|
قرائة تحليلية لمؤتمر الشباب الأول
حسام شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 1269 - 2005 / 7 / 28 - 10:32
المحور:
المجتمع المدني
رقص إيقاعي هادئ، وانضباط في الوزن يشعرك بضرورة التمايل قليلاً إذا ما أضيفت له نغمات الكمان الساحرة، يتسلل لك هذا الشعور وأنت تستمع لبعض المداخلات التي قدمت من الجهات المختلفة وزارت، ومؤسسات، وأصحاب قرار، في سياق المؤتمر الشبابي الأول الذي عقدته جمعية الثقافه والفكر الحر، بخان يونس، فكل الأشياء من حولنا تسير وفق المخطط له، والأمور تسير بمعزل عن الفردية، وعن تسلط الموقع الجغرافي في توزيع رأس المال والموارد، مع بعض التحفظات على بعض الإشكاليات التي قد تعكر أحياناً صفو اللحن وعذوبته ليصبح سهل التناول سريع التسويق.
هذا من جانب ومن جانب أخر الشباب يشكلون أوركسترا ويعزفون لحن أخر له شجون، وأحزان. وأحيانا تشعر به مضطرب في الوزن ومضطرب في الإيقاع، ولا يبدوا انه يشعرك بضرورة التمايل بقدر ما يشعرك بضرورة الهروب بعيداً، أو القفز عالياً لتستطيع إمتصاص الصدمات. فقد بدا أن هناك فرق واسع ما بين الواقع الفعلي للشباب وما بين مستوي تلبية إحتياجاتهم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والصحي..... إلخ. إنها مسألة تستحق الدارسة والتحليل وإن عزف ممتهنين الثقافة والفكر عن ذلك فعلينا نحن ان نحاول، خيراً لنا من أن نقف بعيدا،ً وحيث وقوفنا، مساهمة ضمنية لتدمير ما تبقى من لحن جميل لم يكتمل نموه بعد. طبيعة الحوار إن بدا الحوار غريباً، فهو ليس بغريباً كونه سمة لطبيعة الحوار العربي العربي أولاً ومن ثم إنقساتمة وتبعاته دولياً وإقليماً ومحليا. عندما تثير الكلمات مشاعرنا نصفق ونعلو بالصفير، إننا نبحث عن من يلهب مشاعرنا بكلمات أو عبارات لها سحر ورنين تلمس واقع الحال وتسخر منه في قالب هزلي وأحياناً درامي يثير البكاء والشجن فيطفو الشعور بالتضامن، ويبقى حوار العقل مغيباً إلى حد ما. وحقيقة الأمر أنني لم أكن مرتحاً في بعض الأوقات لطبيعة ونمط الحوار الذي أخذ فية زمرة من الشباب التربص بالمداخلين كأنهم يبحوث عن زله لسان، أو ينتظرون وعلى عجل أن ينهوا حديثهم، لينهالوا عليهم بمجموعة من الإنتقادات لممارسات سلبية في العديد من القطاعات التنموية في المنطقة. والغريب هنا اننا ناقش واقع إلى حد ما مرير، وتكفينا بعض العبارات والانتقادات اللاذعة التي تشعرنا بنشوة النصر، ولكن دائما ننسى أن المركب تسير عكس ما نريد، فهل يبقى العقل مغيباً طويلاً. وقد يكون لهذه المواقف وهذا النمط الحواري مبرراته التي يجب أن يعيها أصحاب القرار جيداً، فحالة الإغتراب الإجتماعي، والفردية، والشعور بالظلم أحياناً، وأيضاً الكبت وعدم الرضا عن مجريات الأمور، هي مشاعر وواقع نفسي وإجتماعي يعيشونه الشباب أنفسهم فبحوارهم وبطبيعته هذه يشكلون حالة غير صحية إلى حد ما، وهو إنعكاس طبيعي لواقعهم المرير وعدم تلبية لاحتياجهم المختلفة، فكيف لنا أن نحلم بمستقل أكثر إشراقاً طالما أن حاملي ريات هذا المستقبل مازلوا يعيشون حالة من التخبط وعدم الاتزان. فهل نحن بحاجة إلى لغة جديدة للحوار ليصبح هذا الأخير مؤثراً فعالا وله نمطه العقلي في تحليل وصياغة وتوصيف الأمور، أم نحن بحاجة إلى تغير نمط التفاعل مع الشباب أنفسهم ودفعهم للمشاركة بشكل إيجابي ومدروس في عملية التنمية ذاتها. لماذا الاختلاف؟ الاختلاف بشكله المجرد حالة صحية وهو إنعكاس طبيعي لحرية الرأي وديمقراطية الممارسة والسلوك، ولكن عند الإختلاف على أمور أساسية في التنمية من حيث واقع الحال فيبدوا وبالحتم أن هناك خلل في تقدير ودراسة وتوصيف الواقع الذي أفرز بدورة تباين في توصيف واقع الحال ما بين متلقي الخدمة ( الشباب) ومقدمي الخدمة (الوزرات والمؤسسات).
