أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقين وحدة ثوريّة تعليق على مقال الأسعد السائحي - وحدة الوطنيين الديمقراطيين بين الواقع و الطموح ( القواسم المشتركة / العوائق / و مقترح للحلول)-















المزيد.....



الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقين وحدة ثوريّة تعليق على مقال الأسعد السائحي - وحدة الوطنيين الديمقراطيين بين الواقع و الطموح ( القواسم المشتركة / العوائق / و مقترح للحلول)-


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4482 - 2014 / 6 / 14 - 08:17
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقين وحدة ثوريّة
تعليق على مقال الأسعد السائحي
" وحدة الوطنيين الديمقراطيين بين الواقع و الطموح ( القواسم المشتركة / العوائق / و مقترح للحلول)"
- ماي 2014-

" لقد منيت اشتراكية ما قبل الماركسية بالهزيمة . وهي تواصل النضال ، لا فى ميدانها الخاص ، بل فى ميدان الماركسية العام، بوصفها نزعة تحريفية...
- ان ما يجعل التحريفية أمرا محتما ، انما هي جذورها الطبقية فى المجتمع المعاصر . فإن النزعة التحريفية ظاهرة عالمية...
- ان نضال الماركسية الثورية الفكرى ضد النزعة التحريفية ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التى ستخوضها البروليتاريا السائرة الى الأمام ، نحو انتصار قضيتها التام..."

( لينين- الماركسية و النزعة التحريفية-)
===============
" و نحن نعلن : " قبل أن نتحد و لكيما نتحد ينبغى فى البدء أن نعين بيننا التخوم بحزم و وضوح ".
( لينين )
=======================
" التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي ."

( ماو تسى تونغ ) .
==================================================
مقدّمة :
بكلّ الإهتمام و التركيز اللازمين قرأنا مقال " وحدة الوطنيين الديمقراطيين ..." الصادر على صفحات الحوار المتمدّن العدد 4435 بتاريخ 26 أفريل 2014 بمحور " فى نقد الشيوعية و اليسار و أحزابها " ( أنظروا الملحق أدناه ). و بكلّ الجدّية التى تحدونا فى تناول قضايا الخطّ الإيديولوجي و السياسي للحركة الشيوعية العالمية و المحلّية ، تفحّصنا ما إنطوى عليه من أفكار . و من ثمّة وجدنا نفسنا بسرعة نصوغ هذا المقال تفاعلا مع أهمّ تلك الأفكار خاصة و أنّ صاحب المقال الذى ننقد ليس من مكفّري النقد و الصراع الإيديولوجي و السياسي و له من رحابة الصدر و الفهم السليم للوظيفة الثوريّة للنقد و النقد الذاتي المستندين إلى الواقع الموضوعي و المنجزين بمنهج علمي ما خوّل له تذييل نصّه بدعوة " إلى المساهمة فى نقد هذه القراءة و هذا التصوّر ... و تطويره إلى ما هو أفضل و أشمل " وهو يقرّ بأنّ ما قدّمه " رؤية خاصة ... يمكن أن تشوبها العديد من النّواقص الّتي لم نُدركها ، أو بعض العلل الّتي لم نستطع فهمها وتحليلها وإيجاد الحلول المُلائمة لها ، كما يُمكن أن نكون قد أخطأنا في تشخيص واقع مُختلف الأطراف والمسارات السّياسية الّتي انتهجتها والّتي نلتمس منها العُذر في صور التقصير " .
و من البداية ننبّه إلى أنّ بعض النقد الذى سيطال أفكار كاتب ذلك المقال لا يخصّه هو بالذات بقدر ما يخصّ جملة أفكار متداولة فى صفوف الوطنيين الديمقراطيين و عبّر هو عنها بشكل أو آخر و من الضروري نقدها نقدا علميّا من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية و على وجه الضبط إنطلاقا من الفهم الشيوعي الأرسخ علميّا و الأكثر تقدّما ، الخلاصة الجديدة للشيوعية .
1- تسمية خاطئة و ضارّة :
بادئ ذى بدء ، نرفع إلتباسا طالما ساد فى أذهان غالبيّة الوطنيين الديمقراطيين . من الخطإ الصريح أن يطلق الشيوعيون على أنفسهم إسم طبيعة الثورة المطلوبة فى بلدهم . الشيوعيون فى البلدان الرأسماليّة لا يطلقون على أنفسهم إسم الإشتراكيين تماشيا مع طبيعة الثورة المنشودة هناك . و لا يطلق الشيوعيون عبر العالم ، فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة إسم الوطنيّين الديمقراطيّين أو الديمقراطيين الجدد ( ماويّا ، الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ) على أنفسهم إعتبارا لطبيعة الثورة اللازمة هناك . كلاهما يطلقان على أنفسهما صفة الشيوعيين و قد يضيفون إليها صفات أخرى للتمايز مع منظّمات و أحزاب أخرى . فمثلا فى الولايات المتحدة الأمريكية ، هناك عدّة أحزاب شيوعية من أبرزها الحزب الشيوعي الثوري الذى يتبنّى إيديولوجيّا الماركسية – اللينينية – الماوية وقد طوّرجوهرها الثوري فى صراع مع التحريفية و الدغمائيّة رئيسه بوب أفاكيان بتطويره للخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم أو الفهم الشيوعي الأكثر تقدّما و الأرسخ علميّا اليوم . و فى الهند هناك الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) الذى يقود حرب الشعب من أجل إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . و فى الفليبين ، هناك الجبهة الوطنية الديمقراطية التى يقودها الحزب الشيوعي الفليبيني ... و عربيّا ، أطلق الشيوعيوّن فى العراق عندما كان يقودهم الرفيق فهد إسم الحزب الشيوعي على حزبهم و هكذا . و تمّ و يتمّ ذلك عالميّا إنطلاقا من ما دعت إليه الأمميّة الثالثة الشيوعية ، ومن ما كتبه لينين عن ضرورة أن يحمل إسم حزب الشيوعيين هدفهم السمى أي الشيوعية .
و لكن لأسباب عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها ، أطلق جزء من الشيوعيين فى القطر على أنفسهم إسم الوطنيين الديمقراطيين واقعين فى خطأ التماهي مع إسم الثورة المنشودة مرحليّا و ليس مع الهدف الأسمى الشيوعي و لم يقع تصحيح الخطإ بل تمادى فيه الكثيرون لتصبح طبيعة الثورة مرحليّا المحدّدة فى الهويّة . وقد كانت تبعات ذلك وخيمة إيديولوجيّا و سياسيّا لكن تفصيلها خارج نطاق هذا المقال .
2- وحدة حزبيّة أم وحدة جبهويّة ؟
لقد طغت على المقال الذى نحن بصدده مفردات تعكس الهاجس الذى كان يقضّ مضجع كاتبه فعبارات الضعف و التشتّت و الإنقسام مجتمعة تكرّرت مرّات و مرّات و كانت مبثوثة فى جميع الفقرات تقريبا سعيا من الكاتب للتأكيد على ضرورة " الوحدة المنشودة و لو على الحدّ الأدنى السياسي خاصّة و أنّ النسق الثوري للإنتفاضة قد تراجع إلى الوراء بشكل ظاهر للعيان " ( النقطة الثانية من المقال ) .
والوحدة التى لم يتضّح من العنوان و النقطتين الأولتين ما المقصود بها : وحدة حزبيّة أم وحدة جبهويّة ، أخذ معناها يتجلّى مع بلوغ النقطة الثالثة حيث نقرأ : " بإعتبار غياب عامل القوّة الذى لا و لن يكون لديها إلاّ وهي موحّدة ومنسجمة فى إطار حزبيّ وهو الهدف الأسمى المنشود الذى يصعب تحقيقه حاليّا ، أو موحّدة على الحدّ الأدنى السياسي وهو هدف ممكن التحقيق و قابل للإنجاز على خلاف الأوّل لو توفّر حدّ أدنى من النضج السياسي لمختلف تلك الأطراف " .
إذن الوحدة المطلوبة ليست هي الوحدة الحزبيّة كما يخيّل لأوّل وهلة لقرّاء عنوان مقال السائحي وإنّما هي وحدة جبهويّة على أساس الحدّ الأدنى السياسي . و يأتى مزيدا من التأكيد على ذلك فى النقطة الرابعة بقول " إنّ الوحدة التنظيمية للأطراف الوطنيّة الديمقراطيّة صعبة التحقيق على الأقلّ فى المرحلة الحاليّة التى تتطلّب حسب طبيعة المرحلة و طبيعة الأطراف وحدة على الحدّ الأدنى السياسي و ليست وحدة تنظيميّة لعدم توفّر شروطها حاليّا حسب وجهة نظرنا " .
و يتكرّر التأكيد نفسه فى النقطة الخامسة من المقال إيّاه إذ أعرب كاتبه عن أنّ : " هذا الواقع الذى لن يتغيّر و يتطوّر خارج دائرة الحوار الجدّي البنّاء فيما بينها من أجل تجسيد وحدة حقيقيّة مناضلة على قاعدة برنامج واضح المعالم يحتكم إلى الصراع الإيديولوجي و السياسي لتنتشلها من حالة الضعف و التشتّت و الإنقسام و التى لا يمكن أن تكون ناجحة فى هذا الظرف إلاّ على الحدّ الأدنى السياسيّ حسب وجهة نظرنا " .
و هكذا ملخّص الكلام المشكل بالنسبة للسائحي هو " الضعف و التشتّت و الإنقسام " و الحلّ هو الوحدة " على الأدنى السياسي " . و فضلا عن ذكر جملة من الحقائق المتّصلة بواقع الوطنيين الديمقراطيين ، عمد السائحي إلى تكرار مفردات المشكل على طول مقاله و إلى توزيع الأخطاء على الجميع تقريبا بعدالة و كأنّها متساوة الخطورة و الشناعة و ذلك فى محاولة منه لتقريب الصفوف و الحثّ على التوجّه نحو الوحدة و لذات الغرض إنتهي عند عرض مقترحه إلى قرع " ناقوس الخطر" و إلى أنّه دون الوحدة ، ستواجه الأطراف الوطنية الديمقراطية التى " وجدت نفسها قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس السياسي " " كارثة محدقة " !
3- بديل قابل أم غير قابل للتحقيق ؟
و قد عرضنا بوضوح جوهر مقترح السائحي ، نمرّ إلى إبداء رأينا فيه فنقول إنّه مقترح غير قابل للتحقيق لأسباب أربعة .
أ- توصيف الواقع موضوع خلافي فى حدّ ذاته :
يقدّم الأسعد السائحي " قراءة خاصة " و فيها ما فيها من أفكار قد لا يستسيغها عدد من الوطنيين الديمقراطيين و أخرى ضبابيّة و ثالثة خاطئة . ففى حين يرى أنّ الإنتفاضة " تراجعت " و " إنتكست إنتكاسة كبيرة " ( فى المقدّمة ) ، تعتبر بيانات وطنيين ديمقراطيين أنّ " المسار الثوري متواصل " أو ينبغى مواصلته حتى تحقيق أهدافه . و فى حين أنّ الجبهة الوطنيّة الديمقراطية الشعبيّة " تشكّلت من مجموعات وطنيّة ديمقراطيّة كما يشير إلى ذلك إسمها عينه ، نلفيه يتحدّث ( وهو رأي جماعة من تلك الجبهة ) عن تحالف وطنيين ديمقراطيين مع " أطراف وطنيّة ثوريّة " و حسب . و رغم أنّ السائحي يعترف بصيغة ما بالعلاقة الجدليّة بين التكتيك و الإستراتيجيا ، فإنّه يستهين بالتكتيك فى مواقع أخرى من نصّه و يعتبر الخلاف حوله مسألة جزئيّة بسيطة : " حتّى و لو كانت نقاط الخلاف بينها جزئيّة و بسيطة كالمسائل التكتيكية " . ( ومن أجل فهم عميق للصلة بين التكتيك و الإستراتيجيا ، نقترح عليكم العودة إلى كتابنا بمكتبة الحوار المتمدّن " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحدّ حزب ماركسي مزيّف" ، و على وجه الضبط نقطة " التكتيك الذى يبتلع الإستراتيجيا " فى الفصل الخامس ) . و بالرغم من أهمّية قراءة ما حدث فى البلاد على أنّه إنتفاضة و ليس ثورة و تبعات ذلك النظريّة و العمليّة ، يتكلّم السائحي عن المسألة و كأنّها مسألة هيّنة : " إختلفت فى فهم تلك المحطّة النضاليّة بين الثورة و الإنتفاضة " . و مع تفطّن صاحب المقال الذى ننقد إلى الخطإ الفادح لشعار تشكيل حكومة وطنيّة ثورية الذى رفعته أطراف وطنيّة ديمقراطية كثيرة أثناء إعتصام باردو ( إعتصام الرحيل ) حيث كتب : " ولعلّ ما يُثير الدّهشة والذّهول ، وما يؤكّد حالة الانفلات والارتباك وعدم القُدرة على قراءة الواقع والفعل فيه ، هو أنّ معظم الأطراف الوطنية الدّيمقراطية بمختلف مواقعها باستثناء من نادى بحكومة إنقاذ وطني ، دعت إلى تكوين حكومة وطنية ثورية على هامش اعتصام الرّحيل بباردو كحكومة بديلة لحكومة الترويكا ، ممّا يُعبّر فعليا على أنّ هناك ضبابية حقيقية في الرّؤية السّياسية حاصلة لديها وكأنّنا بها لها من الجاهزية التّنظيمية والسّياسية والقُدرات المادّية والبشرية والتّحالفات السّياسية الضّرورية لتحقيق ذلك المطلب على أرض الواقع ، ولعلّ ما انتهت إليه أزمة اغتيال الشّهيد محمد البراهمي تُغنينا عن عناء النّقد والتّعليق . " ، فإنّه لم يتفطّن إلى مدى صلته بالخطإ الأفدح منه ألا وهو شعار " تجذير المسار الثوري للإنتفاضة حتّى إسقاط النظام العميل " . ذلك أنّ من لم يستوعبوا علم الثورة البروليتارية الثورية وحدهم يتوقّعون " إسقاط النظام العميل " بمجرّد " تجذير المسار الثوري " ( دون تحديد معنى ذلك ماركسيّا ) متجاهلين مقولات و أطروحات الوطنيين الديمقراطيين المعروفة تاريخيّا عن طريق الثورة الوطنية الديمقراطية و كيفيّة إسقاط النظام العميل . يبدو أنّ حمّى " الثورة " و الأفكار البرجوازية الصغيرة المنبهرة بالأحداث غير المتوقّعة التى تمّ إخراجها من الباب معتبرين ما حدث بتونس إنتفاضة ، أعادوها من الشبّاك تحت شعار " تجذير المسار الثوري للإنتفاضة حتى إسقاط النظام " أو شعار " تحويل الإنتفاضة إلى ثورة تنتصر إلى الكادحين " .
ما هو طريق الثورة الوطنيّة الديمقراطية بكلّ وضوح؟ ما هو طريق بلوغ البروليتاريا وحلفائها السلطة؟ هذه مسألة جوهريّة و إستراتيجية عليها ينبنى النضال بشتّى أبعاده و أركانه و من طرحها و حسمها يتهرّب الإنتهازيون بأصنافهم صلب الوطنيين الديمقراطيين .
ب- النقاط المعتبرة " نقاطا مشتركة " إشكاليّة فى حدّ ذاتها :
وضع كاتب مقال " وحدة الوطنيين الديمقراطيين ... " نقاطا ثمانية على أنّها " النقاط المشتركة " و الواقع أنّ معظمها إشكالي فعلا. ففى ما يتصل بالنقطة الرابعة ( طبيعة التناقض فى المجتمع التونسي :
- التّناقض بين الإمبريالية وعملائها المحلّيين من ناحية ، وبين الطّبقات الشّعبية المُضطهدة وعلى رأسها الطّبقة العاملة والفلاّحين الفُقراء من ناحية أخرى ) ، يُغفل المسألة الديمقراطية أي التناقض بين الجماهير الشعبيّة و شبه الإقطاعية . و لئن كان التناقض إمبريالية / شعب يعبّر عن المجتمع شبه المستعمر فإنّ التناقض الجماهير الشعبية / شبه الإقطاعيّة يعبّر عن المجتمع شبه الإقطاعي و إغفاله إغفال لنصف تحديد التناقضات و طبيعة المجتمع . فكيف يغفل السائحي و غيره هذا الأمر ثمّ يطلقون على الثورة المنشودة ثورة وطنية ديمقراطية . يجدر بهم أن يطلقوا على الثورة المنشودة ثورة وطنيّة فحسب و على أنفسهم الوطنيّون فحسب!
و تنطوي النقطة الخامسة ( و يتكرّر الخطأ المفزع فى النقطتين السادسة و السابعة : المُهمّة المركزية المطروحة : إنجاز المسألة الوطنية . المُهمّة الثّانوية المطروحة : إنجاز المسألة الدّيمقراطية ) على خلط فظيع : طبيعة الثورة المطروحة : الثورة الوطنية الديمقراطيّة ذات الأفق الإشتراكي ، و لاحظوا جيّدا " ذات الأفق الإشتراكي " . أفق الشيوعيين الحقيقيين و ليس المزيفين هو الشيوعية أمّا هذه الثورة الوطنيّة الديمقراطية فهي جزء من الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية . و تجنّبا لذلك الخلط الفظيع منذ مدّة الآن صغنا المقصود شيوعيّا بهذه الثورة صياغة تبيّن حقيقتها و تميّزها عن ما يشوبها من إلتباس مع وجود أحزاب و جبهات وطنية ديمقراطية فى البلدان العربية و تعيدها إلى حظيرة الثورة البروليتارية العالمية التى فصلت عنها فصلا : الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي و قيادتها بالضرورة تقع على عاتق الأحزاب و الإيديولوجيا الشيوعيين .

