهو فى زعمه يظنُّ أنّ ٱلناس يجتمعون عليه من كلِّ مكان فى ٱلأرض يعتدون عليه وعلى دينه.
لقد ٱختلط ٱلزعم بدين ٱلإسلام مع زعمٍ أخر هو مفهوم ظنىّ بٱلقومية ٱلعربية. وأخرج أصحاب ٱلزعمين معًا مفهومًا عن ٱلوطنية هو ٱلأقرب إلى ما يعرف بٱلشوفينية ٱلعدوانية داخليًّا وخارجيًّا.
وقد رأينا فى هذا ٱلزعم أنَّه ٱسم جديد لدين قديم هو دين قريش. وهو ٱلمفهوم ٱلذى يمنع به أصحابه أىَّ مطلب للناس من أبنآء ٱلديار يتعلق بسلوكهم سبيل ٱللَّه "لاۤ إكراه فى ٱلدين" بزعم حرمة هذه ٱلوطنية ٱلقآئمة على دين ٱلقوم.

وكان فى ٱلمسآئل ٱلفكرية ٱلتىۤ أعلنتها مؤسسة ٱبن رشد للفكر ٱلحر ٱلمتعلقة بجآئزتها ٱلسنوية عن عام 2005 فى ٱلأسئلة ٱلتالية ما يزيد فى دافعنا على هذا ٱلعمل:
"هل يتوافق الفكر الإسلامي مع الحداثة ؟
هل تسمح أصول الدين أن يعيش العربي المسلم في دولة عربية حديثة تتميز بصفات الحضارة بما فيها محورية الإنسان المواطن في المجتمع، حرية الرأي والمساواة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين ؟
هل يتعارض الإسلام مع أنظمة الحكم الحديثة القائمة على الديمقراطية وتناوب الحكم والتعددية ؟
فما وضعُنا نحن العرب المسلمين من هذه الحضارة وكيف بنا أن نخرج من عمق الأزمة ؟
هل للإسلام من دور في إلحاقنا بالحداثة ؟
وعندما نقول إسلام أي إسلام نعني ؟
الإسلام الرسمي الملحق بالحكومات المضطهِدة ؟
الإسلام السياسي ؟
الإسلام السلفي ؟
أم بذرة التطور الكامن في قلب كل مسلم مشتاق إلى تغير فعلي نحو العدالة الاجتماعية ؟
نحن بأمس الحاجة إلى انطلاق حركة تنوير حقيقية وجذرية بدأها مفكّرون مثل الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي. وبحاجة إلى إعادة النظر في تفسير التراث الديني وتنقيح ما يتعارض مع أهم دعائم الحداثة. وكتابة التاريخ العربي الإسلامي بموضوعية تستبعد كل ما يكبِّل العقل والفكر الرشيد.
فأين المصلحون المستقلون اليوم ؟".

وقد رأيت أنَّ ٱلجواب على هذه ٱلأسئلة ٱلمتعلقة بٱلدين وٱلحداثة لن يكون صوابًا إذا ٱستندنا على شىء أخر غير ٱلقرءان. ومنه نأخذ ٱلجواب على ٱلسؤال ٱلأول:
"هل يتوافق الفكر الإسلامي مع الحداثة ؟"
وفى ٱلبلاغ ٱلعربى جواب قاطع عليه:
"لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً ومِنهاجًا ولو شَآء ٱللَّه لَجعَلَكُم أُمَّةً وٰحِدةً ولكن لِيبلُوَكُم فى مآ ءَاتٰٰكُم فاستَبِقُواْ ٱلخيراتِ إلى ٱللَّه مرجِعُكُم جَمِيعاً فَيُنبِئُكُم بِمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُون" 48 ٱلمائدة.
وفيه بيان عربى بتعدد مناهج ٱلناس فى ٱلدين على ٱلرغم من أنَّ ٱللَّه واحد وأنَّ ٱلدين عند ٱللَّه واحد.
كما يبين أنَّ ٱللَّه لم يجعل ٱلناس أمَّة واحدة كما هىۤ ألوان ٱلدَّوآبِّ ٱلأخرى. ومن دون هذا ٱلتعدّد فى ٱلشرعة وٱلمنهاج بين ٱلناس لكان ٱلحديث عن ٱلحداثة أمرًا محالا. ولكان ٱلسؤال سيبقى من دون وجودٍ لمن يجيب عليه.

ٱلناس يعيش بعضهم فى جماعات متعاهدة متواثقة على حقِّ تمايزِ وٱختلافِ أفرادها (حقوق ٱلإنسان). وهو ما تدل عليه كلمة ناس ٱلعربية. فهى تدل على جمع أفراد يجتمعون فى عيشهم وفق عهد وميثاق social contact وهو عهد للرفقة وٱلعشرة وٱللطف society ولكلٍّ شرعته ٱلتى يتبعها من دون عدوان على شرعة أخر.
أمَّا ٱلذين يعيشون فى تجمُّع community فهو عيش لا عهدىّ ولا ميثاقىّ. وهو مثل تجمّع ٱلفطور وبعض ٱلنبات وبعض ٱلدَّوآبِّ كٱلنَّمل وٱلنَّحل (وهى تجمعات لا تقبل بتعدد ٱلمناهج ولا بٱلفرد ولا سبيل لأخر عندها). وهؤلآء جماعة ربانيَّة تخضع لسنَّة ٱلرَّبِّ من دون إدراك وعلم بها.
وبسبب ٱختلاف ٱلبشر فى عيشهم وفىۤ إدراكهم وفى علمهم بسنَّة ٱللَّه وبحدوده تحدث بينهم حروب وقتل.
وما قلناه فى كتابنآ أنبآء ٱلقرءان أنَّ سنَّة ٱللَّه قد ظهر بعضهاۤ لأوْلٰۤئك ٱلذين يعيشون فى مجتمع عهدى ويعملون نظرهم فى كلِّ شىء. وهم يقرأون بٱسم ربِّّهم ٱلذى خلق. وقد سموها بلسان ٱلانكليز substantive law (ٱلقوانين ٱلموضوعية فى ٱللغة ٱلفصحى).
وإنَّا نرىۤ أنَّ فعل هذه ٱلسنَّة يظهر فى طورين بشريين. ٱلأول هو فعلها ٱلجارى فى نشأة وموت كلِّ شىء من دون أن يدرك ٱلبشر بذلك. وهو من ٱلأشيآء ٱلتى تفعل ٱلسنَّة فى نشأته وفى ذهابه.
وٱلثانى هو فعلها فى كلِّ شىء وقد صار ٱلبشر (بنفخ ٱلروح وبتتابع ٱلرُّسل وٱلأنبيآء ثمَّ بٱلسير وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق) يدرك بعض هذا ٱلفعل ويعلم به ويطلق عليه ٱلاسم substantive law.
وفعل ٱلسنَّة وفق ٱلطور ٱلأول هو فعل ٱلسنَّة ٱلعامَّة. أمَّا فى ٱلطور ٱلثانى فهو فعل ٱلسنَّة ٱلخاصَّة.
وٱلسنَّة ٱلعامة هى قوَّة يجرى ٱلتكوين ويربو بفعلها وفق جدلية مقدارية أساسها ٱلعددين 1-0 كما هو ٱلأمر فى أسس ٱلبيانات فى ٱلكومبيوتر وكما هو فى مبرقة مورس. وهى تحكم لونىّ ٱلتكوين بذات ٱلأسس للعددين 1-0 وفى صورة ٱلميِّت وٱلحىِّ.
وهى ٱلسنَّة ٱلتى يجرى بها فعل ٱلاصطفآء وصراع ٱلحىّ مع ٱلحىّ على ٱلبُقيا.
وإنَّ صراع ٱلحىّ مع ٱلحىّ ينشأ بفعل توالدِ وحاجةِ كلّ منهما على ٱلانتشار فى ٱلمكان وحاجته من ٱلاستهلاك للطعام وٱلشراب. فتبقىۤ ألوان منه وتذهب أخرى ولا تعود.
هذا ٱللون من ٱلصراع يتأثر بفعل إدراك ٱلناس لفعل ٱلسنَّة ٱلعامة. وبه تأخذ حكمة ٱلناس دورها فى تحديد ٱلحدود لكلِّ لون من ألوان ٱلحياة. وبٱلعلم بٱلحدود يحافظ ٱلناس على جميع ألوان ٱلحياة. وهذا لا يحدث إلا من بعد إدراكهم لبعض ٱلسنَّة. وعلمهم أنَّ ٱلبُقيا وٱلمحافظة علىۤ ألوان ٱلحياة لا يكون إلا فى تحديد حدود لكلِّ لون منها فى توالده وفى ٱستهلاكه وفى حاجته للمكان. وبهذا ٱلإدراك يبلغ ٱلإنسان طور ٱلحكمة وبه يتحكم فى حدود كلِّ شىء.
إنَّ تكوين ٱلحى فى صورته ٱلبشرية يسبق تكوين إدراكه ويجرى فى تجمّع community كما هو تجمع ٱلفطور وٱلنّمل وبعض ألوان ٱلنبات. وهو يتوالد ويتوسع فى ٱلمكان من دون علم بحدودٍ. فيجعله توسعه يصطدم بلون أخر يتوسع من دون علم مثله. وبسبب ذلك ينشأ ٱلقتال بينهما على ٱلمكان وعلى ٱلطعام وعلى ٱلشراب. ٱلأمر ٱلذى يجعل عدد ٱللون ينخفض فيتراجع عن توسعه بنقصِ عدده ومن دون إدراكه لما حدث. فيعود إلى ٱلتوالد بفعل ٱلسنَّة ٱلعامَّة ثم إلى قتال جديد ونقص فى ٱلعدد مرَّة أخرى.
أمَّا ما يوصل إليه بعض ٱلبشر بسيرهم فى ٱلأرض ونظرهم فى كيف بدأ ٱلخلق فهو إدراك هذا ٱلحدث وإدراك أسبابه وٱلعلم بسنَّته. وهو بإدراكه وبعلمه بٱلسنَّة يجعل للتوالد حدودًا لا يتجاوزها. وبه يحدُّ حاجته للطعام وللشراب ويتوقف فعل ٱلقتل لديه علىۤ إرادته.
وما وصل إليه هذا ٱلبشر هو ٱلعلم بسنَّة ٱللَّه ٱلجارية فى ٱلتكوين. وبعلمه يوصل إلى معرفة ٱللَّه ويسعى ليهتدى برسالته. ويجعل لنفسه ولكِلِّ لون حىّ حدوده.
وما وصل إليه لون من ٱلبشر من إدراك ومن علم ومعرفة وما حدَّده من حدود لا يجنِّبه ٱلقتال مع لون بشرى أخر. فمن ٱلبشر من سار فى ٱلأرض ناظرًا باحثا كيف بدأ ٱلخلق فوجد ٱلسنَّة وعلم بها وبحدودها. ومنهم من جلس ولم ينظر ويبحث فلم يجد ٱلسنَّة ولم يعلم بها ولا بحدودها. فيتوالد ويتوسع ويستهلك من دون حدود. فيبدأ ٱلقتال زعمًا بٱلدفاع عن ٱللون وٱلمكان وحقِّ ٱلتوالد وٱلاستهلاك من دون علم بحدوده.
هذا ٱلقتال يجرى بين فريقين. ٱلأول يندفع إلى ٱلقتال وفق ٱلسنَّة ٱلعامَّة ٱلتى لا يدركها ولا يعلم بها. وٱلثانى يندفع وفق ٱلسنَّة ٱلخاصَّة به وهى ما يعلمه من ٱلسنّة ٱلعامّة. فيقتل من ٱلأول يُنقص عدده ويعيده إلى ٱلحدود. ويعلن له شرعة ٱلرَّبِّ بكلِّ ٱلوسآئل لعلَّه يدرك ماۤ أدركه هو من ٱلسنَّة ٱلعامَّة فيكفيه شرَّ ٱلقتال.
وهكذا فإنَّ علمنا بٱلسنَّة ٱلعامَّة وهى سنَّة ٱلرَّبِّ تجعلنا نعرف ٱللَّه وسنته ٱلجارية فى ٱلتكوين ونعلم بحدوده ٱلتىۤ أعلمنا فى رسالته ٱلقرءان بٱلخطر من تعدّيها:
"ومَن يتعدَّ حدود ٱللَّه فأُوْلٰۤئك هم ٱلظَّٰلمونَ" 229 ٱلبقرة.

وٱلأمر ٱلذى علينا ٱلعلم به أنَّ ٱلبشر ٱلذين يعلمون ٱلسنَّة ٱلخاصَّة هم أفراد لا جماعات. وأنَّ علمهم يورثه من بعدهم خلف قد يكون مدركًا لما فيه فيزيد فيه بنظره وعلمه. وقد يكون ٱلخلف لا يدرك ما فى ٱلميراث فيضيع ٱلعلم بٱلسنَّة ٱلخاصَّة. وهو ما بيَّنه بلاغ ٱلقرءان:
"فَخَلَفَ مِن بعدهم خَلف وَرِثُواْ ٱلكتٰبَ" 169 ٱلأعراف.
"ثُمّ أَورَثنا ٱلكتٰب ٱلَّذين ٱصطفينا من عبادنا" 32 فاطر.
"وإِنَّ ٱلَّذين أُورِثواْ ٱلكتٰبَ من بعدهم لفِى شَكٍّ منه مُريبٍ" 14ٱلشورى.
وفى بلاغ أخر نرى أن ٱلعلم بٱلحدود هو ٱلذى يضيّعه ٱلخلف ٱلوارث ٱلذى لا يعلم بما ورث:
"فَخَلَفَ مِن بعدهم خَلف أضاعواْ ٱلصَّلوٰةَ وٱتبعواْ ٱلشَّهوٰتِ فسوفَ يَلقَونَ غَيًّا" 59 مريم.

لقد مات ٱلنبى من بعد أن أقام وأكمل ٱلمثل ٱلمدينى فى حكمه ٱلرسولى ٱلمهدىّ. وكان قد سار بٱلدولة بعيدًا عن ٱلتجمّع ٱلبدآئى community. وترك ميراث عمله وسيره لمن خلفه فى ٱلحكم. ومنه ميثاق ٱلدولة ٱلمدينيَّة ٱلصحيفة. فٱلذى خلفه إمَّاۤ أن يكون يعلم من ٱلسنَّة ٱلعامَّة فى صورتها ٱلخاصَّة (ٱلتى أدركها ٱلرسول بٱلهداية) ويزيد من علمه بها بسيره ونظره فيتابع ٱبتعاده عن ٱلتجمع ٱلبدآئى community. وإمَّاۤ أن يكون لا يعلم بها فيعود بٱلدولة بقوَّة ٱلسنَّة ٱلعامَّة إلى ٱلتجمّع community وهو تجمّع لا عهدىّ.

بهذا ٱلفهم ننظر فيما يتعلق بـ "كتابة التاريخ العربي الإسلامي بموضوعية تستبعد كل ما يكبِّل العقل والفكر الرشيد" وهو عمل يستدعى ٱلعودة بعيدًا إلى ورآء. وتحديدًا إلى ما حدث فى سقيفة بنى ساعدة من بعد موت ٱلنبىّ محمد. وهو أمر لا يمكن فعله إلا بٱلنظر فى تلك ٱلكتب ٱلتى سجلت من ٱلحدث ما بقى فى ذاكرة ٱلبعض من ٱلناس. ونحن لا ندرىۤ إن كانت تلك ٱلذاكرة قريبة أم بعيدة عن ٱلحق ٱلجارى فى ذلك ٱلوقت ٱلبعيد.
كماۤ أنَّ ٱلذين حدَّثوا وكتبوا عنها ليسوا ملاۤئكة (روبوتات) يفعلون ما يؤمرون. بل هم بشر وعلى مدارك مختلفة ومصالح مختلفة.
ولذلك فإنَّ تكوين موقفٍ مما حدَّثوا به أو كتبوا عنه يتعلق بما هو مسجل لهم أو عليهم فى كتب ٱلميراث. وهو فى مطلق ٱلأحوال لا يمثل شرعة من عند ٱللَّه. وما هو إلا تسجيل لحدث من صناعة ٱلبشر قد يكونون من ٱلمدركين للسنَّة ٱلخاصَّة وقد يكونون من غير ٱلمدركين لها. وإنَّ نظرنا فيما سُجّل عنهم يجعلنا نستنبط منه إذا كان ٱلحدث يوافق عهدًا وميثاقًا للاجتماع بين ٱلناس social contact أو يوافق تجمُّعًا ربَّانيًّا community.

