|
حدود العلاقة بين التراث والإبداع
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4478 - 2014 / 6 / 10 - 23:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حدود العلاقة بين التراث والإبداع طلعت رضوان عندما يلجأ الروائى إلى التراث ليكون إطارًا لأحداث روايته ، فلابد أنّ سببًا واحدًا – على الأقل – هو الدافع لهذا الاختيار . وأسباب اللجوء إلى التراث متعددة : مثل أنْ يكون التراث مجرد خلفية يُضمّنها الكاتب آراءه السياسية أو معتقداته الفلسفية ، ليسقطها على الواقع الراهن . أو يكون الهدف هو إلقاء الضوء على أحداث تاريخية ، لم تلق عناية المؤرخين ، وأنّ هذه الأحداث تتوفر لها كل عناصر الدراما ولها هدف اجتماعى . أو أنْ يكون الهدف هو إحياء الأحداث التاريخية المهمة ، مثل مقاومة الغزاة والانتصار عليهم .أو أسباب فشل المقاومة . وهذه الأعمال الإبداعية تدفع القارىء – والشباب خصوصًا – إلى قراءة الكتب والمراجع لمعرفة المزيد عن تاريخ بلاده . أعتقد أنّ الإقرار بهذه الحقيقة ، هو المدخل المبدئى للحديث عن رواية (البحث عن خنوم) للكاتب الحسين عبدالبصير . فمن هو (خنوم) الذى يجرى البحث عنه ؟ وما هى أسباب هذا البحث ؟ وما علاقة ذلك بالحضارة المصرية ؟ وإذا كان خنوم هو أحد الآلهة فى منظومة الأساطير المصرية ، وإذا كان عنوان الرواية هو(البحث عن خنوم) فمن البديهى أنْ يتوقع القارىء رواية يكون محورها الأساسى البعد الفلسفى الذى يدور حول الأسئلة التى شغلتْ عقل الإنسان منذ أنْ وقف على قدميه ، وانتقل إلى طور أرقى فى سلسلة الكائنات الحية التى حاولت الإجابة عن بداية الكون وخلق الإنسان وفكرة وجود آلهة إلخ . ورغم أنّ عنوان الرواية قاطع ، بحيث يبدأ بكلمة (البحث) فإنّ المحور الفلسفى يأتى فى شكل أسئلة مباشرة . وهذه بعض الأمثلة : (سيا) يسأل (عنخ) : أتؤمن بخنوم ؟ فيرد سيا : أجل . يسأله عنخ وماذا عن الآلهة الأخرى ؟ يرد سيا : تجليات له. خصّها بعطفه وتبناها برحمته وأضفى عليها بعضًا من صفاته. هو كل الآلهة. واحد تعددتْ أسماؤه . خلقهم من ذاته وتعهدهم برعايته (ص142) . ورغم هذه الصفات التى أطلقها الكاتب على خنوم ، فإنّ أحد الأشخاص يُقرّر قبيل نهاية الرواية أنه قد دفن خنوم بيديه. ثم يطرح هذا السؤال((أيها الإله الفخرانى. تُشكّل البشر على عجلتك الساحرة. وتتركهم يشقون فى البحث عنك)) (224) وفى موضع آخر فإنّ عنخ يقول فى مواجهة (حور) : ربما يكون خنوم هذا تصورًا فى عقلك أنت فقط . وليس له وجود فى الواقع (244) ويسأل عنخ حارس معبد حتحور عن خنوم ، فيرد الحارس : إننى أسخر من هؤلاء القوم الذين يبحثون عن آلهتهـم . خنوم من؟ وحتحور من؟ إنها آلهة الزمان القديم . لم يعد لها وجود . وأنّ والد هذا الحارس قال له إنّ خنوم ربما كان بستانيًا يقوم بزراعة حديقة الأمير (115 ، 116 ) إنّ الأمر المثير للإنتباه هنا ، أنّ هذه السخرية تأتى على لسان حارس معبد حتحور (ربة السعادة والرقص والموسيقى . وأم حورس مثل إيزيس . وأخذ الإغريق صفاتها وأطلقوها على إفروديت) ولم يكتف هذا الحارس بالسخرية من خنوم وإنما سخر أيضًا من حتحور. وهنا يلمس القارىء عدم صدق الشخصية. فلو أنّ هذا الحارس اكتفى بالسخرية