|
كلام يجب أن يقال.. في زمن العتمة هذا..
حمّودة البريني
كاتب
(Brini Hamouda)
الحوار المتمدن-العدد: 4483 - 2014 / 6 / 15 - 01:40
المحور:
المجتمع المدني
من يوم إلى آخر يزداد المعلّمون إصرارا وثباتا، عبّروا عنه بالتفافهم حول هياكلهم النّقابيّة ما إن دعوهم للوقوف أمام المندوبيات الجّهويّة للتّربية وأمام مقرّ وزارة الإشراف، تمسّكا بمطالبهم وشجبا لسياسة وزير بدا وأنّه لم يخبر بعد المزاج العام لمنظوريه..كجهله تماما بالمزاج العام لما يفترض أن يكون شعبه.."التّوانسةّ".. يتجذّر وعي المعلّمين ويترسّخ أكثر فأكثر بقضيّتهم الجوهريّة والمحوريّة،ألا وهي استماتتهم من أجل الدّفاع عن المدرسة التونسيّة..مؤسّسة عموميّة تتّسع لكل أبناء الشّعب في عموميتهم ..الدّفاع عن المدرسة التّونسيّة ..مدرستي..بما يصون كرامة المدرّسين ويصون حرمتها..فضاء عموميا وحضنا دافئا تنشأ فيه الأجيال وتترعرع جيلا عن جيل ..كما تعلّمنا ذلك في أوّل دروس التّربية المدنيّة..المدرسة التّونسيّة ..نعم تركة الأجداد ورائحتهم. ربّما هوّ قصر النّظر أو محدوديّة الرّؤية،كما هوّ حال المصابين بعمى الألوان.لمن يروا الظّاهر فقط من لوائحنا المهنيّة..ولا شيء غير المطالب الماديّة..(منحة المشقّة..وتوحيد إطار التّدريس..و..و) إنّ ما خفيت رؤيته في باطن هذه اللّوائح والتي خيضت من أجلها إضرابات متتالية ونظّمت لأجله وقفات واحتجاجات..هوّ انتصار المعلمين جميعا بكل رتبهم للتّمسّك بالمدرسة العموميّة والعمل على تطويرها والارتقاء بها، باعتبارها مكسبا من مكاسب الدّولة الاجتماعيّة التي نتطلّع إلى بناء مقوّماتها في زمن بات الحديث فيه عن كلّ ما هوّ اجتماعي ضربا من ضروب المجازفة السياسيّة كما ترى معظم دوائر القرار المانحة..والتي باتت ،كما يبدو، تربطنا بها "وشائج وطيدة". إنّ الأمر لا يحتاج إلى بعد نظر في القول ، بأنّ صيانة كرامة المدرّسين من خلال النّهوض بأوضاعهم الماديّة وصيانة موقعهم الاجتماعي لهو تعزيز لانتمائهم للمدرسة الابتدائيّة واستحثاثهم على التّمسّك بها في وقت بدا فيه التّعليم الخاصّ منافسا عتيّا بكل ما يمتلكه من أساليب قذرة ككلّ رأس مال غايته القصوى الرّبح ولا شيء غير الرّبح ..وهذا ما يجعله غير متوان في توظيف كلّ الحيل التّرغيبيّة والإشهاريّة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور الزّبائني، تلامذة ومدرّسين وعملة..وبأسعار وخدمات تنافسيّة مغرية..تثير دائما استحسان وتثمين سلط الإشراف القائمة..و ما التّغاضي عن بعض المؤسّسات التي فتحت أبوابها للاستثمار في هذا القطاع من دون حتّى التّراخيص الإداريّة المعمول بها إلاّ دليل على حجم التّساهل في هذا المضمار.. إنّ هجرة أكثر من مائة ألف تلميذا للفضاء التّربوي دون سنّ السّادسة عشرة وانقطاعهم عنه خلال السّنوات الثّلاثة الفارطة وإلى ما قبل أكتوبر 2013.. إنّ حجم الزّيادة في ثمن الكرّاس المدعّم و بعض اللّوازم الأخرى والتى ناهزت أحيان الـ 85 % .. إنّ تفشّي بعض الأمراض والأوبئة كالجرب والتّيفويد داخل الفضاء المدرسي بسبب انعدام وسائل النّظافة والوقاية بما في ذلك حتّى الماء.. إنّ تفكّك البنى الأساسيّة واهترائئها وصل حدّ سقوط عديد الأسقف في عديد المدارس والتّلاميذ بصدد مزاولة الدّرس..