كماۤ أنَّ حاجتناۤ إليه لا تزيد عن ٱلحاجة إلىۤ أىِّ مؤلف إنسانىّ أخر. ولن تكون لنا فيه حاجة من أجل معرفة ٱلشرعة ٱلتىۤ أرسلها ٱللَّه للناس فى ٱلقرءان.
ولن يكون لسلوكهم من تأثير على ما نتخذه من مواقف وما نسلكه فى حياتنا من سبيل. لأنهم عاشوا وفق أطوار من ٱلإدراك. ولنا نحن أطوارنا ٱلإدراكية ٱلتى تظهر ٱلفرق بين ٱلتجمّع ٱلكومونالى communal وبين ٱلمجتمع ٱلمدينى citizen society.

إنَّ ٱلعلم بسلوك ٱلأفراد (ٱلذين خلفوا فى ٱلسلطة من بعد موت ٱلنبىّ محمد) ممَّا هو مسجل فى كتب ٱلتاريخ يجعلنا نصدر أحكامًا تتعلق بسلوكهم. تبين رأينا بما فعلوه. هل هو متابعة للنبى فى ٱلمثل ٱلمدينى ؟
أم هو عودة إلى ٱلتجمّع ٱلكومونالى ؟
وستكون أحكامنا تتبع ما هو مسجل من مواقف وسلوك وقول لهم من بعد عقله مع ٱلبلاغ ٱلعربى وميثاق دولة ٱلمدينة.

ونحن بأعمالنا علىۤ إدراك كتاب ٱللَّه ٱلقرءان كنا نريد متابعتها بعيدًا عن هذه ٱلمسآئل ٱلسياسية وٱلتاريخية ٱلتى سطرها بشر لهم مفاهيم ومصالح تدفعها. إلاۤ أنَّ تطور ٱلأحداث وكثرة ٱلتقوّل بٱسم ٱلإسلام ٱليوم ٱلذى يعتمد على سلوك ٱلذين خلفوا ٱلنبى فى ٱلسلطة جعلنا نعمل عليها على ٱلرغم من حساسيتها. وقد بدأنا ٱلنظر فيها وبين أيدينا ما توصلناۤ إلىۤ إدراكه من كتاب ٱللَّه. وهو سندنا ٱلذى يساعدنا فى ٱلنظر وٱلحكم على تلك ٱلمسآئل.
وأول أمر أريد ٱلعودة إلى بيانه أنَّ ٱسم مسلم له مالك وله وحده حقَّ ملكيته. وهو مسجّل بٱسمه فى كتاب ٱللَّه ٱلقرءان وبشهادة من ٱللَّه:
"مِّلَّةَ أَبِيكُم إبرَٰٰهِيمَ هُوَ سَمَّٰكُمُ ٱلمُسلِمِينَ مِن قَبلُ" 78 ٱلحج.
وقد بيَّنَّا أنَّ ٱلأبَ "هو ٱلمعلم وٱلمعين وٱلكفيل وٱلمعيد ٱلذى عهد وكفل وراجع وعاد فى منهاج على ٱلابن تلقيمًا وإختبارًا. ومأربه ٱلارتقآء بٱلابن إلى ٱلخليفة بوسيلة منهاج. أما ٱلابن فهو متلقى ٱلعلم وٱلمنهاج".
وحامل ٱسم مسلم هو ٱبن للأب إبراهيم صاحب ٱلاسم.
فكيف يكون ٱلفرد ٱبنًا للأب إبراهيم ؟
لقد بين لنا بلاغ ٱلقرءان ٱلعربىّ أن فعل ٱلنظر فى ٱلتكوين. وليس ٱلوحى. هو ٱلذىۤ أوصل إبراهيم إلىۤ إعلان قوله:
"إنِّى وجَّهتُ وجهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرضَ حنيفًا ومآ أنا مِنَ ٱلمُشرِكِينَ" 79 ٱلأنعام.
وبٱلنظر وصل إبراهيم إلى ٱلعلم بٱلحقِّ. وبه حكم موقفه وسلوكه.
وفى بلاغ ٱلقرءان بيان لدين إبراهيم وهو دين ٱلفطرة natural law (قانون ٱلطبيعة فى ٱللّغة ٱلفصحى) وهو ما نرـٰه أنَّ ٱللَّهَ يوجّه ٱلناسَ إليه فى ٱلبلاغ ٱلعربى:
"فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حنيفًا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لا تبديلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذٰلك ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لا يَعلَمُونَ" 30 ٱلرُّوم.
فٱلإسلام لدين ٱلفطرة هو موقف ٱلإنسان من دين ٱلحقِّ substantive law (ٱلقوانين ٱلموضوعية فى ٱللغة ٱلفصحى). وهو موقف ٱلذى ينظر ويبحث ليصل قلبه إلى ٱلاطمئنان فى كلِّ مسألة علمية. وهو ٱلذى يعلم أنّ دين ٱلحقِّ هو سنَّته. وهو ٱلذى يعلم أنَّه لا تبديل لها. فيتكون موقفه منها فلا يخالفها بعلمه وإرادته فى توجّهه ناظرًا باحثًا.
هذا هو سلوك ٱلعالم ٱلناظر وٱلباحث فى جميع مسآئل ٱلتكوين. وهو ٱلذى يعلم أنَّ دين ٱلحقِّ هو ٱلدين عند ٱللَّه فيسلم له يقينًا. ويكون ٱبنًا للأب إبراهيم ولو كان من قوم غير قوم إبراهيم.
لقد تبرَّأ إبراهيم من قومه:
"قَد كَانَت لَكُم أُسوَة حَسَنَة فِىۤ إبرَٰهِيمَ وٱلّذِينَ مَعَهُۤ إذ قَالُوا لِقَومِهِم إنَّا بُرَءَٰؤُا مِنكُم ومِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ ٱلعَدَٰوَةُ وِٱلبَغضَآءُ أبَدًا حَتَّىٰ تُؤمِنُواْ بٱللَّهِ وَحدَهُۤ" 4 ٱلممتحنة.
ومثله كان موقف محمد مع قومه قريش. وقد أظهر ذلك فى ميثاق دولة ٱلمدينة:
"ٱلبند ٱلثالث وٱلأربعون: وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا".
وهذا بيان لسبب تعدد ٱلمناهج. وبيان لأسس مفهوم ٱلحداثة فى مجتمع ٱلناس وفى كلِّ وقت.
هذا ٱلفهم ٱلمتعلق بٱلاسم مسلم كان مأربنا من بسطه فىۤ أعمالنا جميعها هو شدُّ ٱلنظر إلىۤ أنَّ هذا ٱلاسم لا يجرى على ٱلفرد ما لم يكن من ٱلذين ينظرون ويبحثون ويتفكرون فى كيف بدأ ٱلخلق متبعين دين ٱلحقِّ لا غيره ومن أىِّ قوم كانوا. وهم ٱلذين يطيعون ٱلأمر ٱلعربى:
"قُل سِيروا فِِى ﭐلأرضِ فٱنظُرُوا كَيفَ بَدَأَ ﭐلخََلَقََ"20 ٱلعنكبوت.
وبطاعتهم تنشأ مفاهيم تتعلق بٱلتكوين. وبها يجرى ٱلعقل مع بلاغ ٱللَّه. وبه يجرى تصديقه. ومع ذلك تفترق مفاهيم ٱلناظرين بٱختلاف طاعتهم ٱلأمر ٱلعربى.
أمَّا ٱلذين يظنون أنهم مسلمون للَّه بٱلقول من دون سيرٍ فى ٱلأرض ونظر فى كيف بدأ ٱلخلق. ومن دون علم بدين ٱلحقِّ. ومن دون قدرة على ٱلعقل. فهم ٱلجاهلون فى كلِّ وقت. وهؤلآء مسلمون للسنَّة ٱلعامة من دون علم بها وبحدودها. وهم ٱلذين يسوقهم ظنهم إلى ظلم أنفسهم وإلى ظلم ٱلناس معهم. ودين هؤلآء لا يقبل بحداثة ولا بتعدد فى ٱلمناهج ولا بميثاق ٱجتماعىّ لأفراد أحرار. وهم يعيشون فى تجمّع community لا عهدىّ. وهم لا يقبلون بأسس ٱلعيش ٱلمدينى وعهده.

وفى كتابنا "ٱلصحيفة" عرضنا لدستور دولة ٱلمدينة ٱلمنورة. وقد تبين لناۤ أن ما هو منشور فى ٱلصحيفة يبين عهدًا وميثاقًا ٱجتماعيًّا (دستورًا) social contact لدولة فيدرالية ديمقراطية تعتمد ٱلبلاغ ٱلعربى 48 ٱلمآئدة. وفيها ذكر بيِّن لتعدّد مناهج ٱلدين فى ٱلدولة:
"للمسلمين دينهم ولليهود دينهم".
وما رأيناه فى كتب ٱلإسلام ٱلتاريخىّ أنَّ هذه ٱلمسألة قد غُيِّبت بقوة حديث منسوب للنبى "لا يترك بجزيرة العرب دينان".
كماۤ أنَّ ٱلذين تصدروۤا أحداث هذا ٱلتاريخ يظهر ممَّا ذُكر فى ٱلتاريخ عنهم أنهم لم يدركوها. فكان ضياعها بفعل نقص ٱلإدراك لما ورد فى ٱلصحيفة ولما ورد فى ٱلرسالة. ٱلأمر ٱلذى رجع بٱلناس وشدَّهم إلى تجمّع كومونالى community. وقد نُشر مكانها مفاهيم تزعم إسلامًا لدينٍ تَبيَّن لنا من بعد ٱلنظر فيه أنَّه دين طاغوت مكّة ٱلكومونالى ٱلذى لا يقبل بأخر. بل يكفّره ويقضى بسفك دمه.
ثمَّ توجَّهناۤ إلى عمل أخر فى كتابنا "ما هو سبيل ٱللَّه؟" وقد جهدنا فيه لبيان دليل سبيل ٱللَّه ومتى يحقُّ ٱلقتال فى سبيله. وقلناۤ أنَّ ٱلذى يقاتل فى ٱلدين جاهل بدين ٱللَّه وجاهل بسبيله.

إلاۤ أنَّ ٱلمسألة بقيت فى دآئرة نظرية. ولم تصل إلى ماۤ أرجوه من تأثير. ولذلك رأيت فى ٱلمسآئل ٱلتىۤ أعلنتها مؤسسة ٱبن رشد محرضًا على ٱلمتابعة. وبدأت ٱلعمل فى هذا ٱلكتاب معززًا لأعمالى فى ٱلكتب ٱلثلاثة ٱلحكم ٱلرسولى وٱلصحيفة وما هو سبيل ٱللّه؟
وبهذا ٱلكتاب أعود إلى ٱلوقت ٱلذى بدأ منه ٱلإسلام ٱلتاريخى. ووسيلتى هى كتب تاريخ من صناعة بشر هم من رجال هذا ٱلإسلام ٱلذى بدأت سلطته من بعد موت ٱلنبى محمد.
وأنا بعرض مسئوليتى ٱلنظرية عمَّا رأيت (أنَّ ٱلإسلام ٱلسياسى وٱلتاريخى شىء يمثله مفهوم ٱلـ community. وأنَّ ٱلإسلام للَّه ربِّ ٱلعالمين شىء أخر يمثله مفهوم ٱلـ social contact) كان مأربى منه مخاطبة ٱلذين يستندون إلى سلوك ومواقف وأعمال وأقوال أشخاص من ٱلإسلام ٱلتاريخى. لعلَّ بعضهم يعيد ٱلنظر فى سنده ويصلح وجهة سبيله.

وكمصدر رئيس للشاهد ٱلتاريخى فقد ٱخترت كتاب ٱلسيرة لـ ٱبن هشام ٱلمتوفى عام 218 للهجرة 890 ميلادية. أى بعد 268 سنة ميلادية من وفاة ٱلنبى. وهو مصدر يعترف به أتباع أُوْلٰۤئك ٱلتاريخيين. وكان موقع ٱلشبيبة ٱلإسلامية ٱلمغربية http://www.achabibah.com على ٱلانترنيت. وكذلك موقع ٱلإسلام ٱلتابع لوزارة ٱلشؤون ٱلإسلامية وٱلدعوة وٱلإرشاد فى ٱلمملكة ٱلعربية ٱلسعودية http://hadith.al-islam.com قد سهلا علىَّ عمل ٱلبحث وٱلرجوع إلى ٱلشواهد. كما قصَّرا كثيرًا من ٱلوقت ٱلذى يستغرقه ذلك ٱلعمل فى ٱلكتب.
وأول ما لفت نظرى فى كتب ٱلتاريخ أنَّ أصحاب ٱلتاريخ ٱلإسلامى بدأوا زعمهم أقوالا كثيرة عن رسول ٱللَّه من بعد موته. ٱلأمر ٱلذى جعلنا نرىۤ أنهم جعلوه أبًا لهم على ٱلرُّغم من عربية ٱلبلاغ فى ٱلقرءان:
"ما كانَ مُحمَّد أَبآ أَحَدٍ مِن رِجَالِكُم ولٰكن رَسُولَ اللَّه وخَٰتَمَ ٱلنَّبيِّنَ"
40 ٱلأحزاب.
ومحمد علم من ربِّه أنَّ ٱلأب هو إبرٰهيم وقد طلب منه أن يتبع ملَّته:
"قُل إنَّى هَدـٰنى رَبِّى إلى صِرٰطٍ مُّستقيمٍ دينًا قِيَمًا مِلَّةَ إبرٰهيم حنيفًا وما كان من ٱلمشركين" 161 ٱلأنعام.
وقد تعاظم زعمهم فى زمن ٱلسلطة ٱلعباسية ٱلمتأخرة كثيرًا عن زمن ٱلرسول. وقد سمُّوا ما زعموا به من قول سنَّة له إلى جانب سنَّة ٱللَّه.
أما ميثاق دولة ٱلمدينة (دستورها) فلم يُذكر فى ٱلكتب ٱلتى زعم أصحابها بسنَّة للنبى. وقد تركوه بعيدًا عنها فى كتاب ٱبن إسحٰق. ومن بعده أخرج ٱبن هشام كتابه ٱلسيرة كبديل لكتاب ٱبن إسحاق ليضيع ٱلميثاق فى حشرِ ٱلأحداث ٱلتاريخية.
ولقد رأيت أنَّ ٱلعودة بٱلنظر إلى ورآء فى ٱلتاريخ لن تأتى من دون ٱلتعرض لسلوك ومواقف وأقوال أشخاص ٱلدولة أنفسهم ٱلذين خلفوا ٱلنبىّ فى ٱلسلطة. وهذا ٱلأمر لن يقارب ٱلحقَّ إذا بقى لدى ٱلناظر فى ٱلمسألة خوف من ٱلتعرض لهؤلآء ٱلأشخاص ٱلذين زعم ٱلإسلام ٱلتاريخى أنهم خلفآء راشدون. وقد صورهم بصورة من رضىَ ٱللَّه عنهم سندًا للبلاغ:
"وٱلسَّٰبقونَ ٱلأوَّلونَ مِنَ ٱلمهٰجرينَ وٱلأنصارِ وٱلَّذين ٱتَّبعُوهُم بِإحسَٰنٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عنهُم وَرَضُواْ عَنهُ وأعَدَّ لَهُم جَنَّٰتٍ تجرِى تَحتَها ٱلأنهَٰرُ خَٰلِدينَ فيهاۤ أَبَدًا ذَٰلِكَ ٱلفوزُ ٱلعظِيمُ" 100 ٱلتوبة.
وهذا ٱلأمر جعلنىۤ أفكر طويلا من قبل أن أتعرّض لما صوَّر ٱلمؤرخون لهم من سلوك ومواقف. إلاۤ أننى تذكرت ٱللَّه وبه تقويت "فٱللَّهُ أَحَقُّ أن تَخشَوهُ إن كُنتُم مُّؤمِنينَ".
وأقول أنَّ ما رأيته فى كتاب ٱلسيرة يبين لىۤ أنَّ ما حدث من بعد موت ٱلنبىّ لم يكن متابعة لماۤ أقامه من أسس لدولة ٱلمدينة. بل كان ٱنقلابًا سياسيًّا وعسكريًّا على دولة ٱلمدينة وميثاقها ٱلمنشور فى ٱلصحيفة بقوة ٱلسنَّة ٱلعامَّة من بعد ضياع ٱلسنَّة ٱلخاصَّة (وهى فيما ضربه ٱلنبى فى مثل ٱلحكم ٱلرسولى ٱلمدينى). ورجع ٱلانقلابيون بٱلناس إلى ٱلسلطة ٱلكومونالية كما كانت فى مكّة قبل فتحها.
فٱلذى وجدناه فى كتب ٱلتاريخ أنَّ ٱلحدث ٱلانقلابى ٱلذى جرى فى سقيفة بنى ساعدة كان عودة لسلطة دين مكَّة وٱلقوم قريش. وهى سلطة تزعم أنَّ ٱلدين هو دين ٱلقوم قريش.
وما سُطر من مفاهيم علىۤ أنها دين ٱللَّه من قبل ٱلسلطة ٱلتى جآءت بٱنقلاب ٱلسقيفة. أرىۤ أنَّه هو ٱلذى يمدّ ٱليوم أُوْلٰۤئك ٱلذين يزعمون ٱلدفاع عن ٱلدين بٱسم ٱلإسلام. وهم ٱلذين يشعلون نار ٱلحرب فىۤ أماكن متعددة من ٱلأرض بٱسمه. ومأربهم هو تعطيل لمسئولية ٱلفرد فى ٱختياره ٱلسير على سبيل ٱللَّه. وإرغامه على ٱلخضوع لسنَّة ٱلرَّبِّ ٱلعامَّة من دون إدراك ومن دون مسئولية فردية يحميها ٱلعهد وٱلميثاق.

