|
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة (1)
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 12:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة (1). إن مجرد محاولة "وضع الإصبع " على موقع الألم ، أو إحالة موضوع التحرش الى سبب واحد ، أيا كان هذا السبب ، هو مجافاة للحقيقة وتمييع لدراسة الظاهرة التي تنتشر كالنار في الهشيم وتقض مضاجع كل من يملك الحد الادنى من الحس الانساني .لذلك أعتقد بأن البحث عن سبب واحد لإنتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالإناث ، لا يُغطّي دراسة ألظاهرة من كل جوانبها ، بحيث يؤدي ذلك إلى إقتراح حلول جزئية وعينية للرد على حوادث تحرش فردية ، صادمة في جوهرها ، كحادثة "ميدان ألتحرير " ، والتي كانت مُحفزا لطرح حلول على شكل ردع قانوني عقابي ، كإعدام المتحرشين إو إخصائهم . لكن وقبل الخوض في التفاصيل ، بودي أن أطرح الموضوع من زاوية أوسع ، ترى في التحرش منتوجا "مُصاحبا " أو "جانبيا " للثقافة السائدة في المجتمعات البشرية الذكورية عامة ، والمُجتمعات العربية – الإسلامية خاصة . وأرى في الثقافة بأنها : "نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي" ، وهي أيضا :" مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما " . وتبعا لذلك يُمكن ألقول بأن الثقافة هي : نمط حياة عام لشعب من الشعوب في المقام الأول ، وهي ايضا الموروث الإجتماعي الذي يكتسبه الفرد في مجموعته ، طريق تفكير ، شعور ومعتقدات ، السلوك المُكتسب ، وهي مخزون من التعلم و"جهاز توجيه " نحو الطريق المقبول إجتماعيا لحل المشاكل التي يُواجهها الفرد ، و"جهاز " لتحديد أنماط السلوك الطبيعية ، وتقنيات للتوائم مع البيئة ومع الافراد الأخرين وأخيرا هي ترسبات تاريخية من حياة أمة أو شعب ما . ويتضح بأن الثقافة هي مُكتسبة في جوهرها ، ولا دخل للفيزيولوجيا فيها ، فالفرد يكتسب مهاراته الإجتماعية ، ويذّوت معتقدات ، مواقف ، أفكار وأنماط سلوكية محددة تنسجم وتتوائم مع ألبُنى في بيئته الإجتماعية ، والتي بدورها تطورت معرفيا في سياق تاريخي ما . لكن ما يميز الثقافة بمعناها المذكور ، هو أنها ديناميكية تستوعب وتنبذ من داخلها ، تسترد من مخزونها ، وتتخلى عن "أنماط " معينة وفقا للظروف السياسية ، الإجتماعية والإقتصادية في فترة ما . فلو نظرنا إلى فترة في تاريخ العرب المعاصر ، والتي يُطلق عليها بعض الكتاب ، فترة "الزمن الجميل " وقارناها بالفترة الراهنة والتي أُطلقُ عليها "الزمن الرديء " ، لوجدنا الفروق هائلة ، في الثقافة التي سادت أنذاك وتسود الأن . فثقافة "الزمن الجميل " ، كانت ثقافة تعددية ، ليبرالية تنويرية ، إحترمت الكينونة الإنسانية ، بالحد الأدنى ، لذا نتج عن ذلك ، مُشاركة النساء وبشكل كبير في الحياة العامة دونما خوف أو حرج ، ولم تقتصر الدعوة بالمساواة على الليبرليين فقط ، بل شارك في العملية محسوبون على التيار الديني التنويري . المُشكلة في ذاك "الزمن الجميل " ، بأن هذه التنويرية الليبرالية لم "تتغلغل" إلى طبقات المُجتمع الفقيرة ، وكانت بشكل أو بأخر من نصيب سكان المركز المتحضر فقط . أما ما تلا هذه الحقبة ، فقد سادت عقود من القمع ، السياسي ، الفكري والإجتماعي ، والتي خلقت في الوعي الجمعي ، أنماطا سلوكية فردية ذاتية بالأساس ، فقد تفككت "الروابط الثقافية الجمعية " وسادت ثقافة "ما دام جلدي سالما ، ما لي وللأخرين ؟؟!!" ، ثقافة قامت على صراع بقاء شرس ، ثقافة الخوف والقمع ( ولو أن زميلا يعترض على إستعمال كلمة ثقافة في غير سياقها الجميل ) ، ثقافة أصبحت "تُقدس " كل الوسائل في صراع البقاء ، بدءا من الخنوع