و مزعجة للغاية هي النقطة الثامنة ( طبيعة الشّكل السّياسي المنشود لانجاز المهام : الجبهة الوطنية الديمقراطية الواسعة .) التى تغيّب الحاجة الأكيدة للحزب الشيوعي الثوري كأداة مركزيّة فى قيادة عمليّة التغيير الثوري و الحاجة إلى جيش تحرير شعبي لمقارعة جيش دولة الإستعمار الجديد و الإطاحة بها و تشييد دولة جديدة ثوريّة عمادها جيش شعبي . و بطبيعة الحال لهذا صلة بالضبابيّة المتعمّدة غالبا التى باتت تلفّ طريق الثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة لدي العديد من الفرق الوطنية الديمقراطية .
ت – المسائل المطروحة للنقاش موضع خلاف جديّ :
إنّ من يلقى نظرة فاحصة على المسائل المقترحة للنقاش يتذكّر أنّ منها تاريخيّا ما فجّر خلافات كبرى ( النشأة و التأسيس ) و منها ما يقف وراء التفجّر الحالي لخلافات هامة ( ثورة أم إنتفاضة و التحالفات المنجزة : طبيعتها و أهدافها و نتائجها ) و فيها ما قد يرفض البعض الخوض فيه أصلا ( مواصلة الانقسام والتّشتّت : الدّوافع والأسباب والحلول ) .
و مع ذلك لنفترض جدلا أنّ الأطراف الوطنيّة الديمقراطية جميعها قبلت بهذا التمشّى و مضمون النقاشات فهل يعتقد السائحي أنّ القيادات المتحكّمة فى المجموعات و التى تربّى منها من تربّى فى أحضان البيروقراطيّة النقابيّة و تعلّم منها حبك المؤامرات والخداع و التلوّن كالحرباء و التى تمارس البيروقراطية و الإنتهازية فى سلوكاتها و تعاملاتها داخل التنظيم و خارجه قادرة على أن تخطو خطوة واحدة نحو المطلوب قبل كلّ شيء و نقصد الإقدام على النقد و النقد الذاتي و التقييم العلمي و الجريئ و تحمّل مسؤوليّة الأخطاء النظريّة و العمليّة ؟ تاريخيّا ، رأيناها تعيش فى وفاق مع عناصر إنتهازيّة و لسنوات عديدة و تنشر الأكاذيب و تتطاوس و هلمجرّا و ترفض النقد و النقد الذاتي و تجرّمه بإستثناء النقد الذى تصوغه على قاعدة غير علمية و تستخدمه للنيل من غيرها من أفراد و مجموعات لأغراض هدّامة لا غير و بعيدة كلّ البعد عن الشيوعية غاية و منهجا و سلوكا . و رغم ذلك ، نحن لا نجزم بأنّ ذلك مستحيل فى كافة الأحوال لكنّنا نؤكّد أنّ قيادات عدّة لا يمكن أن يرجى منها خيرا فقد فسدت و فى الإنتهازيّة غرقت و تغرق من معها فيها . و إن وُجد أمل فى البعض فعلي هؤلاء القيام بثورتهم على ذواتهم و على الوضع التنظيمي و الخطّ الإيديولوجي و السياسي ليلتحقوا بركب الحركة الشيوعية العالمية اليوم و لا يظلّوا واقفين على أطلال الماضي فيكونوا من بقايا الماضي لا طليعة المستقبل .
و المنهج العلمي يتطلبّ فى موضوع الحال التقدّم بوثائق تكون نتيجة دراسات عميقة للحركة الشيوعية العالمية و المحلّية و للواقع العالمي و المحلّي الذي يصرخ من أجل تغييره تغييرا ثوريّا و معالجة القضايا المطروحة حاليّا و مستقبلا بمنهج علمي مادي جدلي و من منطلق موقف شيوعي و أممي بروليتاري حقّا يربط الجزء المحلّي بالكلّ العالمي . و لا يهمّ إن أنجز تعميق هذا الخطّ الإيديولوجي و السياسي و توضيحه فرد أو جماعة ، المهمّ أن يتوخّوا الحقيقة و الحقيقة وحدها هدفا لهم مهما كانت مزعجة أو مؤلمة لأفراد أو مجموعات فالحقيقة وحدها هي الثوريّة . و إستيعاب علم الثورة البروليتارية العالمية و تطبيقه و تطويره و الإبتعاد عن البراغماتية و الأداتيّة و الدغمائية و المثالية و التجريبية و ما إلى ذلك من الأمراض التى أصابت و تصيب الحركة الشيوعية عالميّا والتى شخصتها الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم ، ضروري مطلق الضرورة كيما يتمّ وضع القطار على السكّة و سلوك الطريق الصحيح نحو المساهمة فى الثورة البروليتارية العالمية نظريّا و عمليّا .
ث- فصل السياسي عن الإيديولوجي فصل مثالي :
يركّز مقال السائحي على الوحدة على أساس الأدنى السياسي و كأنّ السياسي منفصل عن الإيديولوجي . عمليّة الفصل بينهما ( و إن تحدّث المقال عن الإرتباط فى مواقع أخرى ) مثاليّة و مناهضة لفهم الواقع فهما ماديّا جدليّا إذ هما مترابطان وثيق الإرتباط ما يجعل إقتراح السائحي أعرجا و على الأرجح غير قابل للتحقيق بالنسبة لغالبيّة الأطراف الوطنية الديمقراطية . فالإيديولوجيا البروليتارية بموقفها الطبقي البروليتاري و النظرة البروليتارية للعالم و المنهج المادي الجدلي تحدّد قراءة الواقع الموضوعي و الذاتي و السيرورات و الضرورات السياسية و الحلول الثورية و بالتالي تأثّر أيّما تأثير فى رسم السياسات والتوجّهات فى مجال النضال السياسي علما وأنّ النضال البروليتاري مثلما أوضح لينين فى" ما العمل؟" يتمّ على جبهات ثلاث متكاملة و متفاعلة جدليّا هي الجبهات الإقتصادية و السياسيّة و النظرية .
و لنشرح هذا بمثال شعار " تشكيل حكومة وطنيّة ثوريّة " الذى سلّط عليه السائحي نقدا صائبا و قد نقدناه فى عديد المناسبات السابقة منذ ظهوره . من الأكيد أنّ من يستوعب جيّدا علم الثورة البروليتارية العالمية و تجارب البروليتاريا العالمية و من له إحاطة بمجريات الثورات المتواصلة فى عدّة بلدان – حرب الشعب - ، لن يغامر برفع هكذا شعار غير واقعي بالمرّة و ينمّ عن ضياع و تيه فى أتون الصراع الطبقي و إدارة ظهر جليّة للينينية و متطلّبات الوضع الثوري و للماوية و متطلّبات الثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة . هذا من ناحية ، و من ناحية ثانية ، يبرز رفع هذا الشعار إنكارا مبطّنا للفهم اللينيني للدولة و لطبيعتها الطبقية و ببساطة و عمليّا يرمى من يقف وراء هذا الشعار للظهور بمظهر الثوري و الحال أنّه يبثّ فعليّا الأوهام الإصلاحيّة لتشكيل حكومة وطنية ثوريّة فى ظلّ دولة الإستعمار الجديد القائمة بجيشها و شرطتها و محاكمها و سجونها و بيروقراطيتها إلخ .
سعى السائحي من خلال الفصل بين السياسي و الإيديولوجي إلى تعبيد طريق الحوار و تسهيله لكنّ الوحدة المنشودة على أساس الحدّ الأدنى وحدة غير قابلة للتحقيق الآن بين مجمل الوطنيين الديمقراطيين و يبقى ما يمكن أن يتمّ واقعيّا و عمليّا هو فتح قنوات إتصال بين و تنسيق التحرّكات فى محطّات نضاليّة معيّنة بين أكثر عدد ممكن من المجموعات التى تقبل بذلك و هذا نفسه ليس بالأمر الهيّن لعديد الإعتبارات ليس أقلّها إعتبارات تاريخية و أخرى زعاماتيّة و ما إلى ذلك و من الأفضل كذلك أن يوسّع التنسيق إلى مجموعات " يسارية " ما هي بالوطنيّة الديمقراطية .
3- لنفهم علميّا ، ماديّا جدليّا مسألة الإنقسامات :
أكّد الأسعد السائحي و أعاد التأكيد على " طموح الخطّ الوطني الديمقراطي فى الوحدة التى طالما كانت مطلبا لأجيال من المناضلين " و على حدّ علمنا يبدو هذا التأكيد تأكيدا عاطفيّا أكثر منه حقيقة موضوعيّة عرفتها عقود ثمانينات القرن العشرين و تسعيناته و العقد الأوّل من القرن الواحد و العشرين . والحملات الشعواء التى شنّتها مجموعات وطنيّة ديمقراطية ضد هذه المجموعة أو تلك من المجموعات الوطنية الديمقراطية الأخرى و تهرّب عديد المجموعات من النقاش و الصراع الإيديولوجي و السياسي و حتى من التنسيق لسنوات طوال لا تشهد بصحّة ما ذهب إليه السائحي .
و من هنا علينا بدم بارد أن ندرك نشأة المجموعات و ندرس وثائقها المرجعيّة و تطوّراتها الداخلية و علاقاتها بالمجموعات الأخرى الوطنية الديمقراطية خاصّة و الشيوعية عامة ، محليّا و عالميّا و مواقفها فى منعرجات الصراع الطبقي و إلتواءاته ... حتى نتمكّن من المسك بسيرورة تطوّرها و التحوّلات الكمّية و النوعيّة التى عرفها خطّها الإيديولوجي و السياسي و ممارساتها. فعلى سبيل المثال، هناك صلة وثقى بين الكثير من الإنحرافات النقابويّة و الإصلاحيّة فى تجربة من تبنّوا وثيقة " هل يمكن أن نعتبر ماو تسى تونغ ماركسيّا – لينينيّا ؟ " و مضامينها الخوجيّة المتستّرة الدغمائيّة التحريفية ما يستدعى مراجعة تلك الوثيقة المرجعيّة الكارثة التى فكّكنا أجزاءا منها فى مناسبات سابقة و سنعمل على مزيد تبيان تهافتها مستقبلا .
و مسألة الإنقسامات داخل التنظيمات و الأحزاب من ناحية أخرى ، عاديّة و طبيعيّة و لكن من علامات المرض غير الصحّية بتاتا هي الإنقسامات على أسس غير مبدئيّىة ، واهية أصلا .
" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أن طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدد هي ظاهرة مقيدة ، و مؤقتة ، و إنتقالية ، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد ."
( " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، الصفحة 226 ، باللغة العربية ).
كلّ شيء و كلّ ظاهرة و كلّ سيرورة ماديّة تنشطر إلى إثنين . و يمثّل هذا القانون الجدلي جوهر الجدليّة وهو قانون عام شامل أنكرته مجموعات من الوطنيين الديمقراطيين بالرغم من أنّه موضوعي و ينطبق على مجموعاتهم . فكافة المجموعات اليساريّة شهدت و تشهد هذه الحالة من صراع الخطّين فالإنشقاق. فمثلا غدت المجموعات الماويّة أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة و فرّخت المجموعة التى إتحدت حول " هل يمكن ...؟ " أربع مجموعات – على حدّ علمنا و قد تكون أكثر و قد تفرّخ مجموعات صغيرة أخرى – و نشأت عدّة مجموعات عن من عرفوا أكثر ما عرفوا بوطد الجامعة و كذلك الشأن بالنسبة لحزب العمّال الذى خرجت من صلبه كتلة أسّست لاحقا الحزب الذى يترأسه محمّد الكيلاني ... و الجبهة الشعبيّة الإصلاحيّة التى ينطق بإسمها حمّه الهمّامي شهدت تصدّعات و إنقسامات هي الأخرى وهكذا ...
و أمسى اليوم من المضحك أن يستمرّ أعداء الماويّة و المادية الجدليّة فى إنكار الحقيقة الموضوعية الواضحة للعيان ، فى إنكار شمولية و عمومية قانون التناقض و تطبيقاته على الأحزاب و المنظّمات فى صيغة ماويّة شهيرة هي صراع الخطيّن إنكارا مثاليّا ميتافيزيقيّا خوجيّا و قد إكتوى الكثير بناره و لم يعرف حتّى شرح ما حصل و لا خوض الصراع خوضا مبدئيّا .
وحدة الأحزاب الثوريّة ذاتها تحتاج دوما إلى الإرتقاء بها عبر خوض صراع الخطّين الموضوعي الذى يحكم حركة الأحزاب بما هي حركة متناقضة شأنها فى ذلك شأن كافة الأشياء و الظواهر و السيرورات.
لكن يطفو إلى السطح سؤال : ما المحدّد إذن فى بناء صرح حزب بروليتاري ثوري يسير وفق خطّ إيديولوجي و سياسي فتنظيمي صحيح و ثوري حقّا ؟
لن يستطيع من ينكر قوانين الجدليّة و صراع الخطيّن أن يقدّم إجابة شيوعية صحيحة كافية و شافية . فقط ماو تسى تونغ و قد درس بعمق و هضم التجارب السوفياتية و الصينية و إنغمس فى خوض صراعات الخطين للتقدّم بالثورة الإشتراكية فى الصين و بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هو الذى لخّص حقيقة الأهمّية القصوى و الحيوية و الحاسمة للخطّ الإيديولوجي و السياسي :
" صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء " .
و قد صاغ مبدأ عظيما فى خوض صراع الخطّين من منظور شيوعي صلب الحزب :
" مارسوا الماركسية و أنبذوا التحريفية ؛ إعملوا من أجل الوحدة و أنبذوا الإنشقاق ؛ تحلّوا بالصراحة و الإستقامة و لا تحبكوا المؤامرات و الدسائس ."
وهذه الحقائق التى لخّصها ماو من العوامل الحاسمة فى مدى الوحدة الثوريّة المتجدّدة التى يبلغها الشيوعيون و الشيوعيات و مدى تطويرها و تطويرهم لنضالاتهم . هذا هو مفتاح الوحدة الثوريّة الذى يجب أن يصبو إلى تكريسه الوطنيون الديمقراطيون أفرادا و مجموعات إن راموا لأنفسهم أن يساهموا مستقبلا فى تشكيل فصيل حزبي يتمتّع بوحدة ثوريّة على أساس أقصى ، أساس خطّ إيديولوجي و سياسي صحيح قائم على علم الثورة البروليتارية الثورية المتطوّر أبدا .
و راهنا ، ينبغى الإعتراف بأنّ الإنقسامات صلب الوطنيين الديمقراطيين فى جانب أساسي منها إفراز للتحريفية التى تغلغلت فيها و نخرتها و حوّلت غالبيّتها من مجموعات ثوريّة رئيسيّا إلى مجموعات تحريفية إصلاحيّة رئيسيّا . و لنقل الحقيقة الموضوعية بصوت عال : إنّ وحدة المجموعات الوطنيّة الديمقراطية جميعها أو حتى أغلبها بوضعها الحالي وحدة حزبية لن تكون سوى وحدة إنتهازيّة بل و رجعيّة من منظور تاريخي فلا حاجة لنا كما قال لينين إلى وحدة إنتهازيين فى سفينة نوح أخرى فيها من كلّ زوجين إثنين ، بالعكس تحتاج الحركة الشيوعية العالمية و المحلّية و تحتاج الثورة البروليتارية العالمية إلى وحدة ماركسيين . لقد نخرت التحريفية بما هي ماركسية مزيّفة و فكر برجوازي عظام تلك المجموعات و لا زالت تنخرها و لن يمكن إنقاذها جميعها – هذا وهم قاتل - ، ما يمكن إنقاذه هو بعض المناضلين و المناضلات الشيوعيين حقّا و القابلين للتطوّر خدمة للشيوعية على الصعيد العالمي و تحرير الإنسانية جمعاء من كافة أنواع الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي .
4- الجبهة و الوحدة الحزبيّة الثوريين :
الجبهة التى يتطلّع إليها الشيوعيون الحقيقيّون من ضمن الوطنيين الديمقراطيين ليست جبهة تضمّ كافة الوطنيين الديمقراطيين لأنّ غالبيّتهم صاروا إصلاحيين قولا و فعلا ، بل جبهة طبقات ثوريّة تنشأ فى خضمّ الحرب الثوريّة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ، حرب الشعب الطويلة الأمد بقيادة الحزب الشيوعي المسلّح بعلم الثورة البروليتارية العالمية لتشكّل ركائز مؤسسات الدولة البديلة إعتمادا على قوّة جيش التحرير الشعبي و الحركة الجماهيرية الشعبيّة و المناطق المحرّرة إلخ .
و الحزب الشيوعي الثوري هو المركز وهو قائد جبهة الطبقات الثوريّة هذه و قائد جيش التحرير الشعبي. و لتأسيس هذا الحزب الثوري فبنائه صلب الجماهير الشعبيّة نحتاج إلى أقصى و ليس إلى أدنى وحدة ثوريّة تنبى على خطّ إيديولوجي وسياسي صحيح قائم على علم الثورة البروليتارية العالمية المتطوّر أبدا وهو ما يقتضى صبّ قسط من جهود الشيوعيين حقّا ، الثوريين ، على توفير مستلزمات تأسيسه و منها خوض الصراع الإيديولوجي و السياسي لبلوغ هذا الخطّ الصحيح الذى على قاعدته يتمّ البناء السليم .
قال لينين فى " ما العمل ؟ " :
" الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] هي حركة أممية فى جوهرها . و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الإطلاع على هذه التجربة أومجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه. و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتساع و تشعب حركة العمال المعاصرة ، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ). "