فهل الشباب يغالون في طلباتهم دون معرفة ووعي لمستوى وقدرة مؤسسات الدولة على تلبية هذه الإحتياجات في الوقت الحالي على الأقل؟ هل هم غير مطلعين على جدول أعمال مؤسسات الدولة وخططها التنموية؟ هل الشباب غير مطلعين على أولويات حل الإشكاليات في أجندة عمل المؤسسات؟ أم أن طبيعة المرحلة الشبابية التي تتصف بالإندفاع والسرعة وتدفق الأفكار والسلوك تطفو على السطح لترسم أحلام غير واقعية من المنظور الحالى لواقع التنمية في الدولة؟ ولماذا الطرف الأخر يقدر المسألة وكأنها هامشية نوعاً ما وأحياناً يضع أرقام وتحليل معاكس لواقع الشباب، وأحياناً أخرى يخفي بعض الحقائق، وبل تشعر أنه لا يعلم بها؟ وهنا تكمن المشكلة الأكبر، فليس مجرد عدم القدرة على تلبية الاحتياج ذاته أو الإعتراف بالنقص، بل خلال في مستوى المتابعة الفنية، والإدارية، للإنجازات والخطط المرسومة لتطوير القطاعات التنموية في الدولة. يجب نعلم أولاً أن أحد أهم ركائز التنمية هو تقدير الإحتياجات الفعلية للواقع المعاش ومن ثم تريب الأوليات بشكل منظم وحسب الضرورة، هذا من جانب ومن جانب أخر يجب أن يكون الإنسان أداة التنمية هدفها الأول والأساسي، ويجب علينا الاعتراف وبكل جرأة أن هناك تغيب واضح لمفهوم التنمية أو على الأقل أداوات وخطط ومناهج وإستراتيجيات تطبيق نهج التنمية الحقيقية، ولذلك أسبابة الخارجية مثل الإٌحتلال والوضع الساسي الذي يؤثر على مجمل القطعات التنموية في المنطقة ولكن تأثيره يبقى نسبياً إلى حد ما، إذا ما تم الاهتمام بمعالجة الأسباب الداخلية وعلى رأسها خلل في تقدير الطاقة البشرية ومشاركتها في العملية التنموية في المراحل الإنتقالية المختلفة للمجتمع. فمازل هناك تغيب واضح لدور الشباب التنموي وضعف شديد في رسم الخطط الإستراتيجية في الوزارت ومؤسسات الدولية لإستثمار هذا المورد، فكل مجتمع له موارده التي تشكل قواه وقوانا نحن شباب. الاستهلاك والإنتاج إن المناهج التربوية المقررة وطرق ونظم التعليم المعتمدة، التي تسهم في تطوير مساحات الحفظ في الدماغ على حساب التحليل، والتركيب، والإبداع، كما أن أنظمة الخوصصة الإقتصادية ونظام السوق المفتوح الذي يعطي مساحة عالية للتنافس على تسويق المنتجات دون دراسة لنوع المنتج الذي قد يؤثر على المستوى النفسي والإجتماعي والثفافي في المجتمع، من شأنه أن يبقى الواقع المجتمعي عامة والشبابي خاصة فريسة للإستهلاك ليس البضائع فقط بل الأفكار والسلوك، الذي أحياناً ما يتنافي مع واقع الثقافة المحلية وبعض معطياتها الإيجابية، وليس القصد هنا العودة القهقري بقدر ما هو تحاسباً من مستقبل تصنعة ثقافات وبضائع تعكس وجه أخر لهذا المجتمع، الذي إذا ما فعل يصبح كالسلحفاء التي حاولت أن تقلد مشي الأرنب فما أستطاعت أن تجارية