|
-إقرأ-..لفظة ٌقـُرآنية لها معنى غير -القراءة-
ابراهيم عباس نتو
الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 11:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن فهمَ لفظةِ "اقرأ" عندي يختلفُ عن المتداول بين عامة الناس و خاصتهم في سياق ما جاء في الأثر عبر أكثر من 14 قرناً مضت. فكثيراً، و ربما دائماً، ما نقرأ أو نسمع عبارات مثل(أول كلمة نزلت من القرآن هي “اقرأ")، يقولونها بغرض توضيح أهمية "القراءة" عندنا و في تراثنا. و مع أن للفظة صلة كثيبة بـ"القراءة" --كواحدة من المعاني، و لكن لي رأياً آخر.
فإن مفهومِي، بناءً على تتبعي الشخصي و إلمامي بشيء من إحدى اللغات السامية، يقودني إلى أن المعني الأقرب للكلمة لا علاقة له بالقراءة.. في سياق القراءة و الكتابة؛ بل هناك معنى آخر، إضافةً إلى عدة قرائن و مؤشرات موضوعية و موضعية صاحبت منطوق العبارة المأثورة "إقرأ" بسم ربك".. بما يتصل بأحداث أوائل و "بدايات الوحي". أما إذا تم تقديم الفرضية البديلة، بأن سورة "المدَّثر" سبقتها، فذاك يجعل حتى كلمة "إقرأ" محل نظر، عن كونها المنطوق "الأول". و لكن، يبقى المعنى اللغوي لكلمة "إقرأ" و أنها لا علاقة لها بالقراءة و الكتابة، هو موضوعنا هنا.
فحسَب فهمي و متابعتي، فإن كلمةَ "اقرأ" هنا تأتي لتعني: أُدْعُ، أيْ بلِّغ، أصدع، أنشُرْ،..و ليس بمعني "اقرأ"، بما يتصل بالقراء ة و الكتابة و فك الحرف...
و على هذا يتم -في رأيي- اتساق الجناح الأخر من المقولة المأثورة: بأن سؤال و مقولة الرسول(ص) -"ما أنا بقارئ"- كانت في صيغة و سياق السؤال و الاستفسار، و ليست في صيغة "الإنكار"و "النفي". فالمقولة: "ما أنا بقارئ" لا تعني: لست بقارئ..بل تأتي كسؤال و استفهام.
فلفظةَ "ما" هنا لم تأت في معنى الإنكار و النفي (أنا لست بقارئ، أنا لا أقرأ)، بل جاءت لفظة "ما"..بمعنى الاستفهام و الاستفسار، كقولك: "ما أنا بقارئ؟" بمعنى: ما المطلوب مني قراءته؟؛ ماذا أنا بقارئ؟ ما المطلوب مني "تبليغه"؟، و"ما المطلوب مني الدعوة إليه أو به؟ فيكون الجواب متناسقاً: اقرأ، أي بلِّغ..و أصدع..و انشر، و ادعُ..بسم ربك...
و نشير إلى القول المألوف الذي يبين استعمال كلمة "إقرأ" بمعنى "بلِّغْ، أوصِـلْ ، و ذلك باستخدام العبارة التي تتداولها كتبُ القصص و السير، و أيضاً كتب التلاميذ، حيثُ العبارة المشهورة: "يا غلام، اذهب إلى فلان، و أقرئهُ السلام"، أي بـَلـِّغهُ السلام...".
و كذلك جاء في الأثر أنه (ص) دخل على خديجة(ر) و هي على فراش الموت، فقال لها: "يا خديجة، إذا لقِيتِ ضرائركِ فأقرئيهن مِنّي السلام." فقالت: "يا رسول الله، و هل تزوّجتَ قـَبلي؟" قال: "لا، لكن زوَّجَني اللهُ مريمَ بنتَ عمران، و آسيةَ امرأةَ فرعون، و كلثمَ أختَ موسى[و هي أيضاً أخت هارون.]".
فمقولة "ما أنا بقارئ" هنا ليس لها علاقة بالقراءة و لا بالكتابة، ..بل هي تتعلق بتبليغ الدعوة، الرسالة.
فإن سأل سائل: و ماذا عن المفهوم المتداول و المصاحب منذ فترة طويلة لعبارة "ما أنا بقارئ"، مما قد ينم عن نفي القدرة على الكتابة و القراءة، فيكون جوابي - ساعتها- أن الرسول(ص) ما كانت "الأميةُ" هاجسَه و لا كان ذلك شاغلَه خلال تلك المحادثة الحاسمة الشهيرة؛ فما كانت الأمية أو الثقافة.. و لا مستوى اللغة و الكتابةً و القراءةً شغله الشاغل في تلك اللحظة، بل كان الشاغل الحقيقي هو ما مَرّت عليه -و منذ فترة- من حادثات استغراقية و معاناتية وتجاذبية.. تتصل بالرسالة و إعلان الدعوة و إشهارها..أو -لا سمح الله- التخلي عنها،.. لولا دعم و مؤازرة السيدة خديجة(ر) و ابن عمها رجل الدين "ورقة بن نوفل"). فلم يكن الموضوع هنا يتعرض لمدى الاستعدادات اللغوية القرائية و الكتابية.
