حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)
الحوار المتمدن-العدد: 4484 - 2014 / 6 / 16 - 03:20
المحور:
سيرة ذاتية
"مصر بلد جميل"...
هكذا قال لي أبي في واحدة من المراسلات الورقية الأخيرة بيننا كتبها بالمداد الأسود المفضل لديه... طارت الورقة، التي حوت هذه الكلمات في متنها، آلاف الكيلومترات لتصل إلى يدي فُتُلَوِّن عينيَّ بألوان الجمال.
"مصر بلد جميل"؛ هكذا قال لي أبي، وأنا أصدقه؛ لأن هذا البلد بالفعل جميل، وألمس هذا الجمال في كل خطوة أخطوها على ثراه الطيب، وأراه في كل مشهد تقع عليه عيناي.
مصر جميلة... تشبه فتاة مليحة تخطف قلوب كل شباب الحي في خطوها؛ فتاة بهية اغتنت بجمالها عن كل مساحيق التجميل وكل المحسنات؛ فلم يبق سوى المحسنات البديعية لنُجَمِّلَ نحن بها كلامنا عن هذه الفتاة بدرية المحيا.
بيد أن للقمر أيضًا ندوبه...
لكن ندوب القمر صنعتها النيازك التي صفعت ولا تزال تصفع وجهه الفضي الهادئ، أما ندوب بلادنا فقد صنعتها أيدي أبنائها...
نعم... أيدينا نحن أبناء هذا الوطن.
قد تغفر الأم لطفلها الوليد، إن صفع وجهها، ولكن... ماذا عن ابنها الشاب الذي تنتظر منه أن يكون بارًا؛ فلم تجد منه إلا الصفع والإهانة؟!
أعتقد أن قلب الأم قادر على الغفران له كذلك...
لكنني أعتقد كذلك أنه يتعين علينا طلب المزيد من الصفح والغفران... فقد أسأنا كثيرًا لهذا البلد...
مرغنا وجه المليحة في التراب، وأشبعناه صفعًا وتمزيقًا؛ فهل لنا من صفح؟! هل من غفران؟!
علمتني أمي رحمة الله عليها أن أحب هذا البلد...
علمتني أن أحب الشمس والقمر؛ لأنهما يسطعان في سمائه.
علمتني أن أحب نهر النيل؛ لأنه ينبع من قلبها ليسري في شراييني.
لكنني أشعر بالتقصير في حق هذا الوطن... بل ربما أشعر بأنني أذنبت في حقه...
وأطلب الصفح...
أرهقنا كثيرًا هذا البلدَ... أتعبناه بسوء تقديرنا وسوء تصرفنا وسوء تخطيطنا وسوء تعاملنا مع أنفسنا قبل أن يكون تعاملنا معه...
بلدي... أطلب منكَ الصفح والغفران...
لا تزال الكلمات تلتمع أمام ناظري... "مصر بلد جميل"...
هكذا قال لي أبي...
وأنا أصدقه.
#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)
Hussein_Mahmoud_Talawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