في سرعتة ولا إستطاعت أن تعود إلى حالتها الأولى، مع أنه كان بأمكنها أن تطور سلوكاً وثقافة يحتذوا بها الأخرون وتتماشى مع طبيعتها تكوينها البنائي. فإن ثقافة الموبايل، والنت Chat))، والستالايت، بقدر ما تسهل عملية الإتصال، وتضفي أجواء إيجابية على زحمة الحياة، بقدر ما تشكل أزمة في حد ذاتها عندما تتحول هذه السلع والأدوات الثقافية البديل الرئيس عن الأودات الأخري مثل حوار العائلة، أمسيات السمر، الكتاب ... إلخ، من الممارسات الثقافية التي تشكل ثقافة المنطقة، إن هناك تجار وسماسرة لهذه الثقافة، وهناك تفنن في تسويق البضائع وتفنن في جعل يديك تتسل رغم إنفك لجيبك كى تشري هذه الثقافة بل وأحياناً تجبرك على ذلك بفعل قوة القناعة المزيفة، فإذا كانت حتمية التعامل مع النظام العولمي الجديد تفرض عليك تفاهاتة وعلومه ومنتجاته المناسب منها والغير مناسب. فلا بد من أن نطور نظاماً للحماية على المستوى الإقتصادي بمقتضاه نعطي الفرصة للمنتج المحلي ان يتطور ويرتقي دون جعله فريسة لمنتجات أخرى نتافسة في السعر والجودة. وفي الجانب الأخر علينا، بل ولابد لنا أن نطور ثقافتنا من خلال دعم القطاع الثقافي وتوطيد أركانه عبر الاهتمام بإنتاجيات الشباب الثقافية والإبداعية، وتطوير واستييلاد أفكار ومفاهيم ورؤى جديدة تسهم في بلورة اتجاهات ملائمة لواقع الشاب والتحديات الجسام التي يواجهونها. لعنا إذا فعلنا ذلك نستطيع تحويل قناة الاهتمام من دش وموبيل ونت إلي أدوات ثقافية أخري لإيجاد حالة من التوازن النفسي والاجتماعي والفكري ما بين متطلبات العصر الحديث وثقافة الفرد وقدرته على المواجه والتحدي بالتالي أفق أوسع لتنمية حقيقة وثقافة قادرة على المواجهة. بالثقافة والفنون ترسم المجتمعات حضارتها وتخط تاريخها الجديد. مشاركة صورية إنه وجه أخر للمؤتمر الشبابي الأول في المنطقة الجنوبية يصيب شبانا بالإحباط نتيجة الإنسحاب المفاجأ الشامل تقريباً لكل أصحاب القرار المدونه أسمائهم في جدول أعمال المؤتمر. فما هو الدافع ياترى لذلك الانسحاب، هل هو الحاجر الجاثم هناك بمعداته العسكرية الذي يلوح بيده ليرعب الرعب فينا؟ وإن كان، فلماذا لا نجرب عبأ طالما عاني منه الطلبة والشباب والنساء والكهول والأطفال منا، عندما تقضي الحاجة لذهاب إلى نحو الشمال؟ أم أنه الخوف فينا من المواجه؟ أم هو الاهتمام بالواقع السياسي الحالي الذي تمر به المنطقة؟ فإن كان، فهو سبب قديم قدم أزمة الصراع ذاتها، فالتنمية تتطلب وبالضرورة جهود وعمل داخلي شأنه ترتيب البيت، وتنسيق العلاقات الداخلية وتطوير أداء مؤسسات الدولة بمختلف القطاعات، فهي عملية متصلة لا يوجد انفصام فيما بينها. لماذا هذا التغيب إننا لا نعرف السبب الحقيقي أو على الأقل لا نريد أن نجازف لمعرفة السبب، ولكن يبقى السؤال معلقاً لماذا؟؟؟؟؟ وتبقى علامة الاستفهام لدى المؤتمرين أكبر من حجم السؤال رغم قيام الجهة المنظمة بالاعتذار الرسمي لأسباب خارج السيطرة. ....... ؟