وأتابع فى محاولتى ٱلجواب علىۤ بعض أسئلة مؤسسة ٱبن رشد فأقول أن ٱلديمقراطية وحرية ٱلفرد لم تكن ثمرة فكر بشرى قبل ٱلمثل ٱلمدينى. وتاريخ ٱلإمبراطوريات لم يكن إلا سجلا لأطوار كومونالية تجمّعية. تنتظر زيادة فى ٱلعلم وٱلمعرفة وٱلإدراك كانت تأتيها بوسيلة رُسل وأنبيآء إلىۤ أن كمل ٱلدين برسالة ٱللَّه ٱلقرءان.
وأن ميثاق ٱلمدينة ٱلمنشور فى ٱلصحيفة يبين أول ميثاق ديمقراطى صنعه نبىّ بهداية من ربِّه. وقد أسسه على مفهوم أنّ ٱلدين لاۤ إكراه ولا قتال فيه. وأنَّ ٱسم ٱلمدينة هو ٱسم ٱلدولة. ويرجع دليله إلى ٱلفعل "دَيَنَ" وٱلٱسم "دِين". ومنه ميثاقه "لآ إكراه فى ٱلدِّين" ٱلذى يبين للناس تعدد مناهجهم وشرآئعهم كما بيَّن ٱلبلاغ 48 ٱلمآئدة.
وبنظرنا فى ٱلصحيفة لم نجد تحديدًا لِّدين رئيس ٱلدولة ولا لدين ٱلدولة. بل فيها بيان ٱلتعددية ٱلدينية:
"للمسلمين دينهم ولليهود دينهم".
وتبين مراجعة ٱلنظر فى بنودهاۤ أنَّ ٱلَّذى يختاره ٱلناس فى دولة ٱلمدينة ليكون حاكمًا مدينيًّا يجب أن يكون من ٱلذين يدركون ويعلمون بٱلميراث وعليه ٱلتزام ٱلميثاق ٱلمدينى ٱلمخطوط فى ٱلصحيفة (دستورها). وأنَّ على ٱلناس أن يختاروا ٱلحاكم وفق ذلك ٱلميثاق وأن يسهروا على منع مخالفته وٱلعودة بهم إلى طور ٱلتجمع ٱلكومونالى.

لقد توصلت إلىۤ إدراك أنَّ ما جاۤء من بعد ٱلرسول كان عودة إلى ٱلكومونالية من بعد ضياع ٱلمثل ٱلمدينى. وٱلذى خلف ٱلمثل هو سلطة مكّيَّة جديدة. ومن رجالها مَن قاتلوا فى ٱلدِّين وأخرجوا ٱلناس من ديارهم. وقد نهى ٱللَّه عن قبول ولاية أىٍّ مِّنهم سوآء ءكان ٱستسلم لدولة ٱلمدينة أم ٱدعى ٱلتَّوبة أم كان صادق ٱلتَّوبة. وهذا ٱلأمر نرـٰه فى ٱلبلاغ ٱلعربى:
"إنَّما يَنهٰكُم ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذين قٰتلوكم فى ٱلدِّين وأخرجوكم من ديٰرِِكم وظٰهَرُواْ علىٰۤ إخراجِكم أن تَوَلَّوهُم ومَن يتوَلَّهُم فأُوْلٰۤئك هُمُ ٱلظَّٰلمونَ" 9 ٱلممتحنة.
وإنَّ ٱلَّذين تصدروا ٱلسلطة من بعد ٱنقلاب ٱلسقيفة كان منهم خالد ٱبن ٱلوليد وعمرو ٱبن ٱلعاص. وهما من ٱلَّذين نهىٰ ٱللَّه عن توليتهم لأنهما شاركا سلطة مكَّة فى قتالها فى ٱلدِّين وفىۤ إخراج ٱلناس من ديارهم. ولم يتوقفا عن فعل ٱلعدوان عند ذلك. بل تابعا ٱلعدوان إلى ديار ٱلهجرة. وٱستمر عدوانهما حتى هُزما فى ٱلحرب ٱلتى بدأها طاغوت مكّة.

أمَّا عن كتابة تاريخ جديد للدولة ٱلتى تهتدى بٱلإسلام للَّه ربِّ ٱلعالمين. فأرىۤ أنَّه يبدأ بإدراك ميثاق دولة ٱلمدينة. وفى قبوله وٱلشروع فىۤ إقامة ٱلدولة ٱلمدينية. ٱلتى يبين ميثاقهاۤ أنَّ أسس عدوَّ ٱلدولة هو فى ٱلمفهوم وٱلموقف ٱلقومى ٱلَّذى يبينه ٱسم قريش فى ٱلصحيفة.
فدولة ٱلمدينة لا تحمل ٱسم قومٍ. وهى دولة فيدرالية ينعم أفرادها بحرية ٱلعمل وٱلقول وٱلكفر وٱلإيمان. وكل مفهوم وموقف يخالف أسس ٱلعيش ٱلمدينى يمنعه تشريع دولة ٱلمدينة. بقوَّة ٱلإدراك وٱلعلم وٱلرُّشد.

أما ما ظهر لنا من كتاب ٱلسيرة فإنَّ ٱلإسلام ٱلتاريخى كان بدأ عودته إلى ٱلطور ٱلبدآئى ٱلكومونالى بسبب ضياع ميثاق دولة ٱلمدينة منه. وقد بدأ شأن ٱلقوم قريش يعلو ويشدُّ ٱلناس ليعيدهم عن سبيل دولة ٱلمدينة إلى سبيل ٱلسنَّة ٱلعامَّة وتجمعها ٱلكومونالى.
ثمَّ بدأ عدوانه على دول قبيلية كانت قد أعلنت ٱنسحابها من ٱلدولة من بعد ٱلانقلاب وضياع ٱلميثاق.
وقد سمَّى ٱلمعتدى حروبه حروب ٱلرَّدة. وهى حروب فى ٱلدِّين كان قد بدأها طاغوت مكَّة ضد ٱلرَّسول وأتباعه. وقد عاد إليها بزعم دين ٱلإسلام علىۤ أنَّه دين قريش.
وقد أظهر لنا فعله سببَ ٱلنَّهى عن تولية ٱلَّذين يقاتلون فى ٱلدِّين. وهو ما نرـٰه فى ٱلمثل ٱلسَّآئر "مَن شَبَّ على شىءٍ شابَ عليه".
وهؤلآء هم ٱلَّذين أعلنوا من ساعة ٱنقلابهم ما يعرف ٱليوم بٱسم قانون ٱلطوارئ. وبه قتلوا من خالفهم أو ٱحتج علىۤ أفعالهم. كما يجرى ٱليوم تحت ٱلمفهوم ٱلمتوحش هدر ٱلدَّم.

وأقول متابعًا محاولتى فى ٱلجواب على بعض أسئلة مؤسسة ٱبن رشد أننا لن نرى حكمًا مدينيًّا (ديمقراطيًّا) فى ديارناۤ إلى جانب مفاهيم ٱلقومية وٱلتاريخ ٱلإسلامى. وعليناۤ إن أردنا ٱلعيش فى ديار تنعم بٱلمدينيَّة ٱلرسولية أن نغيِّر ما فىۤ أنفسنا من دين مكَّة وقومها قريش. وأن نتوقف عن ٱلسير على طريق دين ٱلأبآء ٱلجاهلين. تعيننا فى ذلك قوَّة مفهوم ٱلمدينة ٱلذى ضربه رسول ٱللَّه مثلا مبصرًا للناس فى دولة ٱلمدينة ٱلمنورة.
وأناۤ أرىۤ أنَّ ذلك لن يكون لنا بما يبينه ٱلقرءان عن قوم ٱلرسول وبلسان ٱلرسول يوم ٱلقيامة:
"وقال ٱلرّسولُ يَـٰرَبِّ إنّ قومى ٱتَّخَذُواْ هٰذا ٱلقرءانَ مَهجُورًا" 30 ٱلفرقان.
ويسند ذلك بيان حال قومه ٱلمقمحون:
"يسۤ(1) وَﭐلقرءَانِ ﭐلحَكِيمِ(2) إِنَّكَ لَمِنَ ﭐلمُرسَلِينَ(3) علىٰ صِرَٰطٍٍ مُّستَقِيمٍ(4) تَنزِيلَ ﭐلعَزِيزِ ﭐلرَّحِيمِ(5) لِتُنذِرَ قَومًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُم فَهُم غَـٰفِلُونَ(6) لَقَد حََقَّ ﭐلقَولُ عَلَىٰۤ أَكثَرِهِم فَهُم لا يُؤمِنُونَ(7) إِنَّا جَعَلنَا فِىۤ أَعنَـٰقِهِم أَغلَـٰلا فَهِىَ إلى ﭐلأذقانِ فهم مُقمَحُونَ(8) وجعلنا مِن بَينِ أيدِيهِم سَدًّا ومِن خلفِهِم سَدًّا فأغشَينَـٰٰهم فَهُم لا يُبصِرُونَ(9) وَسَوَآء عَليهِم ءََأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنُونَ(10)" يسۤ.

وأقول أنَّ موقف شعوبنا (ٱلتى يضللها ٱلمفهوم ٱلقومى ومفهوم ٱلإسلام لدين مكَّة) يجعلها لن تشارك فى مستقبل ٱلإنسانية ما لم يغيِّر أفرادها ما فى ٱلنفوس من مفاهيم متخلفة وجاهلة.
وأرى فى ٱلكثير من أفكار ومواقف ٱلمفكرين ٱلَّذين يسمُّون أنفسهم بٱسم ٱلعلمانية موقفًا كوموناليًّا كما هو دين مكَّة وقومها قريش. وهم فيما يقدمونه للناس من مفاهيم وأفكار تشبه ما يقدمه كهنوت طاغوت مكَّة من فتاوى تزعم دينًا مِّن عند ٱللَّه.
كمآ أرىۤ أنَّ سبب موقف شعوبنا هذاۤ أنَّ وسيلة ٱلإدراك ٱلمهيمنة على تفكيرهم هى لسان ٱللُّغة ٱلفصحى (وهو لسان ٱلذين كفروا ولغوا وما يزالون فى لغوهم فى بلاغ ٱلقرءان ٱلعربى). ولكى يصير إدراكنا موافقًا لِّلحقِّ يجب ٱستبدال هذه ٱلوسيلة ٱللاغية. فإن لم يكن ٱلاستبدال بلسان ٱلقرءان ٱلعربى فليكن بلسان ٱلعامَّة وخطٍّ مفروق يناسبه.

وأرىۤ أن أذكر هناۤ أننى فى جميع أعمالى ٱعتمدت على ٱلشاهد ٱلعلمى من بحوث علمآء ٱلفيزيآء وٱلبيولوجيا وعلى ٱلبلاغ ٱلعربى (ٱلقرءان) من دون شاهد تاريخى. ٱلأمر ٱلذى جعل ٱلدكتور طيب تيزينى يقول صوابًا فيما قدمه لكتابى "أنبآء ٱلقرءان":
(ويلاحظ أن الباحث أنتج كتابه متجنّباً، على نحو كلي، الخوض في السياق التاريخي للمقولات والمفاهيم والبيانات، التي أتى عليها).
وٱلحقُّ أننى تجنبت ٱلتاريخ بسبب خلوّه من ٱلعلم وبسبب تأثير ٱلسلطة ٱلكومونالية فى نسجه. ولأنَّه ليس علمًا كما هى ٱلفيزيآء.
فقد رأيت فى بيان ٱللَّه ٱلقرءان أنَّه بيان عن ٱلتكوين وسنَّة جريانه. وأنَّ ٱلعقل بين بلاغه وبلاغ ٱلعلم يغنى ٱلناظر عن ما قاله ٱلبشر فى ٱلتاريخ.
وكنت بتلاوتى للكتب ٱلشارحة وٱلمفسرة للقرءان وجدت فيهاۤ إدراك كلٍّ من ٱلشارح وٱلمفسر بما ٱمتلك من علم فى ٱلتكوين لاۤ أكثر. وعمل أىٍّ منهم لم يكن أكثر من جعلٍ (ترجمة) لبيان ٱللَّه إلى ٱللُّغة ٱلفصحى كماۤ أدركه. وأنا لا ولن أقبله كبديل لبيان ٱللَّه. وهذا جعلنىۤ أعمل بعزلة عن ٱلتاريخ وأتوجَّه إلى عمل علمآء ٱلفيزيآء وٱلبيولوجيا لأعقل بينه وبين بلاغ ٱللَّه.

