أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات















المزيد.....

-تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 13:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


عرف تفكيرنا المعاصر ثلاث تصورات كبيرة لأساس المجتمع أو بنيته التحتية، تُفسر بنى المجتمع الأخرى استنادا إليها، فلا تتغير دون تغيرها، وتتشكل حول التفسير والتغيير جماعات سياسية.
التصور الأول ماركسي، وهو ينص على أن أساس المجتمع اقتصادي، يتمثل في مركب علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج المادية. بنى المجتمع الأخرى، السياسية والفكرية والقانونية وغيرها، مشتقة بهذا القدر أو ذاك من هذا الأساس المادي أو "البنية التحتية".
والتصور الثاني قريب من سابقه في الميل إلى إرجاع المجتمع إلى أساس غير ظاهر للعيان، هو نمط إنتاج وممارسة السلطة العمومية وجملة هياكلها. بنى المجتمع الأخرى تتحدد بهذا الأساس السياسي وتتشكل به، ويتعذر فهمها دون الانطلاق منه. ورغم أننا لا نجد عرضا نسقيا لهذا لتصور، على نحو ما كنا نجد الأساس الاقتصادي معروضا عند ماركس وملخصات ماركسية، إلا أن أولوية السياسي وأساسيته هي مذهب يمكن استخلاص من أعمال مثقفين ومناضلين "ديمقراطيين"، وربما تمثل أعمال برهان غليون الشكل الأبكر له في سورية.
والأساس، وفق التصور الثالث، هو الثقافة أو "العقل"، وأوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا تفهم دون إرجاعها إلى هذه البنية التحتية الخفية. هنا أيضا لا نجد عرضا نسقيا لهذا النهج التفسري، لكن يمكن استخلاصه بسهولة أكبر من أعمال مثقفين وناشطين "علمانيين"، منهم أدونيس الذي رأى مؤخرا أن تغيير المجتمع أهم من تغيير النظام في سورية.
ويمكن لكل من هذه التصورات الثلاث الأساسية أن تصاغ في صورة اختزالية، لا تبالغ فقط في الفاعلية التحديدية للأساس المقرر، وفي قابلية الظواهر الأخرى، "البنى الفوقية"، للاشتقاق منه، وإنما تنزع إلى اختزال الأساس ذاته في صورة مختصرة، فنتكلم على "نمط الإنتاج الرأسمالي" مثلا دون انشغال بمراحله وأطواره التاريخية، أو بتأثير الأوضاع السياسية وموازين القوى الاجتماعية والدولية عليه. يرتد التصور الاقتصادي للمجتمع على هذا النحو إلى آلية تفسيرية اقتصادوية، تقلل من شأن السياسة والفكر والقانون من جهة، ولا تنكب جديا على فهم بنية وتحولات الاقتصادي ذاته من جهة ثانية.
الاختزالية نفسها يمكن أن نراها في التصور السياسي، رغم افتقاره إلى شكل نسقي أو مذهبي. السياسوية هي إرجاع الظواهر الاجتماعية إلى أساس سياسي، فلا يكاد يبقى لتلك الظواهر قوام خاص بها، أو أن تدرس لذاتها. وفي جذر السياسوية كما في جذر الاقتصادوية حاجات كفاحية. فهذه النظرات الاختزالية تبدو مناسبة للتعبئة وبناء قوى سياسية.
ومثل ذلك بخصوص البنية التحتية الثقافية. الثقافوية هي النهج الاختزالي الذي يقوم على اشتقاق الظواهر الاجتماعية من "الثقافة"، بما يغني عن الحاجة إلى دراسة السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية مثلا، وبما لا يكاد يقول شيئا ذا قيمة عن الثقافة ذاتها، يتجاوز عبارات من نوع أصولية وظلامية وقدامة. هذه العبارات أدوات تعبئة وأسلحة حرب، وليست أدوات معرفة.
نريد أن الأصل في الاختزالية في أي من صيغها الثلاثة، الاقتصادوية والسياسوية والثقافوية، هو حاجات العمل وضغط مطالب تغيير الواقع، وما يقتضيه النضال التغييري من تحول في المنظور من السؤال النظري عن الأسباب والشروط، إلى السؤال العملي عن المسؤولية. بعبارة أخرى، المذاهب الثلاث ليست مجرد مناهج لشرح العمليات الواقعية، وإنما هي أيضا تشكيلات سياسية عملية.
نظرية البنية التحتية الماركسية هي الإيديولوجية التي تكونت حولها تنظيمات شيوعية، ومنهج المادي التاريخية الذي يشتق البنية الفوقية من الأساس الاقتصادي، هو "العلم" الذي كان يشكل الأساس العقدي للتنظيمات الشيوعية. "المسؤول" هنا هو البرجوازية التابعة أو علاقة التبعية/ الامبريالية. في الأصل، ظهر الفكر الماركسي ذاته، ومنهج المادية التاريخية في إطار صعود حركة الطبقة العاملة ومطالبها التحررية في القرن 19.