في الكاف وفي جندوبة وفي القصرين..حيث أن ما نسبته الثّلثين من مجموع المدارس الابتدائيّة و الذي يفوق ال 4000 مدرسة يعود تاريخ بنائه إلى ستّينات القرن الماضي وما قبلها بقليل.. إنّ إدراك سلط الإشراف لهول هذا التّحدّي إن هم انحازوا لهذا الخيار الوطني.. إنّ استباحة سريّة الامتحانات الوطنيّة وانتهاك حرمتها..بتعويم الحديث حولها.. إنّ تفشّي ظاهرة المخدّرات صلب الفضاء المدرسي وظاهرة العنف والاعتداء على المدرّسين بالعنف المادّي والمعنوي.. إنّ انتصاب الخيمات الدّعوية لاستقطاب النّاشئة وشحنهم ايديولوجيّا من أجل تسهيل الزّجّ بهم في شبكات التسفير للـ"جهاد" فيما بعد.. إنّ إهمال مطالب المدرّسين وتجاهلها بتحجيم العمل النّقابي وتحييده ما أمكن ذلك للإرادة السّياسيّة التي هي بصدد التّشكّل في ذهنيّة حكومة التّقنوقراط سليلة "الحوار الوطني" أو هيّ إرادة بدأت ترى النّور في التعبير عن كنهها لكنّها في الحقيقة إرادة الدّول المانحة ودوائر القرار الاقتصاديّة العالميّة.. والتي جاءت لتوصي بل لتقضي بضرورة.."تنقية المناخ الاجتماعي" فسحا في المجال لحريّة تجوّل رأس مال "الاستثمار"..و"التّنمية" وتمكينه من شتّى الامتيازات كإعفائه من واجباته الضريبيّة والديوانيّة وتمكينه من تهيئة البنى الأساسيّة من عقارات مهيئة وطرقات مجانا وتسخير صيغ تشغيل هشّة لا تتمتّع لا بالحماية الاجتماعيّة ولا بأدنى شروط العمل اللاّئق.. إنّ ....وإنّ ..وإنّ وكلّ أخواتها..وكلّ هذه العوامل والتي أسلفنا تعدادها مجتمعة لهي من الأسباب التي جاءت لتقطع الشّكّ باليقين في استنتاجنا بأنّ ثمّة سياسة إرخاء القبضة على ما يسمّى بالمنظومة التّربوية العموميّة والتي وجد فيها كلّ التوانسة حظّا ولو قليلا على امتداد السّتين سنة الماضية ..إنّ إرخاء القبضة معناه التّفريط..لذلك يجب اعتبار كل العوامل آنفة الذكر هي سياسة ممنهجة تهدف إلى تخريب المرفق العام..المرفق الاجتماعي الخدماتي ..المحمولة مسؤوليته على الدّولة في الأصل . إنّ التّذرّع بالوضع الاقتصادي الصّعب والاجتهاد في تنمية ثقافة التّضحية و "لابدّ من التّضحية" و"ربط الأحزمة"..هيّ في الحقيقة ماهيّ إلا شعارات فضفاضة تمّ رفعها منذ تسعينات القرن الماضي تزامنت مع عديد المقولات التي روّج لها منظّرو العولمة..من قبيل انتهاء دولة الرّفاهيّة ..