وٱلحقُّ أننا لم نهتدِ حتى ٱلأن إلى نشر منهاجنا هذا بين ٱلمفكرين من أبنآء ٱللّغة ٱلفصحى بٱلصورة ٱلتى نريد. وهو منهاج يستند إلى لسان ٱلقرءان. وتعثر تلاوته على ٱلكثيرين من دون جعل صورة له فى ٱللُّغة ٱلفصحى توافق ما ٱكتسبوه بوسآئلها. وهذا يجعل أعمالنا وكأنهاۤ أجنبية ٱلِّسان. ومن يتلوها يحتاج إلى ٱلعلم بلسانها (ترجمة).
ولعلَّ ٱلعامل على مسألة ٱلفرق بين لسان ٱلقرءان ٱلعربى ولسان ٱللّغة ٱلفصحى كان وما يزال من ٱلأمور ٱلتى تلحُّ علىَّ فى كلِّ وقت. وقد ساند ذلك طلب ٱلكثيرين من ٱلأصدقآء بعد أن صدر لى عدد من ٱلكتب ٱلتى تثير ٱلمسألة ٱلخلافية بين ٱلِّسانين من دون أن تؤسس منهاجًا يحدِّد ٱلحدود بينهما.
وقد يكون تأسيس ٱلمنهاج من ٱلأمور ٱلصعبة ٱلتى تحتاج لعدد أكبر من ٱلأعمال قبل أن يبدأ عمل ٱلتأسيس. فكلُّ عمل يأتى على عجلٍ سيكون عِجلاً لا كمال فيه.
وهذا يجعلنا نتابع ٱلعمل على ٱلمسألة فىۤ أعمال متلاحقة. ٱلجامع بينها هو عرض ٱلخلاف بين لسان ٱلقرءان ٱلعربى ولسان ٱللّغة ٱلفصحىۤ. إلى جانب ٱلعمل على مسألة ٱستقرار نبإ ٱلقرءان فى محراب ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين.

إلاۤ أنَّ عملنا فى هذا ٱلكتاب يخرج عن أسلوبنا فىۤ أعمالنا ٱلسابقة ويأخذ من ٱلتاريخ شاهده. وفيه عرض لمفاهيم وسلوك رجال كان بعضهم قد هاجر إلى يثرب من دياره مكّة وٱشترك فى سلطة دولة ٱلمدينة ٱلتىۤ أسسها رسول ٱللّه فيها. ورجال كانوا قد رحلوۤا إليها من بعد ظهور قوتها طلبًا للسلامة وطلبًا لِّلنفوذ.
ومن هؤلآء ٱلرجال عمر ٱبن ٱلخطاب وعبد ٱللّه ٱبن قحافة وخالد ٱبن ٱلوليد وعمرو ٱبن ٱلعاص. وهم ٱلذين خلفوا فى مواقع ٱلسلطة وٱلقوّة فى ٱلدولة من بعد وفاة ٱلنبى. وبأقوالهم وأفعالهم بدأ ٱلإسلام ٱلتاريخى خطواته ٱلأولى. وقد صورهم مؤرخوا ٱلسلطة فيما بعد كحجارة أساس فى بنآء دين ٱلإسلام ٱلسياسى ٱلذى يملأ ٱلأرض صياحًا فى يومنا هذا.

لقد نظرنا فيما زعم ٱلمؤرخون من أقوال وأفعال لهؤلآء ٱلرجال. ونحن بما وصلناۤ إليه من ٱستنباط وأحكام يتعلق بٱلصورة ٱلتى تركها ٱلمؤرخ لناۤ. أمَّا ٱلحقّ فنعلم أنَّ ٱللَّه وحده هو ٱلذى يعلم به. فما قاله ٱلمؤرخ ٱلسلطوى هو ٱلذى ننظر فيه. وهو ٱلذى نعرض له ونعقله بما علمناه من كتاب ٱللَّه. وإنّ أحكامنا علىۤ أقوال وأفعال هؤلآء ٱلرجال هىۤ أحكام على صورهم ٱلتى تظهر فى كتب ٱلمؤرخين. وهى ٱلتى يستند إليها ٱلإسلام ٱلسياسى ٱليوم. فى زعمه دين ٱللَّه. وفى قتاله فى ٱلدين. وفى تعطيله سلوك ٱلناس على سبيل ٱللَّه.
ونحن إذ نعود إلى تلك ٱلصور وننظر فيها لا نريد أن يكون عملنا هذا منهاجًا نخالف فيه أمر ٱللَّه:
"ولا يلتفت منكم أحد" 81 هود.
وما نريده من عملنا هو ٱلبيان أنَّ ما يستند إليه ٱلإسلام ٱلتاريخى وٱلسياسى ليس دين ٱللَّه ٱلمبيّن فى كتابه ٱلعربى ٱلِّسان. وأنَّ ٱلسلطة ٱلتى يسعىۤ إليها هى سلطة طاغوت مكَّة ٱلكومونالية عدو دولة ٱلمدينة ذات ٱلحكم ٱلرسولى.

وما رأيناه فى سيرة ٱبن هشام هو مشاركة رجالٍ مِّن ٱلمهاجرين فى ٱنقلاب سقيفة بنى ساعدة. وكان أبرز ٱلمشاركين فى ذلك هو ٱلمهاجر عمر ٱبن ٱلخطاب ومعه من ٱلمهاجرين أبو بكر.
ونرى من صور أفعالهما وسلوكهما ٱلوصفية فى كتاب ٱلسيرة أنَّ فعل كلٍّ منهما كان تحت تأثير مفهوم ٱلقوم وطمع جاهلى بٱلسلطة. وهذا يبين أنَّهما لم يدركا ٱلمثل ٱلمدينى ولا ميثاقه.
كما رأينا فى ٱلسيرة سكوت ٱلكثيرين من ٱلمهاجرين عن هذا ٱلفعل. بل شاركوا فى ٱلسلطة ٱلمكَّيَّة ٱلجديدة ينتظرون علوَّ شأنهم فيها ومنهم على ٱبن أبى طالب.
وما ظهر لنا فى ٱلسيرة من صراع على ٱلسلطة وٱلثروة يبيِّن سلطة جاهلين بٱلمثل ٱلرسولى. وقد أضاع هؤلآء ٱلرجال ميثاق دولة ٱلمدينة.

ونرى أن نبيِّن أنَّ كتاب ٱللَّه ٱلقرءان لم يصنعه تاريخ ٱلإنسان. بل هو فعل للَّه جعله بيانًا بلسان ٱلناس وأرسله لهم ليهديهم فى صنع تاريخهم إن أرادوا هم ذلك.
وقد رأيناۤ أنَّ على ٱلإنسان ٱلرَّشيد أن يصنع تاريخه من دون مخالفة لبيان ٱللَّه كما فعل ٱلأب إبراهيم:
"ولقد ءَاتينآ إبرٰهِيمَ رُشدَهُ مِن قَبلُ وكنَّا بهِ عٰلِمِينَ" 51 ٱلأنبيآء.
وبٱلرُّشد وصل إبرٰهيم إلى ٱطمئنان قلبه:
"وإذ قال إبرٰهِمُ ربِّ أَرِنِى كيف تُحِى ﭐلموتى قال أوَلَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبى" 260 ٱلبقرة.

إذن ٱلتاريخ من صناعة ٱلناس. ونظرنا فى صناعتهم سينجم عنه موقف لنا نعرضه فى هذا ٱلكتاب.







مقدمات ٱلحدث

فى سنة 622 ميلادية قامت دولة فى يثرب سندًا لعهدٍ وميثاقٍ بين أهلها وبين ٱلنبى محمد ومعه مَن هاجر من قومه إليها. وفيها فُتح سبيل ٱللَّه أمام ٱلناس بقوَّة عهد وميثاق فعلت فى تكوينهما هداية ٱللَّه لرسوله. وقد سُميَّت هذه ٱلدولة بفعل ٱلهداية بٱسم ٱلمدينة. وهو ما تدل عليه فى لسان ٱلانكليز كلمة civility (ٱلرفعة فى ٱلذوق وٱلعلم وٱلمعرفة وٱللطف وٱلسلوك وٱلتفكير).
فهل أراد ٱلمتعاهدون هذا ٱلدليل من ٱسم ٱلدولة ؟

لقد جآء فى ميثاق ٱلدولة (ٱلصحيفة) ما يبين أنَّ مناهج ٱلناس فى ٱلدين ليست واحدة:
"للمسلمين دينهم ولليهود دينهم".
وهذا يبين أنَّ ٱلدولة لا تقوم على مفهوم سلطة دين واحد وهى لا تنكر على ٱلناس تعدد مناهج أديانهم.
هذا ٱلمفهوم لم يصل ٱلناس إلىۤ إدراكه إلا من بعد ماۤ أعلنت هيئة ٱلأمم ٱلمتحدة ٱلعهد ٱلدولى ٱلخاص بٱلحقوق ٱلمدنية وٱلسياسية .
فمن أين أتى هذا ٱلمفهوم إلى رجال دولة ٱلمدينة وفى ذلك ٱلوقت ٱلمبكر ؟
لقد بدأ محمد دعوته إلى هذا ٱلمفهوم ٱلمدينى بفعل ما ينزل على قلبه من وحى. ومنه سورة ٱلكفرين وتسلسل نزولها هو 18.
وهو بدأ يطلب حرية ٱلدين للناس وفقًا لما ورد فيها "لكم دينكم ولى دينِ".
وقد جآء قولى فى كتابى ٱلحكم ٱلرسولى أنَّ أتباع محمد لم يكونوۤا أتباع دينٍ محدد. بل هم لم يدركوا ما فى ٱلقرءان. ومَّا زال تنزيله فى بدايته ولم يكتمل إلا من بعد مرور ٱثنين وعشرين عامًا.
وأرىۤ أنهم كانوا جميعهم أتباع ٱلحرية فى ٱلرأى وفى ٱلدين بمستويات فهم مختلفة تعود إلى مكونات ٱلفرد ٱلمعرفية وٱلعلمية ٱلمتعلقة بمسألة ٱلحرية.

أمَّا ملأ مكَّة وهم سادتها. فقد ٱمتنعوا عن إجابة هذا ٱلطلب. بل جعلهم خوفهم منه يصرُّون على ٱلتمسّك بفاهيم مجتمعهم ٱلبدآئىّ community. وبذلك بدأ فعل ٱلتضييق علىۤ محمد وعلىۤ أتباعه حتى بلغ ٱلأمر حدًّا يصعب عليهم مواصلة عيشهم فى ديارهم. فخرج أكثر أتباعه مهاجرين أول مرة إلى ٱلحبشة وفى ٱلمرة ٱلثانية إلى يثرب.

وما نرـٰه فى ٱلهجرة أنّ دافع ٱلبشر إليها بٱلأمس هو مثله ٱليوم. فهو يرجع لأسباب متعددة. منها ما هو طلب للعيش وٱلعمل وٱلعلم. ومنها ما هو هرب من بطش ٱلطاغوت بسبب موقف يخالفه.
أمَّا هجرة ٱلنبى محمد من ديار قومه فقد حدثت لأمر أخر. وكان ٱلنزاع ٱلمغلق بين أهل يثرب هو ٱلمدخل للنبى فى هجرته من بعد مفاوضات له مع وفود من يثرب. وقد جرى بينه وبينهم تفاهم على حل ٱلنزاع وإقامة دولة وفق عهد وميثاق ٱجتماعى social contact.
وقد ظهر هذا ٱلميثاق فى بنود ٱلصحيفة. مبينًا أنَّ ٱلدولة فيدرالية وديمقراطية. وأنَّ حرية ٱلفرد وحقَّه فى ٱلعيش هى مسئوليته من دون إكراه له فى موقف من ٱلمواقف.
ولم يكن ذلك ٱلعهد لإقامة دولة دين واحد كما يفهم ٱلإسلام ٱلسياسى بٱلأمس وٱليوم. ولو كان ٱلنبى يصنع دولة دين واحد لما كان ٱلأمر يدعوۤاْ إلى هجرته من ٱلديار. ودولة ٱلدين ٱلواحد هى دولة إكراه للناس وهى قآئمة فى مكَّة وقد أكرهت ٱلناس على طاعة دينهاۤ أو ٱلموت أو ٱلهجرة.

لم تقبل قريش بمثل هذا ٱلحدث ٱلجارى فى ٱلمدينة وعلى رأسه محمد. وقد رأت فيه خطرًا على مصالحها وعلى سلطتها وعلى تحالفاتها مع ٱلكثير من ٱلدول ٱلقبيلية ٱلكومونالية فى شبه ٱلجزيرة ٱلشاميَّة. فباشرت سعيهآ إلى محاصرته وقتله من قبل أن يقوى وينتشر.
وبسبب موقف قريش هذا كانت حروب على فترة ثمانية أعوام متعددة بين مكّة وحلفآئها من طرف. وبين ٱلمدينة وحلفآئها من ٱلطرف ٱلأخر. وقد ٱنتصرت ٱلمدينة فىۤ أكثر ٱلمواقع ٱلحربية ٱنتصارات لم تُنهِ ٱلحرب بين ٱلفريقين إلا من بعد فتح مكَّة.
ويذكر ٱبن هشام فى سيرته إصرار ملإ مكّة على متابعتهم ٱلحرب على محمد وأصحابه وقتلهم جميعًا من بعد موقعة أُحد ٱلحربية. وهو يذكر عن صخر ٱبن حرب (أبو سفيان) قوله:
"وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأُحَمّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا نَعَمْ؟ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجْمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

وقد كان لنصر قريش ٱلمحدود على جيش ٱلمدينة فى موقعة أُحد سببًا مغريًا للقيام بٱلهجوم على ٱلمدينة وضرب حصار حولها. وقد ٱشتهرت تلك ٱلحرب بٱسم ٱلخندق ٱلذى حفرته ٱلمدينة حولها لتدافع عن نفسها من ورآئه. وقد هزمت ٱلمدينة ٱلمهاجمين. وبذلك ٱنقلب ميزان ٱلقوّة ٱلسياسى وٱلعسكرى لصالحها.
وبعد ٱنتصار ٱلمدينة فى موقعة ٱلخندق توسع نفوذها فى مواقع متعددة فى شبه ٱلجزيرة ٱلشامية. ٱلأمر ٱلذى دفع قريش ٱلمعتدية لقبول معاهدة صلح مع دولة ٱلمدينة. وقد عرفت هذه ٱلمعاهدة بصلح ٱلحديبية. وقد ضمت تلك ٱلمعاهدة (كما يذكر ٱبن هشام) ما يلى:
"أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه".
ويظهر من هذا ٱلعهد أنَّ مفهوم سورة ٱلكافرين "لكم دينكم ولى دينِ" قد تحقق نصره بفعل قوَّة دولة ٱلمدينة لا بفعل إدراك قوم مكَّة قريش له.
ويبين موقفها من هذا ٱلمفهوم ٱلمدينى نقضها لهذه ٱلمعاهدة بعدوانها على خزاعة حليفة دولة ٱلمدينة. وكان نقضها لمعاهدة ٱلصلح هو ٱلسبب ٱلذى جعل ٱلنبى يعدّ لحرب حاسمة علىۤ أرض مكَّة نفسها.
وكان ٱلبعض من ملإ مكَّة قد رأى قبل صلح ٱلحديبية تعاظم قوة دولة ٱلمدينة من بعد موقعة ٱلخندق. فبدأ يعمل على حفظ نفسه وماله. وراح كلُّ واحد يسعى بمفرده يطلب ٱلأمن لنفسه وأهل بيته. ٱلأمر ٱلذى جعل معاهدة صلح ٱلحديبية ممكنة.
وكان أول من فعل ذلك هو أبو سفيان ٱبن حرب ثمّ لحق به كلّ من خالد ٱبن ٱلوليد وعمرو ٱبن ٱلعاص وغيرهم.