كذلك ولدت الثقافوية في غمار النضال السياسي، وليس في نطاق "الثقافة". هذا ظاهر في مؤلفات محمد عابد الجابري الباكرة، وهي أعمال مؤسسة في هذا التيار، وكانت محاولة للإجابة على سؤال التعثر العربي. وفي سورية ولد التيار الثقافوي في سياق النضال ضد الإسلاميين، وفي مواجهة تيارات علمانية وإسلامية معارضة للنظام، وهذا وقت كان هؤلاء كلهم يسحقون (ثمانينات القرن العشرين وما بعدها). وهو ما أسبغ على هذا النضال طابعا نخبويا معاديا للعامة والديمقراطية. آباء هذا التيار السوريون الجماعة لم يقولو كلمة واحدة، ولو تلميحا، عن مذبحة حماه قبل جيل، أو عن مذبحة تدمر قبلها، أو حتى عن اعتقال يساريين. لهم بالمقابل نصوص "شجاعة" في التهجم على مثقفين وناشطين معارضين للنظام.
"المسؤول" هنا هو الأصولية.
وليس خارج حاجات النضال ولد تصور السياسة كأساس. لدينا سجل يسهل بناؤه وتوضيحه هنا في السياق السوري، هو أحد أوجه سجل الاعتراض السياسي على طغيان النظام الأسدي منذ سبعينات القرن العشرين. السياسوية حركة عملية أيضا. وربما لأن نصيب النضال الفعلي كبير هنا، لم تجر بلورة تصور نسقي لنظرة البنية التحتية السياسية. فخلافا للنظرية الثقافوية في المجتمع والسياسية، وقد كانت الظروف السياسية والمؤسسية مناسبة لها على الدوام (كانت مؤاتية أيضا لنظرية البنية التحتية الاقتصادية، وإن بقدر أقل)، كان أكثر من قد يشتغلون على بناء العقيدة السياسوية في سجون أو مناف.
"المسؤول" هنا هو "الاستبداد".
ما نريده أن لكل من الاقتصادية والسياسوية والثقافوية وجهان: وجه عملي يتمثل في ظهور حركة سياسية واضحة المعالم بهذا القدر أو ذلك، ووجه معرفي يتمثل في تفسير اختزالي للواقع ببنية تحتية: الاقتصاد، الثقافة، السياسة. الاختزالية وليدة تغلب حاجات التعبئة على مطالب المعرفة، لكن هذا التوتر بين المعرفة والسياسة قاد في كل الحالات إلى تدهور التيارات المعنية، فلا هي اليوم قوى سياسية مؤثرة، ولا هي أطر لإنتاج معرفة متجددة.
ما نراه اليوم على ضوء تجارب أكثر من جيلين هو أن نجوع العمل التغييري يدعو، بالأحرى، إلى مقاومة مستمرة للاختزالية، والجمع بين العمل التحرري ومعرفة متغيرة. ولا نتصور أن يتأتى هذا دون توليد مستمر لأدواتنا النظرية أثناء العمل لتغيير الواقع، وإعادة تسديد العمل على ضوء ما نبني ونستصلح من أدوات، ومراجعة العمل والأدوات معا على ضوء القيم التحررية الملهمة لكفاح الجموع.
ليس هناك بنيات تحتية ثابتة، لا لزوم لهذا الافتراض، لكن هناك ميادين استراتيجية للعمل التحرري.
وليس "تغيير النظام" أهم هذه الميادين في سورية اليوم لأن "السياسة" تفسر كل شيء آخر، ولكن لأن نمط إنتاجها وممارستها هو مصدر الإعاقة العامة، ومنبع التأبيد واللاتغير.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية مخطوفي دوما الأربعة ومواقف تشكيلات المعارضة السياسية
- سميرة الخليل
- القضية الأخلاقية ضد اختطاف سميرة ورزان ووائل وناظم
- حول تغطيات إعلامية غربية ل-ما يجري في سورية-
- من مثال الدولة إلى المقاومات الاجتماعية
- أبو عدنان فليطاني
- سورية تحت احتلالين، وهناك حاجة لحركة تحرر وطني جديدة/ حوار
- -القاعدة-... امبراطوريتنا البديلة
- تطور لا متكافئ مركب للأوضاع السورية
- مقاومة بالتذكر: جانب من سيرة دعوة -المصالحة الوطنية-
- الكتابة بالعين والكتابة بالعينين
- نظرة إلى اقتصاديات السياسة والحرب والعمل العام
- بصدد تحركات بشرية مرافقة للصراع السوري
- ثلاث ملاحظات على مقاربات سيمورهيرش وروبرت فيسك
- أربعة أبطال واضحين في أسطورة...
- فرصة لثقافة تحررية، ولسياسة مغايرة
- الثورة والسياسة: ميادين عمل
- سورية والعالم/ سورية في العالم
- عام رابع: من ال-مو معقول- إلى المقاومة
- نهاية جيل من التفكير السياسي السوري، وبداية جيل


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات