|
ماذا يحدث في الموصل؟
جاك جوزيف أوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 19:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد سقوط الموصل الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بيد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصاراً باسم "داعش"، أصبح مصيرها مجهولاً، وأصبح سكان الموصل بين مطرقة مسلحي "داعش" الذين أتوا من خارج المدينة، وسندان الجهات السياسية العراقية المختلفة التي تحاول الحصول على مكاسب حزبية وطائفية ضيقة على حساب المواطن البريء. وقبل تناول ما يحدث في هذه المدينة المنكوبة قد يكون من الضروري تسليط الضوء على تنظيم "داعش" الذي ملء الدنيا وشغل الناس في الآونة الأخيرة. من هو تنظيم "داعش"؟ وما هي أهدافه؟ في نيسان عام 2013 تشكّل تنظيم داعش، وقُدِمَ على أنه اندماج بين ما يسمى بـ "دولة العراق الإسلامية" التابع لتنظيم القاعدة الذي تشكّلت في تشرين الأول من عام 2006 والمجموعات التكفيرية المسلحة في سورية المعروفة بـ"جبهة النصرة"، إلا أن هذا الاندماج الذي أعلن عنه قيادي "دولة العراق الإسلامية" أبو بكر البغدادي، رفضته "النصرة" على الفور. وبعد ذلك بشهرين، أمر زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري بإلغاء الاندماج، إلا أن البغدادي أكمل العملية ليصبح "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام) واحدة من اكبر الجماعات الإرهابية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. للتنظيم اسم آخر يتم تداوله في المناطق التي يسيطر عليها في سورية والعراق، حيث بات المواطنين يرمزون إليه بكلمة "الدولة". ويتبنى هذا التنظيم الفكر السلفي الجهادي (التكفيري) ويهدف المنظمون إليه إلى إحياء ما يعتبرونها "الخلافة الإسلامية" وإعادة تطبيق الشريعة، حسب منظورهم الديني ومنطلقهم العقائدي. وأثار هذا التنظيم ( المصنف إرهابياً) جدلاً طويلاً منذ ظهوره في سورية، حول نشأته، ممارساته، أهدافه وارتباطاته، الأمر الذي جعل محور حديث الصحف والإعلام، بين التحاليل والتقارير، ضاعت هوية هذا التنظيم المتطرف وضاعت أهدافه و ارتباطاته بسبب تضارب المعلومات حوله. فئة تنظر اليه كأحد فروع القاعدة في سوريا، وفئة أخرى تراه تنظيم مستقل يسعى لإقامة دولة إسلامية، وفئة ثالثة تراه صنيعة "النظام السوري" للفتك بالمعارضة وفصائلها. "داعش" في العراق .. من الميلاد حتى دخول الموصل على الرغم من أن هذا التنظيم حديث الظهور على الساحة السورية، إلا أنه ليس بتشكيل جديد، بل هو الأقدم بين كل التنظيمات المسلحة البارزة على الساحة السورية خاصة والإقليمية عموماً. تعود أصول هذا التنظيم إلى العام 2004، حين شكل الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي تنظيماً أسماه " جماعة التوحيد والجهاد" وأعلن مبايعته لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سمي "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". برز التنظيم على الساحة العراقية إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، على أنه تنظيم جهادي ضد القوات الأمريكية، الأمر الذي جعله نقطة جذب للشباب العراقي الذي يسعى لمواجهة القوات الأمريكية الغازية بلاده، وسرعان ما توسع نفوذ التنظيم وقوته، ليصبح من أقوى الميليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية. في العام 2006، خرج الزرقاوي على الملأ في شريط مصور معلناً عن تشكيل "مجلس شورى المجاهدين" بزعامة عبد الله رشيد البغدادي. وبعد مقتل الزرقاوي عُيِّنَ أبو حمزة المهاجر زعيماُ للتنظيم في العراق. وفي نهاية العام نفسه تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر كل تلك التنظيمات ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضي العراقية، إضافة إلى أنه يُظّهر أهدافها عبر اسمه... "الدولة الإسلامية في العراق" بزعامة أبو عمر البغدادي. تنظيم "داعش" لا يخفي نيته في بناء دولته، بل أكثر من ذلك فقد نشر خريطةَ دولته المرتقبة بعد سيطرته على الموصل. التطورات الأخيرة أظهرت أن حدود دولة "داعش" الافتراضية بدأت تلوح في الأفق. فالتنظيم لم يعد يكتفي بفرض نفوذه على مناطق حساسة في العراق وسورية، بل يسعى ليمتد إلى الكويت والأردن وفلسطين والسعودية. يسيطر التنظيم اليوم على مساحة تمتد من محافظة نينوى وقسم من الأنبار غرب العراق، إلى ريف حلب الشمالي قرب الحدود السورية - التركية. كذلك من الريف الشمالي لدير الزور، إلى جنوب الحسكة، وكامل الريف الغربي، وصولاً إلى محافظة الرقة قاعدة التنظيم الأساسية. ويبدو أن التنظيم يسير وفق استراتيجية معينة، إذ انه يسعى لبناء دولة تستند إلى مقومات اقتصادية قوية أساسها فرض سيطرته على منابع النفط في مناطق دير الزور السورية والموصل العراقية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن استراتيجية التنظيم تلحظ أهميةَ الماء، فعمل على السيطرة على مسارات المياه العذبة، إذ أن محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين تلتقيان بمحافظة الأنبار العراقية عبر نهر الفرات، كما يسعى التنظيم لفرض سيطرته على مناطق واسعة عند مجرى نهر دجلة. يرفع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام شعار "باقية وتتمدد"، لكن علامات الاستفهام الأهم تدور حول قدرة التنظيم على البقاء في المناطق التي دخلها، وسط غياب المعلومات عن عدد عناصر التنظيم وقدراته الفعلية. وبعد أن سيطر التنظيم على مدينة الموصل أصدر ما يسمى "وثيقة المدينة" جاء فيها: "المجالس والرايات بشتى العناوين وحمل السلاح منها غير مقبول لقول الرسول (ص) أن من يريد شق عصاكم فاقتلوه"، محذراً في الوقت نفسه من أن "تعدد المشارب والأهواء يثير النعرات والأنفة". وأضاف التنظيم أن "الأموال التي كانت تحت يد الحكومة الصفوية (المال العام) أمرها عائد إلى إمام المسلمين وهو يتصرف فيها بما يراه مناسبا وليس لأحد أن يمد يده إليها"، محذراً من "مراجعة العمالة ومغازلة الحكومة وتجارة الخمر والدخان وباقي المحرمات". وتابع "موقفنا من المشاهد والمزارات الشركية في العراق هو أن لا ندع قبراً إلا سويناه ولا تمثالا إلا طمسناه"، داعياً النساء في الموصل إلى "الحشمة والستر والجلباب والخدر وترك الخروج من المنزل". وختم التنظيم بيانه الذي سماه "وثيقة المدينة" بالمقارنة بين "الأنظمة العلمانية من ملكية وجمهورية وبعثية وديمقراطية"، وما وصفه بـ"اكتواء الناس بنارها وذوقهم سعيرها"، مؤكداً أن "حقبة الدولة الإسلامية وأميرها أبو بكر القرشي" قد بدأت. ولم تتضمن الوثيقة إشارة واضحة لمصير المكونات الدينية والقومية في محافظة نينوى، كالمسيحيين والأزيديين والشبك، وطريقة التعامل معهم في ظل تردد أنباء عن هدم وإحراق العديد من دور العبادة لهذه المكونات. أن إزالة هذه المعالم الحضارية والدينية، دليل على الفكر الظلامي الذي يعتنقه القائمون بهذه الأفعال الشنيعة التي لا تمت للحضارة بصلة وتؤكد على أنهم عناصر همجية تعود إلى عصور مظلمة سحيقة، فهذه التماثيل ومراكز العبادة دليل على عظمة المدينة بتاريخها العريق الممتد إلى بدايات التاريخ وتأسيس المدنية، وعلى إبداع أبناء هذه المنطقة وتعاضدهم، بغض النظر عن الفروقات الدينية والمذهبية والقومية، عبر الأزمنة في مختلف المجالات الحضارة الإنسانية. ما السبيل إلى حل الأزمة القائمة في العراق والتي تشكل مأساة الموصل الصورة المصغرة عنها؟ أدت مأساة الموصل إلى عودة الحديث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دول قائمة على أساس طائفي وقومي، وتناسى الجميع أن لا العشائر والقبائل وحدها قادرة على بناء أُسس دولة حديثة، ولا المرجعيات الدينية التي يُفترض بها أن تهتم بشؤون السماء وتترك شؤون الناس لمن كان بها خبير، فإذ بها تتدخل بكل شاردة وواردة في محاولة لسوق المواطن العراقي إلى الجنة بالعصى، ووقعت في فخ مزج الدين بالسياسة مما قد يؤدي إلى انفجار شديد يُهدد بُنيان المجتمع بأسره. ذلك أن الدين ثابت بمبادئه وأوامره، حلاله وحرامه، بينما السياسة متغيرة حسب المعطيات والظروف. وتجاهل البعض أبسط شروط بناء الدولة الحديثة، فعند العمل على تأسيس دولة ما يجب أن يكون لها على الأقل حدود طبيعة تفصلها عن باقي الدول حتى في حال العمل انفصال الإقليم عن محيطه، فكيف إن كانت حدود هذه الدولة الطبيعية تمتد بين رؤوس الجبال والسماء؟ حل هذه الأزمة قد يكون بسيطاً جداً وذلك بالعمل على تعزيز شعور المواطنة لدى مختلف أطياف مكونات الدولة العراقية والابتعاد عن الممارسات الطائفية والنزعة الانتقامية التي سادت بعد سقوط نظام صدام حسين وتفعيّل العمل بمؤسسات الدولة وتطويرها عن طريق محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين به كائناً من كان. إضافةً على الانفتاح على كل المكونات القومية والطائفية وإشراكها في العملية السياسية التي تهدف إلى تحقيق الخير العام، والعمل على تحقيق التنمية المتوازنة والسماح للأقاليم التي تحتوي أراضيها ثروات باطنية أن تستفيد من عائدات هذه الثروات بهدف تطوير بنيتها التحتية والعمل على تعزيز ارتباطها بالمركز. عندها فقط سيتحد الشعب العراقي بشيبه وشبابه، رجاله ونسائه، لمحاربة هذا الفكر الظلامي الوافد على المنطقة ودحره. وفي النهاية، يُخطئ كثيراً من يعتقد أن التدخل واشنطن المباشر في هذه الأزمة يمكن أن يساعد على حلّها، فهذا التدخل لن يؤدي إلا إلى تعزيز الانقسام العمودي الحاصل في العراق حالياً ويدفع إلى تسّريع عملية التقسيم التي يُبشّر بها المحافظون الجدد في أميركا ويستكمل عملية تدمير الدولة العراقية التي بزوالها تزول دولة محورية تُشكل العمق الاستراتيجي للجبهة الشرقية في محاربة إسرائيل.
#جاك_جوزيف_أوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة سقوط الموصل
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية -جمول-
-
سورية ... والصراع على هوية الشرق الأوسط
-
موسكو بكين.. القضاء على هيمنة القطب الواحد
-
قراءة لبعض بنود بيان الحزب الشيوعي السوري الموحد الذي صدر تح
...
-
مخاطر مزج الدين بالسياسة
-
النازية ... الفاشية أصل كل الشرور
-
مذابح -سيفو-... إحدى الفصول المنسية من تاريخ شعوب ضُحِّيِ به
...
-
ترشّح المشير عبد الفتّاح السيسي ... بين المؤيد والمعارض ...
...
-
امّرُؤ القيس ... التُرّكي
-
الأرمن يُهجّرون من جديد
-
المسألة الأوكرانية ... والصراع على شبه جزيرة القرم
-
نار تقسيم ... توقد الصراع بين قابيل وهابيل في تركيا
-
تصّدع في البيت الخليجي ... قطر تُغرّد خارج السرب
-
أحاديث شرقية
-
الأزمة الفنزولية
-
رقعة الشطرنج الأوكرانية
-
حكومة المائة يوم في لبنان
-
الصراع في جنوب السودان
-
الصراع على أوكرانيا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|