|
عبد الوهاب المسيرى والمدرسة الناصرية / العروبية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4480 - 2014 / 6 / 12 - 13:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نال د. عبد الوهاب المسيرى (1938- 2008) شهرة واسعة واهتمامًا بالغـًا من الثقافة المصرية السائدة ، فصنـّـفته تلك الثقافة على أنه ((أحد رموز اليسار المصرى)) و((المفكر الليبرالى)) بل وزايد كثيرون فاعتبروه ((أحد العلمانيين الكبار)) وكنتُ حينما أقرأ تلك الكتابات بصياغاتها الإنشائية ، لأنها تخلو من أى دليل من كتابات د. المسيرى على مصداقية الوصف ، حينذاك كان عقلى الطفولى بسذاجته الفطرية يسأل سؤال الأطفال البريىء : هل قرأ من منحوه تلك الصفات أعماله ، أم اكتفوا بقاعدتيْن : الأولى أطلق عليها شعبنا فى أهازيجه البديعة ((الصيت ولا الغنى)) والقاعدة الثانية ((الثقافة السمعية)) التى تكره القراءة وتعشق الكتابة والكلام . ثم يأتى قبل هاتيْن القاعدتيْن الميل الأيديولوجى ، ويُطق عليه (المُخدّر الساحر) وعلى سبيل المثال فإنّ د. المسيرى أصدر كتابه الشهير(العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة) من جزأيْن عن دار الشروق عام 2002. وذاك التقسيم للعالمانية (بالألف نسبة إلى العالم الذى يضع البشر قوانينه) بين (جزئى وشامل) يصب فى مصلحة الأصولية الإسلامية التى ترفض تأسيس المجتمع العالمانى (بحق وحقيق) وليس مجتمع الشعارات الجوفاء ، لأنّ العالمانية الشاملة هى السبيل الوحيد لتحقيق مبدأ (المواطنة) وقد كشف د. المسيرى عن وجهه الأصولى وخلع كل الأقنعة عندما قال ((إنّ المرجعية الإسلامية هى المجال أو الطريق الوحيد لحل مشاكل هذا المجتمع ، لأنّ أى مجتمع لابد أنْ يكون له مرجعية نهائية واحدة. ومن لم يكن عنده مرجعية نابعة من تراثه فسيستوردها من الآخر)) وإذا كان من المؤكد أنّ من يقرأون الصحف أكثر ممن يقرأون الكتب ، فإنّ خطورة النص السابق أنّ د. المسيرى صرّح به فى حديث لصحيفة القاهرة (عدد302) ومن كلامه يتأكد للعقل الحر حقيقة توجهه الأيديولوجى من زاويتيْن : الأولى : أنّ سيادته مع الأحادية بتأكيده على ((الطريق الوحيد)) و((مرجعية نهائية واحدة)) وبالتالى فهو ضد التعددية. والأحادية إذا كانت تعنى الانغلاق ، فإنّ الانغلاق يؤدى إلى تجمد الوعى الإنسانى ، الذى يؤدى إلى إجهاض أى تطور معرفى ، ووأد أى تنمية اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية. أما أخطر ما يؤدى إليه الفكر الأحادى فهو التعصب وكراهية الآخر المُختلف دينيًا ومذهبيًا وفلسفيًا. والتعصب هو الذى يفرز العنف والعنف المضاد . الثانية : فإنّ سيادته يشطب وقائع التاريخ التى تؤكد على أنّ تطور المجتمعات البشرية المختلفة دينيًا وجغرافيًا ، لم يتم إلاّ من خلال قاعدة التأثير والتأثر، أى تبال الخبرات البشرية فى شتى المجالات، وأنّ أغلب شعوب العالم لم تقف عند مرجعية واحدة ثابتة نابعة من تراثها ، لأنّ ذلك يعنى الجمود الذى يُـكرّس التخلف ، ويمنع التلقيح الثقافى بين الشعوب ، وهو المعنى الذى عبّر عنه العالم الكبير(اليوت سميث) الذى قال إنّ ((مصر ليستْ مصدر الحضارة الأوروبية وحدها ، بل مصدر الحضارة فى العلم بأسره)) ونفس المعنى أكده العالِم والفيلسوف جوردانو برونو الذى أحرقه القساوسة (الأتقياء) حيًا فى مطلع عام 1600والذى قال إنّ ((مصر مُبدعة الكتابة والآداب وأساس كل شرائعنا)) (أثينة السوداء – تأليف مارتن برنال – مجموعة مترجمين- المشروع