|
شخصية الفرد السعودي
سعيد تيسير الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 14:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مثل هذا الوقت الذي أشهد فيه تخرجي من جامعه سيريكيوز الواقعه في الجبهه الشماليه من ولاية نيويورك الأميريكية، بدأتُ أستعيد فيها ذكريات كانت جميله او مريره في الجامعه على مدى الاربع سنوات الفائته. من الطبيعي أنها كانت مفعمه بالنجاحات مرات والخيبات مرات أخرى. المثابرة والاجتهاد مرات وروح المغامره والمرح مرات أخرى. إنها طبيعة التوازن والموازنه اينما وجد الانسان بلاشك! فإني أكاد اعتقد- والله أعلم- إنها كانت كفيله ان تصقل قدرات طالب من الناحيه العلمية والاجتماعية أو حتى الفكرية. والجانب الفكري اعنى به النضج الذاتي وملامسة واستقراء الواقع والنظر له من ناحية اوسع واشمل. إنها بداية مطاف بالتأكيد... لااريد الاسترسال في زخرفه موضوع التخرج لأنه ليس موضوعي الرئيسي التي انبثقت اناملي لإعداد هذه المقاله، وانما سبيلا لخلق مناسبة تعمل على استقراء القارىء في دراسة قصيرة نحو ازدواجية المجتمع السعودي كـكل والفرد السعودي على وجه الخصوص. وللبحث في أسباب هذه الازدواجة لعلنا نعزو انتباهنا في هذا الموضوع الى نواحي ثلاث (1) الناحية الاجتماعيه و (2) الناحية الحضارية و(3) الناحية الثقافية. ولن نقوم بالتطرق الى الناحية السياسية. ليس لحدود سقف الحرية في الدولة- وهو ضيق بلاشك- وإنما لأن الحالة السياسية نعدها أنعكاساً للنواحي الثلاث المشار لها أعلاه. ولايخيل للبعض إنني اعني أن كل فرد سعودي يعكس هذه الازدواجية في المجتمع. فهناك بلاشك المتمردون الذين يسبحون عكس التيار. والمجتمع السعودي معقد جداً واتجاهاته كثيرة جداً في ظل التناقضات المخيمة على سماء العالم العربي بأكمله. إذ أنه من المستحيل أن نلم بهذا الموضوع على وجه الكمال ولكننا سنوجه امكانيات هذه المقالة في البحث في مستوى الميكرو والصورة العامة. لقد لاحظت خلال دراستي ومكوثي في الولايات المتحدة بأن المجتمع الامريكي قليل الازدواجية عند مقارنته بالمجتمع السعودي. وعلى الرغم أني كنت احمل من الشكوك والتساؤولات في هذا الصدد، الا انني توصلت الي أن هذه الازدواجيه متغلغله في أعماقنا نسبة للمجتمع والحضارة التي نشأنا فيها. ان السعودي- والمحافظ أكثر من العادي- تجده دائما يتغنى بالمثل العليا والدعوه لها ونشرها في الاوساط الاجتماعية في اقواله بينما هو بعيداً كل البعد عنها عمليا. هذا ولكن مارأيته في الشعب الامريكي انه ينسى المثل العليا في اقواله ويخدمها في اعماله! صادفت ذات مرة أحدى السيدات الامريكيات في أحدى مقاهي مدينة سيريكيوز والتي تعمل في الجامعة في حقل البحث والتدريس. أخدنا الحديث شيئا فشيئاً الى التحدث عن مجتمعات الشرق الاوسط. تقول السيدة الامريكية انها زارت السعودية قبل اربع سنوات ووجدت المثقفين فيها بارعين في الانتقاد للمجتمع والتقاليد. وهذا شيء جميل. ولكنها وجدت ايضاً أن سرعان ماينتهوا هؤلاء المثقفين من إبراز مثالياتهم يقولون مالايفعلون! فهم اذ ينتهون من الثرثرة تجدهم يعملون مايقوم به العوام من ازدواجية في الفكر. ينسبون خراب الوطن الى العوام ناسين أو متناسين أنهم جزء لايتجزأ من هذا المجتمع! وبالكاد يجمع المحللون أن الذي يقوم على التأكيد والتكرار على شيء ما في حديثه (لا في افعاله) غالباً يكون هو ضعيف الثقه فيه. وبعض رجال الدين يتسارعون للقنوات والمجالس رغبة فيهم لإبراز مثالياتهم والتأكيد عليها ليس الا. ولكنهم في افعالهم بعيدين كل البعد عن مايعظون العوام! ومن الجدير القول بأن هنالك علاقه تناسب طردية، انه كلما سيطر رجال الدين على العقل المدبر للمجتمع كلما ظهر فيه ازدواج الشخصية بين الافراد اكثر جلياً. ولذلك لأن الافراد مضطرين عناداً ان يتماشوا مع الواقع الذي يفرضه عليهم هؤلاء ( أن تكون دينيا من جهه ودنيويا بامتياز من جهه أخرى). ونحن اليوم اذ نحاول تفسير هذه