المُطلق في حضرة "السادة الاقوياء " ، أرباب السلطة والمال ، وإنتهاء بإستعمال مبدأ القوة مع الأضعف ( المرأة والطفولة ) . فهذا الخانع ، المقموع والذي يقّبل اليد التي تمتد لضربه ، يمارس نفس الإسلوب مع من هم أضعف منه ، زوجته ، جارته ، أُنثى تسير في الشارع ، طفل صغير ، وهناك مثل فلسطيني يُعبّر عن هذه الحالة وأراه مناسبا في هذا السياق ، يقول : " ألناس تضربني وأنا أضرب زوجتي " . لقد أكتسب الإنسان العربي والمسلم ، ثقافة تقول بأن السطوة هي الدليل على القوة ، وأن القوي يحصل على كل شيء ، فإذا كانت الدولة مُمثلة بنظام حكمها ، ترى بأن القمع والعنف هما الطريقة الوحيدة لإثبات السطوة والقوة ، ومن خلال "مؤسساتها " الرسمية ، بدءا من الحضانة ، وإنتهاء بالجامعة ، من الشرطي الى الجنرال ، من الموظف البسيط الى الرئيس ، فلماذا لا يُطبق هذا الانسان ، هذه السلوكيات في محيطه القريب ،مستعينا "بجهاز التوجيه " ،الذي يقوده إلى أنماط السلوك "الطبيعي " في مجتمعه ، والذي تم "تذويته " بقوة خارجية قمعية ، وليس نتيجة قناعة ذاتية داخلية !! مما يسمح لنا بالإستنتاج بأن "العربي – المسلم "لا يحمل في داخله منظومة قيم مُذوته ، بل تعلم نمطا سلوكيا من "البيئة " ألقامعة والقمعية ، التي حكمته وتحكّمت به . هذا في سياق التعامل مع الأنداد في المجتمع ، فما بالك بالتعامل مع الضعيف ؟ لقد ذوتت الشخصية العربية بأن لا كيان مستقل للضعيف ، ومجرد كونه إنسانا ، لا يعني هذا شيئا البتة في مُعادلة القوة . لذا كانت النساء والاطفال ، هم من داستهم الاقدام أولا .. ولعل ما جلبهُ وأستدعاه "الربيع العربي " ، هو ما كان "تحت الرماد " ، فقد أصبح "ألشارع " هو "القوي " في مواجهة "قوة السلطة " ، وأصبح يُمارس سلوكا ، تم قمعه بالقوة سابقا ، وبما أن أنظمة القمع السابقة قد خلقت مسوخا مشوهين ، فعندما حصل هؤلاء المسوخ على "القوة " ولم يعودوا يهابون "هراوة " النظام السابقة ، أصبحوا يُمارسون قمعا عكسيا ضد كل من يطالب "بحصة " من الكعكة ، وعندما تخرج "الفئة " الأضعف( أي المرأة ) للمطالبة بحصتها من "الحياة ، فإن هذه المسوخ تقوم "بطردها " من خلال استعمال تقنيات قديمة ، الإغتصاب والتحرش .. فالتاريخ البشري والعربي الإسلامي ، طافح بأخبار الإغتصاب والإستعباد الجنسي لنساء الأعداء ، كوسيلة عقابية إرهابية . فالتحرش الجماعي وفي جوهره هو إرهاب يمارسه القوي ضد الضعيف ، وليس بالضرورة "نابعا " من إحتقان جنسي . نعم ، الثقافة العربية – الإسلامية ، أنتجت في مراحل معينة ، قمعا جنسيا ،وأدى في النهاية إلى إنتاج فعل جنسي قامع بحق الضعفاء ، كوسيلة للسيطرة ، العقاب والإرهاب .
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثلية بين البيولوجيا والتنشئة ..
-
المثلية ، السياسة والدين ..
-
-يعيش - الإحتلال ..!!
-
ألأخلاق وألسياسة..
-
إسرائيل : ما بين -عاهرة - وقديسة - !!!
-
حزيران بين -ألمسيحية - الإسلامية و- المسيحية -اليهودية ..
-
التستوستيرون بين ألقمع ،الإباحية والترشيد ..
-
ألفقر والأخلاق ..
-
شدو الربابة بأحوال الصحابة ..ألمُعاصرين !!
-
حق تقرير ألمصير : تصادم ألطموح والواقع .
-
نساء بيدوفيليات ..؟؟
-
ألرجم للعُشاق ..!!
-
ترهل أحزاب أليسار ألعربي .
-
على هامش مقالات الزميلة ماجدة منصور : ألداروينية ألإجتماعية
...
-
ألصلاة جامعة ..!!
-
الإعتداءات الجنسية : ألتناقض بين -مصلحة- الضحية وواجب التبلي
...
-
COGNITIVE DISSONANCE ألتناذر الإدراكي- أزمة مجتمع
-
القضية : حرية تعبير أم حرية تدمير ؟!
-
أيها الموت ألنبيل ، المجد لك.. !!
-
إضرااااااب ..!!
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|