|
استبداد باسم الإله
نهاري عبد القادر
الحوار المتمدن-العدد: 4483 - 2014 / 6 / 15 - 03:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اتفقت أراء الجميع رغم اختلافاتهم الفكرية و الدينية و المذهبية على أن الاستبداد أصل لكل فساد، فما خلى بحث حول الاجتماع والعمران البشري الا وأشار باصبع الاتهام الى الاستبداد وأثاره في سلوكيات بني الانسان، إلا ان البعض ألصقه بشؤون الحكم حتى كاد أن يصير من مرادفات الحكم والسياسة، وبعض أخر ربطه بالدين حتى كاد يقال أن الدين أصل لكل فساد، وأضف إلى كل هذا العديد من الاراء التي تتوافق وتتعارض وتتفرع من كل هذا وذاك، غير أن كل هذا وذاك لن يكون غير هذا او ذاك، فالمفكر عبد الرحمن الكواكبي عرّف الاستبداد بتعريف يجمع فيه كل هذا، إذ قال: " ان الاستبداد هو غرور المرء برأيه وتعصبه له والأنفة عن قبول النصيحة والاخذ بالرأي وقبول الرأي الأخر والاستقلال في الفكرة، والحقوق المشتركة" فهناك فعلا من تعصب لوطنيته أو وطنية شخص وتمسك برأيه وظن أن الوطن سيزول بزواله وأن غيره عدو للوطن ومن خالفه هو مهدد لوحدة الوطن، ومنهم من نصبوا انفسهم أوصياء على الدين ورأيهم هو رأي الدين وهم الأفقه بالدين، وغيرهم ضال وكافر بالدين، فهؤلاء وجه أخر لأولئك فمهما تعددت تياراتهم وايديولوجياتهم فإنهم ينبعون من منبع واحد هو الإستبداد. ان ما شهده العالم العربي في الزمن المعاصر لخير مثال يمكن الاستدلال به في هذا الموضوع، اذ أنه وخلال قرن واحد من الزمن عاش العالم العربي الوجهين معا فما كاد أن يتنفس هواء التحرر من الاستبداد باسم القومية و الوطن حتى وجد نفسه على حافة مستنقع الاستبداد باسم الدين ومعرفة السماء و تطبيق أوامر الإله، هذا الإله الذي من المفروض ان يكون ملجأ للانسان ومقصدا له يستعين به لمواجهة هموم الحياة و تحديات الزمان فتحول في نظر العباد بفعل هؤلاء الى ذات لا يرتبط اسمها إلا بالتحريم والمنع و النهي و العقاب و العذاب. ولعل المتتبع لكل الاحداث عبر التاريخ الانساني ليدرك تمام الإدراك أن هذا الامر ليس بالجديد على الحضارة الانسانية فما خلى حكم استبدادي الا و له جذور دينية أو أفكار ميتافيزيقية، فهاهو حمورابي يحكم ارض بابل باسم السماء وأنه مفوض من الإله، وهاهو الفرعون يكم أرض مصر باسم الاله وأنه ما عهد لهم من إله غيره، وكذلك فعل النمروذ الذي ادعى تحكمه في الحياة و المماة، وكذلك عاشت اليونان وبلاد الاغريق و حضارة الفينيق وحضارات الصين على وقع حكم باسم سلطة السماء، فكل هذه المرجعيات المستندة الى التفويض الإلهي أو ما يعرف بالمرجعيات الثيوقراطية كانت الى درجة كبيرة هي المنبع الرئيسي لأعتى انواع الاستبداد و الطغيان وذلك لأن النفس البشرية في اصلها وفطرتها ميالة الى ربط ذاتها بقدرة خفية تقف عاجزة امامها الا انها تسعى الى ربط علاقة معرفة بها لتستعين بها وهو الجانب الذي استغله المستبدون عبر التاريخ لبسط سلطتهم واستبدادهم. فرغم المحاولات الالهية لوضع حد لهذا النوع من الاستبداد باسمه وذلك يظهر جليا في ابتعاثه للأنبياء إلا انها لم تقض عليه، فالباحث في سيرة الأنبياء يصل الى قناعة مفادها أن الهدف من ارسالهم هو ان الله يريد وضع حد للتصرف باسمه الا انه ظهرت تيارات تحمل نفس الصبغة الاستبدادية الاولى تدّعي فهمها لرسالة الانبياء و نصبت نفسها خلفا لهم وانها استمرارية لنهجهم ودعوتهم، وهو ما نعيشه اليوم في ظل تيارات فكرية دينية ترى كل واحدة منها نفسها الاكثر فهما و تمسكا بنهج الانبياء الا ان العقل ليتساءل في مثل هذه الظروف يا ترى ما الفرق بين من يدعي معرفة الاله واعدم كل معارضيه و بين من يدّعي معرفة الله باسم نهج الانبياء وكفّر مخالفيه واستباح دماءهم وقتلهم؟؟ وما الفرق بين من نصب أوثانا يحج اليها الناس في زمن قريش لتزدهر تجارتهم و بين دولة نصبت أئمة يخطبون ليحج إليهم الحجيج لإنعاش اقتصادها؟ وما الفرق بين من قال ما عهدت لكم من اله غيري و بين من قال لهم ماعهدت لكم من فقيه عالم بدعوة الاله غيري؟ لاحل في هذه الحياة وتحت هذه الاوضاع الا العيش تحت ظلال التحرر الفكري من كل القيود والتجرد من كل الخلفيات والمرجعيات واتباع سبيل الفطرة الانسانية التي تعتمد على العقل الذي ما أخطأ من خلقه، فالعقل الذي هدى ابراهيم عليه منا السلام الى التجرد من افكار أبيه الوثنية ومعرفة الشمس و القمر قادر على ان يهدي الجميع للعيش في حياة سليمة أمنة مهتدية الى سواء السبيل بعيدا عن كل سلطة طاغية تحتكر معرفة الاله والسماء وأسرار الكون والحياة.
#نهاري_عبد_القادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|