وعليه ، لا بدّ من إيلاء النضال على الجبهة النظرية أهمّية كبرى إذ لا حركة ثوريّة دون نظريّة ثوريّة . كما لا بدّ من تطبيق المبادئ اللينينية المتصلة بالوحدة الثوريّة فمثلما قال لينين ما نحتاجه هو وحدة ماركسيين لا وحدة مع غير الماركسيين . و فى إرتباط بذلك ، علينا أن نرفع عاليا مقولتين شهيرتين للينين فى " ما العمل ؟ " هما :
أ- و نحن نعلن : " قبل أن نتحد و لكيما نتحد ينبغى فى البدء أن نعين بيننا التخوم بحزم و وضوح ".
ب-" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا "الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] الروسية لسنوات طويلة ، طويلة جدا."
و لهذا يقترف الأسعد السائحي خطأ فى حقّ اللينينية إذ قلب الأمور رأسا على عقب معربا فى نقطة مقاله الثانية عن أنّ " التنوّع و الإختلاف لا يمكن أن يكون سوى عامل دفع حقيقي إلى الأمام فى إتجاه وحدتها " . لينين يدعو إلى تفحّص الإختلافات و البتّ فيها من أجل بلوغ الوحدة و السائحي يرى العكس و مردّ ذلك هو الركون إلى البراغماتيّة / النفعيّة أي خدمة لغرض الوحدة تهمّش المبادئ و تجرى قراءة الواقع الموضوعي قراءة توظيفيّة تقولب حسب متطلّبات الأهداف المرسومة سلفا - و هنا الوحدة على أساس الأدنى السياسي .
5- الشيوعية عالميّا غايتنا الأسمى و كلّ ما نقوم به يجب أن يخدم هذه الغاية الأسمى :
بحثنا فى مقال " وحدة الوطنيين الديمقراطيين ..." عن مفردة الشيوعية و عن الشيوعيّة كغاية أسمى فلم نعثر لهما على أثر . لقد برزا بغيابهما و الحال أنّ الوطنيين الديمقراطيين إفراز تاريخي فى الأساس لصراعات الحركة الشيوعية العالمية و المحلّية و تفاعلاتهما و على وجه الضبط يعتبرون تاريخيّا فى بداياتهم من المجموعات الماركسيّة - اللينينية المنتمية إلى الحركة الماركسية – اللينينية العالمية و كان يقودها إلى وفاته ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني فى صراع حياة أو موت مع التحريفية السوفياتية و اليوغسلافية و الإيطالية و الفرنسية ...
و عامّة كان الوطنيّون الديمقراطيّون يعدّون أنفسهم ماركسيين يتميّزون بمعاداة التحريفية السوفياتية و أطروحاتها و أتباعها و بإعلائهم راية الشيوعية الثوريّة فى وجه الإصلاحيّة و الإصلاحيين . كان هذا مظهرهم الرئيسي عند النشأة فى سبعينات القرن العشرين و بداية ثمانيناته ( بالنسبة لتشكّل بعض المجموعات ) بيد أنّهم شهدوا تطوّرات و تحوّلات بفعل صراع الخطّين فى ترابط وثيق بالصراع الطبقي المحلّي و العالمي و الصراع فى صفوف الحركة الماركسية – اللينينية العالمية ، تحوّلات كمّية و نوعيّة بلغت بهم ما نراه الآن أمام أعيننا .
و شأنهم عموما شأن الأسعد السائحي و غيره كثير ، أضاعوا أمام الهجمة الشرسة الإمبريالية و الرجعية العالمية على المشروع الشيوعي خاصّة إثر إنهيار الإتحاد السوفياتي ، أضاعوا البوصلة الشيوعية و لم يعودوا يذكرون الشيوعية و يدافعون عنها – و أضحت عند الغالبية إشتراكية لا غير – إلاّ فى مناسبات نادرة للغاية و بشكل عابر و مفرغة من روحها و مضمونها الثوريّين و الأمميين .
و منذ فترة وجيزة نشرنا مقالا على موقع الحوار المتمدّن حمل عنوان " نقد بيانات غرّة ماي 2013- تونس : الأفق الشيوعي أم التنازل عن المبادئ الثورية ؟ " بيّنّا فيه بالحجّة و الدليل القاطع و البرهان الساطع مدى إنحدار فرق اليسار و حتى " ماويين " منهم إلى التخلّى عن الغاية الأسمى و ما يتطلّبه النضال الشيوعي و عن الأمميّة البروليتارية إلخ ومحتوى ذلك المقال ينطبق تماما على ما ورد فى نصّ السائحي و على نصوص عدّة لمجموعات وطنية ديمقراطية .
و فى موضوع الحال ، ينبغى أن نربط نضالاتنا اليومية و معاركنا السياسية منها و الإقتصاديّة و النظريّة بهدفنا الأسمى و إلاّ لن نكون شيوعيين . و الحدّ الأدنى لأيّ تنسيق و وحدة مؤقّتة أو جبهويّة ... ينبغى أن يسمح بنشر الشيوعية . و تكتيكاتنا هي بدورها ينبغى أن تتناغم مع غايتنا الأسمى . و أساليب عملنا و سلوكاتنا يترتّب ان تتأتّى من هذه الغاية الأسمى و إلاّ لن نكون شيوعيين حقّا قولا و فعلا . و لن نكون شيوعيين ، إن لم نناضل من الآن من أجل " الكلّ الأربعة " كما أسماهم الماويّون عالميّا :

" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ". ( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

الخاتمة :
فضل مقال الأسعد السائحي أنّه ، لو تمّ التعاطي معه بجدّية و لم يقع تجاهله عمدا ، قد يثير نقاشات هامّة سعى الكثيرون إلى تجنّبها إلآّ أنه تقدّم بمقترح لا يخرج عن إطار " الأدنى " على الأرجح غير قابل للتحقيق راهنا . هذا وجهه الأوّل و وجهه الثاني هو أنّه أخرج الوطنيين الديمقراطيين عن إطار الحركة الشيوعية العالمية . أمّا الوجه الثالث فهو تعويله على " قل للزمان إرجع يا زمان " و توحيد على الأقلّ من كان موحّدا سابقا و توجيهه الأنظار إلى الماضي عوض رفعها نحو المستقبل .
وحدة الأدنى السياسي الماضي – غير المشترك كما أوضحنا – لن تكون إن تحقّقت جزئيّا إلاّ وحدة جبهويّة عابرة فى معارك و مناسبات معيّنة و بالتأكيد لن تؤدّي إلى وحدة حزبيّة أقصى عدا أن تكون وحدة حزبيّة إصلاحيّة ذلك أنّ الوحدة الحزبيّة الثوريّة تستدعى توجيه الأنظار إلى المستقبل ، إلى الغاية الأسمى الشيوعية و الإرتباط بالحركة الشيوعية العالمية و تبنّى أرقى ما بلغه علم الثورة البروليتارية العالمية فى تطوّره حتى نكون طليعة للمستقبل ، لا بقايا للماضي مثلما هو حال الغالبيّة الساحقة للمجموعات الوطنيّة الديمقراطية اليوم.
لقد تغيّرت طبيعة المجموعات الوطنيّة الديمقراطية فى غالبيّتها و أمست تحريفية و إصلاحيّة و مآل البقيّة هي الأخرى التحريفية و الإصلاحيّة عاجلا أم آجلا إن لم تقطع مع أخطاء الماضي و الحاضر و لم تدرس الحركة الشيوعية المحلّية و العالمية دراسة علميّة و تستخلص الدروس الإيجابيّة منها و السلبيّة و تستوعب تطويرات علم الثورة البروليتارية العالمية بفضل الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم و تطبّقها .
أن يبقى الوطنيّون الديمقراطيّون و خاصة منهم الشيوعيين حقّا الذين لم يتحوّلوا تماما إلى عناصر إصلاحيةّ قلبا و قالبا من بقايا الماضي أو أن ينجزوا تحوّلا نوعيّا ضروريّا و ثورة صلبهم ليكونوا ضمن طليعة المستقبل و محرّري الإنسانية ، هذه مسألة موت أو حياة !