القومى للترجمة- المجلس الأعلى للثقافة- العدد 16- عام 97- ص 286) يزعم د. المسيرى أنّ العالمانية الشاملة هى ((فصلٌ لكل القيم عن مُجمل حياة الإنسان ، وتنكر إنسانية الإنسان ، وأنّ فصل الدين عن الدولة يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى الخ)) فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة وإذا كانت مبادىء العالمانية هى التى تسود فى أوروبا واليابان والهند إلخ فكيف تم الارتقاء بالبُعد الروحى لدى شعوب تلك الدول؟ لقد أشار سيادته إلى أحزاب الخضر فى أوروبا ، ولكنه لم يُوضّح للقارىء أنّ تلك الأحزاب ، ليس لها وجود إلاّ فى الأنظمة المؤمنة بالعالمانية. بل إنّ أعضاءها يتحدون حكوماتهم ضد أى تلوث للبيئة ، وهو ما يعنى الإصرار على صحة الإنسان من أضرار التلوث ، كما أنّ المتطوعين العاملين فى تلك الأحزاب يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية، ويُقدّمون المساعدات لضحايا الطبيعة والظلم الاجتماعى ، ويُخاطرون بحياتهم . فهؤلاء المتطوعون أبناء ثقافة العالمانية. ومنظمات حقوق الإنسان لم تنشأ إلاّ فى ظل العالمانية ، وإدانة الحروب (فيتنام وغيرها) ومحاكمة المسئولين عنها قام بها فلاسفة آمنوا بالعالمانية (رسل وسارتر وغيرهما) والمظاهرات القوية والمُـنظمة ضد الرأسمالية المتوحشة قامت بها شعوب آمنتْ بمبادىء العالمانية. والعلوم الإنسانية - التى تـُهذب النفوس وتـُعلى من القيم الروحية - أبدعها مفكرون عالمانيون. وقد حكى لى صديقى الراحل الأديب والمفكر لويس بقطر، الذى عاش فى السويد أكثر من عشرين عامًا ، أنّ جارته السويدية كانت أمًا لثلاثة أطفال ، ومع ذلك ذهبتْ إلى الصومال وتبنـّتْ طفليْن وقال ((كنتُ أراها وهى تضعهما على المُرجيحة وتـُداعبهما وتـُطعمهما بيدها كما لو كانا قد خرجا من رحمها)) فهل هناك قيمة روحية أكثر مما فعلته تلك الإنسانة التى نشأتْ فى ظل نظام عالمانى؟ وماذا عن الحضارة المصرية التى خرج منها أقوى وأهم القوانين (الضمير) لذلك وضع جدودنا عقوبة فى الحياة الآخرة لمن يتسبّب فى عذاب الزرع والطير والحيوان بحرمانهم من الماء. والمصرى القديم نظرًا لتقديره لقيمة العدالة أبدع خياله إلهة للعدل (ماعت) وذلك قبل الأديان بآلاف السنين وقبل ظهور مصطلح العالمانية. أما بوذا الذى لم يدّع النبوة فقال ((إذا زرعتَ شجرة فلا تقطف كل ثمارها ، اترك بعضها للإنسان العابر وللطير المُهاجر)) وإذا كانت الأنظمة العالمانية فيها فساد أخلاقى (كما يقول الأصوليون الذين دافع د. المسيرى عنهم) فهل خلتْ الأنظمة التى طبّقتْ الشريعة الإسلامية من الفساد الأخلاقى والظلم الاجتماعى (حكم طالبان فى أفغانستان وحكم النميرى ثم البشير فى السودان وكافة الدول الإسلامية) وقال د. المسيرى أنّ ((فصل الدين عن الدولة هو العلمانية الجزئية)) أى العلمانية التى يُدافع عنها. ثم تراجع وهاجم ما دافع عنه إذْ قال أنّ شعار فصل الدين عن الدولة ((يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى فى الإنسان)) وهذا التناقض يؤكد عداء سيادته للعالمانية حتى التى دافع عنها وأنّ تقسيم العالمانية إلى جزئية وشاملة مجرد مدخل للدفاع عن الاتجاه الأصولى الذى يرفض أنْ يُقنـّن البشر تشريعاتهم التى تـُنظم العلاقة فيما بينهم وبين سلطة الحكم، وتضع الأسس العامة للنشاط الاقتصادى ولآليات إدارة المجتمع سياسيًا. هذا الاتجاه الأصولى أكده سيادته فى صراحة ووضوح عندما قال ((أنا كمفكر إسلامى لا أرى غضاضة فى