الهجرة السكانية وحرب
الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها ( الجزء الثاني )
الهجرة القسرية ( الاضطرارية )
تسبب غزو الكويت
في 2 آب ( أغسطس ) 1990 في حدوث هجرة سكانية قسرية ضخمة لا سابق لها في المنطقة .
ويمكن تصنيف هذه الهجرة في ست موجات (13) :
الموجة الأولى : حدثت في أعقاب الغزو حيث أدى ذلك إلى نزوح
كبير للعمال والمهنيين بصورة رئيسية من العراق والكويت إلى الأردن والدول المجاورة
. وقد تبع هذا النزوح بالطرد الكبير لليمنيين من السعودية .هاتان الهجرتان أخذتا
طريقهما بين آب ( أغسطس ) و كانون الأول ( ديسمبر ) 1990 . ويمكن انهما شملتا أكثر
من مليونين شخص .
وكان معظم الذين غادروا الكويت والعراق قد مروا عبر
الأردن . ففي نهاية 1990 يعتقد أن أكثر من مليون شخص قد دخلوا البلاد وأن الغالبية
منهم كانت في طريقها إلى بلدان أخرى . وكان العائدون إلى الأردن ضمنهم الفلسطينيون
الحاملون للوثائق الأردنية قد بلغ عددهم 250.000 نسمة . وربما كان نصف عدد
المهاجرين الذي بلغ مجموعهم 865.000 والذين مروا عبر الأردن والمتوجهين إلى
بلد ثالث هم من المصريين . وآخرون كانوا من اليمن ، بنغلادش ، باكستان ، سريلانكا ،
الفلبين والسودان . وقسم آخر من المهاجرين ( 60.00) سافروا عبر تركيا معظمهم
من مواطني بنغلادش ، باكستان ، سريلانكا ، فيتنام ، وأوروبا الشرقية سوية مع 50.000
من مواطني تركيا . ودخل إلى إيران 100.000 نازحا منهم 70.000 كانوا من الإيرانيين
أو الكويتيين ومعظم الباقي كانوا من باكستان . وغادر العراق إلى سوريا 60.000
نازحا حوالي 50.000 كانوا من السوريين . وفي نهاية عام 1990 تم ترحيل حوالي
156.000 مهاجرا من قبل منظمة الهجرة العالمية من العراق والكويت بشكل رئيسي عبر
الأردن . وكان الكثير من هؤلاء المهاجرين الذين نزحوا بشكل اضطراري قد فقدوا
ممتلكاتهم وعائد اتهم وذكرت التقارير أنهم تعرضوا للتنكيل . (14)
لقد أعقب النزوح الكبير
للمصريين والأردنيين والفلسطينيين من الكويت والعراق في بداية آب ( أغسطس ) 1990
نزوح ضخم للعمالة العربية المهاجرة شمل بالأساس اليمنيين المقيمين في السعودية .
ورغم الدوافع السياسية التي وقفت وراء هذا النزوح إلا أنه كان نسبيا اكثر تنظيما
مقارنة بالنزوح من الكويت والعراق .
قبل غزو الكويت كان العمال اليمنيين في السعودية
يتمتعون بعدد من الامتيازات تشمل : أولا كان المهاجرون إلى السعودية لا يحتاجون إلى
تأشيرات دخول أو رخص عمل . وكان رجال الأعمال اليمنيين يمكنهم فتح المحلات وممارسة
الأعمال التجارية دون الحاجة إلى كفيل السعودي . وعندما اصبح الدعم اليمني للنظام
العراقي على المستوى الرسمي والشعبي أكثر وضوحا ألغت السلطات السعودية هذه
الامتيازات وأصبح اليمنيون تنطبق عليهم نفس متطلبات العمل بالنسبة للآسيويين
.(15)
لقد
كان تأثير هذا القرار فوريا ودراماتيكيا فخلال أسابيع عاد حوالي 800.000 عاملا
يمنيا مع أسرهم إلى اليمن وأرتفع الرقم فيما بعد إلى مليون . الخاسرون بدرجة أكبر
كانوا اليمنيين الذين باعوا أعمالهم ومصالحهم إلى السعوديين بأثمان بخسة .ولكن رغم
ذلك يبدوا أن معظم اليمنيين تمكنوا من العودة إلى بلدهم مع ممتلكاتهم . وظلت
حساباتهم الشخصية في المصارف السعودية في حالة سليمة .لكن هناك مصادر أخرى ترى عكس
ذلك بأن اليمنيين غادروا السعودية مع ممتلكات قليلة إذ تركوا ممتلكاتهم خلفهم في
السعودية . وقد استبدلت العمالة اليمنية التي طردت من السعودية بشكل كبير بالعمالة
المصرية والآسيوية .