الملحق
---------------------------------------------------------------------------------
وحدة الوطنيين الدّيمقراطيين بين الواقع والطّموح ( القواسم المُشتركة / العوائق / ومُقترح للحلول )


الأسعد سائحي
الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 12:12
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


مقـــدّمـــة :

شهد الخط الوطني الدّيمقراطي في تونس ولا يزال وضعا يتميّز بالتّنوّع والتّعدد والاختلاف في وُجهات النّظر والقراءات الإيديولوجية والسّياسية ، وهو ما جعله مُتشظّيا ومُشتّتا لسنوات طويلة في شكل مجموعات سياسية مُتعدّدة التّسميات والأطروحات منها من أخذ شكل حزبي رسمي علني أو شبه علني ، ومنها من يزال يُراوح ويبحث عن الشّكل التّنظيمي الّذي يُريد ويتماهى بين العلنية والسّرية .

وبقدر ما كانت المحطّة النّضالية 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 وما تلاها عامل قوّة للدّفع نحو الأمام في سبيل تجميعها وتوحيدها ، إلاّ أنّها وللأسف عمّقت أوجه الاختلاف بينها من جديد وتباعدت المسافات أكثر من ذي قبل وكانت عامل تفرقة ، إلاّ أنّها نجحت في وضعها كلّها مُجتمعة موضع تساؤل حول الوضع الرّاهن الّذي تعيشه تونس وخاصّة بعد فشل منظومة مسار " الانتقال الدّيمقراطي " وما نتج عنها من تداعيات خطيرة على مصالح الطّبقات المُضطهدة وخاصّة منها العمّال والفلاّحين الفقراء مُقابل تزايد هجمة الإمبريالية وعملائها المحلّيين الّذين نجحوا في ترميم نظام الرّجعية والعمالة وتقوية شوكة الائتلاف الطّبقي الرّجعي العميل بما يُفنّد بقوّة مقولة الثّورة وسقوط النّظام وزيف مسار "الانتقال الدّيمقراطي" وفشل المراهنة عليه لكلّ من سار في ركابه ، كلّ ذلك يحدث في ظلّ وضع داخلي وإقليمي ودولي متميّز باستمرار الأزمة الاقتصادية العالمية ونتائجها الوخيمة على الشّعوب والأمم وخاصّة منها المستعمرة وشبه المستعمرة .

وفي سياق هذا الوضع المتأزّم اقتصاديا واجتماعيا ، ظلّ الطّرح الوطني الدّيمقراطي في عمومه يتأرجح بين الواقع الذّاتي للتّشكيلات السّياسية الّتي تتبنّاه والمُتميّزة بالضّعف والتّشتت ، وبين الواقع الموضوعي المُتشعّب والمفتوح على كافّة الواجهات ، والّذي يتحكّم فيه الائتلاف الطّبقي الرّجعي العميل في ثوبه الجديد في ظلّ تراجع وتيرة الصّراع الطّبقي بشكل مشهود بفعل انتكاسة كبيرة للمسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة ، إضافة إلى تراجع وتململ الخط الوطني الدّيمقراطي الثّوري واصطدامه بهذا الواقع الّذي أفرزته الانتفاضة وعجزه عن إيجاد الحلول والبدائل الملائمة للوضع الرّاهن ممّا جعل تفاعله معه مُتأرجحا في أغلب المحطّات إن لم يكن ضبابيا ، رغم ما يحمله في جعبته من أطروحات ثورية ، وما يمتلكه من أدوات تحليل علمية للواقع ، وكان ذلك التّأرجح والضّبابية النّتيجة الحتمية للمسارات السّياسية الّتي انتهجتها مختلف تشكيلاته في تفاعلها مع الانتفاضة ، فمنها من انخرط وراهن على مسار " الانتقال الدّيمقراطي " بأشكال متعدّدة ومختلفة ، ومنها من اختار نهج المقاطعة وحذّر من مغبّة التّسرّع والاندماج ، ومنها من بقي يُراوح بين الوضعيتين .

وبين الانخراط والمقاطعة ، تاهت مختلف التّشكيلات السياسية ، ووجدت نفسها في وضع من الارتباك وعدم الاستقرار ، وهو ما انعكس عليها سلبيا بالتّأثير في واقعها الذّاتي تأثيرا ملحوظا ممّا جعلها تُواصل التّأرجح وتفقد التوازن إلى درجة أنّها أصبحت تعيش على هامش الصّراع الحقيقي الّذي من المفروض أن تكون في دائرته والمُحدّدة فيه .

وسنُحاول من خلال هذه القراءة مُحاولة الوقوف على مُتطلّبات الواقع وطُموح الخط الوطني الدّيمقراطي في الوحدة الّتي طالما كانت مطلبا لأجيال من المُناضلين ، وقد قُمنا بتوزيع هذه القراءة على جُملة من النّقاط المُتداخلة والّتي تناولنا فيها :

1) وحدة الوطنيين الدّيمقراطيين بين الشّعار والواقع .
2) المحطّة النّضالية 17 ديسمبر 2010 وتعميق الأزمة بين الوطنيين الدّيمقراطيين .
3) اختلال موازين القوى السّياسية وترجيح كفّة الوحدة .
4) إشكالية الوحدة بين فشل المسارين وعدم نُضج الشّعار .
5) رؤية ومُقترح لوحدة الوطنيين الدّيمقراطيين :
( أ ) القواسم المُشتركة .
( ب ) مُقترحات عملية وتقنية
( ج ) مشروع جدول أعمال للنّقاش :
• الطّرح الوطني الدّيمقراطي في تونس
• التّشكيلات السّياسية المُتبنيّة للطّرح الوطني الدّيمقراطي
• المحطّة النّضالية 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011
• مسألة التّنظّم
• مسار " الانتقال الدّيمقراطي " :
- الانخراط
- المقاطعة
• واقع الانقسام والتّشتّت للتّشكيلات الوطنية الدّيمقراطية بعد المسارين
• إشكالية الوحدة
6) خاتمة


1) وحدة الوطنيين الدّيمقراطيين بين الشّعار والواقع :

نظرا لصُعوبة تجسيد شعار الوحدة على أرض الواقع وما يتطلّبه من وعي ومسؤولية ومجهودات للغرض ، فالمُلفت للانتباه أنّ واقع التّشظّي والتّشتت والانقسام الّذي يشهده الخط الوطني الدّيمقراطي بشكل عام منذ سنين طويلة خلت ، دفع من جديد وبقوّة إلى السّطح طرح إشكالية الوحدة بين مكوّناته لدرجة أنّنا نجدها كلّها ترفع هذا الشّعار وتُنظّر له في بياناتها السّياسية ، وعلى العكس من ذلك لم نشهد أثرا حقيقيا مُجسّدا لذلك الشّعار على أرض الواقع الملموس ، ممّا يجعلنا نفهمه على أنّه شعارا لتذييل وتزيين البيانات السّياسية ، بما يُفيد بأنّ هذا الشّعار على أهميّته بقي شعارا فضفاضا فارغا من محتواه ، وعلى الرّغم من ذلك تُعلّق عليه تلك التّشكيلات آمالها وطموحاتها وعيا منها بضعفها وتشتّتها وانقسامها ، ولعلّها تلك هي الحقيقة الوحيدة الّتي تشترك فيها مُجتمعة وتُقرّ بها . وإذ نعتبر أنّ مسألة الضّعف ليست جُرما في حدّ ذاته باعتبار وأنّها الحقيقة الموضوعية لحالتها ، إلاّ أنّ الوعي به في وضع التّشتّت من ناحية وضرورة الوحدة من أخرى هو العلامة الإيجابية في ذلك ، لكنّ هذه العلامة بمفردها لا تُفيد في شيء إلاّ إذا تطوّرت وتحوّلت إلى فعل حقيقي في الواقع الملموس لدى مُختلف تلك الأطراف ، فالوعي بضرورة الوحدة جميل ، لكن الأجمل منه تجسيده في الواقع الموضوعي فكرا وممارسة حتّى يتحوّل إلى واقع أفضل ، ولكنّ الواقع بكافّة أبعاده لا يُفيد عمليا بتطوّر حالة الوعي والإدراك لديها وبخطورة الوضع الّذي هي عليه ، وكذلك بتشعّب وضع البلاد الّذي يؤكّد بما لا مجال للشّكّ فيه استعادة نظام الرّجعية والعمالة أنفاسه بعد ترميمه بمنظومة 23 أكتوبر وسيطرته شبه المطلقة بواسطة أجهزته الّتي استعادت عافيتها وخاصّة منها القمعية العسكرية والأمنية على زمام الأمور من جديد مع تسجيل تراجع كبير ملحوظ للمسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة وأفول نجمها بحكم العديد من العوامل أبرزها هيمنة مسار " الانتقال الدّيمقراطي " الّذي أتى على الأخضر واليابس وانقلب عليها وعلى شعاراتها المركزية .

وأمام هذا الوضع المتميّز بما سبق ذكرُه ، بقيت السّاحة السّياسية شبه فارغة ومسرحا كبيرا تُهيمن عليه الأطروحات السّياسية الإصلاحية والانتهازية ومُتحكّمة فيه الأطراف الرّجعية العميلة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالاستعمار تحّكما شبه مطلق معتمدة في ذلك على جُملة من المنظومات والمؤسّسات أبرزها المؤسّسة التّشريعية مُمثّلة في " المجلس الوطني التّأسيسي " سليل انتخابات 23 أكتوبر المهزلة ومختلف تفرّعاته ، إضافة إلى مؤسّسة " الحوار الوطني " الّتي نجحت مرحليا في إيجاد التّناغم والتّوافق السّياسي المطلوب إمبرياليا ، والّتي تسعى الآن جاهدة إلى إنجاز العملية الانتخابية الثّانية بخطى حثيثة على قاعدة ما أفرزه مسار " الانتقال الدّيمقراطي " بمختلف مراحله .

وفي ظلّ الخيارات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية لنظام الرّجعية والعمالة في ثوبه الجديد ، وتراجع المسار الثّوري للانتفاضة ووتيرة الصّراع الطّبقي ، وحالة الضّعف والتّشتّت والانقسام الّتي يوجد عليها الخطّ الوطني الدّيمقراطي ، يتبادر إلى أذهاننا طرح الأسئلة التّالية :

• ما الّذي يمنع عمليا وحدة الوطنيين الدّيمقراطيين من التّشكُّل حاليا ، أي بعد قرابة ثلاث سنوات ونصف من انطلاق شرارة الانتفاضة وانتكاستها ؟
• ولماذا لم يتوحّدوا سابقا باعتبار وأنّ شعار الوحدة ليس بالشّعار الجديد أو الغريب عنهم والمرافق لهم لمدّة طويلة جدا ؟

لفهم هاته المسألة الّتي نعتبرها مُعقّدة ومُتشعّبة بحكم العديد من العوامل أهمّها العامل التّاريخي المُتمثّل في أنّ تاريخ الوطنيين الدّيمقراطيين لم يُكتب بعد ولم توجد محاولات جادّة في الغرض خاصّة وأنّ هذا الخطّ عرف أجيال مُتعاقبة ومتنوّعة ومُختلفة المشارب الفكرية والسّياسية من جيل التّأسيس إلى جيل انتفاضة 17 ديسمبر ، وهو ما يُمثّل عائقا حقيقيا في فهم تاريخ وطبيعة هذا الخط وأطروحاته الإيديولوجية والسّياسية المتنوّعة ، لكنّ الثّابت تاريخيا هو أنّ شعار الوحدة بينها كان مطروحا ومُتبنّيا لدى مُختلف مكوّناته ، وكانت ولا تزال الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الواسعة الحلم المنشود كإطار جامع لإنجاز المهام المطروحة تكتيكيا واستراتيجيا ، إلاّ أنّ الواقع الذّاتي والموضوعي لم يتطوّر لتحقيق ذلك الهدف بحكم عدم توفّر الشّروط اللاّزمة للغرض لتعدّد الأسباب وتنوّعها أهمّها الاختلاف في المنطلقات الإيديولوجية والّتي تؤدّي بالضّرورة إلى الاختلاف في كلّ ما هو سياسي تكتيكيا كان أم استراتيجيا ، وكذلك بتواصل الوضع العام للخط الوطني الديمقراطي على حاله والتطّورات الحاصلة داخله منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي إلى حدود انتفاضة 17 ديسمبر سواء في السّاحة الطّلاّبية أو في السّاحة الشّعبية .

وأمام القراءات الإيديولوجية المتنوّعة الّتي تُفضي بالضّرورة إلى مفاهيم ورؤى مُختلفة للوحدة ، وهو ما يُعدُّ عاملا حاسما ومُحدّدا في تبلورها وتشكّلها ، فنجد من يعتبرها مرتبطة بأزمة ذوات " مريضة " بالزعامتية وهي السّمة المُميّزة لمختلف تشكيلاته ، ممّا كان سببا مُباشرا وغير مباشر في كثرة التّشكيلات السّياسية وتنوّعها حتّى ولو كانت نقاط الخلاف بينها جزئية وبسيطة كالمسائل التّكتيكية . كما نجد من يعتبرها صعبة المنال إن لم تكن مُستحيلة باعتبار وجود خلافات إيديولوجية عميقة ترجع إلى قراءات مُختلفة المشارب هي حجر الزّاوية الرّئيسي في قيامها من عدمه ، وهو ما انعكس ضمنيا على الاستراتيجي والتّكتيكي فيما بينها .

