|
خديعة حرب الإرهاب بالوكالة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 14:43
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في حرب الإرهاب الدولية ، التي تضرب في بلدان عربية عدة ، وأكثرها شراسة وتوحشاً في سوريا والعراق ، استخدمت مسميات ، ومصطلحات مزيفة ، غير مطابقة لمضامينها الفعلية . وذلك للتغطية ، على توزيع الأدوار بين مديري ومنفذي مخططات وآليات الحرب ، ولتسويغ المثالب والجرائم المرتكبة . من أبرزها " الربيع " و " الثورة " و " الحرب بالوكالة " . وقد كان من الضروري تفنيد هذه المسميات والمصطلحات في سياق استخداماتها المشينة ، حتى يصبح التعامل مع مفاعيل المسيئين إليها بفعالية وحيوية أكثر . بيد أن التداعيات الهيكلية ، والتراتبية ، المتسارعة ، في بنية وأهداف القوى العدوانية الرئيسية في الحرب ، تعطي لمصطلح " الحرب بالوكالة " أهمية ملحة أكثر مما عداها .
لقد تبين مع تواصل الحرب سنوات متوالية ، وتوسيع المعلومات ، وانكشاف ما كان في البدايات ملتبساً من الحقائق ، أن معنى " الحرب بالوكالة " ليس مطابقاً للواقع ، حقوقياً ، وعملياً ، وليس مطابقاً حصراً في دلالته اللغوية ، التي تعني أن ( الوكيل ) هو من يقوم بعمل ، بالنيابة عن شخص آخر ( الموكل ) ولامصلحة له فيه سوى الأجر ، سواء كان الدافع لهذا التوكيل ، هو نقص الخبرة ، أو العجز ، أو الرغبة في انجاز عمل يقوم به الآخر ( الوكيل ) لاتقاء تبعات يؤثر الموكل أن يتجنبها . باختصار ، إن صاحب العمل هو ( الآمر .. الموكل ) والذي يؤدي العمل هو ( الوكيل ) . والموكل والوكيل منفصلان في المسؤولية ، إلاّ إذا اتضح أن للموكل والوكيل مصلحة مشتركة في موضوع الوكالة ، فهما في هذه الحال يصبحان شريكين ، ويتحملان معاً تبعات العمل المنجز بالتوكيل القائم بينهما .
في السياسة ، في مستواها المدني ، أوإذا انتقلت لاستخدام الحرب ، لمتابعة الجري وراء أهدافها ، يجري التمويه والتلاعب ، في مختلف المفاهيم والمصطلحات ، لتسويغ المواقف الرديئة ، أو للتستر على الجرائم بحق الإنسانية . وقد تعرض مصطلح ( الموكل والوكيل ) في الحرب الإرهابية الراهنة أيضاً ، للتمويه والتلاعب ، في محاولة خبيثة ، لتغطية مسؤولية مديري وداعمي هذه الحرب القذرة . وذلك تجنباً لتوجيه الاتهام المباشر ( للموكل ) إما خوفاً من بطشه ، أو للحفاظ على جسور المصالح معه . ما يعني استغباءاً للرأي العام المحلي والعالمي ، ومشاركة نسبية ( للموكل ) فيما يتأتى من مسؤولية عما يقوم به من جرائم .
وفي سياق التعامل مع مصطلح الموكل والوكيل ، لاسيما في الحرب الإرهابية القائمة ، يقتضي التنويه ، إلى أن كلاً من الموكل والوكيل ليس نسقاً واحداً ، وإنما هما أنساق تراتبية متعددة . إن الموكل يتألف من نسقين .. النسق الأول الرئيس هو ( الولايات المتحدة الأمريكية ) والنسق الثاني يضم ( الاتحاد الأوربي ، وإسرائيل ) . أما ( الوكيل ) فهو ثلاثة أنساق .. النسق الأول .. يضم ( المملكة السعودية ، وقطر ، وتركيا ) ، والثاني يضم ( الحكومات العربية والإسلامية المشاركة في الحرب ، بإرسال ، أو تسهيل إرسال ، أو عبور المسلحين لأراضيها وحدودها إلى داخل البلدان المنكوبة بالإرهاب ، وبتسهيل وجمع وإرسال التبرعات للمقاتلين . كما يضم أجهزة المخابرات التابعة ( للموكل ) في النسقين الأول والثاني ، ولحكومات القسم الأول من النسق الثالث . والنسق الثالث في نطاق الوكيل هو ( المجموعات المسلحة على اختلاف أطيافها وتعددها ، ومجموعات وشخصيات تنتحل صفة المعارضة . وفي تراتبية الأنساق ، تقف ( الولايات المتحدة الأمريكية ) فوق قمة الأنساق كلها ، لتوزيع الأدوار بين مختلف الأنساق وفعالياتها ، ولإدارة الحرب الإرهابية ، وذلك بحكم أنها متفوقة على جميع مكونات الأنساق ومهيمنة عليها ، عسكرياً ، وسياسياً واقتصادياً ، وأن جميع الأنساق تحت أمرتها فعلياً على الصعد كافة . وقد شكل مجموع الأنساق إطاراً تمويهياً ، لإدارة الحرب سياسياً هو " أصدقاء " سوريا .. أو اليمن .. أو لبنان .. أو العراق . كما تم تشكيل إطار آخر ، لإدارة الحرب مالياً هو " الدول المانحة "