ويذكر ٱبن هشام كيف ٱنتقل عمرو ٱبن ٱلعاص إلى صفوف دولة ٱلمدينة من بعد ما توكَّد أنَّ ٱلنصر سيكون حليفها وأنَّ ٱلأرض قد ضاقت عليه. فيقول ناقلا عن ٱبن ٱسحاق:
"قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي عن حبيب بن أبي أوس الثقفي قال حدثني عمرو بن العاص من فيه قال (عمرو) لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش، كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا، وإني قد رأيت أمرا، فما ترون فيه ؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا خير قالوا: إن هذا الرأي قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم. فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه".
وعن سؤاله ٱلنجاشى فى قتل رسولٍ إليه من ٱلنبى محمد يذكر ٱبن هشام عن لسان عمرو ٱبن ٱلعاص:
"فوا لله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه. قال فدخل عليه ثم خرج من عنده. قال فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد. قال فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي، أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال قلت: نعم أيها الملك قد أهديت إليك أدما كثيرا; قال ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلت له أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا".
وكان رد ٱلنجاشى عليه بوكزة شديدة على أنفه:
"قال فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه. ثم قلت له أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. قال أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟. قال قلت: أيها الملك أكذاك هو ؟ قال ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده قال قلت: أفتبايعني له على الإسلام ؟ قال نعم. فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه وكتمت أصحابي إسلامي".
وهكذاۤ أدرك عمرو ٱبن ٱلعاص أنّ ٱلأرض تضيق عليه. وأنَّ عليه أن يجد لنفسه مخرجًا. وقد أعانه عليه ٱلنجاشى بعد تلك ٱلوكزة ٱلشديدة ٱلتى ظنّها كسرت أنفه.

وعن ٱجتماع عمرو ٱبن ٱلعاص مع خالد ٱبن ٱلوليد وهو متوجَّه إلى رسول ٱللَّه يذكر ٱبن هشام:
"ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال والله لقد استقام المنسم وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم فحتى متى; قال قلت: والله ما جئت إلا لأسلم. قال فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عمرو، بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها". قال فبايعته، ثم انصرفت. قال ابن هشام: ويقال فإن الإسلام يحت ما كان قبله وإن الهجرة تحت ما كان قبلها".

ونحن نرى فى قول ٱبن هشام ٱلمتعلق بجواب رسول ٱللَّه حول مسألة ٱلهجرة. أنَّ ٱلهجرة بٱلنسبة للرجلين هى فى توقفهما عن ٱلقتال فى صفوف قريش. وقد قبل ٱلنبى منهما ذلك وغفر لهما ما فعلاه سابقًا. وبذلك فإنَّ هجرتهماۤ إلى ٱلمدينة لم تكن إلا ٱستسلامًا.
وقد كان ٱلرجلان يتابعان ٱلقتال فى ٱلدين حتى هزيمتهما فى موقعة ٱلخندق. وقد أتيا ٱلمدينة يطلبان ٱلنجاة لنفسيهما لاۤ أكثر.
ولم نرَ فيما ذكره ٱبن هشام عنهماۤ أنَّ ٱلإيمان هو ٱلذى دفعهماۤ إلى ذلك. وإنَّ سلوك كلّ من ٱلرجلين من بعد ٱلاستسلام لم يتبدل بتأثير ٱلمفاهيم ٱلتى جعلتهما يحاربان دولة ٱلمدينة حتى جآءا مستسلمين إليها.
ونستنبط من سيرة ٱبن هشام ٱلمتعلقة بٱلرجلين أنَّ خالدًا وهو رجل مقاتل قد علم أنَّ ٱلحرب قد حُسمت فى موقعة ٱلخندق. وأن مسألة دخول جيش ٱلمدينة إلى مكَّة ما هىۤ إلا مسألة وقت ليس بٱلبعيد. وقد ذكر ٱبن هشام أنَّه قريب لزوج ٱلنبى ميمونة ٱبنت ٱلحارث فهى خالته:
"أمه لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية, أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخت لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبد المطلب وعثمان بن طلحة, فسر به النبي صلى الله عليه وسلم وولاه الخيل. شهد وقعة مؤتة وتولى قيادة الجيش بعد مقتل قادته: زيد بن الحارثة, ثم جعفر ابن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة شهد فتح مكة وهدم العزى".
أمَّا عمرو ٱبن ٱلعاص فقد ذكر ٱبن هشام كيف هرب إلى ٱلحبشة خوفًا ممَّا يرى "أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا". كما ذكر كيف أثر فيه موقف ٱلنجاشى.

وهذين ٱلرجلين كان أبويهماۤ أول من وقف فى وجه دعوة ٱلرسول فى قومه قريش كما يذكر ٱبن هشام:
"قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني- حتى ذكر آلهتهم وعابها; فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء. فلما رأت قريش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. قال ابن هشام: واسم أبي سفيان صخر. قال ابن إسحاق: وأبو البختري واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. قال ابن هشام: أبو البختري العاص بن هاشم. قال ابن إسحاق: والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وأبو جهل - واسمه عمرو، وكان يكنى أبا الحكم - بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي. والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي. ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. والعاص بن وائل. قال ابن هشام: العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي".
وما ذكره ٱبن هشام يبيِّن أنَّ والد كلٍّ من خالد وعمرو كانا على رأس قومهما فى ممانعة ٱلرسول فى دعوته إلى مجتمع مدينىّ. وقد تابع ولداهما ٱلعدوان على محمد وأتباعه (فى مكَّة وفى مهجرهم) حتى هزيمتهما فى موقعة ٱلخندق.
وما رأيناه من ذكر لعمل هذين ٱلرجلين من بعد فتح مكَّة يبين أنَّ ما فى نفس كلٍّ منهما لم يتغير. وقد توجه كلّ منهما لاستعادة موقع له فى ٱلسلطة ٱلتى ضاعت منه قبل فتح مكَّة.
وكان ٱلنبى قد ٱستعمل خالد ٱبن ٱلوليد فىۤ أمر رعاية ٱلخيل "وولاه الخيل" كما يذكر ٱبن هشام. ولم يُسند إليه عمل ذو شأن فى زمن ٱلنبى.
أمَّا ما يقوله ٱبن هشام من أنَّه:
"شهد وقعة مؤتة وتولى قيادة الجيش بعد مقتل قادته: زيد بن الحارثة, ثم جعفر ابن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة شهد فتح مكة وهدم العزى".
فيمكن أن يكون ٱلنبى قد ٱستعمله على رأس كتيبة من ٱلجيش أثنآء فتح مكَّة. ليس بفعل ٱلثقة به. وقد يكون للتأثير على نفوس ٱلمكيين ومنعهم من ٱلقتال عندما يشاهدون أحد أبرز أمرآء جيش مكّة على رأس كتيبة من جيش ٱلمدينة.
أمَّاۤ أن يكون قد ٱستعمله فىۤ أعمال مثل تلك ٱلأعمال ٱلتى ذكرها ٱبن هشام فهو أمر لا يُصدَّق وبين يدى ٱلنبى نهى من ٱللَّه عن تولية مَن قاتل فى ٱلدين:
"إنَّما يَنهٰكُم ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذين قٰتلوكم فى ٱلدِّين وأخرجوكم من ديٰرِِكم وظٰهَرُواْ علىٰۤ إخراجِكم أن تَوَلَّوهُم ومَن يتوَلَّهُم فأُوْلٰۤئك هُمُ ٱلظَّٰلمونَ" 9 ٱلممتحنة.
فإذا ظهرت مخالفة لهذا ٱلأمر من بعد ٱلنبى فإنَّ ٱلمخالف يستطيع أن ينسب كلَّ ٱلفضل لنفسه ولمن شاركه فى ٱلمخالفة. وقد كثرت ٱلمخالفات للصحيفة من لحظة موت ٱلنبى ومن قبل أن يدفن بفعل نقص ٱلعلم بمفاهيمها ٱلمدينية. بل إنَّ ما نرـٰه هو نقض لها وٱنقلاب عليها وعلى ٱلدولة ٱلرسولية بعد أن ٱنتقلت جميع ٱلسلطة إلى قريش عدو دولة ٱلمدينة. وقد حدث ذلك عند ٱلخلف بسبب ضياع مفهوم ٱلمدينة بموت ٱلنبى.

وعن سلوك ومفاهيم خالد يذكر ٱبن هشام بعضًا منه نقلا عن ٱبن إسحاق:
"قال ابن إسحاق: وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل, ولم يأمرهم بقتال. وكان ممن بعث خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا فوطئ بني جذيمة. فأصاب منهم".
"قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب سليم بن منصور ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال "لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا. قال فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح ووضعت الحرب وأمن الناس. فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد. "قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم عن أبي جعفر محمد بن علي، قال فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا، ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد".
وهذا يبين أنَّ ٱلرجل لم يجعله ٱستسلامه قبل فتح مكّة مؤمنا بمفاهيم ٱلمدينة. وما فعله مع ٱلمستسلمين من بنى جذيمة هو فعل جاهلى مخالف للبعثة ٱلتى كلفه بها ٱلنبىّ داعيًّا لا مقاتلا. وقد طلب ٱلنبى لنفسه ٱلبرآءة من ربِّه من هذا ٱلفعل ٱلجاهل. وقد دفع ٱلنبى لبنى جذيمة دية قتلاهم.
وسيأتى عرض لما ذكره ٱبن هشام عن خالد من بعد موت ٱلنبىّ فى بحث ٱلانقلاب.


















ٱلانقلاب

ما نرـٰه أنَّه لا يمكن ٱلاطمئنان إلى قولٍ يرىۤ أن ٱلمهاجرين ٱلأوآئل كانوا مؤمنين جميعهم بماۤ أرسله ٱللَّه. ولا بما تعاهد وتواثق ٱلنبى وأهل يثرب عليه فى ٱلصحيفة. وذلك بسبب ٱختلاف مكونات تفكير كل فرد منهم وٱهتمامه. من قبل ٱلهجرة ومن بعدها.
وأكثرهم على ٱلرغم من كونه هاجر من موطنه هربًا من طاغوته. إلاۤ أنهم ليسوا سوآء فى فهم مسألة ميثاق دولة ٱلمدينة. أو فى فهم ما ينشره ٱلرسول من ٱلرسالة فى حديثه من مثل:
"لاۤ إكراه فى ٱلدين".
و"لكم دينكم ولى دينِ"؟
و"لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً ومِنهاجًا ولو شَآء ٱللَّه لَجعَلَكُم أُمَّةً وٰحِدةً ولكن لِيبلُوَكُم فى مآ ءَاتٰٰكُم فاستَبِقُواْ ٱلخيراتِ إلى ٱللَّه مرجِعُكُم جَمِيعاً فَيُنبِئُكُم بِمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُون".

وهو ما نرى مثله ٱليوم فيما يتخذه ٱلمهاجرون من بلادنا من مواقف. بسبب ما يطلبه ٱلغرب من تغيير فىۤ منهاج سلطات بلادنا ٱلإكراهية. فبعض ٱلمهاجرين ينادى بٱلتغيير ويتحالف مع ٱلغرب فى طلب ٱلتغيير. وبعض أخر ينادى بٱلتغيير ويتشدد لوجهة قومه ودينهم فى موقفه ضد ٱلغرب وطلبه. وبعض ثالث يكتم ما فى نفسه.
وأكثر أصحاب ٱلمواقف ٱلثلاثة هم من ٱلمهاجرين بسبب ضيق ٱلعيش على ٱختلافه فى ديارهم ٱلقومية.
وهم على ٱلرغم من مواقف كلٍّ منهم من أسلوب ٱلسلطة ومنهاجها فى دياره. إلاۤ أنّ إدراك كلٍّ منهم لمسألة ٱلحرية ٱلفردية يختلف عن ٱلأخر.
هذا ٱلأمر يجعلنا نرىۤ أنَّ ٱلهجرة وحدها لا تكفى لمنح ٱلذى هاجر بٱلأمس ٱسم مؤمن بمفاهيم ٱلمدينة وٱلذى يهاجر ٱليوم ٱسم ديمقراطى. وكلاهما لا يسعى لإقامة مجتمع مدينىّ بعهد وميثاق على مفهوم "لاۤ إكراه فى ٱلدين". ولا ديمقراطى يخضع لدستور يوافق ٱلعهد ٱلدولى ٱلخاص بٱلحقوق ٱلمدنية وٱلسياسية للفرد.

بهذا ٱلمفهوم ننظر فيما قاله وسلكه بعض ٱلمهاجرين من قريش إلى يثرب. ووسيلتنا فى ٱلنظر هى ذاكرة بشرية تزعم أنها لم تنسى ما قاله وفعله هؤلآء ٱلرجال. وكان قد مضى على ٱلحدث أكثر من 200 عام. وقد سجلت لهم أقوالأ وأفعالأ يتمسك بها ويتبعها ٱلإسلام ٱلسياسى وٱلتاريخى فى يومنا هذا.
وقبل أن نبدأ نظرنا فيما قالوه وفيما فعلوه نتلو بلاغ ٱلقرءان وفيه إعلام للنبى عن ٱلمنافقين:
"وممن حولكم من ٱلأعراب منٰفقون ومن أهل ٱلمدينة مردواْ على ٱلنفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردُّون إلى عذاب عظيم" 101 ٱلتوبة.
ٱلنبى لا يعلم ما فى ٱلأنفس لكنّ ٱللَّه يعلم. وٱلنفاق هو فعل ذو وجهين متناقضين ومتخالفين. فما يعلنه ٱلمنافق يناقضه بما يخفيه فى نفسه ويعمل عليه فى ٱلخفآء. وٱلمنافقون حول ٱلنبى هم من ٱلأعراب ومن أهل ٱلمدينة. وٱلنبىّ لا يعلم من هم ٱلمنافقون.
كماۤ أنَّ بلاغ ٱللَّه 101 ٱلتوبة لم يحمل أسمآء للأوْلٰۤئك ٱلمنافقين. إلاۤ أنَّ ٱلبلاغ يُعلم ٱلنبى بٱنتشارهم من حوله.
ونحن لن نبحث عن منافقين ولا نزعم بقدرة على ذلك. وسيكون عملنا يتركز على مواقفٍ لأشخاص ٱلسلطة من بعد ٱلنبى ونعقلها مع ميثاق دولة ٱلمدينة ومع بلاغ ٱلقرءان ٱلعربى ٱلِّسان.

