|
فصل الدين عن السياسة من مصلحة الدين
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 11:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الدينيون لا يفقهون ولا يريدوا ان يفقهوا من ان فصل الدين عن السياسة هو من مصلحة الدين بالدرجة الاولى ، ومن مصلحة السياسة بالدرجة الثانية ، وبالتالي من مصلحة الناس جميعا . لان رجل الدين واجبه الشرعي والتكليفي الارشاد والتوجيه والموعظة ، وحث الناس بالتوجه الى الله والاهتمام بقضايا الدين المتعلقة بالعبودية وطاعة الله ورسوله ، ومنها حسن الخلق والتعامل مع الناس بالحسنة ، ما يعكس الصورة المشرقة للمسلم الذي يعمل لمرضاة خالقه بكل الوسائل والطرق . ومن المعيب جدا ان نجلب المهندس الزراعي – على سبيل المثال – ووضعه مساعد دكتور او مدير مستشفى . ومن المعيب ايضا ان نجلب الدكتور البيطري ونجعله جراحا في القلب او نجبره ان يكون طبيب اسنان . ومن المعيب ايضا ان نجلب رجل الدين ليشغل مدير مصرف او مدير شركة او مصنع لانتاج الطاقة الكهربائية او لانتاج وتكرير النفط ، الى غير ذلك من الامثلة . اذن بحكم العقل والمنطق ان كل صاحب اختصاص ان يمارس اختصاصه وعمله الذي يتقنه . اما اذا وضعنا الامور في غير نصابها ، فاما ان نكون مجانين ! او جهلة ومعاندين ، ولا نريد ان نتعلم كي نجعل الامور تجري في اعنتها . وهذا الذي يحدث الآن ويطفوا على الواقع الراهن ، عندما جاء رجل الدين ودخلوا معتركا هو ليس من اختصاصهم ، وذلك هو معترك السياسة وتشعباتها . السياسة هي التي صنعت المذاهب والفرق والملل والنحل وعزفت على وتر الخلاف والاختلاف ، وجعلت الناس شيعا واحزابا . اختلاف المسلمين بدأ من مؤتمر السقيفة الى يومنا هذا ، ولا تزال السياسة تؤثر على الدين وتحاول اسقاطه – اذا ما ردنا ان نقول قد اسقطته بالفعل – الدين لا يستطيع ان يبني دولة مترامية الاطراف تتحقق فيها المساواة والعدالة ، لانها ترضي طرفا وتغيض آخر ، لان مبادئ دستور الدولة الدينية قديم جدا ولا ينسجم مع مستجدات التطور والتقدم التي تحصل في كل ساعة وفي كل يوم . علي بن ابي طالب اسس دولة دينية شاع فيها نوع من العدالة والمساواة ، لكنها لم تدم اكثر من اربع سنوات حتى انهارت وطوت صفحتها . لكن الدولة العلمانية التي اسسها معاوية بن ابي سفيان ، والتي تعرف بالدولة الاموية دامت سنوات وسنوات ، شيدت فيها كثير من الامور والقضايا التي صبت في مصلحة المجتمع المسلم . ولا نريد ان نقول تحققت فيها العدالة ولم يجر فيها ظلم ، كلا , وان كان الخلفاء يدعون الالتزام في الدين والمبادئ . خطب معاوية وقال بعد صلح الحسن كما يذكر الطبري وغيره : والله لم اقاتلكم لكي تصوموا وتصلوا ، واني اعلم انكم وتفعلون ذلك ، لكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك . ومعاوية خلط السياسة بالدين ، لكنه كان رجل غير متدين ، حتى ان اسلامه كان بعد فتح مكة وهو من الطلقاء الذين قبض عليهم الرسول ثم اطلقهم ولم يحاسبهم لانهم من رهطه وعشيرته ، فسموا بهذه التسمية . فالذي يريد ان يصعد الى الحكم وينال نصيبه من السياسة كان يرتقي سلم الدين كذريعة حتى يحقق مراده ، ونال فعلا . وظلت السياسة تلعب بالدين كيفما تشاء الى يومنا هذا وصار الاسلام السياسي بدل الاسلام المحمدي ، وكانت حجتهم بان الاسلام دين ودولة ، وهذا محظ افتراض لم ينطل الا على السذج من الناس . تركوا الدين وراحوا يعملون في السياسة باسم الدين ، والدين باسم السياسة ، فأضاعوا الدين والسياسة ، من اجل مصالحهم ومآربهم وغاياتهم . وهو ما يحدث اليوم في الدول الاسلامية ، في ايران وفي السعودية ، وفي العراق ، وسوريا وافغانستان . ففي العراق خدعونا باسم الدين ، وجاؤونا بأناس ليس لهم علاقة بالدين ولا في السياسة ، وارتقوا منصة الحكم على اسس مذهبية وطائفية ودينية ، وانخدعت الناس بهم ، ويا ليت الناس يرعوون ويعلمون ما يجري من حولهم . وفي الانتخابات الاخيرة عادوا الكرة ثانية ، ولدغوا من الجحر اربع مرات بدل المرتين . القوا في عقول السذج من الناس بان العلمانية (كفر والحاد ) وصدق الجهلة هذه المقولة ، ولم يعرفوا مغزاها