ومن الجدير ذكره ، أن مديري الحرب الإرهابية ، قد استخدموا في البداية مصطلح " الربيع العربي " و " الثورة " غطاءاً لمجريات الحرب " السلمية " . وبسبب تعثر أنشطة " الربيع " السلمية ، لعدم تعبيره الصادق عن متطلبات القوى الشعبية ، ولعدم مطابقة أفعال ماسمي " الثورة " مع الطموحات الشعبية ، من أجل حياة دستورية ضامنة ، للتقدم ، والارتقاء نحو الأفضل ، أكثر من نمط الحياة ، الذي زعم " الثوار " رفضه والعمل على التخلص منه ومن قيوده . ومع انتقال " الربيع .. والثورة " من التظاهر العنفي ، إلى الحرب بوسائلها المسلحة ، وبدأ التوجه لتوصيف ما يحدث ، برزت توصيفات عدة . منها ما هو مرده إلى عدم الإلمام الكافي بمجريات الأحداث وخلفياتها ، ومنها ما هو مرده إلى عدم الخبرة السياسية والإعلامية ، ومنها ما هو مرده إلى توجه مأجور ، متعمد ، نحو مفاهيم ومصطلحات منافقة ، في التعامل مع الحرب .
* * *
بعد تدخل " حلف الناتو مباشرة ، بطائراته وصواريخه ، ومجموعاته النخبوية العسكرية ، وإدخال المجموعات الإرهابية المسلحة الدولية ، في " الربيع الليبي " . وبعد دخول " القاعدة " ومتفرعاتها من مختلف مناطق العالم ، عبر وسائط وحدود دولية ، إلى جانب " ثوارالربيع " .. السوري .. واليمني .. والعراقي .. صار التمويه مكشوفاً .. وامحت حدود العلاقة المصطنعة بين مكونات ما سمي " الحرب بالوكالة .. أي بين الموكل والوكيل . لتصبح آمراً ومأموراً .. خادماً ومخدوماً . وبرز " الموكل " إلى واجهة الأحداث .. آمراً .. ناهياً .. في مختلف الأنشطة والمناسبات ، لفرسان الأنساق الأدنى ، أمثال أردوغان ، وبندر بن سلطان وسعود الفيصل ، وحمد ، وحمد آل ثاني ، وأولاند وفابيوس ، وكاميرون وهيغ ، وآشتون ، وملزماً لهم بمتابعة خدمته ، للحصول على حصص تافهة ، من كعكة اللعبة الإرهابية الدولية ، لاسيما ، من البترول وشتى أنواع الطاقة ، ومساحة من الأسواق لتصريف منتوجاتهم ، وتوظيف استثماراتهم .
وقد لعبت الحاجة إلى تطبيق الأهداف الستراتيجية ، في مخطط " ربيع الإرهاب الدولي " ، بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، أي تمزيق البلدان العربية الرئيسية ، مصر وسوريا والعراق ، التي تشكل معوقاً لنمو الوجود " الإسرائيلي " ، بل وتهدده بالزوال ، وتشكل مصادر قوة تهدد شروط الهيمنة الأمريكية الغربية على المنطقة ، وكذلك الحاجة لتسويات وصفقات دولية لشؤون العالم المتوترة ، للخروج من مأزق تنامي التهديد للإطاحة بالأحادية القطبية الأمريكية للعالم ، لعبت دوراً مهماً ، في إحداث تحول متسارع في تراتبية العلاقة بين أنساق الحرب الإرهابية الدولية . حيث حجمت مكونات النسق الثاني .. أوربا وإسرائيل .. وقفز القسم الثالث من النسق الثالث .. أي الجماعات المسلحة .. إلى الإقتراب أكثر من قمة النسق الأول . أي أن أداة الإرهاب المسلحة ، قد تفوقت أو كادت على ما عداها من ألأنساق الدنيا . قافزة فوق مستويات دول كانت عظمى ، ومستويات دول إقليمية تحلم أن تصبح دولاً عظمى ، وطغى أو كاد في الحسابت الدولية ذكر " أبو بكر البغدادي أمير داعش " على ذكر رموز هامة في مختلف الأنساق .
وقد أدى ذلك ، إلى منح المجموعات المسلحة ، التي توحدت تحت اسم " داعش " الآليات العسكرية الثقيلة ، والمالية ، ودعمها إعلامياً ، وتوفير الخدمات اللوجستية ، لتنقل بسرعة مذهلة ، قواها الرئيسية ، من سوريا إلى العراق . وذلك ليس غايته نقل المزيد من الإرهاب إلى العراق ، وإنما لاحتلال أراض عراقية محاذية للأراضي السورية ، لإقامة دولة إسلامية " شمولية تحمل مشروعاً توسعياً سافراً في لبنان والأردن ، ولنشر رياح " ربيع المملكة السعودية " من شمالها إلى جنوبها ، فاتحة بذلك عصراً جديداً من الحروب الطائفية ، والأقلوية ، والتقسيمية .
