|
محرِر غير محرَر
حسين الرواني
الحوار المتمدن-العدد: 4486 - 2014 / 6 / 18 - 14:57
المحور:
الصحافة والاعلام
اصبحت منذ أسبوعين إعلاميا كامل الدوام، أقضي نهاري وجزءا من ليلة النهار نفسه في مؤسسات الإعلام العراقي، بين فضائية وجريدة، بين إعلام مرئي فضائي، ومقروء مطبوع. في المؤسستين، يكثر الصحفيون في كل من الجريدة والفضائية من الحديث عن المهنية الصحفية، والصحافة القذرة، والإعلام الموجه، كل من الكادرين يضج حديثهم بانتقادات لاذعة لوسائل إعلام زميلة فضائية وورقية، تنشر ما لا يوافق توجهاتهم، ما لا يقع منهم موقع الرضا، ما يمس طوائفهم، والأدق، ما يزعج الممول الداعم لكل من الفضائية والجريدة. صاحبا رأسي المال الممولان للفضائية والجريدة مختلفان في أشياء، ومتفقان في أشياء أخرى، بين التوجهين؛ توجه داعم الفضائية، وتوجه داعم الجريدة، مناطق تقاطع، ومناطق اشتراك. ومما يشتركان فيه، أن كليهما يفرض – بحكم كونه الممول وصاحب راس المال- مزاجه وتوجهه وسياسته الاعلامية على الكادرين، كادر الفضائية وكادر الجريدة، لذا سيتحول الكادران الى نسخ دماغية من قناعات الممولين الداعمين، يكيّف الكادران نفسيهما لتقبل كل ما يراه ويعتقد به الممولان، ويقنع الكادران نفسيهما بصحة آراء الممول والحاشية الادنى منه، التي تكون عادة حلقة الوصل بين الممول والكادر المنفذ للخطاب الإعلامي ( محررين، مصحيين، مراسلين، مصورين، مونتيرية ومنتجين، وغيرهم). أشك شكّاً كبيرا في أن يكون الكادران عفويين في آرائهما، فالخوف من مخالفة توجه الممول وتوجيهه في الخطاب وسياسة المؤسسة الاعلامية التي يدعمها، هو نفسه خوفهم من انهاء خدماتهم وانقطاع عملهم ومصدر رواتبهم . كيف يستطيع صحافيو بغداد القابعون داخل جدران مؤسساتهم الاعلامية أن يطمئنوا بضمائرهم ومهنيتهم الصحفية الى نفيهم المستمر والشديد لسقوط تلعفر والسعدية وجلولاء ودخولهم مناطق اخرى كبعقوبة؛ مثلا. كيف تستطيع هذه الكوادر – التي لا تمتلك بحسب ما شاهدت بعينيّ على طول عملي في الصحافة منذ ثلاث سنوات- كاميرا بيها خير ومصور بيه حظ، ان تنفي وتحرر وتطهر المناطق وتهجم بالقوات الامنية على أوكار الإرهابيين، وتقتل بأخبارها العاجلة من الارهابيين ما تقتل. الانتصارات اللفظية سلاح زعطوطي فارغ، تصفحت قبل أيام اعدادا من مجلات عراقية اثناء حرب الخليج الاولى، تفاجأت بأن مفردات الخطاب هي ذاتها التي نتداولها هذه الايام. كان الاعلام العراقي يوزع انتصاراته المصنوعة من حبر المطابع الاجنبية، على طول الجبهة المشتعلة في الحرب على امتداد الحدود المشتركة بين البلدين المسلمين الشيعيين، الحدود البالغة 1458 كم بحسب ويكيبيديا. الحمد لله، صدق حدسي هذه المرة أيضا، كنت رافضا وبشكل قاطع ان أعمل محررا، سيجر علي ذلك من عناء الذيلية – أن أكون بكل طاقاتي اللفظية التعبيرية، والدماغية التفكيرية، والهز بالرأس موافقة لك ما يوجه الي من قبل هيئة التحرير، أن أكون ذيلا للممول وعبيده. الطائفتان تحتربان في واحدة من منافساتهما التاريخية المستمرة في دوري الجنة الممتاز. لا شيء غريب يحدث. هكذا انظر الى الأمور، وأقيم ما يجري على الارض. بكل بساطة. أرثي لنفسي كل يوم، وانتحب بصمت على ما أجد نفسي فيه، أراني مضطرا، لأجل لقمة عيش ومبلغ إيجار سقف آوي اليه، وإكرام نفسي عن تشرد تافه في شوارع بلاد الحضارات وأرض المقدسات والنبيين، مضطرا لأن أفتح أذنيّ لكل هذا الهذر الخليط من كلمات فصحى مقطعة تكاد لا تنتظم في تركيب لغوي فصيح، ومن كلمات دارجة بعضها تركي الاصل وبعضها فارسي ومغولي وهندي وانكليزي. مضطرا لابتلع بأذني كل هذا القيء الذي تقيؤه الكوادر العالمة – وهي بين جدران اماكن عملها في بغداد- بكل ما يدور ويجري في نينوى وتلعفر وسربيل زهاب وطاسلوجه، في كركوك وتكريت وبيجي وسامراء، تعلم هذه الكوادر كل تفاصيل مسرح العمليات في آن واحد، تعلم ذلك بعلم لدنّي إجمالي في عين الكشف التفصيلي، لم تتعلمه بالعرفان والرياضات الروحية وحديث الملائكة الطائرين على ساحات القتال ومحاور تقدم المجاميع المسلحة، علمت ذلك بالذيلية. يذكرني الاعلام العراقي، بمشاجراتنا أطفالا، وبالمشاحنات والمعارك التهريجية بين العمة وكناتها، وبين الكنات أنفسهن، المؤسسات الاعلامية العراقية، صورة اخرى من صور البيوت العراقية، والصورة وأصلها خراب.
المؤسسات الاعلامية العراقية جزء من منظمات الارهاب العالمي، لا فرق بين أن تضع سلاحا بيد أحدهم، وبين أن تصنع من دماغه سلاحا سيدمر طيلة السنوات التي سيعيشها صاحب هذا الدماغ كل ما يستطيع من تدمير، من قيم للجمال في الحياة، ومن أطفال ونساء وأسر وتلاميذ سيتلقون تربيتهم الأولى وتعليمهم عن دماغ مسلح بأنواع من الأسلحة منها بارود الاعلام المخزن في المخ عبر سنوات من الاستماع والمشاهدة والقراءة.
#حسين_الرواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق.. بين الرمل والطين
-
الواقع العراقي.. الشسمه
-
ما يفعله البهاضمة.. يتكرر ج 4
-
ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 3
-
ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 2
-
ما يفعله البهاضمة.. يتكرر
-
من وحي ليلة أمس
-
قصيدة - في مفترق عامين-
-
ثائر ضد الإسفلت
-
منير بشير ليس عربيا
-
حنين الى الريف
-
رمتني بالطائفية وانسلت
-
شيعة العراق.. طائفيون بلا فائدة
-
الفرد والدولة العراقيان .. لمحات في التاريخين.. قبل 2003 وبع
...
-
النقاء الصوتي النغمي في موسيقى منير بشير
-
عبدت العقل .. فتأنسنت
-
دراسة الموسيقى الاوروبية.. عقدة نقص أم سعي للعلم؟
-
الزمن الموسيقي وكيفية تطبيق التمارين عليه
-
بياني الشخصي الى الامة الاسلامية العظيمة
-
براءتي من الطائفتين العظيمتين
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|