|
هل هي عنصرية صرفة أم هي مجرد ذوق عام ، أو ثقافة اجتماعيّة تقليدية ؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4487 - 2014 / 6 / 19 - 17:34
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
هل هي عنصرية صرفة أم هي مجرد ذوق عام ، أو ثقافة اجتماعيّة تقليدية ؟ كالعادة ، وكلما سنحت لي الفرصة ، إلا وهرعت إلى مقهى الناعورة بحي فاس الجديد بوسط العاصمة العلمية ، لأرتشف فناجين الشاي المنعنع اللذيذ . كانت هذه المرة غاصة ، ككل مرة بروادها الذين كان من بينهم تحلقت ثلة من أصدقائي ومعارفي و"أولاد الحومة" القدامى حول طاولة قديمة تحت شجرة الصفصاف الظليلة المعمرة .. اتخذت بينهم مكانا يمكنني من التمتع بنكاتهم المسلية ، وقهقهاتهم البريئة ، ومتابعة تعاليقهم الظريفة ، والمشاركة في صخب أحاديثهم الشيقة ، ونقاشاتهم الجدية للعديد من المواضع ، السياسية منها والاجتماعية أو الرياضية وباقي أحداث الساعة ، التي يرويها كل بطريقته التلقائية الخاصة ، مرة كشاهد عيان ، ومرة كناقل لها عن الآخرين ، مع بعض "التبزيرة" أي الزيادات الضرورية التي يملأ صداه المكان ، ويضفي على أجوائه الفسيحة النكهة والخصوصية.. لقد كان الموضوع المطروح للنقاش الساخن الدائر ساعتها بين أصدقائي ومعارفي وأولاد "حومتي" القدامى ، هو موضوع "العنصرية أو العرقية " كواحدة من الظواهر الاجتماعية والسياسية التي فرضت نفسها بشكل قوي على المجتمع المغربي وغيره من المجتمعات المغاربية الأخرى بسبب هجرة الأفارقة ، وما ينطوي عليه من تهديد للمجتمع ورفاهيته ، وما أثاره نموها وترعرعها في السنوات القليلة الأخيرة ، من مخاوف وهواجس ، أيقظت في النفوس مشاعر العنصرية الدفينة ، وأعاد لديه النظرة الدونية التجريمية تجاه كل المهاجرين السود الذين عمروا البلاد على اتساعها .. المشكل الذي جعل المشاركين في النقاش يحتارون في أمرها ، ويشتد الخلاف بينهم حول وجود هذا النوع من السلوك العنصري في المجتمع المغربي أو انتفاؤه منه ، وتفرق الجمع بين مدافع ينزه المجتمع المغربي من كل العنصريات ، بحجة تدين أهله جميعهم بالإسلام وإيمانهم القاطع بتعاليمه القاضية بأنه لا تفاضل بين البشر لانتمائهم جميعهم إلي نوع واحد وينحدرون من أصل مشترك واحد ، وأنهم يولدون متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية مصداقا للحديث الشريف : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ". بينما يرى معارضو هذه الفكرة ، أنه رغم تدين جميع المغاربة بالدين الإسلامي الزاخرة تعاليمه السامية وتوجيهاته الراقية والمؤكدة بكل صراحة على المساواة بين بني البشر ، فإن الغالبية العظمى ، لا تلتفت لهذا الجانب العملي من الدين ، فتتعنصر ضد ذوي البشرة السمراء ، من الوافذين وغيرهم من أبناء البلد أنفسهم ، وحتى إذا هم تبرؤوا من تلك العنصرية بألسنتهم ، وحاولوا تحاشيها في بعض تصرفاتهم ، فتبقى متأصلة في السلوكياتهم ، التي تفرضها عليهم ديكتاتورية الذوق العام وتسلط الثقافة المجتمعية المتوارثة بشكل تلقائي غير مفَكّر فيه ، وترغمهم على التعاطي معها بازدواجية مقيتة ، فيستقبحون العنصرية في العلن والإشهار ، ويتمتعون بها في الخفاء وفي حياتهم الخاصة كثيرا ، بل ويتفننون في وصف الأسود - المغربي او الافريقي على حد سواء- وهم مرتاحون ، بمختلف الصور المجازية والتشبيهات الحسية ، وكل عبارات التنقيص والتجريح ، وصّور السخرية والاستهزاء ، التي تكتظ بها معاجم اللهجة الدارجة واللغة الأمازيغية ، ويحفل بها الشعر العربي والأمازيغي وباقي الآداب الشفهي ، والتي لا يتسع المجال لذكرها في هذه المقالة ، وأكتفي بذكر بعض الأمثلة منها ، على سبيل المثال لا الحصر : كأغنية "الخادم " للحسين السلاوي ، والمحاورة التي جرت بين عميد الأغنية الأمازيغية بسوس الرايس بلعيد الوجّاني والرايس محماد بودراع ، والمعارك الشعرية التي يدافع فيها شعراء أحواش من سُود البشرة عن لونهم ضدّ تحقير الشعراء البيض لهم ، ومن أشهرهم وأكثرهم قوة مبارك بن زيد "من طاطا" .. ورغم ما عرفه المجتمع من تغيرات في شتى الميادين ، فإن