قبول ما أسميه العلمانية الجزئية، إنْ كان يعنى (بعض) الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات (الطابع الفنى) والتى لا تمس من قريب أو من بعيد المرجعية النهائية)) وتلك المرجعية هى كما قال ((المرجعية الإسلامية)) وكذا إصراره على كلمة (بعض) بالنسبة للسياسة والاقتصاد وكلمات ((ذات الطابع الفنى)) بعد ذلك كان سيادته أكثر صراحة عندما أكد على توجهه الأصولى عندما دافع عن شعار (الإسلام هو الحل) وكان تبريره أنّ ذاك الشعار((يُجسّد رؤية بعض المفكرين الذين يقودون تيارًا سياسيًا مهمًا يؤمن بأنّ المرجعية الإسلامية هى الطريق الوحيد إلخ)) أى أنّ سيادته مع التيار الذى ينفى حق المواطنة عن غير المسلمين ، لأنّ المرجعية الدينية- فى أى حكم دينى- هى ألغام فى حقول الوطن ، ألغام تنفجر عند أى احتكاك دينى لأى سبب ولأتفه سبب ، كما أخبرتنا تجربة واقعنا المصرى البائس ، فالإسلاميون يُصرون على تكفير المسيحيين تطبيقــًا لنص الآية رقم 17من سورة المائدة . وعلى عدم تولى الحكم لمن أطلق عليهم القرآن (أهل الكتاب) بالآية رقم 51 من ذات السورة . وعلى دفع الجزية بالتطبيق لنص الآية رقم 29 من سورة التوبة. كما أنّ المرجعية الدينية فى الحكم لا تضر غير المسلمين فقط ، وإنما تضر المسلمين الذين ينقسمون إلى سنة وشيعة وبهائيين إلخ . وتـُطيح بحق المرأة (المسلمة) لأنها مجرد موضوع للفراش وتحت سيدها (بعلها، زوجها) والبعل هو أحد الآلهة قبل الإسلام وهو ما اعترف به القرآن فقال يُعاتب من رفضوا دعوته (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) (الصافات/ 125) ناهيك عن حق الإبداع فى العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وناهيك عن اليوم الذى يحكمنا فيه طالبانيون (مصريون) ويُصرون على تطبيق الحدود الإسلامية فى الميادين العامة. وإذا كان المفكرون الأحرار يسعون إلى استقرار مجتمعاتهم ، الاستقرار الذى يتأسّس على قيم الجمال والحب والتسامح الفلسفى الذى يعنى قبول الآخر المُختلف ، أى القبول المُـتبادل رغم اختلاف المُعتقد أو المذهب ، فهل هذا الاستقرار تـُحققه العالمانية ذات المرجعية الإسلامية ؟ فى مجتمع مـُتعدّد الأديان والمذاهب ، وبالتالى هل يتحقق مبدأ المساواة وعدم التمييز على أساس دينى ؟ وهل تلك العلمانية الجزئية تسمح بالتشريع الوضعى المُعبّر والمُترجم الحقيقى عن قانون تطور المجتمعات البشرية ؟ إنّ أول حرف فى العالمانية التى حققتْ الاستقرار الاجتماعى هو فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية ، وليس فصل الدين عن المجتمع كما يزعم الأصوليون فى تشويههم المُـتعمّد للعالمانية. إنّ شعار(الإسلام هو الحل) الذى نادى به د. المسيرى يعنى التطبيق الحرفى لنصوص القرآن فى شئون الحكم ، وهو شعار يتجاهل أصحابه الاختلافات العميقة والجذرية بين الفقهاء منذ 14قرنـًا ، وتجاهلهم لقانون التغير، وأنهم مع المُطلق ضد النسبى ، ولن أستشهد بمفكرى عصر التنوير أمثال هوبز، لوك ، روسو وفولتير إلخ الذين حملوا لواء الارتقاء بالإنسان من خلال دفاعهم عن مبادىء العالمانية المؤمنة بالنسبية ، وإنما أستشهد بالعلامة الفارسى الشهرستانى (1086- 1153) المُحقق فى الفقه والكلام والأديان ومؤلف العديد من الكتب أشهرها الملل والنحل الذى قال ((إنّ الحوادث والوقائع والتصرفات يصعب حصرها. ونعلم قطعًا أنه لم يرد لكل حادثة نص ، ولا يُـتصوّر ذلك أيضًا ، والنصوص إذا كانت مُـتناهية ، فالوقائع غير مُـتناهية. وما