وكانت كلا من اليمن الشمالي واليمن الجنوبي قد توحدتا
قبل ثلاثة أشهر فقط لتكون جمهورية اليمن . وقد فرضت العودة الضخمة لليمنيين تحديا
جديا على الدولة الجديدة .وقد كان تأثيرها بعيد الأثر فبالإضافة إلى عودة مليون من
العمال المهاجرين من السعودية فر حوالي 45.000 يمنيا من الكويت والعراق وحوالي 2000
من قطر والبحرين والإمارات . وقامت السلطات اليمنية بمساعدة الصليب الأحمر بإقامة
مخيمات للعائدين والتي كانت بدون مقومات الحياة الضرورية .وهكذا تحول العائدون إلى
لاجئين في وطنهم . وعلى إثر ذلك بدأت اليمن بترحيل الأجانب المقيمين في أراضيها
فعند مايس ( ماي ) 1991 غادر حوالي 10.000 أجنبيا اليمن . (16)
وفي نفس الوقت طلب من أعداد
أقل من الأردنيين والفلسطينيين مغادرة السعودية وبعض الدول الخليجية . أن الملمح
الرئيسي المشترك لتيارات الهجرة القسرية العائدة من الخليج تمثل في وضع الجاليات
العربية النازحة الذي كان أسوء بكثير مقارنة مع الجاليات الآسيوية .
(17)
إن
السبب الرئيسي الذي حفز على رحيل القوى العاملة المهاجرة العربية والآسيوية إضافة
إلى المضايقات وسوء المعاملة التي تعرضت لها في الكويت أثناء فترة احتلالها هو
الخوف من النظام الجديد ومن شبح الحرب التي يمكن أن تندلع بسبب هذا الاحتلال .ثم أن
الكثير من حالات الرحيل كانت مرافقة لتوقع المزيد من المضايقات والإرهاب وعدم
الاستقرار والحرب الأهلية . وهذا النزوح مثل الكثير من الهجرات الاضطرارية
قام
على أساس توقعات بأن الحياة سوف لا تكون ممكنة في ظل الظروف الجديدة التي
أوجدها الغزو . (18)
الموجة الثانية : في نهاية 1990 قدر بأن أكثر من
مليون أجنبي ما زالوا في العراق والكويت. خلال الموجة الأولى من النزوح الضخم الذي
توجه إلى الأردن والدول المجاورة الأخرى صاغت الوكالات الدولية برنامجا للتعامل مع
النزوح الإضافي الذي كان متوقعا حدوثه خلال وبعد اندلاع الحرب . وقد أصبحت الخطة
الإنسانية الإقليمية للعمل جاهزة في كانون الثاني ( يناير ) 1991 تماما قبل اندلاع
الحرب . وكان متوقعا أن يحدث نزوح إضافي مترافقا مع عدد مهم من اللاجئين العراقيين
نتيجة اندلاع العمليات العسكرية .
بعد أن بدأت الحرب كانت هناك حركة نزوح إلى أربعة
اتجاهات رئيسية هي : الأردن ، إيران ، تركيا وسوريا . لكن أعداد النازحين كانت أقل
بكثير من 100.000 نسمة وهو الرقم المتوقع لأعداد النازحين لكل دولة في ظل خطة
الطوارئ . فبين بداية الحرب ونهاية آ ذار ( مارس ) من المرجح لم يغادر أكثر من
65.000 شخصا كلا من العراق والكويت . ومن بين الأسباب التي أدت إلى قلة عدد
النازحين خلال الحرب هو قيام السلطات العراقية بغلق الحدود مع تركيا وسوريا وتحديد
الحركة إلى الأردن وإيران . إضافة إلى صعوبة وخطورة التنقل بسبب قصف قوات التحالف
.ورغم ذلك فهناك عدد غير معروف من النازحين لا بد أنهم تحركوا داخل العراق . وهناك
من يناقش بأنه كان هناك عدد من المقطوعين أو في حقيقة الأمر اللاجئين الذين لا يعرف
عددهم بدقة . ونتيجة قلة عدد النازحين الجدد من منطقة الحرب فقد تطورت إجراءات
الاستقبال وتسهيلات الإغاثة في الأردن والعراق وتركيا وسوريا . (19)
الموجة الثالثة :
تمثلت هذه بالنزوح الضخم الذي حدث في أعقاب قمع الانتفاضة التي اندلعت في آذار (
مارس ) 1991 في الجنوب وكردستان العراق . ففي منتصف نيسان ( أبريل ) 1991 ذكرت
التقارير بأن مليونين من المواطنين الأكراد يشكلون حوالي نصف سكان كردستان نزحوا من
مدنهم وقراهم هربا من بطش قوات النظام واتجهوا نحو الحدود التركية والإيرانية أو
نحو الجبال حيث الأمان النسبي . وذكر بان 500.000 من المواطنين الأكراد عبروا
الحدود التركية وأكثر من مليون من الأكراد ومن سكان الجنوب الشيعة تحركوا
باتجاه إيران . وكان الكثير من هؤلاء النازحين على الحدود في ظروف بالغة السوء
ينتظرون دخول هذين البلدين . وكان يموت منهم يوميا بين 2000-3000 نسمة من جراء سوء
الأحوال الجوية والأمراض والمجاعة .