ومعناها ( فان كنت لا تدري فتلك مصيبة ) . تعلمنا في دروس (المنطق ) ان هناك نوع من الجهل يسمى (الجهل المركب ) ومعناه ان ثمة جاهل ولم يعلم انه جاهل ! ( والمصيبة اعظم ) . مرجع الذي يقلد الآخرين هو رجل الدين الذي يعطيه فتاوى وقضايا وامور جاهزة ، من دون ان يتعب – هذا المقلد – نفسه للبحث عن ذلك ، فياخذ جميع تلك الامور على علاتها ، حتى شاع فيهم مبدئ يقول : ( ذبها براس عالم ... واطلع منها سالم ) . بينما دعاة العلمانية مرجعية الانسان ذاته وتجربته وخبرته في الحياة ، فهو لم يعمل في امور وقضايا ما لم تخضع الى التجربة وتطابق الواقع ، مع الاخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن والناس . البعض يعتقد ان الناس في خدمة الدين ! بينما الصحيح الدين في خدمة الناس ، فالدين ينظم شؤون حياتهم ويدعوهم الى التمسك بالاخلاق وبالمواعظ والقيم التي يريدها الخالق . ويحضرني هنا حديثا منسوب الى النبي مفاده ان حرمة الانسان افضل من حرمة الكعبة التي تحج اليها كل عام ملايين المسلمين، وهذا كلام عقلاني ومنطقي ، لكنه لا يطبق ابدا . فانا اتحدى اي انسانا يهدم قطعة صغيرة جدا من الكعبة ويعود الى اهله سالما ! . اعتقد ان الذي يغار على دينه يفترض هو الذي يدعو الى العلمانية حتى نتخلص من الحثالات التي خلطت علينا الاوراق من اجل مصالحهم ، ولو اطلعت عليهم لوليت هربا . فالغرب الذي تخلص من رجال الدين ومن الكنيسة في ثورته الصناعية بقيادة الفيلسوف فولتير وامثاله المتنورين ، واعلن الدولة العلمانية هو اليوم مضرب الامثال في الحرية والمساواة والعدالة ، اضافة الى التقدم والتطور الذي يشهده العالم ، بينما المجتمعات الاسلامية ترجع الى الحضيض ، والى التخلف والجهل والامية . وقد اشارت بعض التقارير الاخيرة الى ان نسبة الامية في الدول العربية والاسلامية قد ارتفع في السنوات الاخيرة بشكل ملحوظ جدا . واسبابها السياسات الخاطئة وتدخل رجال الدين في قضايا السياسة ، فحرمت هذا وحللت ذاك . وفي كل يوم تنتج لنا المملكة العربية البدوية الوهابية اسطوانة مشروخة باسم الدين للقضاء على الانسان او رجوعه فكريا وبيئيا واجتماعيا الى العصور الوسطى ، ولعل آخرها وليس اخيرها ( داعش ) وما ادراك ما داعش . ولو ظل الدين جاثما على صدر السياسة ، والاخيرة تعاني منه التدخل والتطرف سوف تظل الشعوب متخلفة وغارقة في بحر الجهل وموج التخلف والانحطاط ، وقد اعذر من انذر . واقول كما قال الشاعر : ( هذا الذي مبديه لكم نظري ..... وانما كل انسان له نظر ) .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغات غير العربية التي وردت في القرآن
-
حديث افتراق الامة
-
دعوات العنف في القرآن
-
المسلمون : صاحب هرة يعرف بها يعتمدون على رواياته !
-
اكعد بالشمس لمن ......!
-
هل قصة الطوفان والسفينة حقيقة ام اسطورة ؟
-
هل الانبياء كانوا اقوياء ؟
-
مقولة .. السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر؟
-
المسلمون يقتلون بعضهم بعضا
-
الاسلام : الجعد بن درهم .. ضحية الفكر الحر
-
الاسراء والمعراج هل هو حقيقة ام رؤية منامية للنبي ؟
-
لولا عمر لأصبحن بناتنا عاهرات !
-
ديمقراطية (اخليف)
-
النبي لزوجة زيد : (سبحان الله مقلّب القلوب ) !
-
هل الله فعلا خلق البشر للعبادة فقط ؟
-
الاسلام ؛ ومقولة الائمة - الرؤساء من قريش
-
القرآن يدعو للعنصرية
-
النبي يترك اربعون جثة لم يوارها الثرى
-
النبي يخبر بانحراف اصحابه
-
كيف يصفي النبي خصومه ؟
المزيد.....
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
-
الصين تعرب عن استيائها الشديد إزاء الرسوم الجمركية الأميركية
...
-
حرب تجارية جديدة: كندا تفرض رسوما على سلع أمريكية بقيمة 155
...
-
دراسة تكتشف أسرار الأذن البشرية
-
دلالات طريقة المشي
-
علماء الفيزياء الكمومية يبتكرون فضاء مكونا من 37 بُعدا
-
واشنطن تريد انتخابات بأوكرانيا إذا توقفت الحرب
-
عشرات الآلاف دون مأوى وفي وضع مأساوي بغزة
-
حراك طلابي في صربيا يُطيح برئيس الوزراء وموسكو وبروكسل تراقب
...
-
الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|