|
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :(ألبهمنة) ( 2)
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4482 - 2014 / 6 / 14 - 10:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :(ألبهمنة) ( 2) ملاحظة : ألبهمنة ، كلمة أشتققتها من كلمة بهيمة ، ولا علم لدي إذا كانت موجودة في المعاجم .. ألبروفسور هلبرتال ، أستاذ الفكر اليهودي في الجامعة العبرية ، قال ردا على سؤال مُحاوره حول الفكر الديني اليهودي ، فقال : " تستطيع أن تجد نصا يبرر لك كل "جريمة " ، كما أنك تستطيع أن تجد سندا لكل سلوك أو فكر إنساني يقبل بالأخر ، يحترمه ويحافظ على حقوقه ، المشكلة عند المفسرين والمؤولين للنص". ذكرني قوله هذا بمقولة الإمام علي عن القران بأنه "حمال أوجه " !! وبما أن التفسير والتأويل للنصوص المقدسة هو إنعكاس للثقافة السائدة في حقبة ما ، على كل مركباتها المعرفية ، وعلاقاتها الإجتماعية ، الإقتصادية والسياسية ، فإن التفسير هو إنسجام بين المعارف ، المعتقدات والعلاقات في مجتمع المُفسر والذي هو بذاته نتاج لثقافة بيئته ، فالتفسير بحد ذاته هو إسقاط للمنتوج الثقافي على النص . ففي مجتمع عبودي مثلا ، لا يخرج التفسير عن طبيعة هذا المجتمع . لذا فالتفسير هو ديناميكي ومتحول وفقا لطبيعة العلاقات وتوازن القوى . وعلى سبيل المثال ، اخبرتنا بعض التفاسير بأن الارض محمولة على قرن ثور ، بينما "المهووسون " بالاعجاز العلمي يتحدثون اليوم عن الثقوب السوداء في الكون !! كل هذا بفضل الانتاج المعرفي ، ولا يهم في هذا السياق ، من هو صاحب الانتاج المعرفي ؟! لذا فالموقف من المرأة ،جسدا وروحا ، هو في مُحصلته ،إنعكاس للثقافة بكل مركباتها المعرفية ، والبنى الإجتماعية ، ألسياسية والإقتصادية ، والتي يعكسها "الفكر الديني " في تفاسيره وشروحه للتصوص ، بين فترة وأُخرى . مما يؤكد بأن "رأي الدين " هو في نهاية المطاف "رأي المفسرين " الذكور ،أبناء المجتمع الذكوري والبيئة الإجتماعية . ونحن نعرف أن ظاهرة التحرش كانت معروفة في عصر النبوة ، بحيث تدخل القرأن طالبا أن تتميز الحرائر من النساء بلباس ، لكي يُعرفن ولا يتعرضن لأذى التحرش !! كان المجتمع حينها مجتمعا عبوديا بدائيا ، لكنه أوجد حلا ينسجم مع "ظروف " ذلك الزمان ، حماية الحرة والتخلي عن الرقيق . وعميقا في هذا الموروث التاريخي نرى جذور هذه الظاهرة ألمعاصرة . المثير للإستغراب أن يستمر هذا الموروث الثقافي إلى يومنا هذا !! ولا ننسى بان ألشاعر عمر بن أبي ربيعة كان مترصدا ومتحرشا إنتقائيا في مواسم الحج ، وما زال يحظى بالكثير من التقدير والإعجاب (لأنه كان جنتلمان ، ربما ؟!) . فالموقف من المرأة ، له جذور تاريخية ، خاصة وأن البيئة العربية الأصلية ، في مجاهل الصحراء النجدية لم تلتق بالحضارة البشرية والإنسانية المُعاصرة سوى في السنوات القليلة السابقة . وقد دخلت القرن العشرين بقيمها وموروثها الثقافي منذ عصور ما قبل الإسلام ، فهي مجتمعات بدوية رعوية تعيش على السطو في أوقات الشدة .لكنها "نشرت " ثقافتها في أوساط مجتمعات تحمل أو حملت نفس الموروث الثقافي في وعيها الجمعي ، فكانت "مؤهلة " للترحيب بها (بترهيب أو بترغيب أو بدونهما حتى ..) ، لذلك كان من السهل أن تتغلغل هذه الثقافة ، في بيئتها القديمة الجديدة ، فهي بمثابة " هذه بضاعتنا رُدّت إلينا "..!! والمرأة هي مجرد سلعة تُباع وتُشترى ، ويحظى بها من يدفع سعرا أعلى ، فهي في هذه الثقافة ليست سوى أداة بيد الرجل ، يملكها ويتصرف بها كما يشاء ، وفي طفولتي والتي بالمُناسبة ليست موغلة في القدم ، كان الوالد لمجموعة إناث محسودا ، فهو يملك ثروة !! بفضل غلاء المُهور أنذاك .. هذه الأُنثى ، والتي لا تملك مشاعر ورغبات(وفق الثقافة السائدة ) ، وتقتصر مهمتها على ولادة الأبناء وخدمة سيدها ، يطأها متى