آثار تلك العنصرية القديمة ظلت تفعل مفعولها في النفوس والذهنيات ، إلى درجة أصبح معها من الصعب أن تجد أحداً منا يتزوج من افريقية سوداء ، إلا لماما ، وأن البنت البيضاء في "مطلوبة" منذ ولادتها وتتزوج في سن مبكرة أما داكنة البشرة فقد تنتظر طويلا ، وإذا حدث ذلك - كما يحدث في اوروبا التي أصبحنا نرى فيها الشقراوات الجميلات مرتبطات ، ليس بدوي البشرة السوداء فقط ، بل أيضا بأصحاب الشعر الأشعت منهم ودوي تقاطيع الوجه الغليظة ، من الشفتين الكبيرتين والأسنان الناصعة البراقة غير المنسجمة وسواد البشرة الداكن ، أولئك الذين لا نتورع في نعتهم ، مع الاعتذار لهم ، بالعبيد السود أو الحراطين - فإننا نرثي لحاله بقولنا :" مسكين والله ما يستاهل !!" ولا نكتفي بذلك القدر من التعاطف العنصري وما يصاحبه من التعابير الحافلة بعبارات التنقيص والتحقير والغمز واللمز المخلة بمبدإ احترام الآخر ، والمهدرة لكرامة الإنسان "الأسود " -سواء تعلق الأمر بالسود من بأبناء جلدتنا ، أو المهاجرين من بلدان الجوار الإفريقي – الذي لا نتذكر من سجل تاريخه إلا تلك الحقبة التي طبعتها العبودية بالطابع المأساوي ، وعانى خلالها من الضيم والظلم ، الشيء الكثير على أيدي الأمريكيين والأوروبيين والمسلمين ، الذين تعصبوا ضده واستعبدوه وسخروهم في أخس وأحط الأعمال وأشقها ، ما شجع الكثير من الكتاب والشعراء ومنتجي الأفلام لاستصدار العديد من الكتب ونظم الكثير من القصائد وإخراج الأفلام التي تنتصف للسود ، وعلى سبيل المثال ، كتاب أبو عثمان الجاحظ بعنوان "فخر السودان على البيضان"، وكتابان لجلال الدين السيوطي "رفع شأن الحبشان"، و"أزهار العروش في فضل الحبوش". وهدا لا يعني أن المجتمعات الأخرى لم تعرف هذا النوع من العنصرية المقيتة ، بل عرفتها شعوب عديدة من الحضارات والأمم الأخرى ومارستها على شكل تعصّب قومي ، فالعرب مارسوها مند القدم وعبّروا عنها بتسمية غيرهم بـال"أعاجم". والعُجمة في العربية ضد الإفصاح ، وربما كانت ضد النطق، وهو ما يستفاد من إطلاقها على الحيوانات ، في قولهم حيوان أعجم ،لقد كان ذلك التمييز والعنصرية تأخذ مكانها في كل مناحي الحياة العربية حتى في الشعر ، فمن منا لم يقرأ عن حياة الشاعر الفذ أبو الطيب المتنبي؟ أكيد كلنا درس سيرته وشعره ولا زلنا نروي حكايته مع كافور الإخشيدي والكيفية التي هجاه بها، ولكن من منا ذكر له أو فكر بأن ذلك الوصف لا يليق بالإنسان ضد أخيه الإنسان ، أليس ووصف المتنبي لكافور هو أقصى تمييز عنصري . وهذا ليس تنكرا مني لقيمة الشعر العربي لكنه لا يقل عما عنصرية أهل الصين واليونان وغيرهما كثير حين وسموا غيرهم بال"برابرة" لا أريد أن يفهم القارئ الكريم أنني مع هذا النوع من العنصرية الاجتماعية المتفشية مضامينها في قيمنا وسلوكاتنا وعاداتنا المتجذرة في عمق ذاكرتنا ، والتي تبقى "الوسيلة الوحيدة لمحاربة هو تثقيف المجتمع وهو مشوار طويل يحتاج إلى جرأة في الطرح ومثابرة." حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برتوكولات المواكب الحكومية
-
تهنئة مصر بانتصارها
-
إعدادية بنكيران ماض ٍعريق وحاضر كئيب !
-
الجدودية ثرية بالمعاني.
-
المراة عندهم ، والمرأة عندنا !!
-
الصحراء المغربية ودور الجمعيات المدنية
-
شعوب لا تقرأ !!!
-
ظاهرة نكران الجميل !!
-
بلاد تستوطنك ، كما يستوطن العطر أكمام الزهور !
-
أيهم أكثر نضالية ، عمالهم أم عمالنا ؟؟
-
فاتح ماي في فرنسا عيد مزدوج ، -رمانسية ونضال-.
-
رد على منتقد -لولا الجنس لانقطع الجنس -
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (5)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (4)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (3)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (2)
-
لماذا فقدنا الابتسامة ؟؟..
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (1)
-
لماذا تُذل المرأة نفسها وتتهم الرجل بذلك ؟؟
-
حين تهان المرأة ممن يفترض فيه حمايتها !!؟؟؟؟؟؟؟؟
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|