يظهر لنا فى كتاب ٱلسيرة أنَّه ومع ٱليوم ٱلأول للسلطة ٱلتى خلفت ٱلنبى ظهر أمرآء جيش فيها من قريش. وقد غلب منهم على ٱلساحة خالد ٱبن ٱلوليد. وهو من أمرآء جيش قريش ٱلتى سقطت سلطتها بفتح مكَّة.
كماۤ يظهر أنَّ بعض أمرآء جيش ٱلمدينة قد أُبعد وعلى رأسهم سعد ٱبن عبادة.
فمن هم ٱلذين دفعوا ٱلحدث فى هذه ٱلوجهة ؟

يذكر ٱبن هشام بعض ما جرى فى ٱجتماع سقيفة بنى ساعدة:
"قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. قال (عمر) فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته، ثم بايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم (ٱلأنصار) قتلتم سعد بن عبادة. قال (عمر) فقلت: قتل الله سعد بن عبادة".
عمر هو ٱلذى قال "قتل الله سعد بن عبادة".
فلماذا ينزو عمر على سعد ولماذا يطلب قتله ؟
يذكر ٱبن هشام أنَّ عمرًا كان قد طلب أثنآء فتح مكَّة من ٱلنبىّ أن لا يترك سعدًا يدخل على رأس جيش ٱلمدينة إلى مكّة خوفًا من بطشه ٱلمزعوم لأهل عمر وأصحابه من قريش. وكان ٱلنبى قد أمر سعدًا وٱلزبير لدخولها كما يذكر ٱبن هشام:
"قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى، وكان الزبير على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء".
ويتابع ٱبن هشام ذكر ما قاله عمر فى هذه ٱلمسألة:
"قال ابن إسحاق: فزعم بعض أهل العلم أن سعدا حين وجه داخلا، قال "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" فسمعها رجل من المهاجرين قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب. فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها".
وهذا ٱلذى يذكره ٱبن هشام لا يبيِّن لنا موقفًا عصبيًّا للقوم من عمر وحسب. بل يكشف لنا عن موقف شخصى من سعد يسوقه ٱلهوى أظهره فى سقيفة بنى ساعدة بقوله:
"ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة. قال (عمر) فقلت: قتل الله سعد بن عبادة".
لماذاۤ أراد عمر قتل سعد ٱلأنصارى وهو ٱلذىۤ أمره ٱلنبى لحمل ٱلراية ودخول مكّة ؟
لم يذكر ٱبن هشام ماذا فعل سعد حتى ينزو عمر عليه.
أمَّا نحن فنرىۤ أنّ عمرًا لم يظهر فى قوله ما يدلّ عليه مفهوم دولة ٱلمدينة من عهد للرفقة وٱلعشرة وٱللطف وٱلتفكير.
وفيما ذكره ٱبن هشام من أن ٱلذى سمع سعدًا يتوعد قريش يوم فتح مكّة كان عمر:
"فسمعها رجل من المهاجرين قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب. فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة".
فهو وحده ٱلذى سمع سعدًا يقول:
"اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة".
ونرى فيما ذكره ٱبن هشام عن سمع عمر وحده لقول سعد أنَّه لا يُصدَّق ( كانوا علىۤ أبواب مكّة وقد أمر ٱلنبى سعدًا لدخولها على رأس جيش) إلاۤ أن يكون قد قال قولته هذه وهو مع عمر فى خلوة وبعيدًا عن سمع أخرين. وموقف عمر من سعد فى ٱلسقيفة يبين أنَّ مثل هذه ٱلخلوة بين ٱلرجلين لا يمكن أن تحدث. وإنَّ ما فى نفس عمر من نزوة يبين كراهية له يبينها مفهوم ٱلنّزوة.
وما ذكره ٱبن هشام عن نقل عمر لقول سعد إلى ٱلنبى نرى فيه فعل وشاية وتشكيك بٱلرجل ٱلأنصارى. وهذا يدل على سلوك بعيد عن مفهوم ٱلنبى ٱلمدينى ٱلذى يضرب للناس مثلا على ٱلدولة ٱلمدينية.

أمَّا ما فعله ٱلنبى كما يذكر ٱبن هشام فلا يظهر منه أنّه صدَّق ما قاله عمر. وهو يعلم أنَّ سعدًا لن يخالفه وقد أمره أن لا يقاتل إلا من قاتله. كما ذكر ٱبن هشام:
"قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم".
ولم يذكر ٱبن هشام أنَّ سعدًا خالف أمر ٱلنبى. كما ذكر مخالفة خالد ٱبن ٱلوليد ٱلذى قتل مستسلمين له من بنى جذيمة.
وإذا سلمنا بأنَّ ٱلنبىّ أرسل عليًّا ليأخذ ٱلراية من سعد كما ذكر ٱبن هشام. فإن ٱلأمر كما نرى يتعلق بتهدئة روع عمر ومن مثله من ٱلمهاجرين.
وقد ذكر ٱبن هشام وغيره من ٱلذين كتبوا عن تلك ٱلأحداث كـ ابن ٱسحاق أنَّ ٱلنبى كان يوضع ثقته فى ٱلأنصار من دون ٱلمهاجرين:
"قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء. وجدت الأنصار في أنفسهم. حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقي والله رسول الله قومه. فدخل عليه سعد بن عبادة، فذكر له ذلك. فقال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟" قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي، قال: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة" فجاء رجال من المهاجرين. فتركهم فدخلوا. وجاء آخرون فردهم. فلما اجتمعوا، أتاه سعد. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال يا معشر الأنصار: ما مقالة بلغتني عنكم؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا. فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ وأعداء. فألف الله بين قلوبكم بي؟". قالوا: الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: ألا تجيبوني، يا معشر الأنصار؟. قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل. قال: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك. أوجدتم علي يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ولولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار. ولو سلك الناس شعبا وواديا، وسلكت الأنصار شعبا وواديا، لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار". قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا".
فماذا سنقول عن سعد ٱلأنصارى بعد ٱلذى قاله ٱلنبى عنه وعن ٱلأنصار وهم ٱلذين أعانوا ٱلنبى فى ٱلمثل ٱلمدينى ٱلمهدىّ ؟
وماذا سنقول عن نزوة عمر وماۤ أراده لـ سعد ؟

ونحن نرىۤ أنَّ ٱلمهاجرين لا يتساوون مع ٱلنبى فىۤ إدراكه ٱلعهد وٱلميثاق ٱلمدينى ٱلمهدى من ربِّه. ولا يتساوون معه فىۤ إدراكه لما يُنزَّل على قلبه من رسالة. كماۤ أنهم لا يتساوون فيما بينهم فى ٱلأمر.
ويظهر ذلك لنا ما جآء فيما ذكره ٱبن هشام عن ٱجتماع ٱلنبى مع ٱلأنصار أنّ بعض ٱلمهاجرين سمح لهم ٱلدخول إلى ٱلاجتماع ورد ٱلبعض ٱلأخر:
"فجاء رجال من المهاجرين. فتركهم فدخلوا. وجاء آخرون فردهم".
إلاۤ أنَّ ٱبن هشام لم يذكر مَن هم ٱلذين تركهم يدخلون ومَن هم ٱلذين ردهم.
وهذا يبين لناۤ أنَّ ٱلنبى لا يثق بجميع ٱلمهاجرين. وهو يعلم أنَّ أكثرهم لا يدرك ٱلمثل ٱلمضروب أمامهم.
ونحن نرى (ممّا ذكره ٱبن هشام عن موقف عمر من سعد ووشايته إلى ٱلنبى قبل ٱلاجتماع بوقت قصير) أنّ عمرًا من ٱلمهاجرين ٱلذين ردهم ٱلنبى عن ٱلدخول. بسبب ما يعلمه عن نزواته.

إنَّ ٱلبلاغ 101 ٱلتوبة ٱلذىۤ أعلم ٱللَّهُ به ٱلنبىَّ عن ٱلمنافقين من حوله لم يستثنِ أحدًا منهم. وهذا يجعلنا لا نخاف من عرض أقوالهم ومواقفهم وسلوكهم ٱلمسجل فى كتب ٱلإسلامى ٱلتاريخى ولا من ٱلحكم عليها.
وإذا نظرنا فيما ذكره ٱبن هشام عمَّا قاله أبو سفيان فى موقعة أُحد لـ عمر ٱبن ٱلخطاب نرى فيه مودة قديمة بينهما:
"ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنْعَمْتَ فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أُعْلُ هُبَلُ أَيْ أَظْهِرْ دِينَك; فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ" قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ، لَا سَوَاءَ قَتَلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّار. فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ; فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ "لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا".
فإنّ ما قاله أبو سفيان:
"أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ".
يبين أنَّ عمرًا هو من ٱلمهاجرين ٱلذين تعوِّل عليهم قريش لعلمهاۤ أنَّ ما فى نفسه قريب ممَّا فى نفسها. وهو ما ظهر من عرض موقفه فى ٱجتماع سقيفة بنى ساعدة بعد موت ٱلنبى.

لقد سار ٱلأمر فى سقيفة بنى ساعدة علىۤ أن ٱلنبوَّة فى قريش وأنَّ خلافة ٱلنبى فى ٱلسلطة يجب أن تكون فى قريش. وهذا ٱلموقف يبين لناۤ أنَّ ما ورد فى ٱلصحيفة (وهى دستور دولة ٱلمدينة):
"ٱلبند ٱلثالث وٱلأربعون: وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا".
لم يكن أبو بكر وعمر من أنصاره. لأنَّ ما فى نفسيهما من منهاج ٱلقوم لم يتأثر بهجرتهما ولم يتطور بفعل إدراك ٱلمثل ٱلمدينى.

إنَّ قريش هى ٱلتى قاتلت بٱلأمس فى ٱلدين. وهى ٱلتىۤ أخرجت ٱلناس من ديارهم ودفعتهم إلى ٱلهجرة. وكان خالد ٱبن ٱلوليد وعمرو ٱبن ٱلعاص من ٱلذين قاتلوا فى ٱلدين. ومن ٱلذين أخرجوا ٱلناس من ديارهم. ومن ٱلذين لحقوا بٱلمهاجرين إلى ديار هجرتهم فى يثرب ليقتلوهم.
وسوآء عليهم ءكانوا ٱستسلموا فى ٱلحرب أم زعموا ٱلتَّوبة أم تابوا حقًّا. فلا يجوز توليتهم فىۤ أىّ أمر مِّن ٱلأمور فى دولة ٱلمدينة سندًا إلى ٱلبلاغ ٱلعربى:
"إنَّما يَنهٰكُم ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذين قٰتلوكم فى ٱلدِّين وأخرجوكم من ديٰرِِكم وظٰهَرُواْ علىٰۤ إخراجِكم أن تَوَلَّوهُم ومَن يتوَلَّهُم فأُوْلٰۤئك هُمُ ٱلظَّٰلمونَ" 9 ٱلممتحنة.
وفى هذا ٱلبلاغ مفهوم يحصِّن أهل ٱلمدينة (إن أرادوا ٱلإيمان به) من ٱلرجوع إلى مفهوم ٱلقوم وطاغوته. وهو ما يبينه ٱلمثل ٱلسَّآئر "رجعت حليمة لعادتا ٱلقديمة" ويبين ٱلسبب ٱلذى نهى ٱللَّه ٱلمؤمنين عن تولية مَن قاتل فى ٱلدين وأخرج ٱلناس من ٱلديار وظاهر علىۤ إخراجهم.
فلماذا خالف أبو بكر ومن ورآئه عمر فى تولية خالد ٱبن ٱلوليد أمرة جيش من جيوش ٱلمدينة ؟
إنَّ تولية خالد وجعله أميرًا على جيش من جيوش ٱلمدينة يدلنا علىۤ أنَّ ٱلخلف ضيع ما ورثه بموت ٱلنبى. وقد خرج ٱلخلف عن ميثاق دولة ٱلمدينة ٱلذى بيَّن وحدَّد عدو دولة ٱلمدينة بٱسم ٱلقوم قريش. كماۤ أنَّه خرج عن بلاغ ٱللَّه ٱلذى ينهى عن تولية مَن قاتل فى ٱلدين.
وما يبينه لنا ٱبن هشام أنَّ خالدًا قد صار من أصحاب ٱلسلطة فى ٱلمدينة. وقد عاد إلى ٱلقتال فى ٱلدين مرَّة أخرى من بعد توليته. وقد قاتل بٱسم حروب ٱلرِّدة ووجه ٱلحروب إلىۤ أوْلـٰۤئك ٱلذين أسسوا دولة ٱلمدينة وٱلذين تحالفوا معها.
وما رأيناه فيما ذكره ٱبن هشام أنَّ عمر ٱبن ٱلخطاب عمل على تعطيل فعل ٱلشورى وفعل ٱلانتخاب فى ٱجتماع سقيفة بنى ساعدة عندما طلب تولية عبد ٱللَّه ٱبن أبو قحافة (أبو بكر) على عجلٍ مِّن دون أن يترك للتشاور من فرصة بين ٱلناس.
ولم يكن أبو بكر فى مستوى هذا ٱلمنصب كما نفهم ممّا ذكره ٱبن هشام عنه بينما تُعدّ عدّة ٱلحرب ٱلأخيرة علىۤ أرض مكّة:
"وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي بنية أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم فتجهز. قال فأين ترينه يريد؟ قالت: (لا) والله ما أدري. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس".
ونرىۤ أن مثل هذا ٱلأمر لم يكن ليغيب عن رجل يزعم مؤرخوا ٱلدولة ٱلإسلامية أنه صديق لرسول ٱللَّه وأهل لأن يخلفه فى ٱلسلطة. كما نرى ٱلسبب فى ضياع ما ورثه عن ٱلنبى من ميثاق ومثل مدينى. فٱلنبى لم يبلغه هذا ٱلأمر ٱلعظيم وقد علم به من ٱبنته زوج ٱلنبى. وهذا يبين لناۤ أنَّ ٱلنبى يعلم أنَّ أبى بكر هاجر ليعيش بعيدًا عن طاغوت مكّة من دون أن يعمل نظره للعلم فى سبيل ٱلخلاص من ٱلطاغوت.

لقد ورد فى جميع ٱلقصص ٱلقديمة (ٱلتاريخ) أنّ نزاعًا على ٱلسلطة من بعد وفاة ٱلرَّسول ظهر فى ٱجتماع سقيفة بنى ساعدة بين ٱلفرقآء ٱلمشاركين فى تأسيس دولة ٱلمدينة من أهل يثرب ومن ٱلمهاجرين. وتبيِّن هٰذه ٱلقصص أنَّ ٱلفرقآء ٱنقسموۤا إلى فريقين كبيرين. فريق ٱلمهاجرين وقد أعلنوا ما فىۤ أنفسهم من موقف قومى وحنين إلى ما كانوا عليه من قبل هجرتهم فى تجمّع قومهم قريش ٱلكومونالى. وقد برز منهم عمر ٱبن ٱلخطاب.
وفريق ٱلأنصار وهم أهل يثرب ومنهم سعد ٱبن عبادة. وهم ٱلذين قال لهم ٱلنبى:
"ولولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار. ولو سلك الناس شعبا وواديا، وسلكت الأنصار شعبا وواديا، لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار".
فأين هذا ٱلقول من قول عمر:
"ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة. قال (عمر) فقلت: قتل الله سعد بن عبادة".

لقد طلب ٱلمهاجرون ٱلإمارة لأنفسهم وعلا صوتهم بٱلقول "منا الأمراء ومنكم الوزراء". وكان ٱلأنصار فى ٱلمقابل يطلبون تقاسم ٱلسلطة مع ٱلمهاجرين "منا أمير ومنكم أمير". وقد قام عمر وبايع ٱلرجل ٱلمسنّ عبد ٱللَّه ٱبن قحافة (أبو بكر) متذرِّعا بصداقته لرسول ٱللَّه ومحرجًا للأنصار بسياسة ٱلأمر ٱلواقع أو ٱلحرب.
ونحن نرىۤ فى غياب أمر ٱلتجهيز للسير إلى مكَّة عن أبى بكر. أنَّ عمرًا أراد من خلافة أبى بكر أن يكون ٱلخلف ضعيفًا تسهل ٱلسيطرة عليه ويسهل توجيه ٱلأمر من دون ٱلرجوع إليه. وهو يعلم أنّ جدل ٱلأنصار حول مسألة ٱلسلطة سيتوقف أو يهدأ لمثل هذا ٱلخلف ٱلضعيف وسيظنون أنَّه حل لأزمة مؤقتة.
وهذا ٱلأمر كان مدخلا لتدخل عمر فى ٱلسلطة ولِتولية أمرآء للجيش من ملإ مكَّة من ٱلذين قاتلوا فى ٱلدين وأخرجوا ٱلناس من ديارهم. وقد توجهت سلطة ٱلدولة إلى ٱلقتال فى ٱلدين مخالفة بلاغ ٱلدين ٱلعربى:
"لاۤ إكراه فى ٱلدينِ قد تبيَّنَ ٱلرُّشدُ مِنَ ٱلغىِّ فَمَن يكفُر بٱلطَّٰغوتِ ويؤمِن بٱللَّهِ فقدِ ٱستمسكَ بٱلعروة ٱلوثقىٰ لا ٱنفصامَ لها وٱللَّهُ سميع عليم" 256 ٱلبقرة.
وما جآء فى كتاب ٱلسيرة هو تسييغ لجريان ٱلحدث ٱلانقلابى من دون بيان أسباب ٱلموقف ٱلمتخاصم عليه فى سقيفة بنى ساعدة:
"قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. قال (عمر) فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته، ثم بايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة. قال (عمر) فقلت: قتل الله سعد بن عبادة"
وما يبينه طلب ٱلمهاجرين "منا الأمراء ومنكم الوزراء" هو ٱرتدادهم عن ٱلبند ٱلأول فى ميثاق ٱلمدينة ٱلمنشور فى ٱلصحيفة:
"ٱلبند ٱلأول: إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ".
وفى عودتهم إلى مفهوم ٱلقوم ودينه إلغآء لمفهوم ٱلأمَّة ٱلتى تفرق عن أمم ٱلناس كما حدَّدها ٱلبند ٱلأول فى ٱلصحيفة.