وفيما عدا الإيديولوجي ، فالبارز في موضوع الاختلاف بينها هو مدى فهمها وإدراكها للمسائل التّكتيكية الآنية بكافّة أبعادها ممّا يؤدّي بالضّرورة إلى الاختلاف فيما هو استراتيجي والعكس بالعكس . ولئن حاول البعض منها نفي الخلاف فيما هو استراتيجي باعتبار وأنّ مُعظم التّشكيلات السّياسية للوطنيين الدّيمقراطيين تطرح الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأفق الاشتراكي ، وتعتبر أنّ التّناقض الرّئيسي الّذي يشقّ العالم هو بين الإمبريالية وعملائها المحلّيين من جهة ، والشّعوب والأمم المضطهدة من جهة ثانية ، وتولي جميعها أهمية بارزة للمسألة الوطنية كمهمة مركزية في نضالها من أجل الحرّية والانعتاق الاجتماعي ، إلاّ أنّ هذا النّفي لا يُغيّر شيئا من طبيعة المسألة المتمحورة حول الوحدة فيما بينها باعتبار وأنّ الاستراتيجي على أهميته لا يُمكن عزله عن الأيديولوجي وكذلك عن التّكتيكي ، وهذا ما يُفيد عدم نجاح مختلف تلك الأطراف في حلّ إشكالية الوحدة فيما بينها لمدّة زمنية طويلة نسبيا تُضاهي الأربعين سنة .

2) المحطّة النّضالية 17 ديسمبر 2010 وتعميق الأزمة بين الوطنيين الدّيمقراطيين :

المُتتبّع للوضع الّذي عاشته تونس بداية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 وما بعده ، يُلاحظ أنّ مُعظم تلك الأطراف تداخلت لديها المسائل وكذلك المفاهيم في استيعابها وفهما لها وكيفية التّعامل معها ، واختلفت في فهم تلك المحطّة النّضالية بين الثّورة والانتفاضة ، وتعمّقت الأزمة فيما بينها وُفقا للتّوجّهات والمسارات السّياسية الّتي اختارتها. فكلّ التّشكيلات السّياسية اصطدمت بالواقع الموضوعي للجماهير الشّعبية المُنتفضة ضدّ جلاّديها ، حيثُ وجدت نفسها أمام نسق ثوري تصاعدي تفاعلت معه بأشكال مُتعدّدة ومُختلفة تميّزت بعجزها مُنفردة على استيعاب المدّ الجماهيري ممّا جعلها تختار جبّة الاتّحاد العام التّونسي للشّغل خاصّة في بداياتها الّتي كانت غير مُشجّعة وغير مضمونة النّتائج ، إلى إسراع بعض الأطراف في تأسيس " جبهة 14 جانفي " مع الأطراف الإصلاحية والانتهازية ، و البعض الآخر اختار تأسيس" الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " مع أطراف وطنية ثورية ، ثمّ انخرطت بعض المجموعات لاحقا في ما يُسمّى بـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " بمعيّة الأطراف الرّجعية العميلة ، إلى الارتماء في " الهيئة العليا للانتقال الدّيمقراطي والإصلاح السّياسي " ، إلى انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، إلى " المجلس الوطني التّأسيسي " لإنجاز الدّستور ، إلى " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " ، إلى " الحوار الوطني " قبل اغتيال الشّهيد شكري بلعيد وبعده ، إلى مُناقشة الدّستور في نسخته الأولى ، إلى اغتيال الشّهيد محمد البراهمي ، إلى " جبهة الإنقاذ الوطني " ، ثمّ إلى " الحوار الوطني " من جديد والوفاق الطّبقي ، إلى المصادقة على الدّستور ، إلى حكومة مهدي جمعة الرّجعية العميلة الّتي تُواصل العمل قُدما في نفس توجّهات من سبقها ، إلى الوضع الرّاهن المشُوب بالغموض ...

وقد تخلّلت هذا المسار العديد من الأزمات المتتالية في المشهد السّياسي أبرزها اغتيال الشّهيدين شكري بلعيد أحد الوجوه الوطنية الدّيمقراطية البارزة ومحمد البراهمي على أيادي الغدر والخيانة وبروز ظاهرة " الإرهاب " الدّيني كسيف مُسلّط على أبناء شعبنا من الدّوائر الإمبريالية الّذي أدّى إلى اغتيال العديد من الأمنيين والعسكريين لتدخل البلاد في مرحلة من الغموض السّياسي القابل للانفجار في كلّ لحظة ، وليجد أبناء شعبنا المضطهد أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ ، بين القبول بخيارات نظام الرّجعية والعمالة الّذي يعيش أزمة على كافة الواجهات في وضع متميّز باستفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ، أو فزّاعة " الإرهاب " الدّيني الخاضع لأجندات سياسية دولية وإقليمية وداخلية الّذي يُهدّد البلاد والعباد .

وفي خضمّ ذلك ، برزت على السّاحة السّياسية العديد من التّكتّلات الحزبية أبرزها الترويكا الحاكمة و " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " والأحزاب والجبهات الدّستورية المرسكلة للتّجمّع ، و " جبهة الإنقاذ الوطني " ، و " التّحالف الوطني من أجل دعم الشّرعية " ...إلخ ، تأزّم الوضع فيما بينها حول غنيمة السّلطة شهد تأجّجا خاصّة بعد اغتيال الشّهيد محمد البراهمي ، فأوكل الدّور لمؤسّسة " الحوار الوطني " بقيادة البيروقراطية النقابية ونقابة الأعراف بمعية عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لتقريب وُجهات النّظر ولعب الدّور البارز في إنقاذ حكومة الترويكا وخروجها ظاهريا من سدّة الحكم سالمة غانمة بعد اختتام الدّستور بأغلبية مُريحة داخل " المجلس الوطني التّأسيسي " وتنصيب حكومة رجعية عميلة جديدة بقيادة وزير الترويكا السّابق للصّناعة للتّأثيث للانتخابات القادمة .

وفي سياق تأزّم الوضع على جميع الواجهات، تراجعت الأطراف الوطنية الدّيمقراطية على مستوى الأداء السّياسي ، وبقيت تُحلّق خارج السّرب ، تُعوزها القُدرة على البروز وطرح بدائلها السّياسية بعد أن استنزفت طاقاتها المادّية وإمكانياتها البشرية فيما سبق ، مُتضرّعة من جديد بضعفها وتشتّتها وانقسامها وبغياب الذّات الثّورية القادرة على تجميعها وتنقية المناخ السّياسي وتسوية الخلافات الّتي تشقّها ، فحتّى من اختار الانخراط في " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " انسحب منها بعد تجربة مريرة مشُوبة بالوهم لتصحيح مسارها السّياسي العام ليتدحرج القهقرى فيما بعد لما أصابه من تشوّه وعدم انسجام بين التّكتيكي والاستراتيجي في ظلّ موازين قوى غير متكافئة ، وبقيت بقية الأطراف الأخرى على هامش الصّراع السّياسي مُنغلقة على نفسها سواء في " الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " أو خارجها بتبريرات مُختلفة .

ولئن برزت بين الفينة والأخرى دعوات صريحة للوحدة سواء في نداءات " الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " أو في البيانات السّياسية لمختلف الأطراف سواء كانت أحزابا أو مجموعات أو أطرافا سياسيا أو أفرادا ، إلاّ واصطدمت بجملة من العراقيل سواء كانت ذاتية مُتعلّقة بالأشخاص ، أو موضوعية مرتبطة بالأطروحات السّياسية والإيديولوجية ، بشكل منع بكامل الوضوح أي عمل جاد يُمكن استثماره في اتّجاه تجميع مختلف تلك الأطراف لتأثيث حوار جدّي ونزيه يُمكن أن يكون لبنة من اللّبنات الّتي تُفضي للوحدة المنشودة ولو على الحد الأدنى السّياسي ، خاصّة وأنّ النّسق الثّوري للانتفاضة قد تراجع إلى الوراء بشكل ظاهر للعيان ، أنتج بالضّرورة تراجعا رهيبا لدى الأطراف الوطنية الدّيمقراطية ممّا زاد في أزمتها وعلّتها ، وانطوت على نفسها مُغادرة بفعل ذلك المشهد السّياسي العام تاركة السّاحة السّياسية فارغة والباب مفتوحا على مصراعيه للقوى الإصلاحية الانتهازية ( الّتي مثّلت عائقا لها ) ، وخاصّة للأطراف الرّجعية العميلة الّتي استحوذت على كلّ شيء بما في ذلك الفضاءات العامّة والخاصّة ، مُستخدمة كافّة قواها الحزبية والجمعياتية إضافة إلى المؤسّسات التّشريعية والإدارية والأمنية والإعلامية الّتي أخضعتها لإرادتها السّياسية ، لتضعها في زاوية مُغلقة أفقدتها القُدرة على التّحرّك والبروز كقوّة سياسية بديلة مُنتصرة لطموحات الشّعب في الحرّية والانعتاق الاجتماعي .

وأمام هذا الوضع الرّديء ، زادت أزمة تلك الأطراف وعُزلتها السّياسية ، ممّا انعكس سلبيا على علاقتها ببعضها البعض على مستوى التّواصل والممارسة والتّنسيق فيما بينها ، وكذلك على قواعدها المُناضلة الّتي أصيبت بحالة من اليأس والإحباط خاصّة لدى الشّباب منها ، والّتي لم تعُد قادرة على الفهم والاستيعاب خاصّة بعد الماراطون الطويل الّتي قطعته تحت راياتها السّياسية المُشتّتة على أمل أن تجني عُصارة نضالاتها . وعوضا أن تقرأ اللّحظة التّاريخية وتُقيّم نفسها وتنقد مساراتها لتُجدّد أنفاسها وتُدرك وضع الضّعف والانقسام والتّشتّت الّذي يُميّزها ، انغلقت تلك الأطراف على نفسها من جديد وانشغلت بواقعها الذّاتي ، وأفل نجمها وبقيت تُطلّ علينا بين الحين والآخر بجُملة من البيانات أو النّصوص الّتي تُعبّر عن خصوصياتها وأطروحاتها حسب المُناسبات الوطنية أو العالمية المعهودة والمُتكرّرة ، والمزيّنة بالجملة الثّورية الّتي طالما بقيت سجينة الأوراق ولم تتحرّر من حالة الجمود ، ولم تقع ترجمتها على أرض الواقع لتبقى دون فاعلية تُذكر .

وعلى الرّغم من وعي مختلف تلك الأطراف بواقع الضّعف والانقسام والتّشتّت وبضرورة الوحدة فيما بينها ، وبمدى خطورة الوضع القائم في البلاد ، فإنّها للأسف لا تزال تُكابر وتُماطل حول إشكالية الوحدة ، فكلّ طرف يرمي الكرة في ميدان الآخر ، ونسمع من هنا وهناك اتّهامات مُتبادلة بإعاقة مشروع الوحدة لأسباب مُختلفة لا تُعبّر فعليا إلاّ عن وعي منقوص أو مشوّه ، وعدم تشخيص جدّي لواقعها الذّاتي بشكل خاصّ وللواقع الموضوعي بشكل أخصّ ، لتبقى دار لقمان على حالها ، والمؤسف أنّ كلّ طرف من الأطراف يتباهى بنرجسية مقيتة بتمثيليته للطّرح الوطني الدّيمقراطي ، وبسيره في الوُجهة الصّحيحة ، هذا دون أن نلمس طرح علمي وعملي للوحدة خاصّة وأنّها تُقرُّ دون استثناء بحالة الضّعف الّتي هي عليها ، وبأنّها لا تستطيع تقديم البديل المُجتمعي المنشُود مُنفردة ومُنقسمة ، وهو المُشترك الوحيد الّذي يُميّز وضعها حاليا .

وأمام الضّبابية حول إشكالية الوحدة بين مختلف تلك الأطراف ، الّتي أصبحت تفرض نفسها بقوّة أكثر من أي وقت مضى ، والّتي لم تكفيها مسيرة أربعين سنة من التّشتت والانقسام لتتحقّق على أرض الواقع . ونظرا لما آل إليه وضع تلك الأطراف الّذي جعلها خارج دائرة الفعل السّياسي في الواقع ، فإنّه قد حان الوقت لتنزع عنها جُبّة الخوف ، وتُصارح نفسها وقواعدها بحقيقة وضعها ، وإلاّ فستكون خارج التّاريخ بركونها ودورانها في دائرة مُغلقة على نفسها . ومن هذا المُنطلق ، فإنّ الدّعوة إلى وحدة الوطنيين الدّيمقراطيين لا يعني أبدا التّغاضي عن الاختلافات الّتي تشقّها على المستويين الإيديولوجي والسّياسي ، بل العكس هو الصّحيح ، فاختلافها وتنوّعها يُمثّل مصدر قوّة لها يرتكز على ثراء وتنوّع تجاربها النّضالية والتّنظيمية والسّياسية وتنوّع مشاربها الفكرية ، هذا التّنوّع والاختلاف لا يُمكن أن يكون سوى عامل دفع حقيقي إلى الأمام في اتّجاه وحدتها على قاعدة نضالية واضحة المعالم محتكمة إلى الصّراع في كافّة أبعاده .

فالمتتبّع لوضع الوطنيين الديمقراطيين يعلم علم اليقين حقيقة التّوجّهات والاختلافات ، والمُرتكزة أساسا وبدرجة أولى على المسائل الإيديولوجية ، وعلى كلّ ما هو تكتيكي مرحلي بدرجة ثانية ، وباعتبار وأن الخطّ الاستراتيجي العام يحتوي على نقاط عديدة مُشتركة ، ما ينزع عنها جميعها حُجّة عدم التّواصل والالتقاء في ما هذا المضمار على اختلاف وجهات النّظر حوله ، وباستثناء الخلافات القائمة بين الذّوات والّتي يُمكن تجاوزها ، لأنّه من المؤسف والمُعيب حقّا أن تكون فعلا هي حجر عثرة أمام قيام وحدة بين الوطنيين الدّيمقراطيين والمُحدّدة في قيام أي عمل نضالي مُشترك، وإلاّ فعلى الدنيا السّلام ، ومن يرفض منها الوحدة أو يُعطّلها ، فهو أبعد ما يكون عن السّياسة ، وهذا لعمري يرجع إلى دور المناضلين داخل تلك الأطراف في فرض الأمر الواقع وتجاوز تلك المسألة إن وُجدت ومثّلت إعاقة فعلية لمشروع الوحدة .