من الإله خنوم ، وأنكر وجوده ، فهذا يتفق مع ما حدث فى الواقع ، حيث تم العثور على برديات فيها إنكار لوجود الآلهة. وأنه لايوجد إنسان ذهب إلى الغرب (= الموت) وعاد ليخبرنا ماذا رأى . ولكن أنْ يسخر الحارس من الإلهة التى التى يقف حارسًا على معبدها ، فهو غير مبرر على المستويين الروائى والتاريخى . خاصة أنّ الحضارة المصرية إتسمت بالتعددية والتسامح واحترام كل المعتقدات وكل الآلهة فى إطار منظومة واحدة متسقة ومتجانسة من المعتقدات . وإنْ تنوعت الأشكال وتعددت الأسماء . وباقى الأسئلة الفلسفية فى الرواية تتشابه ولا تتغير. يقول عنخ((أعجب لهؤلاء الذين يبحثون عنك . من خنوم هذا؟ كان أعظم الآلهة فى الزمن القديم . لستَ إلهى . قبضتك قاسية لاحانية. الرحمة ليست صفة من صفاتك . خلقتَ العالم وتركته لغيرك يحكمه)) (112) والإضافة الوحيدة هنا أنّ الكاتب يقدم الإله خنوم مشوهًا ((الرحمة ليست من صفاتك)) ذلك أنّ خنوم لدى كل علماء علم المصريات Egyptology مجرد إله يجلس أمام دولاب الفخار لصناعة البشر بتكليف من الإله آمون . ورغم هذه الحقيقة التى يعترف بها كل دارسى الأساطير المصرية ، فإنّ ثمة بردية يقول فيها كاتبها ((لقد خلقنى خنوم ممتازًا. إنه يوجه لسانى نحو الخير. إننى لم أدنس فمى بإهانة من أهاننى)) (كتاب ديانة مصر القديمة – أدولف إيرمان - ترجمة د. عبدالمنعم أبو بكر، د. محمد أنور شكرى ص64 ،185) . وتشويه الآلهة المصرية يكون أكثر قسوة على لسان حور((آمون مسئول بالطبع عما فعله خنوم فى سالف الزمان . وعليه أنْ يُسدد دينه ويُصوّب أخطاءه . أآمون الذى يصلح ؟ ألم يره الناس أعلى البلاد مع العبدة النوبية التى كان يشتهيها؟)) (263) والكاتب هنا يُشير إلى الأسطورة التى تحكى أنّ الإله آمون أراد أنْ يُنجب ملكًا لتشييد معابد للآلهة. وعندما رأى آمون الملكة (يا – عح – مس) تقمّص شكل زوجها الملك تحوت – مس الأول. وبعد هذا اللقاء كانت ولادة حتشبسوت. وأنّ عدة إلهات تولين رضاعتها ومن بينهن البقرة السماوية. وكتب أدولف إيرمان أنّ حتشبسوت ((جلستْ على عرش البلاد بين تهليل الشعب المصرى . وذلك لأنّ هذه الفترة من حياتها الأرضية لعب أبوها الآدمى الدور المهم فيها. وقد نُقشتْ عبارات وصور هذه القصة كمستند رسمى فوق جدران المعابد . ونكاد نُجزم بأن الملك والملكة لم يريا بأسًا فى هذا)) (المصدر السابق من ص 63 – 65) ولكن ما حدث فى الرواية هو تشويه الأسطورة وذلك عندما نصّ الكاتب على أنّ الإله آمون كان يشتهى ((عبدة نوبية)) فى حين أنّ القصة فوق جدران المعابد تؤكد أنّ الإله آمون وقع اختياره على الملكة (يا – عح – مس) زوجة الفرعون تحوت – مس الأول. كما أنه أرسل الإله تحوت ليستعلم عن أحوالها. وكان هدف الأسطورة هو إنجاب ملكة من صلب إله. أى أنّ المسألة لم تكن مجرد (اشتهاء) ولم تكن المرأة المختارة (عبدة نوبية) وهو ما يخالف نص الأسطورة. وعند علماء علم المصريات فإنّ أم حتشبسوت كانت من السلالة الملكية (أنظر على سبيل المثال كتاب : كانت ملكة على مصر. تأليف عالمة المصريات ونفرد هولمز – ترجمة سعد أحمد حسين ص31) وما حدث مع أم حتشبسوت حدث مع أم الإسكندر الأكبر عندما دخل مصر فى خريف 332 ق. م فقد