يعن على باله ، ليس لها حق الإعتراض على التعدي على خصوصية جسدها ، فهي سلعة "معروضة " للبيع ، وللراغب "بالشراء " أن "يفحص " البضاعة !! بنفس الاسلوب التي ترويه كتب التراث عن اسواق الإماء وملكات اليمين في الامبراطورية الاسلامية ، فكان من حق المشتري ان يلمس صدرها ويفحص ساقيها وما شابه !! "بهمنة " (من بهيمة ) الأُنثى ، مركب هام في ثقافة المجتمع ، لذا يراه متسامحا مع التحرش ، وتتعرض له الفتيات والنساء في الميادين دون أن تتحرك مشاعر "أشباه الرجال " ، لأنه "يحمل " ثقافة "البهمنة " ، التي لم تتوقف عند الأنثى ، بل انتقلت عدوى البهمنة إليه ، فتحول إلى "بهيمة " من القطيع الذي يتفرج على فرد من قطيعه لا مباليا ، "والسباع" تلتهم هذا الفرد (الفريسة ) وتمزقه !! مستمرا في قضم الأعشاب ، بمتعة ظاهرة . فوصف المتحرشين بالذئاب هو إهانة للذئاب التي تتكاتف للدفاع عن افرادها وتخرج للصيد جماعات !! اما لماذا ، يتم التقدم الى الخلف دائما ؟؟ في الثقافة العربية –الإسلامية .. أو في المجتمعات العربية ؟؟!! لأننا نريد أن نُذّكر، ورغم تحفظاتنا الكثيرة ونقدنا الشديد ، فقد حاولت بعض القيادات الوطنية أن تقود عملية حداثة وتطوير للمجتمع ، لكن هذه المحاولات لم تصمد أمام أول هجمة "مرتدة " من أنصار عملية "البهمنة " .لأن عملية الحداثة لم تكن جذرية ولم تتأصل في الوجدان والثقافة للمجتمع المعني بها . ويعود السبب في رأيي المتواضع ، إلى غريزة مقاومة التغيير عند الإنسان العربي ، فالتغيير على الصعيد الفردي والجماعي يحتاج الى بذل جهد ، كسر الروتين اللذيذ ، والخروج من القوقعة ، مواجهة تحديات جديدة وإكتساب مهارات وقيم جديدة قد تتعارض كليا مع ما نشأ عليه هذا الفرد وهذا المجتمع . فالتغيير عملية مركبة ، صعبة وتتطلب بحثا عن بدائل ، والاصعب من كل هذا ، هو أن عملية التغيير قد تستمر وقتا طويلا للوصول الى الهدف المنشود ، ويصحب عملية التغيير عدم ثقة بأن يصل الفرد إلى ما يريد بعد كل ما بذله من جهود . وكمدرب شخصي وكإنسان عايشتُ الصعوبة ، في أن يتغير الانسان أو يغير من عاداته ، معتقداته وسلوكه . فالمكان المألوف والمعروف هو مكان مريح والمخاطر في هذا المكان محسوبة ومتوقعة ، أما في المكان "الموعود " فلا شيء مضمون أو مؤكد . إذن ورغم التناقض الصارخ ، يجد الإنسان "هدوءه " الموهوم "وراحته" المنكدة في الروتين والمألوف ، لذا تراه يقاوم التغيير !! وهكذا هو حال المجتمع ، الذي يفضل البقاء والمراوحة في نفس "الحظيرة القذرة " ، يُفضلها على البحث عن مكان جديد ، مكان ينتقل اليه نقلة نحو الإنسانية . لذا ترى ردة فعله على التحرر ومُساواة المرأة ، خطوات كبيرة الى الوراء ، وتكثيف القمع ،القهر والبهمنة!! لكن متى ستجد هذه "الثقافة " حلولا لمشكلة التحرش ؟؟ إلى لقاء أخر مع الخوف .....
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة (1)
-
المثلية بين البيولوجيا والتنشئة ..
-
المثلية ، السياسة والدين ..
-
-يعيش - الإحتلال ..!!
-
ألأخلاق وألسياسة..
-
إسرائيل : ما بين -عاهرة - وقديسة - !!!
-
حزيران بين -ألمسيحية - الإسلامية و- المسيحية -اليهودية ..
-
التستوستيرون بين ألقمع ،الإباحية والترشيد ..
-
ألفقر والأخلاق ..
-
شدو الربابة بأحوال الصحابة ..ألمُعاصرين !!
-
حق تقرير ألمصير : تصادم ألطموح والواقع .
-
نساء بيدوفيليات ..؟؟
-
ألرجم للعُشاق ..!!
-
ترهل أحزاب أليسار ألعربي .
-
على هامش مقالات الزميلة ماجدة منصور : ألداروينية ألإجتماعية
...
-
ألصلاة جامعة ..!!
-
الإعتداءات الجنسية : ألتناقض بين -مصلحة- الضحية وواجب التبلي
...
-
COGNITIVE DISSONANCE ألتناذر الإدراكي- أزمة مجتمع
-
القضية : حرية تعبير أم حرية تدمير ؟!
-
أيها الموت ألنبيل ، المجد لك.. !!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|