|
-علاج- الإلحاد..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 13:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"علاج" الإلحاد.. ألحياة مليئة بالمُفاجأت ، وتُزودنا يوميا بالمُفارقات العجيبة والمواقف العبثية ، فحينما تسخر منا ، مُخرجة لنا " لسانها" إستهزاء ، لا نملك إلا أن ننفجر ضاحكين من كوميدياها ألسوداء . وما سأسردهُ على مسامعكم تاليا ، هو واقع وليس خيالا ، وقصة أعرف أبطالها حق المعرفة وتربطني بهم صداقة جيدة ستدوم . لكن قبل البدء بالقصة التي فاقت ألخيال . ما هو المقصود بعلاج الإلحاد ؟ هل هو مرض أصلا ؟ وهل هناك متخصصون في علاجه ؟ وما هي وسائل العلاج ؟ وبطل قصتنا شاب في العشرينيات من العمر ، إبن لعائلة مُسلمة غير متزمتة ، يؤدي أفرادها الفرائض الدينية ، بما في ذلك تأدية الوالدين ، لفريضة الحج . لكنهم من المسلمين العصريين ، الوالد تقني مُدَبلم (أي حاصل على دبلوم في مهنته ) ، الأُم ربة بيت حاصلة على شهادة بعد الثانوية ، لكنها لم تعمل في مهنتها ، لهما ثلاثة أولاد وبنت واحدة . الإبن البكر متزوج ، والبنت أنهت دراستهاالأكاديمية ،أما ألصغير فقد ورث مهنة أبيه ، يعمل ويكد لبناء مُستقبله ، أما بطل قصتنا فهو مشاكس وغير منضبط ، يفعل ما يُريدهُ هو وليس ما يرغب به والداه . سافر الى أحدى الدول الاوروبية ، وقبل أن يُنهي دراسته الاكاديمية بسنة ، تبقت له ، قرر ترك الدراسة وعاد الى القرية ، مُعلنا لأهله بأنه ينوي الإقتران بشابة من أصول مسلمة ، تعرف عليها هناك ، لذا سيتوقف عن الدراسة لمدة سنة ، يعمل خلالها ويجمع بعض المال ، من أجل الزفاف . وبما أنه وخلال سنوات كان يأتي زائرا ، ضيفا عزيزا ومُكرما ، لم يحتك كثيرا بالبيئة ولا حتى بأهله كثيرا ، لقد تغير كثيرا واصبح اكثر جرأة في الإفصاح عن أرائه للجميع ، بما في ذلك أُمه ، الإنسانة المؤمنة . وكان التصريح الاشد "قسوة " عليها ، هو إعلانه بأنه مُلحد ، ولا يؤمن بوجود إله !! وبالتأكيد كانت ردة فعل العائلة صعبة ، فقد كانت الصدمة قاسية ، التوقف عن الدراسة أولا ، وقرار الزواج الذي يجيء في غير أوانه ، من وجهة نظر العائلة ، والأنكى والأمر ، تصريحه بأنه مُلحد ..(لا علاقة بين وجوده في اوروبا وبين إلحاده ، لكنه أصبح أكثر جرأة في الإفصاح عن أرائه ) هل كنتم تتوقعون من العائلة أن تشعر غير ذلك ؟ فقصة التوقف عن الدراسة ، ورغم انها غير مُحبذة ، لكنها منطقية بعض الشيء ، فلربما ، هكذا ظنت العائلة ، بأنه قد أصابه إرهاق من الدراسة في بلاد ألغربة، أما قصة الزواج ، فهذه أيضا معقولة ، فربما وقع في هوى الفتاة ويريد أن يجعل علاقته بها رسمية، أما الإلحاد ، فهذه هي الضربة القاضية والطامة الكبرى . حاول الجميع معه ، بكل وسائل الإقناع التقليدية ، لكن دون جدوى !! هل أصابته لوثة في عقله ؟؟ تسائل الوالدان ، وفقط لو أنه يحتفظ بالأمر لنفسه . أو أن يحتفظ بأفكاره لنفسه ولا يقولها صراحة أمام كل من هب ودب . وتفتق ذهن الأُم عن حل لمشكلة إبنها ، بعد أن توصلت إلى نتيجة مُفادها ، بأن شيطانا قد تلبّسهُ ،وذلك ، بأن تعرضه على طارد للأرواح الشريرة . ولكن ، ما هي الوسائل العلاجية التي يتبعها هذا "المُختص " ؟ نعم ،إنه ألعلاج بالقرأن . رضح الإبن لإستجداءات أمه ورافقها إلى "عيادة " المختص ، لكنه أضمر في نفسه خطة تُحرج "المختص " ، ونجح في ذلك واستسلم "المُعالج " مُعترفا بعجزه . وقد تكون حكاية الفتى مع "الشيخ" موضوعا لقصة قصيرة سأكتبها لاحقا . وما حفزني للكتابة عن "علاج "الإلحاد ،في ألمقام الأول هو ، موقف المؤمنين من الذي لا يعتقد ما يعتقدون ، ويعتبرون رفضه لمعتقداتهم كنوع من ألجنون ، أللوثة ألعقلية ، المرض النفسي أو في أفضل الأحوال ناتج عن عوامل خارجة عن إرادته ،كأن يكون قد تلبسته روح شريرة شيطانية ،لتُبعده عن سواء ألسبيل . وفي هذا التفسير ،إزاحة "الشعور بالذنب " عن كاهل العائلة ، و"إعفاء" الشاب من المسؤولية ، وعقد هدنة مع المجتمع القريب والذي سيتعاطف مع "مأساة " الشاب ، بدل أن يجابهه أو يتعرض له بأذى!! وهذا التفسير الأخير الذي "يُحّمل " الروح الشيطانية المسؤولية عن "الكُفر " بالإله ، ليس جديدا ، فالديانات جميعها ترى في "الشيطان " المسؤول المُباشر عن "الزيغ والضلال " ، لذا طوّر ألكهنوت "علاجات " لمثل حالات التلبس هذه . فطرد الأرواح الشريرة ، وظيفة أداها وما زال بعض رجال الكهنوت في كل الديانات . وكرست هوليوود لهذه الظاهرة أفلاما حظت بجماهيرية عالية ، كفيلم "بسيخو" وفيلم "اكسورسيست " ، أو طارد الأرواح . وطقوس طرد الأرواح معروفة ومشهورة ، كطقوس الزار الافريقية الإسلامية ، اليهودية (الاثيوبية ) والوثنية ، طقوس "الديبوك " أي التلبس اليهودية ، والطقوس التي يقوم بها كهنة مسيحيون "مُختصون "بذلك " !! ولا ننسى طقوس العلاج بالقرأن التي تحظى برواج كبير . والعلاجات التقليدية ، وللمعلومية فقط، ليست مرفوضة في العلاج النفسي ، كوسيلة علاجية مُكملة وبديلة للمُصابين الذين يؤمنون بأن "المسبب "لمرضهم ،هي "الروح " التي تلبستهم ، وفقا للتفسير الثقافي بمعناه الانتروبولجي للمرض النفسي!!! فالحل إذن مع المُلحد ، وفق هذا التفسير للإلحاد ، هو طقس "طرد " الشيطان ، عن طريق القرأن . المُشكلة بأن المُلحد لا يؤمن أصلا بقدسية النص ولا يعتبره الهيا ، لأنه يُنكر وجود إله في الاساس ، فكيف سيتقبل أن يعتبر نفسه "مريضا "يحتاج إلى علاج ، سواء بالقرأن أو بغيره من طرق "العلاج "؟؟ ! أما في المقام الثاني ، فما حفزني على الكتابة ،هو رفض المجتمع والأهل في حالة صديقنا ألشاب ، أن يُكّون الإنسان وعيا مناقضا للوعي الجمعي أو ألبيئي ، فوفق منظورهم ،فإن أسمى تجليات الوعي الإنساني ، والتفكر والتأمل في الطبيعة والكون ، هي وجود صانع وخالق لهذا الكون . مما يترتب على هذا بأن الذي ينفي الألوهية هو جاهل وغر .. ليس إلا ..!! إن لم يكن مُتلَبَسا بشيطان كافر .. أما موضوع التناقض في الوعي بين الأفراد والمُجتمع ، فهذا يحتاج الى مقال منفصل ووقفة مُعَمَقة !!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام ألسياسي وفن ألمراوغة ..
-
ألأُنثى بين التبخيس والإستغلال في ألثقافة ألعربية ..!!
-
-ومن ألحب ما قتل- ..مُهداة للأستاذ محمد حسين يونس .
-
ألعائلة المثلية :جدلية أخلاقية ..
-
بين ألكيفية وألماهية ..
-
داعش تكشف العورات وتُمزق الأقنعة ..!!
-
ألتحرش ألجنسي : جدلية الإنتقام أو فكر ثقافي جديد ؟!(4)
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :ألخوف الإجتماع
...
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :(ألبهمنة) ( 2)
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة (1)
-
المثلية بين البيولوجيا والتنشئة ..
-
المثلية ، السياسة والدين ..
-
-يعيش - الإحتلال ..!!
-
ألأخلاق وألسياسة..
-
إسرائيل : ما بين -عاهرة - وقديسة - !!!
-
حزيران بين -ألمسيحية - الإسلامية و- المسيحية -اليهودية ..
-
التستوستيرون بين ألقمع ،الإباحية والترشيد ..
-
ألفقر والأخلاق ..
-
شدو الربابة بأحوال الصحابة ..ألمُعاصرين !!
-
حق تقرير ألمصير : تصادم ألطموح والواقع .
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|