اعتبر نفسه ابنًا للإله آمون . وليس ابنًا لأبيه البشرى الملك فيليب. ومغزى القصة واضح : أنّ الإله آمون عاشر أم الإسكندر معاشرة الأزواج (أنظر كتاب أثينا السوداء. تأليف مارتن برنال ص225 ، ومعجم الحضارة المصرية ص30 وكتاب واحات مصر – المجلد الأول – واحة سيوه - تأليف د. أحمد فخرى . ترجمة د. جاب الله على جاب الله ص115 ، 185 ، 236 على سبيل المثال ) فإذا كان الإله آمون قد أنجب الملكة حتشبسوت. فلماذا تشويه أصل الأسطورة؟ خاصة وأنّ حتشبسوت لعبت دورًا مهمًا فى تاريخ الأسرات المصرية. وقد كتبت عنها ونفرد هولمز أنها ((عملتْ الكثير من أجل شعبها وهيّأت له الاستقرار والرفاهية والسلام . وجدّدتْ ما كان قد تخرّب . وأتمتْ ما لم يتم منذ الوقت الذى كان فيه الآسيويون والهمج فى شمال البلاد مخربين)) (مصدر سابق ص61) أما إذا انتقلنا إلى الشخصيتيْن الرئيسيتيْن فى الرواية (رخت وحور) فسوف نكتشف أنّ الهدف الرئيسى من بحثهما عن خنوم هو الجلوس على العرش (رخت من أجل ابنها ِرخ ، وحور من أجل نفسه) وأنّ هذا الهدف وتفاصيل الوصول إليه ، تسبّب فى أنْ بدا المحور الفلسفى باهتًا. أو هو كالنتوء أو الزخرف النشاز. خاصة وأنّ هاتيْن الشخصيتيْن أمضيا أيام الرحلة (رحلة البحث عن خنوم) فى حالة شبق جنسى غير موظف دراميًا مع النسيج العام لأحداث الرواية (عن تلك الحالة الشبقية أنظر الصفحات 29 ، 30 ، 34 ، 78 ، 79 ، 80 ، 82 ، 93 ، 99 ، 122 ، 123 ، ومن 126 – 132 ،145 ، 146 ، 148 ، 149 ، 153 ، 155 على سبيل المثال) وأنّ هذه الحالة الشبقية جعلت رخت تمارس الحب مع أكثر من رجل خلال فترة رحلة البحث عن خنوم : فى البداية مع حور ثم مع الكاهن الأكبر ثم مع سيا الذى رفض الانصياع لغوايتها. ثم مع عنخ الذى فرح باللقاء الجسدى معها ولكنه يعجز عن إشباعها. ولم يُبرر الكاتب – دراميًا – الهدف أو المغزى من كون عنخ بهذا العجز الجنسى ، خاصة وأنّ كلمة عنخ فى اللغة المصرية القديمة تعنى الحياة . هذا غير الرجال الكثيرين الذين التقتْ بهم فى لقاء جنسى ، ولم يذكر الكاتب أسماءهم (ص95) أما حور فإنّ الرواية قصرت شبقيته على امرأتين فقط هما (رخت) و (نفرت) ولعلّ مفتاح شخصية رخت أو تفسير شبقيتها ، يتبدى عندما رفض سيا الاستجابة لرغبتها وأمرها أنْ ترتدى ملابسها. عندئذ قالت رخت لنفسها ((أردتُ شراءه بجسدى فرفض الجبان)) (190) وهنا أظهرها الكاتب على أنها شخصية انتهازية. لاتتورع عن بيع جسدها لأى شخص قد يُحقق أهدافها. كما أنها بعد أنْ نجحت فى إغراء الكاهن ، وبعد أنْ استجاب لغوايتها ، فإنها تقول له جملة بلا معنى كأية غانية مستهترة ((آمون يرانا. أيصح هنا؟)) فكان رد الكاهن ((هنا أفضل الأماكن)) (183، 184) وبالفعل تم اللقاء الجنسى داخل المعبد. وهنا نجد أنّ الكاتب يفترض شيئًا مرذولا لم تعرفه الحضارة المصرية بإجماع كل علماء علم المصريات ، وإنما العكس هو الصحيح ، حيث تقديس المصرى القديم للمعبد. كما أنّ الكاتب هنا يوحى بوجود تشابه بين حضارتنا الزراعية ، وبين مجتمعات البدو . وخطورة هذا الايحاء تنبع من أنّ عادة ممارسة الجنس بنوعيه كان يتم داخل أماكن عبادة الآلهة مثل اللات والعزى ومناة. أما المعبد المصرى فله قداسته. لدرجة