3) اختلال موازين القوى السّياسية وترجيح كفّة الوحدة :

باعتبار وأنّ السّياسة تحتكم إلى موازين القوى ، وهذه الأخيرة غير ثابتة بل مُتحرّكة ، فإنّ الأطراف الوطنية الدّيمقراطية لا تُمثّل في الواقع الملموس ميزان قُوّة نظرا لحالة الضّعف والتّشتّت والانقسام الّتي تُميّزها ، إضافة إلى حالة اللاّتنظّم الّتي تُميّز العديد من المناضلين ، وبالتّالي لا يُمكن لها أن تُشكّل قُوّة سياسية بديلة لواقع القهر والاضطهاد الطّبقيين ، قُوّة بديلة للواقع الموضوعي المُتحرّك والمُتغيّر . وباعتبار غياب عامل القُوّة الّذي لا ولن يكون لديها إلاّ وهي موحّدة ومُنسجمة في إطار حزبي وهو الهدف الأسمى المنشُود الّذي يصعُب تحقيقه حاليا ، أو مُوحّدة على الحدّ الأدنى السّياسي وهو هدف مُمكن التّحقيق وقابل للإنجاز على خلاف الأوّل لو توفّر حدّ أدنى من النّضج السّياسي لمختلف تلك الأطراف . هذه الوحدة الّتي طالما نشدتها أجيال مُتعاقبة من المناضلين وعقدت عليها آمالا كبيرة ، والّتي تُمثّل حُلما حقيقيا ومشروعا قابلا للإنجاز في صورة توفّر شروطه ، والّذي في غيابه لا يُمكن الولوج إلى الواقع الموضوعي والفعل فيه بقوّة لصالح أبناء شعبنا المُضطهد وهي ضعيفة ومُشتّتة ومعزولة عنهم تماما ، وبالتّالي فإنّ واقع ضُعفها لا يُمكن أن يؤثّر في تغيير موازين القوى لصالحا إلاّ بتوحّدها .

وباعتبار وأنّ الإنسانية لا تطرح على نفسها إلاّ المهمّات القادرة على إنجازها ، فإنّ واقع مختلف الأطراف حاليا يفرض عليها بقوّة ضرورة الوحدة كشرط أساسي لا مناص منه وبدونه لا يُمكن أن تُحدّد المهام المطروحة للإنجاز وهي على ذلك الوضع ، فمصيرهم مرتبط أساسا بوحدتهم بأبعادها التّنظيمية والسّياسية والإيديولوجية على قاعدة الصّراع فيما بينها وُفق برنامج نضالي وطني ديمقراطي ينتصر للطّبقات المضطهدة وعلى رأسها الطّبقة العاملة والفلاّحين الفقراء .

ورغم المحاولات القديمة الّتي تُذكر فتُشكر كصياغة " الأرضية السّياسية للتّحالف الوطني الدّيمقراطي الثّوري " في شهر فيفري 2006- على سبيل الذّكر لا الحصر - بين بعض الأطراف المُختلفة المشارب الإيديولوجية ، وهي أرضية لم يُكتب لها النّجاح لأسباب عديدة ، وقع صياغتها في ظروف صعبة جدّا وعيا منها بضرورة وحدتها ، ورغم المحاولات والدّعوات بعد الانتفاضة كالندوة الّتي نظّمتها بعض الأطراف في 17 أفريل 2011 على سبيل الذّكر لا الحصر ، والدّعوات والنّداءات الأخرى ، والّتي فشلت كلّها في تحقيق الغرض ، لم نلمس لحدّ الآن مُبادرة حقيقية مُكتملة الشّروط لجمع الأطراف الوطنية الدّيمقراطية على طاولة الحوار الجادّ والبنّاء ، والّذي بدونه لا يُمكن أن نمرّ إلى الأمام ، خاصّة وأنّ وضع البلاد الرّاهن يقتضي ضرورة ذلك الحوار وبإلحاح أكثر من ذي قبل ، وإلاّ ستكون كلّ التّجارب آيلة للزّوال وللنّسيان . فأبناء شعبنا المُضطهد في أمسّ الحاجة إلى قوّة سياسية وطنية ديمقراطية موح ّدة تنتشله من حالة القهر والاضطهاد الطّبقيين ، خاصّة في ظلّ الهجمة الإمبريالية الصّهيونية الّتي ضربت في العُمق تطلّعاته في الحرّية والانعتاق الاجتماعي .

فالأطراف الوطنية الدّيمقراطية المُقاطعة لمسار "الانتقال الدّيمقراطي" لم تُفلح هي أيضا كغيرها في الخروج بمساعي أو حلول أو مُبادرات في سبيل تجميع شتاتها والارتقاء بها نحو الأفضل لنفس الأسباب الّتي سبق ذكرها ، وبالرّغم من إصدارها لجُملة من البيانات والنّداءات ، إلاّ أنّها لم تسعى إلى ترجمة ما تطرحه على أرض الواقع وتمدّ جسور التّواصل مع غيرها من المكوّنات لغرض الوحدة ، وبالرّغم من تأسيسها لـ " الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " في 18 جانفي 2011 كإطار جامع للوطنيين الدّيمقراطيين باعتبار وأنّها تُمثّل هدفا وحُلما لهم ، ظنّا منها أنّه سيقع الالتفاف حولها من بقية الأطراف ، إلاّ أنّ تلك الجبهة كغيرها من المحاولات لم تستطع أن تكون بديلا لوضع التّشتّت والانقسام على الرّغم من محتوى أطروحاتها السّياسية النّضالية وخطّة عملها المرحلية والإستراتيجية الهادفة ، إلاّ أنّها للأسف لم تستطع أن تكون تعبيرة جامعة عن طموحات بقية الأطراف الّتي رفضت الالتحاق بها ، وهو ما يُحيلنا إلى الفهم بأنّ تشكّل تلك الجبهة من عدمه ليس هو العلّة الرّئيسية بالرّغم من أنّها تمثّل مطمحا للجميع ، بل العلّة في أنّ ظروف نشأتها بعد الانتفاضة كانت مُتسرّعة كغيرها من الجبهات والتّحالفات على الرّغم من عُمق المسائل المطروحة داخلها والّتي تمسّ جوهر الطّرح الوطني الدّيمقراطي ، وكانت نقاطها المرحلية تمثّل أيضا قواسم مُشتركة بين ما تطرحه بقيّة الأطراف في مُختلف المواقع الأخرى ممّا لا يقبله عقل ولا يستقيم معه المنطق ، فالمُتمحّص جيّدا في المسائل التّكتيكية المرحلية الّتي طُرحت منذ 17 ديسمبر إلى 14 جانفي وبعده ، ويُقارن تلك المسائل الآنية بموضوعية ، لن يجد ما يُفيد النّضال من أجل تحقيقها في مواقع سياسية مُختلفة ، وهنا بيت الدّاء .

ولئن سيطر الاستراتيجي على طرح " الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " العام ، واختارت المُراوحة بين السّرية والعلنية ، فإنّها لم تبذل ما في جُعبتها من آليات للخروج من تقوقعها على نفسها ، وبقيت حبيسة الاستراتيجي دون التّعامل ولو جزئيا مع المسائل التّكتيكية المرحلية الّتي طرحتها على نفسها والّتي تقتضي النّضال المستمرّ والدّؤوب من أجل بلورة أطروحاتها في الواقع عن طريق الاحتكاك الملموس بقضايا الجماهير الشّعبية وتطلّعاتها وبمختلف الأطراف لكسب ثقتها ، وتقديم بديلها السّياسي وُفقا لما تقتضيه طبيعة المرحلة ، فاقتصرت وُفق ذلك على العمل المُناسباتي المحدود . ولعلّ في رفعها لشعار على غاية من الأهمية والمسؤولية المُطالب بتجذير المسار الثّوري للانتفاضة من أجل إسقاط النّظام العميل ، ومُقاطعتها لمسار " الانتقال الدّيمقراطي " الّذي لم تقع المُراكمة الضرورية له سابقا ولاحقا بحجّة قوّّة العدو وضعف الإمكانيات وحالة التّشتّت ، إضافة إلى العراقيل المُختلفة سواء كانت منها تنظيمية أو غيرها جعلها غير قادرة على تجسيد ذلك الشّعار ، لتنتكس بدورها كغيرها في نفس السّياق العام للانتفاضة مع بعض الاختلافات الجزئية مقارنة بالأطراف الأخرى . واختار البعض منها لاحقا مُغادرتها والدخول في العلنية كشكل رسمي للنّضال ، ومن بقي ظلّ رافضا لها ولكلّ عمل قانوني بحجّة عدم إمكانية ذلك في ظلّ نظام لا وطني لا ديمقراطي لا شعبي ، اختار نهج المُراوحة بين السّرية والعلنية ، والرّكون في الزّاوية الّتي اختارتها لنفسها .

وأمام من اختار العلنية بشكلها الرّسمي أو شبه العلنية ، ومن اختار المُراوحة بين السّرية والعلنية ، لم نلمس في كلّ الحالات أي تطوّر سياسي ملموس في عمل تلك الأطراف في الواقع ، لتُسجّل غيابها شبه التّام عن كافّة المحطّات السّياسية الحرجة الّتي كان فيها أبناء شعبنا في أمسّ الحاجة إليها للرّفع من وعيهم وتصحيح نضالاتهم وتوجيههم نحو مُبتغاهم لتحقيق ما يصبُون إليه ، خاصّة وأنّها طرحت على نفسها مهمّة تجذير المسار الثّوري للانتفاضة حتّى إسقاط النّظام العميل ، وهو شعار تتبنّاه أيضا أطراف أخرى كانت في دارة الأحداث ومُواكبة لكلّ فعل نضالي جماهيري لم تستطع هي أيضا بلورة وتحقيق ما يجب ،لأنّها عملت داخل جبهات وتحالفات سياسية أخرى وأجندات أكثر تعقيدا لها علاقة بمسار " الانتقال الدّيمقراطي " استنزفت فيها مجهوداتها وطاقاتها واختلت موازين قواها وتداخل لديها الاستراتيجي والتكتيكي إلى أن عزلت نفسها بنفسها من تلك التّحالفات وحاولت العودة إلى المُربّع الأوّل لكن دون جدوى تُذكر .

4) إشكالية الوحدة بين فشل المسارين وعدم نُضج الشّعار :

أمام اختلاف الرّؤى حول ما أفرزته انتفاضة 17 ديسمبر 2010 من مساحات كان بالإمكان استغلالها الاستغلال الأمثل والأقوم ، ظلّت الأطراف الوطنية الدّيمقراطية مُتماهية في التّفاعل إيجابيا مع المسار الثّوري للانتفاضة بشكل عام ، يُعوزها في ذلك المسألة التّنظيمية من ناحية ، وترجمة أطروحاتها السّياسية والإيديولوجية على أرض الواقع بشكل مُنفرد من ناحية أخرى ، فضاعت المجهودات والطّاقات ، وتشتّتت قواها ، ولم تستطع بهذا الشّكل أن تقوم بإيصال أطروحاتها للجماهير الشّعبية المُنتفضة ، بل على العكس من ذلك ورغم مُحاولاتها المحدودة في تجذير المسار الثّوري للانتفاضة ، إلاّ أنّها وللأسف فشلت فشلا ذريعا كمثيلاتها الّتي اختارت الانخراط في مسار " الانتقال الدّيمقراطي " ، بل وأكثر من ذلك تعمّقت الهوّة بينها وتعاظمت ، وتباعدت أكثر من ذي قبل ، وتدعّمت حالة التّشتت والانقسام بينها من جديد ، وانعكس ذلك سلبيا على واقعها الذّاتي ، وهو ما تؤكّده الانقسامات الحاصلة داخلها ، وولادة بعض الأجسام السّياسية أو المجموعات من رحم القديمة ، بنفس الطّرح ونفس المقاربات الإستراتيجية والتّكتيكية القديمة والمُتجدّدة مع بعض الاختلافات البسيطة الّتي لم تُغيّر شيئا من جوهر المسألة . وبهذه الطرّيقة ، تنامى عدد الدّكاكين السّياسية لتلك الأطراف لدرجة أنّ المجال أصبح تقريبا مفتوحا ومسموحا للانتصاب الخاص ممّا زاد الوضع تأزّما والرّؤية ضبابية . إذ تحوّل الصّراع من صراع حول البرامج إلى صراع بين الذّوات ، وتجزئة المُجزّأ وتفتيت المُفتّت ، فحتّى الوحدة التّنظيمية الّتي برزت مؤخرا بين طرفين على الرّغم من تثميننا لها ، لم ترتقي إلى مستوى المأمول ولم تجلب لها الأنظار ولم تُحدث أي تفاعل إيجابي من بقية الأطراف ، ولم تكن عاملا مُحفّزا لها في سبيل وحدتها الأشمل ، باعتبار وأنّ الوحدة التّنظيمية للأطراف الوطنية الدّيمقراطية صعب التّحقيق على الأقلّ في المرحلة الحالية الّتي تتطلّب حسب طبيعة المرحلة وطبيعة الأطراف وحدة على الحدّ الأدنى السّياسي وليست وحدة تنظيمية لعدم توفّر شُروطها حاليا حسب وُجهة نظرنا .

وهذا ما يجعلنا نستخلص ممّا تقدّم بأنّ ظروف الوحدة بين الوطنيين الدّيمقراطيين لم تنضج بعد لأسباب كثيرة ومُتنوّعة تعُود إمّا لطبيعة الطّرح وعلاقته بطبيعة المرحلة ، وهو ما يقتضي المُراجعة ، أو لطبيعة القيادات الّتي تُسيّر ، وهو ما يقتضي الحسم ، وهُما خياران أحلاهما مُرّ باعتبار حساسيتهما وخطورتهما أيضا . وبالتّالي لا يُمكن الجزم بصحّة الفرضيتين خارج الواقع العلمي والعملي الكفيل لوحده بكشف الأعوار وتحديد المسؤوليات . فالمسألة الثّابتة لدينا أنّ محطّة 17 ديسمبر 2010 كشفت المستور وبيّنت بما لا مجال للشّك فيه أنّ الأطراف الوطنية الدّيمقراطية لم تنضج بعد ، ولم ترتقي إلى العمل السّياسي بكافّة أبعاده لأسباب عديدة مُرتبطة بظروف نشأتها وطبيعة طرحها ، والتّطورات التّاريخية الّتي شهدتها ، إضافة إلى واقع القمع والاستبداد في الفترة البورقيبية والنوفمبرية ، وعدم التّعاطي المسؤول مع الانتفاضة ، فتوارثت تلك الأطراف وضع القوقعة والتّشتّت والانقسام ، ولم تستطع الخروج من نفس الدّائرة المُغلقة الّتي وضعت نفسها فيها . وكان الفضل للانتفاضة في كشف حقيقتها المؤلمة دون تجنّي على ما بذلته من نضالات تاريخية تُذكر فتُشكر ، وما قدّمته من تضحيات جسيمة كلّفتها كوكبة من الشّهداء الأبطال والسّجن للعديد من المناضلين ، لكنّ للأسف يجب ذكر هذه الحقيقة بجرأة وشجاعة دون خجل ولو كرهه البعض ، لأنّ الفعل في الواقع وإحداث التّراكمات الثّورية المطلوبة لن يأتي من السّماء ، بل يتطلّب النّضال والعمل المُتواصل والتّضحيات .