ومقولة " النّدرةّ" أمام تنامي الطلب وكثرته وهي كلّها مقولات تحاكي الجانب العاطفي الوجداني من البشر لكنّها تخفي الأرقام التي تعكس الأرباح المتكدّسة والمتراكمة بفضل التّنصّل من كلّ ماهو اجتماعي كالتنصّل من مصاريف التّغطية الاجتماعيّة والعلاج والضّغط على الكلفة بتجميد الأجور وتحرير الأسعار ومراجعة قوانين التقاعد.. إنّها حريّة رأس المال أثناء تجواله وعبوره للحدود دون قيد أو شرط ..وهنا تأخذ كلّ الاقتصاديات الهشّة وسط طواحين هذه الآلة المتوحّشة وما اقتصادنا في تونس بمنآى عن هذه الرّياح العاتية في ظلّ غياب الإرادة السّياسيّة و القرار السّيادي الوطني. إنّ حجم الفساد في التّعاطي في الماليّة العموميّة خلال السّنوات الثّلاثة الفارطة و تغليب منطق الغنيمة بـ"التّعويض" لجمهور واسع على خلفيّة الانتماء لحزب معيّن وعلى خلفيّة الولاء له،إنّ ابتكار وظائف وهميّة لهؤلاء الأتباع والإغداق عليهم من المال العام بغاية "توظيفهم عند الحاجة..وما أكثرها من حاجيات انتخابيّة .." إنّ هذا ينزع الحجّة على من يتعلّل بـ"صعوبة الأوضاع.." رغم حجم الدّمار الذي لحق اقتصاد البلاد وحجم التّخريب الذي لحق مؤسّسات الدّولة وكبرى قطاعاتها العموميّة أثناء فترة حكم التّرويكا..إنّ هذا ما يزيد قطاع التّعليم الأساسي إلاّ إصرارا على رفض كسر عظمه وإجباره على دفع كلّ الفواتير العالقة.. وفي الأخير لابدّ من الإشارة وهي إشارة نتوجّه بها إلى أبناء شعبنا من عموم التّوانسة مفادها وأنّ التّعليم في تونس مرفق عمومي مسؤوليته محمولة على الدّولة كما نصّ على ذلك دستور البلاد ، التّعليم بما يعني في بعد من أبعاده صيانة كرامة المدرّس وحرمة المؤسّسة..ولا كرامة للمدرّس في زمن يتدحرج فيه المدرّسون إلى أسفل السّلّم الاجتماعي. وفي زمن تتزايد فيه الإغراءات..تحت وطأة الضغوطات الحياتيّة المتفاقمة...إنّ مجانبة هذه الحقائق وعدم الجهر بها من قبل كائن من يكون ليس إلّا ضربا من ضروب المغالطة والتّضليل تمارسها الحكومات على شعوبها بغاية تسهيل التّحكّم بها من خلال مخاطبة الوجدان والعاطفة دون سواهما وبغاية شلّ ملكة النّقد والاستنتاج المنطقيين.. وهو كلام من قبيل .."أبناءنا".."فلذات أكبادنا" .."فرحة العائلات بنتائج أبنائهم"..كلّ كلام غايته تسطيح الأفكار والنّأي بها بعيدا عن الحقائق. إنّ معركة المعلّمين في بلادي باتت معركة كرامة با..متياز جوهرها الاستئساد من أجل الدّفاع عن المعلّم ابن التّعليم العمومي المحمول مسؤوليته على الدّولة الاجتماعيّة التي نتمسّك بها شعارا وخيارا والتي نناضل من أجلها، ونحن على استعداد لندفع الغالي والنّفيس من أجل أن تظلّ المدرسة التّونسيّة مكسبا لأبنائنا ولكلّ الأجيال القادمة. مدرسة يؤمّن فيها تعليم نيّر تقدّمي وطني المنهج والمحتوى دون تفرقة ولاتمييز.
#حمّودة_البريني (هاشتاغ)
Brini_Hamouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حمار للبيع
-
رسالة إلى بلعيد..ذاك الجبل الشّاهق.
-
حزب حركة- النّهضة- في تونس: بين وهم الشّرعيّة وفواجع الشّارع
...
المزيد.....
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|