أنّ فكرة تصميم المعبد انتقلت إلى بعض الشعوب الأخرى ، مثل المحراب وحوض الاغتسال (الميضأة) إلخ. وكان المعبد المصرى ((مكان الطهارة. ولم يكن لدى الكهنة أى التزام هام أكثر من المحافظة على تلك الطهارة. وعلى الكاهن أنْ يغتسل مرتين فى النهار ومرتين فى الليل . وكان لزامًا عليه الامتناع عن الاتصال الجنسى أثناء خدمته فى المعبد)) (معجم الحضارة المصرية – من ص 285 – 288 ومن 309 – 311 كمثال) وإذا كان هذا الكاهن نموذجًا شاذًا ، فكان على الكاتب أنْ يوضح أنه استثناء من القاعدة العامة. كما يوضح ما هى الضرورة الدرامية لهذا الاستثناء . وهو ما لم يفعله . أما علاقة رخت بالإله خنوم ، فهى علاقة معقدة. فالرواية تبدأ بالبحث عن خنوم الإله. وعندما يصل القارىء إلى الصفحات من 93 – 96 يكتشف أنّ الإله خنوم اختار رخت ليعاشرها معاشرة الأزواج. وقد نتج عن هذا اللقاء بينهما أنْ أنجبت رخت ابنها (رِخ) الذى صدّق رواية أمه له. قال رخ ((أحب خنوم وأتمنى أنْ أراه. أبى الذى لم أره قط)) (105) إنّ علاقة رخت بالإله خنوم كما وردت فى الرواية ، ورغم أنها من وحى تخيلات رخت ، فيها مزج وبالأدق خلط عن عمد بين أسطورتيْن مصريتيْن . فإذا كانت رخت تبدو كزوجة للإله خنوم . وإذا كانت هذه الزوجة (رخت) تبحث عن زوجها ، فإن ذهن القارىء للحضارة المصرية ، سوف يتجه إلى شخصية الإلهة إيزيس التى إهتمتْ بالبحث عن جثة زوجها الإله أوزير ، خاصة وأنّ الكاتب تعمّد أنْ يكون ل (رخت) ابن هو (رخ) كما كان لإيزيس ابن هو (حورس) وكما أنّ رخت تسعى لتنصيب ابنها رخ على العرش ، فهو نفس الشىء الذى فعلته إيزيس مع ابنها حورس فى صراعه مع الإله (ست) وعند هذا الحد يبرز هذا السؤال : إذا كانت الرواية قد أظهرت رخت بهذه الصورة المتهرئة المتهتكة من خلال شبقيتها وانتهازيتها ، فلماذا جعلها الكاتب تتناص مع شخصية الإلهة إيزيس ، التى هى رمز جميل فى منظومة الأساطير المصرية ، عن قصة الوفاء النبيل للمرأة المصرية ، التى أصرّتْ على جمع أشلاء زوجها. ولم تيأس أمام كل التحديات على النحو الوارد تفصيلا فى كل المصادر والمراجع العلمية التى ذكرت هذه الأسطورة الجميلة. وإذا كان الكاتب لم يقصد تشويه شخصية إيزيس ، فلماذا اختار التناص مع أسطورتها ؟ وبصفة خاصة البحث عن الزوج / الإله. والإنجاب من هذا الإله. ثم رغبة الأم (فى الأسطورة وفى الرواية) وإصرارها على تنصيب ابنها على العرش ؟ إنّ إيزيس لم تكن مثل رخت الانتهازية المتهتكة. إيزيس كانت الإلهة المعبودة لدى معظم شعوب العالم القديم : ((إننا لنجد فى أفريقية الشمالية وفى إسبانيا وفى بلاد الدانوب وفى فرنسا وحتى فى إنجلترا نفسها ، نقوشًا تُكرّم فيها إيزيس وسيرابيس . وكان لإيزيس ربوعها كذلك فى مناطق جبال الألب وفى ألمانيا . وفى كنيسة أورسولا فى كولونيا تمثال صغير لإيزيس التى لاتقهر. وسادت عقيدة إيزيس فى كل مكان فى أوروبا. وكان سلطانها ينمو على الدوام حتى نهاية القرن الثانى عشر الميلادى . وأنّ إيزيس قد ابتلعتْ جميع الآلهة التى كانت تُعبد فى أوروبا. وأنّ ستين بلدًا وقطرًا وشعبًا كانوا يعبدونها على أنها ((الفضلى . الطاهرة . الجميلة. المقدسة. المتصوفة. وحبيبة الآلهة)) وأنّ عبادتها