وكنا قد قلنا فى كتابنا ٱلحكم ٱلرسولى "أنَّ أتباعَ ٱلرَّسول لم يكونوا جميعهم أتباع بلاغٍ منذ ٱلبداية فى مكَّة قبل ٱلهجرة. وكذٰلك فى ٱلمدينة من بعد ٱلهجرة إليها. ولم يكن موقف جميع أهل يثرب يستند على ٱلإيمان بٱلبلاغ ٱلَّذى ينشره ٱلرَّسول بحديثه".
ونرى فيما يذكره ٱبن هشام أنّ ميزان ٱلقوة قد تبدل من بعد فتح مكَّة لمصلحة فريق طاغوتها. وقد ٱنتظر هٰذا ٱلفريق حتى توفى ٱلنبى فبدأ عمله. وقد ٱستطاع قلب ميزان ٱلقوة لمصلحته بمساعدة رؤوس من ٱلمهاجرين كان أبرزهم عمر ٱبن ٱلخطاب ٱلذى بايع رجلا مُّسنًّا ضعيفًا تسهل فىۤ إمارته متابعة أخذ ٱلسلطة لمصلحة قريش.
ومن ٱلأمور ٱلتى تُظهر لنا موقف عمر ما ذكره ٱبن هشام عنه وهو يحاور ٱلعباس عم ٱلنبى. وكان ٱلعباس يطلب ٱٰلأمن لأبى سفيان من ٱلنبى ويطلب له ٱستسلامًا علىۤ أبواب مكّة:
"ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه. قال (ٱلعباس) قلت: يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه قال (ٱلعباس) قلت: مهلا يا عمر فوالله أن لو كانت من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف".
وهذا يتبين لنا منه أمران. ٱلأول أنَّ عمرًا تظاهر بموقف ٱلعدآء لأبى سفيان أمام ٱلنبى. وهو مخالف للحقِّ فى نفسه بدليل ما قاله له أبو سفيان يوم أُحد:
"أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ".
وٱلثانى بيان موقفه ٱلعصبى كما يبينه قول ٱلعباس له.
كماۤ أنّ طلبه ٱلسماح له ليضرب عنق أبى سفيان ينقض ما نقله للنبى عن قول سعد وقوله ٱلذى يبين موقفه من قريش: "ما نأمن أن يكون له في قريش صولة".
وقد كان جواب ٱلنبى يحمل موافقة على طلب عمه ٱلعباس وإهمالا لما طلبه عمر:
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك".
وما فى نفس ٱلرجل من مفاهيم وموقف لم تكن خافية على ٱلنبى.

لقد جآء قولى فى كتابى ٱلصحيفة أنَّ مسألة ٱلحكم ٱلسياسى فى ٱلمدينة ٱلمنوَّرة كانت وما زالت كما يظنُّ ٱلناس أنَّها حكمُ قومٍ ودينٍ على رأسه رسول. فٱلرَّسول هاجر من موطنه مكَّة بسبب ظلم قومه قريش له ولمن تبعه بفعل عقيدتهم ٱلكومونالية وجمودهم ٱلفكرى. وهو قبل هجرته كان يجاهد قومه ليقبلوۤا إعلان سورة ٱلكافرين "لكم دينكم ولى دينِِ". وفيه بيان ٱلخِيرة فى ٱلرأى وفى ٱلدِّين. فلم يقبل قومه قريش هٰذا ٱلإعلان بفعل نقص إدراكهم وعلمهم. ورفضوۤا أن يكون فى مكَّة دين أخر إلى جانب دين أهلها. وقد قاتلوا فى ٱلدين وحاربوۤا أهل ٱلمدينة حتى هزمتهم بفتح مكَّة.
ولم يكن إسلام أىٍّ منهم إسلامًا للَّه. بل هو إسلام للمنتصر وترك مؤقت للقتال فى ٱلدين. وهو ما يبينه أبو سفيان فى جوابه على سؤال ٱلنبى كما ذكر ٱبن هشام:
"قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد. قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك".
لقد كان أبو سفيان صادقًا فى جوابه فلم يخفِ على ٱلنبى ما فى نفسه. وهذا هو ٱلذى جعل ٱلنبى يعامله بلطف وهو يعلن ٱستسلامه.

ونحن إذ نرى فيما ذكره ٱبن هشام عن قول ٱلعباس له: "ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك".
يبين ٱستسلامًا لاۤ إسلامًا للَّه. لأنّ ٱلإسلام للَّه لا يبلغه ٱلمرء إلا بٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق وبٱلوصول إلى ٱلعلم بٱلسنَّة ٱلجارية فيه.
أمَّا ٱلعباس فكان يظن أنَّ ٱلنبى سيضرب عنق أبى سفيان إن لم يفعل كما قال له.
وقول ٱلعباس هذا يبين أنَّه لا يدرى بموقف ٱلنبى ٱلذى كان يحارب دفاعًا عن دولة ٱلمدينة وميثاقها. ولم يكن يدعوا ٱلناس كرهًا للدين كما كانت تفعل مكَّة.
ولكنه ظنُّ ٱلعباس ٱلذى يوافق ما نفسه من مفاهيم مكيّة لم تتغير.
كماۤ أنَّ ٱلنبى ٱلذى يريد متابعة ٱلسير إلى مكَّة لإنهآء عدوانها. لم يفكر أنَّ ٱستسلام أبى سفيان أمامه هو نهاية للحرب. وقد أراد أن يستعمله للتخفيف من ضراوتها بطلبه أن يكون ٱلأمن لكل من دخل بيته وٱمتنع عن ٱلقتال. وطلب من ٱلعباس أن يجعله ينظر إلى جيوش ٱلمدينة قبل عودته إلى قومه قريش. وقد ذكر هذا ٱلأمر ٱبن هشام فى سيرته:
" قال العباس قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن. فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها. قال فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه".

وهكذا نرىۤ أنَّ ٱلنبى لم يكن جاهلا بموقف مثل هؤلآء ٱلرجال. كما لم يكن يُكره ٱلناس على دينه. كما يظن ٱبن هشام وغيره من ٱلذين كتبوا عن هذه ٱلقصة.
ورجع أبو سفيان إلى قريش ليفعل كما تصور ٱلنبى:
"قال (ٱلعباس) قلت: النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم. قال ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك، قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد".
وهذا يبين إرادة ٱلنبى من مسألة دخول ٱلبيوت.

ويظهر من أمر ٱلنبى لإصلاح فعل خالد (مخالفته لأمر ٱلنبى فى مكّة وقتله ٱلمستسلمين له من بنى جذيمة) أنّه لم يكن يطلب من ٱلناس إسلامًا لدين بل ٱستسلامًا من بعد ٱستسلام مكّة منعًا من زيادة سفك ٱلدمآء:
"قال ابن هشام: وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنكر عليه أحد ؟ فقال نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: أما الأول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة" قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يعلم ولا تعلمون ففعل. ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر. فقال: "أصبت وأحسنت". قال: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه يقول: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات".
وهذا ٱلسلوك ٱلجاهلى ٱلذى يمثله فعل خالد هو ما رجع إليه ٱلقوم من بعد تولية ٱلرجل ٱلمسنّ أبو بكر. وإلى جانبه أمرآء ٱلجيش ٱلمكّيين ٱلذين تابعوا دينهم فى جو من ٱلكذب على رسول ٱللَّه. وقد جعلوه من بعد موته ينقض رسالة ٱللَّه بما كذب عليه رجال ٱلسلطة من أحاديث كان أبرزها ٱلحديث ٱلذى ينقض سورة ٱلكافرين:
(قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم "أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد، فتوارى، فقام سهيل بن عمرو، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به وظهر عتاب بن أسيد. فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه").
ٱلقول "فمن رابنا ضربنا عنقه" يبين ٱلرجوع عن سورة ٱلكافرين وعن ميثاق ٱلمدينة. كما يبين سلطة إكراه وطاغوت جاهلية كومونالية تخالف ما كان قآئمًا فى دولة ٱلمدينة قبل وفاة ٱلنبى.
ويعزز هذه ٱلسلطة ٱلمكّية ٱلجديدة حديث أخر ينقض كتاب ٱللَّه وميثاق دولة ٱلمدينة:
(قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، قالت: "كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان").
وهو زعم بعهدٍ ينقض ٱلرسالة وينقض ميثاق ٱلمدينة ٱلمعلن فى ٱلصحيفة ويجعل من ٱلرسول رسول إكراه وطاغوت وليس رسولا للَّه.
فما هو سبب هذه ٱلمزاعم على رسول ٱللَّه ؟

قلناۤ أنَّ ميثاق دولة ٱلمدينة لا يبين أن ٱلدولة دولة دين أو دولة قوم. ولا يبين دين لرئيسها ولا قوميته.
وما جآء بزعم تاريخ يخلف ٱلنبى فى سلطة ٱلدولة يبين سلطة تمحى كلَّ أثر لدولة ٱلمدينة وحكم ٱلنبى فيها. وتؤسس سلطة مكّية يظهرها ٱلمؤرخ فى قصته أنها سلطة قوم وإكراه ومكٍّ شديد على مواقف ٱلناس وأموالهم.
فقد وجّه ٱللَّهُ ٱلنبىَّ وهو مؤسس وحاكم دولة ٱلمدينة لأن يأخذ من ٱلناس صدقة لا مكوسًا:
"خُذ من أموالهم صَدَقَةً تُّطهِّرُهُم وتزكِّيهِم بها وصلِّ عليهم إنَّ صلوٰتَكَ سكن لَّهم وٱللَّهُ سميع عليم" 103 ٱلتوبة.
وٱلصدقة تدفع طوعًا لاۤ إكراهًا فلاۤ إكراه فى ٱلدين.
أمَّا ما فعلته ٱلسلطة من بعد وفاة ٱلنبى فهوۤ إكراه للناس وقتال فى ٱلدين ومكوس فىۤ أموالهم. وهو ما يتبين لنا فيما ذكره ٱبن هشام عن أبى بكر من قول:
"والله لو منعوني عقالا، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه".
فأين هو موقع ٱلصدقة فى هذا ٱلقول ٱلمكىّ ؟

كذلك هو ما يبينه قول ٱبن هشام فى ٱلمسألة:
"ولما كان من العرب ما كان ومنع من منع منهم الصدقة. جد بأبي بكر الجد في قتالهم. وأراه الله رشده فيهم. وعزم على الخروج بنفسه. فخرج في مائة من المهاجرين والأنصار، وخالد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء، يريد أن يتلاحق الناس ويكون أسرع لخروجهم".
وهؤلآء ٱمتنعوا عن دفع ٱلصدقة لأنَّه لم يبقَ بينهم وبين ٱلدولة ٱلجديدة عهد ولا ميثاق ولا صدقة. فقد أخذ أمرآء ٱلدولة ٱلسلطة بزعم خلافة رسول ٱللَّه. وقد أبطلوا ٱلعمل بميثاق دولة ٱلمدينة.

وإذا قابلناۤ أمر أبى بكر فى قتال ٱلذين ٱمتنعوا عن دفع ٱلصدقات مع ما ذكره ٱبن هشام عن صلح ٱلحديبية نجد أنَّه لا يتساوى معه ويخرج عن توجيه ٱللَّه:
"وقُل ٱلحقُّ مِن رَّبِّكم فَمَن شآء فَليُؤمِن ومَن شآءَ فَليكفُر" 29 ٱلكهف.
وقد جآء فيما ذكره عن صلح ٱلحديبية ما يوافق ٱلتوجيه ٱلإلٰهى:
"قال ابن إسحاق: فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم كما حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيرهم من علمائنا: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده".
وفيه بيان لعهدين متناقضين يعترف كلّ مِنهما بٱلأخر. وهذا يبين تأثير ٱلنبى (ٱلذى يستند على ٱلبلاغ 29 ٱلكهف وعلى سورة ٱلكافرين) على موقف قريش ٱلذى كان يرفض ما جآء من مفهوم فى سورة ٱلكافرين وكذلك ما جآء فى ٱلبلاغ 29 ٱلكهف. وإنَّ قبول قريش فى صلح ٱلحديبية كان قد ٱستند على تبدل ميزان ٱلقوَّة بينها وبين دولة ٱلمدينة.

أمَّا سلوك ٱلخلف من بعد وفاة ٱلنبى فهو يشبه موقف سلطة مكّة ٱلرافض للأخر قبل صلح ٱلحديبية. وقد تحول إلى موقف لا يقبل بأخر وهو ما يبينه قول أبى بكر كما ذكر ٱبن هشام:
"وإني قد بعثت إليكم خالدا في المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان. وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى داعية الله. فمن دخل في دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ومن أبى فلا يبقي على أحد، ويحرقهم بالنار ويسبي الذراري والنساء".
وقد بين لنا ما ذكره ٱبن هشام كيف فعلت ٱلسلطة مع ٱلذين عارضوها فى ٱلموقف. كما بين لنا من أىِّ لون هى تلك ٱلسلطة:
"وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا، ولا يسخنن ماء إلا وأثفيته رأس رجل. وتلطف رجل من بني أسد حتى وثب على عجز راحلة خالد فقال أنشدك الله أن لا يكون هلاك مضر على يدك. يا خالد حكمك في بني أسد. فنادى خالد من قام فهو آمن. فقام الناس كلهم. وسمعت بذلك بنو عامر. فأعلنوا الإسلام. وأمر خالد بالحظائر أن تبنى، ثم أوقد فيها النار. ثم أمر بالأسرى فألقيت فيها. وألقي فيها يومئذ حامية بن سبيع الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه. وأخذت أم طليحة، فعرض عليها الإسلام فوثبت. وأخذت فحمة من النار وهي تقول يا موت عم صباحا، كافحته كفاحا، إذ لم أجد براحا. وذكر الواقدي: أن خالدا جمع الأسرى في الحظائر. ثم أضرمها عليهم فاحترقوا أحياء. ولم يحرق أحدا من فزارة. فقيل لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة ؟ فقال بلغته عنهم مقالة سيئة وثبتوا على ردتهم. وعن ابن عمر قال "شهدت بزاخة مع خالد. فأظفرنا الله على طليحة. وكنا كلما أغرنا على قوم سبينا الذراري واقتسمنا الأموال".
وهذا ٱلعمل ٱلسيئ لا سند له إلا فى مثل جاهلية طاغوت مكّة وقوم قريش بٱلأمس ٱلبعيد. وجاهلية طاغوت ٱلنازية وٱلقومية ٱلشوفينية بٱلأمس ٱلقريب. وليس له فى ٱلمثل ٱلمدينىّ ٱلرسولى ولا فى كتاب ٱللَّه أىُّ قرابة تسنده.
ولنقارن ما فعله خالد (ٱلمؤيد من أبى بكر وعمر) مع سلوك ٱلنبى مع أعدآئه من قريش وهو متوجّه إلى حربها بسبب خرقها لصلح ٱلحديبية:
"قال ابن إسحاق: وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال في بمكة ما قال. قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له. فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي بني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما".