وفي نهاية مقالي التحليلي هذا أود الإشارة إلي أننا نتحدث عن أحد أهم القطاعات المجتمعية وهذا يتطلب منا وبالضرورة الوقوف طولياً لتمحيص والفحص من أجل إيجاد مستقبل أكثر إشراقاً لواقع شبابنا الذي أعياهم الصراخ في فضاء واسع دون مجيب، فعندما نتحدث عن قطاع الشباب، علينا أن ندرك أننا نتحدث عن نسبه تصل 19,6 % من السكان، والفئة العمرية من 5-14 سنة تشكل نسبة 47%. الشيئ الذي يعطي دلالات ديموغرافية واضحة تقر بأن المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي تقع أعمار ما يقارب ثلثي سكانة تحت سن الخامسة والعشرين، مما يلقي عبئاً ثقيلاً نسبياً على عاتق مخططي برامج التنمية في المنطقة هذا من جانب، ومن جانب أخر قد يكون لهذه النسب مؤشرات إيجابية إذا ما إستثمرت هذه الطاقة بشكل فعال في المشاركة الفعلية في عملية التنمية برمتها ونحن نعتقد انها المسألة الأكثر أهمية هنا. فالتركيز على ضرورة دفع الشباب/ت للمشاركة في عملية التنمية، يتطلب وبالضرورة لحظة وقوف، لرصد الواقع المعاش بمفرادته السياسية، والإجتماعية، والثقافية، والصحية، والتربوية، إلى جانب أهمية تشخيص المشكلات التي تواجهة فئة الشباب التي تتحكم في نمط تفاعلها مع الذات والمجتمع الشيئ الذي قد يشكل معوقاً رئيساً في أداءها التنموي المؤمول .
وقد يدفعنا هذا لتركيز هنا على جملة من الاعتبارات الأساسية عند تحليل واقع الشباب وقضاياهم المجتمعية المختلفة، ومن أحد أهم هذه الإعتبارات الإرتباط الجدلي بين واقع الشباب وقضية الإغتراب الإحتماعي، والنظام العالمي الجديد، والعولمة، وثقافة السلام والعنف معاً، ومرتكزات المجتمع المدني وواقع التبعية، ومن جانب أخر هناك ضرورة ملحة لوجود أستراتيجة تجمع ما بين الفرد والمجتمع، ما بين التراث الثقافي القديم والمعاصرة، و مابين الأنا والأخر كشكل من أشكال التحضير الثقافي لنسج أبعاد الهوية الثقافية الفلسطينية، مع المحافظة على إرتباطها بالجذور الثقافية للمجتمع، وإمتدادها المستقبلي لتحاكي ثقافات العالم الأخري ليتسني لها أن تواجه تحديات النظام العولمي الجديد على أقل تعديل.
انتهي
#حسام_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأعتداء على القيم والمؤسسات المدنية قضية رأي عام
-
محاكمة دسيس على اللغة
-
جلسة إستئناف.... لمحاكمة دسيس على اللغة
-
ساندويتش همبورجر تك أوي وإجري
-
الأسرة وتكويناتها
-
قراءة تحليلية لوقائع إنتخابات اللجنة التحضيرية للبرلمان الشب
...
المزيد.....
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|