انتشرتْ وسادت فى إيطاليا وفارس والبحرالأسود والبحرالأحمر. وكانت السيادة فى كل مكان لإيزيس الإلهة ذات الأسماء العديدة)) (أدولف إيرمان – مصدر سابق – من 483 – 488) ويزداد الأمر تعقيدًا لأنّ الرواية خلطت بين أسطورة إيزيس وأسطورة قصة ميلاد حتشبسوت من الإله آمون . فبعد أنْ حكى الكاتب قصة الاتصال الجسدى بين الإله خنوم ورخت ، فإنّ خنوم قال لها ((ستلدين منى ابنًا يكون سيدًا للعالمين . يُطلق على هذا الابن الذى وضعته اسم (رخ) إلخ (95) ولم يكتف الكاتب بذلك وإنما نصّ فى الهامش على أنّ ما أورده عن العلاقة بين خنوم ورخت هو ((مقتطف من قصة الولادة الإلهية للملكة حتشبسوت بالدير البحرى بالأقصر، حيث معبدها الشهير)) (106) وإذا كان النص فوق جدران المعابد يدور حول قصة ولادة حتشبسوت من الإله آمون ، وهى الحقيقة التى يعترف الكاتب بها ، فلماذا الايحاء المباشر أنّ حديث خنوم إلى رخت هو حديث آمون إلى أم حتشبسوت؟ وما دلالة توظيف أسطورتيْن على حكاية واحدة فى الرواية ؟ وبصفة خاصة إذا كانت الرواية تتعمد تشويه الأسطورتين؟ عندما صوّرت لنا رخت (المقابل الرمزى لشخصية أم حتشبسوت ولشخصية الإلهة إيزيس) بهذا التبذل وهذا الانحطاط الخلقى ؟ لعلّ الإجابة تكون فى نهاية الرواية. حيث الاغتيالات وبرك الدماء : عنخ يدخل حجرة رخت المظلمة و يتحسس خنجره بقصد قتلها. وينتهى هذا المقطع وهو يصرخ ((آه. غير معقول)) ولا نعرف ماذا حدث. ولكن فى الصفحة التالية نعرف أنه ((بعد يومين عُثر على جثة عنخ فى النهر)) ومعنى ذلك أنّ رخت هى التى قتلت عنخ الذى كان يريد قتلها. والحلقة الثانية فى مسلسل الاغتيالات بطلها حور الذى كان يشهد مراسم تتويج رخ ابن رخت. فإذا ب (حور) يستل خنجره المسموم ويطعن رخ طعنات نافذة فى قلبه. وينتهى هذا المقطع بطعنة رمح من أحد الحراس تُصيب حور فيقتل. ثم يلخص (سيا) العبرة من تلك الميليودراما وهو يصف مشاعر رخت قائلا ((سقط حور على الأرض. نظرت إليه رخت وهى تحتضن ابنها القتيل رخ . ضحكتْ بجنون . انخرطتْ فى موجة بكاء حاد . تبكى الابن أمْ العشيق أمْ كليهما ؟ والحلقة الثالثة فى مسلسل الاغتيالات ، عندما ذهبتْ رخت لتزور قبر ابنها . دخلت عليها نفرت لتقديم واجب العزاء . وبعد أنْ ((تقبّلت رخت العزاء ، وهى تستدير، كانت طعنة من يد نفرت القوية تشق ظهر رخت نصفين . انتقمتْ لحبيبها حور)) وعند هذا الحد يكون هدف الرواية قد إتضح . وتكون الرسالة التى يحرص الكاتب على توصيلها قد تبلورت : أنّ نظام الحكم ، والوصول إلى كرسى العرش فى الحضارة المصرية ، كان يتم بواسطة الجنس والتصفية الجسدية. وبالتالى انتشار وسيادة الفساد فى تلك الحضارة. وإذا كان الكاتب لايقصد ذلك. وإنما قصد الاسقاط الرمزى لبعض أنظمة الحكم المعاصرة ، فما معنى أنْ يمتد الفساد من الرمز إلى المرموز اليه ؟ خاصة أنّ العبرة بالرمز ، لأنه هو الأساس . والكاتب لم يترك للقارىء فرصة للتأويل أو التفسير ، لأنه اختار أسماء شخصياته بعناية وعن قصد. ووظف الأسطورتيْن المشار إليهما لخدمة الهدف النهائى للرواية. إنّ شخصية حور فى الرواية كان من الممكن ألاّ تستوقفنى أو تثير إهتمامى . وأنْ أتغاضى عن دلالة الاسم (حور) الذى يستدعى إلى الذاكرة شخصية (حور – إم – حِب) الفرعون العظيم الذى أصلح بعض ما أفسده أخناتون الذى أهمل شئون الحكم ورفض الدفاع عن الوطن والتصدى للأعداء المتربصين بمصر فى تلك الفترة الحالكة من حكمه. وكذلك فإنّ اسم حور يستدعى إلى الذاكرة شخصية حورس بوصفه إلهًا عظيمًا قدّسه المصريون القدماء. ولكن الكاتب لم يترك أية فرصة للتجاوز بعدم التوقف أمام دلالة الاسم . ذلك أنه كان صريحًا ومباشرًا عندما نصّ على أنّ حور كان يعتقد أنه ابن أوزير وأنّ أمه إيزيس . فإذا كان حور فى الرواية يبدو دائمًا تحت تأثير شبقيته الجنسية. وإذا كان الحقد ملأ قلبه إلى درجة أنْ يتحول إلى مجرم عندما قتل رخ الشاب الصغير ابن رخت . وإذا كان حور فى الرواية ابن إيزيس ، فهل كان حورس فى الأساطير المصرية بنفس هذه الصورة البشعة مثل حور فى الرواية؟ كتب أدولف إيرمان ((لم يكن ثمة إله أحب إلى قلب عامة الشعب من حورس الطفل)) وأنّ ((عين حورس لعبت دورًا مهمًا فى معتقدات المصريين . وتطوّرتْ وأصبحتْ تُمثل رمزًا مقدسًا استعمله المصرى كتميمة ملأت نماذجها متاحف العالم)) وأنّ حورس ابن إيزيس هو رمز لوفاء الابن لأبيه . ذلك أنّ حورس قدّم عينه إلى أبيه أوزير. ولذلك سُميت (عين حورس) ويطرح أدولف إيرمان هذا السؤال : لماذا أحبّ المصريون قصة إيزيس وأوزيريس؟ ويجيب العالم الكبير ((لأنّ المصريين ارتاحوا إلى ما فيها من مشاعر بشرية وإلى نزوع أوزيريس إلى الحق وإلى ولاء إيزيس لزوجها . وحبها لابنها. ثم إلى تقوى حورس الطفل)) وأنّ النزاع بين حورس و (ست) قاتل أبيه ، تم عرضه فى محكمة الآلهة (كأنه نزاع قانونى) وفى الحق يبدو كل شىء فى هذه القصة وقد طُبع بطابع الإنسانية المتحضرة)) وكتب أيضًا ((إنّ أسطورة أوزيريس عادت من جديد فى القرن الثانى عشر الميلادى. وذلك فى أوروبا على الأقل. وأنّ مقطوعة الناى المسحور قد تسبّبت فى انتشارها وذيوعها بين الناس. حتى لقد صرخ الشاعر جوته فى حنق وغيظ قائلا ((أى إيزيس وأى أوزيريس؟ لو أنى أستطيع التخلص منكما)) وعقّب إيرمان قائلا (( ولكننا نحن الذين نعرف هذه الأسطورة من مصادرها القديمة الخالصة. وهى أقدم ما فى العالم من أساطير ، فإننا ننظر إليها نظرة مختلفة . كما نستطيع أنْ نبتهج بها فى غير تحزب)) وذكر أيضًا أنّ حورس عندما طالب بالقصاص من قاتل أبيه ((فإنّ الأمر لايسير إلاّ عن طريق العدالة. وأما سكان الوادى الوادعون ، فلم يشعروا بغير الاشمئزاز نحو الحروب والمعارك التى أبدعت فى تصويرها خيالات بعض الشعوب الأخرى مثل الإلياذة)) (مصدر سابق – الصفحات 26 ، 81 ، 88 ، 89 ، 101 ، 178 ، 435) . بالطبع فإنّ هذه الاقتباسات على سبيل المثال فقط . ومن مرجع واحد من بين عشرات المراجع . ثم أعود للسؤال الذى طرحته : لماذا تعمّد الكاتب أنْ يجعل حور فى الرواية يتخيل أنه ابن إيزيس وأوزير ؟ ولماذا تشويه شخصية حورس الأسطورية ، رغم ما فيها من قيم نبيلة نفتقدها فى حياتنا المعاصرة ؟ كما أنّ النهاية الدموية التى اختارها الكاتب تثير هذا السؤال : هل كان المصرى القديم يلجأ الى أسلوب التصفية الجسدية ، كما ورد فى الرواية ؟ كتب إيرمان ((لم يتعطش المصريون نحو الأخذ بالثأر كما كانت الحال فى الشعوب الأخرى . وبقيتْ هذه العادة غريبة عنهم . ومن أجل هذا بقيت ديانتهم خلوًا من الطقوس المخيفة التى تحيد بالديانات الأخرى عن الطريق المعتدل . ولم يكن فيها مكان لآلهة ظمأى نحوالدماء ولاطقوس تسرف فى الشرورأو الشراهة)) (مصدر سابق ص11) وإذا تجاوزنا عن البناء الدرامى للأحداث والشخصيات فى الرواية. وصدّقنا أنّ معاشرة الإله خنوم ل (رخت) معاشرة الأزواج ، صنعته تخيلات الشخصية ، وأنّ الكاتب لم يقصد أنْ يكون حور فى الرواية يتناص مع الإله حورس . لو أننا صدّقنا ذلك. وأنّ الحكاية كلها توهمات من الشخصيتين (رخت وحور) وأنّ الكاتب لم يقصد تشويه الميثولوجيا المصرية ، فإنّ النتيجة واحدة : أنّ التشويه قد وقع بغض النظر عن النوايا لسببين: الأول أنّ الشخصية الروائية لاتكتب نفسها وإنما وراءها الكاتب. وأنّ أية توهمات مسئول عنها مبدع الشخصية على هذا النحو أو ذاك. أما السبب الثانى فيأتى فى شكل سؤال : لماذا جعل الكاتب شخصية رخت تعيش وهم أنّ ابنها (رِخ) هو ابن الإله خنوم؟ ولماذا جعل شخصية حور يعيش وهم أنه ابن الإلهة إيزيس؟ والسؤال بصيغة أخرى : إذا كان الكاتب غير مسئول عن تخيلات هاتين الشخصيتين ، فلماذا قدمهما بهذا الابتذال والفساد ؟ ولماذا لم يلتحم خيال الشخصيتين بالنسيج العام للأسطورتين اللتين وظفهما فى أحداث الرواية؟ وهو التحام لو تم يتسق مع المنطق ويقبله العقل ، بمراعاة أنّ الإنسان الذى يتوهم أو يتمنى أنْ يكون مثل شخصية معينة ، فهو يفعل ذلك ليصير إمتدادًا له وشبيهًا به. وليس ليصبح على النقيض منه من حيث القيم والتصرفات. وتبعًا لذلك فإنّ العقل كان يتقبل أنْ تكون توهمات رخت تمهيدًا طبيعيًا لأنْ تصير كأنها أم الملكة حتشبسوت. أو كأنها إمتداد للإلهة إيزيس فى نبلها وطهارتها ووفائها لزوجها. ويكون حور فى الرواية كأنه إمتداد للإله حورس ، فى رمز تقديس الابن لأبيه والنضال من أجل تحقيق العدالة. وليس مجرد الوصول إلى العرش عن طريق الجنس والاغتيالات كما ورد فى الرواية. بل إنّ التشويه إمتد ليشمل (نفرت) فجعلها الكاتب تقتل رخت. رغم أنّ نفرت شخصية ثانوية وعشيقة حور. وليس لها أى دور مؤثر فى أحداث الرواية. ومع ذلك يُصوّرها الكاتب على أنها قاتلة. فماذا يقصد الكاتب بذلك ؟ ولماذا اختار لها اسم (نفرت) بالذات الذى يعنى فى اللغة المصرية القديمة الجمال ومشتقاته ؟ إنّ رواية البحث عن خنوم تثير قضية استخدام التراث. وما هى حدود العلاقة بين هذا التراث ، وفق مصادره العلمية الموثقة ، وخيال الكاتب. وهل يجوز السماح لخيال المبدع أنْ يجور على هذا التراث إلى درجة التشويه ؟ وما معنى أنْ يكون هدف الرواية هو التركيز على إظهار الفساد السياسى فى هذا الثراث ؟ خاصة إذا كان هذا التراث محل إعجاب وتقدير واحترام كافة الشعوب المتحضرة ، لدرجة أنّ مادة علم المصريات أساسية فى أوروبا. ومن الابتدائى إلى الجامعة. كما أنّ هذه الرواية كان من المقدر لها أنْ تكون رواية مهمة ، بمراعاة أنّ الكاتب وضع يده على كنز ثمين هو الميثولوجيا المصرية. التى جمعت بين الخيال الحر. وهى تُقيم عالم الآلهة. وعلاقة هذه الآلهة ببعضهم العض. ثم علاقة هذه الآلهة بالبشر. ثم مجموعة القيم الأخلاقية التى تركتها هذه الأساطير. ثم موقف