أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المحاكمة داخل الكهف














المزيد.....

المحاكمة داخل الكهف


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4490 - 2014 / 6 / 22 - 18:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مجموعة من البشر مسجونون منذ مولدهم في كهف مظلم تحت الارض. جالسون ظهورُهم إلى مدخل الكهف، ووجوههم صوب حائط ضخم. مكبلون بسلاسل في أوصالهم وأعناقهم بحيث لا يقدرون على التحرك أو الالتفات. وراء المدخل منصةٌ فوقها نار خافتة، هي مصدر الإضاءة الأوحد للكهف. من وراء النار ثمة بشرٌ وحيوانات تتحرك، فتُسقط ظلالا على الحائط المواجه لأسرى الكهف. ينظر الأسرى للظلال فيظنون أنها الأصل الذي يتحرك ويصدر الأصوات التي يسمعونها. فيعيشون كامل حياتهم في محاولة لتفسير ما يرونه من ظلال. وقد يتعاركون ليثبت كلٌّ منهم رأيه.
يدخل أحدُ الأحرار الكهف ويهمس في أذن أحد الأسرى بأن ما يراه أمامه منذ سنين وهمٌ وزيفٌ، وظلالٌ للحقيقة التي تموج خارج الكهف. لكن هيهات أن يصدق الأسير. يُدير الحرُّ عنقَ الأسير بالقوة للخلف ليشاهد النار وما خلفها من حياة وصخب. لكن الأسير يقاوم ويصرخ لأن عنقه متيبسٌ من الجمود، والضوء المباشر يوجع عينيه اللتين تعودتا على عتمة الكهف.
الآن يُجبر الحرُّ صاحبَنا الأسير على النهوض والخروج من ظلمة الكهف نحو ضوء النهار. في البدء يصرخ المأسور المتحرر من الذعر ويُغطي عينيه بكفيه ليحميهما من وهج الضوء؛ ويظل برهة لا يرى ما أمامه؛ ثم تعتاد عيناه النور شيئًا فشيئًا. لكن الحيرة تضربه حين يشاهد ظلال الأشياء والمخلوقات على الأرض وفوق صفحة الماء. ثم يرفع عينيه وينظر للأمام ويُصعق حين يرى لأول مرة في حياته الأشياءَ الحقيقية في الكون التي ظلّ يشاهد ظلالها طوال عمره على جدار الكهف المظلم. يرفع عينيه أكثر فيشاهد السماء، ويتعرف لأول مرة على النجوم والقمر.
في النهار التالي سيشاهد الشمس ويعرف أنها مصدر الضياء في الكون، وأنها السبب في ظلال الكهف. فيتذكر أقرانَه الأسرى ويرثى لحالهم ويحزن لعيشهم في ضلالاتٍ تُعميهم عن معرفة الواقع الحقيقي. يفكر برهة، ويُجبره الالتزام الأخلاقي على أن ينقذ رفقاء الطفولة المأسورين.
يهبط المستنيرُ للكهف ليحرر زملاءه القدامى. فيعشي عينيه الظلامُ الذي نسيه فلا يرى شيئًا ويتخبط برهةً؛ فيظن زملاؤه أنه أصيب بالعماء ويشفقون عليه. وحين يحاول أن يشرح لهم الحقيقة، يتأكدون أنه أصيب أيضًا بالجنون، فيسخرون منه، ويحاول بعضُهم الفتك به.
ما سبق هو ملخص “قصة الكهف” التي كتبها أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد عن عالم المُثُل الغائب والحياة التي هي انعاكاسات للحقيقية وليست الحقيقة. كتبها أفلاطون ليرثى أستاذه “سقراط” الذي حكم عليه الإغريقُ بالموت لأنه فكّر واستنار وأدرك بعقله اللامع ما لم يدركه الآخرون بحواسهم البليدة، فاتهموه بالزندقة والهرطقة والكفر.
وما أشبه اليوم بالبارحة! فالسخرية والسُّباب والإهانة والتكفير، وربما القتل، هو مصير كل من يخرج من الكهف المظلم وينفض عن عينيه ظلال الأشياء الزائفة، ويحاول أن يفهم فكرة الكون على حقيقته وأن يُعاين عالم المُثُل والفضيلة النقية العادلة؛ ثم يتجاسر محاولا تحرير أسرى الكهف المكبلين في حوّاسهم رهينة الظلام والظلال المخاتلة والانعكاسات المعتمة. أتذكّر تلك القصة الموجعة؛ كلما شاهدتُ ساذجًا أسيرًا ناقلا، يسخر من عارف حرٍّ عاقل مستنير، ثم يتهمه بالمروق والجنون وينصب له محكمة ومِقصلة داخل الكهف الضيق. وما أكثر هذا في مجتمع يضع ضمن قائمة جرائمه الكبرى خطيئةً اسمها: “التفكير”.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فتحية العسال- وحصان عم محمد
- انتخبت بدمائها وطفلة تغني
- الخطاب الديني والتحرش، يا ريّس!!!!
- حكيم عيون
- بيان مهم من الكاتبة فاطمة ناعوت
- النور يعيد السيدة العجوز
- اليومَ إكليلُ الجميلة
- الصخرة والسراويل الساقطة
- نوبل السلام لأقباط مصر
- ليندا جورج سيدهم...... ثمنُها يفوقُ اللآليء
- السلام الوطني وحزب النور
- -نوال مصطفى- وأطفال السجينات
- هو ينفع منزلش؟
- انتخبوا.... لتعارضوا
- بشرة خير، ورقص المصريين
- العصافيرُ لا يملكها أحد
- لمن سأعطي صوتي (2)
- المصريون بالخارج.... والمقاطعون
- رسالة إلى الرئيس عدلي
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، في يدي سوط نيتشه


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المحاكمة داخل الكهف