ونتيجة ضغط الرأي العام العالمي تجاه معاناة المواطنين
الأكراد وسكان الجنوب المنتفضين وقيام وسائل الإعلام بتغطية معاناة اللاجئين
الأكراد بدأت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدول الأوروبية التدخل
لتخفيف الأزمة على الحدود التركية .حيث قاومت تركيا في البداية دخول اللاجئين إلى
أراضيها وفي الأخير استسلمت للضغوط وسمحت لعدد من اللاجئين الأكراد بالتحرك والنزول
من الجبال إلى مواقع سهلة الوصول في داخل أراضيها . وعندما استمرت الوفيات وسط
اللاجئين في الجبال ازداد الضغط الدولي على تركيا للسماح لجميع اللاجئين التي كانت
حياتهم مهددة بالخطر للدخول إلى أراضيها .
وكان الجزء الأكبر من اللاجئين إلى
إيران قد نال اهتماما أقل رغم أن إيران استضافت في السابق 2.35 مليون لاجئ أفغاني .
وقد فتحت إيران حدودها وأوت حوالي 1.3 مليون لاجئ من الأكراد ومن سكان الجنوب
الشيعة . وهذا يعني أن إيران في ذروة الأزمة استضافت أكبر عدد من اللاجئين في
العالم . رغم أن المجتمع الدولي خصص إلى إيران أقل من نصف تمويل اللاجئين
المخصص إلى تركيا التي ضربت أكبر مثل معاد للاجئين .
وقد قاومت الولايات المتحدة
الأمريكية في البداية مقترحات حكومية تركية وفرنسية وبريطانية لإقامة منطقة آمنة
داخل العراق لتمكين اللاجئين من العودة إليها .لكن في منتصف نيسان ( أبريل ) 1991
حدث تحول في سياسة الولايات المتحدة حيث بدأت عملية إقامة المنطقة الآمنة في
كردستان العراق تحت حماية الولايات المتحدة والدول الأوروبية . وترافقت هذه العملية
مع إعلان الولايات المتحدة حظر نشاط قوات النظام العراقي شمال خط عرض 36 . ويبدوا
أن من بين الأسباب التي دفعت لإقامة المنطقة الآمنة هو تخفيف ضغط اللاجئين على
تركيا والتي لديها مخاوف من أن وجود اللاجئين الأكراد في أراضيها يمكن أن يفاقم
المسألة الكردية المتفجرة لديها إضافة إلى أسباب أخرى .
أما السكان المنتفضين في
جنوب العراق فلديهم سبب وجيه للشعور بالظلم فقد تم إهمالهم من قبل المجتمع الدولي .
وكانت هناك مقترحات لإقامة منطقة آمنة في جنوب العراق شبيهة بتلك التي أقيمت في
كردستان إلا أن هذه المقترحات انتهت إلى لا شيء . رغم أنه في أواخر مايس ( ماي )
اتخذت الأمم المتحدة قرارا بنشر حراسها في جنوب العراق . ثم أن قوات التحالف لم
تقدم المساعدة للمنتفضين الذين لجئوا إلى المناطق التي تسيطر عليها . لذلك لجأ مئات
من المنتفضين إلى أهوار جنوب العراق هربا من بطش قوات النظام وكانوا يعيشون في ظروف
قاسية وتحت التهديد العسكري . وكانت المعلومات حول هؤلاء النازحين غير متوفرة أو
ناقصة وفي الغالب متناقضة لكن في أواخر( نيسان ) أبريل 1991 قدر عددهم بين 400.000
–600.000 شخصا مع عدة مئات من الأشخاص كانوا يعبرون يوميا إلى إيران . (20)
بالنسبة للنازحين داخليا لم
يعطوا الاهتمام من قبل المنظمات الدولية كونهم لا تنطبق عليهم قوانين اللجوء التي
تشترط باللاجئين عبور الحدود السياسية إلى بلدان أخرى لطلب اللجوء . وفي 31-12-1991
بلغ عددهم 700.000 شخصا ( 21) وفي 31-12- 1997 أرتفع العدد إلى 900.000 شخصا وبهذا
يعد العراق من بين الدول التي لديها أكبر عدد من الأشخاص النازحين داخليا إذ يحتل
المرتبة الخامسة . (22)
المصادر والهوامش
13 - أعتبر الباحث نيكولاس فان هير Nicholas Van Hear موجات الهجرة
القسرية التي أعقبت غزو الكويت خمس ولكننا نرى أنها كانت في الواقع ست حيث تمثلت
الموجة السادسة بهجرة العراقيين إلى خارج العراق والتي ما زالت مستمرة إلى
الآن حيث وصلت أعدادها إلى الملايين . وسوف نأتي لهذه الهجرة وتـأثيراتها بشيء من
التفصيل في وقت لاحق .
14 - Geography and Refugees edited by R.
Black and Robinson , London , 1993 , p. 67
15 – International Migration
Review, December, 1991, p. 514
16 – Middle East
Journal , vol. 51 , No. 4 , 1997 , p. 560
17 – International Migration
…op. cit., p. 512
18 Geography and Refugees … op. cit., p.
68 -
19 – Ibid, p. 69
20 – Ibid , pp.
69-70
21 – UN , International Migration Policies , 1998 , p.
314
22 – p. 135, Statistical ten-year review , 1999 ,
Denmark