* * *
لم يعد حصول المجموعات الإرهابية المسلحة ، على الحماية والإيواء ، في دول مجاورة ، وحصولها على المال والسلاح ، والخبراء العسكريين الدوليين ، وعلى الدعم السياسي والإعلامي ، سؤالاً يبحث عن جواب .. إذ أن اللعب صار على المكشوف .. أكثر لؤماً وقذارة ودموية . كما لم يعد ، كيف يتوافد الإرهابيون من بلدان عديدة ، ويعبرون حدود دول تملك أرقى آليات الرقابة الأمنية ، إلى حيث يتوجهون للقتال والارتزاق المتوحش .. عرضة للسؤال . لقد تواترت تصاريح مسؤولين في دول عديدة أوربية وغيرها ، أن إرهابيين من لدنها قد غادروا للقتال مع المجموعات الإرهابية المسلحة ، في سوريا والعراق ولبنان وبلدان أخرى . طبعاً مع محاولة التبرؤ من المسؤولية . لكن السؤال ، من أين حصلت " داعش " فجأة على ثمانين دبابة ، وحشد هائل من السيارات المصفحة والمسلحة ، لاجتياح الموصل والمحافظات الغربية الشمالية من العراق ، مازال معلقاً . وللتهرب من الإجابة عليه يروج الآن ، أن " داعش " حركة مستقلة ، متمردة حتى على قيادتها الأم " القادة " . وتدعيماً لزعم الاستقلالية ، تبرز أنباء عن استحواذ " داعش " على مليارات الدولارات من خزائن الدولة العراقية في الموصل . وتأكيداً على ذلك أيضاً ، يوجه أميرها " أبو بكر البغدادي " رسائل لقادة دول مجاورة ، طالباً مبايعته أميراً للمؤمنين ، وإلاً سيفتح على بلدانهم حرباً جهادية لاتبقي ولاتذر .
بيد أن قمة أنساق الحرب الإرهابية الدولية ( الولايات المتحدة الأمريكية ) تفضح كذب استقلالية " داعش " ، وتؤكد على أن المسألة هي توزيع أدوار . وذلك من خلال اشتراطها تنحي " المالكي " وتشكيل حكومة عراقية جديدة يهيمن عليها عملاؤها ، والخضوع لإملاءاتها ، مقابل ، دعم العراق بالمستشارين العسكريين والسلاح الجوي والصاروخي لمواجهة " داعش " دون وعد حاسم بدحر " داعش " والقضاء عليها . كما أن " سعود الفيصل " يسهم أيضاً في هذا المضمار ، باشتراطه ، رأس المقاومة في لبنان ، مقابل رأس " داعش " في العراق " دون وضع نهاية ل " داعش " في أمكنة أخرى .
ولا تخلو المحادثات الدولية ، حول " أوكرانيا " ، من استخدام ما قامت به " داعش " في العراق ، بل وتدخل في مجال الابتزاز عند تداول الحلول .. لأوكرانيا ، وسوريا ، والعراق . إن الأيام الجارية المتلاحقة ، والتفاعلات الميدانية ، في سوريا والعراق وأوكرانيا ، سوف تكشف المزيد من الملابسات في مجريات الهجمة الإرهابية الدولية الهمجية على البلدان العربية .
لكن ما تم كشفه حتى الآن من غدر ، وتآمر ، وخيانة ، وتواطؤ دولي ، وعربي رجعي ، وصهيوني ، كاف لمن مازال يحمل ، في قلبه ، وضميره ، وعقله ، قيم الكرامة الوطنية والقومية والإنسانية ، وخاصة في مستوى القيادات السياسية العربية ، لإقامة أوسع ، وأقوى تحالف مقاوم ، لرد الهجمة الإرهابية .. وإسقاط حرب " الموكل والوكيل " وما بينهما من الشياطين والخونة والمرتزقة ، ولإعادة البناء ، على أسس الأخوة ، والديمقراطية .. والعدالة بكل أبعادها السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرهاب ودوره في السياسة الدولية
-
ما بين حرب حزيران وحرب الإرهاب
-
دفاعاً عن شرعية الشعب
-
الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم
...
-
حلب تحت حصار الموت عطشاً
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
-
أول أيار والإرهاب والحرب
-
الصرخة
-
هل فشل أردوغان ؟
-
ما وراء جبال كسب
-
جدلية الزعامة والوطن والشعب
-
الساسة والسياسة ومكامن الفشل
-
الأم والأسطورة والحياة
-
الاعتماد على الذات الوطنية أولاً
-
المرأة السورية وحقوقها والحرب
-
الانحطاط الشامل والاختراق الممكن
-
جدلية حقوق الوطن وحقوق الإنسان
-
بانتظار معجزة
-
فشل - جنيف 2 - .. وماذا بعد ؟
-
السوريون بين الصفقة والحل السياسي
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|