أما مسألة "الأمية"، فهي الأخرى مسألة فيها نظر، و هي موضع نقاش، أخذاً في الاعتبار عدة مواقف و مناسبات أشارت إلى بُعدِه(ص) عن الأمية، سواء أكان في ذلك الموقف المشهور حينما اعترض مندوب مكة في المفاوضات في "صلح الحديبية" (حينما رفض استعمال عبارة "محمد رسول الله"، و أصر على الاقتصار على "محمد بن عبدالله"؛..و تمت موافقته(ص)، بينما تردد و امتعض كاتبه الإمام علي بن أبي طالب(ر) لهكذا طلب من مفاوض أهل مكة؛ فإذا بالرسول(ص) يحسم الموقف و يمسحها بنفسه.. بأصبعه. (و هناك مواقف أخرى كذلك.)
كان اليهود في يثرب وفي فلسطين يصِفون مجاوريهم العرب بكلمة "أميين"، و لا يقصدون الجهل بالقراءة و الكتابة، بل كانت تلك الكلمة تطلق على كل من هو غير يهودي؛ (و أيضاً استعملوا الكلمة العبرية "قوييم" ((goyiim في صيغة الجمع بمعنى "الغرباء"، و مفردها "قـويْ" .(goy)و استعملت كلمة "الأميين" لتشير إلى من لم يكن لديهم "كتاب". كما و قد جاء في الآية [آل عمران: 20]: "فإن حاجـّوك فقل أسلمتُ وجهيَ لله و من اتبعنِ؛ وقل للذين أوتوا الكتاب [اليهود والنصارى] والأمِّيين: أأسلمتم؟". فكان العرب -إلى ما قبل هذه الفترة- لا يُصَنـَّفُون على أنهم ذوو كتاب، بل كـ"أميين"، بالمعنى الموضح هنا، و ليس بمعنى جهل الكتابة والقراءة. ثم كانت الآية[الجمعة: 2]: "هو الذي بعث في الأميين [العرب و الذين لم يكونوا مصنفين -على الأقل إلى تاريخ تلك الفترة- كـ"أهل كتاب"] رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتِه.."
ثم لديَّ إضافةٌ أخرى قد يكون فيها مزيد من التوضيح، و هي أن كلمة "أمِّي" تأتي عادة مكتوبة بالميم المشددة؛ والتشديد في العربية يعني "مضاعفة" الحرف و ازدواجيته و لو بالشكل المُدغَم الخفي؛ فتأتي الكلمة و كأنها "أممي"، مثل أن تقول "المنظمة الأممية" -كما في منظمة "عصبة الأمم"، أو "الحروب الأممية"، و نحوهما. فإن كان ذلك كذلك، فقد يكون المقصود أن الرسولَ نبيٌ أمميٌ ذو رسالة موجهة إلى عموم "الأمم" في أنحاء المعمورة و ما وراءها (..إلى العالمين)؛ فيكون المقصود إذن أنه النبي "الأمّي".. النبي "الأممي".
__________
د. إبراهيم عباس نـَـتــُّـو
Dr. Ibraheem A. NATTO
[email protected]
عميد سابق في جامعة البترول
#ابراهيم_عباس_نتو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموسيقـَى غِذاءُ الرُّوح!
-
قرارٌ أمريكيٌ قد يؤذي مستقبلنا في المملكة العربية السعودية!
-
سياقة ُالمرأةِ سيّارتـَها حَـقٌ طبيعي
-
قصيدة اعملوا.
-
المرأة و الفئات المتزمِّتة!
-
قصيدة / إلى ما وراء عاشوراء
-
أول روائية سعودية تكتب عن الإرهاب
-
الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية
-
بَدءُ الديموقراطيا و الانتخابات السعودية
-
ما ضَــرَّ لو جاء المترشحُ العربي في الانتخابات بأقل من 99,9
...
-
بني وطني، لا تقاطعوا الانتخابات
-
نجمتان خليجيتان: لـُبنىَ العِلَيّان..و نَدىَ زيدان
-
رؤية هلال العيد كانت سرابا…
-
السعودياتُ السبْع! شعاعُ مشاركةِ المرأةِ في الانتخابات بَدا
...
-
بداهات في -الإصلاح- موجز عن محاضرة عامة لمعالي د. علي فخرو
-
اللجنة الفرعية لحقوق الانسان تتبنى قرارا دوليا حول تعليم حقو
...
-
مع قرب الإنتخابات في المملكة العربية السعودية
-
بمناسبة -اليوم العالمي لحقوق الإنسان-..10 ديسمبر..التعبيرُ ح
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|