الشعب المصرى منها . وإلى أية درجة كان يتفق أو يختلف معها .. إلخ . وكان مقدرًا لهذه الرواية أنْ تكون مهمة ، بمراعاة أنّ الكاتب لجأ إلى حيلة جميلة ، هى مزج الأسطورى بالواقعى . ولكن هذا المزج شوّهه توظيف أسطورتيْن لاعلاقة بينهما. وشوهه تجاوز سقف الالتزام بأصل الأسطورة. وشوّهه هدف الكاتب المسبق لتشويه الحضارة المصرية . وكان مقدرًا لهذه الرواية أنْ تكون مهمة ، لأنّ كاتبها لم يقف فى طابور الحداثيين ، علّه يجد طرفًا فى ذيل الحداثة وما بعد الحداثة يتشعبط فيه . إننى بقدر فرحتى لأنّ كاتبًا اختار التراث المصرى ليكون مسرحًا لأحداث روايته ، بقدر ما أحزننى كم التشوّه والافتئات على هذا التراث. وأنه تراث لايستحق العناية به. بزعم أنه غارق فى الفساد والرذيلة مثلما تعمّد الكاتب . كما أحزننى أنّ الرواية كان من الممكن أنْ تكون رواية مهمة ، خاصة أنّ الهوامش فى الرواية تؤكد أنّ الكاتب على دراية بهذا التراث . وإذا كان كثيرون من الكتاب الأوروبيين استلهموا التراث المصرى ، ليكون مادة لأعمالهم الإبداعية ، وإذا كان هؤلاء الكتاب لم يعمدوا إلى تشويه تراث جدودنا ، فلماذا يكون هذا التشويه على يد كاتب مصرى ؟ سواء قصد ذلك أو لم يقصد ، لأنّ العبرة بما هو مدون وليست العبرة بالنيات . كتب إيرمان ((لقد كان الظلم فى كل العصور فى مصر مرذولا فى نظر الآلهة. ونحن نقرأ فى متون الأهرام ، أنّ الملاح السماوى لايسمح بالعبور لغير الصالحين العادلين . هذه الحقيقة وهذا القانون يتضمنان المثل الأعلى لدى المصريين . وهذا هو ما يكوّن دولة متحضرة)) (ص177) أما هيرودوت المؤرخ الإغريقى الذى زار مصر فى القرن الخامس ق. م فقد ذكر فى كتابه الثانى عن مصر أنّ المصريين ((يزيدون كثيرًا عن سائر الناس فى التقوى)) كما أثبت علماء علم المصريات ، أنّ ولادة فكرة (الضمير) ونشأتها كانت على يد المصريين . وأنّ عالمًا كبيرًا مثل برستد خصص لهذا الموضوع كتابًا وضع له عنوان (فجر الضمير) ****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والحياة
-
الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
-
الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
-
الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
-
حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
-
الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
-
معوقات الحداثة المصرية
-
صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
-
صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
-
صناعة النجوم فى الميديا المصرية
-
المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
-
الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
-
الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
-
رد على الأستاذ يحيى توتى
-
تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
-
الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
-
ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (3)
-
ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (2)
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|