ولئن كان حُلم الثّورة حُلما مشروعا لا تختلف فيه تلك الأطراف ، إلاّ أنّها لم تُدرك بعد بأنّ الثّورة فنّ صعب ومُعقّد يتطلّب جُملة من الشّروط الذّاتية والموضوعية أهمّها تجذير نضالاتها ومُراكمتها والرّفع من وعي قواعدها فكريا وسياسيا ، والفعل في الواقع لرفع وعي الجماهير الشّعبية والإحاطة بها ومُلامسة قضاياها الحقيقية حتّى تتمكّن من الارتقاء والتّنظّم لإنجاز المطلوب . فانتفاضة 17 ديسمبر على أهميتها في تاريخ نضالات شعبنا ضدّ جلاّديه ، وضعت تلك الأطراف موضع اختبار وتساؤل جادّين تمحورا حول مدى جاهزيتها التّنظيمية وقُدرتها على التّعبئة الجماهيرية في كافّة المحطّات النّضالية الّتي رافقتها . وعلى الرّغم من تصدّر تلك التّشكيلات لها في بداياتها ، إلاّ أنّها لم تنجح في مواصلة المشوار لتجذير المسار الثّوري للانتفاضة بفعل العديد من العوامل الدّاخلية والخارجية ، إضافة على عدم قُدرتها على فرض نفسها كقوّة سياسية بديلة في ظلّ موازين قوى غير مُتكافئة ، ممّا جعل البعض منها يُصاب بالوهم على الفعل والقيادة ، انخرطت بمُوجبه في مسارات سياسية بحجّة التّكتيك الثّوري الّذي تتطلّبه المرحلة الّتي تبيّن أنّ لا ناقة ولا جمل فيها منذ البداية رغم المؤشّرات الدّالة على ذلك ، كانخراط البعض في " المجلس الوطني لحماية الثورة " إلى جانب قوى سياسية مُعادية لتطلّعاتها في الحرية والانعتاق الاجتماعي بإضفاء صفتي الوطنية والثّورية عليها ، ولعلّ نتائج ذلك التّمشّي أصبحت معلومة للجميع ، والّتي واصلت الانخراط بوعي في مسار " الانتقال الديمقراطي " ولم تترك مجالا لم تتحرّك فيه يقودها في ذلك شعار الحركة كلّ شيء والنّتيجة لا شيء ، لتجد نفسها في آخر المطاف في زاوية متروكة ومهجورة وقاب قوسين من الانفجار . وكان ذلك النّتيجة الطّبيعية لبدايات خاطئة لا تُفرز بالضّرورة إلاّ نتائج مثيلة لها أو أكثر خطأ بل وأفضع والشّواهد كثيرة. ولعلّ الوضع الرّاهن لتلك الأطراف غنيّ عن التّعريف والتّعليل . هذا الوضع كان له الأثر السّلبي العميق على من قاطعت مسار " الانتقال الديمقراطي " ، والّتي بقيت هي أيضا في وضع المُتفرّج والنّاقد اللاّذع لذلك المسار دون أن تكون لها بدائل عملية جاهزة تُغنيها عنه ، وهو ما زاد في توسيع الهوّة بينها إلى درجة عدم التّواصل إطلاقا .

فالأطراف المقاطعة لمسار " الانتقال الدّيمقراطي " ولو كانت ظاهريا في وضع أكثر " أريحية " نسبيا من الأطراف المُنخرطة ، وهو ليس بالوضع السّليم ، لا يعني البتّة بأنّها لم تتحمّل مسؤوليتها التّاريخية ، بل حاولت قُصارى جُهدها ، إلاّ أنّها هي أيضا تُعوزها الجرأة والقوّة على مُقارعة الواقع الموضوعي بكافة أبعاده ، رغم نجاحها النّسبي تكتيكيا بعض الشيء في فهمها للمقاربات السياسية الجديدة ، إلاّ أنّها لم تنضج بدورها في ترجمة ذلك إلى واقع ملموس يُمكن الاستناد عليه في لمّ شتات بقية الأطراف وإقناعها بضرورة نقد مسارها وتصحيحه نحو الوجهة الّتي يجب ، بل بالعكس أطنبت هي أيضا في تعميق الجراح كغيرها ، تاركة المساحة شاسعة لكلّ من هبّ ودب ليستحوذ على المشهد السّياسي العام في البلاد . وهذا لا يعكس بالضّرورة إلاّ ضُعفها كالبقية على الرّغم من تسجيلها للموقف التّاريخي المُتعلّق بمقاطعة انتخابات 23 أكتوبر المهزلة تحت راية " ائتلاف المسار الثّوري " ، والّذي كان موقفا شُجاعا ومُتميّزا على السّاحة السّياسية ، وبيّنت النّتائج اللاّحقة صحّته وعُمقه . ولكنّها للأسف لم تقم بالمراكمة الضّرورية من أجل تطوير ممارستها السّياسية على أرض الواقع لترجمة شعارها المركزي الّذي نادى بضرورة تجذير المسار الثّوري للانتفاضة حتّى إسقاط النّظام العميل . ولعلّ هذه المسألة الإستراتيجية على أهميتها لم تكن في الحجم الحقيقي لتلك الأطراف في مُختلف المواقع النّضالية الّتي اختارتها ، بل كانت أكبر منها بكثير وليست لها القُدرة على استيعابها والتّفاعل معها ، فتنحّت جانبا ولم تستطع أن تكون فاعلة في المشهد السّياسي على قاعدة ما تبنّته وما طرحته على نفسها من مهام ، وراهنت على العمل في إطار " الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية " أو خارجها ، تلك الجبهة الّتي كانت انطلاقتها مشلولة ومنقوصة ، ولم تستطع تنفيذ ما رسمته لنفسها من مهام تكتيكية آنية وكذلك الإستراتيجية ، كما أنّها فشلت في أن تكون إطارا جامعا موحّدا للأطراف الوطنية الدّيمقراطية ، فاختارت الرّكون في زاوية مُغلقة لعجزها عن التّفاعل مع الواقع الموضوعي لطبيعة تركيبتها السّياسية المتميّزة بالضّعف وعدم القُدرة على الفعل السّياسي المُباشر في الجماهير الشّعبية المُنتفضة خاصّة في مرحلة ما بعد 14 جانفي الّتي اتّسمت بتسارع الأحداث وتنوّعها ، وبتطوّر النّسق الثّوري للانتفاضة في كافّة أنحاء البلاد ، حيثُ أتيحت فُرصا عديدة فرضتها إرادة الجماهير الشّعبية المُنتفضة تجسّدت في كثير من المحطّات النّضالية أبرزها اعتصامي القصبة 1 و 2 اللّذان شهدا سيطرة شبه مُطلقة للقوى الإصلاحية والانتهازية ، وكذلك للقوى الرّجعية العميلة الّتي كانت أكثر تنظيما وانضباطا وحضورا وجاهزية في الانقلاب على الانتفاضة ، وأفرزت مرحليا حكومة السبسي الرجعية العميلة الّتي جهّزت لانتخابات 23 أكتوبر المهزلة ونتائجها الوخيمة جدّا على المسار الثّوري للانتفاضة ، والدّخول في مسار " الانتقال الديمقراطي " الّذي كان تتويجا مُشوّها لها وانقلابا على إرادة الجماهير الشّعبية في الحرية والانعتاق الاجتماعي.

وعوضا عن الوطنيين الدّيمقراطيين ، فإنّ منظومة مسار " الانتقال الدّيمقراطي " كانت الحلقة المُحدّدة سياسيا لمسار انتفاضة 17 ديسمبر 2010 الّتي تُوّجت بحكومة الترويكا بعد الانتخابات ، والّتي عملت جاهدة على مواصلة نهج من سبقها من الحكومات المؤقّتة ونجحت مرحليا في إعادة ترميم نظام الرّجعية والعمالة وفرض خيارات الإمبريالية وصناديق النّهب الدّولية ، وضربت في الصّميم المسار الثّوري للانتفاضة الّذي تقهقر رويدا رويدا نحو الوراء ، ودخلت البلاد في مرحلة جديدة قوامها " الشّرعية الانتخابية " الّتي أثّثتها مُعظم الأطراف السّياسية اليسارية الانتهازية طمعا في السّلطة بما فيها بعض التّشكيلات الوطنية الدّيمقراطية الّتي انخرطت بأشكال مُتفاوتة في مسار " الانتقال الدّيمقراطي " . ورغم مرارة التّجربة والنّتائج الكارثية ، لم تستخلص تلك الأطراف العبرة من ذلك المسار ، ولم تنضج بعد في فهم واقعها الذّاتي ومُتطلّبات الواقع الموضوعي ، بل أخذتها العزّة بالإثم لتواصل نفس الخيار لاحقا في إطار " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " الّتي انتهت سياسيا بعد اغتيال الشّهيد محمد البراهمي في أحضان " جبهة الإنقاذ الوطني " بقيادة حزب نداء تونس المهندس الرّئيسي لها .

ولعلّ ما يُثير الدّهشة والذّهول ، وما يؤكّد حالة الانفلات والارتباك وعدم القُدرة على قراءة الواقع والفعل فيه ، هو أنّ معظم الأطراف الوطنية الدّيمقراطية بمختلف مواقعها باستثناء من نادى بحكومة إنقاذ وطني ، دعت إلى تكوين حكومة وطنية ثورية على هامش اعتصام الرّحيل بباردو كحكومة بديلة لحكومة الترويكا ، ممّا يُعبّر فعليا على أنّ هناك ضبابية حقيقية في الرّؤية السّياسية حاصلة لديها وكأنّنا بها لها من الجاهزية التّنظيمية والسّياسية والقُدرات المادّية والبشرية والتّحالفات السّياسية الضّرورية لتحقيق ذلك المطلب على أرض الواقع ، ولعلّ ما انتهت إليه أزمة اغتيال الشّهيد محمد البراهمي تُغنينا عن عناء النّقد والتّعليق .

وفي ظلّ تراجع الأطراف الوطنية الدّيمقراطية القهقرى ، والّتي وجدت نفسها قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس السّياسي أمام تواصل حالة ضُعفها وتشتّتها وانقسامها وعدم قُدرتها على تجاوز ذلك الواقع ، برزت بعض النّداءات المُحتشمة لوحدة الوطنيين الدّيمقراطيين بقيت حبيسة الأدراج والجلسات الخاصّة ولم تتجاوز البيانات السّياسية وصفحات التّواصل الاجتماعي ولم تُحرّك ساكنا لها ، بل تفاقمت حالة التّشتّت وتلطّخ مفهوم الوحدة ليُصبح حبل الغسيل الّذي تُنشر عليه الأزمات الّتي تعيشها تلك الأطراف ، وعوضا أن تكون عاملا مُحرّكا ومُحدّدا في تجميعها وبسط وُجهات نظرها ، تحوّلت هي بدورها إلى عامل تفرقة عوضا عن تعميق النّقاش حولها ومُتطلّباتها المُلحّة .

5) رؤية ومُقترح لوحدة الوطنيين الدّيمقراطيين :

لئن اختلفت الرّؤى وتباينت المواقف مهما كانت مُرتكزاتها خاصّة في الفترة الأخيرة ، فإنّ إشكالية الوحدة أصبحت تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى بحكم التّطوّر النّسبي الملحوظ لمختلف التّشكيلات السّياسية المُعبّرة عنها خاصّة في الفترة الأخيرة ، والّتي على قلّتها ومحدّوديتها نعتبرها أكثر من إيجابية ، والّتي فرضها الواقع الموضوعي المُتحرّك والمُتغيّر الّذي يشهد تكوين تكتّلات سياسية رجعية عميلة وأخرى إصلاحية يمينية في ظلّ عودة قوية لبعض وجوه نظامي بورقيبة وبن علي ، فإنّ ناقوس الخطر قد دقّ فوق رؤوس الأطراف الوطنية الدّيمقراطية دون استثناء ، بما جعل ولو جزئيا تلك الأطراف تُدرك وضعها الحقيقي وحجم الكارثة المُحدّقة بها وبأبناء الشّعب المُضطهد ، هذا الواقع الّذي لن يتغيّر ويتطوّر خارج دائرة الحوار الجدّي البنّاء فيما بينها من أجل تجسيد وحدة حقيقية مُناضلة على قاعدة برنامج واضح المعالم يحتكم إلى الصّراع الإيديولوجي والسّياسي لتنتشلها من حالة الضّعف والتّشتّت والانقسام والّتي لا يُمكن أن تكون ناجحة في هذا الظّرف إلاّ على الحدّ الأدنى السّياسي حسب وجهة نظرنا .