لا يتناهى ، لا يضبطه ما يتناهى)) 000 وبينما دافع د. المسيرى عن الأصولية الإسلامية وبالتالى عن رموز تلك الأصولية منذ جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى ، فإنه اعترف بانضمام بعضهم إلى الماسونية فكتب ((لم تكن الماسونية البريطانية هى الوحيدة التى انتشرتْ فى المستعمرات ، إذْ أنّ الصراع الامبريالى على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية. فكان كل محفل ماسونى يخدم مصلحة بلده ويمثله. ويبدو أنّ بعض الشخصيات المهمة فى العالم العربى أرادتْ أنْ تستفيد من هذا الصراع ، خصوصًا أنّ أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوى الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم ، فكان الدعاة المحليون ينخرطون فى هذه المحافل بغية توظيفها فى خدمة أهدافهم ، وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم . وكان من بين هؤلاء الأفغانى والشيخ محمد عبده والأمير عبد القادر الجزائرى)) (د. المسيرى فى كتابه الجمعيات السرية فى العالم – كتاب الهلال – نوفمبر 93- من ص 99- 103) 000 كان من بين أبرز كتب د. المسيرى عن الصهيونية والقضية الفلسطينية ، ولذلك حصل على وسام الإعجاب من الإسلاميين والعروبيين (ناصريين وماركسيين) لأنهم هنا أيضًا اكتفوا بقاعدة (الصيت ولا الغنى) وقاعدة (الثقافة السمعية) وقبل ذلك التوجه الأيديولوجى . فرغم قائمة الكتب التى أصدرها د. المسيرى مثل : موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية (رؤية نقدية) ، العنصرية الصهيونية ، اليهودية والصهيونية وإسرائيل ، الأيديولوجية الصهيونية ، الاستعمار الصهيونى وتطبيع الشخصية اليهودية ، موسوعة تاريخ الصهيونية (ثلاثة أجزاء) وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. فرغم هذا السيل من الكتب والموسوعات ، ورغم قراءته للديانتة العبرية التى انحاز فيها الإله العبرى لأتباع موسى ، ووزع عليهم أراضى الشعوب بالجملة ، فإنّ د. المسيرى غالط ضميره العلمى ، عندما مشى وراء أستاذه د. جمال حمدان الذى ادّعى أنّ يهود الأمس غير يهود اليوم أنثروبولوجيًا فى كتابه (اليهود أنثروبولوجيًا) الصادر عن دار الهلال- فبراير96) وفى تقديمه لهذا الكتاب كتب د. المسيرى ((العودة اليهودية إلى فلسطين ليست عودة توراتية أو تلمودية أو دينية إنما هى عودة بالاغتصاب)) (ص29) فهل أضاف جديدًا عندما ذكر أنّ العودة كانت بالاغتصاب ؟ وهذا الكلام إعادة صياغة لما كتبه د. حمدان الذى قال ((إنّ الصلة الجنسية والجينية بين يهود اليوم ويهود التوراة منبتة وفاقدة تمامًا من الناحية العملية)) (ص180) ورغم نفى د. المسيرى وجود صلة بين يهود التراث العبرى ويهود اليوم ، وصف دولة إسرائيل على الطريقة الناصرية/ العربية فكتب عنها ((من المؤكد أنّ العالم لا يعرف دولة قزمية بهذه الدرجة الصارخة المُـنحرفة.. ولكنها ببساطة حثالة مدن العالم انصبّتْ واستقطبتْ فى دولة)) (ص35) ولأنه يتعمّد عدم الإشارة إلى نصوص الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) التى نصّتْ على توريث أراضى الشعوب لبنى إسرائيل ، فإنه ذكر تأثره بأستاذه د. حمدان فكتب ((ومن أهم ما تعلمته منه هو الخروج بالظواهر اليهودية والصهيونية من دائرة التوراة والتلمود والدراسات اليهودية وإدخالها فى نطاق العلم الإنسانى العام)) (ص41) اعتمد الثنائى (د. حمدان ود. المسيرى) على تكئة غاية فى السذاجة وهى التفرقة بين يهود عصر موسى