لقد رقَّ ٱلرسول لعدويه وأذن ليدخلا عليه. ولم يخضع لحمية جاهلية كما نرى فى فعل خالد ٱبن ٱلوليد ٱلذى وجد من يسيِّغ فعله ممَّن زعموا ٱلعلم:
"فقيل لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة ؟ فقال بلغته عنهم مقالة سيئة وثبتوا على ردتهم".
وأهل ٱلعلم هذا يسيِّغون قتل عدد كبير من ٱلناس سندًا لوشاية ومن دون بيِّنة. ولرجل لا يوجد فى تاريخه إلا ٱلقتل وٱلثأر وسبى ٱلذرارى وٱقتسام ٱلأموال.

لم نرى من عمر موقفًا من قتل خالد للمستسلمين أثنآء فتح مكَّة. على ٱلرغم من أنَّه هو ٱلذىۤ أعلن خوفه على قريش من سعد ٱبن عبادة. ولم يذكر ٱبن هشام عنه أنَّه ٱستنكر ما فعله خالد من حرق ٱلمستسلمين أحيآء.
أمَّا ما نرـٰه فى سلوك ٱلنبى فيبين نفسًا إنسانية عالية ٱللطف. ويذكر ٱبن هشام ماذا قال عندما جآء أبو بكر بوالده ٱلشيخ إليه بعد دخوله مكَّة:
"فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده "فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟".
وقد ذكر ٱبن هشام فى هذه ٱلقصة ما يبين لون ٱهتمام أبى بكر من بعد تأمين سلامة أبيه:
"فأخذ بيد أخته وقال أنشد الله والإسلام طوق أختي، فلم يجبه أحد قالت فقال أي أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل".
فهو يتهم ٱلناس فى ٱلأمانة وفى هذا ٱليوم وهو يوم فتح مكَّة. فهل كان جيش ٱلمدينة يسبى "ٱلذرارى ويقتسم ٱلأموال" ؟
لم نجد فيما ذكره ٱبن هشام سببًا لما قاله أبو بكر:
"أي أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل".

لقد كان موقف ٱلنبى من قوم مكَّة عند دخولها كما ذكر ٱبن هشام فى ٱلإعلان لهم أنَّه:
"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن".
وهو يبين أن ٱلأمن يتحقق للفرد بتوقفه عن ٱلقتال وليس بإعلان إسلامه لدين ٱلفاتح.
ولم نجد فيما سجله ٱلمؤرخون أىَّ طلب من ٱلنبى لأهل مكَّة لإعلان إسلامهم أو يقتلون. وٱلسبب أنَّ ٱلنبى لا يفعل ما يخالف بلاغ ربِّه. بل رأينا كيف ٱستنكر قدوم ٱلشيخ ٱلأعمى أبو قحافة إليه. وكان يريد أن يأتىۤ هو إليه وأبو قحافة على دين أخر:
"هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟".

هذا هو سلوك ٱلنبى مع أعدأئه ٱلذين قاتلوه فى ٱلدين وأخرجوه من دياره. وهو لم يكن طالبًا لثأر جاهلى فى حربه لقريش. وقد ٱستجاب لخوف عمر على ٱلقوم من سعد فطلب من على ٱبن أبى طالب أن "أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها".
ولم يكن أمره هذا بسبب ريبته فى سلوك سعد ٱبن عبادة. ولكن ليجعل ٱلإطمئنان فى قلب من تخوف على قومه قريش. ولأنَّه لا يريد قتل ٱلناس ٱنتقامًا لِّمواقفهم قبل وبعد ٱلهجرة كما فعل خالد. وقد عهد لأمرآء جيش ٱلمدينة ٱلداخل إلى مكَّة بقتال مَن يقاتلهم. ولم يكن سعدًا ليخالف أمره كما ظنَّ عمر:
"قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم".

ولقد ذكر ٱبن هشام أنَّ ٱلنبى أمر بقتل نفرٍ سماهم بأسمآئهم:
"إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد أخو بني عامر بن لؤي".
ويذكر ٱبن هشام سبب هذا ٱلأمر:
"وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فارتد مشركا راجعا إلى قريش".
وهذا يبين موقف من يخون وليس من يرتد مشركًا. لأنَّ ٱلنبى لا يقتل بسبب ٱرتداد عن ٱلدين عملا بٱلبلاغ ٱلعربى ٱلموحىۤ إليه:
"ومن يرتَدِد منكم عن دينه فَيَمُت وهو كَافِر فأوْلـٰۤئِكَ حَبِطَت أعمَالُهُم فِى ٱلدُّنيا وٱلأخِرةِ وأوْلـٰۤئكَ أصحٰبُ ٱلنَّارِ هم فيها خـٰلدُون" 217 ٱلبقرة.
"يَـٰۤأيها الَّذين ءَامنواْ من يرتدَّ مِنكُم عن دينِهِ فَسوفَ يأتى ٱللَّه بقومٍ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ أَذلَّةٍ على ٱلمؤمنين أَعِزَّةٍ على ٱلكَـٰفرين يُجاهدونَ فى سَبيلِ ٱللَّه ولا يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَٰلكَ فَضلُ ٱللَّه يؤتيهِ من يشآء وٱللَّهُ واسع عليم" 54 ٱلماۤئدة.
"إنَّ ٱلّذين ٱرتَدُّواْ على أَدبـٰرِهِم مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لهم ٱلهُدَى ٱلشَّيطـٰنُ سَوَّلَ لَهُم وأملَى لَهُم" 25 محمد.
فهل يقتل ٱلنبى من يرتدُّ عن دينه ؟
وهل قال ٱلنبى ما ينسبه ٱلجاهلون إليه ؟:
"حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ‏أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ‏حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال (أبو بكر) والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر‏ أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق".
ونحن لا نعلم من كتاب ٱللَّه أنَّ رسوله خالفه وسعى لنشر دين غير دين ٱللَّه كٱلذى يبينه قول كلٍّ من أبى بكر وعمر.
ونرى فى هذا ٱلحديث تحريف ٱلكلم عن مواضعه. ومسئولية من نقله وذكره أن ينظر فى صدقه وموافقته للحقِّ فى كتاب ٱللَّه وميثاق دولة ٱلمدينة. فقد حرف دليل كلمة زكوٰة إلى دليل مكوس تُلَمُّ كرهًا لا تصديقًا لإيمان.
أمَّا دليل زكوٰة فهو نقيض ٱلطّغيان وٱلكفر. وهو (ٱلبّر وٱلصَّالح وٱلحسن وٱلصّادق) فى ٱلقول وٱلعمل. وٱلذى يأتى ٱلزكوٰة يعمل ويقول ما هو برّ وصالح وحسن وصادق. وهو ليس مكوسًا ولا يوجد فيه من تحريف ٱلجاهلين شىء.
ونفهم من هذا ٱلحديث أنّ عمرًا وأبى بكر وأخرين من ٱلمهاجرين قد عملوا بقوة ٱلسنَّة ٱلعامَّة علىۤ إعادة سلطة ٱلطاغوت بزعم دين ٱللَّه. وكان فيما ورد عنهم زعم حديث لرسول ٱللَّه ينقض فيه رسالة ربِّه:
"وحدثني‏ ‏عن‏ ‏مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك قال ابن شهاب ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في‏ جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر".
وما نرـٰه فى ٱلقول:
"ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في‏ جزيرة العرب".
يبين لناۤ أمرين. ٱلأول أنَّ عمر لم يسمع ٱلحديث من رسول ٱللَّه ولكنه "فحص حتى أتاه الثلج واليقين". ولم يذكر ٱبن هشام بماذا فحص عمر وأين كان فحصه؟
هل كان فى كتاب ٱللَّه أم فى ميثاق دولة ٱلمدينة؟
أم فى غيرهما؟.
وٱلثانىۤ أنَّ عمر لم يكن من أنصار ٱلتعدد فى ٱلشرعة ٱلذى يبينه ٱلبلاغ 48 ٱلمآئدة.
وكان ٱبن هشام قد ذكر هذا ٱلحديث فى مكان أخر نقلا عن ٱبن إسحاق وعن لسان عائشة:
(قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، قالت: "كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان").
وكأنها تقول أنَّ رسول ٱللَّه قد ختم حياته بنقض ما جآءه من ربِّه.
ونحن إذ نرى فى هذا ٱلحديث كذبًا على رسول ٱللَّه. فإننا نرىۤ أنَّ عائشة ما هىۤ إلاۤ بشر قد يكون أدرك بلاغ ٱللَّه وقد يكون لم يدركه. وما ينسب إليها من قول فى هذا ٱلحديث هو كذب سوآء ءكانت هى ٱلقاۤئلة أم غيرها.
وما نرـٰه فى مثل هذا ٱلحديث أنَّ قآئله يريد نسف رسالة ٱللَّه ومعها ٱلمثل ٱلمنير للناس فى دولة ٱلمدينة ٱلمنورة.

وإذا تابعنا نظرنا فى بعض ٱلرجال ٱلذين تصدروۤا أمر ٱلولاية من بعد ٱلنبى نعلم أىَّ سلطة يصنعون. ومنهم عبد ٱللَّه ٱبن سعد ٱلذى ذكر قصته ٱبن هشام:
"ففر إلى عثمان بن عفان، وكان أخاه للرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة، فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلا، ثم قال نعم ؟ فلما انصرف عنه عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال إن النبي لا يقتل بالإشارة".
ونرى فى هذه ٱلقصة أنَّ ٱلرسول قد قبل طلب عثمان مستأمنًا لـ عبد ٱللَّه ٱبن سعد على ٱلرّغم من أنَّ ٱلخآئن يجب أن يقتل. فكيف سيقتل ٱلرسول من يرتدّ وهو يعلم أنّ ٱلارتداد موقف فكرىّ يعتمد على ما وصل إليه ٱلمرء من علم ومعرفة ؟
كما يعلم ما ورد إليه من بلاغ عربى:
"إنَّكَ لا تَهدِى مَن أَحبَبتَ ولَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهدِى مَن يشآءُ وهو أَعلمُ بٱلمهتدينَ" 56 ٱلقصص.
أمَّا من بعد ٱلنبى فقد ظهر لناۤ أنَّ هذا ٱلخآئن قد عاد فى عهد عمر وتولىۤ أعمالا فى ٱلدولة:
"قال ابن هشام: ثم أسلم بعد فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر".
وهذا لم يكن خآئنًا وحسب بل كان قاتلا.

ونحن لن نطيل فى ٱلشواهد ٱلتى تبين سلوك ٱلنبى ٱلموافق لرسالة ربِّه. وٱلتى تظهر كذب حديث ٱلطاغوت ٱلقومى ٱلذى زعم صاحبه أنَّ عمر قد "فحص حتى أتاه الثلج واليقين" فجعله يقينه يقول:
"فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر‏ أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق".
ولمن يريد ٱلزيادة فله كتب ٱلسيرة لينظر فيها من موقف ٱلباحث ٱلناظر ٱلذى يطلب ٱلاطمئنان لقلبه.

ماۤ أردناه من عرض لبعض سلوك ٱلنبى مع أعدآئه من قريش كان لعقله مع سلوك من زعم بخلافته فى ٱلحكم.
وقد بينت ٱلشواهد أنَّ دين مكَّة هو ٱلذى يدفع بمفاهيمه وسلوكه سوآء ءكان ٱلخليفة فاعله أم أمير جيشه. وكان طلبهم من خصومهم ٱلسياسيين أن يسلموا لدين قريش وليس لدين ٱللَّه. وإسلام دين قريش هو ٱلذى تابع مسيرته ٱلتاريخية إلى يومنا هذا. وقد جهد أصحابه لصناعة دين يزعمون أنَّه دين ٱللَّه وشرعته للناس.

لقد وجدت فى صحيح بخارى حديث يُذكر فيه فعل لـ على ٱبن أبى طالب (يشبه فعل خالد ٱلذى حرق ٱلأسرى) أعرضه فيما يلى:
"حدثنا‏ ‏علي بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏سفيان ‏عن ‏أيوب ‏عن ‏عكرمة ‏أن عليا ‏رضي الله عنه ‏حرق قوما فبلغ ‏ابن عباس ‏فقال ‏لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏قال‏ ‏لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏من بدل دينه فاقتلوه".
ونحن نرى فى هذا ٱلحديث ثلاثة مساۤئل. ٱلأولىۤ أنَّ عليًّا قد يكون فعل ما فعله خالد. وٱلثانية حكم على علىٍّ يسوقه ٱلمحدِّث عن لسان ٱبن عباس وينسى ما فعله خالد وسكت عنه أبو بكر وعمر. وٱلثالثة ٱلحكم بقتل من بدل دينه بزعم قول للنبى.
وٱلمسائل ٱلثلاثة يخالف بها ٱلفاعلون وٱلمحدثون وٱلحاكمون رسالة ٱللَّه. وهذا يجعلنا نتوقف عن عرض ما ذكره ٱلمؤرخون ٱلإسلاميون. كما نتوقف عن أخذ ٱلشاهد منهم. ونعود إلى منهاجنا ٱلأصل فى بيان ٱلفرق بين لسان ٱلقرءان ٱلعربى ولسان ٱللّغة ٱلفصحى ٱلذى يلغو فى بلاغ ٱللَّه.
ولنا ردّ على ما ورد فى حكم ٱبن عباس فى ٱلبلاغ ٱلعربى:
"قالت ٱلأعراب ءَامّنا قل لم تؤمنواْ ولكن قولوۤاْ أسلمنا ولّما يدخل ٱلإيمٰن فى قلوبكم وأن تطيعوا ٱللَّه ورسوله لا يَلِتكُم من أعمٰلكم شيئًا إنّ ٱللَّه غفور رَّحيم" 14 ٱلحجرات.
فٱللَّه لم يأمر بقتل أحدٍ من ٱلناس لم يبدأ هو بقتال. ورسوله لا يفعل ما يخالف أمر ربِّه سوآء شهد بذلك ٱبن عباس أم غيره.

ٱللاذقية 14/4/2005 سمير إبراهيم حسن

















مضموم ٱلكتاب


دوافع ٱلبحث فى ٱلتاريخ 5
مقدمات ٱلحدث 43
ٱلانقلاب 63

























صدر للمؤلف
ٱلدين خرافة أم علم دار ٱلمنارة – ٱللاذقية 1999
ٱلاستنساخ دار ٱلمنارة – ٱللاذقية 2000
ٱلكلمة دار ٱلمنارة – ٱللاذقية 2000
ٱلحكم ٱلرَّسولى دار ٱلحوار – ٱللاذقية 2000
منهاج ٱلعلوم
ٱلكتاب ٱلأول ٱلدار ٱلوطنية ٱلجديدة - دمشق 2002
منهاج ٱلعلوم
ٱلكتاب ٱلثانى ٱلدار ٱلوطنية ٱلجديدة - دمشق 2002
أنبآء ٱلقرءان
تستقرّ فى محراب ٱلفيزيآء
منهاج ٱلعلوم
ٱلكتاب ٱلثالث دار ٱلمنارة/دار ٱلفرات - بيروت 2005

ٱلصحيفة دار ٱلمنارة/دار ٱلفرات - بيروت 2005
ما هو سبيل ٱللَّه ؟ لم يطبع بعد ويمكن طلبه على ٱلانترنيت



#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى شيوخ شيوخ الأزهر وشيوخ الوهابية وشيوخ قم وجميع شيوخ السل ...
- هل يقبل المسلمون بدستور دولة المدينة المنورة
- دستور دولة المدينة المنورة


المزيد.....




- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سمير إبراهيم خليل حسن - الانقلاب