ولتجاوز هذا الوضع ، وتفاعلا مع كلّ مُحاولات الوحدة السّابقة والحالية ، ومع النّداءات والأصوات المُتبنّية لها سواء كانت حزبية أو فردية ، نقترح رؤية في نفس الاتّجاه الايجابي الدّافع نحو الوحدة ، كمحاولة بسيطة في انتظار حدوث تراكم كمّي ونوعي حول إشكالية الوحدة بين الوطنيين الدّيمقراطيين . وارتأينا أنّه يقتضي الواجب هنا التّذكير بأهمّ نقاط الالتقاء الّتي تجمع مُختلف الأطراف الّتي لا تزال معنية بالطّرح الوطني الدّيمقراطي في عُمقه الوطني والطّبقي والّتي مازلت تُعلّق عليه آمالها وطموحاتها ، وهي نقاط تُعتبر جامعا مُشتركا بينها قديما وحديثا باستثناء ما سقط منها تاريخيّا ، يُمكن اعتماده كقاعدة ومادّة تحفيزية لها ، ومدخلا هامّا في سبيل وُحدتها على الحدّ الأدنى السّياسي حسب ما تقتضيه طبيعة الطّرح وطبيعة المرحلة وطبيعة الأطراف ، وهي التّالية :

أ‌) القواسم المُشتركة :

1/ التّناقضات الرّئيسية الّتي تشُقّ العالم :
- التّناقض بين الإمبريالية والشّعوب والأمم المُضطهدة.
- التّناقض بين الرّأسمال والعمل .
- التّناقض بين الإمبريالية والكُتل الرّأسمالية .
- التّناقض بين الرّأسمالية والاشتراكية ( ألغي هذا التّناقض ).
2/ طبيعة المُجتمع في الوطن العربي : مُستعمر وشبه مُستعمر شبه إقطاعي .
3/ طبيعة المجتمع التّونسي : مُجتمع شبه مُستعمر شبه إقطاعي .
4/ طبيعة التّناقض في المجتمع التّونسي :
- التّناقض بين الإمبريالية وعملائها المحلّيين من ناحية ، وبين الطّبقات الشّعبية المُضطهدة وعلى رأسها الطّبقة العاملة والفلاّحين الفُقراء من ناحية أخرى.
5/ طبيعة الثّورة المطروحة : الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأُفق الاشتراكي .
6/ المُهمّة المركزية المطروحة : إنجاز المسألة الوطنية .
7/ المُهمّة الثّانوية المطروحة : إنجاز المسألة الدّيمقراطية .
8/ طبيعة الشّكل السّياسي المنشود لانجاز المهام : الجبهة الوطنية الديمقراطية
الواسعة .

هذه تقريبا مُعظم نقاط الالتقاء المعلومة لدى الجميع ، الّتي أمكن لنا حصرها ( مع الاحترام التّام لأي قراءة أخرى إن وُجدت ولم نوليها اهتماما يُذكر هنا ) والّتي تُمثّل نقاطا مُشتركة بين مختلف الأطراف الوطنية الدّيمقراطية . هذه النّقاط الّتي نعتبرها عامل قوّة ودفع نحو تأثيث حوار شامل وجادّ بين مختلف الأطراف الّتي تتبنّاها ، على الحد الأدنى السّياسي المُمكن ، ليكون لبنة من لبنات إنجاز مشروع الوحدة فيما بينها لاحقا ، وهي نقاط تبقى منقوصة وعامّة ما لم يقع طرح بقيّة النّقاط الخلافية القائمة بينها في مُختلف المستويات بما فيها الخلافات الإيديولوجية والمُقاربات السّياسية والتّكتيكية الّتي تتبعها .

وعلى ضوء ما تقدّم ، نقترح ورقة العمل التّالية كمحاولة ومُساهمة بسيطة منّا في دفع مُختلف الأطراف للالتقاء والجلوس إلى طاولة الحوار ، وإيمانا ووعيا منّا بضرورة حدوث ذلك لطرح إشكالياتها وتصوّراتها وخلافاتها وكيفية مُعالجتها للخروج من واقع التّشتّت والانقسام ، نقترح النّقاط التّقنية والسّياسية التّالية آملين في التقاطها ودراستها والأخذ بها مأخذ الجد وتطويرها علّها تكون مُحرّكا ودافعا لمختلف الأطراف للخروج من السّلبية المقيتة ومُقارعة الواقع بكلّ جرأة .

ب) مُقترحات عملية وتقنية :

1/ تشكيل لجنة اتّصال في مرحلة أولى تتركّب من مناضلين صادقين مشهود لهم بالكفاءة والنّزاهة والقُدرة على التّواصل بين مُختلف الأطراف ، مُهمّتها الأساسية مدّ جسور التّواصل بينها وطرح إشكالية الوحدة والتّقريب بين وُجهات النّظر ، وتستخلص من خلال ذلك جدول أعمال مؤقّت تُراعى فيه نقاط الخلاف البارزة ، وتُشكّل هذه اللّجنة نواة قارّة تحتكم إليها جميع الأطراف في كافّة المسائل يُطلق عليها اسم " لجنة الإشراف والتّسيير " .

2/ بعد إنجاز " لجنة الإشراف والتّسيير " لمهمّتها في ضبط جدول الأعمال المؤقّت، تقوم هذه الأخيرة بتشكيل " لجنة حوار " مُمثّلة لجميع الأطراف السّياسية ، مُهمّتها الأساسية مُناقشة جدول الأعمال المؤقّت المُقترح ، ثمّ تنتهي إلى صياغة أرضية عمل مُشتركة يقع فيها تحديد جميع النّقاط المُشتركة والخلافية القائمة بين مُختلف الأطراف ، وفي مرحلة ثانية تقوم بصياغة جدول أعمال رسمي واضح المعالم ومُلزم للجميع يقع رفعه إلى " لجنة الإشراف والتّسيير " .
3/ تقوم " لجنة الإشراف والتّسيير " بتشكيل ورشات عمل مُمثّلة لجميع الأطراف طبقا لما تقتضيه نقاط جدول الأعمال الرّسمي ( ورشة عمل لكلّ نقطة ) ، مُهمّتها الأساسية مُناقشة نقاط جدول الأعمال المطروح ، وتقوم بالنّقاشات اللاّزمة للغرض ثمّ يقع تلخيص تلك النّقاشات في لوائح حسب طبيعة النّقاط مع محضر جلسة مُلزم لجميع الأطراف ، تُسلّم كُلّها بعد الانتهاء إلى " لجنة الإشراف والتّسيير " .

4/ تقوم " لجنة الإشراف والتّسيير " بتشكيل " لجنة سياسية عُليا " مُمثّلة لجميع الأطراف ، مُهمّتها الأساسية مُناقشة اللّوائح الصّادرة عن ورشات العمل والمُصادقة عليها ، والقيام بصياغة أرضية سياسية على الحدّ الأدنى السّياسي المُشترك وُفقا للّوائح ، وتُناقش البرنامج السّياسي العام ، والإطار التّنظيمي للأرضية السّياسية من حيث شكله وطبيعته وتركيبته ونظامه الدّاخلي ، ثمّ تقوم بإصدار بيان سياسي للغرض تتويجا لأعمالها .

5/ يقع تنظيم ندوة صُحفية مُوجّهة للرّأي العام يقع الإعلان فيها عن تشكيل الوحدة السّياسية بين مُختلف الأطراف ، ويُطرح فيها البرنامج السّياسي العام المُشترك .

وتأثيثا للمسائل التّقنية ، ولتيسير مُهمّة " لجنة الإشراف والتّسيير " ، وحتّى لا يقع فهمنا حول طرحنا لتلك المسائل التّقنية بأنّنا نبحث عن " وحدة تقنية " أو ما شابه ذلك ، فإنّننا نقترح مشروع جدول الأعمال التّالي للنّقاش كمحاولة بسيطة منّا غير مُلزمة لها لتستنير بها فقط لا غير ، وتفتح المجال أمامها وأمام الأطراف المعنية بالوحدة من التّفكير مليّا فيما يجب طرحه كمقترحات وتصوّرات ونقاط حول الموضوع .

ج) مشروع جدول أعمال للنّقاش :

1) الطّرح الوطني الدّيمقراطي في تونس :
• لمحة تاريخية : النّشأة والتّأسيس
• المشارب الإيديولوجية المُختلفة للطّرح : التّقاطعات والتّباينات
• أهمّ المحطّات النّضالية للخطّ الوطني الدّيمقراطي :
-;---;-----;-------;---------;----- في السّاحة الطّلاّبية
-;---;-----;-------;---------;----- في السّاحة الشّعبية

2) التّشكيلات السّياسية المُتبنية للطّرح الوطني الدّيمقراطي :

• طبيعتها وطرحها ووضعها
• المسائل المشتركة بينها
• المسائل الخلافية بينها
• طبيعة الأزمة بينها


3) المحطّة النّضالية 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 :
• الاختلاف حولها :
-;---;-----;-------;---------;----- ثورة : التّحليل والتّعليل
-;---;-----;-------;---------;----- انتفاضة : التّحليل والتّعليل
• أهمّ الأحداث الحاسمة ما بين 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 وما بعدها .
• مساهمة الخطّ الوطني الدّيمقراطي في هاته المحطّة النّضالية
• التّحالفات المُنجزة : طبيعتها وأهدافها ونتائجها

4) مسألة التّنظّم :
-;---;-----;-------;---------;----- القانونية والعلنية : الدّوافع والنّتائج
-;---;-----;-------;---------;----- شبه العلنية : الدّوافع والنّتائج
-;---;-----;-------;---------;----- السّرية : الدّوافع والنّنتائج
-;---;-----;-------;---------;----- أشكال التّنظّم المطروحة

5) مسار " الانتقال الدّيمقراطي " :
• الانخراط : الأسباب والنّتائج
• المُقاطعة : الأسباب والنّتائج

6) واقع الانقسام والتّشتّت للتّشكيلات السّياسية الوطنية الدّيمقراطية بعد المسارين :
• انعكاسات المسارين
• مواصلة الانقسام والتّشتّت : الدّوافع والأسباب والحلول

7) إشكالية الوحدة :
• لماذا الوحدة ؟
• على أي أساس تكون الوحدة ؟
• المفاهيم المختلفة للوحدة
• دراسة المحاولات السّابقة للوحدة : الأسباب / مواطن النّجاح / مواطن الفشل
• دراسة الدّعوات الحالية للوحدة : الأسباب / المحتوى / العوائق
• ضرورة الوحدة من عدمها : الأسباب / العوائق / الحلول



6) خـــــاتمـــــة :

ختاما ، أردنا من خلال هذه النّقاط الإيديولوجية والسّياسية والتّقنية تقديم رؤية خاصّة لدفع الوطنيين الدّيمقراطيين للوحدة على الحدّ الأدنى السّياسي ، والّتي يُمكن أن تشوبها العديد من النّواقص الّتي لم نُدركها ، أو بعض العلل الّتي لم نستطع فهمها وتحليلها وإيجاد الحلول المُلائمة لها ، كما يُمكن أن نكون قد أخطأنا في تشخيص واقع مُختلف الأطراف والمسارات السّياسية الّتي انتهجتها والّتي نلتمس منها العُذر في صورة التّقصير ، لكن ما يهمّنا أساسا هو أنّه لا يُمكن المُرور إلى الأمام دون نقد بنّاء لتلك المسارات ووضع الإصبع على الدّاء في ظلّ وضع التّشتّت والانقسام .

فالمسؤولية التّاريخية تُحتّم على كلّ وطني ديمقراطي غيور على هذا الخطّ أن يعمل بنضج من موقعه في سبيل وحدة مُناضلة ولو على الحدّ الأدنى السّياسي مرحليا ، على أمل تحقيق ما هو أشمل وأرقى ، ألاّ وهي الوحدة التّنظيمية ، وهي مسألة عويصة جدّا وليست بالهيّنة ، تتطلّب مجهودات جبّارة وطاقات جماعية ، وأكثر من ذلك كثيرا من النّضج والمسؤولية لتجسيدها من أجل التّأسيس الحقيقي في الواقع الملموس لحلم الوطنيين الدّيمقراطيين الّذي استُشهد وسُجن من أجله العديد من المناضلين ، ألاّ وهو الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأفق الاشتراكي وتحقيق الدّيمقراطية الشّعبية .

وندعو من خلال هذا كافّة الأطراف الوطنية الدّيمقراطية ، وكافّة المُناضلات والمُناضلين إلى المُساهمة في نقد هذه القراءة وهذا التّصوّر وتطويره إلى ما هو أفضل وأشمل ، وإلى الانخراط المسؤول الجدّي والفاعل من أجل تحقيق وحدة مرحلية على الحدّ الأدنى السّياسي للخروج من واقع الضّعف والتّشتّت والانقسام الحالي كمرحلة أولى ، وتجاوز الخلافات الشّكلية والجلوس لطاولة الحوار المسؤول وطرح مُختلف الرّؤى والإشكاليات بجرأة وشجاعة وندّية مع احترام حقّ التنوّع والاختلاف ، ودُمتم وطنيين ديمقراطيين مُناضلين ضدّ الظّلم والاستعمار والاضطهاد الطّبقي ، ودُمتم الشّعلة الثّورية المُضيئة لهذا الوطن . انتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــى .
==================== ماي 2014 =======================



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدّمة كتاب - ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماو ...
- نقد بيانات غرة ماي 2013 - تونس : أفق الشيوعية أم التنازل عن ...
- قراءة نقدية فى كتاب من التراث الماويّ :- ردّا على حزب العمل ...
- إلى الماركسيين – اللينينيين – الماويين : القطيعة فالقطيعة ثم ...
- إلى الماركسيين – اللينينيين – الماويين
- النقاب و بؤس تفكير زعيم حزب العمّال التونسي .
- قراءة فى البيان التأسيسي لمنظمة العمل الشيوعي – تونس .
- مقدّمة - بؤس اليسار الإصلاحي التونسي : حزب العمّال التونسي و ...
- جدالان باللغة العربية يدافعان عن الخلاصة الجديدة للشيوعية .D ...
- إسلاميون فاشيون ، للشعب و النساء أعداء و للإمبريالية عملاء !
- محتويات نشرية - لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية ! - ( الأعداد ...
- وفاة نيلسن مانديلا و نظرة الماركسيين المزيفين البرجوازية للع ...
- الجزء الثاني من كتاب -آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم ...
- الجزء الأوّل من كتاب :آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم ...
- الحزب الوطني الإشتراكي الثوري – الوطد – و حزب العمّال التونس ...
- مقدّمة و خاتمة كتاب - آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم ...
- مواقف - يسارية - مناهضة للماركسية -- لا حركة شيوعية ثورية دو ...
- مقدّمة كتاب - صراع خطين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - ...
- الحركة الشيوعية الماوية – تونس لا هي شيوعية ولا هي ماوية !
- إلى كلّ ثوري و ثورية: لتغيير العالم تغييرا ثوريّا نحن فى حاج ...


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقين وحدة ثوريّة تعليق على مقال الأسعد السائحي - وحدة الوطنيين الديمقراطيين بين الواقع و الطموح ( القواسم المشتركة / العوائق / و مقترح للحلول)-