والعصر الحديث أنثروبولوجيا. ورغم أنّ د. حمدان أدان تصريح الملك فيصل بن الحسين الهاشمى الذى قال فيه ((إنّ العرب واليهود أبناء عمومة من الناحية العنصرية)) (45) فإنّ د. حمدان نفى أى قرابة دم بين العرب واليهود ، ثم تناقض مع نفسه فكتب فى ذات الصفحة ((قد يكون يهود التوراة والعرب أبناء عمومة ، وإنما تاريخيًا فحسب . وقد يكون من الصحيح أنّ إسماعيل أبا العرب وإسحق أبا اليهود أخوة غير أشقاء وكلاهما ابنا إبراهيم)) ولكى يتملص من هذا التراث أضاف ((ولكن فى البداية فقط أما بعد ذلك فقد ذاب نسل أحدهما فى دماء غريبة حتى أصبحنا إزاء قوم غرباء لا علاقة لهم بإسحق فضلا عن إسماعيل)) ثم يُـقرّر أنّ يهود التوراة اختفوا فى أوروبا كشبح (183) ولأنّ الثنائى (د. حمدان ود. المسيرى) من مدرسة الناصرية لذا فإنّ إسرائيل ليستْ دولة بل هى ((دولة مزعومة)) (ص60) ورغم مئات الصفحات التى كتبها د. المسيرى عن الصهيونية فإنه يُقرّر بثبات أنّ ((أرض الميعاد والعودة ليستْ أرضًا للميعاد أو العودة رغم كل الادعاءات الصهيونية)) (ص 250ضمن تعقيباته) إنّ العقل الحر لا يملك إلاّ طرح الأسئلة لشكف النقاب عن : ما الذى دعا د. المسيرى ود. حمدان إلى تلك التفرقة الساذجة بين يهود التوراة ويهود اليوم بحجة الأنثروبولوجيا ؟ ولصالح من تلك التفرقة ؟ وهل اليهود الذين احتلوا فلسطين فى القرن العشرين بعد ميلاد المسيح لم يكونوا مُسلحين بنصوص كتابهم المقدس ؟ وهل يمكن فصل مزاعم الصهيونية فى العصر الحديث عن نصوص العهد القديم الذى جاء به ((إنى أنا الرب ساكن فى وسط بنى إسرائيل)) (سِفرعدد 35) وكذا ((الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل)) (سِفر يشوع 10) و((فقال الرب لداود اصعد لإنى دفعًا أدفع الفلسطينيين ليدك)) (صموئيل الثانى 5) و((رنموا للرب الساكن فى صهيون)) (المزمور التاسع لداود) وعن توزيع الأراضى على أتباع موسى قال النص العبرى المقدس ((لك ولنسلك أعطى جميع هذه البلاد وأفى بالقسم الذى أقسمتُ لإبراهيم أبيك)) (تكوين 26) وقال ليوشع ((موسى عبدى قد مات . فالآن قم اعبر الأردن أنتَ وكل هذا الشعب إلى الأرض التى أنا مُعطيها لبنى إسرائيل . كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيه كما كلمتُ موسى . من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات)) (يشوع 1) وقال ((ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التى حلف لآبائك إبراهيم واسحق ويعقوب أنْ يُعطيك إلى مدن عظيمة جيدة لم تبنها وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها وآبار محفورة لم تحفرها وكروم وزيتون لم تغرسها وأكلتَ وشبعتَ . فاحترز لئلآ تنسى الرب الذى أخرجك من أرض مصر. الرب إلهك تتقى وإياه تعبد وباسمه تحلف)) (تثنية 6) فلماذا تجاهل الدكتوران حمدان والمسيرى تلك النصوص ؟ ولماذا تجاهلا ما قاله الحاخام صموئيل حاييم لانداو الذى قال ((إنّ القبس الإلهى لا يؤثر فى الشعب اليهودى إلاّ وهو فى أرضه. وعليه لا يمكن اعتبار إسرائيل أمة حية وهى تعيش فى المنفى)) وهذا الحاخام رفع شعار (التوراة والعمل) (نقلا عن د. رشاد الشامى فى كتابه القوى الدينية فى إسرائيل- عالم المعرفة الكويتى- يونيو94) وبينما حمدان والمسيرى يُصران على أنّ يهود اليوم ليس لهم علاقة بيهود التوراة ، فإنّ د. الشامى لم يُخالف ضميره العلمى فكتب أنّ الصهيونية الدينية استغلتْ مقولتيْن أساسيتيْن يؤمن بهما عامة اليهود وهما الشعب المختار وأرض الميعاد . وأنّ الحاخام موشيه بن نحمان اعتبر أنّ أورشليم هى مركز (أرض إسرائيل) وأنّ فكرة العهد بين الله الذى منح الشعب بمقتضاه (أرض فلسطين المقدسة) كانت بمثابة الأسطورة الشعبية ل (بن جوريون) ومع ذلك قال إنّ ((خلود إسرائيل يتميز بإثنتين: دولة إسرائيل والتوراة)) وقال أيضًا ((إنّ الجيش الإسرائيلى خير تفسير للتوراة)) وعند إعلان مسودة دولة إسرائيل عام 1948 أصرّ الحاخامات على أنْ يتضمن النص اسم الرب والتأكيد على أنّ ((أرض إسرائيل خاصة بالشعب اليهودى بمقتضى الدين اليهودى ووعد الرب لإبراهيم أبينا)) وعن تأثير المرجعية العبرية فإنّ حزب (مفدال) الدينى عارض فى برنامجه الانتخابى أى نص ((يتضمن تنازلا عن أجزاء من أرض إسرائيل التاريخية، أرض جدودنا)) (المصدر السابق – أكثر من صفحة) وفى كتاب آخر للدكتور الشامى (الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية - عالم المعرفة الكويتى يونيو86) كتب ((إنّ التوراة تطبع العقيدة الإسرائيلية برباط وثيق بين (حرب إسرائيل) و(رب إسرائيل) حيث يُصبح هذا الرب هو (رب الجنود) الذى يُمهـّـد لبنى إسرائيل السبيل لتحقيق مآربهم فى الغزو والاحتلال وطرد الشعوب)) (ص168، 169) والكتابان اللذان كتبهما د. الشامى مليئان بالأمثلة من كتابات وتصريحات الحاخامات على أنّ احتلال فلسطين هو أمر متعلق بمشيئة الرب كما ورد فى كتابهم الذى يٌـقدسونه ، فلماذا تجاهل حمدان وتلميذه المسيرى تلك الحقيقة ؟ وهل الفصل بين يهود اليوم الذين احتلوا فلسطين ويهود التوراة ، يخدم القضية الفلسطينية ؟ أم يزيدها تعقيدًا ؟ وهل هذا الفصل بين يهود ويهود لصالح الفلسطينيين أم لصالح من احتلوا فلسطين ؟ وكما أنّ المسيرى مع تجزيىء العالمانية فهو أيضًا مع تجزيىء اليهود ، وفى نفس الوقت هو وأستاذه د. حمدان مع العروبة والإسلام ضد القومية المصرية ، وهو ما عبّر عنه حمدان الذى كتب ((فالتعريب والإسلام هما أعظم حقيقة تاريخية فى تاريخ مصر)) (شخصية مصر- ص 208) وردّد كلام عبد الناصر فأشار إلى (الوطنية المُغلقة) وبالتالى التحذير من ((تضخيم البعد الفرعونى فى تاريخنا فيُبعدنا عن عروبتنا ويطمس معالمها)) (ص 209) ولأنّ د. حمدان تلميذ نجيب فى المدرسة الناصرية/ العروبية، ولأنّ تلميذه (د. المسيرى) من نفس المدرسة لذا كتب أنّ ((د. جمال حمدان هو بلا منازع واحد من أهم فلاسفة (ثورة) 23 يوليو، فقد بلور رؤيتها.. الخ)) (ص 20من تقديمه لكتاب حمدان- مصدر سابق) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعيار العلمى للهوية الثقافية
-
حدود العلاقة بين التراث والإبداع
-
الدين والحياة
-
الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
-
الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
-
الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
-
حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
-
الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
-
معوقات الحداثة المصرية
-
صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
-
صناعة النجوم فى الميديا المصرية
-
المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
-
الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
-
الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
-
رد على الأستاذ يحيى توتى
-
تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
-
الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|