الحاله نجدها واضحه لاتحتاج الى جهد عسير. لعلنا لانغالي اذا قلنا بأن هذا النمط ينتشر بكثافه في المجتمعات الدينية اكثر من غيرها، حيث تسيطر فيها المبادىء الدينية على الافراد وتجعلهم يسبحون في عالمين مختلفين: هما عالم الفكر المثالي وعالم الفعل الواقعي. ويبدو أن بعض من الشيوخ أستطاعوا أن يؤثروا على العوام في خلق هذه الازدواجية أعتماداً على تأييد الحكومه لهم. فالحكومة الان اصبحت قادرة في الكثير من الأحيان على تنصيب الشيوخ أو عزلهم. والشيخ يحتاج أحياناً الى حماية سلطانية لكي يكون بها شيخاً. والحكومة لاتبالي مايصنع به هذا الشيخ مادام يظهر الاحترام والطاعة لولاة الأمر. والمشكلة في الفرد السعودي أنه لايخشى فقط السلطه الحاكمة بل هو يخشى ايضاً المؤسسات الدينية التي تجلب الرعب في نفسه. فهو أصبح مزدوجاً ليس نفاقاً منه وإنما انعكاساً للعوامل البيئية من حوله... وعلاوة على الجانب الإجتماعي بالطبع تجد انفصال الرجل عن المرأه في المجتمع السعودي عامل لايستهان به في بلورة هذه الازدواجية. إلا أننا نلاحظ ان وتيرة التغير ومجالاته تسارعت وتنوعت في السنوات الأخيرة بشكل واضح، ولابد من الاعتراف بأن وضع المرأة السعودية قد تغير عما كان عليه حالها قبل نصف قرن. ولكن التغير الاجتماعي ليس ظاهرة باتجاه واحد بل هي ظاهرة ذات اتجاهات متعددة منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي ومنها ما هو مزيج بين الاثنين. ولكن رغم التغييرات الملموسة في ضم المرأة للمؤسسات المدنية و الاجتماعية إلا انه ليس كافياً في خلق مجتمع صحي يعتمد على معاملة الرجل والمرأة على قدم المساواه؛ فكان من فضل تعاليم الإسلام أن كُرمت المرأة كإنسان كامل الأهلية والمسؤولية تماماً كشقيقها الرجل. ولكن هذه الأفكار والقواعد القيمية الإسلامية أستغلت للمصالح السياسيه والفئويه للأسف الشديد. فأن الاهتمام في قضايا المرأة بصفة عامة لم يعد يُنظر إليها في نطاقها الضيق من حيث العلاقة بين الجنسين فقط، بل أصبح النظر إليها من خلال أبعاد تنموية ومجتمعية شاملة ومختلفه لايسعنا التطرق لها في هذه المقاله. فقضايا بسيطه جداً كقيادة المرأه للسيارة وغيرها تشكل عائقاً للنمو والتفاعل الاجتماعي الطبيعي. ولو وجدت الحلول لكانت ستحد من انتشار هذه الازدواجية في المجتمع! أننا نتمنى حقاً من الجهات المسؤولة أن تكون هناك محاولة جاده في خلق مجتمع طبيعي غير ذكوري لايتعامل مع المرأه بشكل هوسي ويبعدها عن الحياة الاجتماعية وأرض الواقع. إن مشكلة الكبت مشكلة عويصه في المجتمع السعودي، تتعقد شخصية الفرد فيه بدرجة لايستهان بها. فظاهرة الازدواجية الاجتماعية في السعودية سببها التناقضات الكثيره في المجتمع. أننا اذا اردنا حقاً أن نغلب طور هذه الازواجية في المجتمع السعودي لابد من اعطاء الفرد السعودي، وخاصة المرأه السعودية، الحرية في التعبير عن الرأي ومشاركة الجنسين بشكل أكبر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافيه لا يعتمد في تقييمه اليهم على نحو القبيلة أوالطائفه أو المذهب وأنما الكفاءه والتأهيل. وهذه مسألة حيوية ما زالت تحتل حيزاً واسعاً في كتابات المفكرين. فالإنسان الحر هو حجر الزاوية في بناء التاريخ الإنساني. وأنا هنا أطرح تساؤلات منهجية حول مدى قدرة القيادات السعودية في توظيف الطاقات البشرية والموارد الطبيعية في بناء حداثة سليمة تفضي إلى إطلاق مشروع نهضوي حقيقي يعطي الافراد فرصة تاريخية للمشاركة من موقع الفاعل وليس المتلقي.
-;-
#سعيد_تيسير_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آنتهاك حرمة الأديان في واقع الدستور الآمريكي؟!
-
القيم المطلقة في الثقافة العربية
-
التدين الظاهري وانحطاط الثقافة الدينية
-
ازدواجية معايير الخطاب الاعلامي
-
أخضع!
-
مدى ترسخ الفهم المؤامراتي في الفكر العربي
-
تداخل الفكر العلماني مع تعاليم الدين الاسلامي
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|